الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موسوعة العلامة الإمام مجدد العصر
محمد ناصر الدين الألباني
«موسوعة تحتوي على أكثر من
(50)
عملاً ودراسة حول العلامة الألباني وتراثه الخالد»
العمل الأول
سلسلة جامع تراث العلامة الألباني في العقيدة
«تحتوي على ما يقارب ألفي مسألة
وفائدة عقدية مستخرجة من تراث العلامة الألباني بعناية»
(3)
(الإسلام والإيمان والكفر - أهل الأعذار في العقيدة)
الجزء الأول
صَنَعَهُ
شادي بن محمد بن سالم آل نعمان
كتاب
الإسلام والإيمان
جماع مقدمات في مسمى الإيمان والإسلام والفرق بينهما وبعض المسائل المتعلقة بالإيمان
[474] باب تعريف الإسلام وبيان ما يخرج المرء منه
[قال الإمام]:
(دين) الإسلام هو ما شرعه الله سبحانه وتعالى لعباده على ألسنة رسله، وأصل هذا الدين وفروعه روايته عن الرسل وهو ظاهر غاية الظهور يمكن كل مميز من صغير وكبير وفصيح وأعجم وذكي وبليد أن يدخل فيه بأقصر زمان، وإنه يقع الخروج منه بأسرع من ذلك من إنكار كلمة، أو تكذيب، أو معارضة، أو كذب على الله، أو ارتياب في قول الله تعالى، أو رد لما أنزل، أو شك فيما نفى الله عنه الشك، أو غير ذلك مما في معناه.
فقد دل الكتاب والسنة على ظهور دين الإسلام وسهولة تعلمه وأنه يتعلمه لوافد ثم يولي في وقته، واختلاف تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الألفاظ بحسب من يتعلم فإن كان بعيد الوطن كضمام بن ثعلبة النجدي ووفد عبد القيس علمهم ما لم يسعهم جهله مع علمه أن دينه سينشر في الآفاق، ويرسل إليهم من يفقههم في سائر ما يحتاجون إليه، ومن كان قريب الوطن يمكنه الإتيان كل وقت بحيث يتعلم على التدريج أو كان قد علم فيه أنه قد عرف ما لا بد منه أجابه بحسب حاله وحاجته على ما تدل قرينة حال السائل كقوله:«قل آمنت بالله ثم استقم» وأما من شرع ديناً لم يأذن به الله فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن غيره من المرسلين إذ هو باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق.
نقله الإمام عن شارح الطحاوية في"التعليق على متن الطحاوية"(ص109 - 110) مقرِّرًا.
[475] باب معنى «الدين الحنيف»
السائل: ما معنى: الدين الحنيف؟
الشيخ: الدين الحنيف: المائل عن الشرك.
"الهدى والنور"(241/ 00: 23: 00)
[476] باب الإسلام نسخ ما قبله من شرائع
سؤال:
…
اليوم مع بعض الإخوة: ذكرنا النصارى واليهود والكتب السماوية، فقلت لهم: أنا ما أعرفه هم كفرة، فقال: هم أصحاب كتب سماوية، قلت له: نعم هم أصحاب كتب سماوية، ائتني بالكتاب الأصلي، لأن الإسلام جب ما قبله، هل هذا كلامي خاطئ، أم كان صواب؟
الشيخ: صواب يقابله خطأ، ليس "خاطئ"، خاطئ يعني المذنب.
أنا أقول: أخطأت بعضاً وأصبت بعضاً، لأنك قلت: هات الكتب السماوية التي أنزلت، ما في حاجة، لو كانت موجودة كما أنزلت فقد نسخت بشريعة محمد عليه السلام، الكلام الأخير الذي لك هو الصواب، يعني: شريعة الإسلام نسخت الشرائع السابقة حتى لو كانت كما أنزلت، وكيف وهي محرفة كما أنت أشرت في كلامك، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى ذات يوم في يد عمر بن الخطاب صحيفة يقرأ فيها، قال: ما هذا؟ قال: هذه صحيفة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام مغضباً: أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، والذي نفس محمد بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي. فلو كانت صحف إبراهيم وموسى كما أنزلها الله على إبراهيم وموسى بعينها غير محرفة ولا مبدلة لم يجز لليهود ولا للنصارى إلا أن يتبعوا نبينا صلوات الله
وسلامه عليه، لذلك الآيات التي تعرفونها بالقرآن والتي منها:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) فدعوة الرسول عليه السلام دعوة عامة ليست خاصة بالعرب كما يدعي اليهود قديماً وحديثاً، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما من رجل من هذه الأمة -أمة الدعوة- من يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» ، «ما من رجل من هذه الأمة من يهودي أو نصراني يسمع بي -يعني: بالرسول عليه السلام وبدعوته- ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار».
ولذلك فمن يقول أن هؤلاء أهل كتاب، الجواب من ناحيتين: أولاً: أهلُ كتابٍ محرف، وثانياً كما سمعت أخيراً ـ: لو كان غير محرف لوجب اتباع الرسول، لأن موسى لو كان حياً لوجب عليه اتباع الرسول، عيسى عليه السلام حينما ينزل في آخر الزمان يحكم بشريعة الإسلام، لأن شريعة الإنجيل ألغيت ونسخت بشريعة الإسلام.
"الهدى والنور"(261/ 51: 30: 00)
[477] باب هل تسمى اليهودية والنصرانية وغيرها بالديانات
؟
سؤال: [سئل الإمام عن اليهودية والنصرانية] تسميتنا لها ديانات
…
، يعني بمعنى الشرائع:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (آل عمران:19)،هكذا المقصود يعني؟
الشيخ: أنت تذكر معي قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} (آل عمران:19)، فهل تفهم أن الإسلام الذي جاء به الأنبياء كلهم هو الدين أم لا؟
الملقي: نعم.
الشيخ: طيب، فإذاً الإسلام ليس هو إسلامنا فقط، بل هو إسلام الذين كانوا من قبلنا، فإذا كان الدين الإسلام الآن فهو كذلك في قديم الزمان، فهي أيضاً أديان، وكلها يجمعها الإسلام.
الملقي: الدين يعني بمعنى شرائع؟
الشيخ: شو معنى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]؟
الملقي: يعني بمعنى الاعتقاد
…
الشيخ: إيه، هذا المعنى نفسه اللي عندنا الآن هو في ذاك الزمان.
"الهدى والنور"(530/ 18: 35: 00)
[478] باب هل يقبل الله تعالى من الناس ديناً غير الإسلام
؟
[سئل الإمام]:
كيف نوفق بين هاتين الآيتين {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (آل عمران85)، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (المائدة69)؟
[فأجاب رحمه الله بقوله]: لا تعارض بين الآيتين كما يوهم السؤال، وذلك لأن آية الإسلام هي بعد أن تَبلُغَ دعوةُ الإسلامِ أولئك الأقوام الذين وصفهم الله عزوجل في الآية الثانية {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} وذكر منهم الصابئة، والصابئة حينما يذكرون يسبق إلى الذهن أن المقصود بهم: عُباد الكواكب لكنهم -في الحقيقة- كل قوم وقعوا في الشرك بعد أن كانوا من أهل التوحيد فالصابئة كانوا موحدين، ثم عرض لهم الشرك وعبادة الكواكب، فالذين ذُكروا في هذه الآية
هم المؤمنون منهم الموحدون، فهؤلاء قبل مجيء دعوة الإسلام هم كاليهود والنصارى، وهم ذُكروا أيضاً في نفس السياق الذي ذُكر فيه الصابئة فهؤلاء مَنْ كان منهم متمسكاً بدينه في زمانه، فهو من المؤمنين {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
ولكن بعد أن بعث الله عزوجل محمداً عليه الصلاة والسلام بدين الإسلام، وبلغت دعوة هذا الإسلام أولئك الناس من يهود ونصارى وصابئة، فلا يقبل منه إلا الإسلام. إذاً قوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا} أي: بعد مجيء الإسلام على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، وبلوغ دعوة الإسلام إليه، فلا يُقبل منه إلا الإسلام. وأما الذين كانوا قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام بالإسلام، أو الذين قد يوجدون اليوم على وجه الأرض ولم تبلغهم دعوة الإسلام أو بَلَغَتْهُمْ دعوةُ الإسلام ولكنْ بلغتهم محرفةً عن أساسها وحقيقتها، كما ذكرتُ في بعض المناسبات عن القاديانيين -مثلاً- الذين انتشروا في أوربا وأمريكا يدعون إلى الإسلام لكن هذا الإسلام الذين يدعون إليه ليس من الإسلام في شيء، لأنهم يقولون بمجيء أنبياء بعد خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام، فهؤلاء الأقوام -من الأوربيين والأمريكيين الذين دعوا إلى الإسلام القادياني، ولم تبلغهم دعوة الإسلام الحق-على قسمين:
قسم منهم على دين سابق وهم متمسكون به، فعلى ذلك تحمل آية {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} .
وقسم انحرف عن هذا الدين -كما هو شأن كثير من المسلمين اليوم -فالحجة قائمة عليهم.
أما من لم تبلغهم دعوة الإسلام مطلقاً -سواء بعد الإسلام أو قبله-، فهؤلاء لهم معاملة خاصة في الآخرة، وهي أن الله عزوجل يبعث إليهم رسولاً يمتحنهم - كما امتحن الناس في الحياة الدنيا - فمن استجاب لذلك الرسول في عرصات يوم القيامة وأطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار (1).
"كيف يجب علينا أن نفسر القرآن"(ص21 - 23).
[479] باب مسمى الإيمان غير مسمى الإسلام
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
«أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص» .
[قال الإمام]:
وفي الحديث أيضاً إشارة إلى أن مسمى الإسلام غير الإيمان، وقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيراً، والحق ما ذهب إليه جمهور السلف من التفريق بينهما لدلالة الكتاب والسنة على ذلك فقال تعالى:{قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} وحديث جبريل في التفريق بين الإسلام والإيمان معروف مشهور، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب " الإيمان "(ص 305 طبع المكتب الإسلامي).
"والرد إلى الله ورسوله في مسألة الإسلام والإيمان يوجب أن كلا من الاسمين وإن كان مسماه واجباً، ولا يستحق أحد الجنة إلا بأن يكون مؤمناً مسلماً، فالحق في ذلك ما بينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جبريل، فجعل الدين وأهله ثلاث
(1) الصحيحة (2468). (منه).
طبقات: أولها الإسلام، وأوسطها الإيمان، وأعلاها الإحسان، ومن وصل إلى العليا، فقد وصل إلى التي تليها، فالمحسن مؤمن، والمؤمن مسلم وأما المسلم فلا يجب أن يكون مؤمناً".
ومن شاء بسط الكلام على هذه المسألة مع التحقيق الدقيق فليرجع إلى الكتاب المذكور، فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع.
"الصحيحة"(1/ 1/288، 290).
[480] باب منه
[قال الإمام]:
الحقيقة التي لا تخفى على عالم أن هناك فرقاً بين الإسلام وبين الإيمان، وبينهما كما يقول الفقهاء: عموم وخصوص، أي: كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمن، لماذا؟ لأن الإيمان هو الاعتقاد فهو أمر قلبي، أما الإسلام وهو أمر عملي ظاهر ..
أما الإسلام فعمل ظاهري، عمل الجوارح
…
، الإيمان قلبي باطني غير ظاهر، أما الإسلام فهو ظاهري عملي فيظهر، فقد يمكن أن يُسْلِمَ بعض الناس لمصلحة شخصية، هذه المصلحة تتغير وتختلف باختلاف الزمان والمكان، في الزمن الأول: زمن قوة الإسلام التي نبع منها تشريع خاص من ذلك قوله عليه السلام: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم وحسابهم على الله» فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا بها دمائهم وأموالهم، إذا قالوها عن عقيدة .. عن إيمان .. أو عن خوف
قتل .. خوف دفع جزية أو ما شابه ذلك؟ لذلك كان الإسلام غير الإيمان، فالإسلام عمل ظاهري، والإيمان عمل باطني
" الهدى والنور"(170/ 15: 48: 00)
[481] باب منه
[قال الإمام]:
[ادعى بعضهم أنه] يقع كثيراً في القرآن وفي السنة [أن] يعطف بالشيء على الشيء، ويراد بالتالي نفس الأول كما في قوله:{إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات} ، فغاير بينهما بحرف العطف، ومعلوم أن المسلمين هم المؤمنون، والمؤمنين هم المسلمون ".
فأقول: هذا غير معلوم، بل العكس هو الصواب، كما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، وبخاصة منها كتابه " الإيمان "، ولذلك قال في " مختصر الفتاوى المصرية " (ص586):" الذي عليه جمهور سلف المسلمين: أن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، فالمؤمن أفضل من المسلم، قال تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} ". فالآية كما ترى حجة عليه، ويؤيد ذلك تمامها: {القانتين والقانتات
…
} الآية: فإن من الظاهر بداهة أنه ليس كل مسلم قانتاً!
"الصحيحة"(6/ 1/367).
[482] باب هل حب الوطن من الإيمان
؟
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال]:
(موضوع).
[قال الإمام]:
ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم؟!
"الضعيفة"(1/ 110).
[483] باب منه
الشيخ: الجملة اللي هي شائعة بين الناس إن الرسول قال: «حب الوطن من الإيمان» . هذا كلام ما أنزل الله به من سلطان.
إذن الرسول ما صح عنه أنه قال: حب الوطن من الإيمان.
نرجع بقى نقول: سؤال فقهي، سؤال فقهي بعد ما طهرنا الأذهان من كون الرسول قال:«حب الوطن من الإيمان» .
هل صحيح أن حب الوطن من الإيمان أم يجوز حب الوطن؟ في فرق:
شيء يجوز وشيء له علاقة بالإيمان، أي شيء له علاقة بالإيمان فهو مستحب وأنت صاعد حتى يصير فرضاً، صح ولا لا؟ لكن الأمر الجائز سواء عليك فعلته أو تركته.
حب الوطن أمر غريزي، حب الوطن أمر غريزي، مثل حب الحياة، ومثل كراهية الموت، فالإنسان الذي يحب الحياة لا يمدح ولا يذم لكن يمدح ويذم
باعتبار ما يتعلق بحياته كما قال عليه الصلاة والسلام: «خيركم من طال عمره وحسن عمله وشركم من طال عمره وساء عمله» (1).
