الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
قُدِّمَتْ الْعِبَادَاتُ عَلَى غَيْرِهَا اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا، وَالصَّلَاةُ تَالِيَةٌ لِلْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةُ مِفْتَاحُهَا بِالنَّصِّ، وَشَرْطٌ بِهَا مُخْتَصٌّ،
ــ
[رد المحتار]
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
ِ (قَوْلُهُ قُدِّمَتْ الْعِبَادَاتُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَدَارَ أُمُورِ الدِّينِ عَلَى الِاعْتِقَادَاتِ وَالْآدَابِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَالْأَوَّلَانِ لَيْسَا مِمَّا نَحْنُ بِصَدَدِهِ.
وَالْعِبَادَاتُ خَمْسَةٌ: الصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ. وَالْمُعَامَلَاتُ خَمْسَةٌ: الْمُعَاوَضَاتُ الْمَالِيَّةُ، وَالْمُنَاكَحَاتُ، وَالْمُخَاصَمَاتُ، وَالْأَمَانَاتُ، وَالتَّرِكَاتُ. وَالْعُقُوبَاتُ خَمْسَةٌ: الْقِصَاصُ، وَحَدُّ السَّرِقَةِ، وَالزِّنَا، وَالْقَذْفِ، وَالرِّدَّةُ.
(قَوْلُهُ: اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا) وَجْهُهُ أَنَّ الْعِبَادَ لَمْ يُخْلَقُوا إلَّا لَهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]-.
(قَوْلُهُ: وَالصَّلَاةُ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ وَجْهِ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَتَقْدِيمِ الطَّهَارَةِ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: تَالِيَةٌ لِلْإِيمَانِ) أَيْ نَصًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة: 3]- وَكَحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» بَحْرٌ. أَقُولُ: وَفِعْلًا غَالِبًا، فَإِنَّ أَوَّلَ وَاجِبٍ بَعْدَ الْإِيمَانِ فِي الْغَالِبِ فِعْلُ الصَّلَاةِ لِسُرْعَةِ أَسْبَابِهَا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَوُجُوبًا لِأَنَّ أَوَّلَ مَا وَجَبَ الشَّهَادَتَانِ ثُمَّ الصَّلَاةُ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ، وَفَضْلًا كَمَا قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: إنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا، بِدَلِيلِ «أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْإِيمَانِ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» .
(قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ مِفْتَاحُهَا إلَخْ) أَيْ وَمَا كَانَ مِفْتَاحًا لِشَيْءٍ وَشَرْطًا لَهُ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ طَبْعًا فَيُقَدَّمُ وَضْعًا.
(قَوْلُهُ: بِالنَّصِّ) وَهُوَ مَا رَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: الطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ فِيمَا قَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ، وَيَجُوزُ الْفَتْحُ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالْآلَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا مَجَازٌ مَا يَفْتَحُهَا مَنْ غَلَقَهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَثَ مَانِعٌ مِنْهَا فَهُوَ كَالْقُفْلِ يُوضَعُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَتَّى إذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّ الْقُفْلُ، وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ بَدِيعَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إلَّا النُّبُوَّةُ اهـ مِنْ شَرْحِهِ لِلْعَلْقَمِيِّ.
(قَوْلُهُ: بِهَا مُخْتَصٌّ) الْأَصْلُ فِي لَفْظِ الْخُصُوصِ وَمَا يَتَفَرَّعُ مِنْهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ بِإِدْخَالِ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ، أَعْنِي مَا لَهُ الْخَاصَّةُ فَيُقَالُ خُصَّ الْمَالُ بِزَيْدٍ: أَيْ الْمَالُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، لَكِنَّ الشَّائِعَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إدْخَالُهَا لَهَا عَلَى الْمَقْصُورِ أَعْنِي الْخَاصَّةَ كَقَوْلِك: اخْتَصَّ زَيْدٌ بِالْمَالِ، وَمَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْخَاصَّةَ هِيَ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ دُونَ الصَّلَاةِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهَا شَرْطٌ مُخْتَصٌّ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَجَاوَزُهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي لَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُقَالَ تَخْتَصُّ الصَّلَاةُ بِهِ فَافْهَمْ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا شَرْطُ صِحَّةٍ فَلَا يَرِدُ أَنَّهَا تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا، وَلَا تَرِدُ النِّيَّةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالصَّلَاةِ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لِكُلِّ عِبَادَةٍ، وَلَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ وَحَالَةِ الْعُذْرِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ،
لَازِمٌ لَهَا فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ، وَمَا قِيلَ قُدِّمَتْ لِكَوْنِهَا شَرْطًا لَا يَسْقُطُ أَصْلًا، وَلِذَا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ، وَمَا أُورِدَ مِنْ أَنَّ النِّيَّةَ كَذَلِكَ مَرْدُودٌ كُلُّ ذَلِكَ
أَمَّا النِّيَّةُ فَفِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا: مَنْ تَوَالَتْ عَلَيْهِ الْهُمُومُ تَكْفِيهِ النِّيَّةُ بِلِسَانِهِ. وَأَمَّا الطَّهَارَةُ، فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَبِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ وَلَا تَيَمُّمٍ وَلَا يُعِيدُ، قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِي الْأَصَحِّ.
وَأَمَّا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ، فَفِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَشَبَّهُ عِنْدَهُمَا، وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
ــ
[رد المحتار]
وَمِثْلُهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ. وَأَمَّا وُجُوبُهُ فِي خَارِجِهَا فَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّرْطِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: لَازِمٌ لَهَا فِي كُلِّ الْأَرْكَانِ) أَقُولُ: لَمْ تَظْهَرْ لِي فَائِدَةُ هَذَا الْقَيْدِ فِي كَلَامِهِ، نَعَمْ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ أَصْلًا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُشْتَرَطُ اسْتِصْحَابُهَا لِكُلِّ رُكْنٍ، وَقَدْ عَلِمْت الِاحْتِرَازَ عَنْ النِّيَّةِ بِمَادَّةِ الِاخْتِصَاصِ، عَلَى أَنَّهُ سَيَذْكُرُ عَنْ الْفَيْضِ أَنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَسْقُطُ أَصْلًا فَلَيْسَتْ شَرْطًا لَازِمًا دَائِمًا، فَإِنْ أَرَادَ لُزُومَهَا بِدُونِ عُذْرٍ وَرَدَ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ وَالسَّتْرُ فَإِنَّهُمَا كَالطَّهَارَةِ فِي ذَلِكَ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ) قَائِلُهُ الْإِمَامُ السِّغْنَاقِيُّ صَاحِبُ النِّهَايَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ شَرْحٍ لِلْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ: لَا يَسْقُطُ أَصْلًا) أَيْ لَا يَسْقُطُ بِعُذْرٍ مِنْ الْأَعْذَارِ نِهَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ) أَيْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ كَمَنْ حُبِسَ وَقُيِّدَ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَيْهِمَا.
(قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ شَرْطٌ لَا يَسْقُطُ أَصْلًا.
(قَوْلُهُ: مَرْدُودٌ كُلُّ ذَلِكَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ دَعْوَى عَدَمِ سُقُوطِ الطَّهَارَةِ أَصْلًا، وَأَنَّ فَاقِدَ الطَّهُورَيْنِ يُؤَخِّرُ، وَأَنَّ النِّيَّةَ لَا تَسْقُطُ أَيْضًا، وَأَتَى بِرَدِّ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ غَيْرَ مُرَتِّبٍ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا النِّيَّةُ) أَيْ أَمَّا وَجْهُ الرَّدِّ فِي دَعْوَى عَدَمِ سُقُوطِ النِّيَّةِ أَصْلًا، وَهَذَا الرَّدُّ الَّذِي بَعْدَهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ.
(قَوْلُهُ: فَفِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا) كَالْمُجْتَبَى، وَهُوَ أَيْضًا لِلْعَلَّامَةِ مُخْتَارِ بْنِ مَحْمُودٍ الزَّاهِدِيِّ صَاحِبِ الْقُنْيَةِ، وَكِتَابُ الْقُنْيَةِ مَشْهُورٌ بِضَعْفِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ نُقِلَ هَذَا الْفَرْعُ مِنْ شَرْحِ الصَّبَّاغِيِّ.
(قَوْلُهُ: تَكْفِيهِ النِّيَّةُ بِلِسَانِهِ) إطْلَاقُ النِّيَّةِ عَلَى اللَّفْظِ مَجَازٌ. اهـ. ح: أَيْ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ لَا اللِّسَانِ، وَإِنَّمَا الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ كَلَامٌ، وَمِنْ ثَمَّ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى كَوْنِهَا بِالْقَلْبِ، فَقَدْ سَقَطَتْ النِّيَّةُ هُنَا لِلْعُذْرِ فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ سُقُوطِهَا. بَقِيَ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا لِلْعَاجِزِ إنْ كَانَ غَيْرَ شَرْطٍ فَلَا إشْكَالَ؛ وَلِذَا اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ وَإِنْ كَانَ شَرْطًا كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ. وَرَدَ عَلَيْهِ مَا فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ أَنَّهُ نُصِبَ بَدَلٌ بِالرَّأْيِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ دَلِيلُهُ، وَأَقَرَّهُ فِي الْمِنَحِ.
أَقُولُ: وَمَا قَالَهُ الْحَمَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى نِيَّةِ الْقَلْبِ صَارَ الذِّكْرُ بِاللِّسَانِ أَصْلًا لَا بَدَلًا اهـ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ. وَأَيْضًا هُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ، فَإِنَّ نَصْبَ الشُّرُوطِ الْأَصْلِيَّةِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ أَيْضًا، وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ الْفَرْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ تَخْرِيجَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَنْقُولًا عَنْ الْمُجْتَهِدِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُقَلَّدَ طَلَبُ دَلِيلِهِ.
(قَوْلُهُ: وَبِوَجْهِهِ جِرَاحَةٌ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَلِيمًا مَسَحَهُ عَلَى الْجِدَارِ بِقَصْدِ التَّيَمُّمِ ط، وَسَكَتَ عَنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَعْضَاءِ جَرِيحٌ، وَالْوَظِيفَةُ حِينَئِذٍ التَّيَمُّمُ وَلَكِنَّهُ سَقَطَ لِفَقْدِ آلَتِهِ وَهُمَا الْيَدَانِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: يُصَلِّي بِلَا وُضُوءٍ) أَيْ فَسَقَطَ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَسْقُطُ أَصْلًا ط، لَكِنْ ذَكَرَ الْحَمَوِيُّ فِي رِسَالَةٍ أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِعَدَمِ السُّقُوطِ بِعُذْرٍ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ إمْكَانِهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَمَا هُنَا رَاجِعٌ إلَى زَوَالِ الْأَهْلِيَّةِ لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ، عَلَى أَنَّ التَّخَلُّفَ فِي مَادَّةٍ وَاحِدَةٍ قَلَّمَا تَقَعُ لَا يَقْدَحُ فِي الْكُلِّيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَصْحَابِ الرِّوَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ) هَذَا رَدٌّ مِنْ الشَّارِحِ لِلدَّعْوَى الْوُسْطَى ط.
