الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[551] باب التحرير لأصول التكفير وفيه كلمة حول موقع العمل من الإيمان [مجلس مع الأستاذ خالد العنبري]
الملقي [خالد العنبري]: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
أبا عبد الرحمن فضيلة الشيخ الداعية العلامة النقاد المحدث
…
الشيخ: دعك دعك من هذه الألفاظ.
الملقي: ناصر الدين الألباني، لا شك كما يقول أبو قلابة: إنما مثل العلماء كمثل النجوم التي يهتدى بها، والأعلام التي يقتدى بها، فإذا تغيبت تحيروا، وإذا تركوها ضلوا.
ألا وإن الشباب اليوم في حيرة شديدة تجاه مسائل الإيمان والكفر ولا شك أن هذه المسائل من الخطورة بمكان، وأنه يتعين على كل أحد الاعتناء بتحقيقها؛ لأن الله تبارك وتعالى علق بها السعادة والشقاوة، والاختلاف في هذه المسائل هو أول اختلاف وقع في هذه الأمة بين الصحابة والخوارج كما لا يخفى على فضيلتكم، ولذلك كان لزاماً علينا أن نطرح بعض الأسئلة، لعل الله ينفع بالجواب عليها من فضيلتكم، ونبدأ بالسؤال الأول وهو في مسائل الإيمان: فلا شك أن الإيمان عند أهل السنة كما يعبر بعض العلماء خمس نونات: اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان. وبعبارة أخرى فإن الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب
والجوارح، فلا يكون الرجل مؤمناً حتى يصدق بقلبه، ويقر بلسانه، ولا يكون بذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من الحب والخشية والتعظيم والإجلال للرب تبارك وتعالى، ونحو ذلك من الأعمال القلبية، والسؤال فضيلة الشيخ: ما موقع العمل من الإيمان؟ وهل هو شرط كمال أم شرك صحة؟ أرجو توضيح هذه القضية، وبارك الله فيكم.
الشيخ: الذي فهمناه من أدلة الكتاب والسنة ومن أقوال الأئمة من صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين أن ما جاوز العمل القلبي وتعداه إلى ما يتعلق بالعمل البدني فهو شرط كمال وليس شرط صحة، ولذلك فالزيادة والنقصان الذي هو معروف عند العلماء، وجاء ذكره في تضاعيف السؤال إنما يزيد بهذه الأعمال وينقص، فهناك ارتباط وثيق جداً بين العمل القلبي، والعمل البدني، فكلما ازداد الإيمان في القلب كلما ظهرت آثاره على البدن، وكلما ازداد العمل بدنياً عاد بزيادة في الإيمان القلبي، فهذا هو الذي نفهمه مما أشرت إليه آنفاً من أقوال العلماء الذين كانوا أعلم الناس بدلالات الكتاب والسنة، وقد فهمت بالأمس القريب أنك توسعت في هذا الموضوع وجلبت كل ما تيسر لك من الأدلة من كتاب الله ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال أئمة السلف ومن جرى على منهجهم ما فيه كفاية وغنية عن الإفاضة بالنسبة لمثل هذا الوقت، والذي نرتجل فيه الجواب عن سؤالك ارتجالاً، فإذا كان هناك شيء يحتاج إلى توضيح أو بيان فنوضحه، وإلا ننتقل إلى ما بعد هذا السؤال.
الملقي: فضيلة الشيخ ما دام العمل شرط كمال لا شرط صحة كما يقول المعتزلة والخوارج، فإن بعض الناس يتهم أهل السنة أو يتهم بعض السلفيين بأنهم
مرجئة ذلك؛ لأنهم يعتقدون أنهم إن قالوا إن العمل شرط كمال فإن ذلك يؤدي إلى أن الإيمان قول بلا عمل، ويقولون هذا قول المرجئة، فما دمتم أنتم أيها السلفيون لا تكفرون تارك الأعمال، ومن تلك الأعمال الأركان الخمسة، وكذلك من ترك الحكم بغير ما أنزل الله من غير ما جحود واستحلال، فأنتم مرجئة، فما ردكم على هذه الفرية -بارك الله فيكم-؟
الشيخ: أولاً: نحن ما يهمنا الاصطلاحات الحادثة بقدر ما يهمنا اتباع الحق حيثما كان، فسواءٌ قيل إنه هذا مذهب الخوارج أو المعتزلة، فهم يقولون معنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهل معنى كوننا وافقناهم على هذه الكلمة الطيبة أن نحيد عنها؛ لأن غيرنا من أصحاب الانحراف عن الحق هم يقولون ذلك -أيضاً-، بداهة سيكون الجواب: لا، وإنما نحن كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة ندور مع الحق حيث دار، فالذين يتهمون أهل السنة الذين يقولون بما ذكرنا مما عليه الأئمة بالإرجاء؛ فما هو هذا الإرجاء؟ عندهم، ما هو هذا الإرجاء؟ الذين يقولون بالإرجاء لا يقولون بأن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال الصالحة، ولذلك فثمة خلاف واضح جداً بين أهل الحق وبين المرجئة، فنحن نعلم أن علماء السلف يذكرون عن بعض السلف من المرجئة الذين يقولون إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص أن أحدهم لا يتورع عن أن يقول: إيماني كإيمان جبريل، هذا منقول؛ ذلك لأن حقيقة الإيمان عندهم غير قابلة للزيادة والنقصان أين مذهب الإرجاء من قولنا نحن بأن الإيمان يزيد وينقص، وكما جاء في السؤال مما لا حاجة إلى تكرار أنه زيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية، ولقد بلغ من انحراف القائلين بالإرجاء حقيقة مبلغاً خالفوا فيه نصوصاً غير النصوص التي تدل صراحة في الكتاب والسنة على أن الإيمان يزيد، فقالوا بأنه بناء على قولهم أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص قالوا تلك الكلمة وبنوا عليها أنه لا يجوز الاستثناء في الإيمان، لا يجوز أن يقول: أنا مؤمن
-إن شاء الله-، ورتبوا على هذه القولة حكماً خطيراً جداً وهو تكفير من يستثني في إيمانه، فمن قال: أنا مؤمن -إن شاء الله- قد جاء في كتب الفروع بأنه لا يجوز لحنفي أن يتزوج بشافعية؛ لأنهم يستثنون في إيمانهم، هكذا كان قد صدر من بعض علمائهم من قبل، ثم جاء من يظن بأنه كان من منصفيهم أو من المعتدلين فيهم، فأفتى بالجواز، لكن الحقيقة أنني أتساءل: أيهما أخطر؟ أهذا الذي أفتى بالجواز بالتعليل الآتي؟ أم أولئك الذين صرحوا بأنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالشافعية؛ لأنهم يشكون في إيمانهم؟ فالتي تشك في إيمانها لا تكون مسلمة ولا من أهل الكتاب ليجوز أن يتزوجها، لو كانت من أهل الكتاب، فجاء هذا الذي قد يظن أنه من المعتدلين فيهم فأجاب حينما سئل وهو المعروف بمفتي الثقلين ومؤلف التفسير قال: يجوز والتعليل -الآن هو موضع العبرة- تنزيلاً لها منزلة أهل الكتاب، فهذا هو جواب المرجئة، ولا شك أن الذين يتهمون القائلين بكلمة الحق مما سبق بيانه آنفاً أن الإيمان يزيد وينقص إلى آخره أنهم يقولون على أهل الحق ما ليس فيهم، وفي اعتقادي أنهم يعلمون ما يقولون، ويعلمون أنهم مبطلون فيما يقولون، فالفرق في اعتقادي واضح جداً بين عقيدة السلف وبين المرجئة، فشتان بين الفريقين، والظلم من هؤلاء الناشئين اليوم الذين يتهمون أتباع السلف الصالح بأنهم مرجئة، نعم.
الملقي: ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية قسم فرق المرجئة إلى ثلاثة أقسام: فمنهم من يقول إن الإيمان مجرد ما في القلب. ومنهم من يقول: إنه مجرد قول اللسان، وهذا لا يعرف لأحد قبل الكرامية الفرقة المعروفة.
الشيخ: نعم.
الملقي: وهناك قول ثالث للمرجئة، وهم مرجئة الفقهاء إذ يقولون: هو
تصديق القلب وقول اللسان، وعامة المرجئة كما تعلمنا من فضيلتكم يذهبون إلى أنه لا يزيد ولا ينقص ولا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه، بل إيمان الجميع سواء، أما السلفيون أهل الحديث والسنة فإنهم يقولون إنه اعتقاد وقول وعمل يزيد وينقص ويتبعض ويتفاضل أهله فيه، ويتسثنون في الإيمان ويرون أنه أصل وفرع، كما أني أضيف إلى كلمتكم الطيبة قولةً طيبة لابن أبي العز في شرحه للعقيدة الطحاوية يقول فيما يقول: إن الإرجاء المذموم الذي ذمه.
الشيخ: عفواً كيف يقول:
الملقي: يقول: إن الإرجاء المذموم يؤدي إلى ظهور الفسق والمعاصي، بأن يقول: أنا مؤمن مسلم حقاً كامل الإسلام والإيمان
الشيخ: هاه
الملقي: ولي من أولياء الله فلا يبالي بما يكون منه من المعاصي، وبهذا المعنى قالت المرجئة: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله، وهذا باطل قطعاً كما يقول ابن أبي العز. كما أن هناك قول آخر لحافظ أهل المغرب أبي عمر ابن عبد البر يؤيد ما قاله فضيلتكم يقول: هذا قول -يعني القول بعدم كفر تارك الصلاة-، يقول: هذا قول قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقول: الإيمان قول وعمل، وقالت به المرجئة -أيضاً-؛ إلا أن المرجئة تقول: المؤمن المقر مستكمل الإيمان، وقد ذكرنا اختلاف أئمة أهل السنة والجماعة في تارك الصلاة، فأما أهل البدع فإن المرجئة قالت: تارك الصلاة مؤمن مستكمل الإيمان إذا كان مقر غير جاحد ولا مستكبر انتهى كلام الحافظ رحمه الله.