فإذن حب الوطن أمر غريزي في الناس؛ ولذلك قال تعال في حق اليهود: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ} (النساء:66) لماذا؟ لأن الإنسان يتعلق بوطنه، فالتعلق بالوطن أمر غريزي، أمر طبيعي، ولكن حب الوطن لا لذاته، لا لأن أرضك فلسطين، فأنت بتحب فلسطين ديناً، لا، بحت أصوات الدعاة الإسلاميين بالتفاخر أن من كمال الإسلام وعظمته أن كل بلاد الإسلام هو وطن واحد، صح ولَّا لا؟ هذا من الناحية الإسلامية، أما من الناحية الغريزية الطبيعية المفطورة، الواحد مش بيحب الوطن فلسطين، بيحب البلدة التي ولد فيا، بيحب الحارة، المحلة التي ولد فيها، هذا له علاقة يا أخي بالإيمان؟ هذا له علاقة بطبيعة الإنسان، ولذلك فيجب أن نفرق بين كون حب الشيء غريزة، طبيعة، فطرة، وبين كون الشيء من الإيمان. ظهر لك الفرق الآن؟ آه
…
بدي أرجع أنا لحديثك، صحيح أن الرسول عليه الصلاة والسلام لما عزم على الهجرة من مكة إلى المدينة توجه إلى مكة وقال: أما إنك انتبه بقية الحديث أيش يختلف الأمر عن المعنى اللي دار في ذهنك خطأ، خطأ، الحديث ليس له علاقة بحب الوطن أي وطن، كان له علاقة بحب خير بلاد الله، قال عليه السلام:«إنك أحب بلاد الله إلي الله وأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت» (2)، ليه؟ لأنه وطنه؟ لا؛ لأنه خير بلاد الله، ولأن هذه مكة أحب البلاد الله إلى الله، بالتالي أحب بلاد الله إلى رسول الله.
(1)"صحيح الجامع"(رقم3297).
(2)
"صحيح الجامع"(رقم7089).
فإذن هذا الكلام لا يطبق على كل بلاد الدنيا.
فمثلاً لا يجوز لمسلم-نضربها كما يقولون: علاوية-أُخْرِجَ من بلده مصر مكرهاً بيلتفت بيقول: أما إنك من أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت؟ ما بيجوز هذا الكلام، فأنت يا أخي فبارك الله فيك، العلم نور، فلا يجوز للإنسان المسلم أن يتكلم بغير علم لأن الله عز وجل يقول:{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (الإسراء:36).
"الهدى والنور"(527/ 06: 12: 00)
[484] باب المؤمن كلما كان أقوى إيماناً ازداد ابتلاءً
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
[وقال صلى الله عليه وآله وسلم]:
[وقال صلى الله عليه وآله وسلم]:
«إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين
يلونهم».
[ترجم الإمام لهذه الأحاديث بقوله: «من أشد الناس بلاءً» فذكرها مع تخريجها ثم قال]: وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً، ازداد ابتلاءً وامتحاناً، والعكس بالعكس، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة ونحوها أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى! وهو ظن باطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أفضل البشر، كان أشد الناس حتى الأنبياء بلاء، فالبلاء غالباً دليل خير، وليس نذير شر، كما يدل على ذلك أيضا الحديث الآتي:
" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ".
"الصحيحة"(1/ 1/273 - 276).
[485] باب الفرق بين العقيدة والإيمان
سؤال: يا شيخنا ما الفرق بين العقيدة والإيمان؟
الشيخ: ما في فرق، كلمة الإيمان هي المستعملة في السنة والقرآن، العقيدة تعبير للعلماء عن هذا الإيمان.
" الهدى والنور"(57/ 09: 27: 01)
(تعريف الإيمان)
[486] باب الإيمان: تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان وهو يزيد وينقص والرد على من أنكر ذلك
[وصف أبوغدة شارحَ الطحاوية أبن أبي العز بالإمامة، فأراد الإمام الألباني إلزامه ببعض أهم المسائل العقدية التي قررها الشارح في عقيدته والتي يعلم الشيخ الألباني إنكار أبي غدة أو شيخه الكوثري لها فقال الإمام:]
قلت: فإذا كان أبو غدة مؤمناً حقاً بهذه الإمامة الملموسة المشهورة فأنا أختار له من كلام هذا الإمام سبع مسائل، فإن أجاب عنها بما يوافق ما ذهب إليه هذا الإمام المشهور من قلبٍ مخلصٍ فذلك ما نرجوه، وأعتذر إليه من إساءة الظن به، وإن كانت الأخرى فذلك مما يؤيد - مع الأسف- ما رميته به من المداراة.
[فذكر أربع مسائل ثم قال:]
المسألة الخامسة: يقول "الإمام"[أي: أبن أبي العز] تبعاً للأئمة مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وإسحاق بن راهوية وسائر أهل الحديث وأهل المدينة:
إن الإيمان هو تصديق بالجنان، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان. وقالوا: يزيد وينقص.
وشيخك تعصباً لأبي حنيفة يخالفهم مع صراحة الأدلة التي تؤيدهم من
الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم، بل ويغمز منهم جميعاً مشيراً إليهم بقوله في "التأنيب"(ص 44 - 45) إلى "أناس صالحون" يشير أنهم لا علم عندهم فيما ذهبوا إليه ولا فقه، وإنما الفقه عند أبي حنيفة دونهم، ثم يقول: إنه الإيمان والكلمة، وإنه الحق والصراح. وعليه فالسلف وأولئك الأئمة الصالحون (!) هم عنده على الباطل في قولهم: بأن الأعمال من الإيمان، وأنه يزيد وينقص. وقد نقل أبو غدة كلام شيخه الذي نقلنا موضوع الشاهد منه، نقله بحرفه، في التعليق على "الرفع والتكميل"(ص 67 - 69)، ثم أشار إليه في مكان آخر منه ممجداً به ومكبراً له بقوله (ص 218):
وانظر لزاماً ما سبق نقله تعليقاً فإنك لا تظفر بمثله في كتاب ثم أعاد الإشارة إليه (ص 223) مع بالغ إعجابه به. وظني به أنه يجهل - أن هذا التعريف للإيمان الذي زعم شيخه أنه الحق الصراح - مع ما فيه من المخالفة لما عليه السلف كما عرفت، مخالف لما عليه المحققون من علماء الحنفية أنفسهم الذين ذهبوا إلى:
أن الإيمان هو التصديق فقط ليس معه الإقرار! كما في "البحر الرائق" لابن نجيم الحنفي (5/ 129) ، والكوثري في كلمته المشار إليها يحاول فيها أن يصور للقارئ أن الخلاف بين السلف والحنفية في الإيمان لفظي، يشير بذلك إلى أن الأعمال ليست ركناً أصلياً، ثم يتناسى أنهم يقولون بأنه يزيد وينقص، وهذا ما لا يقول به الحنفية إطلاقاً، بل إنهم قالوا في صدد بيان الألفاظ المكفرة عندهم: وبقوله: الإيمان يزيد وينقص كما في "البحر الرائق" - "باب أحكام المرتدين"! فالسلف على هذا كفار عندهم مرتدون!! راجع شرح الطحاوية (ص 338 - 360) و"التنكيل"(2/ 362 - 373) الذي كشف عن مراوغة الكوثري في هذه المسألة.
وليعلم القارئ الكريم أن أقل ما يقال في الخلاف المذكور في المسألة أن الحنفية يتجاهلون أن قول أحدهم - ولو كان فاسقاً فاجراً -: أنا مؤمن حقاً، ينافي مهما تكلفوا في التأويل - التأدب مع القرآن ولو من الناحية اللفظية على الأقل الذي يقول:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} .
فليتأمل المؤمن الذي عافاه الله تعالى مما ابتلى به هؤلاء المتعصبة، من هو المؤمن حقاً عند الله تعالى، ومن هو المؤمن حقاً عند هؤلاء؟!
"تحقيق شرح العقيدة الطحاوية"(ص 57 - 58)
جماع أبواب أركان الإيمان
(قول القلب وعمله)
[487] باب قول القلب وعمله ركن في الإيمان
والرد على غلاة المرجئة في ذلك
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم]:
(منكر).
[قال الإمام]:
ثم إن الحديث منكر عندي يناقض بعضه آخره، لأن قوله: لا إله إلا الله، لا ينفعه ما دام لم يوجد في قلبه شيء من الإيمان إلا على مذهب بعض المرجئة الغلاة الذين لا يشترطون مع القول الإيمان القلبي. فتأمل.
"الضعيفة"(6/ 99، 101).
(عمل الجوارح وموقعها من الإيمان)
[488] باب العمل سبب لابد منه لدخول الجنة
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
[قال الإمام]:
واعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس، ويتوهم أنه مخالف لقوله تعالى:{وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} ونحوها من الآيات والأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب: أن الباء في قوله في الحديث: " بعمله " هي باء الثمنية، والباء في الآية باء السببية، أي أن العمل الصالح سبب لابد منه لدخول الجنة، ولكنه ليس ثمنا لدخول الجنة، وما فيها من النعيم المقيم والدرجات
…
"الصحيحة"(6/ 1/195، 198).
[489] باب الإيمان بدون عمل لا يفيد
[قال الإمام]:
إن الإيمان بدون عمل لا يفيد؛ فالله عز وجل حينما يذكر الإيمان يذكره
مقرونًا بالعمل الصالح؛ لأننا لا نتصور إيمانًا بدون عمل صالح، إلا أن نتخيله تخيلاً، آمن من هنا، قال: أشهد ألا إله إلا الله ومحمد رسول الله، ومات من هنا، هذا نستطيع أن نتصوره، لكن إنسان يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويعيش دهره مما شاء الله ولا يعمل صالحاً؛ فعدم عمله الصالح هو دليل أنه يقولها بلسانه، ولم يدخل الإيمان إلى قلبه؛ فذكر الأعمال الصالحة بعد الإيمان ليدل على أن الإيمان النافع هو الذي يكون مقرونًا بالعمل الصالح.
"شرح الأدب المفرد، الشريط السادس، الوجه الأول"بواسطة"الإيمان عند السلف"
[490] باب لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال، وبيان أن تفاضل العباد في الدرجات في الجنة إنما هو بالنسبة للأعمال الصالحة كثرةً وقلة
[قال الإمام في مقدمة تحقيقه على رياض الصالحين تحت عنوان "فوائد متفرقة"]:
الحديث (8) "وعن أبى هريرة
…
إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم. رواه مسلم "
قلت: وزاد مسلم وغيره في رواية:"وأعمالكم "، وهو مخرج في " غاية المرام في تخريج الحلال والحرام "(410).وهذه الزيادة هامة جدًّا؛ لأن كثيرًا من الناس يفهمون الحديث بدونها فهمًا خاطئًا، فإذا أنت أمرتهم بما أمرهم به الشرع الحكيم من مثل إعفاء اللحية، وترك التشبه بالكفار، ونحو ذلك من التكاليف الشرعية، أجابوك بأن العمدة على ما في القلب، واحتجوا على زعمهم بهذا الحديث، دون أن يعلموا بهذه الزيادة الصحيحة الدالة على أن الله تبارك
وتعالى ينظر أيضًا إلى أعمالهم، فإن كانت صالحة قبلها وإلا ردها عليهم كما تدل على ذلك عديد من النصوص كقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"
والحقيقة أنه لا يمكن تصور صلاح القلوب إلا بصلاح الأعمال، ولا صلاح الأعمال إلا بصلاح القلوب. وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمل بيان في حديث النعمان بن بشير:" .... ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، إذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب "(الحديث593). وحديثه الآخر:" لتسوُّنَّ صفوفكم أوليخالفن الله بين وجوهكم".أي قلوبكم (الحديث1096). وقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال". وهو وارد في الجمال المادي المشروع خلافا لظن الكثيرين ..
وإذا عرفت هذا ، فمن أفحش الخطأ الذي رأيته في هذا الكتاب:"الرياض" في جميع نسخه المخطوطة والمطبوعة التي وقفت عليها، أن الزيادة المذكورة قد استدركها المصنف - رحمه الله تعالى- في الحديث (1578) لكن قلمه أو قلم كاتبه انحرف بها فوضعها في مكان مفسد للمعنى. فوقعت فيه هكذا:" .... ولا إلى صوركم وأعمالكم ، ولكن ينظر
…
" وانطلى ذلك على جميع الطابعين والمصححين والمعلقين، ولا أستثنى من ذلك مصححي الطبعة المنيرية ولا غيرها. بل لقد انطلى أمرها على الشارح ابن علان نفسه ، فشرح الحديث على القلب! فقال: (4/ 406): "أي أنه تعالى لا يرتب الثواب على كبر الجسم ، وحسن الصورة، وكثرة العمل"! وهذا الشرح مما لايخفى بطلانه لأنه مع منافاته للحديث في نصه الصحيح ، معارض للنصوص الكثيرة من الكتاب والسنة الدالة على أن تفاضل العباد في الدرجات في الجنة إنما هو بالنسبة للأعمال الصالحة
كثرة وقلة. من ذلك قوله تعالى: [وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا]{الأنعام:132} .وقوله في الحديث القدسي:" ..... يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله ..... " الحديث (133).وكيف يعقل أن لا ينظر الله إلى العمل كالأجساد والصور ، وهو الأساس في دخول الجنة بعد الإيمان كما قال تعالى:[ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)]. {النحل الآية:32)} . فتأمل كم يبعد التقليد أهله عن الصواب ، ويلقى بهم في وادٍ من الخطأ سحيق. وما ذلك إلا لإعراضهم عن دراسة السنة في أمهات كتبها المعتمدة المصححة ، والله المستعان.
"تحقيق رياض الصالحين"(ص21 - 23).
[491] باب العمل الصالح سبب لدخول الجنة
[قال الإمام]:
الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سببًا، فالعمل الصالح سبب لدخول الجنة، والعمل السيئ سبب لدخول النار.
"الضعيفة"(11/ 1/516).
[492] باب الرد على من أخرج العمل من مسمى الإيمان
وبيان أن الخلاف بين أهل السنة وبين الحنفية والماتريدية
حقيقيًّا لا صورياًّ
-[قال الإمام معلقا على قول صاحب الطحاوية]:"والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان":
هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافاً للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق: العمل بالأركان. وليس الخلاف بين المذهبين اختلافاً صورياًّ كما ذهب إليه الشارح رحمه الله تعالى بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه. فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحاً فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفةً حقيقيةً في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته بالطاعة ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (ص 384 - 387) ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان وتكلفوا في تأويلها تكلفاً ظاهراً بل باطلاً ذكر الشارح (ص 385)[342] نموذجاً منها بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة
…
" مع احتجاج كل أئمة الحديث به ومنهم البخاري ومسلم في " صحيحيهما " وهو مخرج في " الصحيحة " (1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم.
ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريًّا؛ وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول: إيماني كإيمان أبي بكر الصديق بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل عليهم الصلاة والسلام، كيف وهم بناءً، على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقاً فاجراً - أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله تعالى، بل يقول: أنا مؤمن حقاً، والله عز وجل يقول: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين
يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا} (الأنفال:2 - 4){ومن أصدق من الله قيلاً} (النساء:22).
وبناء على ذلك كله اشتطوا في تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله: تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب.
وأعرف شخصاً من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية فأبى قائلا:
…
لولا أنك شافعي! فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية: " الإيمان " فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع.
"التعليق على متن الطحاوية"(ص66 - 69).
[493] باب رد قول من أخرج الأعمال من الإيمان
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
[قال الإمام]:
الحقيقة أن الحديث وإن كان مؤولاً، فهو حجة على الحنفية الذين لا يزالون مصرين على مخالفة السلف في قولهم بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فالإيمان
عندهم مرتبة واحدة، فهم لا يتصورون إيماناً ناقصاً، ولذلك يحاول الكوثري رد هذا الحديث، لأنه بعد تأويله على الوجه الصحيح يصير حجة عليهم، فإن معناه:" وهو مؤمن إيماناً كاملاً ". قال ابن بطال: " وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل، لأن العاصي يصير أنقص حالاً في الإيمان ممن لا يعصي " ذكره الحافظ (10/ 28).
ومثله ما نقله (12/ 49) عن الإمام النووي قال: " والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، والمراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما نيل، ولا عيش إلا عيش الآخرة ". ثم أيده الحافظ في بحث طويل ممتع، فراجعه. ومن الغرائب أن الشيخ القاري مع كونه حنفيّاً متعصبا فسر الحديث بمثل ما تقدم عن ابن بطال والنووي، فقال في " المرقاة " (1/ 105):" وأصحابنا تأولوه بأن المراد المؤمن الكامل .. "، ثم قال:"على أن الإيمان هو التصديق، والأعمال خارجة عنه "! فهذا يناقض ذاك التأويل. فتأمل.
"الصحيحة"(6/ 2/1269، 1276 - 1277).
[494] باب الاعتقاد بأن الإيمان مجرد التصديق
دون الأعمال من أقبح الغلط وأعظمه
[نقل الإمام كلاماً لابن القيم في ذلك مقرراً فقال]:
قال بعض المحققين: (المطلوب في المسائل العملية أمران: العلم والعمل، والمطلوب في العلميات العلم والعمل أيضاً، وهو حب القلب وبغضه، حبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته، وبغضه للباطل الذي يخالفها، فليس العمل مقصوراً
على عمل الجوارح، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح، وأعمال الجوارح تبع، فكل مسألة علمية، فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، وذلك عمل بل هو أصل العمل.
وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال! وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير شاكين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب، من حب ما جاء به، والرضا به وإرادته، والموالاة له والمعاداة عليه.
فلا تهمل هذا الموضوع، فإنه مهم جداً، به تعرف حقيقة الإيمان، فالمسائل العلمية عملية، والمسائل العملية علمية، فإن الشارع لم يكتفِ من المكلفين
في العمليات بمجرد العمل دون العلم، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل" (1).
"وجوب الأخذ بحديث الآحاد"(ص26 - 27).
[495] باب الإيمان الذي وقر في القلب
لا بد من أن يظهر على البدن والجوارح
[قال الإمام]:
العمل بالإيمان عمل قلبي ليس كما يظن بعض الناس أنه لا علاقة له بالعمل، لا الإيمان أولاً، لا بد من أن يتحرك القلب بالإيمان بالله ورسوله، ثم لا بد أن يقترن مع هذا الإيمان الذي وقر في القلب أن يظهر .. على البدن والجوارح،
(1)«الصواعق» (2/ 420 - 421)[منه].
لذلك فقوله تبارك وتعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل:32)، نص قاطع صريح بأن دخول الجنة ليس بمجرد الأماني كما قال تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (النساء:123)، من يعمل خيراً يجز به، من يعمل سوءاً يجز به، كما قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (الزلزلة:8).
"الهدى والنور"(11ب/ 00:07:24)
[496] باب أهمية العمل وخطر التواكل
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال]:
(باطل).
[قال الإمام]:
وإن مثل هذا الحديث ليفتح باباً كبيراً على الناس من التواكل والتكاسل عن القيام بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى عنه، والاعتماد على الأعمال العادية التي لا يقصد بها التقرب إلى الله، متعللين بأنه عسى أن ينتفع بها بعض الناس فيغفر الله لنا!!
"الضعيفة"(2/ 289 - 291).
[497] باب التفاضل يكون بالإيمان والعمل الصالح
[قال الإمام]:
من المقطوع به شرعاً أن التفاضل إنما يكون بالايمان والعمل الصالح وليس بالحسب والنسب.
"الصحيحة"(7/ 1/645).
[498] باب المدح والقدح للإنسانإنما يكونان على العمل الصالح
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم]:
«إنما الأسود لبطنه وفرجه» . (موضوع).
[قال الإمام]:
[الحديث] باطل ظاهر البطلان؛ لمخالفته لما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام أن المدح والقدح ليس على اللون والجنس؛ وإنما على العمل الصالح؛ [إن أكرمكم عند الله أتقاكم][13/ الحجرات]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى» .
"الضعيفة"(7/ 202 - 203).
[499] باب العمل على قدر العلم بالله
[عن] عبد الله بن الشخير عن أبيه قال:
أتيت رسول الله وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.
(صحيح).
[قال الإمام]:
أي غليان كغليان القدر. وهذا دليل على كمال خوفه صلى الله عليه وآله وسلم من ربه، ومعلوم أن العمل على قدر العلم والمعرفة، وهو صلى الله عليه وآله وسلم سيد العارفين بالله
…
"مختصر الشمائل"(ص 169).
[500] باب بيان أن العمل الصالح من الإيمان
[سئل الشيخ عمن يقول: لا يجوز للإنسان أن يقول: أنا مؤمن، بل يقول: أنا مسلم، فأجاب رحمه الله]:
فإذا عرفنا هذه الحقيقة وهي منصوص عليها في كتاب الله وفي أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نصوص كثيرة من أشهرها قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا} (الحجرات:14) أتى الأمر الإلهي: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ في قُلُوبِكُمْ} (الحجرات:14) هؤلاء أسلموا يعني: تظاهروا بأنهم يشهدوا أن لا إله إلا الله .. يقوموا إلى الصلاة، ولكن ربنا علم منهم أن الإيمان لم يدخل إلى قلوبهم، فهؤلاء مسلمون، أي: قد يكونون منافقين في قلوبهم لكن مسلمون في أعمالهم.
ولذلك فمن كان مؤمناً حقيقةً في قلبه فهو مسلم ولا شك، والعكس، أي: ليس كل مسلم مؤمن؛ لذلك أنا استنكرت قول ذلك الشاب: أنه أنت عندما تقول: أنا مؤمن .. لا، أنت مسلم ما لك مؤمن، فلما قال لك ذاك الإنسان: أنك أنت لست مؤمناً أنت مسلم كنت مستحسن أنك تعكس عليه السؤال: فأنت مؤمن أو مسلم؟ إذا قال: لا، أنا مؤمن، طيب! ما الفرق بيني وبينك؟ لماذا تنكر علي قولي:
أنا مؤمن؟
هو الواقع بدا لي من هذا السؤال ومن بعض المناقشات التي جرت بينك وبينه أن هذا سامع كلمات، وجد كلمات من بعض المحاضرات أو بعض الدروس وليس مستوعبها، يوجد عند علماء السلف هذا الحديث، أنه إذا سئل الإنسان:«هل أنت مؤمن» ؟ يقول: «أنا مؤمن إن شاء الله» ، بينما أناس آخرين يقولوا:«لا، لا تقل: إن شاء الله، قل: أنا مؤمن اجزم» ، وجهة نظر الذي يقول:«أنا مؤمن إن شاء الله» ؛ ليس هو الشك في إيمانه، أنا وأنت كلُّ أحدٍ منا يعرف نفسه أنه مؤمن بالله ورسوله وما جاء في كتاب الله وسنة رسوله.
فلما المسلم حقاً يسأل مثل هذا السؤال: المنهج السلفي يقول له: لا تقل: «أنا مؤمن» جزماً وحقاً، لكن قل:«أنا مؤمن إن شاء الله» ، لماذا؟ لأن الإيمان ليس هو مجرد الاعتقاد، وإنما يضاف إليه العمل الصالح؛ لذلك: إذا ذكر الله الإيمان قرن معه العمل الصالح: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1]{إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2]{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3].
ولذلك من المقرر عند علماء السلف أن العمل الصالح من الإيمان، بينما الذين يسمون بالماتريدية هؤلاء يقولون: لا، العمل الصالح لوحده، والإيمان وحده، أي: العمل الصالح ليس له علاقة بالإيمان، عرفت؟ هكذا يقولوا، وهذا بلا شك خطأ، ويبنون على هذا الخطأ خطأ ثان، وهو: هذا الماتريدي إذا سئل: هل أنت مؤمن؟ يقول لك: أنا مؤمن حقاً، لماذا؟ لأنه يتكلم على العقيدة لا يعني العمل الصالح؛ لأنه يقول هكذا: الإيمان ليس له علاقة بالعمل الصالح، صحيح العمل الصالح فرض واجب لكن لا يدخل في مسمى الإيمان، بينما عند الجمهور: الإيمان من معانيه العمل الصالح، من هنا يختلف الجواب، هل الذي يقول:
الإيمان هو الاعتقاد الجازم فيسأل: يقول: «أنا مؤمن حقاً» ، أما الذي يعتقد أن من الإيمان العمل الصالح يقول لك:«أنا مؤمن إن شاء الله» ؛ لأنه لا يعرف أنه قائم بحق هذا الإيمان أو لا.
هذا الشاب يمكن سمع أن السلف لا يقولون: أنا مؤمن حقاً، يقولون: مؤمن إن شاء الله، ففسرها: أنه لا تقل: مؤمن مطلقاً، وإنما أقول: أنا مسلم، أنت تقدر تقول عن إنسان مسلم إذا شكيت في إيمانه! مثل المنافقين الذين كانوا في زمن الرسول، وما أظن هو يريد أن يتهمك بالنفاق، ولذلك كنت أستحسن جداً أنك تقول له: أنت مؤمن؟ هذا السؤال أنا أجبتك عليه، ما جوابك أنت عليه إذا أنا قلت لك: هل أنت مؤمن؟ فإذا قال لك: أنا مؤمن، معناه: كشفته أنه يتهمك بالنفاق، يعني: يقول لك: أنت كافر تظهر الإسلام، وإذا قال لك: أنا مسلم ولم يقل: أنا مؤمن، يتحقق أنه لا يفهم القضية، آخذ رؤوس أقلام من قول السلف: أنه أنا مؤمن إن شاء الله، إذاً: لن يقول أنا مؤمن.
فأنت عندما قلت له: أنا مؤمن كنت مخطئ عنده، لكن ما الصواب؟ أنه لازم تقول: أنا مسلم، لا، الجواب الصحيح: أنا مؤمن إن شاء الله، أما إذا كنت قصدت أو فهمت من سؤال السائل: هل أنت تعتقد اعتقاد جازم بالإسلام والقرآن والسنة وإلى آخره، فقلت له: نعم، أنا مؤمن ما من مانع من هذا الجواب، لكن عندما يسأل سؤالاً مطلقاً: هل أنت مؤمن؟ الجواب السلفي: أنا مؤمن إن شاء الله، لأنه داخل في مسمى الإيمان العمل الصالح.
هذا السائل: عندما سألك: هل أنت مؤمن؟ ما ندري ماذا قصد؟ فأنا أخشى ما أخشاه أحد شيئين وأحلاهما مر:
الشيء الأول: أنه يتهمك بالكفر، ولذلك سيقول لك: أنت لست مؤمناً، أنت مسلم.
الشيء الثاني الذي يمكن يقصده: هو هذا المعنى الذي لا يقوله عالم؛ لأن السلفيين أتباع أهل الحديث يقولون: أنا مؤمن إن شاء الله، الماتريديين يقولوا: أنا مؤمن حقاً، فهو: لماذا ينكر هذه وينكر هذه؟ لذلك قال لك: قل: أنا مسلم، فيعاد عليه السؤال: أنك أنت سألتني كذا وقلت لي: لا، أنت لازم تقول: أنا مسلم، فأنت شو تقول .. يتبين حينئذ ما قصده بهذا السؤال.
"الهدى والنور"(170/ 15: 48: 00).
[501] باب أحوال العمل مع الإيمان
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
- «أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة» .
[قال الإمام]:
هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قال لا إله إلا الله على أقوال كثيرة ذكر بعضها المنذري في "الترغيب"(2/ 238) وترى سائرها في " الفتح".
والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة:
الأولى: من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات، فالحديث حينئذ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقاً.
الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة ولكنه ربما تهاون ببعض الواجبات وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة.
الثالثة: كالذي قبله ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن محارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه: " وإن زنى وإن سرق
…
" الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار، فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولابد، وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه» . وهو حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم (1932). والله سبحانه وتعالى أعلم.
"الصحيحة"(3/ 297،299 - 300).
[502] باب هل الأعمال الواجبة شرط صحة في الإيمان
؟
عن أنس بن مالك قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال في الخطبة: «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له»
[قال الإمام]: (صحيح لغيره).
[وعلق على الحديث قائلاً]:
قلت: فيه -كما ترجم له المؤلف-[أي الهيثمي في الموارد حيث ترجم له بقوله: باب فيما يخالف كمال الإيمان] رد صريح على بعض الجهلة الذين يقولون بأن الأعمال الواجبة شرط صحة في الإيمان، فإذا تركه كفر وخرج من الملة بزعمهم! ذلك لأن أداء الأمانة والوفاء بالعهد من الواجبات، ومع ذلك لا يوجد
أحد من أهل العلم يقول بأنها شرط صحة؛ ما دام المخالف مؤمناً بالوجوب، معترفاً بذنبه غير مستكبر، فهل من معتبر؟!
ويراجع لهذا رسالتي "حكم تارك الصلاة".
"صحيح موارد الظمآن"(1/ 112).
[503] باب الإيمان الكامل يستلزم العمل
[قال الإمام]:
الإيمان الكامل يستلزم العمل لكن الكمال ليس شرطاً في كل إيمان حتى ولو كان ذرة تنجيه من الخلود يوم القيامة في النار.
"الهدى والنور" تحت (830/ 55: 38: 00).