(قَوْلُهُ: يَتَشَبَّهُ) أَيْ بِالْمُصَلِّينَ وُجُوبًا، فَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إنْ وَجَدَ مَكَانًا يَابِسًا،
قُلْت: وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ تَعَمُّدَ الصَّلَاةِ بِلَا طُهْرٍ غَيْرُ مُكَفِّرٍ كَصَلَاتِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجَسٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي سِيَرِ الْوَهْبَانِيَّةِ:
وَفِي كُفْرِ مَنْ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ
…
مَعَ الْعَمْدِ خُلْفٌ فِي الرِّوَايَاتِ يُسْطَرُ
ثُمَّ هُوَ مُرَكَّبٌ إضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، فَإِنْ أُرِيدَ التَّعْدَادَ بُنِيَ عَلَى السُّكُونِ وَكُسِرَ تَخَلُّصًا
ــ
[رد المحتار]
وَإِلَّا يُومِئُ قَائِمًا ثُمَّ يُعِيدُ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّيَمُّمِ: وَنَقَلَ ط أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ رَدًّا؛ لِأَنَّ هَذِهِ صُورَةُ صَلَاةٍ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ حَقِيقِيَّةٍ لِمَا أَنَّهُ يُطَالَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِفِعْلِهَا؛ وَلِذَا قَالَ ح الْأَوْلَى الْمُعَارَضَةُ بِالْمَعْذُورِ اهـ أَيْ إذَا تَوَضَّأَ عَلَى السَّيَلَانِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذِهِ الطَّهَارَةَ مِنْ الْمَعْذُورِ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ) أَيْ بِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُنْتِجُ مَا ذَكَرَهُ ط.
(قَوْلُهُ: غَيْرُ مُكَفِّرٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ، حَيْثُ قَالَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لَا بِالصَّلَاةِ بِالثَّوْبِ النَّجِسِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لِجَوَازِ الْأَخِيرَتَيْنِ حَالَةَ الْعُذْرِ بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يُؤْتَى بِهَا بِحَالٍ فَيَكْفُرُ. قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَبِهِ نَأْخُذُ ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي الْحِلْيَةِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. ثَانِيهِمَا أَنَّ الْجَوَازَ بِعُذْرٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَمِ الْإِكْفَارِ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْإِكْفَارِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ هُوَ الِاسْتِهَانَةُ، فَحَيْثُ ثَبَتَتْ الِاسْتِهَانَةُ فِي الْكُلِّ تَسَاوَى الْكُلُّ فِي الْإِكْفَارِ، وَحَيْثُ انْتَفَتْ مِنْهَا تَسَاوَتْ فِي عَدَمِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ حُكْمُ الْفَرْضِ لُزُومَ الْكُفْرِ بِتَرْكِهِ، وَإِلَّا كَانَ كُلُّ تَارِكٍ لِفَرْضٍ كَافِرًا، وَإِنَّمَا حُكْمُهُ لُزُومُ الْكُفْرِ بِجَحْدِهِ بِلَا شُبْهَةٍ دَارِئَةٍ اهـ مُلَخَّصًا: أَيْ وَالِاسْتِخْفَافُ فِي حُكْمِ الْجُحُودِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ وَأَنَّ الْإِكْفَارَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَكُونُ كُفْرًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إذَا صَلَّى لَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ، فَإِنْ كَانَ وَجْهُ الِاسْتِخْفَافِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كُفْرًا عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْحِلْيَةِ لَكِنْ بَعْدَ اعْتِبَارِ كَوْنِهِ مُسْتَخِفًّا وَمُسْتَهِينًا بِالدِّينِ كَمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ بِهِ، أَمَّا لَوْ كَانَ بِمَعْنَى عَدِّ ذَلِكَ الْفِعْلِ خَفِيفًا وَهَيِّنًا مِنْ غَيْرِ اسْتِهْزَاءٍ وَلَا سُخْرِيَةٍ، بَلْ لِمُجَرَّدِ الْكَسَلِ أَوْ الْجَهْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا عِنْدَ الْكُلِّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: مَعَ الْعَمْدِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُصَاحِبًا لِلْعَمْدِ ط.
(قَوْلُهُ: خُلْفٌ) أَيْ اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ التَّفْكِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، بَلْ قَالُوا لَوْ وُجِدَ سَبْعُونَ رِوَايَةً مُتَّفِقَةً عَلَى تَكْفِيرِ الْمُؤْمِنِ وَرِوَايَةٌ وَلَوْ ضَعِيفَةً بِعَدَمِهِ يَأْخُذُ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَالْخِلَافُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ فَرْعِ الظَّهِيرِيَّةِ، وَأَمَّا هُوَ فَصَلَاتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ لِأَمْرِ الشَّارِعِ لَهُ بِذَلِكَ ط.
(قَوْلُهُ: يُسْطَرُ) أَيْ يُكْتَبُ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ هُوَ) أَيْ كِتَابُ الطَّهَارَةِ وَثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ، وَقَدْ تَأْتِي لِلِاسْتِئْنَافِ ط.
(قَوْلُهُ: مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ) أَيْ كِتَابُ الطَّهَارَةِ هَذَا، أَوْ هَذَا كِتَابُ الطَّهَارَةِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْأَوْلَى مِنْهُمَا، فَقِيلَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَ هُوَ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ الشَّدِيدُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَإِبْقَاؤُهُ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ التَّجَوُّزَ فِي آخِرِ الْجُمْلَةِ أَسْهَلُ، وَقِيلَ الثَّانِي لِأَنَّ الْخَبَرَ مَحَطُّ الْفَائِدَةِ.
(قَوْلُهُ: لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ) نَحْوُ خُذْ أَوْ اقْرَأْ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ أُرِيدَ التَّعْدَادُ) أَيْ تَعْدَادُهُ مَعَ الْكُتُبِ الْآتِيَةِ بِلَا قَصْدِ إسْنَادٍ كَالْأَعْدَادِ الْمَسْرُودَةِ.
(قَوْلُهُ: بُنِيَ عَلَى السُّكُونِ) لِشَبَهِهِ الْحَرْفَ فِي الْإِهْمَالِ ط. زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَيَجُوزُ الْفَتْحُ عَلَى النَّقْلِ وَالضَّمُّ عَلَى الْحَذْفِ اهـ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ نَقْلَ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ شَرْطُهُ كَوْنُهَا لِلْقَطْعِ. وَقَدْ يُجَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الم اللَّهُ مِنْ أَنَّ مِيمَ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ وَالْهَمْزَةَ
مِنْ السَّاكِنَيْنِ وَإِضَافَتُهُ لَامِيَّةٌ لَا مِيمِيَّةٌ.
وَهَلْ يَتَوَقَّفُ حَدُّهُ لَقَبًا عَلَى مَعْرِفَةِ مُفْرَدَيْهِ؟ الرَّاجِحُ نَعَمْ، فَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ
ــ
[رد المحتار]
فِي حُكْمِ الثَّابِتِ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ تَخْفِيفًا وَأُلْقِيَتْ حَرَكَتُهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالضَّمِّ حَرَكَةَ الْإِعْرَابِ وَبِالْحَذْفِ حَذْفَ الْمُبْتَدَإِ أَوْ الْخَبَرِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْإِعْرَابِ فَذِكْرُ الشَّارِحِ لَهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى مَعَ ذِكْرِ حُكْمِ الْإِعْرَابِ قَبْلَهُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَإِضَافَتُهُ لَامِيَّةٌ) أَيْ عَلَى مَعْنَى لَامِ الِاخْتِصَاصِ: أَيْ كِتَابٌ لِلطَّهَارَةِ: أَيْ مُخْتَصٌّ بِهَا.
(قَوْلُهُ: لَا مِيمِيَّةٌ) كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ تَبَعًا لِلنَّهْرِ وَالصَّوَابُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا مُنَيَّةَ بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ نِسْبَةً إلَى مِنْ الَّتِي هِيَ مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ، وَوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الَّتِي بِمَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ شَرْطُهَا كَوْنُ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَصْلًا لِلْمُضَافِ وَصَالِحًا لِلْإِخْبَارِ بِهِ عَنْهُ، وَأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُضَافِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. وَزَادَ فِي التَّسْهِيلِ رَابِعًا وَهُوَ صِحَّةُ تَقْدِيرِ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَفْقُودٌ هُنَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَيْسَتْ عَلَى مَعْنَى فِي اهـ: أَيْ لِأَنَّ ضَابِطَهَا كَوْنُ الثَّانِي ظَرْفًا لِلْأَوَّلِ نَحْوُ - {مَكْرُ اللَّيْلِ} [سبأ: 33]- وَخَالَفَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِنَحِ وَاخْتَارَ كَوْنَهَا بِمَعْنَاهَا وَقَالَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا. اهـ. لَكِنَّ الظَّرْفِيَّةَ حِينَئِذٍ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ كَثِيرَةٌ.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ قَدْ يُصَرِّحُ بِفِي فَيُقَالُ فَصْلٌ فِي كَذَا بَابٌ فِي كَذَا، وَهُوَ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الدَّالِّ فِي الْمَدْلُولِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ وَالْفَصْلِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ التَّرَاجِمِ الْأَلْفَاظُ الْمُعَيَّنَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ كَمَا هُوَ مُخْتَارُ سَيِّدِ الْمُحَقِّقِينَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الطَّهَارَةِ أَيْ مِنْ مَسَائِلِهَا الْمَعَانِي، وَيَجُوزُ الْعَكْسُ، فَيَكُونُ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْمَدْلُولِ فِي الدَّالِّ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَهَلْ يَتَوَقَّفُ حَدُّهُ لَقَبًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَقَبًا فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِّ فِي مِثْلِ هَذَا الرَّسْمِ، وَأَرَادَ بِاللَّقَبِ الْعِلْمَ إذْ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِرِفْعَةِ الْمُسَمَّى أَوْ بِضَعَتِهِ، وَأَتَى بِالِاسْتِفْهَامِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِيهِ، أَمَّا تَوَقُّفُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ قَبْلَ ذَلِكَ حَدَّهُ لِلَّقَبِيِّ، بِأَنْ يَقُولَ هُوَ عَلَمٌ عَلَى جُمْلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ جُعِلَ شَرْعًا عُنْوَانًا لِمَسَائِلَ مُسْتَقِلَّةٍ فَهُوَ بَيَانٌ لِمَعْنَى الْمُضَافِ لَا لِلِاسْمِ اللَّقَبِيِّ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: الرَّاجِحُ نَعَمْ) قَالَ الْأَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ: وَالْمُرَكَّبُ الْإِضَافِيُّ قِيلَ حَدُّهُ لَقَبًا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ جُزْأَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُرَكَّبِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِجُزْأَيْهِ، وَقِيلَ لَا يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ سَلَبَتْ كُلًّا مِنْ جُزْأَيْهِ عَنْ مَعْنَاهُ الْإِفْرَادِيِّ وَصَيَّرَتْ الْجَمِيعَ اسْمًا لِشَيْءٍ آخَرَ، وَرَجَحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ أَتَمُّ فَائِدَةً. اهـ. وَاسْتَحْسَنَهُ فِي النَّهْرِ.