على أن -فضيلة الشيخ- هذه الفرية ليست بالحديثة، وإنما هي فرية قديمة إذ
ذكر القاضي الشيخ العلامة أبو الفضل السكسكي في كتابه: البرهان في عقائد أهل الأديان، أن طائفة من أهل البدع تسمى بـ المنصورية، يتهمون أهل السنة بأنهم مرجئة لقولها -أي لقول أهل السنة-: إن تارك الصلاة إذا لم يكن جاحداً لوجوبها مسلم على الصحيح من المذهب، أي من مذهب الإمام أحمد. ويقولون هذا يؤدي إلى أن الإيمان عندهم قول بلا عمل، ودافع الشيخ السكسكي عن أهل السنة ورد هذا الاتهام في كتابه المذكور آنفاً. فضيلة الشيخ.
الشيخ: عفواً، ما أدري إذا كان عبارة الرجل الفاضل في لفظة: مسلم، هل هي دقيقة؟ لأن المنافق الذي يظهر الإسلام يقال فيه: مسلم، لكنه غير مؤمن، والبحث الآن أنه هذا تارك الصلاة وهو مؤمن بها هل هو مؤمن أم لا؟ وجوابنا: إنه مؤمن لكن إيمانه ناقص.
الملقي: نعم نعم.
الشيخ: فتركه للصلاة دليل نقصان إيمانه، أما أن يقال إنه مسلم فيقال: حتى الذي ليس في قلبه ذرة من إيمان، لكنه يتظاهر بشيء من أركان الإسلام فيقال عنه إنه مسلم، مفهوم ملاحظتي.
الملقي: نعم نعم
الشيخ: شو يبدو لكم في هذا؟
الملقي: يبدوا لي أنه ربما يقصد بالمسلم المؤمن، وأنه ممن لا يفرق بين الإسلام والإيمان.
الشيخ: لكن هذا
الملقي: لعل هذا والله أعلم.
الشيخ: آه
الملقي: ولا أظن أن ..
الشيخ: هو القصد يعني أنه لو قيل مؤمن ألا يكون أدفع للشبهة وللسؤال؟
الملقي: بلا شك.
الشيخ: لأنه لا يخفاكم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، هكذا بقي في ذهني من مطالعتي القديمة، وهي أن الإيمان إذا أطلق والإسلام إذا أطلق فلكل منهما معنىً، لكن قد يقوم أحدهما مقام الآخر.
الملقي: أي نعم.
الشيخ: هذا صحيح، لكن هنا والموضوع موضوع الإيمان وترك الصلاة ينافي الإيمان سواءً مطلقاً أو نقصاناً فكنت أظن أنه يكون بدل كلمة مسلم أن يقال إنه مؤمن، ثم يقرن معه ألَّا يتوهم من هذا الإطلاق بأنه كامل الإيمان رداً على المرجئة، هذه ملاحظة أحببت أن أذكرها بالنسبة لهذا النص، وهذا النص بلا شك يفيد رداً قوياً على الذين يستغلون القول الصحيح، ويحاولون إلقاء التهمة على أهل الحق. نعم.
الملقي: بهذا انتهينا من مبحث الإيمان، وإن كان على سبيل الاختصار الشديد. لكن نظراً لوقتكم الذي سمحتم به لنا فنطرق إلى موضوع التكفير: فلا شك أن الكفر نوعان: كفر أكبر، وكفر أصغر، والمقصود من بحثنا معكم هو الكفر الأكبر المخرج من الملة.
الشيخ: نعم
الملقي: ولا شك أن الكفر المخرج من الملة كما هو عند أهل السنة والجماعة ستة أنواع وليس بنوع واحد: تكذيب، وجحود، وعناد، ونفاق، وإعراض، وشك. وإنما تنوع الكفر هذا التنوع بسبب اختلاف مواقف الناس تجاه الحق الذي أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتب، فمن الناس من يكفر بلسانه وقلبه، وهذا هو كفر التكذيب، والغالب على هؤلاء هو عدم إحاطتهم بما أنزل الله؛ لذلك كفروا وكذبوا، ومما يشير إلى ذلك قول ربنا:{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النمل:83، 84)، ومن الناس من يتيقن بقلبه أنه الحق، ولكن يكتم ذلك ويكذبه بلسانه.
الشيخ: عفواً ممكن نقف عند النوع الأول؛ لأنه بدا لي فيه شيء وهو ذكرتم معنى أنهم ما أحاطوا، أعد، أعد كلامك.
الملقي: نعم، أقول الغالب على هؤلاء أنهم كَذَّبوا.
الشيخ: آه.
الملقي: بالإسلام لأنهم لم يحيطوا به علماً.
الشيخ: إيه هنا نقف.
الملقي: لم يحيطوا بالإسلام علماً
…
الشيخ: لم يحيطوا به علماً
الملقي: نعم.
الشيخ: هل هذا شرط؟
الملقي: أقول: الغالب، بدليل قول ربنا
الشيخ: الإحاطة بالإسلام يا أستاذ يعني بالكاد أن نقوله بعلماء المسلمين أنفسهم فضلاً عن الكفار الذين هم لا يعرفون من الإسلام إلا الشيء القليل، فأنا أعتقد أنه الإتيان بلفظة الإحاطة هنا يفسد علينا عقيدتنا.
الملقي: نعم.
الشيخ: لأن الإحاطة لا حدود لها، وإنما يكفي كما لا يخفاكم جميعاً يكفي ليقع الشخص في الكفر أن يتحقق فيه معنى قوله تعالى:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) إذا علم أن آية من كتاب الله أنزلها الله ثم جحد بها هنا لا يوجد إحاطة، لكن يوجد إنكار لما أحاط به علمه في هذه الجزئية، فما يبدوا لي أن وضع كلمة الإحاطة هنا هي تفيد في ضبط العقيدة.
الملقي: المقصود -بارك الله فيكم- أنه إذا كذب إنسان بالإسلام فمعنى ذلك إما أن يكون جاهلاً بالإسلام، ولم يبحثه حق البحث، ولذلك كذب به، هذا إذا كان مكذباً بقلبه وبلسانه، يعني يكون في واقع الأمر مكذباً بقلبه، وهو صادق في ذلك التكذيب من حيث الواقع، قلت هذا لكي أفرق بين هذا النوع والنوع الآخر ألا وهو كفر الجحود، وكفر الجحود فهو أن يتيقن بقلبه أنه الحق ولكنه يكتم ذلك ويكذبه بلسانه، وذلك ككفر فرعون بموسى واليهود بمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذلك يقول ربنا كما تفضلتم آنفاً:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل:14){فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} (البقرة:89)، هذا هو كفر الجحود.
أما كفر العناد فهو أن يقر بالإسلام باطناً وظاهراً بقلبه ولسانه، لكنه لا ينقاد
للإسلام بغضاً واستكباراً ومعارضة لله ورسله، فهو وإن كان مصدقاً بهذا الحق فإن تلك المعاندة تنافي هذا التصديق، وذلك ككفر إبليس اللعين، كما قال ربنا:{إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة:34)، وأما كفر الإعراض فأن يعرض عنه لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يصغي له البتة، ولا يسمعه عمداً واستهتاراً واستكباراً كما قال ربنا:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} (فصلت:3، 4)، ثم قال:{وَقَالُوا قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} (فصلت:5)، ثم كفر الشك، فمن الناس من يظل في شك وتردد لا يجزم بشيء، والنوع الأخير هو كفر النفاق ولا يحتاج إلى تبيان.
وبناءً على ذلك أتوجه بسؤالي إليكم: هل يكون الكفر بالقلب فقط؟ أم أنه يكون بالقلب واللسان والعمل؟ وبعبارة أخرى: هل يكون الكفر بالاعتقاد فقط؟ أم يكون بالاعتقاد والقول والعمل؟ نبئوني بعلمٍ -بارك الله فيك-.
الشيخ: هو الذي أفهمه في هذه المسألة أن الأصل هو الكفر القلبي، لكن هناك أقوالٌ وأعمال قد تصدر من الإنسان تنبي عما وقر في قلبه من الكفر، لكننا لا نرى ضرورة الجمع بين أن يكفر بقلبه وبشيء من عمله، فقد يجتمعان وقد لا يجتمعان، بمعنى: المنافق لا يصدق فيه أنه كفر بقلبه وعمله، فإنه بعمله مسلم، ولذلك جاء صريح القرآن في هذا الصدد بالنسبة للأعراب فما يبدو لي أن هناك ضرورة التوفيق، بل والتساؤل: هل يكون الكفر بالقلب والعمل؟ قد يكون، لكن لا يشترط أن يقترن العمل مع الكفر القلبي؛ لأن الأصل هو الكفر القلبي، فما أدري إذا كان هناك شيء ما وضح لي حتى أستحسن مثل هذا السؤال؟
الملقي: لعلي أوضح هذا
الشيخ: نعم.
الملقي: بكلمة لابن القيم -رحمه الله تعالى- توضح ما أريد أن أصل إليه.
الشيخ: نعم.