[504] باب الشهادة لا يبطلها الإخلال بشيء من أعمال الجوارح الواجبة
[روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم]:
«ثلاثة لا يُقبل لهم شهادة أن لا إله إلا الله: الراكب والمركوب، والراكبة والمركوبة، والإمامُ الجائر» .
(موضوع).
[قال الإمام]:
ثم إنني أقول: هذا الحديث عندي موضوع باطل، ظاهر البطلان؛ لأنه مخالف لما عليه أهل السنة: أن الشهادة لا يبطلها الإخلال بشيء من أعمال
الجوارح الواجبة؛ لقوله تعالى: {إن الله لا يغفرأن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ، إلى غير ذلك من النصوص الثابتة التي يرد بها العلماء على أهل الأهواء؛ كالإباضية والخوارج، ومن جرى مجراهم، وضل ضلالهم من جهلة العصر الحاضر. فالعجب كيف خلت منه كتب الموضوعات، مثل "موضوعات ابن الجوزي "، و" اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" للسيوطي، و"ذيل الموضوعات " له؛ فضلاً عن " العلل المتناهية " لابن الجوزي، وغيرها.
"الضعيفة"(14/ 1/378 - 379).
[505] باب بيان أن الموحِّد لا يخلد في النار مهما كان فعله مخالفاً لما يسلتزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال
[قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم]:
[قال الإمام]:
واعلم أن قوله في حديث الترجمة: "إلا التوحيد" مع كونها صحيحة الإسناد، فقد شكك فيها الحافظ ابن عبد البر من حيث الرواية، وإن كان قد جزم
بصحتها من حيث الدراية، فكأنه لم يقف على إسنادها، لأنه علقها على أبي رافع عن أبي هريرة، فقال رحمه الله (18/ 40):
"وهذه اللفظة- إن صحت- رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل؛ فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار؛ لأن الله عز وجل قد أخبر أنه {لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} لمن مات كافراً، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة.
والدليل على أن الرجل كان مؤمناً قوله حين قيل له " لم فعلت هذا؟ " فقال:" من خشيتك يا رب! ". والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق؛ بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم؛ كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر:28)، قالوا: كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده.
وأما قوله: "لئن قدر الله علي "؛ فقد اختلف العلماء في معناه؛ فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عزوجل، وآمن بسائر صفاته وعرفها؛ لم يكن بجهله بعض صفات الله كافراً. قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله.
وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين.
وقال آخرون: أراد بقوله: "لئن قدر الله علي " من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء. قالوا: وهو مثل قول الله عز وجل في
ذي النون: {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ} (الأنبياء:87).
وللعلماء في تأويل هذه اللفظة قولان:
أحدهما: أنها من التقدير والقضاء.
والآخر: أنها من التقتير والتضييق.
وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا الحديث في قوله: "لئن قدر الله علي "، فأحد الوجهين تقديره: كأن الرجل قال: لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه؛ ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين غيري.
والوجه الآخر: تقديره: والله! لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك. ثم أمر بأن يحرق بعد موته من إفراط خوفه.
وأما جهل هذا الرجل بصفة من صفات الله في علمه وقدره؛ فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعمران بن حصين وجماعة من الصحابة سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن القدر. ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، أو يكونوا حين سؤالهم عنه غير مؤمنين.
وروى الليث عن أبي قبيل عن شُفَيٍّ الأصبحي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- فذكر حديثاً في القدر، وفيه: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فأي شيء نعمل إن كان الأمر قد فرغ منه؟ (1)، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم العلماء
(1) رواه أحمد والترمذي وصححه، وهو مخرج في "الصحيحة "(848)، و"المشكاة"(96)، وحديث عمران الذي أشار إليه متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة"(412 و413)، وفيه حديث عمر (170). [منه].
الفضلاء- سألوا عن القدر سؤال متعلم جاهل؛ لا سؤال متعنت معاند، فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما جهلوا من ذلك، ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه، ولو كان لا يسعهم جهله وقتاً من الأوقات؟ لعلمهم ذلك مع الشهادة بالإيمان، وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم، ولجعله عموداً سادساً للإسلام، فتدبر واستعن بالله.
فهذا الذي حضرني على ما فهمته من الأصول ووعيته، وقد أديت اجتهادي في تأويل حديث هذا الباب كله ولم آلُ، وما أبرئ نفسي، وفوق كل ذي علم عليم. وبالله التوفيق ".
هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماماً في العلم والمعرفة بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.
وخلاصته؛ أن الرجل النباش كان مؤمناً موحداً، وأن أمره أولاده بحرقه
…
إنما كان إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته- وهذا ما أستبعده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه؛ كما قال ابن الملقن فيما ذكره الحافظ (11/ 314)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وسواء كان هذا أو ذاك؛ فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له؛ كما تقدم تحقيقه من ابن عبد البر.
ومن ذلك يتبين بوضوح أنه ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاط به. ومن الأمثلة على ذلك: الرجل الذي كان قد ضلت راحلته،
وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة فرحه:
"اللهم! أنت عبدي وأنا ربك "! (1).
وفي ذلك كله رد قوي جداً على فئتين من الشباب المغرورين بما عندهم من علم ضحل: الفئة الأولى: الذين يطلقون القول بأن الجهل ليس بعذر مطلقاً؛ حتى ألف بعض المعاصرين منهم رسالة في ذلك!
والصواب الذي تقتضيه الأصول والنصوص التفصيل؛ فمن كان من المسلمين يعيش في جو إسلامي علمي مصفى، وجهل من الأحكام ما كان منها معلوماً من الدين بالضرورة- كما يقول الفقهاء- فهذا لا يكون معذوراً؛ لأنه بلغته الدعوة وأقيمت الحجة.
وأما من كان في مجتمع كافر لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وأسلم؛ ولكن خفي عليه بعض تلك الأحكام لحداثة عهده بالإسلام، أو لعدم وجود من يبلغه ذلك من أهل العلم بالكتاب والسنة؛ فمثل هذا يكون معذوراً.
ومثله- عندي- أولئك الذين يعيشون في بعض البلاد الإسلامية التي انتشر فيها الشرك والبدعة والخرافة، وغلب عليها الجهل، ولم يوجد فيهم عالم يبين لهم ما هم فيه من الضلال، أو وجد ولكن بعضهم لم يسمع بدعوته وإنذاره؛ فهؤلاء
(1) رواه مسلم (8/ 93)، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة"(5/ 87) وصححه من حديث أنس، وعزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"(4/ 5) لمسلم من حديث النعمان بن بشير أيضاً بزيادة " اللهم! أنت .. "، وهو وهم؛ فإنه عنده دون الزيادة، وكذلك أخرجه أحمد (4/ 273 و275) عن النعمان، والبخاري، ومسلم أيضاً من طريق أخرى عن أنس مختصراً، وأخرجاه من حديث ابن مسعود مطولاً؛ غير أن البخاري أوقفه. ومسلم، وابن حبان (2/ 9/ 620 - الإحسان)، وأحمد (2/ 316 و500) عن أبي هريرة مختصراً نحو روايتهما عن أنس. [منه].
أيضاً معذورون بجامع اشتراكهم مع الأولين في عدم بلوغ دعوة الحق إليهم؛ لقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} (الأنعام:19) وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} (الإسراء:15)، ونحو ذلك من الأدلة التي تفرع منها تبني العلماء عدم مؤاخذة أهل الفترة؛ سواء كانوا أفراداً أو قبائل أو شعوباً؛ لاشتراكهم في العلة؛ كما هو ظاهر لا يخفى على أهل العلم والنُّهى.
ومن هنا يتجلى لكل مسلم غيور على الإسلام والمسلمين عظم المسؤولية الملقاة على أكتاف الأحزاب والجماعات الإسلامية الذين نصبوا أنفسهم للدعوة للإسلام، ثم هم مع ذلك يدعون المسلمين على جهلهم وغفلتهم عن الفهم الصحيح للإسلام، ولسان حالهم يقول- كما قال لي بعض الجهلة بهذه المناسبة
-: "دعوا الناس في غفلاتهم"! بل وزعم أنه حديث شريف!! أو يقولون- كما تقول العوام في بعض البلاد-: "كل مين على دينه، الله يعينه "! وهذا خطأ جسيم لو كانوا يعلمون، ولكن صدق من قال:"فاقد الشيء لا يعطيه "!.
والفئة الثانية: نابتة نبتت في هذا العصر؛ لم يؤتوا من العلم الشرعي إلا نزراً يسيراً، وبخاصة ما كان منه متعلقاً بالأصول الفقهية، والقواعد العلمية المستقاة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومع ذلك؛ اغتروا بعلمهم فانطلقوا يبدِّعون كبار العلماء والفقهاء، وربما كفروهم لسوء فهم أو زلة وقعت منهم، لا يرقبون فيهم (إلاً ولا ذمة)، فلم يشفع عندهم ما عرفوا به عند كافة العلماء من الإيمان والصلاح والعلم، وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الكفر الذي يخرج به صاحبه من الإيمان؛ ألا وهو الجحد والإنكار لما بلغه من الحجة والعلم؛ كما قال تعالى في قوم فرعون: {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين، وَجَحَدُوا
بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ} (النمل:13، 14). وقال في الذين كفروا بالقرآن: {ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُون} (فصلت:28) ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (16/ 434 - مجموع الفتاوى):
" لا يجوز تكفير كل من خالف السنة؛ فليس كل مخطئ كافراً، لا سيما في المسائل التي كثر فيها نزاع الأمة ".
يشير إلى مثل مسألة كلام الله وأنه غير مخلوق، ورؤية الله في الآخرة، واستواء الله على عرشه، وعلوه على خلقه؛ فإن الإيمان بذلك واجب، وجحدها كفر، ولكن لا يجوز تكفير من تأولها من المعتزلة والخوارج والأشاعرة بشبهة وقعت لهم؛ إلا من أقيمت عليه الحجة وعاند.
وهذا هو المثال بين أيدينا: الرجل النباش؟ فإنه مع شكه في قدرة الله على بعثه غفر الله له؛ لأنه لم يكن جاحداً معانداً؛ بل كان مؤمناً بالله وبالبعث على الجملة دون تفصيل لجهله. قال شيخ الإسلام بعد أن ساق الحديث برواية " الصحيح " وذكر أنه حديث متواتر (12/ 491):
" وهنا أصلان عظيمان:
أحدهما: متعلق بالله تعالى؛ وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.
والثاني: متعلق باليوم الآخر؛ وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله. ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملاً صالحاً- وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه-؛ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم
الآخر والعمل الصالح ".
ولهذا؛ فإني أنصح أولئك الشباب أن يتورعوا عن تبديع العلماء وتكفيرهم، وأن يستمروا في طلب العلم حتى ينبغوا فيه، وأن لا يغتروا بأنفسهم، ويعرفوا حق العلماء وأسبقيتهم فيه، وبخاصة من كان منهم على منهج السلف الصالح كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وأَلْفِتُ نظرهم إلى "مجموع الفتاوى" فإنه "كُنَيْف مُلِىءَ علماً"، وبخاصة إلى فصول خاصة في هذه المسالة الهامة "التكفير"، حيث فَرَّقَ بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وقال في أمثال أولئك الشباب:
"ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين؛ إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ".
يعني الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق. ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة؛ وأمثالهم.
فأقول: وملاحظة هذا الفرق هو الفيصل في هذا الموضوع الهام، ولذلك فإني أحث الشباب على قراءته وتفهمه من "المجموع " (12/ 464 - 501) الذي ختمه بقوله:"وإذا عُرف هذا؛ فتكفير (المعين) من هؤلاء الجهال وأمثالهم- بحيث يحكم عليه أنه من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت مقالتهم لا ريب أنها كفر، (يعني: الدعاة إلى البدعة).
وهكذا الكلام في تكفير جميع (المعينين)؛ مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين- وإن أخطأ وغلط- حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة ".
هذا؛ وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط، ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم (3054).
"الصحيحة"(7/ 1/105 - 116).
[506] باب حكم ترك الأعمال
سؤال: السؤال الأول: هل صحيح أن من مات على التوحيد وإن لم يعمل بمقتضاه وأول مقتضى التوحيد إقامة الصلاة .. هل يكفر ويخلد مع الخارج الكافر في نار جهنم أم لا؟
الشيخ: السلف فرقوا بين الإيمان وبين العمل فجعلوا العمل شرط كمال في الإيمان ولم يجعلوه شرط صحة خلافاً للخوارج، واضح هذا الجواب؟!
مداخلة: ما قولكم في تأويلهم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم أن كلمة: من لم يعمل أو جملة: «من لم يعمل خيراً قط» ليست على ظاهرها.
الشيخ: طيب! ولماذا؟
مداخلة: لأنها جاءت من باب إفهام القارئ أنها من جملة نفي كمال العمل ليس جنسه.
الشيخ: نطور السؤال: ما الدليل؟
مداخلة: الدليل من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر» .
الشيخ: طيب! هل الكفر حينما يطلق يراد به الكفر المقارن بالردة؟
مداخلة: لا، هم يقولون: لا لكن الصلاة ..
الشيخ: معليش معليش. إذا قالوا: لا، فما هو الحد الفاصل بين كفر في نص ما أي: القائل إنه كفر ردة، وفي نص آخر ليس كفر ردة، وكل من الأمرين المذكورين في النصين عمل، ما الفرق بين هذا وهذا؟
مداخلة: الفرق كثير جداً يطول تفصيله عندهم بتأويلات أن من ترك جزء العمل ليس كمن ترك كل العمل، أو أن من شابه ببعض الأعمال الكافرين ليس كما يشابه بعض أفعالهم التي نص عليها الشارع أنها كفر يخرج من الملة.
الشيخ: هل أجبت عن السؤال؟
مداخلة: هذا جوابهم.
الشيخ: لا ما أريد جوابهم، هل أنت شعرت بأن هذا الذي تقول جوابهم هو
جواب سؤالي ..
مداخلة: لا.
الشيخ: إذاً ما الفائدة يا أخي، أنا أريد أن يتنبه إخواننا الطلاب أنه ليس بمجرد الدعوى تثبت القضية، أنا أقول: ما الفرق بين كفر يذكر في مثل هذا الحديث وبين كفر يذكر في حديث آخر، وكل من الأمرين الذي أنيط به الكفر في كل من النصين
…
أي: الجامع هو العمل فلماذا هذا العمل كفر ردة وذاك العمل ليس كفر ردة مثلاً قال عليه السلام: «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» هل هذا كفر أم دون ذلك؟ كذلك مثلاً قوله عليه السلام والأحاديث في هذا الصدد كثيرة جداً: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» ما هو الفارق بين كفر في حديث الصلاة وكفر في حديث القتال؟ لا بد أن يكون هناك دليل يعتمد عليه الذي يفرق.