أَقُولُ: أَمَّا كَوْنُهُ أَتَمَّ فَائِدَةً فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَأَمَّا تَوَقُّفُ فَهْمِ مَعْنَاهُ الْعِلْمِيِّ عَلَى فَهْمِ مَعْنَى جُزْأَيْهِ فَفِي حَيِّزِ الْمَنْعِ، فَإِنَّ فَهْمَ الْمَعْنَى الْعِلْمِيِّ مِنْ امْرِئِ الْقَيْسِ مَثَلًا يَتَوَقَّفُ عَلَى فَهْمِ مَا وُضِعَ ذَلِكَ اللَّفْظُ بِإِزَائِهِ وَهُوَ الشَّاعِرُ الْمَشْهُورُ، وَإِنْ جُهِلَ مَعْنَى كُلٍّ مِنْ مُفْرَدَيْهِ فَالْحَقُّ الْقَوْلُ الثَّانِي، وَلِذَا اقْتَصَرَ فِي التَّحْرِيرِ وَالتَّلْوِيحِ وَغَيْرِهِمَا فِي تَعْرِيفِ أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى بَيَانِ مَعْنَى الْمُفْرَدَيْنِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُرَكَّبًا إضَافِيًّا فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: فَالْكِتَابُ) تَفْرِيعٌ عَلَى الرَّاجِحِ.
(قَوْلُهُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْبَحْرِ وَالْعِنَايَةِ هُوَ جَمْعُ الْحُرُوفِ، لِمَا أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْكِتَابَ وَالْكِتَابَةَ لُغَةً: الْجَمْعُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ كَتَبْت الْخَيْلَ إذَا جَمَعْتهَا. اهـ. وَزَادَ فِي الدُّرَرِ احْتِمَالَ كَوْنِهِ فِعَالًا بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ كَاللِّبَاسِ
لُغَةً، جُعِلَ شَرْعًا عُنْوَانًا لِمَسَائِلَ مُسْتَقِلَّةٍ. بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ.
وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ بِالْفَتْحِ وَيُضَمُّ: بِمَعْنَى النَّظَافَةِ لُغَةً، وَلِذَا أَفْرَدَهَا. وَشَرْعًا النَّظَافَةُ عَنْ حَدَثٍ أَوْ خُبْثٍ
ــ
[رد المحتار]
بِمَعْنَى الْمَلْبُوسِ. قَالَ: وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَجْمُوعِ.
(قَوْلُهُ: لُغَةً) مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَمِثْلُهُ شَرْعًا وَاصْطِلَاحًا: وَبَيَانُ ذَلِكَ مَعَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ فِي رِسَالَتِنَا الْفَوَائِدِ الْعَجِيبَةِ فِي إعْرَابِ الْكَلِمَاتِ الْغَرِيبَةِ.
(قَوْلُهُ: جُعِلَ) أَيْ الْكِتَابُ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ مُضَافًا لِلطَّهَارَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْهَا وَمِنْ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ فِي صَدَدِ بَيَانِ الْمُضَافِ بِمُفْرَدِهِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: شَرْعًا) الْأَوْلَى اصْطِلَاحًا لِأَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ لَا يَخُصُّ أَهْلَ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْغَالِبُ عِنْدَهُمْ لَكِنْ قَيَّدَ بِهِ نَظَرًا لِلْمَقَامِ أَفَادَهُ ط.
(قَوْلُهُ: عُنْوَانًا) أَيْ عِبَارَةٌ تُذْكَرُ صَدْرَ الْكَلَامِ.
(قَوْلُهُ: لِمَسَائِلَ) أَيْ لِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ دَالَّةٍ عَلَى مَسَائِلَ مَجْمُوعَةٍ وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. مَطْلَبٌ فِي اعْتِبَارَاتِ الْمُرَكَّبِ التَّامِّ
وَذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ الْمُرَكَّبَ التَّامَّ الْمُحْتَمِلَ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ يُسَمَّى مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْحُكْمِ قَضِيَّةً، وَمِنْ حَيْثُ احْتِمَالُهُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ خَبَرًا، وَمِنْ حَيْثُ يُطْلَبُ بِالدَّلِيلِ مَطْلُوبًا، وَمِنْ حَيْثُ يَحْصُلُ مِنْ الدَّلِيلِ نَتِيجَةً، وَمِنْ حَيْثُ يَقَعُ فِي الْعِلْمِ وَيُسْأَلُ عَنْهُ مَسْأَلَةً، فَالذَّاتُ وَاحِدَةٌ، وَاخْتِلَافُ الْعِبَارَاتِ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٍ) بِمَعْنَى عَدَمِ تَوَقُّفِ تَصَوُّرِهَا عَلَى شَيْءٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لَا بِمَعْنَى الْأَصَالَةِ الْمُطْلَقَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ تَابِعٌ لِكِتَابِ الصَّلَاةِ الْمَقْصُودِ أَصَالَةً، وَعَمَّ التَّعْرِيفُ مَا كَانَ تَحْتَهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ كَكِتَابِ اللُّقَطَةِ وَالْآبِقِ وَالْمَفْقُودِ، أَوْ أَكْثَرُ كَالطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مِنْ الْأَحْكَامِ كُلُّ نَوْعٍ يُسَمَّى بَابًا، وَكُلُّ بَابٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى صِنْفٍ مِنْ الْمَسَائِلِ، أَوْ أَكْثَرَ كُلُّ صِنْفٍ يُسَمَّى فَصْلًا. وَزَادَ بَعْضُهُمْ مُطْلَقًا بَعْدَ قَوْلِهِ مُسْتَقِلَّةٍ احْتِرَازٌ عَنْ الْبَابِ قَالَ: لِأَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَبَعِيَّتِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ تَبَعِيَّةِ الْغَيْرِ لَهَا، فَإِنَّ مَسْحَ الْخُفَّيْنِ تَابِعٌ لِلْوُضُوءِ وَالْوُضُوءُ مُسْتَتْبِعٌ لَهُ، وَقَدْ اُعْتُبِرَا مُسْتَقِلَّيْنِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكِتَابِ وَالْبَابِ أَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يَكُونُ تَابِعًا وَقَدْ لَا يَكُونُ، بِخِلَافِ الْبَابِ: أَيْ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ تَابِعًا أَوْ مُسْتَتْبِعًا. اهـ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَلْحُوظَ فِي الْكِتَابِ جِنْسُ الْمَسَائِلِ لَا بِاعْتِبَارِ نَوْعِهَا أَوْ فَصْلِهَا عَمَّا قَبْلَهَا وَالْحَيْثِيَّةُ مُرَاعَاةٌ فِي التَّعْرِيفِ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمَسَائِلَ إنْ اُعْتُبِرَتْ بِجِنْسِهَا تَصْدُرُ بِالْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ فِي اللُّغَةِ الْجَمْعُ وَالْجِنْسُ يَشْمَلُ الْأَنْوَاعَ غَالِبًا فَيَكُونُ مَعْنَى الْجَمْعِ مُنَاسِبًا لِمَعْنَى الْجِنْسِ، وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ بِنَوْعِهَا تَصْدُرُ بِالْبَابِ؛ لِأَنَّ الْبَابَ فِي اللُّغَةِ النَّوْعُ فَيَكُونُ ذِكْرُهُ مُنَاسِبًا لِنَوْعِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ اُعْتُبِرَتْ بِفَصْلِهَا، وَفَرَّقَهَا عَمَّا قَبْلَهَا تَصْدُرُ بِالْفَصْلِ؛ لِأَنَّ الْفَصْلَ فِي اللُّغَةِ الْفَرْقُ وَالْقَطْعُ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُ مُنَاسِبًا لِلْمَسَائِلِ الْمُنْقَطِعَةِ عَمَّا قَبْلَهَا. قَالَ وَأَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ: مَشَوْا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ، فَهُوَ مَصْدَرٌ مُرَادٌ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَمَا فِي النَّهْرِ ط، فَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ قَبْلَ قَوْلِهِ جُعِلَ شَرْعًا.
(قَوْلُهُ: وَالطَّهَارَةُ) أَيْ بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَهِيَ الْآلَةُ وَبِضَمِّهَا فَضْلُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّهَا بِالضَّمِّ اسْمٌ لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ الْهَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَيُضَمُّ) أَيْ وَكَذَا يُكْسَرُ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ قُهُسْتَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى النَّظَافَةِ) أَيْ عَنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَالْأَنْجَاسِ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ وَالذُّنُوبِ، فَقِيلَ الثَّانِي مَجَازٌ، وَقِيلَ حَقِيقَةٌ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِمَا، إذْ الْحَدَثُ دَنَسٌ حُكْمِيٌّ، وَالنَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ دَنَسٌ حَقِيقِيٌّ وَزَوَالُهُمَا طَهَارَةٌ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَلِذَا أَفْرَدَهَا) أَيْ لِكَوْنِهَا مَصْدَرًا، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِهَا وَأَفْرَادِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْجَمْعِ؛ وَلِذَا قِيلَ الْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ.