الملقي: وفيه يوضح ابن القيم أن الإيمان قولٌ وعمل، فيقول ابن القيم رحمه الله: الإيمان قول وعمل، والقول قول القلب واللسان، والعمل عمل القلب واللسان، وبيان ذلك: أن من عرف الله بقلبه ولم يقر بلسانه لم يكن مؤمناً، كما قال عن قوم فرعون:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (النمل:14) فهؤلاء حصل لهم قول القلب وهو المعرفة والعلم ولم يكونوا بذلك مؤمنين، ولذلك من قال بلسانه ما ليس في قلبه لم يكن بذلك مؤمناً بل كان من المنافقين، وكذلك من عرف بقلبه وأقر بلسانه، لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من الحب والبغض والموالاة والمعاداة، فيحب الله ورسوله، ويوالي أولياء الله ويعادي أعداءه، ويستسلم بقلبه لله وحده، وينقاد لمتابعة رسوله وطاعته والتزام شريعته ظاهراً وباطناً، وإذا فعل ذلك لم يكف في كمال إيمانه حتى يفعل ما أمر به، فهذه الأركان الأربعة هي أركان الإيمان التي قام عليها بناؤه.
والشاهد من كلمة ابن القيم هي ضرورة عمل القلب، فقد يصدق الإنسان بالإسلام ثم يستهزئ بآيات الله ورسله وهو مستقر في قلبه التصديق بآيات الله ورسله إلا أنه يستهزي هذا فقد العمل القلبي، كان يلزمه أن يوقر الله ورسوله مع التصديق فهو بافتقاد هذا الركن قد كفر بالله العظيم؛ لأن أركان الإيمان كما علمنا الآن من ابن القيم: القول قول القلب، واللسان عمل القلب والجوارح، فعمل القلب ركن، هذا المستهزئ بآيات ورسوله وإن كان في بعضهم من يكون مصدقاً
فَقَدْ فَقَدَ هذا الركن الركين من أعمال الإيمان، ولذلك فإن الكفر لا يكون بالتكذيب فقط، ولا يكون بعدم التصديق وربما يقع الإنسان في الكفر وهو مصدق كما كان إبليس اللعين، كان مصدقاً إلا أنه استكبر عن السجود كما أمر ربه وربنا تبارك وتعالى، وكذلك كان فرعون مصدقاً، {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} (الإسراء:102)، فقد يكون وهذه خلاصة القول قد يكون الإنسان مصدقاً ومع ذلك يقع في الكفر لانتفاء العمل القلبي عنه، فيستهزئ بآيات الله ورسله وهو يصدق بالإسلام وقد انتفى منه العمل القلبي من التوقير والتعظيم والموالاة لله ورسله، وهذا المنحى في حدود علمي أن المرجئة نحوه، أقصد أن الكفر يكون بالتكذيب فقط، ولذلك كان لزاماً علينا أن نعرف الكفر عند المرجئة حتى يتضح للسامعين أن السلفيين لا ينحون هذا المنحى، أعني منحى المرجئة في التكفير، وإذا تحرر لنا الإيمان عند المرجئة على اختلاف فرقهم كما تكلمنا فيه سابقاً فمن السهل الميسور معرفة الكفر عند المرجئة. فالمرجئة.
الشيخ: عفواً، كلام ابن القيم في الواقع يجب الوقوف عنده قليلاً، أنتم تعلمون أن هناك إيمان وتصديق ومعرفة.
الملقي: نعم.
الشيخ: وتعلمون -أيضاً- بأن المعرفة والكفر يجتمعان.
الملقي: نعم.
الشيخ: لكن هل يجتمعان الكفر والإيمان في آن واحد، وأعني هنا بالإيمان هو الأصل الذي جاءت الأحاديث تتحدث عنه بالنسبة لأهل النار الذين يعذبون
على حسب استحقاقهم بسبب بعدهم عن الإسلام عملياً حينما تأتي الشفاعة فتخرج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، هذا المثقال من الإيمان هل يلتقي معه كفرٌ؟
الملقي: الإيمان المقصود في هذا الحديث هو الإيمان الصحيح، وإن كان ذرة، فإن الإيمان إذا أو أعني التصديق إذا التقى معه البغض لله والاستكبار عن أوامر الله -جل وعلا- فإن هذا الاستكبار بلا شك ينافي هذا الإيمان ويمحوه من القلب. ولذلك فإن المرجئة حصروا الكفر في التكذيب بالقلب، وظنوا كما يقول شيخ الإسلام أن كل من كفره الشارع فإنما كفره لانتفاء تصديق القلب بالرب تبارك وتعالى، ومعلوم أن التكذيب بالقلب لا سبيل لمعرفته والكشف عنه، ومن ثم فلا يتحقق كفر إنسان قط -كما يقول ابن الوزير- إلا بالنص الخاص في شخص شخص، وقد كفر السلف من يقول بهذا القول، فإبليس الرجيم كافر بنص القرآن ولم يكن مكذباً بل كان معانداً لله مستكبراً، فإبليس بلا شك في قلبه التصديق، ومع ذلك كفر بنص الكتاب العزيز، وكذلك فرعون وقومه، كما قال ربنا:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل:14)، وقال -أيضاً-:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (الصف:5) فإيذاء إيذاء قوم موسى له مع أنهم يعلمون أنه رسول الله بنص الكتاب العزيز، هذا الإيذاء وما .. وهو ينجم عن عدم توقير للرسول وعدم موالاة له بلا شك ينافي هذا التصديق، ولذلك كفرهم ربنا تبارك وتعالى. وكما يقول
…
الشيخ: .... هنا يا أستاذ ما في تصديق.
الملقي: نعم.
الشيخ: بالنسبة لفرعون ما في تصديق. بالنسبة لفرعون والآية لا يوجد
تصديق منهم. فمن أين نأخذ التصديق.
الملقي: (وجحدوا بها) هذا على فرعون وقومه.
الشيخ: الآية .. موسى شو قال له؟
الملقي: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (الصف:5).
الشيخ: نعم، طيب، (وقد تعلمون) هنا ما في تصديق ما في نسبة موسى-عليه السلام لفرعون أنه مصدق؛ لأنه لا يخفاك (تعلم) هو من حيث المعنى كما يقال (تعرف) وكما قال الله عز وجل بالنسبة لليهود:{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146)، لكن مع هذه المعرفة كان عندهم إيمان، أظن أنه الجواب لا؟
الملقي: لا، نعم.
الشيخ: طيب، هذه المعرفة التي جاءت التعبير عنها في خطاب موسى عليه السلام لفرعون (تعلمون) فـ (تعلمون) على وزن (تعرفون) لفظاً ومعنى.
الملقي: نعم.
الشيخ: إي هذا لا يعني أنهم كانوا مصدقين، أي كانوا مؤمنين، فيعني في المسألة فيها غموض.
الملقي: شيخنا -بارك الله فيكم- قوله تعالى: (وقد تعلمون) هذا العلم لا يفيد أنهم كانوا في قرارة أنفسهم مصدقون بأنه رسول، إلا أنهم لم يأتوا ببقية أركان الإيمان من الإذعان والانقياد؟
الشيخ: ما ينبغي أن نكرر الكلام. اليهود كانوا يؤمنون بالرسول.
الملقي: كانوا يصدقون به.
الشيخ: عفواً، قل لي: كانوا يؤمنون؟
مداخلة: لا
الملقي: لا.
الشيخ: كانوا يعرفون؟
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب، إذاً هناك فرق الآن يعني واضح بيننا أن هناك فرقاً بين الإيمان والمعرفة، فكل من كان مؤمناً فهو يعرف، ولا عكس، ليس كل من كان عارفاً يكون مؤمناً، إلى هنا ما شي الكلام؟
الملقي: نعم.
الشيخ: جميل جداً، الآن نرفع كلمة من الكلمتين ونضع مكانها كلمة أخرى وهي الإيمان في علمي أنا الإيمان يرادفه التصديق بخلاف المعرفة.
الملقي: نعم.
الشيخ: فإذاً لا نفرق بين فلان مصدق بالرسول ومؤمن بالرسول؛ هل هناك فرق؟ فيما تعلم.
الملقي: نعم هناك فرق.
الشيخ: هذا الذي أنا بحاجة أن أعرفه، كيف؟
الملقي: قولي: مصدق بالرسول، بمعنى أنه توفر فيه ركن من أركان الإيمان،
وهو التصديق بقلبه، ربما يصدق بقلبه، ولكن لا يقر بلسانه.
الشيخ: من أين نأخذ هذا؟
الملقي: طيب، دعك من هذا يا شيخ. ربما يصدق بقلبه ويستهزئ بآيات الله ورسله. هذا الاستهزاء بآيات الله ورسله يعني أن ليس في قلبه التوقير والحب لله ورسله، أفلا نكفره بـ؟
الشيخ: بلى بلى
الملقي: بانتفاء هذا الركن.
الشيخ: نحن لا نختلف في هذا -بارك الله فيك-، هناك أعمال تنبئ عما في القلب، هناك أعمال تصدر من الإنسان تنبئ عما في القلب من الكفر والطغيان، من ذلك الاستهزاء، لكن نحن الآن بحثنا أننا نفهم من كلامك أن ثمة فرقاً بين الإيمان وبين التصديق، فكأنه كما يقولون في غير هذه المناسبة: هناك عموم وخصوص.
الملقي: نعم.
الشيخ: فكل من كان مؤمناً فهو مصدق، كما قلت أنا آنفاً: كل من كان مؤمناً فهو عارف، الآن أنت كأنك تنزل كلمة تصديق مقابل المعرفة.
الملقي: نعم.
الشيخ: فتريد أن تقول -وأرجوا أن أكون مخطئاً فيما فهمت-: أن ليس كل من كان مؤمناً في لحظة من اللحظات، أقولها بالقيد حتى ما نميل إلى القول: عرض لهذا شيء فدل على أنه كفر، هذا يأتي فيما بعد، لكني أقول: أفهم من كلامك أن من كان مؤمناً في لحظة من اللحظات فهو مصدق يقيناً وعارف يقيناً،
لكن ليس من كان مصدقاً في لحظة من اللحظات هو مؤمن، هكذا أفهم منك. أي: من كان مصدقاً في لحظة من اللحظات فهو ليس مؤمناً، كما نقول نحن بالنسبة لمن كان عارفاً بصدق الرسول عليه السلام لحظة من اللحظات فهو ليس مؤمناً؛ لأن المعرفة لا تجامع الإيمان، أم الإيمان تجامع المعرفة.
