الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[605] باب منه
سؤال: بالنسبة جزاك الله خير لتارك الصلاة: الآن كثير من أهل العلم بعضهم يقول: هو كافر وبعضهم يقول: هو فاسق، فما حكمه في هذه المسألة وهل هو كفر دون كفر أو كفر يخرج من الملة؟
الشيخ: نحن ذكرنا هذه المسألة في سلسلة الأحاديث الصحيحة وذكرنا بأن من ترك الصلاة عامداً متعمداً جاحداً لها فهو كفر بإجماع الأمة، أما من تركها كسلاً معترفاً بوجوبها ويتمنى من الله عز وجل أن يهديه وأن يوفقه للصلاة فهذا ليس بكافر كفراً يرتد به ويخرج به من الملة؛ لأن الكفر الذي يخرج به صاحبه من الملة مَقَرُّهُ القلب فإذا كان هذا التارك للصلاة مؤمناً في قلبه معترفاً بما فرض الله عليه من فرائض لكنه يعرف بأن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والتجارة وإلى آخره لا شك أن هذا التعلل مردود عليه، ولكن يشفع له أن لا يُكفَّر ما دام أنه يؤمن بما شرع الله تبارك وتعالى.
والعلماء والمحققون كابن تيمية وابن القيم الجوزية وغيره قد وضعوا قاعدة عامة ألا وهي التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، فمن وقع في الكفر الاعتقادي فهو الذي ارتد عن الدين، أما من وقع في الكفر العملي فهذا لا يحكم بردته وإنما بفسقه وفجوره، فتارك الصلاة هكذا لا يحكم بأنه كافر إلا إذا جحد ذلك جحداً فحينئذٍ يكفر؛ ولذلك كان مذهب جماهير العلماء عدم تكفير تارك الصلاة إلا مع الجحد، وهذه رواية عن الإمام أحمد نفسه فهو وافق فيه جماهير الأئمة على أن الترك إن كان ليس عن جحد فهو فسق وليس كفر.
مداخلة: طيب! بالنسبة للحديث بارك الله فيك: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» يا ليت تشرح الحديث؟
الشيخ: هو بارك الله فيك! ليس هذا هو أول حديث يقال فيه من فعل كذا فقد كفر، عندكم الحديث المشهور:«من حلف بغير الله فقد أشرك، كفر» ألا نقول نحن من قال: «وحياة أبي» إنه ارتد عن دينه.
وأنتم تعلمون مثلاً حديث عمر بن الخطاب في صحيح البخاري لما سمعه الرسول عليه السلام يحلف بأبيه فقال عليه السلام: «لا تحلفوا بآبائكم من كان منكم حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت» (1) وفي حديث ابنه عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من حلف بغير الله فقد أشرك» (2) وفي رواية أخرى: فقد كفر، فلا يلزم من مجيء لفظة من فعل كذا فقد كفر أي: أنه كفر كفر ردة وإنما له معان كثيرة، منها مثلاً: كفر أي أشرف على الكفر .. كفر كفراً عملياً ونحو ذلك من المعاني التي يضطر إليها أهل العلم بالتوفيق بين النصوص: «من ترك الصلاة فقد كفر» نقول: «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة» .. من قال: «لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره» كما جاء في حديث البزار وغيره، «أيما عبد أبق من مولاة فقد كفر» (3) هذه الألفاظ كثيرة وكثيرة جداً فقد كفر فقد كفر ولا يوجد حديث يُفَسَّر هكذا على ظاهره إذا جاء بلفظ فقد كفر.
هذا الحديث حديث: «من ترك الصلاة فقد كفر» يعامل نفس المعاملة التي تعامل بها الأحاديث الأخرى التي تشترك مع حديث الصلاة في لفظة «فقد كفر» ، فهنا تأتي تآويل كثيرة لهذا النص فكثير من الأحاديث مثلاً:«لا يدخل الجنة قتات» (4) .. «لا يدخل الجنة نمام» هل معنى ذلك أنه كفر بسبب نميمته؟ الجواب:
(1) البخاري (رقم2533) ومسلم (رقم4346).
(2)
صحح الجامع (رقم6204).
(3)
صحيح الجامع (رقم2731).
(4)
البخاري (رقم5709).
إن كان يستحل ذلك بقلبه فقد حرمت عليه الجنة .. إن كان يعترف بتحريم ذلك ويعترف بأنه مخطئ وأنه مذنب ومجرم؛ فهو أمره إلى الله كما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48).
فترك الصلاة هو فعل يعرض صاحبه أن يموت والعياذ على غير الإيمان، وترك الصلاة هو من شيم الكفار الذين لا يصلون .. لا يؤتون الزكاة ولا يصلون، فالمسلم إذا لم يصل فقد شابه الكفار، فكفره هنا كفر عملي والأحاديث كثيرة وكثيرة جداً التي لا بد من تأويلها، مثلاً: قال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وقد خطب فيهم أمر جرير بن عبد الله البجلي أن يستنصت الناس، فقال عليه السلام:«لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» ..
ومثل قوله عليه السلام: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» فإذا قتل مسلم مسلماً أو قاتله فهل هذا يرتد عن دينه؟ الجواب: لا؛ لأن الله قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات:9) فاعتبر كلاًّ من الطائفتين الباغية والمبغي عليها من المؤمنين مع أن الرسول يقول في الحديث السابق: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» فبماذا يفسر هنا الكفر؟ كفر دون كفر .. كفر عملي .. وهكذا أيضاً أحاديث الصلاة التي فيها التصريح بأن من ترك الصلاة فقد كفر، إما أن يقال أشرف على الكفر الاعتقادي .. أشرف أن يموت على غير ملة الإسلام، أو أنه كفر كفراً عملياً، هذا التأويل لا بد منه حتى لا نضرب أحاديث الرسول عليه السلام بعضها ببعض.
"الهدى والنور"(81/ 29: 25: 00)