(قَوْلُهُ: النَّظَافَةُ عَنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ) شَمِلَ طَهَارَةَ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ كَالْآنِيَةِ وَالْأَطْعِمَةِ
وَمَنْ جَمَعَ نَظَرَ لِأَنْوَاعِهَا وَهِيَ كَثِيرَةٌ. وَحِكَمُهَا شَهِيرَةٌ. وَحُكْمُهَا اسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ بِدُونِهَا
(وَسَبَبُهَا) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا (مَا لَا يَحِلُّ) فِعْلُهُ فَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ (إلَّا بِهَا) أَيْ بِالطَّهَارَةِ. صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ سَرْدِ الْأَقْوَالِ وَنَقْلِ كَلَامِ الْكَمَالِ: الظَّاهِرُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرَادَةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، لَكِنْ بِتَرْكِ إرَادَةِ النَّفْلِ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ
ــ
[رد المحتار]
وَأَرَادَ بِالْخَبَثِ مَا يَعُمُّ الْمَعْنَوِيَّ كَمَا مَرَّ، فَيَشْمَلُ أَيْضًا الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلذُّنُوبِ، وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْبَحْرِ زَوَالُ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ لِيَشْمَلَ الطَّهَارَةَ الْأَصْلِيَّةَ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ يُشْعِرُ بِسَبْقِ الْوُجُودِ، وَعَنْ قَوْلِ النَّهْرِ إزَالَةٌ لِيَشْتَمِلَ النَّظَافَةَ بِلَا قَصْدٍ كَنُزُولِ الْمُحْدِثِ فِي الْمَاءِ لِلسِّبَاحَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَوْ هُنَا لِلتَّقْسِيمِ وَالتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ، فَالْقِسْمَانِ الْمُتَخَالِفَانِ حَقِيقَةً مُتَشَارِكَانِ فِي مُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَدَّ إمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا عَلَى سَبِيلِ الشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ لِيُنَافِيَ الْحَدَّ الْمَقْصُودَ بِهِ بَيَانُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا رَسْمٌ لَا حَدٌّ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ. قَالَ فِي السَّلَمِ:
وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ
…
وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَمَعَ) أَيْ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ كِتَابُ الطِّهَارَات.
(قَوْلُهُ: نَظَرَ لِأَنْوَاعِهَا) أَيْ فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّامَ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ. وَدُفِعَ بِأَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ وَانْتِفَاؤُهُمَا هَا هُنَا مُمْتَنِعٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَاسْتِوَاءُ هَذَا الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِي لَفْظِ الْجَمْعِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعَدُّدِ وَإِنْ بَطَلَ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى إبْطَالِهَا الْجَمْعِيَّةَ أَنَّ مَدْخُولَهَا صَارَ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِلْكَثِيرِ.
فَإِنْ قِيلَ الْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ قِيلَ جَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَذَلِكَ شَائِعٌ كَمَا يُجْمَعُ الْعِلْمُ وَالْبَيْعُ قَالَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَالْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ.
(قَوْلُهُ: وَحِكَمُهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِكْمَةٍ: أَيْ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ.
(قَوْلُهُ: شَهِيرَةٌ) مِنْهَا تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ وَمَنْعُ الشَّيْطَانِ عَنْهُ ط وَتَحْسِينُ الْأَعْضَاءِ فِي الدُّنْيَا بِالتَّنْظِيفِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّحْجِيلِ، إمْدَادٌ.
(قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا) أَيْ أَثَرُهَا الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: اسْتِبَاحَةُ) السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ أَوْ لِلصَّيْرُورَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ حُكْمِهَا الثَّوَابَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِيهَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا ط.
(قَوْلُهُ: أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا) قُدِّرَ الْمُضَافُ لِظُهُورِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَثَلًا لَيْسَتْ سَبَبًا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: مَا لَا يَحِلُّ) أَيْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ، وَقَوْلُهُ فَرْضًا كَانَ تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ فِيهِ الْقِسْمَانِ الْفَرْضُ وَغَيْرُهَا، قَوْلُهُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ قَاصِرٌ عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ ط.
(قَوْلُهُ: صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ إلَخْ) ذِكْرُهُ عَقِبَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ هُوَ الْإِرَادَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْوُجُوبِ. وَقَدْ يُقَالُ لَا تَقْدِيرَ أَصْلًا، وَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ ذَاتَ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّبَبَ عِنْدَنَا الصَّلَاةُ بِدَلِيلِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَهُوَ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَشْمَلُ لِشُمُولِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الْأَقْوَالُ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ الْآتِيَةُ.
(قَوْلُهُ: هُوَ الْإِرَادَةُ) أَقُولُ: هُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَثِمَ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَأْتِي عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَالثَّانِي أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرَادَةُ الْمُسْتَلْحِقَةُ لِلشُّرُوعِ. اهـ.
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الظِّهَارِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي نُكَتِهِ: الصَّحِيحُ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا (وَقِيلَ) سَبَبُهَا (الْحَدَثُ) فِي الْحُكْمِيَّةِ، وَهُوَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ يَحِلُّ فِي الْأَعْضَاءِ يُزِيلُ الطَّهَارَةَ. مَا قِيلَ إنَّهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْضَاءِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ فَتَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ (وَالْخَبَثُ) فِي الْحَقِيقَةِ وَهُوَ عَيْنٌ مُسْتَقْذَرَةٌ شَرْعًا، وَقِيلَ سَبَبُهَا الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ، وَنُسِبَا إلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ سَبَبَ الشَّيْءِ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الطَّهَارَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ الْمُسْتَلْحِقَةَ لَهُ مُقَارِنَةٌ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا شَرْطَ الصِّحَّةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ إنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ، فَإِذَا رَجَعَ وَتَرَكَ التَّنَفُّلَ سَقَطَتْ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لِأَجْلِهَا ط.
(قَوْلُهُ: فِي الظِّهَارِ) أَيْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَعَوْدِهِ: وَعَزْمِهِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ الْعَلَّامَةُ إلَخْ) هَذَا أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَأْثَمَ عَلَى الْوُضُوءِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، وَلَمْ يُرِدْ الصَّلَاةَ الْوَقْتِيَّةَ فِيهِ بَلْ عَلَى تَفْوِيتِ الصَّلَاةِ فَقَطْ، وَأَنَّهُ إذَا أَرَادَ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ. اهـ. ح.
أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ قَبْلَ وَقْتِهَا تَنْعَقِدُ نَافِلَةً فَتَجِبُ الطَّهَارَةُ بِإِرَادَتِهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الصَّحِيحُ إلَخْ) مَشَى عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاسْتَوْجَبَهُ فِي التَّحْرِيرِ، وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ الْكَاكِيُّ، لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ غَيْرَ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ فَلِذَا زَادَ عَلَيْهِ هُنَا قَوْلَهُ أَوْ إرَادَةُ إلَخْ، وَمَا مَرَّ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مُلَاحَظٌ هُنَا أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وُجُوبُ الصَّلَاةِ) أَيْ لَا وُجُودُهَا؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا مَشْرُوطٌ بِهَا فَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهَا، وَالْمُتَأَخِّرُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمُتَقَدِّمِ. اهـ. عِنَايَةٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَجِبُ الطَّهَارَةُ لَكِنَّهُ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صَارَ الْوُجُوبُ فِيهِمَا مُضَيَّقًا بَحْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَبَبُهَا الْحَدَثُ) أَيْ لِدَوَرَانِهَا مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا وَدُفِعَ بِمَنْعِ كَوْنِ الدَّوَرَانِ دَلِيلًا، وَلَئِنْ سَلِمَ فَالدَّوَرَانُ هُنَا مَفْقُودٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْحَدَثُ وَلَا يُوجَدُ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ كَمَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَفِي حَقِّ غَيْرِ الْبَالِغِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ لَكِنْ سَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ.
(قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ) الْقَائِلُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْفَتْحِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَاكَ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِي كَوْنِ هَذَا التَّعْرِيفِ تَعْرِيفًا بِالْحُكْمِ نَظَرٌ إذْ حُكْمُ الشَّيْءِ مَا كَانَ أَثَرًا لَهُ خَارِجًا عَنْهُ مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ، وَالْمَانِعِيَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا حُكْمُ الْحَدَثِ عَدَمُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَحُرْمَةُ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَالتَّعْرِيفُ بِالْحُكْمِ كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا الْحَدَثُ هُوَ مَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ اهـ هَكَذَا فِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ الْفَتَّالِ.
(قَوْلُهُ: شَرْعِيَّةٌ) أَيْ اعْتَبَرَهَا الشَّرْعُ مَانِعًا ط.
(قَوْلُهُ: إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَالسِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ ط.
(قَوْلُهُ: فَتَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ) عَلِمْت مَا فِيهِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مَحَلُّ مَوَاقِعِ أَنْظَارِهِمْ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ سَبَبُهَا الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ) ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: وَصَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِفَسَادِهِ لِصِحَّةِ الِاكْتِفَاءِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ لِصَلَوَاتٍ مَا دَامَ مُتَطَهِّرًا. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّهَا سَبَبٌ بِشَرْطِ الْحَدَثِ فَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ خُصُوصًا أَنَّهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ. اهـ.
أَقُولُ: هَذَا الدَّفْعُ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا وَرَدَ الْفَسَادُ الْمَذْكُورُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ: وَنُسِبَا) أَيْ الْقَوْلُ بِسَبَبِيَّةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَالْقَوْلُ بِسَبَبِيَّةِ الْقِيَامِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: إلَى أَهْلِ الظَّاهِرِ) هُمْ الْآخِذُونَ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبِي سُلَيْمَانَ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمَنْسُوبَ إلَيْهِمْ هُوَ الثَّانِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ، أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَنَسَبَهُ الْأُصُولِيُّونَ إلَى أَهْلِ الطَّرْدِ وَهُمْ
وَفَسَادُهُمَا ظَاهِرٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَثَرَ الْخِلَافِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي نَحْوِ التَّعَالِيقِ، نَحْوُ: إنْ وَجَبَ عَلَيْك طَهَارَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ دُونَ الْإِثْمِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِهِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْحَدَثِ، ذَكَرَهُ فِي التَّوْشِيحِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ مِنْ إثْبَاتِ الثَّمَرَةِ مِنْ جِهَةِ الْإِثْمِ، بَلْ وُجُوبُهَا مُوَسَّعٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ، فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ صَارَ الْوُجُوبُ فِيهِمَا مُضَيِّقًا.
وَشَرَائِطُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَلَى مَا فِي الْأَشْبَاهِ شَرَائِطُ وُجُوبِهَا تِسْعَةٌ، وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا أَرْبَعَةٌ، وَنَظَمَهَا شَيْخُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ شَارِحُ نَظْمِ الْكَنْزِ فَقَالَ:
شَرْطُ الْوُجُوبِ الْعَقْلُ وَالْإِسْلَامُ
…
وَقُدْرَةٌ مَاءٌ وَالِاحْتِلَامُ
وَحَدَثٌ وَنَفْيُ حَيْضٍ وَعَدَمْ
…
نِفَاسِهَا وَضِيقُ وَقْتٍ قَدْ هَجَمْ
وَشَرْطُ صِحَّةٍ عُمُومْ الْبَشَرَهْ
…
بِمَائِهِ الطَّهُورِ ثُمَّ فِي الْمَرَهْ
فَقْدُ نِفَاسِهَا وَحَيْضِهَا وَأَنْ
…
يَزُولَ كُلُّ مَانِعٍ عَنْ الْبَدَنْ
ــ
[رد المحتار]
الْمُسْتَدِلُّونَ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ وَيُسَمَّى الدَّوَرَانُ كَالْإِمَامِ الرَّازِيّ وَأَتْبَاعِهِ. وَخَالَفَهُمْ فِيهِ الْحَنَفِيَّةُ وَمُحَقِّقُو الْأَشَاعِرَةِ.
(قَوْلُهُ: وَفَسَادُهُمَا ظَاهِرٌ) لِمَا عَلِمْته مِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِمَا، لَكِنْ عَلِمْت الْجَوَابَ عَمَّا يَرُدُّ عَلَى الثَّانِي، فَكَانَ عَلَيْهِ إفْرَادُ الضَّمِيرِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: أَنَّ أَثَرَ الْخِلَافِ) أَيْ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ فِي السَّبَبِ.
(قَوْلُهُ: فِي نَحْوِ التَّعَالِيقِ) أَيْ فِي التَّعَالِيقِ وَنَحْوِهَا كَصِدْقِ الْإِخْبَارِ بِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَكَذِبِهِ أَفَادَهُ ط، وَفِيمَا إذَا اُسْتُشْهِدَتْ الْحَائِضُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَقَدْ صَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهَا تُغَسَّلُ، فَكَانَ تَصْحِيحًا لِكَوْنِ السَّبَبِ الْحَدَثَ أَعْنِي الْحَيْضَ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، أَيْ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَجَبَ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ بِالْمَوْتِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِقَوْلِ أَهْلِ الطَّرْدِ.
(قَوْلُهُ: فَأَنْتِ طَالِقٌ) أَيْ فَتَطْلُقُ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَبِوُجُوبِهَا عَلَى الثَّانِي، وَبِالْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ عَلَى الثَّالِثِ، وَبِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الرَّابِعِ.
(قَوْلُهُ: بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الْحَدَثِ) أَيْ أَوْ الْخَبَثِ، أَوْ عَنْ إرَادَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ الْقِيَامِ إلَيْهَا ط.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي التَّوْشِيحِ) هُوَ شَرْحُ الْهِدَايَةِ لِلْعَلَّامَةِ سِرَاجِ الدِّينِ الْهِنْدِيِّ. قَالَ فِي غَسْلِ الْبَحْرِ: وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْغُسْلُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَبْلَ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، أَوْ إرَادَةِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ. اهـ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ لِثُبُوتِ الِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِ الطَّهَارَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ ثُبُوتُ الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى. ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ وَفَّقَ بِذَلِكَ بَيْنَ كَلَامِ الْهِنْدِيِّ وَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ إلَخْ) هُوَ شَرْحُ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ لِلْحَدَّادِيِّ صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ، وَذَلِكَ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ بِالِانْقِطَاعِ عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَعَامَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَبِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ ثُمَّ قَالَ: وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَخَّرَتْ الْغُسْلَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ فَتَأْثَمُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ وُجُوبُ الْوُضُوءِ فَعِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ يَجِبُ الْوُضُوءُ لِلْحَدَثِ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّينَ لِلصَّلَاةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: بَلْ وُجُوبُهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ.
(قَوْلُهُ: بِدُخُولِ) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، لِقَوْلِهِ وُجُوبُهَا لَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُوَسَّعٌ.
وَكَوْنُ وُجُوبِهَا بِدُخُولِ الْوَقْتِ يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمَهُ عَنْ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مِنْ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ إذْ وُجُوبُ الصَّلَاةِ أَيْضًا بِدُخُولِ الْوَقْتِ اهـ ح.
(قَوْلُهُ: فِيهِمَا) أَيْ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: وَشَرَائِطُهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: هُوَ جَمْعُ شَرْطٍ عَلَى خِلَافِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الصَّرْفِيَّةِ، إذْ لَمْ يُحْفَظْ فَعَائِلُ جَمْعُ فَعْلٍ بَلْ جَمْعُهُ شُرُوطٌ.
(قَوْلُهُ: شَرَائِطُ وُجُوبِهَا إلَخْ) أَيْ الطَّهَارَةِ أَعَمُّ مِنْ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى وَشَرَائِطُ الْوُجُوبِ هِيَ مَا إذَا اجْتَمَعَتْ وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى شَخْصٍ. وَشَرَائِطُ الصِّحَّةِ مَا لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ إلَّا بِهَا، وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ بَلْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَجْهِيٌّ، وَعَدَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ مِنْ حَيْثُ الْخِطَابُ وَلِلصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ أَفَادَهُ ط.
(قَوْلُهُ: شَرْطُ الْوُجُوبِ) مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْعَقْلُ إلَخْ ط.
(قَوْلُهُ: الْعَقْلُ إلَخْ) فَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ وَلَا عَلَى كَافِرٍ، بِنَاءً عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْعِبَادَاتِ، وَلَا عَلَى عَاجِزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ، وَلَا عَلَى
وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ أَرْبَعَةً: شَرْطُ وُجُودِهَا الْحِسِّيِّ وُجُودُ الْمُزِيلِ وَالْمُزَالِ عَنْهُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْإِزَالَةِ. وَشَرْطُ وُجُودِهَا الشَّرْعِيِّ كَوْنُ الْمُزِيلِ مَشْرُوعُ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِهِ. وَشَرْطُ وُجُوبِهَا التَّكْلِيفُ وَالْحَدَثُ. وَشَرْطُ صِحَّتِهَا صُدُورُ الطُّهْرِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ مَعَ فَقْدِ مَانِعِهِ، وَنَظَمَهَا فَقَالَ:
ــ
[رد المحتار]
فَاقِدِ الْمَاءِ أَيْ وَالتُّرَابِ، وَلَا عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا عَلَى مُتَطَهِّرٍ وَلَا عَلَى حَائِضٍ، وَلَا عَلَى نُفَسَاءَ، وَلَا مَعَ سِعَةِ الْوَقْتِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ وَمَا قَبْلَهُ لِأَصْلِ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: مَاءٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ عَلَى إسْقَاطِ الْعَاطِفِ وَتَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ وَوُجُودُ مَاءٍ مُطْلَقٍ طَهُورٌ كَافٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ تُرَابٍ طَاهِرٍ.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطُ صِحَّةٍ إلَخْ) الصِّحَّةُ تَرَتُّبُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْفِعْلِ عَلَيْهِ، فَفِي الْمُعَامَلَاتِ الْحِلُّ وَالْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ مِنْهَا، وَفِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ مُسْتَجْمِعًا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ وَهُوَ انْدِفَاعُ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَصَلَاةُ ظَانِّ الطَّهَارَةِ مَعَ عَدَمِهَا صَحِيحَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ لِمُوَافَقَةِ الْأَمْرِ عَلَى ظَنِّهِ، لَا عَلَى الثَّانِي لِعَدَمِ سُقُوطِ الْقَضَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ.
(قَوْلُهُ: عُمُومُ الْبَشَرَهْ إلَخْ) أَيْ أَنْ يَعُمَّ الْمَاءُ جَمِيعَ الْمَحَلِّ الْوَاجِبِ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَرَهْ) بِدُونِ هَمْزَةٍ مُؤَنَّثٌ مَرْءٍ، يُقَالُ فِيهَا مَرْأَةٌ وَمَرَّةٌ وَامْرَأَةٌ ذَكَرَ الثَّلَاثَ فِي الْقَامُوسِ.
(قَوْلُهُ: فَقْدُ نِفَاسِهَا وَحَيْضِهَا) أَيْ وَفَقْدُ حَيْضِهَا فَهُمَا شَرْطَانِ.
(قَوْلُهُ: وَأَنْ يَزُولَ كُلُّ مَانِعٍ) أَيْ مِنْ نَحْوِ رَمَصٍ وَشَمْعٍ، وَهَذَا الشَّرْطُ الرَّابِعُ يُغْنِي عَنْهُ الْأَوَّلُ، وَالْأَوْلَى مَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ جَعَلَ الرَّابِعَ عَدَمَ التَّلَبُّسِ فِي حَالَةِ التَّطْهِيرِ بِمَا يُنْقِصُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِذَلِكَ. [تَنْبِيهٌ]
جَمْعُ الشُّرُوطِ الْأُوَلِ تَرْجِعُ إلَى سِتَّةٍ: وَهِيَ الْإِسْلَامُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَقُدْرَةُ اسْتِعْمَالِ الْمُطَهِّرِ وَوُجُودُ حَدَثٍ، وَفَقْدُ الْمُنَافِي مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، وَضِيقِ الْوَقْتِ، وَالْأَخِيرَةُ تَرْجِعُ إلَى اثْنَيْنِ: تَعْمِيمُ الْمَحَلِّ بِالْمُطَهِّرِ، وَفَقْدُ الْمُنَافِي مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَحَدَثٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِهِ، وَقَدْ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي:
شَرْطُ الْوُجُوبِ جَاءَ ضِمْنَ سِتٍّ
…
تَكْلِيفٌ إسْلَامٌ وَضِيقُ وَقْتٍ
وَقُدْرَةُ الْمَاءِ الطَّهُورِ الْكَافِي
…
وَحَدَثٌ مَعَ انْتِفَا الْمُنَافِي
وَاثْنَانِ لِلصِّحَّةِ تَعْمِيمُ الْمَحَلْ
…
بِالْمَاءِ مَعَ فَقْدِ مُنَافٍ لِلْعَمَلْ.
(قَوْلُهُ: وَجَعَلَهَا) أَيْ هَذِهِ الشُّرُوطَ. وَقَدْ نَقَلَ هَذَا التَّقْسِيمَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلْآمِدِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَرْبَعَةً) أَيْ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ، فَفِي الْأَوَّلِ وَكَذَا ثَلَاثَةٌ وَكَذَا الثَّانِي، وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الرَّابِعِ اثْنَانِ.