الملقي: نعم.
الشيخ: لكني الآن أنا في شك كبير من التفريق بين الإيمان والتصديق.
الملقي: أقول.
الشيخ: ثم أريد بالنسبة للآية التي فيها ومصدقاً، هل هي تعني معنى: غير مؤمن، هكذا فهمت منك.
الملقي: أعني بقولي التصديق أنه ركن من أركان الإيمان، أنا أريد أن أختصر.
الشيخ: لا عفواً أنا سألت سؤالاً.
الملقي: نعم.
الشيخ: سألت سؤالاً: الآية: "ومصدقاً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد"(1) هي بمعنى غير الإيمان؟
الملقي: لا.
الشيخ: هذه مشكلة. فمن أين نحن نأتي بتعريف للتصديق يباين الإيمان في جانب ما، والآية صريحة. فهذه -أيضاً- أنا أرى أنه تحتاج إلى تأمل وإنعام النظر
(1) كذا تلاها الشيخ، وصواب الآية:{مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} .
-أيضاً-؛ لأن الذي استقر في نفسي من معلوماتي القديمة هو ليس التفريق بين التصديق والإيمان، وإنما التفريق بين المعرفة والإيمان، وسواءً علينا قلنا التفريق بين المعرفة والإيمان، أو التفريق بين المعرفة والتصديق، فالتصديق والإيمان فيما أفهم شيء واحد، أي لفظان مترادفان يدلان على ما وقر في القلب من الإيمان بالله ورسوله، أما المعرفة فليست كذالك.
الملقي: يعني أرى هذا اختلافاً لفظياً. لكن أنتم معي بلا شك أن التصديق هو ركن من أركان الإيمان، وأن الرجل قد يكون مصدقاً ويكفر ويطلق عليه كلمة الكفر إذا أتى بفعل من الأفعال الكفرية كالاستهزاء بالله ورسوله، أنتم معي في هذا يا شيخ؟ -بارك الله فيكم-.
الشيخ: لكن أنا أقول: حينما كفر المؤمن بكفر يخرجه عن الملة هل بقي مؤمناً؟
الملقي: لا.
الشيخ: طيب حينما يكفر المصدق بكفر يخرجه عن الملة هل بقي مصدقاً؟ حسب ما فهمت ستقول: بلى.
الملقي: نعم.
الشيخ: إي هذا التفريق أنا أريد له إيضاحاً.
الملقي: قلت يا شيخ -سلمك الله-، إبليس كان مصدقاً أم لا؟
الشيخ: كَفَرَ، كان مصدقاً ومؤمناً.
الملقي: لكن هو إلى الآن مصدق أم لا؟
الشيخ: هذا حجة لنا، كَفَرَ الذي كان مصدقاً وكان في اعتباري مؤمناً، أما أنت فعلى يعني تفريقك بين الأمرين تجمع بين النقيضين، ففي الوقت الذي أنت تفرق بين التصديق والإيمان، دعك وهذا التفريق الآن، قبل كفر إبليس كان مؤمناً أم لا؟
الملقي: كان مؤمناً؟
الشيخ: طيب، وحينما كفر ظل مؤمناً أم لا؟
الملقي: كافراً.
الشيخ: أجب -بارك الله فيك- عن السؤال. حتى يكون الـ (س) و (ج) موضحاً.
الملقي: لم يكن مؤمناً.
الشيخ: بارك الله فيك.
الملقي: نعم.
الشيخ: هذا هو، طيب، قبل أن يكفر كان مصدقاً.
الملقي: وبعد أن كفر كان مصدقا أجبتُ وزيادة.
الشيخ: معليش. ما هو الدليل؟
الملقي: الدليل أنه رأى الحق بعينه
…
الشيخ: ما هو الدليل من القرآن أو السنة أو أقوال الأئمة أنه التصديق هو يباين الإيمان، يلتقي مع الإيمان ويباينه، كما قلنا في المعرفة تماماً، فالآن مثالنا إبليس الرجيم باتفاق الجميع ثم لما كفر في استنكاره حكم الله عز وجل في مثل قوله:{أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} (الإسراء:61)، كفر أي لم يبق مؤمناً، لكني أنا أقول:
-أيضاً- لم يبق مصدقاً؛ لأنه لو كان مصدقاً وبقي مصدقاً لسجد، الخلاصة حتى ما نضيع الوقت، وسبحان الله الوقت يمضي أرجوا أن تعيد النظر في هذه النقطة لأنها فيها دقة من جهة، ومن جهة أخرى أنا لا أعلم في حدود ما علمت {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} (يوسف:76) أن العلماء يفرقون بين الإيمان والتصديق والنصوص التي تمر بنا وقد ننساها وذكرنا إحداها آنفاً هي ترادف الإيمان تماماً، [ومُصَدِّقًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" (1) أي: ومؤمناً، أنت إذا أردت أن تقول: مصدقاً لا تعني مؤمناً، أنت بحاجة إلى نصوص من الكتاب والسنة وعلى الأقل من نصوص من أقوال أئمة السلف الذين نحن نقتدي بهم، فأرجوا أن تعيد النظر في هذه النقطة؛ لأننا كما تعلم الغاية عندنا لا تبرر الوسيلة، يعني إذا أردنا من هذا الجانب أن نرد على المرجئة وكنا مخطئين في التفريق بين التصديق والإيمان ما بيكون يعني إلا أننا خربنا خربنا بيوتنا بأيدينا، فأرجوا أن تعيد النظر في هذه النقطة، وتستجلب ما يتيسر لك من أدلة من الكتاب أو السنة الصحيحة ثم من أقوال الأئمة في الفريق بين التصديق وبين الإيمان، على الأقل لأتعلم أنا ما كان علي خافياً.
الملقي: طيب يا شيخ.
الشيخ: والآن.
الملقي: أرى أن ما زال الخلاف لفظياً وأتلو عليكم قول ربنا: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقرة:146) فكفرهم ربنا تبارك وتعالى مع أنهم كانوا عارفين بصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا كلمة لابن القيم قال: ومن تأمل القرآن والسنة وسير الأنبياء في أممهم ودعوتهم لهم وما جرى لهم معهم يجزم
(1) كذا تلاها الشيخ خطأ وقد تقدم التنبيه على هذا.
بخطأ أهل الكلام ومنهم المرجئة فيما قالوه، وعلم أن عامة كفر الأمم عن تيقن وعلم ومعرفة بصدق أنبيائهم. انتهى كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى-. فأنا أريد.
الشيخ: هذا نحن قلناه آنفاً، وأنت وافقت معي
الملقي: لذلك أنا أقول الخلاف لفظي يا شيخ.
الشيخ: أن المعرفة قد تجتمع مع الإيمان وقد لا تجتمع.
الملقى: طيب أقول يا شيخ -بارك الله فيكم- إذا انسحبت من كلمة تصديق وقلت: إن إبليس بعد أن لم يمتثل لأمر ربنا تبارك وتعالى كفره الله عز وجل وكان بعد كفره يعرف أن الله حق وما أمر به كان لا بد أن يمتثله، وكان يعرفه صدق الله عز وجل وصدق ما أمر به. فلندع كلمة التصديق ونضع بدلا ًمنها كلمة المعرفة، ونقول كذلك إن قوم موسى حينما كفروا به كانوا يعلمون ويعرفون أنه رسول الله حقاً، ومع ذلك كفرهم ربنا تبارك وتعالى، فليس الكفر محصور في التكذيب بالقلب، فما رأيكم في هذه المقالة؟
الشيخ: ما ني شايف غير عم ندور في حلقة مفرغة، ما أنا قلت المعرفة لا تستلزم الإيمان، وأنت الآن ما تزيد على هذا. سواءً حينما جئت بمثال إبليس أو بفرعون، نحن متفقان أن الإيمان يجامع المعرفة، ولا عكس، المعرفة لا تجامع الإيمان، نحن متفقون على هذا.
الملقي: لذلك أقول الخلاف لفظي.
الشيخ: اسمح لي.
الملقي: أي نعم.
الشيخ: لا الخلاف لفظي بالنسبة للنقطة هذه، قد يكون، لكن بالنسبة لما تقول التصديق غير الإيمان وتجعل التصديق كأنه مرادف للمعرفة، هنا خلاف حقيقي مو لفظي، المهم -بارك الله فيك- لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، فرعون .. عفواً إبليس الرجيم متفقون أنه كفر بعد أن كان مؤمناً.
الملقي: نعم.
الشيخ: وأنا وجهت سؤالاً فبعد أن كفر هل بقي مؤمناً؟ قلت: لا، لكن قلت: بقي أيش؟
الملقي: مصدقاً. أنا انسحبت منها، وأقول
…
الشيخ: معليش معليش انسحبت منها
الملقي: كان عارفاً أو عالماً.
الشيخ: انسحبت منها
الملقي: نعم.
الشيخ: هذا الانسحاب قد يكون الآن للمناقشة، لكن أنا أرجو منك أن تعيد النظر وتدرس المسألة من جديد، فإما أن توصلك الدراسة إلى البقاء على ما كنت عليه من التفريق بين التصديق وبين الإيمان، وهذا خلاف الآية الصريحة في القرآن، وإما أن تجعل التصديق هو الإيمان نفسه وأن الإيمان والتصديق لفظان مترادفان بخلاف المعرفة، فإذا رجعنا إلى كفر إبليس.
الشيخ: فإذا رجعنا إلى كفر إبليس، إبليس كفر، وهنا نقطة لم يكفر إبليس بمجرد أنه خالف أمر الله.
الملقي: نعم.
الشيخ: وإنما لأنه استكبر بنص القرآن القرآن الكريم وكان من الكافرين.