أهل السنة والجماعة الذين نقلنا عنهم آنفاً أن العمل ليس شرط صحة وإنما هو شرط كمال، ولا يفرقون بين عمل وعمل آخر بشرط أن يكون المؤمن قد آمن بذلك الحكم الذي تساهل في القيام به والعمل به، وما نقلته عنهم آنفاً لم يعمل خيراً قط هذا تأويل وإذا صح التأويل في نص كهذا ممكن أن يصح التأويل في نصهم أيضاً.
وأنا أريد الآن أن ألفت النظر بأن هؤلاء الذين يأتون بمفاهيم جديدة تدندن حول تكفير المسلمين بسبب إهمالهم بقيام عمل أمر الشارع الحكيم به، هؤلاء ينبغي أن لا يأتوا بشيء نابع من أهوائهم أو لنقل من جهلهم، بل لنقل من علمهم؛ لأن علمهم مهما كان صحيحاً ودقيقاً فهو لا يساوي هذه المسألة.
وهنا لا بد من أن نذكر بما أذكره دائماً وأبداً حول قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:115) هؤلاء
يتبعون غير سبيل المؤمنين .. هؤلاء لا يقيمون وزناً لهذا المقطع من هذه الآية الكريمة يعني: عندهم الآية سواءً آمنوا في هذا المقطع ومعناه أو لم يؤمنوا به لا فرق عندهم بين أن تكون الآية: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى) لا فرق عندهم بين ما لو كانت هكذا الآية وبين ما هي عليه أنزلت، {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} فنحن نسألهم: هذه التآويل وهذه التفاسير التي تأتون بها من حيث اللغة العربية الأمر واسع جداً، ولا يستطيع أحد أبداً أن يوقف باب التأويل أمام الناس وبخاصة إذا كان أهل الأهواء.
إذاً: ما هو الأمر الفاصل القاطع في الموضوع؟ هو الرجوع إلى ما كان عليه السلف، هؤلاء كما أنهم لا يؤمنون بمعنى هذه القطعة من الآية {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هم أيضاً أنا على مثل اليقين لا يؤمنون بمثل قوله عليه السلام:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» لا يؤمنون بمثل قوله عليه السلام حينما سئل عن الفرقة الناجية، قال:«هي الجماعة» ؛ لأنهم خرجوا عن الجماعة، وكالرواية الأخرى:«هي ما أنا عليه وأصحابي» لا يقيمون وزناً إطلاقاً لما كان عليه السلف الصالح، هذا يكفينا في بيان خروجهم عن مفاهيم السلف الصالح وبالتالي خروجهم عن الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة، كأنه عندك شيء؟
مداخلة: عندي جواب على سؤالك شيخ يقول الطبري
…
أَذْكُرُه؟
الشيخ: تفضل.
مداخلة: ينقلون ويتكئون على كلمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «الاقتضاء» يقول فيها: أن لفظة كفر إذا جاءت منكرة تدل على أنها كفر اعتقادي، أما إذا جاءت معرفة بأل ومصدراً فإنها تدل الكفر العملي .. الحديث الكفر: «بينه
وبين الكفر ترك الصلاة»
…
فلم يقل كُفْر قال: الكفر فهذا هو الكفر الاعتقادي ..
الشيخ: معليش .. المسألة هنا تكون فرعية والموضوع ليس فرعياً وإنما
هو أصل ..
مداخلة: صح.
الشيخ: نعم، فنحن نعلم أن بعض الحنابلة لا يزالون إلى اليوم يفتون بأن ترك الصلاة كفر ردة، لكنهم ليسوا خوارج ولا يتعدون الخط الذي يمشون عليه الخوارج فلو سلمنا لهم جدلاً بمثل هذا الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغضضنا النظر عن النصوص الأخرى التي نذكرها خاصة في رسالة الصلاة التي تعرفها فإذا صرفنا النظر عن هذه المسألة بالذات؛ لأن الأدلة فيها متقاربة متشابهة، لكن المهم أنهم إذا وفقوا للصواب في تكفير تارك الصلاة فذلك لا يعني فرض تكفير المؤمن في أي عمل فرض عليه لا يقوم به، فهنا المعنى: أن القاعدة سليمة لكن لكل قاعدة شواذ، كما يقول الحنابلة مثلاً .. هم لا يقولون بصحة مذهب الخوارج بل هم ضد هذا المذهب لكنهم التقوا مع هؤلاء أو بعبارة أصح هؤلاء التقوا مع الحنابلة في القول بتكفير تارك الصلاة، لكنهم خرجوا عن الحنابلة وعن الشافعية والمالكية والحنفية وعن بقية المسلمين في قولهم بتكفير التارك للعمل كما قلت أنت أن الإيمان لا يكفي نقلاً طبعاً عنهم .. لا يكفي إنما مقتضاه العمل، بينما الأحاديث التي تعرفونها جيداً والتي من بعض أجزاء أحاديث الشفاعة أن الله عز وجل يأمر بإخراج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة .. مثقال ذرة من إيمان، هذا الإيمان هو الذي ينجي من الخلود في النار وهذا هو من معاني قوله تعالى، {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء:48).
"الهدى والنور"(830/ 02: 28: 00)
(جماع أبواب الكلام حول تلازم الظاهر والباطن)
[507] باب التلازم بين الظاهر والباطن
[قال الإمام]:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102).
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:70، 71) أما بعد:
فإن خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار وبعد أيضاً:
كنا نشاهد في كثير من المساجد أن الحلقة العلمية مع قلة أفرادها تتسع وتتسع على حسب منزلة الشيخ، فكلما كانت منزلة الشيخ في صدور المتحلقين حوله عظيمة ضمت واتسعت ماذا؟ الدائرة، والعكس بالعكس تماماً.
لو كانوا يعلمون [أن] من فوائد السنة وثمارها اليانعة الجنية: أن المسلم بها تستقيم حياته مع الناس جميعاً، وبخاصة من كان منهم طلاب علم.
من .. الأحاديث التي كنت أنا وغيري في غفلة عنها أومنها ولم نتنبه لها إلا بعد أن هدانا الله تبارك وتعالى إليها: حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: «كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلنا منزلاً من تلك المنازل في الوديان والشعاب تفرقنا فيها» .
وإذا كان التفرق في مجالس العلم حقيقة واقعة، ولكنها مرة، فأولى وأولى أن يتفرقوا في الصحراء حينما ينزلون بعض المنازل، مع ذلك لم يرض ذلك لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم ذات يوم:
«إنما تفرقكم في هذه الوديان والشعاب من عمل الشيطان» (1).
أمر عجيب تفرق لا يلاحظ فيه تباعد بين القلوب؛ لأن أصحاب الرسول عليه السلام كانوا بحق إخواناً على سرر متقابلين، مع ذلك فنبينا صلوات الله وسلامه عليه يقول لهم:«إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» .
يعني: بذلك أنه من عمل الشيطان الذي قد يؤدي بالأحبة المتوادين المتحابين إلى التباعد وإلى التنافر، ومن أجل ذلك وصف الله عز وجل أن شرب الخمر هو من عمل الشيطان؛ لأنه يلقي العداوة والبغضاء بين الناس.
قال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا» .
في الصحراء لو اجتمعنا على بساط لوسعنا، إذا كان هذا في ذاك المجلس فأولى وأولى أن يكون الناس مجتمعين في مجالس العلم، وألا يكونوا عزين متباعدين متفرقين؛ لأن الظاهر عنوان الباطن.
(1) صحيح الجامع (رقم2352).
ربما يتوهم بعض الناس أن هذه الكلمة: الظاهر عنوان الباطن كلمة صوفية، ومن تمام التوهم عند بعض الناس أيضاً: أن يظن أن كل شيء يتكلم به بعض الصوفية يكون ماذا؟ منبوذاً إسلامياً ليس الأمر كذلك.
هم طائفة من المسلمين يحاسبون، ويؤاخذون كغيرهم يوزنون بالميزان الشرعي، فهذه الكلمة كذلك ينبغي أن توزن بميزان الشرع: الظاهر عنوان الباطن، هل هذا كلام صحيح أم هو كلام باطل؟ نقول: لا هو كلام صحيح ذلك لأن هناك أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى؛
من أشهر هذه الأحاديث قوله عليه الصلاة والسلام في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه الذي أوله: «إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات
…
» (1) إلى آخره.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .
فإذاً: صلاح الظاهر بصلاح الباطن، لكن من العجائب الغيبية الدقيقة التي لو لم نؤتَ بهذا الشرع السمح لما عرفناها: أن كلاًّ من الظاهر والباطن يتفاعلان ويتعاونان، إذا قوي القلب صلح الظاهر، إذا صلح الظاهر ازداد القلب قوةً، وهكذا دواليك، ولذلك نخرج بنتيجة هامة جداً، وهي أن على كل مسلم يهتم بأحكام دينه أن يعنى بظاهره كما يعنى بباطنه، ولا يقول: كما تقول الجهلة حينما تأمرهم بالإتيان بما فرض الله عليهم من الفروض والواجبات كالصلاة مثلاً يقول لك: يا أخي العبرة ما هو بالصلاة العبرة بما في القلب الجواب الآن تعرفونه لو كان هذا
(1) صحيح البخاري (رقم52) ومسلم (رقم4178).
قلبه سليماً صحيحاً لنضحت جوارحه بما ينبئ عن صلاح قلبه، لكن الواقع أن الأمر على العكس تماماً، هو يقول العبرة بما في القلب، طيب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» .
إذاً: علينا أن نهتم بإصلاح الظواهر كما نهتم بإصلاح البواطن، ولا نغتر بهذه الكلمة التي تصدر من بعض الجهلة، وهي أن العبرة بما في الباطن فقط، لا؛ لأن الظاهر والباطن مترابطان متعاونان أشد التعاون فأحدهما يقوي الآخر كما ذكرنا آنفاً؛ من أجل ذلك كان من آداب مجالس العلم هو التقارب إلى أن هذه الظاهرة هي ظاهرة ليس لها علاقة بالقلب، لكن هذا التجمع وهذا التقارب في مجلس العلم يوجد ارتباطاً وثيقاً في القلوب أيضاً، ويؤكد لكم هذه الحقيقة العلمية الشرعية: تلك السنة التي هجرها وأعرض عنها أكثر أئمة المساجد، ولا يحافظ عليها إلا من كان متمسكاً بالسنة، وهي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من هديه وسنته أنه لا يكبر تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف، وأن يسويها كما جاء في الحديث كما تسوى الأقداح، فيقول لهذا: تقدم ولذاك تأخر حتى يصبح الصف كالبنيان مرصوص، ويوعدهم عليه السلام ويهددهم بمثل قوله:«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» .
إذاً: تسوية الصفوف وعكسها كل منهما يؤثر في القلب صلاحاً أو فساداً: «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» (1).
فإذاً: هذا أيضاً مما يؤكد أن الظاهر له تأثير في الباطن حتى ظواهر الأشخاص المتعددين، فضلاً عن ظاهر الشخص نفسه وذاته.
(1) البخاري (رقم685) ومسلم (رقم1006).
فهو عليه الصلاة والسلام يجعل اختلاف الناس بالصف الواحد تقدماً وتأخراً سبب لفساد القلوب، والعكس بالعكس، تسوية الصفوف سبب شرعي لإصلاح ما في القلوب، لهذا ينبغي الاهتمام كل الاهتمام بإصلاح الظواهر ومنها عند القيام إلى الصلاة بتسوية الصفوف كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسويها، ويأمر بتسويتها، هذه كلمة بين يدي تلك الحلقة التي كانت متباعدة، والآن إن شاء الله كما اقتربنا، أو اقترب بعضنا إلى بعض بالأبدان، فنرجوا أن يكون من ثمرة ذلك أن ترتبط قلوبنا بعضنا مع بعض إن شاء الله تبارك وتعالى.
"الهدى والنور"(201/ 57: 00: 00)
[508] باب التلازم بين الظاهر والباطن
[قال الإمام]:
أقول: حينما يكون الجمع جمعاً كثيراً مباركاً ويكونون متفرقين ومبتعدين عن مجلس الشيخ المزعوم (1) أنه شيخ قد يكون حقاً وقد يكون كذباً، فأنا أقول بهذه المناسبة أن هذا التفرق وهذا التوسيع لدائرة الحلقة خلاف السنة، أما من حيث التفرق فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل المسجد يوماً فرآهم متفرقين فقال لهم:«مالي أراكم عزين» بالعين والزاي أي متفرقين، وقد وصل اهتمام الرسول عليه السلام بالنهي عن التفرق في المكان وعن ابتعاد الناس بعضهم عن بعض إلى درجة أنه نهاهم عن ذلك حتى في الصحراء، حتى في السفر فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد قوي عن أبي ثعلبة الخشني قال: كنا إذا
(1) كان العلامة الألباني كثيراً ما يُطلق هذا اللقب "الشيخ المزعوم" على نفسه، فتأمَّل
…
ولا تعليق!!!
سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزلنا في الوديان والشعاب فقال لنا يوماً: «إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان» قال أبو ثعلبة: «فكنا بعد ذلك إذا نزلنا في مكان اجتمعنا، أي انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا» ، ولذلك التقارب في الجلوس وعدم ابتعاد الناس بعضهم عن بعض هو اقتراب من الجنة بسبب تعاطي الأسباب التي تؤدي إلى الجنة، أنا أقتبس هذا من مثل قوله عليه السلام:«من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» (1) ومن قوله عليه السلام وهو حديث عجيب قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل» (2).
يقول أهل العلم: يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الحديث الأسرى الذين يقعون في أيدي المسلمين فيجرونهم مغللين في السلاسل إلى بلاد الإسلام، وهناك يوزعون حسب التقسيم الشرعي للمكاسب والغنائم على الغارمين، فيدخلون بيوت المسلمين وهم بعد أن كانوا مغللين يصبحون شبه أحرار، أقول: شبه؛ لأنهم في الواقع من حيث حرية العمل حتى بقاء أحدهم على دينه الباطل كانوا أحراراً لكنهم لا يزالون أرقاء، إلا أن الله عز وجل بما أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم من الأحكام التي وجهها إلى أتباعه عليه السلام من العناية والوصاية الطيبة بالأسرى وبالعبيد صار هؤلاء العبيد كأنهم أحرار، وحسبكم في هذا الصدد دلالة قوله عليه السلام:«أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون» (3) إلى آخر الحديث الذي لا أذكره الآن بتمامه (4) ، الشاهد أن هؤلاء الأسرى دخلوا حياة جديدة غير الحياة التي كانوا
(1) صحيح الجامع (رقم6297).