(قَوْلُهُ: وُجُودُهَا الْحِسِّيُّ) أَيْ الَّذِي تَصِيرُ بِهِ الطَّهَارَةُ مَوْجُودَةً فِي الْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ: أَيْ يَصِيرُ فِعْلُهَا مَوْجُودًا، وَإِلَّا فَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ الضَّمِيرُ فِي وُجُودِهَا لِلشُّرُوطِ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الْقُدْرَةَ لَا وُجُودَ لَهَا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وُجُودُ الْمُزِيلِ) أَيْ الْمَاءِ أَوْ التُّرَابِ.
(قَوْلُهُ: وَالْمُزَالِ عَنْهُ) أَيْ الْأَعْضَاءِ.
(قَوْلُهُ: مَشْرُوعُ الِاسْتِعْمَالِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُطْلَقًا وَطَاهِرًا وَمُطَهِّرًا.
(قَوْلُهُ: فِي مِثْلِهِ) أَيْ مِثْلِ الْمَشْرُوطِ، وَلَوْ قَالَ مَشْرُوعُ الِاسْتِعْمَالِ فِيهَا أَيْ الطَّهَارَةِ لَكَانَ أَوْلَى، وَخَرَجَ بِهِ نَحْوُ الزَّيْتِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعُ الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ فِي الدُّهْنِ مَثَلًا ط. أَقُولُ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي مَحَلِّهِ وَهُوَ الْأَوْلَى.
(قَوْلُهُ: التَّكْلِيفُ) تَحْتَهُ ثَلَاثَةٌ، وَهِيَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْإِسْلَامُ، بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ: وَالْحَدَثُ) أَيْ الْأَصْغَرُ أَوْ الْأَكْبَرُ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَهْلِهِ) بِأَنْ لَا تَكُونَ حَائِضًا وَلَا نُفَسَاءَ، وَهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي النَّظْمِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ: فِي مَحَلِّهِ) وَهُوَ جَمِيعُ الْجَسَدِ فِي الْغُسْلِ وَالْأَعْضَاءُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْوُضُوءِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا أَيْضًا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُودِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ تَعْمِيمَ الْبَشَرَةِ.
(قَوْلُهُ: مَعَ فَقْدِ مَانِعِهِ) بِأَنْ لَا يَحْصُلَ نَاقِصٌ فِي خِلَالِ الطَّهَارَةِ لِغَيْرِ مَعْذُورٍ بِهِ.
(قَوْلُهُ: وَنَظَمَهَا) عَطْفٌ عَلَى جَعَلَهَا، وَهَذَا النَّظْمُ مِنْ بَحْرِ الطَّوِيلِ، وَفِيهِ مِنْ عُيُوبِ الْقَوَافِي التَّحْرِيدُ
نَعْلَمُ شُرُوطًا لِلْوُضُوءِ مُهِمَّةً
…
مُقَسَّمَةً فِي أَرْبَعٍ وَثَمَانِ
فَشَرْطُ وُجُودِ الْحِسِّ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ
…
سَلَامَةُ أَعْضَاءٍ وَقُدْرَةُ إمْكَانٍ
لِمُسْتَعْمِلِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهُوَ مَعًا
…
وَشَرْطُ وُجُودِ الشَّرْعِ خُذْهَا بِإِمْعَانِ
فَمُطْلَقُ مَاءٍ مَعَ طَهَارَتِهِ وَمَعْ
…
طَهُورِيَّةٍ أَيْضًا فَفُزْ بِبَيَانِ
وَشَرْطُ وُجُوبٍ وَهُوَ إسْلَامُ بَالِغٍ
…
مَعَ الْحَدَثِ التَّمْيِيزِ بِالْعَقْلِ يَاعَانِي
وَشَرْطٌ لِتَصْحِيحِ الْوُضُوءِ زَوَالُ مَا
…
يُبَعِّدُ إيصَالَ الْمِيَاهِ مِنْ إدران
كَشَمْعٍ وَرَمْصٍ ثُمَّ لَمْ يَتَخَلَّلْ
…
الْوُضُوءُ مُنَافٍ يَا عَظِيمَ ذَوِي الشَّانِ
وَزِيدَ عَلَى هَذَيْنِ أَيْضًا تَقَاطُرٌ
…
مَعَ الْغَسَلَاتِ لَيْسَ هَذَا لَدَى الثَّانِي
ــ
[رد المحتار]
بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَضْرُبِ، فَإِنَّ ضَرْبَ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالْبَيْتِ الرَّابِعِ مَحْذُوفٌ وَزْنُهُ فَعُولُنْ، وَبَاقِي الْأَبْيَاتِ أَضْرُبُهَا تَامَّةٌ وَزْنُهَا مَفَاعِيلُنْ، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مُقَسَّمَةٌ فِي عَشْرَةٍ بَعْدَهَا اثْنَانِ وَفِي الْبَيْتِ الرَّابِعِ طَهُورِيَّةٌ أَيْضًا فَخُذْهَا بِإِذْعَانِ.
(قَوْلُهُ: تَعَلَّمْ) فِعْلُ أَمْرٍ.
(قَوْلُهُ: لِلْوُضُوءِ) وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ.
(قَوْلُهُ: سَلَامَةُ أَعْضَاءٍ) إشَارَةٌ إلَى الْمُزَالِ عَنْهُ. اهـ. ح أَيْ لِأَنَّهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى مَوْصُوفِهَا أَيْ أَعْضَاءٌ سَالِمَةٌ أَفَادَهُ ط.
(قَوْلُهُ: وَقُدْرَةُ إمْكَانٍ) أَيْ تَمَكُّنٌ مِنْ الْإِزَالَةِ.
(قَوْلُهُ: لِمُسْتَعْمِلِ) صِفَةُ قُدْرَةٍ أَوْ إمْكَانٍ.
(قَوْلُهُ: الْقَرَاحِ) كَسَحَابٍ أَيْ الْخَالِصِ قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ بَعْدَهَا لِلضَّرُورَةِ رَاجِعٌ لِلْمَاءِ.
(قَوْلُهُ: مَعًا) ظَرْفٌ مَنْصُوبٌ لِقَطْعِهِ عَنْ الْإِضَافَةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ هُوَ أَصْلُهُ مَعَهُمَا، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى انْضِمَامِهِ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْمَاءَ عَلَى كَوْنِهِ مُضَافًا إلَيْهِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَيْسَ قِسْمًا بِرَأْسِهِ وَأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْمُضَافِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِوُجُودِ الْمُزِيلِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ لِخُذْ مَحْذُوفًا فَسَّرَهُ قَوْلُهُ الْآتِي خُذْهَا: أَيْ الشُّرُوطَ الْمَفْهُومَةَ مِنْ عُمُومِ الْمَصْدَرِ الْمُضَافِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ قَوْلُهُ خُذْهَا أَوْ قَوْلُهُ فَمُطْلَقٌ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ الْإِخْبَارُ بِالْجُمْلَةِ الطَّلَبِيَّةِ أَوْ اقْتِرَانِ الْخَبَرِ بِالْفَاءِ.
(قَوْلُهُ: بِإِمْعَانِ) أَيْ بِتَأَمُّلٍ وَإِتْقَانٍ ط.
(قَوْلُهُ: مُطْلَقُ مَاءٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَهُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، وَالْمُرَادُ كَوْنُ الْمَاءِ مُطْلَقًا، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ ط أَنَّ الشَّرْطَ مُغْنٍ عَنْ الطَّهَارَةِ وَالطَّهُورِيَّةِ أَيْ لِأَنَّ غَيْرَ الطَّاهِرِ وَغَيْرَ الْمُطَهِّرِ غَيْرُ مُطْلَقٍ.
(قَوْلُهُ: مَعْ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ ط.
(قَوْلُهُ: وَشَرْطَ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا لَا غَيْرُ عَطْفٌ عَلَى " شَرْطَ " الْمَنْصُوبِ أَيْ وَخُذْ شَرْطَ وُجُوبِ إلَخْ إذْ لَيْسَ بَعْدَهُ مَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ بِهِ عَنْهُ.
(قَوْلُهُ: بَالِغٍ) بِالْإِضَافَةِ وَهُوَ شَرْطٌ ثَانٍ، وَالشَّرْطُ الْبُلُوغُ ط أَيْ لَا ذَاتُ الْبَالِغِ.
(قَوْلُهُ: التَّمْيِيزُ) بِحَذْفِ الْعَاطِفِ، ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى " إسْلَامُ " فَيَكُونُ مَرْفُوعًا، أَوْ عَلَى الْحَدَثِ فَيَكُونُ مَجْرُورًا ط.
(قَوْلُهُ: يَا عَانِي) أَيْ يَا قَاصِدَ الْفَوَائِدِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالْأَسِيرِ أَفَادَهُ ط.
(قَوْلُهُ: شَرْطٌ) مُبْتَدَأٌ وَزَوَالٌ خَبَرُهُ ط.
(قَوْلُهُ: يُبَعِّدُ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ أَدْرَانِ) بِنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إلَى النُّونِ، وَهُوَ بَيَانٌ لِمَا وَالدَّرَنُ الْوَسَخُ قَامُوسٌ.
(قَوْلُهُ: كَشَمْعٍ) بِسُكُونِ الْمِيمِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، وَأَنْكَرَهَا الْفَرَّاءُ فَقَالَ: الْفَتْحُ كَلَامُ الْعَرَبِ وَالْمُوَلِّدُونَ يُسَكِّنُونَهَا، لَكِنْ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: وَقَدْ تُفْتَحُ الْمِيمُ. قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ فَأَفْهَمَ أَنَّ الْإِسْكَانَ أَكْثَرُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَرَمَصٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ وَبِالصَّادِ: وَسَخٌ يَجْتَمِعُ فِي الْمُوقِ مِمَّا يَلِي الْأَنْفَ وَسَكَنَتْ الْمِيمُ لِضَرُورَةِ النَّظْمِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَتَخَلَّلْ الْوُضُوءُ) اللَّامُ مِنْ الْوُضُوءِ آخِرُ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ وَالْوَاوُ مِنْهُ أَوَّلُ الشَّطْرِ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: مُنَافٍ) كَخُرُوجِ رِيحٍ وَدَمٍ ط أَيْ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ بِذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: يَا عَظِيمَ ذَوِي الشَّانِ) أَيْ الْعِظَمِ: أَيْ يَا عَظِيمُهُمْ، وَفِي نُسْخَةٍ ذِي وَلَيْسَتْ بِصَوَابٍ لِاخْتِلَالِ النَّظْمِ ط: أَقُولُ: وَاَلَّذِي رَأَيْته مِنْ النُّسَخِ: يَا عَظِيمَ الشَّانِ وَهُوَ خَطَأٌ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: وَزِيدَ عَلَى هَذَيْنِ) أَيْ شَرْطَيْ الصِّحَّةِ ط.