الملقي: أحسنتم.
الشيخ: فمجرد المخالفة والمعصية عند أهل السنة جميعاً لا تكون سبباً للتكفير، لكن إذا اقترن مع هذه المعصية شيء ينبي عن الكفر القلبي ولو بعد أن كان عامراً بالإيمان فهذا الإيمان يطيح ويزول بسبب هذا الكفر الذي يعتبر كفراً اعتقادياً، أو يعتبر كفراً عملياً منبئًا عن الكفر الاعتقادي، انتهى الوقت ومعذرة وأنا رجائي إليك أن نستفيد من بحثك مجدداً هذه النقطة لأنه حقيقة أنا لأول مرة أسمع التفريق بين التصديق وبين الإيمان وأعرف منذ القديم والحمد لله التفريق بين المعرفة وبين الإيمان وهذا لا شك فيه ولا إشكال أما التفريق بين التصديق وبين الإيمان في لغة القرآن هذا ما أعلمه فنرجو أن تمدنا بمددك.
الملقي: لكن أنتم عرفتم مقصدي وأني أريد بالتصديق المعرفة بالقلب وأنتم.
الشيخ: المعرفة في القلب اليهود حينما يوصفون {يَعْرِفُونَهُ} (البقرة:146) كيف بقلبهم يعني؟
الملقي: بقلبهم.
الشيخ: فإذاً المشكلة لن تزال، يعرفونه بقلوبهم هل يؤمنون؟ ستقول لا، هل يصدقون؟ أخشى أن تقول بلى.
الملقي: أقول يعرفون، أقف عند القرآن.
الشيخ: أنا معك في هذا يعرفون وانتهى الموضوع كل من يعرف ليس مؤمناً لكن كل من كان مؤمناً فهو عارف بلا شك.
الملقي: هذه النقطة مهمة جداً بارك الله فيكم لأن الكثير من الشباب يعتقدون أنكم تقولون: إنه لا يكفر أحد إلا وهو قد كذب بقلبه فعرفنا الآن بما لا مجال للافتراء على فضيلتكم أنكم تقولون لا يكفي المعرفة فقط، وقد يكون الرجل كافراً ويعرف وأن الإيمان
…
الشيخ: كيف لا هذا صريح القرآن لا وأنا أقول أخي: في هناك -وقلت آنفاً- في هناك أعمال تدل على كفر العامل ونحن في الحالة هذه نكفره وخطر في بالي وأنت تسمعني بعض النقول المفيدة إن شاء الله أن أستدرك عليك لكني أستدركت على نفسي أردت أن أقول وإلا ما يعرب عنه بلسانه فقد يعرب عن كفره الذي في القلب ونحن لا ندري بلسانه فندينه به هذا هو، ولذلك نحن لا نقف عند هذه الشكلية والظاهرة التي أشرت إلى أن بعضهم يتهمنا بها.
الملقي: إذاً أنا فهمت منكم الآن أنكم تقولون الكفر يكون بالاعتقاد ويكون أيضاً بالقول ويكون أيضاً بالعمل كمن استهزأ بآيات الله ..
الشيخ: لكن أقول من باب الإيضاح أن هذا العمل يكون دالاً على ما في القلب من الكفر لماذا هذا العمل كان كفراً؟ لأنه دل على ما في القلب من الكفر.
الملقي: من التكذيب.
الشيخ: نعم؟
الملقي: كفر التكذيب أم لا.
الشيخ: التكذيب شيء ثاني.
الملقي: هذا هو بارك الله فيك، هذه النقطة الثالثة من الأهمية.
الشيخ: بارك الله فيك ووفق جهودك.
الملقي: بارك الله فيك ما زلنا نتعلم من فضيلتكم، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا بكم في جنات النعيم.
الشيخ: آمين ومعذرة إليكم.
[المجلس الثاني]
الملقي: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، فضيلة الشيخ انتهينا في المجلس السابق المؤرخ بالحادي والعشرين من شهر رمضان عام ألف وأربعمائة وستة عشر، انتهينا إلى القول بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ويتبعض ويتفاضل أهله فيه، ثانياً: وأن من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من التوقير والحب والبغض والموالاة والمعاداة، ثالثاً: وأن الكفر ستة أنواع: تكذيب وجحود وعناد وإعراض ونفاق وشك، رابعاً: وأن الكفر لا يكون بالاعتقاد وحده
بل بالاعتقاد والقول والعمل، خامساً: وأن المرجئة هم الذين حصروا
التكذيب بالقلب.
الشيخ: عفواً: وأن الكفر لا يكون؟
الملقي: رابعاً: وأن الكفر لا يكون بالاعتقاد وحده بل بالاعتقاد والقول والعمل.
الشيخ: هل قلت آنفاً وحده؟
الملقي: نعم قلت وحده.
الشيخ: بل بالاعتقاد والقول والعمل.
الملقي: بل وبالاعتقاد.
الشيخ: بل بالاعتقاد؟
الملقي: بل وبالاعتقاد والقول والعمل.
الشيخ: نعم.
الملقي: خامساً: وأن المرجئة هم الذين حصروا الكفر بالتكذيب بالقلب وذهبوا إلى أن كل من كفره الشارع فإنما كفره لانتفاء تصديق القلب بالرب تبارك وتعالى، ثم حصل اختلاف لفظي فيما أتصور خلاصته أن يقولوا: إن الرجل قد يكفر وهو مصدق بالحق وأنتم تقولون إنه لا يسمى مصدقاً، ولكن عارفاً أي قد يكفر الرجل وهو عارف كإبليس اللعين، ثم أن آتي ببعض النصوص تؤيد ما أذهب إليه وقد وفقني الله لذلك فهل تسمحوا بأن أتلوا عليكم شيئاً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية يؤيد الذي قلت؟
الشيخ: تفضل.
الملقي: كان شيخ الإسلام يتكلم عن كفر العناد وأن الله تبارك وتعالى ربما يعاقب المعاند وهو الذي يقر بالحق ظاهراً وباطناً بيد أنه لا ينقاد له بغضاً واستكباراً واستهتاراً، أقول؛ كان شيخ الإسلام يتكلم عن سر من أسرار الله في خلقه أن الله ربما عاقب هذا المعاند بزيغ القلب وضلاله فقال في شرح العقيدة الأصفهانية.
الشيخ: نعم.
الملقي: الصحيفة مائة وثلاثة وعشرين: ثم هؤلاء إذا لم يتبعوا التصديق بموجبه من عمل القلب واللسان وغير ذلك فإنه قد يطبع على قلوبهم حتى يزول عنها التصديق كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} (الصَّف:5) فهؤلاء كانوا عالمين، فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم، والمقصود هنا أن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق والعلم قد يفضي إلى سلب التصديق والعلم، كما قيل: العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل، وموضع الشاهد قوله: والمقصود هنا أن ترك ما يجب من العمل بالعلم الذي هو مقتضى التصديق والعلم قد يفضي إلى سلب التصديق والعلم.
وقال في «مجموع الفتاوى» وهو أيضاً يتكلم عن كفر العناد ويتكلم كذلك
عن تارك أركان الإسلام يقول: "الثاني: أن لا يجحد وجوبها يعني أركان الإسلام ومبانيه الأربعة، لكنه ممتنع من التزام فعلها كبراً أو حسداً أو بغضاً لله ورسوله فيقول: أعلم أن الله أوجبها على المسلمين والرسول صادق في تبليغ القرآن ولكنه ممتنع عن التزام الفعل استكباراً، أو حسداً للرسول، أو عصبية لدينه، أو بغضاً لما جاء به الرسول، فهذا كافر؛ فإن إبليس لما ترك السجود المأمور به لم يكن جاحدً للإيجاب فإن الله باشره بالخطاب وإنما أبى واستكبر وكان من الكافرين، وكذلك أبو طالب كان مصدقاً للرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيما بلغه لكنه خاف اتباعه حمية لدينه، وخوفاً من عار الانقياد، واستكباراً عن أن تعلو إسته رأسه، فهذا ينبغي أن يتفطن له"إلخ كلام شيخ الإسلام فما تعليقكم أحسن الله إليكم وزادكم علماً وفهماً؟
الشيخ: جزاك الله خيرًا، أولاً أظن كان كلامي بالأمس القريب هو الاحتجاج كما هو الأصل بالكتاب والسنة، أنت الآن على التعبير بالنظام العسكري المتبع مكانك راوح ما جئت إلا بالآية التي جرى النقاش بيني وبينك حولها، وهي قول موسى لفرعون (تعلم) وتذكر ما جرى بيني وبينك أنه تعلم بمعنى تعرف أنا كنت أود أن أحظى بآية أو بحديث صحيح يبين أن التصديق ينافي الإيمان ولا يرادفه كما اتفقنا على المعرفة تماماً، وقلنا بصراحة ووضوح لا خلاف فيه: أن كل من كان مؤمناً فهو عارف والعكس، فاختلفت معك هل الأمر كذلك؟ أن المتفق عليه أن كل من كان مؤمناً فهو مصدق هل كل من كان مصدقاً هو مؤمن أم لا؟ هذه نقطة الخلاف بيني وبينك أليس كذلك؟
الملقي: بلى.
