الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربط به عليه السلام فيما إذا أخل به القائمون في الصف أن يضرب الله قلوب بعضهم ببعض.
فإذاً: لا يجوز للمسلم أن يستهين بظاهره بدعوى أن باطنه صالح؛ لأنه يكون أولاً يكذب على نفسه فضلاً عن أنه يكذب على غيره، لهذا فليس من الأدب الإسلامي في شيء إذا ما اجتمع طلاب العلم أن يجلسوا هكذا كما يشاؤون متفرقين بعضهم عن بعض، بل عليهم أن ينضموا.
وأخيراً: جاء في صحيح مسلم: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل ذات يوم المسجد فوجد الناس متفرقين فيه، فقال لهم: ما لي أراكم عزين؟» أي: متفرقين.
فإذاً: علينا أن نتذكر هذا الأدب في تلقي العلم سواء كان التلقي بطريق جرى عليه العلماء اليوم، وهو تلقي الأسئلة والإجابة عليها، أو بالطريقة القديمة التي كانت ولا تزال طريقة مطروقة لتعليم الناس، ألا وهو أن يجلس الشيخ مع طلابه، ويقرأ عليهم من الكتاب سواء كان من التفسير أو من الحديث أو الفقه المستقى من الكتاب والسنة، أو يقرأ عليه أحدهم ثم هو يعلق على ما قرأ ويشرح لهم ما قد يكون غامضاً عليهم.
"الهدى والنور"(385/ 14: 25: 00)
[511] باب منه
[قال الإمام]:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1) .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (الأحزاب:70) .. {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (الأحزاب:71).
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
قبل أن نقدم إليكم ما ييسر الله لي من ارتجال كلمة حول الدعوة التي بعث الله تبارك وتعالى بها محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، أرى لزاماً علي أن أذكر بأدب من آداب المجالس العلمية التي أخل بها جماهير الناس وفيهم بعض طلبة العلم، فإننا نجد في كثير من المجالس تعقد حلقة علمية واسعة كما كان الأمر حينما دخلنا في هذا المكان المبارك إن شاء الله تعالى، حيث كان المفروض أن الناس يجلسون على أطراف هذا المكان الوسيع، لا بأس من الجلوس مثل هذه الجلسة في غير الجلسة العلمية، أما الجلسة العلمية فأدبها الانضمام والتجمع والتكتل لكي لا يكون المسلمون المجتمعون لطلب العلم بعيدين بأجسامهم بعضهم عن بعض؛ لأن الظاهر عنوان الباطن كما جاء في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
من هذه الأحاديث التي تتعلق بأدب الجلوس في طلب العلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل يوماً مسجده فرأى الناس متفرقين حلقات حلقات، فقال لهم: «ما
لي أراكم عزين؟!» أي: متفرقين، والحديث هذا في صحيح مسلم، فلفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظر الجالسين في المسجد النبوي يومئذ ألا تتعدد حلقاتهم وأن يوحدوا الحلقة العلمية وأن يجتمع بعضهم إلى بعض ..
لقد اهتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتجميع الناس وحذرهم من أن يتفرقوا في أجسامهم وأجسادهم حتى ولو كانوا في العراء أو الصحراء، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه قال:«كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفرقنا في الشعاب والوديان، فقال لنا يوماً: إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» ليسوا في جلسة علمية، وإنما في سفرة في البرية، كانوا يتفرقون كلٌّ ينتحي ناحية من أشجار ظليلة أو واد رطب أو نحو ذلك، فأنكر عليه الصلاة والسلام ذلك التفرق وقال:«إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان» .
قال أبو ثعلبة رضي الله تعالى عنه: فكنا بعد ذلك إذا نزلنا وادياً اجتمعنا، حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا.
استجابوا لله وللرسول حينما دعاهم، فكانوا لا يتفرقون في منازلهم وهم قوم سفر مسافرون، كانوا يجتمعون.