(قَوْلُهُ: تَقَاطُرٌ) وَأَقَلُّهُ قَطْرَتَانِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: مَعَ الْغَسَلَاتِ) أَيْ الْمَفْرُوضَةِ، وَأَخْرَجَ بِهَا الْمَسْحَ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَاطُرٌ.
(قَوْلُهُ: لَيْسَ هَذَا إلَخْ) أَيْ
وَصِفَتُهَا فَرْضٌ لِلصَّلَاةِ وَوَاجِبٌ لِلطَّوَافِ، قِيلَ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُطَهَّرِينَ الْمَلَائِكَةُ، وَسُنَّةٌ لِلنَّوْمِ، وَمَنْدُوبٌ فِي نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا ذَكَرْتهَا فِي الْخَزَائِنِ: مِنْهَا بَعْدَ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَقَهْقَهَةٍ وَشِعْرٍ وَأَكْلِ جَزُورٍ
ــ
[رد المحتار]
لَيْسَ هَذَا الشَّرْطُ وَهُوَ التَّقَاطُرُ بِمُشْتَرَطٍ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ يَعْقُوبَ رضي الله عنه وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ ط. [تَنْبِيهٌ]
يُزَادُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ فَقْدُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَمَا مَرَّ، وَهُوَ مِنْ شُرُوطِ الْوُجُودِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا، وَكَذَا مِنْ شُرُوطِ الْوُجُوبِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ شُرُوطَ الْوُجُودِ الشَّرْعِيِّ شُرُوطٌ لِلصِّحَّةِ وَبِالْعَكْسِ، إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَصِفَتُهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ.
(قَوْلُهُ: فَرْضٌ) أَيْ قَطْعِيٌّ ط.
(قَوْلُهُ: لِلصَّلَاةِ) فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا ط.
(قَوْلُهُ: وَوَاجِبٌ) الْأَوْلَى وَاجِبَةٌ.
(قَوْلُهُ: لِلْقَوْلِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّهُ قِيلَ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ لَا فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، فَلَمْ تَكُنْ قَطْعِيَّةَ الدَّلَالَةِ حَتَّى تُثْبِتَ الْفَرْضِيَّةَ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى - {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]- قِيلَ إنَّهُ صِفَةٌ لِكِتَابٍ مَكْنُونٍ وَهُوَ اللَّوْحُ، وَقِيلَ صِفَةٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ وَهُوَ الْمُصْحَفُ. فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُرَادُ مِنْ الْمُطَهَّرِينَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ؛ لِأَنَّهُمْ مُطَهَّرُونَ عَنْ أَدْنَاسِ الذُّنُوبِ: أَيْ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ سِوَاهُمْ. وَعَلَى الثَّانِي الْمُرَادُ مِنْهُمْ النَّاسُ الْمُطَهَّرُونَ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِيهِ حَمْلَ الْمَسِّ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ وَاحْتِمَالُ غَيْرِهَا بِلَا دَلِيلٍ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ؛ إذْ قَلَّ أَنْ يُوجَدَ دَلِيلٌ بِلَا احْتِمَالٍ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْقَطْعِيَّةَ، فَلِذَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى اخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِالْفَرْضِيَّةِ وَقَوَّاهُ الْمُحَشِّي الْحَلَبِيُّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّ الْفَرْضَ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ حَتَّى يَكْفُرَ جَاحِدُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ الْوُضُوءَ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ لَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ مِنْ الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ، وَهُوَ أَقْوَى نَوْعَيْ الْوَاجِبِ وَأَضْعَفُ نَوْعَيْ الْفَرْضِ، فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّةٌ لِلنَّوْمِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، لَكِنْ عَدَّهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَجَعَلَ الْأَنْوَاعَ ثَلَاثَةً فَلْيُحْفَظْ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
(قَوْلُهُ: فِي نَيِّفٍ) قَالَ فِي الْمُخْتَارِ: النَّيِّفُ بِوَزْنِ الْهَيِّنِ الزِّيَادَةُ يُخَفَّفُ وَيُشَدَّدُ، وَيُقَالُ عَشَرَةٌ وَنَيِّفٌ وَمِائَةٌ وَنَيِّفٌ، وَكُلُّ مَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ فَهُوَ نَيِّفٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ اهـ ط.
(قَوْلُهُ: ذَكَرْتهَا فِي الْخَزَائِنِ) ذَكَرَهَا فِي مَكْرُوهَاتِ الْوُضُوءِ، فَمِنْهَا عِنْدَ اسْتِيقَاظٍ مِنْ نَوْمٍ، وَلِمُدَاوَمَةٍ عَلَيْهِ، وَلِلْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ إذَا تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ، وَغُسْلُ مَيِّتٍ وَحَمْلُهُ، وَلِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَقَبْلَ غُسْلِ جَنَابَةٍ، وَلِجُنُبٍ عِنْدَ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَوْمٍ وَوَطْءٍ، وَلِغَضَبٍ وَقِرَاءَةٍ وَحَدِيثٍ وَرِوَايَتِهِ، وَدِرَاسَةِ عِلْمٍ، وَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَلِخُطْبَةٍ وَلَوْ نِكَاحًا، وَزِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوُقُوفٍ وَسَعْيٍ شُرُنْبُلَالِيٌّ، وَمَسِّ كُتُبٍ شَرْعِيَّةٍ تَعْظِيمًا لَهَا إمْدَادٌ وَسَيَجِيءُ، وَنَظَرٍ لِمَحَاسِنِ امْرَأَةٍ نَهْرٌ، وَلِمُطْلَقِ الذِّكْرِ كَمَا يَأْتِي قُبَيْلَ الْمِيَاهِ، وَفِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ كَمَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَلِكُلِّ صَلَاةٍ لَوْ مُتَوَضِّئًا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اغْتَابَ أَوْ كَذَبَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَيَمَّمَ وَنَوَى بِهِ رَفْعَ الْإِثْمِ فَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ، فَهِيَ مَعَ السَّبْعَةِ الَّتِي هِيَ هُنَا نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ كَمَا ذَكَرَهُ أَفَادَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ) لِأَنَّهُمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ؛ وَلِذَا يَخْرُجُ مِنْ الْكَاذِبِ نَتِنٌ يَتَبَاعَدُ مِنْهُ الْمَلِكُ الْحَافِظُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ، وَكَذَا أَخْبَرَهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ رِيحٍ مُنْتِنَةٍ بِأَنَّهَا رِيحُ الَّذِينَ يَغْتَابُونَ النَّاسَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَلِإِلْفِ ذَلِكَ مِنَّا وَامْتِلَاءِ أُنُوفِنَا مِنْهَا لَا تَظْهَرُ لَنَا كَالسَّاكِنِ فِي مَحَلَّةِ الدَّبَّاغِينَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ الْكَلَامُ عَلَى الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَمَا يُرَخَّصُ مِنْهُمَا.
(قَوْلُهُ: وَقَهْقَهَةٍ) لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ جِنَايَةٌ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْجَبَتْ نُقْصَانَ الطَّهَارَةِ خَارِجَهَا فَكَانَ الْوُضُوءُ مِنْهَا مُسْتَحَبًّا كَمَا ذَكَرَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي نِهَايَةِ الْمُرَادِ عَلَى هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ.
(قَوْلُهُ: وَشِعْرٍ) أَيْ قَبِيحٍ إمْدَادٌ وَقَدَّمْنَا بَيَانَ الْقَبِيحِ مِنْهُ وَغَيْرَ الْقَبِيحِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، وَمَنْ أَرَادَ مِنْ بَيَانِهِ نِهَايَةَ الْمُرَادِ فَعَلَيْهِ بِنِهَايَةِ الْمُرَادِ.
(قَوْلُهُ: وَأَكْلِ جَزُورٍ) أَيْ أَكْلِ لَحْمِ جَزُورٍ: أَيْ جَمَلٍ، لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِوُجُوبِ
وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ.
وَرُكْنُهَا: غَسْلٌ وَمَسْحٌ وَزَوَالُ نَجَسٍ. وَآلَتُهَا: مَاءٌ وَتُرَابٌ وَنَحْوُهُمَا. وَدَلِيلُهَا آيَةُ - {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]- وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إجْمَاعًا.
وَأَجْمَعَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغَسْلَ فُرِضَا بِمَكَّةَ مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِتَعْلِيمِ جِبْرِيلَ عليه السلام، وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُصَلِّ قَطُّ إلَّا بِوُضُوءٍ، بَلْ هُوَ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا، بِدَلِيلِ «هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ
ــ
[رد المحتار]
الْوُضُوءِ مِنْهُ، وَهَذَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَفَادَهُ ط.
(قَوْلُهُ: وَبَعْدَ كُلِّ خَطِيئَةٍ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِمَّا هُوَ خَطِيئَةٌ وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ تَكْفِيرِ الْوُضُوءِ لِلذُّنُوبِ.
(قَوْلُهُ: وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ) كَمَسِّ ذَكَرِهِ وَمَسِّ امْرَأَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَرُكْنُهَا) هُوَ فِي اللُّغَةِ الْجَانِبُ الْأَقْوَى. وَفِي الِاصْطِلَاحِ الْجَزَاءُ الذَّاتِيُّ الَّذِي تَتَرَكَّبُ الْمَاهِيَّةُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ.
(قَوْلُهُ: غُسْلٌ وَمَسْحٌ وَزَوَالُ نَجَسٍ) أَيْ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ، فَفِي النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ زَوَالُ عَيْنِ النَّجَسِ، وَفِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ وَالْحَدَثِ الْأَكْبَرِ غُسْلٌ فَقَطْ، وَفِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غُسْلٌ وَمَسْحٌ، وَأَمَّا نَحْوُ الْعَصْرِ وَالتَّثْلِيثِ فَمِنْ الشُّرُوطِ.
(قَوْلُهُ: وَنَحْوُهُمَا) مِنْ مَائِعٍ وَذَلِكَ وَذَكَاةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي الْمُطَهَّرَاتِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا. [فَائِدَةٌ]
الْمَدَنِيُّ مَا نَزَلَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ، وَالْمَكِّيُّ مَا نَزَلَ قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ حَكَاهَا السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ ط.
(قَوْلُهُ: وَأَجْمَعَ أَهْلُ السِّيَرِ) جَمْعُ سِيرَةٍ أَيْ الْمَغَازِي، وَهَذَا رَدٌّ لِمَا يُقَالُ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ بِلَا وُضُوءٍ إلَى وَقْتِ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّك ذَكَرْت أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ مَدَنِيَّةٌ مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، بَلْ فِي الْمَوَاهِبِ عَنْ فَتْحِ الْبَارِي أَنَّهُ كَانَ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْإِسْرَاءِ يُصَلِّي قَطْعًا وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَلَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ اُفْتُرِضَ قَبْلَ الْخَمْسِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ فَقِيلَ إنَّ الْفَرْضَ كَانَ صَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا - {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]-. اهـ.