الشيخ: طيب الآن فين الحجة الشرعية الملزمة كتاباً وسنة بأن التصديق ينافي
الإيمان أحياناً ينافيه أحياناً وقد يلتقي أحياناً كما قلنا في المعرفة، هذا شيء إلى الآن أنا أقول ما سمعت شيئاً جديداً سوى أن الإمام ابن تيمية رحمه الله يستعمل التصديق فيما أفهم مقابل الإيمان ولعلك تذكر لا أقول في مقابل إيمان وإنما أريد أن أقول بمعنى الإيمان فأقول ابن تيمية في هذا الكلام يستعمل التصديق بمعنى الإيمان ولعلك تذكر أننا في الأمس القريب أتينا بآية "ومُصَدِّقًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" (1) (الصَّف:6) فاتفقنا أن التصديق هنا بمعنى الإيمان تماماً وأنا كنت أود أن أحظى منك بدليل من الكتاب أو السنة يبين لي شيئاً جديداً كنت عنه غافلاً في كل ما مضى، وهو أن التصديق قد يأتي بمعنى المعرفة التي لا إيمان معها، فأنا أقول الآن في كلام ابن تيمية رحمه الله أنا لا أجد أنه يستعمل التصديق بالمعنى الذي أنت شرحته بالأمس القريب، وخلاصته أنه قد لا يكون المصدق مؤمناً، فأنا أقول الآن احذف كلمة التصديق في كلام ابن تيمية كله وضع كلمة الإيمان هل يضطرب كلام الشيخ بهذا التعديل اللفظي أم يستقيم؟
الملقي: وكذلك أبو طالب كان مؤمناً بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حينما بلغه لكنه ترك اتباعه حمية لدينه.
الشيخ: أيش رأيك استقام المعنى؟
الملقي: ما استقام المعنى بالمعنى الاصطلاحي للإيمان.
الشيخ: ليه.
الملقي: كوني أقول كان أبو طالب وكذلك أبو طالب كان مؤمناً معناه أنه أتى باعتقاد القلب وقول اللسان وعمل القلب أيضاً لكن أنا الآن تذكرت آية كريمة.
(1) كذا تلاها الشيخ خطأ كما نبهنا عليه قبل.
الشيخ: تفضل.
الملقي: وهي قوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل:14)، فلا شك أن اليقين مرتبة أعلى من مرتبة التصديق وبذلك بقياس الأولى كما يقول العلماء يستقيم كلامي فيما أتصور جداً فما رأيكم؟
الشيخ: رأيي أن الذي استقر في القلب يقيناً هو إيمان، لكن هذا الإيمان زال بالمبطلات الكثيرة التي نحن متفقون عليها، منها: الاستكبار الذي هو علة كفر إبليس، ومنها الجحد، ومنها، ومنها إلخ، هذا الذي أنا أراه، الصفات التي جاءت في كلام ابن تيمية تماماً لا تنافي الإيمان الذي يخرب بسبب من تلك الأسباب التي تخرب التصديق، لا أرى هناك فرقاً بين التصديق وبين الإيمان، ما دام أنه يوجد بين أيدينا الآن آية واحدة هي آية ومصدقاً، وأنا أعتقد وما أدري لعلك بحثت ولم تجد أو لم تبحث فلم تجد؛ لو تتبعنا كلمة الصدق في الآيات التي ذكر فيها هل نجده بمعنى الإيمان أم بمعنى غير الإيمان كما تريد أنت أن تقول ماذا ترى الآن دون أن تعود إلى تلك الآيات التي فيها لفظ الصدق ولفظة التصديق الآن ما الذي يخطر في بالك، ومن الممكن الآن وبطريقة سريعة جداً أن نفتح على القرآن الكريم على بعض الآيات التي فيها لفظة الصدق وما اشتق منها - ماشي - فهل نجد فيها التفريق الذي أنت تدندن حوله؟
الملقي: أنا أعدكم أن أبحث عن مادة التصديق في كتاب الله؟
الشيخ: كيف.
الملقي: أن أعدكم أن أبحث عن مادة التصديق في نصوص الكتاب والسنة وأوافيكم بما وصلت إليه.
الشيخ: هذا هو الخط المستقيم وجزاك الله خيرًا.
الملقي: إذاً ننتقل إلى نقطة أخرى.
الشيخ: تفضل.
الملقي: هذه النقطة خاصة بموضوع أصول التكفير.
الشيخ: أصول ..
الملقي: أصول التكفير، فكنت قد كتبت شيئاً من أصول التكفير فكنت أود أن أقرأها عليكم باختصار شديد حتى تصوبوني إن كنت صائباً، وتخطئوني إن كنت مخطأً، ومن ثم يستفيد من ورائي.
الشيخ: قبل هذا لو سمحت كنت سجلت أنا هنا كلمة من كلام ابن تيمية جاء ذكر يقر جاء في تضاعيف كلامه يقر.
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب ماذا يرادف كلمة يقر يؤمن أم يعرف؟
الملقي: يعرف.
الشيخ: فإذاً ما في خلاف، نعود الآن إلى المسألة التي تريد أن تبحثها بس أردت أن أركز في بالك هذه الملاحظة (1)،
تفضل نعم.
(1) سيأتي الكلام على هذه المسألة المثارة "التصديق" في كتابي "الإيمان عند الشيخ الألباني"، وسأبين هناك دقة نظر الشيخ رحمه اله في هذه المسألة، وموافقته للأئمة في ذلك.
إلا أنني أرى لزاماً عليّ أن أرد شبهة -ولو بلمحة سريعة- لبعض الجهلة الحمقى ممن فهم -أو أُفهم كلام الألباني هنا على غير وجهه فاتهم العلامة الألباني بالتجهم؛ لأنه يحصر الإيمان في التصديق ويجعله مرادفاً له.
فأقول:
-
…
اعلم أن التصديق الذي جعله الألباني مرادفاً للإيمان إنما هو التصديق في لغة الرع.
-
…
والتصديق في لغة الشرع لا يُطلق -عنده- إلا على التصديق اللغوي، وهو مجرد اعتقاد الشء على ما هو عليه اعتقاداً جازماً مقروناً بلوازمه ومقتضياته من إذعان اللسان والقلب والجوارح لهذا التصديق اللغوي.
-
…
وعليه فبما أن الإيمان مرادف -عند الإمام- للتصديق الشرعي. والتصديق الشرعي عنده هو: تصديق (لغوي) بالجنان [+] إقرار باللسان [+] عمل بالجوارح والأركان، فالإيمان عند الإمام هو: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والأركان، فأين هذا من جهم والتجهم، اللهم لطفك.
-
…
ولا يفوتني أن أنبه على أن موافقة العلامة الألباني أو مخالفته في مسألة المراد بالتصديق في لغة الشرع لا مدخل له في هذا المبحث -مبحث تعريف الإيمان عنده- فالعبرة بالمعاني -وقد بيناها لك- فتأمل منصفاً.
الملقي: أحسنتم وأجملتم أقول لا ينبغي لمؤمن أن يخوض في مسائل التكفير من قبل أن يقف على أصوله ويتحقق من شروطه وضوابطه، وإن أورد نفسه المهالك والآثام وباء بغضب الرحمن، ذلك أن مسائل التكفير من أعظم مسائل الدين وأكثرها دقة، لا يتمكن منها إلا الأكابر من أهل العلم الواسع والفهم الثاقب وهذه أهم أصوله وضوابطه:
الأول: التكفير حكم شرعي وحق محض للرب سبحانه لا تملكه هيئة من الهيئات، ولا جماعة من الجماعات، ولا اعتبار فيه لعقل أو ذوق، ولا دخل فيه لحماسة طاغية وعداوة ظاهرة، ولا يحمل عليه ظلم ظالم تمادى في ظلمه وغيه، أو بطش جبار عنيد تناهى في بطشه وغدره، فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله.
الثاني: أن المسلم لا يكفر بقول أو فعل أو اعتقاد إلا بعد أن تقام عليه الحجة
وتزال عنه الشبهة.
الثالث: ولا فرق في ذلك بين أصول وفروع أو اعتقاد وفتيا.
الرابع: والعذر في المسائل الدقائق والخفية آكد من العذر في غيرها.
الخامس: والعذر في المكان والزمان الذي يغلب فيه الجهل ويقل العلم كذلك أولى وآكد.
السادس: والعذر في حق غير المتمكن في العلم أو العاجز عنه أولى وآكد من المتمكن منه القادر على تحصيله.
السابع: التكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافراً بل ولا فاسقاً بل ولا عاصياً كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية.
الشيخ: أعد هذه الفقرة من أولها؟
الملقي: السابع: التكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص، فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال يكون كافراً بل ولا فاسقاً بل ولا عاصياً كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية.
الشيخ: ألا ترى أن العبارة تحتاج إلى قيد ولو وقع في الكفر؟
الملقي: جميل أرى ذلك.
تاسعاً: وأنه يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين، فإن نصوص الوعيد التي في الكتاب والسنة ونصوص الأئمة بالتكفير والتفسيق ونحو ذلك لا يستلزم ثبوت موجبها في حق المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، لا فرق في ذلك
بين الأصول والفروع.
الشيخ: لو ذكرت لا فرق أيضاً .. أيضاً لأنك ذكرت مثل هذا في ما تقدم.
الملقي: أي نعم.
عاشراً: وأن الكفر ذو أصل وشعب.
الشيخ: لماذا إفراد الأولى وجمع الأخرى، لماذا لا يقال أصول وشعب.
الملقي: أي نعم.
الشيخ: على كل حال هذا اقتراح أنت تدرسه فيما بعد وبتتأكد إن رأيته حسناً سجلته.
الملقي: الحادي عشر: ولا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمناً وإن كان ما قام به إيماناً، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر أن يسمى كافراً وإن كان ما قام به ..
الشيخ: عفواً .. أن يسمى كافراً أم أن يكون كافراً أو أن يصير كافراً؟
الملقي: هذه من الخيارات اللفظية فيما أظن.
الشيخ: مِن؟
الملقي: الخيارات اللفظية ليس الشيء الجوهري.
الشيخ: أنا أعتقد أن المسألة يعني كما لا يخفى على الجميع الآن نحن في صدد بيان فكرة وعقيدة مهمة جداً، فهل نحن نقصد يعني أن نسميه كافراً أم أن يكون عند الله كافراً؟
الملقي: نقصد أن نطلق عليه كلمة الكفر.