(2)
البخاري (رقم2848).
(3)
مسلم (رقم4403).
(4)
يحيونها وهم أحرار دخلوا حياة جديدة وهم عبيد، ولكنهم في حياتهم خير مما كانوا عليه وهم كانوا أحراراً، ذلك لأنهم تداخلوا مع المسلمين في بيوتهم، في أسواقهم، في مساجدهم .. فعرفوهم وعرفوا أخلاقهم، وعرفوا تأثير دينهم في تربيتهم عن كثب وعن قرب، فتجلى لهم عملياً ما هو الدين الحق فآمنوا غير مكرهين، وآمنوا بقلوبهم بوازع من شخصهم، وليس كأولئك الذين يؤمنون رغم أنوفهم إما خلاصاً من القتل إذا ما وقفوا أمام الدعوة الإسلامية، أو خلاصاً من دفع الجزية عن يد وهم صاغرون .. ، أما هؤلاء قد أسلموا طواعية وبإخلاص من قلوبهم ودخلوا في الإسلام، ولا شك أن من دخل في الإسلام دخل الجنة بسلام إلى هذه الحقيقة التي لو أراد الإنسان أن يشرحها شرحاً مبسطاً موسعاً لكان من ذلك كتاب إلى هذه الحقيقة أشار عليه السلام في الحديث السابق:{إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل} فإذاً الأسباب التي تكون مشروعة فهي تؤدي إلى الجنة، ومن هذه الأسباب طلب العلم ومن وسائل طلب العلم هو طلبه مع الجماعة، وهذه الجماعة ينبغي عليهم حسب ما عرفتم أن يكونوا متقاربين في أبدانهم كما يجب عليهم أن يكونوا متقاربين متوادين متحابين في قلوبهم ..
فكثير من الناس لا ينتبه وقد لا يعلم مطلقاً تأثير الظاهر على الباطن، قد لا يعلم أن الأمور الظاهرة لها أكبر تأثير في القلوب الباطنة المكنونة في الصدور سواء كانت هذه الأمور الظاهرة حسنة خيرة أو كانت باطلة سيئة، فكل من النوعين يؤثر في القلب إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وهذه حقيقة شرعية قبل أن تُصبح حقيقة علمية نفسية؛ ذلك لأن الإسلام سبق كل العلوم التي قد تصل مع الزمن القصير أو المديد إلى حقائق كان الناس عنها غافلين، سابقهم الإسلام إلى هذه الحقائق قبلهم بسنين وبكثير من الأيام، قلت: إن تأثير الظاهر على الباطن هذه حقيقة علمية شرعية قبل أن تصبح حقيقة علمية تجربية، وقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم -
أشد الحرص على غرس هذه الحقيقة في قلوب أتباعه بمناسبات شتى فقد كان عليه السلام يقول كما قد تسمعون أحياناً قليلاً هذا التوجيه النبوي الكريم من بعض أئمة المساجد المهتمين باتباع سنة سيد المرسلين، تسمعون من هذا البعض حينما يقوم إلى الصلاة لا يباشر الصلاة فوراً بعد انتهاء المقيم من الإقامة لا يقول: الله أكبر كما يفعل الجهلة، وكما يفعل أولئك الأئمة الذين لا يهتمون بإحياء السنة ونشرها بين الأمة إنما يفعل هذا الذي ألمحنا إليه آنفاً بعض الحريصين على اتباع السنة حينما يقف في المقام الذي يصلي فيه ولا أقول في المحراب لأنني لو قلت إذا أقام في المحراب أقررت المحراب وهو بدعة في المساجد لم تكن في مسجد الرسول عليه السلام ولا في المساجد التي كانت في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا قام الإمام في مقام الإمام لا يباشر الصلاة وتكبيرة الإحرام وإنما يلتفت يمنةً ويسرةً ويأمرهم بتسوية الصفوف ويقول لهم ما كان الرسول عليه السلام يقول لأصحابه «سووا صفوفكم، أو .. » وهنا الشاهد «ليخالفن الله بين وجوهكم» وفي رواية «بين قلوبكم» الشاهد هنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ربط تسوية الصف وهي التسوية عمل ظاهري بدني، لكنه قد رتب على ذلك إما اتفاق القلوب إذا ما تحققت التسوية أو اختلاف القلوب إذا ما اختلفت الصفوف ولم تحقق التسوية فقال عليه السلام:«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» ، فهنا إذاً ربط بين الظاهر والباطن الذي هو القلوب، وكان الربط في الحالتين حالتا تسوية الصفوف أو الإخلال بهذه التسوية، فهدد عليه الصلاة والسلام الذين لا يسوون الصفوف ويجعلونها مضطربةً متقدمةً ومتأخرةً بأن ذلك وسيلة شرعية للاضطراب في القلوب والاختلاف فيها، وقد أشار إلى هذه الحقيقة بجملة نبوية هامة حين قال في الحديث المشهور وهو في الصحيحين البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما الابن والأب صحابيان ..
النعمان صحابي وأبوه بشير
صحابي قال النعمان بن بشير: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله ما حرمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» قال عليه السلام في تمام هذا الحديث وهو الشاهد: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد كله ألا وهي القلب» أنتم ترون معي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربط صلاح القلب بصلاح البدن ويجب أن نعلم أن هذا الصلاح المذكور في الحديث هنا ليس صلاحاً مادياً طبياً وإن كان الأمر كذلك طبياً لكنه عليه السلام هنا أراد الصلاح إذا صح تعبيرنا بالصلاح الروحي المعنوي الإيماني «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» أي صلحت أعمال الجسد الصادرة منه كلها، «وإذا فسدت» هذه المضغة فسدت أعمال الجسد كله؛ ما هي؟ قال عليه السلام:«ألا وهي القلب» إذاً هذا يؤكد بأن الظواهر مرتبطة بالبواطن، فمهما كان القلب صالحاً كان ما يخرج من جسد هذا القلب الصالح صالحاً والعكس بالعكس تماماً «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد القلب كله ألا وهي القلب» .
لذلك - والبحث في هذا طويل وطويل جداً - على المسلمين أن لا يغتروا بقول بعض القائلين أن العبرة بما في القلب تمويهاً على الناس نحن نقول معهم العبرة بما في القلب ولكننا نزيد عليهم فنقول: لا يمكن أن يكون ما في القلب صلاح ثم يظهر من الجسد طلاح، والعكس بالعكس .. لا يمكن أن يكون ما في القلب طلاح ويظهر من الجسد صلاح هذا أمر غير سليم وغير صحيح إطلاقاً شأن ذلك شأن القلب مع الجسد من الناحية الطبية إذا كان القلب سليماً لا يمكن أن يكون القلب مريضاً، والعكس أيضاً بالعكس إذا كان القلب مريضاً من الناحية الطبية لا يمكن أن يكون الجسد سليماً، أمر مضطرد سلباً وإيجاباً، طباً بدنياً وطباً
نبوياً فالذين يقولون حينما يؤمرون مثلاً بأداء الصلوات أو بالمحافظة عليها يقول لك يا أخي الأمر ليس بما في الصلاة الأمر بما في القلب! نقول صدقت الأمر بما في القلب لكن لو كان ما في القلب إيمان صحيح وسليم لنضح هذا القلب بالصلاح والطاعة والعبادة وإلا فالأمر على العكس تماماً، والأمر كما قيل:
فحسبكموا هذا التفاوت بيننا وكل إناء بما فيه ينضح
فإذا كان هذا الوعاء الذي وضعه الله عز وجل في الصدر بعناية وحكمة بالغة إذا كان صحيحاً وسليماً لا شك أنه سينضح صحيحاً وسليماً والعكس بالعكس، قلت إن هذا البحث طويل الذيل وأكتفي بهذا القدر لتوجيه النظر إلى أن التضامّ في حلقات الذكر والعلم هو أمر مرغوب مشروع والابتعاد فيه بعض الجالسين عن بعض إنما هو كما سمعتم من عمل الشيطان اقتربوا ما استطعتم.
"الهدى والنور"(213/ 34: 00: 00) و (213/ 26: 11: 00)
[509] باب منه
[قال الإمام]:
الحقيقة أن الاجتماع حتى في الأجساد له تأثير جيد للاجتماع في القلوب، يكون الاجتماع قلباً وقالباً؛ لأن الأمر كما يقول بعض أهل العلم: أن الظاهر عنوان الباطن، وإلى هذه الحقيقة أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال في الحديث الصحيح في البخاري وغيره من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه» الشاهد فيما يأتي: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد
الجسد كله، ألا وهي القلب» ومما لا شك فيه أن المجتمع مؤلف من أفراد، فهذا المجتمع ينبغي أن يكون كما جاء في الحديث الصحيح أيضاً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وإذا كان المجتمع الإسلامي مجتمعاً واحداً مؤلف من مجموعة من الأفراد، وكان هؤلاء الأفراد يعنون بإصلاح بواطنهم كما يعنون بإصلاح ظواهرهم فسيكون نتيجة الأمر المجتمع صالحاً ظاهراً وباطناً «إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» فإذاً: كما يجب إصلاح الظاهر يجب أيضاً إصلاح الباطن، وكل من الإصلاحين يساعد في إصلاح الآخر، هذا كما يشبه ما أدري الأستاذ عدنان يمكن يذكرني ما كان بعض العلماء يفكرون بما يسمونه بالحركة الدائمة
…
يعني يمكن يكون في حد زعمي أنا كالجاذبية افترضوها لحل مشاكل نظرية، لكن هذه حقيقة شرعية، الله عز وجل الذي خلق الإنسان وسوى خلقه وأوحى إلى نبيه عليه السلام أن يخبرنا بهذه الحقيقة، إذا صلح القلب صلح الجسد، وإذا صلح الجسد صلح القلب، فإذاً: فيه تجاذب بين الجسد وبين المضغة إفساداً وإصلاحاً، إذا كان الأمر كذلك وهو كذلك لا شك ولا ريب فالإسلام عني كل العناية بإصلاح الظواهر لأن هذا الإصلاح يؤدي إلى إصلاح البواطن، من ذلك وهنا بيت القصيد
…
،المقصود من هذا الكلام كله هو حديث واحد بالإضافة إلى ما سبق من الأحاديث النبوية الطيبة، حديث أبي ثعلبة الخشني، قال: كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزلنا منزلاً فيها الصحراء فيها
…
كما يقول بعض البدو تفرقنا في المنازل، فسافرنا ذات يوم وتفرقنا، فقال عليه الصلاة والسلام:«إنما تفرقكم في هذه الشعاب والوديان من عمل الشيطان» تفرق مادي جسدي، قال أبو ثعلبة: فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً
انضم بعضنا إلى بعض حتى لو جلسنا إلى بساط لوسعنا، فإذاً: الانضمام الظاهري يؤثر في الانضمام القلبي، وهذه حقيقة شرعية ربما يعبر عنها بعض علماء الكلام أو الفلسفة في آخر الزمان بأنها فلسفة شرعية وهي حقيقة شرعية، ارتباط الظاهر بالباطن وهذا له أمثلة كثيرة وكثيرة جداً.
"الهدى والنور"(290/ 00:00:44)
[510] باب منه
[قال الإمام موجهاً كلامه للحاضرين في حلقته]:
[أرجو] الانضمام وعدم التفرق، فمن شاء أن يستمع للعلم فلينضم إلى الحلقة، فقد جاء في السنة في مسند الإمام أحمد رحمه الله من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال:«كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فنزلنا منزلاً تفرقنا في الوديان والشعاب، فقال لنا ذات يوم: ألا إن تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان، قال: فكنا إذا سافرنا بعد ذلك ونزلنا منزلاً اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا» .
جمع غفير يمشون في الصحراء، فإذا نزلوا منزلاً حضهم الرسول عليه الصلاة والسلام على أن لا يتفرقوا فيه، وعلى أن يجتمعوا، وأن يتضاموا؛ لأن الاجتماع بالأبدان والأجساد له تأثير بتجميع القلوب وفي إصلاحها، وذلك مما جاء التصريح به عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى يوشك أن
يقع فيه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».
والشاهد من هذا الحديث إنما هو الفقرة الأخيرة منه، ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي والقلب» .
ففي هذا الحديث تصريح بأن الظاهر مربوط بالباطن، صلاحاً وطلاحاً، إذا صلح القلب صلح الجسد، وإذا فسد القلب فسد الجسد، ومن هنا نأخذ مبدأًً هاماً جداً، يغفل أو يتغافل عنه كثير من المسلمين المعاصرين اليوم الذين لم يتلقوا شيئاً من العلم الشرعي، وإنما شرعهم عقولهم، وأهواءهم، فإذا ما قلت لأحد: لماذا
لا تصلي مثلاً؟ يقول: العبرة ليست بالصلاة، وإنما العبرة بصلاح الباطن،
فهو يتجاهل هذه الحقيقة، أنه لو كان باطنه أي قلبه صالحاً، لنضح صلاحاً، والعكس بالعكس.
ولذلك فينبغي على كل مسلم أن يهتم بإصلاح ظاهره وألَّا يغتر بأن الأمر بما وقر في قلبه؛ لأن الظاهر عنوان الباطن، هذا ليس كلام علماء وفقهاء فقط، بل ذلك ما يدل عليه هذا الحديث الصحيح الذي أنا في صدد التعليق عليه أولاً، ثم الحديث الأول، حديث أبي ثعلبة الخشني بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمرهم بأن يجتمعوا وألا يتفرقوا في المنزل، ولو في الصحراء الواسعة الأطراف، أمرهم أن يجتمعوا؛ لأن هذا الاجتماع بالأجساد يقرب القلوب بعضها إلى بعض، ولعلكم ما نسيتم ما ذكرتكم به أثناء الاصطفاف لصلاة الظهر في هذا اليوم مما ذكرته ساعتئذ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لتسون الصفوف أو ليخالفن الله بين الوجوه» ، فتسوية الصفوف أمر ظاهر
ربط به عليه السلام فيما إذا أخل به القائمون في الصف أن يضرب الله قلوب بعضهم ببعض.
فإذاً: لا يجوز للمسلم أن يستهين بظاهره بدعوى أن باطنه صالح؛ لأنه يكون أولاً يكذب على نفسه فضلاً عن أنه يكذب على غيره، لهذا فليس من الأدب الإسلامي في شيء إذا ما اجتمع طلاب العلم أن يجلسوا هكذا كما يشاؤون متفرقين بعضهم عن بعض، بل عليهم أن ينضموا.