ما السر في اهتمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تجميع الناس وأن لا يسمح لهم أن يتفرقوا في أبدانهم حتى في الصحراء ما هو السر؟
سبق مني آنفاً الإشارة إلى ذلك، ولكن الإشارة في كثير من الأحيان لا تغني عن صريح العبارة، بل صريح العبارة تحتاج أحياناً إلى البيان والشرح والتوضيح، فلا بد لي من شيء من هذا.
قلت آنفاً: لأن الظاهر عنوان الباطن، أي: إن المسلمين إذا تفرقوا في
ظواهرهم كان ذلك سبباً ومدعاة لأن يتفرقوا في قلوبهم، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصرح به حينما كان يقوم إلى الصلاة ولا يدخل فيها إلا بعد أن يأمر بتسوية الصفوف كما هو معلوم لدى الجميع، ولكن القليل من الناس الذين أولاً يعلمون ماذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول للناس حينما يأمرهم بتسوية الصفوف، كان يقول عليه الصلاة السلام:«لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» .
وهذا الحديث مع الأسف الشديد من سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم العملية من ناحية والقولية من ناحية أخرى؛ ذلك لأنه كان يسوي الصفوف ويحضهم على الاعتناء بالتسوية، ويحذرهم من المخالفة، وينبؤهم بأن هذه المخالفة تكون سبباً للتفريق بين قلوبهم، «لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم» .
نحن نرى اليوم أن أكثر أئمة المساجد لا أستثني منهم أئمة المسجد الحرام والمسجد النبوي فضلاً عن غيرها من المساجد، كلهم قد أخلوا بالاهتمام بتسوية الصفوف وتحذير الناس من المخالفة في تسويتها، فلا تكاد تسمع منهم، أحسنهم من يقول: استووا. ويلتفت يميناً ويساراً وانتهى الأمر، أما النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أما أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده فقد كانوا يهتمون اهتماماً بالغاً جداً جداً، فلا يكبر أحدهم تكبيرة الإحرام إلا بعد أن يطمئن أن الناس استجابوا للأمر بتسوية الصفوف من جهة، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك أصحابه من بعده، كانوا لا يكتفون فقط بكلمة استووا، استووا، ولا أن يقول فقط لهذا تقدم ولهذا تأخر، وإنما كان يقدم عليه السلام وأصحابه الكرام بين يدي ذلك المرغبات والمنشطات لأن يستجيب الناس لدعوة الرسول عليه السلام في تسوية الصف بالإضافة إلى الحديث السابق:«لتسون صفوفكم .. » كان يقول عليه الصلاة السلام: «سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة» وفي رواية: «من حسن الصلاة» . روايتان صحيحتان.
وأمره صلى الله عليه وآله وسلم بالشيء يقتضي أن هذا الشيء واجب تطبيقه وتنفيذه؛ لأن الله عز وجل قال في حقه نبيه عليه السلام: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (النساء:80).
وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63).
لهذا ينبغي الاهتمام بأن يستوي الناس في الصلاة وأن يتقاربوا في المجلس العلمي خارج الصلاة استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي بعض هذا الأوامر تعليل ذلك؛ لأن إصلاح الظواهر سبب شرعي في إصلاح البواطن، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى أيضاً في بعض الأحاديث الصحيحة التي لا بد أنكم كثيراً ما سمعتموها ولكني أعتقد أن القليل من العلماء من يذكركم بالحكمة التي جاء ذكرها أو الإشارة إليها في الحديث الذي سمعتموه دائماً، ألا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتق الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا -هنا الشاهد- وإن
في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
فإذاً: صلاح القلب فيه صلاح البدن، وهذه من أسرار الشريعة التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث؛ لأنه يشير في هذا الحديث وفي الأحاديث الأخرى أن ظاهر الجسد مرتبط بباطنه ألا وهو القلب، والقلب أيضاً مرتبط بظاهر البدن، فكأن هناك حركة دائمة مستمرة تشبه ما كنا ولا نزال نسمعه، وأنهم يحاولون إلى اكتشاف ما يسمونه بالحركة الدائمة، الحركة الدائمة أوجدها الله تبارك وتعالى في هذا الإنسان الذي صوره وأحسن صوره، تلك الحركة هي: إذا أصلحت قلبك لزم