الشيخ: إيه، لكننا هل كل من أطلقنا نحن عليه .. كلمة الكفر يكون عند الله كافراً؟
الملقي: لا نتدخل فيما بين الله وبين عباده.
الشيخ: هذا هو فبحثنا الآن في أي جانب من الجانبين بماذا يكفر بحيث أنه يستحق الخلود في النار أم بماذا يستحق أن نطلق نحن عليه لفظة كافر مع أنه كان يمكن أن يكون عند الله ليس بكافر، ما هو بحثنا الآن؟
الملقي: الثاني.
الشيخ: الثاني؟
الشيخ: أي نعم.
الشيخ: وهو؟
الملقي: وهو هل يستحق أن نطلق عليه كلمة الكفر أم لا؟
الشيخ: أنا ما أفهم هذا أن البحث كله في هذا البحث فيما يكون مؤمناً وفيما يكون كافراً عند الله، أنت ذكرت الآن آنفاً بأنه إذا كان فيه شعبة من شعب الأيمان لا يصير بذلك مؤمناً؟
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب، لا يصير عندنا أم عند الله؟
الملقي: عندنا في الظاهر، لأننا نحكم في الظاهر.
الشيخ: نعم، طيب نحن حينما رأيناه أتى شعبة من شعب الإيمان ماذا نحكم عليه ظاهراً؟
الملقي: نعم نحكم عليه.
الشيخ: بماذا؟
الملقي: بأنه مؤمن لكنه تخلل في إيمانه ..
الشيخ: اصبر عندك الآن خرجت عما قلت آنفاً؟
الملقي: لا يا شيخ.
الشيخ: كيف؟
الملقي: .. عندما أقول ولا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمناً كمن قام بشعبة الصلاة ولكنه التزم بجحود معلوم من الدين بضرورة وأقيمت عليه الحجة هل يسمى مؤمناً؟
الشيخ: عفواً أرجو أن لا يطول البحث لأنه بيشعب الموضوع بيضيع لنا أصل الموضوع، أنت قلت الآن البحث ليس محصوراً فيمن يكون عند الله مؤمناً أو كافراً وإنما فيمن نطلق نحن عليه أنه مؤمن أو أنه كافر.
الملقي: نعم.
الشيخ: الآن حينما نرى شخصاً تحققت فيه خصال من خصال الإيمان حسب اعترافك آنفاً أننا لسنا نحكم بما يكون مؤمناً أو بما يكون كافراً أنه ما ينبغي أن نقول عنه أنه مؤمن بينما قلت لا هذا نقول في به، صح؟
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب، وذاك إذاً الذي وقع في الكفر نقول عنه كافراً، لكن الواقع نحن نقول عند الله هل يكون مؤمناً أو يكون كافراً، نقول مجرد تحقق شعبة من شعب الإيمان لا يجعله مؤمناً عند الله، كما أن الشخص الآخر الذي وقع في شعبة من شعب الكفر ممكن أن لا يكون عند الله عز وجل كافراً، فهذه نقطة أيضاً سجلها أنت على الهامش وتفكر فيها ثم بتحرر الموضوع كما ينتهي إليه رأيك.
الملقي: الثاني عشر: وقد يجتمع في الرجل كفر وإيمان، وشرك وتوحيد، وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان، وهذا من أعظم أصول أهل السنة كما يقول ابن قيم الجوزية، وخالفه في ذلك غيره من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة إلخ كلام ابن القيم.
الثالث عشر: كفر عمل وكفر جحود وعناد.
الرابع عشر: أن جاحد الحكم المجمع عليه إنما يكفر إذا كان معلوماً من الدين بالضرورة، وأما المجمع الذي ليس معلوماً من الدين بالضرورة فلا يكفر بإنكاره مثل كون بنت الابن لها السدس مع البنت مجمع عليه، وليس معلوماً للضرورة فلا يكفر منكره، والذي يكفر جاحده إذا كان معلوماً بالضرورة إنما هو الحكم الشرعي؛ لأنه من الدين والصلاة والزكاة والحج إلخ كلام السبكي، وقال مثله ابن حجر العسقلاني، وابن دقيق العيد، وتتمته في الأصل الخامس عشر.
الشيخ: عفواً، لأنه حكم شرعي قلت أو نقلت؟
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب المسألة الإرثية التي ذكرتها والتي لا يكفر جاحدها أو منكرها أليس حكماً شرعياً؟
الملقي: حكم شرعي.
الشيخ: إذاً ما قيمة هذا التعليل هناك؟
الملقي: هذا قيد آخر يا شيخ، قيد آخر أن الذي يكفر جاحده إذا كان معلوماً من الدين بالضرورة هو الحكم الشرعي، فلو أن شيئاً معلوماًَ بالدين بالضرورة من أشياء الدنيا لا يكفر جاحده، إذا جحد إنسان أن هذه ..
الشيخ: بارك الله فيك ما في داعي لهذا التفصيل لأن هذا ما هو نقطة خلاف، عندنا مسألتين كلتاهما شرعيتان الأولى ما يتعلق بالإرث الذي ذكرته هذه قضية شرعية ومجمع عليها شرعية ومجمع عليها لا يكفر منكرها.
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب بينما جئت للأخرى فعللته بأنه حكم شرعي وهي مسألة شرعية أيضاً.
الملقي: ما هي يا شيخ المسألة الشرعية الأخرى؟
الشيخ: ذكرني الذي جئت بها في هذا التعليل.
الملقي: لكن أنا أقول النقطة الأخرى أقول يعني نقطة أخرى والذي يكفر جاحده إذا كان معلوماً بالضرورة إنما هو الحكم الشرعي.
الشيخ: ذاك ليس حكماً شرعياً؟
الملقي: هذا حكم شرعي انتهينا منه.
الشيخ: معليش خذ واعطي، أليس حكماً شرعياً الجواب لا إرث قضية الإرث؟
الملقي: حكم شرعي.
الشيخ: طيب ومجمع عليه؟
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب لماذا لا يكفر وهو حكم شرعي ومجمع عليه؟
الملقي: لا يكفر يا شيخ عفواً عفواً هذا لا يكفر.
الشيخ: بلى لا تعد على الكلام أجب على سؤالي لماذا لا يكفر؟ يعني ما الفرق بين هذه المسألة والمسألة الثانية كلاهما حكم شرعي؟
الملقي: الفرق أننا نكفر جاحد الحكم الشرعي، أما إذا كان حكماً غير شرعي فلا نكفره، هذا المقصود بكلامي أنا.
الشيخ: سبحان الله.
الملقي: لذلك أرجو أن أقرأ الكلام مرة ثانية.
الشيخ: لا يا أخي لا أنت افهمني وأجبني قضية الإرث التي ذكرتها وقلت أنها مجمع عليها هذا حكم شرعي.
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب، لماذا لا يكفر أجبني؟
الشيخ: لأنه ليس معلوماً من الدين بالضرورة.
الشيخ: أليس مجمعاً عليه؟
الملقي: بلى.
الشيخ: جميل، المجمع عليه لا يرادف قولنا معلوم من الدين بالضرورة؟
الملقي: لا يرادفه، المجمع عليه قد يكون معلوماً من الدين بالضرورة وقد لا يكون معلوماً من الدين بالضروة.
الشيخ: الآن سلكنا الجادة إذاً هناك إجماع معلوم من الدين بالضرورة فبيكون التعليل في المسألة الأولى هو مع كونها إجماعاً لكنها ليست من المعلوم من الدين بالضرورة.
الملقي: أي نعم.
الشيخ: هذا ليس مبين في العبارة، لأنك تعلم أنت أن كثيراً من الإجماعات لا يُضَلل منكرها فضلاً عن أن يُكفر، لكن يقيناً بالمقابل في بعض الإجماعات من أنكرها فهو كافر، لماذا؟ للعلة التي ذكرتها أخيراً، ذكرتها أنت مش أنا، وهي: أنها من المعلوم من الدين بالضرورة فلا بد من هذا القيد لإيضاح السبب الحقيقي في عدم تكفير من جحد هذا الحكم الإرثي.
الملقي: أي نعم، الخامس عشر: وكون الشيء معلوم من الدين بالضرورة أمر إضافي؛ فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة، وكذلك كثير من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سجد للسهو، وقضى أن الولد للفراش وغير ذلك، مما يعلمه الخاصة بالضرورة، وأفهم الناس لا يعلمه البتة كما قال شيخ الإسلام في كتاب «الفرقان» .
السادس عشر: ولا تكفير بما يلزم من المذاهب والأقوال ولا اعتبار بما تؤول إليه من أفكار.
الأخير: وأخيراً فإنه لا يكفر إلا من اتفق أهل السنة على تكفيره، أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له.
الشيخ: ماشي.
الملقي: انتهى ما تيسر لي من جمع لأصول التكفير.
الشيخ: جزاك الله خيرا.
الملقي: ما رأيكم فيها بالجملة.
الشيخ: ما أرى فيها شيئاً إلا بعض الفروع التي جرى النقاش فيها لكن عادة الذاكرة حينما .. من سبق في بعض تلك الشروط فيما أظن ذكر فيها لفظة المعاداة، المعاداة القلبية هذه.
الملقي: نعم.
الشيخ: ممكن أن تذكرني بالعبارة التي جاء فيها هذه اللفظة؟
الملقي: هذه العبارة أن من عرف بقلبه وأقر بلسانه لم يكن بمجرد ذلك مؤمناً حتى يأتي بعمل القلب من التوقير والحب والبغض والموالاة والمعاداة وهذه اللفظة جاءت في نصوص شيخ الإسلام وابن القيم وغيره ..
الشيخ: الموالاة والمعاداة حينما تطلق هل يراد بها الموالاة والمعاداة القلبية أم العملية؟
الملقي: إذا أطلقت.