وأخيراً: جاء في صحيح مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل ذات يوم المسجد فوجد الناس متفرقين فيه، فقال لهم: ما لي أراكم عزين؟» أي: متفرقين.
فإذاً: علينا أن نتذكر هذا الأدب في تلقي العلم سواء كان التلقي بطريق جرى عليه العلماء اليوم، وهو تلقي الأسئلة والإجابة عليها، أو بالطريقة القديمة التي كانت ولا تزال طريقة مطروقة لتعليم الناس، ألا وهو أن يجلس الشيخ مع طلابه، ويقرأ عليهم من الكتاب سواء كان من التفسير أو من الحديث أو الفقه المستقى من الكتاب والسنة، أو يقرأ عليه أحدهم ثم هو يعلق على ما قرأ ويشرح لهم ما قد يكون غامضاً عليهم.
"الهدى والنور"(385/ 14: 25: 00)
[511] باب منه
[قال الإمام]:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1) .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (الأحزاب:70) .. {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:71).
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قبل أن نقدم إليكم ما ييسر الله لي من ارتجال كلمة حول الدعوة التي بعث الله تبارك وتعالى بها محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، أرى لزاماً علي أن أذكر بأدب من آداب المجالس العلمية التي أخل بها جماهير الناس وفيهم بعض طلبة العلم، فإننا نجد في كثير من المجالس تعقد حلقة علمية واسعة كما كان الأمر حينما دخلنا في هذا المكان المبارك إن شاء الله تعالى، حيث كان المفروض أن الناس يجلسون على أطراف هذا المكان الوسيع، لا بأس من الجلوس مثل هذه الجلسة في غير الجلسة العلمية، أما الجلسة العلمية فأدبها الانضمام والتجمع والتكتل لكي لا يكون المسلمون المجتمعون لطلب العلم بعيدين بأجسامهم بعضهم عن بعض؛ لأن الظاهر عنوان الباطن كما جاء في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
من هذه الأحاديث التي تتعلق بأدب الجلوس في طلب العلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل يوماً مسجده فرأى الناس متفرقين حلقات حلقات، فقال لهم: «ما
لي أراكم عزين؟!» أي: متفرقين، والحديث هذا في صحيح مسلم، فلفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظر الجالسين في المسجد النبوي يومئذ ألا تتعدد حلقاتهم وأن يوحدوا الحلقة العلمية وأن يجتمع بعضهم إلى بعض ..
لقد اهتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتجميع الناس وحذرهم من أن يتفرقوا في أجسامهم وأجسادهم حتى ولو كانوا في العراء أو الصحراء، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه قال:«كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفرقنا في الشعاب والوديان، فقال لنا يوماً: إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» ليسوا في جلسة علمية، وإنما في سفرة في البرية، كانوا يتفرقون كلٌّ ينتحي ناحية من أشجار ظليلة أو واد رطب أو نحو ذلك، فأنكر عليه الصلاة والسلام ذلك التفرق وقال:«إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» .
قال أبو ثعلبة رضي الله تعالى عنه: فكنا بعد ذلك إذا نزلنا وادياً اجتمعنا، حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا.
استجابوا لله وللرسول حينما دعاهم، فكانوا لا يتفرقون في منازلهم وهم قوم سفر مسافرون، كانوا يجتمعون.
ما السر في اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تجميع الناس وأن لا يسمح لهم أن يتفرقوا في أبدانهم حتى في الصحراء ما هو السر؟
سبق مني آنفاً الإشارة إلى ذلك، ولكن الإشارة في كثير من الأحيان لا تغني عن صريح العبارة، بل صريح العبارة تحتاج أحياناً إلى البيان والشرح والتوضيح، فلا بد لي من شيء من هذا.
قلت آنفاً: لأن الظاهر عنوان الباطن، أي: إن المسلمين إذا تفرقوا في
ظواهرهم كان ذلك سبباً ومدعاة لأن يتفرقوا في قلوبهم، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصرح به حينما كان يقوم إلى الصلاة ولا يدخل فيها إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف كما هو معلوم لدى الجميع، ولكن القليل من الناس الذين أولاً يعلمون ماذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول للناس حينما يأمرهم بتسوية الصفوف، كان يقول عليه الصلاة السلام:«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» .
وهذا الحديث مع الأسف الشديد من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم العملية من ناحية والقولية من ناحية أخرى؛ ذلك لأنه كان يسوي الصفوف ويحضهم على الاعتناء بالتسوية، ويحذرهم من المخالفة، وينبؤهم بأن هذه المخالفة تكون سبباً للتفريق بين قلوبهم، «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» .
نحن نرى اليوم أن أكثر أئمة المساجد لا أستثني منهم أئمة المسجد الحرام والمسجد النبوي فضلاً عن غيرها من المساجد، كلهم قد أخلوا بالاهتمام بتسوية الصفوف وتحذير الناس من المخالفة في تسويتها، فلا تكاد تسمع منهم، أحسنهم من يقول: استووا. ويلتفت يميناً ويساراً وانتهى الأمر، أما النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده فقد كانوا يهتمون اهتماماً بالغاً جداً جداً، فلا يكبر أحدهم تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يطمئن أن الناس استجابوا للأمر بتسوية الصفوف من جهة، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك أصحابه من بعده، كانوا لا يكتفون فقط بكلمة استووا، استووا، ولا أن يقول فقط لهذا تقدم ولهذا تأخر، وإنما كان يقدم عليه السلام وأصحابه الكرام بين يدي ذلك المرغبات والمنشطات لأن يستجيب الناس لدعوة الرسول عليه السلام في تسوية الصف بالإضافة إلى الحديث السابق:«لتسون صفوفكم .. » كان يقول عليه الصلاة السلام: «سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» وفي رواية: «من حسن الصلاة» . روايتان صحيحتان.
وأمره صلى الله عليه وآله وسلم بالشيء يقتضي أن هذا الشيء واجب تطبيقه وتنفيذه؛ لأن الله عز وجل قال في حقه نبيه عليه السلام: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء:80).
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63).
لهذا ينبغي الاهتمام بأن يستوي الناس في الصلاة وأن يتقاربوا في المجلس العلمي خارج الصلاة استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي بعض هذا الأوامر تعليل ذلك؛ لأن إصلاح الظواهر سبب شرعي في إصلاح البواطن، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى أيضاً في بعض الأحاديث الصحيحة التي لا بد أنكم كثيراً ما سمعتموها ولكني أعتقد أن القليل من العلماء من يذكركم بالحكمة التي جاء ذكرها أو الإشارة إليها في الحديث الذي سمعتموه دائماً، ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا -هنا الشاهد- وإن
في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
فإذاً: صلاح القلب فيه صلاح البدن، وهذه من أسرار الشريعة التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث؛ لأنه يشير في هذا الحديث وفي الأحاديث الأخرى أن ظاهر الجسد مرتبط بباطنه ألا وهو القلب، والقلب أيضاً مرتبط بظاهر البدن، فكأن هناك حركة دائمة مستمرة تشبه ما كنا ولا نزال نسمعه، وأنهم يحاولون إلى اكتشاف ما يسمونه بالحركة الدائمة، الحركة الدائمة أوجدها الله تبارك وتعالى في هذا الإنسان الذي صوره وأحسن صوره، تلك الحركة هي: إذا أصلحت قلبك لزم
منه صلاح بدنك، وإذا أصلحت جسدك لزم منه صلاح قلبك.
فإذاً: لا يقولن أحد كما نسمع ذلك في كثير من الأحيان من بعض الشباب الذين لم يربوا تربية إسلامية، وأخلوا بكثير من الأركان الشرعية كالصلاة مثلاً، إذا قيل لهم: يا أخي لماذا لا تصلي؟ يقول لك: العبرة بما في القلب، كأنه يقول أو كأنه يتصور أنه من الممكن أن يكون القلب صالحاً وصحيحاً وسليماً أما الجسد فلا يتجاوب مع الأحكام الشرعية، هذا أمر باطل تمام البطلان.
فلا بد أن نلاحظ هذه الحقيقة ألا وهي ارتباط الظاهر بالباطن وأن صلاح أحدهما لا يعني إلا صلاح الآخر، وأن فساد أحدهما لا يعني إلا فساد الآخر.
إذاً: من هنا نفهم لماذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر الناس بأن يجتمعوا وأن يتضاموا في مجلس العلم؛ لأن هذا التضامن الظاهري البدني يؤثر في تضامن القلوب والتحابب الذي لا بد أن يكون متحققاً في قلب كل مسلم كما جاء في كثير من الأحاديث من الحض على الحب في الله والتزاور في الله مما معلوم لديكم، والقصد أنني أردت الإشارة إلى هذه السنة التي ينبغي على طلاب العلم ألا يكبروا الحلقة العلمية وإنما أن يصغروا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، فيكون بعضهم قريباً إلى بعض، ويكونوا جميعاً قريبين أيضاً من هذا الشخص الذي يتولى تعليمهم وتوجيههم إلى ما ينفعهم في دنياهم وفي آخرتهم.
"الهدى والنور"(445/ 48: 00: 00)
[512] باب منه
الشيخ: أقول في الواقع: إن ارتباط إصلاح الظاهر بصلاح الباطن وصلاح الباطن بصلاح الظاهر هذه الحقيقة نفسية شرعية للإسلام الفضل الأول في
الكشف عنها وبيانها ثم تلا الإسلام ما يسمى اليوم بعلم النفس على عجره وبجره، فقد استطاعوا فعلاً أن يكشفوا بجهودهم المتتابعة والمتتالية شيئاً يسيراً جداً من هذا الموضوع الذي كان الإسلام إليه سابقاً كل الاجتهادات وكل الفلسفات ولا أقول الديانات؛ لأن هذه ديانات غير واضحة، ولم ترد إلينا كاملة.
فأقول: هناك أحاديث كثيرة وكثيرة جداً تؤكد هذه الظاهرة النفسية من الارتباط الوثيق بين القلب والبدن، بين الباطن والظاهر، فمنها قوله عليه الصلاة السلام في حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» .
فهذا الحديث صريح جداً في شطره الأخير: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» ، فصلاح الجسد إذاً من الناحية النفسية والمعنوية كافٍ من الناحية المادية الطبية، صلاح البدن بصلاح القلب ظاهراً وباطناً، فإذا صلح القلب صلح الجسد، والجسد إذا صلح أيضاً كان ذلك مدعاة لصلاح القلب، ولذلك ففي الحديث تنبيه قوي جداً على أن المسلم لا ينبغي أن يغتر بقوله: أنا طويتي صحيحة وسالمة ونيتي طيبة، لكن عمله ليس كنيته التي يزعمها أنها صالحة وطيبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكذبه في هذا الحديث حينما يقول:«ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» يعني أن القلب إذا كان
صالحاً كما يدعي بعض الناس فلا بد من أن ينضح صلاحه على جسده وعلى ظاهره على حسب قول من قال:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
…
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
يؤكد هذا المعنى الذي أوضحه هذا الحديث من ارتباط الظاهر بالباطن نصوص أخرى كثيرة، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في غير ما حديث صحيح، كان إذا قام إلى الصلاة لم يكبر إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف، ويؤخر المتقدم ويقدم المتأخر حتى يسوي الصفوف كالقداح، كالرماح، خط مستقيم جداً، ويقول لهم في جملة ما يقول في بعض الأحيان:«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» وفي رواية: «بين قلوبكم» ، فهذا نص آخر صريح وصريح جداً؛ لأن الاختلاف اختلاف المسلمين في ظواهرهم ومظاهرهم يؤدي إلى اختلافهم في صدورهم وفي بواطنهم.
«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم اختلاف المسلمين في تسوية الصف سبباً لاختلافهم في قلوبهم، ونحن نشاهد اليوم إهمال المسلمين لتسوية هذه الصفوف التي لو اقتصرنا في إصدار الحكم عنها، لاكتفينا أن نقول إنه واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في جملة ما يقول كما أشرت إلى ذلك آنفاً:«سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» لو اقتصرنا على هذا الحديث لقلنا إن المسلمين مقصرون في القيام بهذا الواجب، فكيف ونحن في صدد بيان أن إخلالهم بالقيام بهذا الواجب الديني هو سبب شرعي للاختلاف الذي يجعله الله عز وجل جزاء تقصيرهم في تطبيقهم لأمر نبيهم أن يضرب على قلوبهم وأن يوقع الفرقة والخلاف بينهم، فهذا أيضاً حديث عظيم جداً حيث ربط
صلاح قلوب الذين يقفون في الصف بإصلاحهم للصفوف، وأن لا يخلوا في تنظيمها وفي ترتيبها.
ومما أيضاً يؤكد هذه القاعدة النفسية القلبية من ارتباط الباطن بالظاهر والظاهر بالباطن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير ما حديث صحيح وفي مختلف أبواب الشريعة نهى عليه الصلاة والسلام المسلمين أن يتشبهوا بغيرهم، ذلك لأن التشبه يوجب ألفة ويوجب تقارباً بين المتشبه وبين المتشبه به، ولما كان الكفار يعيشون حقاً في ضلال مبين في دنياهم فضلاً عن آخرتهم، كان بدهياً جداً أن الشارع الحكيم ينهى الأمة أن تتشبه بشيء من عادات هؤلاء الكفار؛ لأن ما هم عليه ضلال في ضلال، قلت إن الأحاديث التي وردت في النهي كثيرة وكثيرة جداً في نحو أكثر من أربعين حديثاً، في أبواب مختلفة من أبواب الشريعة في الملبس، في المظهر، في المساكنة والمجامعة والاختلاط، في الصيام، في الطعام، في الحج، في أبواب الشريعة كلها، جاءت نصوص تأمرنا بمخالفة المشركين، هديهم خالف هدي المشركين، ومن المهم من ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«من جامع المشرك فهو مثله» المجامعة تعني مطلق المخالطة، من جامع بمعنى من خالط المشرك أي: من ساكنه وجاوره وقاربه في مسكنه وعاش حياته معه فهو مثله، وتعلمون هنا حتى لا يرد إشكال أن المثلية لا تقتضي ولا تستلزم المشابهة بالكلية من كل الجوانب، كمثل قوله تبارك وتعالى حينما حذر المسلمين من موالاة المشركين قال رب العالمين:{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} أي: في هذه الموالاة، أي: فهو منهم عملاً. وهذا بحث آخر أن الكفر والشرك ينقسم إلى قسمين، شرك عملي وشرك اعتقادي، فهذا هو منهم، أي: عملاً وليس عقيدة.
