الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحينئذ فلا تكون المعالجة بإطلاق لفظة المنافق عليه، وإنما بتذكيره وبنصيحته المرة بعد المرة والكرة بعد الكرة، فإذا تبين أنه لا يستجيب لتذكير المذكرين ولنصيحة الناصحين فلا شك والحالة هذه أنه يجوز أن يطلق عليه لفظ المنافق ما دام انتفى أن يكون له عذر شرعي، لأنه يدخل حينذاك في عموم قول الشاعر الفقيه، أو الفقيه الشاعر حيث قال:
القدح ليس بغيبة في ستة
…
متظلم ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومن
…
طلب الإعانة في إزالة منكر
هذا هو الجواب عن السؤال الأخير، والحمد لله رب العالمين.
"الهدى والنور"(307/ 17: 03: 00)
[600] باب الغناء ينبت النفاق في القلب
[قال الإمام في معرض الكلام على حكمة تحريم الغناء]:
ومن الآثار السلفية الدالة على حكمة التحريم:
أولاً: عن ابن مسعود قال: «لغناء ينبت النفاق في القلب» .
[ثم بين الإمام صحة الأثر ثم قال]:
وقد روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكن في إسناده كذاب ولذلك خرجته في «الضعيفة» رقم (6515).
(فائدة): قال ابن القيم رحمه الله عقب أثر ابن مسعود المتقدم (1/ 248): فإن قيل: فما وجه إنباته للنفاق في القلب من بين سائر المعاصي؟
قيل: هذا من أدل شيء على فقه الصحابة في أحوال القلوب وأعمالها،
ومعرفتهم بأدويتها وأدوائها، وأنهم هم أطباء القلوب دون المنحرفين عن طريقتهم، الذين داووا أمراض القلوب بأعظم أدوائها، فكانوا كالمداوي من السقم بالسم القاتل، وهكذا والله فعلوا بكثير من الأدوية التي ركبوها، أو بأكثرها، فاتفق قلة الأطباء، وكثرة المرضى، وحدوث أمراض مزمنة لم تكن في السلف، والعدول عن الدواء النافع الذي ركبه الشارع، وميل المريض إلى ما يقوي مادة المرض، فاشتد البلاء، وتفاقم الأمر، وامتلأت الدور والطرقات، والأسواق من المرضى، وقام كل جهول يطبب الناس.
فاعلم أن للغناء خواص لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء.
فمن خواصه: أنه يلهي القلب ويصده عن فهم القرآن، وتدبره، والعمل بما فيه، فإن القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد؛ فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفوس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان، فإنه صنو الخمر ورضيعه، ونائبه وحليفه، وخدينه وصديقه، عقد الشيطان بينهما عقد الإخاء الذي لا يفسخ، وأحكم بينهما شريعة الوفاء التي لا تنسخ، وهو جاسوس القلب، وسارق المروءة، وسوس العقل، يتغلغل في مكامن القلوب، ويطلع على سرائر الأفئدة، ويدب إلى محل التخيل فيثير ما فيه من الهوى والشهوة، والسخافة والرقاعة، والرعونة والحماقة، فبينا ترى الرجل وعليه سمة الوقار وبهاء العقل وبهجة الإيمان ووقار الإسلام وحلاوة
القرآن، فإذا استمع الغناء ومال إليه نقص عقله وقل حياؤه، وذهبت مروءته وفارقه بهاؤه، وتخلى عنه وقاره وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله تعالى، إيمانه وثقل عليه قرآنه وقال: يا رب لا تجمع بيني وبين قرآن عدوك في صدر واحد، فاستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، وأبدى من سره ما كان يكتمه، وانتقل من الوقار والسكينة إلى كثرة الكلام والكذب والزهزهة والفرقعة بالأصابع، فيميل برأسه، ويهز منكبيه، ويضرب الأرض برجليه، ويدق على أم رأسه بيديه، ويثب وثبات الدباب، ويدور دوران الحمار حول الدولاب، ويصفق بيديه تصفيق النسوان، ويخور من الوجد ولا كخوار الثيران، وتارة يتأوه تأوه الحزين، وتارة يزعق زعقات المجانين، ولقد صدق الخبير به من أهله حيث يقول:
أتذكر ليلة وقد اجتمعنا على
…
طيب السماع إلى الصباح؟
ودارت بيننا كأس الأغاني
…
فأسكرت النفوس بغير راح
فلم تر فيهم إلا نشاوى سروراً
…
والسرور هناك صاحي
إذا نادى أخو اللذات فيه
…
أجاب اللهو حي على السماح
ولم نملك سوى المهجات شيئاً
…
أرقناها لألحاظ الملاح
وقال بعض العارفين: السماع يورث النفاق في قوم، والعناد في قوم، والكذب في قوم، والفجور في قوم، والرعونة في قوم
…
إلى أن قال: فالغناء يفسد القلب، وإذا فسد القلب هاج في النفاق.
وبالجملة فإذا تأمل البصير حال أهل الغناء وحال أهل الذكر والقرآن تبين لهم حذق الصحابة ومعرفتهم بأدواء القلوب وأدويتها، وبالله التوفيق.
«تحريم آلات الطرب» (ص145 - 151).