الشيخ: نعم.
الملقي: القلبية.
الشيخ: ما أظن.
الملقي: في كلامي هنا القلبية فإذا كان يوالي ..
الشيخ: هذا قيد جيد لكن ..
الملقي: حتى أخرج بشيء.
الشيخ: تفضل.
الملقي: حتى أخرج من مسألة الموالاة والمعاداة؛ فإن كثير من الناس يكفرون الشخص بمجرد أن يوالي فلاناً من أعداء الله عز وجل من غير ما ..
أي هذا الذي خشيت أن يفهم فيا ترى ما تحتاج العبارة إلى توضيح أكثر؟
وضحته في تضاعيف الكتاب.
كيف؟
الملقي: وضحت مثل هذا في تضاعيف الكتاب؟
الشيخ: ذلك ما نبغيه.
الملقي: حبارك الله فيك.
الشيخ: وفيك بارك.
الملقي: حإذا انتهينا من هذه القضية.
الشيخ: تفضل لسه معك ربع ساعة أو ثلث ساعة.
الملقي: فنأتي إلى قضية القضايا.
الشيخ: قضية
…
القضايا؟ تفضل.
الملقي: كما في هذا العصر.
الشيخ: يعني خلصت مما عندك في الكتاب انتهيت؟
الملقي: ما انتهيت.
الشيخ: فإذاً؟
الملقي: لكن هناك قضية هي من لب الكتاب كنت أحب أن نستغل الوقت ما دام الوقت وقتي ندندن حول هذه القضية حتى يكون المجلس عامراً بجميع مسائل التكفير.
الشيخ: تفضل.
الملقي: هذه المسألة التي ما زلتم تدندنون حولها وهي قضية من حكم بغير ما أنزل الله، وتفريقكم الذي ذهبتهم إليه بين من حكم بغير ما أنزل الله جحوداً واستحلالاً وبين من حكم بغير ما أنزل الله من غير ما جحود واستحلال، وهذا الرأي الذي ذهبتهم إليه وهو مذهب السلف عامة، ولم أجد فيما اطلعت عليه من يخالف في هذا وللعلم، فقد نشرت مجلة الشرق الأوسط والمسلمون مقالاً لكم في هذا الشأن وعلق عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بالإقرار والموافقة والتأييد، ثم بعد ذلك قرأ كلامكم وكلام الشيخ عبد العزيز على فضيلة الشيخ ابن عثيمين فأقر الكلام جميعه وأيده فأقول ..
الشيخ: وبارك الله في الشيخين.
الملقي: وبارك الله فيكم وفي الشيخين وفي جميع علماء السنة، بعد ذلك أقول: لا ينبغي للشباب أن يخالفوا في هذه المسألة الخطيرة، أفلا ترون فضيلة
الشيخ أن هذه المسألة هي الباب الأكبر للخروج على الأمراء والسلاطين، وحدوث فتن مدلهمة، ومشاكل لا تخفى على الجميع، وهل ترون قبل ذلك أن هذه المسألة يسوغ الخلاف فيها؟ أذ إن أهل العلم فيما قرأت لم أجد أحداً منهم يخالف هذا الرأي الذي ذهبتم إليه وتبين لي أن أهل العلم مجمعون على الرأي الذي ذهبتهم إليه من ثلاثة طرق الطريق:
الأول: أن أهل العلم وأهل التفسير لم يختلفوا في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} (المائدة:44) وأن ما ظهر من اختلاف في عباراتهم إنما هو من قبيل اختلاف التنوع ليس اختلاف التضاد، وقد صرح بأن ليس بين العلماء اختلاف في تفسير هذه الآية بعض العلماء وقد سجلته في الكتاب،
ثانياً: لا يخفى عليكم أن البدعة: تشريع ما لم يأذن به الله، وأن الحكم بغير ما أنزل الله، تشريع ما لم يأذن به الله وأن كليهما مستدرك على الشارع الشريف، وأن الحاكم بغير ما أنزل الله هو في حقيقة الأمر أخطر من المبتدع، إذ إن المبتدع قد انتهى أمره، ولا أظن أن المسلمين يأخذون فتوى من الحاكم بغير ما أنزل الله، في حينما يأخذون فتوى من المبتدع، ولذلك أقول أن المبتدع أشد خطراً على المسلمين من الحاكم بغير ما أنزل الله؛ فإن المبتدع يقول أن هذه البدعة هي من عند الله وهي من شرع الله، حينما لا يجرأ على هذا الحاكم بغير ما أنزل الله، بل هو يصرح أن هذه القوانين محض هي نتاج البشر.
ثالثاً: وقد اتفق أهل السنة أن البدعة قسمان: بدعة مكفرة، وبدعة غير مكفرة ومن ثم إذا كان الحاكم بغير ما أنزل الله حكم بغير ما أنزل الله من غير ما جحود
واستحلال فإنه لا يكفر، وينزل منزلة المبتدع في دين الله عز وجل.
الطريق [الرابعة]: وتعلمون أن أهل السنة أجمعوا على عدم تكفير مرتكب الكبيرة وقد جعل العلماء الحكم بغير ما أنزل الله من كبائر الذنوب، كما صرح بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وكما نقل إجماع أهل العلم حافظ أهل المغرب ابن عبد البر، ومن ثم فإذا ثبت الإجماع فهل يسوغ لأحد أن يخالف في هذه المسألة الخطيرة؟ وقبل ذلك ألا ترون أن الخطأ في هذه المسألة يجلب على المسلمين شرور كثيرة وفتن مدلهمة وكبيرة و صلى الله عليه وآله وسلم على نبينا محمد وبارك الله فيكم وأحسن الله إليكم.
الشيخ: أعطاك الله العافية، ونفع بك، أنا أقول جواباً على نقطتين بدت لي من خلال كلامك: النقطة الأولى هل يجوز لأحد أن يخالف؟ أقول بطبيعة الحال لا يجوز إلا إن كان من أهل العلم، المخلصين للعلم الخاشين لله، والخائفين منه، فقد يمكن أن يجتهد ويخالف، ولذلك نحن نقول: قد يقع بل قد وقع بعض الأئمة في البدعة ولا يسمون بمبتدعين؛ لأن ليس كل من وقع في البدعة وقعت البدعة عليه، وشملته فصار بذلك مبتدعاً، لا، وكذلك قد يكون من وقع في الكفر لا نقول بأن الكفر، تلبسه وانغمس فيه ومن هنا نجد من مذهب السلف الصالح عدم تكفير الفرق الصالحة إلا من قد ذرت قرنها بكفرها ولا شك أن في مثل هذه الفرق من وقعت في الكفر، لكننا لا نكفر لوجود مانع من موانع التكفير التي جاء ذكرها في تضاعيف كلامك فيما أذكر، فهذا فيما يتعلق بسؤالك هل يجوز؟
الجواب: لا يجوز إلا بالقيد الذي ذكرته آنفاً، أما أنه يجر شراً مستطيرا فالأمر لا شك ولا ريب فيه، والواقع المؤسف في العالم الإسلامي يجعل الأمر مع
الأسف ليس نظرياً بل أمراً واقعياً، فقد خرج كثيرون ممن يعني ينتمون للإسلام وقد ينتمون للكتاب والسنة، وقد يكون فيهم من ينتمي إلى السلف الصالح لكنهم ما عرفوا بعد منهج السلف الصالح، فكثير من هؤلاء قد خرجوا على الحكام وكانوا سبباً كبيراً جداً لسفك دماء المسلمين من الفريقين الذين خرجوا، والذين خرجوا عليهم، فأي فتنة أشد من هذه الفتنة؟!
أنا قلت في كثير مما تحدثنا في هذه المسألة، وسجل الشيء الكثير منها أننا نقول: لو وجد في هؤلاء الحكام من أعلن كفره بالإسلام، وأعلن ردته عن الإسلام بحيث لم يبق لمتأول مجال للتأويل، أنا أقول: لا يجوز الخروج عليهم، ليس من حيث النص الشرعي؛ وإنما هو من حيث ملاحظة القواعد الإسلامية التي منها ترجيح المفسدة الغالبة على المصلحة، والتي منها ما أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث:«لولا أنا قومك حديثوا عهد بالشرك لهدمت الكعبة، ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام، ولجعلت لها بابين مع الأرض باب يدخلون منه وباب يخرجون منه» (1)، كم في هذا الإصلاح من فائدة ومن تيسير لعملية الحجاج وأداء مناسكهم، لم يصنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو القادر عليه قدرة وقوة، وكان متمكناً؛ لأن الله نصره على المشركين كافة، لكنه نظر إلى بعيد، فقال: لولا أن قومك حديثو عهد بالشرك، وأنا أقول: لو أن حاكماً من هؤلاء الحكام أعلن كفره على الناس من الذين يخرجون عليهم، من الذين يستطيعون أن يقاتلوهم، وأين المسلمون الذين أخذوا على الأقل بمثل قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ} (الأنفال:60) لا
(1) البخاري (رقم1509) ومسلم (رقم3308).
يوجد شيء من هذا الاستعداد، وأنا أقول بهذه المناسبة وأنهي هذه الكلمة لأن الوقت انتهى: أنا أفهم من هذه الآية شيئاً ثميناً في طواياه عندما قال الله عز وجل {وَأَعِدُّوا} (الأنفال:60) كان الخطاب للمؤمنين الأولين المربين التربية المحمدية، هؤلاء الخطاب اليوم لا يتوجه إلى هؤلاء؛ لأن أكثرهم منحرفون عن أن يستحقوا مثل هذا الخطاب؛ لذلك نحن نقول إن وجد هناك حاكم أعلن كفره، فيجب أن نهيئ أنفسنا للخروج عليه بحقه، ولنتمكن من قتاله وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.
"الهدى والنور"(855/ 07: 01: 00) و (856/ 39: 44: 00)