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى في أكثر من حديث عن مخالطة المشركين؛ لأن الظاهر
يؤثر في الباطن، ولابن تيمية رحمه الله كلام جميل جداً يقول إن التشابه في الظواهر يوجد ارتباطاً بين القلوب، يضرب بعض الأمثلة أذكر بعضها، يقول مثلاً: الرجل الغريب في بلد ما إذا وجد فيه غريباً مثله مال إليه؛ لأن هناك تجانس بلديٍّ فهو يميل إليه ويؤالفه أكثر من أولئك الغرباء الذين هو يعيش بين ظهرانيهم، كذلك يضرب مثلاً آخر فيقول مثلاً: جندي يلبس ثياب الجند فحينما يرى شخصاً آخر يلبس نفس اللباس أيضاً يميل إليه ويركن إليه ويتآنس معه من باب: إن الطيور على أشكالها تقع.
فإذا رأيت مسلماً يتشبه بالكافر، يخالط كافراً، معنى ذلك أنه وجدت هناك مجانسة قلبيه بينه وبين ذاك الكافر أو المشرك، لذلك حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسلم من مخالطة المشرك، ومن مساكنته أشد التحذير، فقال في حديث آخر غير الحديث السابق، قال عليه الصلاة والسلام:«أنا بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني المشركين» (1).
قال في حديث ثالث: «المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما» (2) يعني: ابعد عن مجاورة المشرك بعيداً بعيداً على عادتهم القديمة أنهم كانوا يوقدون النيران أمام الخيام، فينبغي أن يكون المسلم في خيمته بعيداً عن خيمة المشرك، بحيث أنهما إذا أوقدا النيران لا تظهر نار هذا لهذا والعكس بالعكس.
كل هذا محافظة منه عليه الصلاة والسلام على قلب المسلم أن يتأثر بهدي المشرك وعاداته وتقاليده وأخلاقه، وهذا معناه يؤكد قاعدة، هذه القاعدة هي أن
(1) المعجم الكبير (2/ 303رقم2264).
(2)
الصحيحة (6/ 356).
البيئة تؤثر، البيئة الموبوءة بالأجواء المادية حقيقة طبية لا يشك فيها الأطباء سواء كانوا مسلمين أو كافرين، أما المسلمين فأولاً بدينهم، وثانياً بتجربتهم، أن البيئة تؤثر من الناحية المادية يؤيدها الأحاديث النبوية، حديث الطاعون مثلاً:«إذا وقع الطاعون في أرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا وقع الطاعون بأرض لستم فيهم فلا تدخلوا إليها» هذا الحديث من أحاديث أخرى يؤكد الحقيقة الطيبة التي تسمى بالحجر الصحي، وأن البيئة تؤثر بالأصحاء إذا كانت موبوءة، كذلك الأمر تماماً من الناحية الأخلاقية والإيمانية، من أجل ذلك قال عليه السلام ما ذكرناه آنفاً من الأحاديث ثم حكى لنا عليه الصلاة والسلام حديثاً فيه عن حادثة وقعت فيمن مضى ممن قبلنا أوضح لنا تأثير الأرض الموبوءة بالأخلاق السيئة أنها أيضاً تؤثر في الساكنين فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم أراد أن يتوب، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب، يعني: لم يدل لحكمة أرادها الله على ما سأل، على عالم، وإنما دل على عابد جاهل وعلى حسب ما دل ذهب إليه، فقال له: أنا قتلت تسعة وتسعين نفساً، فهل لي من توبة، فقال له الجاهل: قتلت تسعة وتسعين نفساً وتسأل هل لك توبة، لا توبة لك. فقتله وأكمل به عدد المائة، ويبدو من سياق القصة أن الرجل كان مخلصاً في توبته أو في رغبته في التوبة، لكن يريد الطريق فسأل أيضاً عن عالم فدل عليه فأتاه، فقال: إني قتلت مائة نفس بغير حق، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكنك -هنا الشاهد- بأرض سوء فاخرج منها، واذهب إلى القرية الفلانية الصالح أهلها، فخرج الرجل من القرية الظالم أهلها إلى القرية الصالح أهلها، وفي الطريق جاءه الأجل فتنازعته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأرسل الله إليهم رسولاً يحكمونه بينهم، فقال انظروا إلى أي القريتين
هو أقرب فألحقوه بأهلها، فكان أقرب إلى القرية الصالح أهلها فتولت موته ملائكة الرحمة (1).
وللحديث بقية.
ومن تمام الحديث السابق أقول أنه لا يخفى على الحاضرين جميعاً الحقيقة التي تضمنتها تلك النصوص الشرعية من حيث أن البيئة لها تأثيرها، إن صالحة فصلاحاً، وإن طالحة فطلاحاً، ولذلك نرى الشباب المسلم الذي يعيش برهة من الزمن في بلاد الكفر والفسق والفجور سواء ما كان منها أوروبا أو أمريكا يعودون إلى بلاد الإسلام وجماهيرهم يحملون تعظيماً لأولئك الكفار وعاطفة مائلة إليهم وتقديراً وتمجيداً، حتى إن الكثير منهم لنسمع بأنه يكاد يتبرأ من الإسلام ومن المسلمين، لأنه فتن بحضارتهم المادية، فَتَأَثُّرُ الناس بالبيئات هذه قضية لا تحتاج إلى بحث طويل، فإن الواقع يؤيد ذلك بالإضافة إلى أن الشرع قد أكد ذلك بما تقدم من الأدلة الشرعية.
وكما يقال: إن أنسى فلن أنسى، القصة التالية التي وقعت لي ثم أتيحت لي أن أسافر سفرة إلى بلاد أوروبا في سبيل الاتصال بالجاليات الإسلامية هناك وخاصة في بريطانيا، فانتهت رحلتي إلى بلد تبعد عن لندن نحو مائة وعشرين كيلو متر، نسيت اسمها، قيل لي بأن هناك داعية مسلماً طيباً صالحاً فذهبت إليه والوقت رمضان، فلما جلسنا على مائدة الإفطار جلسنا جلسة شرعية على الأرض، هو رجل باكستاني أو هندي لست أذكر، منظره ملتحي لكن لابس الجاكيت والبنطلون وزيادة على ذلك الجرافيت، أنا الحقيقة سررت بسمته وبهديه وبمنطقه
(1) مسلم (رقم7184).
وإلى حد كبير بفهمه الإسلام، لكن ما أعجبني مظهره اللا إسلامي، ونحن على مائدة الإفطار تكلمت على ما يشبه الموضوع السابق فيما يتعلق خاصة بنهي الشارع عن تشبه المسلم بالكافر وفصلت بشيء من التفصيل أن التشبه أنواع؛ أسوأها ما يفعل لمجرد التشبه بالكفار وليس فيه فائدة للمتشبه، وضربت على ذلك الجرافيت، العقدة هذه، ومن طيب الرجل أنه استجاب فوراً، ففك العقدة ورماها أرضاً، فسررت جداً لهذه الاستجابة السريعة، لكن سرعان ما أزعجني باعتذاره عن وضعه لعقدته، قال: نحن نعيش هنا في بريطانيا والبريطانيون ينظرون لإخواننا الفلسطينيين نظرة خاصة، ومن عادة الفلسطينيين أنهم لا يضعون هذه الجرافيت ويفكون زر القميص ويبقى الصدر مبين من أعلى، فهم ينقمون على الفلسطينيين، ولذلك فهو لكي لا يتشبه بالفلسطينيين الذين يمقتون من قبل البريطانيين وضع هذه العقدة، فقلت له سامحك الله ليتك سكت عن هذا التعليل؛ لأن هذا التعليل أقبح من الفعل، يعني أنت تهتم بنظرة الأوروبيين الكفار البريطانيين لإخواننا الفلسطينيين المسلمين نظرة تحقير لما بينهم من عداء للحق
…
مع إخواننا الفلسطينيين، فأنت تهتم برأي هؤلاء الكفار ولذلك لا تريد أن ينظروا إليك نظرتهم إلى إخوانك المسلمين، هذا أكبر دليل على أن البيئة تؤثر في الساكنين فيها والعايشين معها؛ لذلك نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن معاشرة الكفار؛ لأن ظاهرهم يؤثر في باطن المسلمين، ويؤثر في أخلاقهم وفي مفاهيمهم.
مداخلة: كذلك السفر
…
الشيخ: إذا كان السفر لأيام محدودة ولغاية مشروعة، فلا أرى في ذلك مانعاً من باب قوله تعالى:{قُلْ سِيرُوا في الأَرْضِ} (الأنعام:11)، ومن باب أن المسلمين كانوا يسافرون في عهد الرسول عليه الصلاة السلام إلى بلاد الكفار والمشركين،
وكان ذلك أمراً معهوداً ومقرراً، وحسبكم في ذلك دليلاً قصة معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه لما غاب عن الرسول عليه السلام مدة، ثم لما رجع ووقع بصره على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هم أن يسجد له، فنهاه عليه الصلاة والسلام، فقال: يا رسول الله! إني سافرت إلى الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسيهم ورهبانيهم، فرأيتك أنت أحق بالسجود منهم، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث المعروف:«لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها، لكن لا يصلح السجود إلا لله» كما في بعض الروايات.
متاجرة المسلمين حتى بعد عهد الجاهلية التي امتن الله عليهم في آية: {لِإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (قريش4:1)، استمرارهم على المتاجرة وإقرار الشارع الحكيم لهم يجيز لنا أن نقول بجواز السفر إلى بلاد الكفر، لكن ليس للاستيطان فيهم، وإنما لقضاء مصالح ثم الرجوع، ولكني مع ذلك نظراً لفساد المجتمعين المجتمع المسلم اليوم بالنسبة للمجتمع المسلم الأول وفساد المجتمع الكافر من الناحية الأخلاقية والفسق والفجور، بالنسبة للمجتمع الكافر الأول لذلك أنا أرى أن الذي يريد أن يسافر هذا السفر الذي قررنا جوازه لا بد أن يكون محصناً ومحصناً، محصناً أخلاقياً ومحصناً نفسه غيره بالزواج، حتى لا يفتتن في ذات نفسه.
هذا ما لدي جواباً عن هذا السؤال، وبذلك ينتهي الموضوع السابق ذكره الذي كان موضوعه: ارتباط الظاهر بالباطن صلاحاً وطلاحاً، ومنه نتوصل إلى التنبيه إلى أمر يقع فيه بعض الشباب البعيد كل البعد عن الإسلام حينما نراه لا
يصلي ولا يصوم ولا يأتي بشيء من الأركان الإسلامية، فإذا ذكر بذلك قال يا أخي العبرة ليس بالصلاة، وإنما العبرة بما في القلب، وقد يورد بهذه المناسبة حديثاً لا أصل له: اثنان لا تقربهما: الشرك بالله والإضرار بالناس، هذا هو، فهو يقول لك أنا معاملتي مع الناس لا أغش ولا أسرق ولا .. انظر الرجل الفلاني لا يصلي إلا بالصف الأول، ولحيته كذا .. لكن غشاش، لكن كذا
…
إلى آخره، فهذا عذر أقبح من ذنب؛ لأننا نقول لمثل هذا المنحرف، إذا كان فلاناً يصلي ولكن يغش، فأنت خذ خيره ودع شره، وخذ خيره وهو يصلي فالصلاة خير، هو يغش وأنت لا تغش، فظل على أمانتك للناس، وعدم غشك، لكن لا تنس حق الله وعليك أن تعبده وأن تخضع له في كل يوم خمس مرات .. إلى آخره.
" الهدى والنور"(625/ 45: 00: 00).
[513] باب منه
[قال الإمام]:
إن هناك ارتباطاً بين الظاهر والباطن، وأنه إذا صلح الظاهر صلح الباطن، وإذا صلح الباطن صلح الظاهر، فبينهما ترابط عجيب، عجيب جداً، نعم.
ولذلك فإصلاح الظواهر من إصلاح البواطن، إصلاح الظواهر، ولهذا تجد أن هدي المشركين كما جاء في بعض الأحاديث يختلف عن هدي المؤمنين منطلقهم في حياتهم، في مجالسهم في دخولهم في خروجهم في لقائهم بعضهم لبعض حسبكم من ذلك: تحية بعضهم لبعض بالانحناء، أو برفع القبعة، ونحو ذلك من التكلفات التي قامت عليها حياة الأعاجم من قبل، فهذه كلمة الأعاجم التي إذا أطلقت يراد بها غير المسلمين، كما أن عند الأعاجم المسلمين استعمال
معاكس له، إذا أطلق عندهم العرب فالمراد بهم: المسلمون خلاف العرب الذين يزعمون أنهم يدعون إلى القومية العربية، الله أكبر، مفارقات عجيبة جداً.
الأعاجم إذا قالوا فلان عربي يعني مسلم عربي، أما العرب إذا قال فلان عربي سواءً كان نصراني ولّا يهودي ولّا لا ديني عرب وانتهى الأمر.
فالأعاجم كانوا من قبل يطلق على من ليس مسلماً، ولذلك قال عليه السلام في الحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى ذات يوم بأصحابه صلاة الظهر، وهو جالس، فقام مع أصحابه من خلفه قياماً فأشار إليهم أن اجلسوا، فجلسوا لما سلم قال:«إن كدتم أن تفعلوا آنفاً فعل فارس بعظمائها يقومون على رؤوسهم وهم جالسون، إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين» .
ففي هذا الحديث اهتمام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالمسلمين من حيث أنه يجب عليهم أن يحافظوا على شخصيتهم المسلمة، وأن يتميزوا فيها عن الأعاجم أي: الكفار حتى في الصلاة، حتى لو أدى بهم ذلك إلى أن يتركوا ركناً الأصل فيه أنه ركن أي: الصلاة فلإبطال هذه الظاهرة الوثنية التي كان عليها الأعاجم من حيث أنهم يقومون على رؤوسهم وهم قيام، قال لهم: اجلسوا، مع أننا نعلم جميعاً لا فرق بين عالم وغير عالم، ومثقف وغير مثقف الفرق الجوهري بين ظاهرة الأعاجم الذين يقومون على رؤوس ملوكهم، وظاهرة قيام أصحاب الرسول خلف الرسول في الصلاة حيث أنهم قاموا لله قانتين، إنما يقصدون بقيامهم ربَّ العالمين، وحيث إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما جلس متكبراً متعجرفاً على القائمين خلفه، وإنما جلس مضطراً مع هاتين الفارقتين الكبيرتين بين ظاهرة المسلمين خلف الرسول، وظاهرة الأعاجم خلف ملوكهم مع ذلك قال: «لا تتشبهوا في الصلاة لا تقوموا خلفي اجلسوا، وإذا