(قَوْلُهُ: مَعَ فَرْضِ الصَّلَاةِ) إنْ أُرِيدَ بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَشْكَلَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَهَا قَطْعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعِيَّةَ لِلْمَكَانِ لَا لِلزَّمَانِ، فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاضِ بِلَا وُضُوءٍ؛ وَلِذَا عَمَّمَ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إلَخْ. مَطْلَبٌ فِي تَعَبُّدِهِ عليه الصلاة والسلام بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: بَلْ هُوَ شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا) انْتِقَالٌ إلَى جَوَابٍ آخَرَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَبْلَ مَبْعَثِهِ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ لَمْ يَنْقَطِعْ مِنْ بَعْثَةِ آدَمَ وَلَمْ يُتْرَكْ النَّاسُ سُدًى قَطُّ، وَلِتَظَافُرِ رِوَايَاتِ صَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَحَجِّهِ، وَلَا تَكُونُ طَاعَةٌ بِلَا شَرْعٍ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ مُوَافَقَةُ الْأَمْرِ وَكَذَا بَعْدَ مَبْعَثِهِ عليه الصلاة والسلام، وَبُسِطَ ذَلِكَ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِهِ، وَسَيَأْتِي أَوَّلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَنَا عَدَمُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.
(قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ إلَخْ) أَيْ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَفِي آخِرِهِ «ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَذَا وُضُوئِي» إلَخْ ". مَطْلَبُ لَيْسَ أَصْلُ الْوُضُوءِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، بَلْ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ
وَدُفِعَ بِأَنَّ وُجُودَهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ فِي أُمَمِهِمْ؛ وَلِهَذَا قِيلَ إنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْأُمَمِ دُونَ أَنْبِيَائِهِمْ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» .
قَبْلِي» وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا إذَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَلَمْ يَظْهَرْ نَسْخُهُ فَفَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ، وَتَأَتِّي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةٌ. كَيْفَ وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ حُكْمًا مَبْسُوطٍ فِي تَيَمُّمِ الضِّيَاءِ عَنْ فَوَائِدِ الْهِدَايَةِ، وَعَلَى ثَمَانِيَةِ أُمُورٍ كُلُّهَا مُثَنَّى طَهَارَتَيْنِ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَمُطَهِّرَيْنِ: الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ، وَحُكْمَيْنِ: الْغَسْلُ وَالْمَسْحُ، وَمُوجِبَيْنِ: الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ، وَمُبِيحَيْنِ: الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَدَلِيلَيْنِ: التَّفْصِيلِيُّ فِي الْوُضُوءِ وَالْإِجْمَالِيُّ فِي الْغُسْلِ،
ــ
[رد المحتار]
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّ الْخَاصَّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ لَا أَصْلُ الْوُضُوءِ، وَبِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْأَنْبِيَاءِ يَثْبُتُ لِأُمَمِهِمْ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قِصَّةِ سَارَةَ مَعَ الْمَلِكِ أَنَّهُ لَمَّا هَمَّ بِالدُّنُوِّ مِنْهَا قَامَتْ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، وَمِنْ قِصَّةِ جُرَيْجٍ الرَّاهِبِ أَنَّهُ قَامَ فَتَوَضَّأَ، قِيلَ يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ. أَقُولُ: حَيْثُ ثَبَتَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لِلْأَنْبِيَاءِ بِحَدِيثِ هَذَا وُضُوئِي إلَخْ، فَحَمْلُ الْوُضُوءِ الثَّابِتِ لِأُمَمِهِمْ بِالْقِصَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَلَى اللُّغَوِيِّ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْفَرْقِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى بَقَائِهِ، أَمَّا لَوْ نَصَّ عَلَيْنَا مُقْتَرِنًا بِالْإِنْكَارِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146]- الْآيَةَ فَإِنَّهُ أَنْكَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ} [الأنعام: 145]- الْآيَةَ وَكَتَحْرِيمِ السَّبْتِ، أَوْ ظَهَرَ نَسْخُهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَلَا يَكُونُ شَرْعًا لَنَا، بِخِلَافِ نَحْوِ - {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا} [المائدة: 45]- وَنَحْوُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ.
(قَوْلُهُ: فَفَائِدَةُ نُزُولِ الْآيَةِ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إذَا كَانَ الْوُضُوءُ فُرِضَ بِمَكَّةَ مَعَ فَرْضِيَّةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَيْضًا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا فَقَدْ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ فَمَا فَائِدَةُ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ؟ أَفَادَهُ ط.
(قَوْلُهُ: تَقْرِيرُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ) أَيْ تَثْبِيتُهُ، فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ احْتَمَلَ أَنْ لَا تَهْتَمَّ الْأُمَّةُ بِشَأْنِهِ، وَأَنْ يَتَسَاهَلُوا فِي شَرَائِطِهِ وَأَرْكَانِهِ بِطُولِ الْعَهْدِ عَنْ زَمَنِ الْوَحْيِ وَانْتِقَاصِ النَّاقِلِينَ يَوْمًا فَيَوْمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ الْمُتَوَاتِرِ الْبَاقِي فِي كُلِّ زَمَانٍ وَعَلَى كُلِّ لِسَانٍ. اهـ. دُرَرٌ.
(قَوْلُهُ: وَتَأَتِّي) مَصْدَرُ تَأَتَّيْ مَعْطُوفٌ عَلَى " تَقْرِيرُ ".
(قَوْلُهُ: اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي النِّيَّةِ وَالدَّلْكِ وَالتَّرْتِيبِ وَنَقْضِهِ بِالْمَسِّ وَقَدْرِ الْمَمْسُوحِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ حُكْمًا) مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقِيَامِ إرَادَتُهُ وَاقْتِضَاءُ اللَّفْظِ إيجَابَ الْغُسْلِ عَقِبَهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْكَمٌ، وَأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِسَالَةُ دُونَ الْمَسْحِ بِلَا اشْتِرَاطِ الدَّلْكِ وَلَا النِّيَّةِ وَلَا التَّرْتِيبِ وَلَا الْوَلَاءِ، وَجَوَازُ مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ كَانَ، وَدَلَالَتُهَا عَلَى بُطْلَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَعَلَى جَوَازِ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ، وَعَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَعَلَى تَعْمِيمِ الْبَدَنِ فِي الْغُسْلِ، وَعَلَى وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِيهِ، وَعَلَى وُجُوبِ التَّيَمُّمِ لِمَرِيضٍ خَافَ الضَّرَرَ وَعَلَى جَوَازِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَعَلَى جَوَازِهِ لِخَائِفِ سَبُعٍ وَعَدُوٍّ، وَعَلَى جَوَازِهِ لِلْجُنُبِ، وَعَلَى أَنَّ نَاسِيَ الْمَاءِ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ، وَعَلَى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ خِلَالَ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ، وَعَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ نَبِيذِ التَّمْرِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ ابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. قَالَ: وَإِنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِبْعَادِ بَعْضِهَا وَتَقَارُبِ بَعْضِهَا الْبَعْضَ.
(قَوْلُهُ: كُلُّهَا) أَيْ الثَّمَانِيَةُ أَيْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِيهِ شَيْئَانِ فَالْجُمْلَةُ سِتَّةَ عَشَرَ ط.
(قَوْلُهُ: طَهَارَتَيْنِ) تَثْنِيَةُ طَهَارَةٍ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ ط.
(قَوْلُهُ: الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]- وَقَوْلُهُ - {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]-.
(قَوْلُهُ: الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ - {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]- لِأَنَّ الْغَسْلَ بِالْمَاءِ، وَقَوْلُهُ - {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [المائدة: 6]-.
(قَوْلُهُ: وَحُكْمَيْنِ) تَثْنِيَةُ حُكْمٍ بِمَعْنَى مَحْكُومٍ بِهِ: أَيْ مَأْمُورٍ بِهِ ط.
(قَوْلُهُ: وَمُوجِبَيْنِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ فَإِنَّهُمَا مُوجِبَانِ لِلطَّهَارَةِ ط أَيْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْحَدَثَ هُوَ سَبَبُ الْوُجُوبِ.
(قَوْلُهُ: الْحَدَثُ) أَيْ الْأَصْغَرُ فِي قَوْله تَعَالَى - {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]- وَالْجَنَابَةُ: أَيْ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]-.
(قَوْلُهُ: وَمُبِيحَيْنِ) أَيْ لِلتَّرَخُّصِ بِالتَّيَمُّمِ.
(قَوْلُهُ: الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: 6]-.
(قَوْلُهُ: وَالْإِجْمَالِيُّ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى
وَكِنَايَتَيْنِ: الْغَائِطُ وَالْمُلَامَسَةُ، وَكَرَامَتَيْنِ: تَطْهِيرُ الذُّنُوبِ وَإِتْمَامُ النِّعْمَةِ أَيْ بِمَوْتِهِ شَهِيدًا، لِحَدِيثِ «مَنْ دَاوَمَ عَلَى الْوُضُوءِ مَاتَ شَهِيدًا» ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ.
وَإِنَّمَا قَالَ آمَنُوا بِالْغَيْبَةِ دُونَ آمَنْتُمْ لِيَعُمَّ كُلَّ مَنْ آمَنَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَهُ فِي الضِّيَاءِ، وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فِي الْآيَةِ الْتِفَاتًا، وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ.
وَأَتَى فِي الْوُضُوءِ بِإِذَا التَّحْقِيقِيَّةِ، وَفِي الْجَنَابَةِ بِإِنْ التَّشَكُّكِيَّةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ
ــ
[رد المحتار]
{فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]- فَإِنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ فِيهِ مِقْدَارَ الْمَغْسُولِ كَمَا فَصَّلَ فِي الْوُضُوءِ؛ وَلِذَا وَقَعَ فِي مِقْدَارِهِ اخْتِلَافُ الْمُجْتَهِدِينَ.
(قَوْلُهُ: وَكِنَايَتَيْنِ) تَثْنِيَةُ كِنَايَةٍ، وَمِنْ مَعَانِيهَا لُغَةً أَنْ تَتَكَلَّمَ بِشَيْءٍ وَأَنْتَ تُرِيدَ غَيْرَهُ وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِالْغَائِطِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ وَأُرِيدَ بِهِ الْخَارِجُ مِنْ الْإِنْسَانِ، وَعَبَّرَ بِالْمُلَامَسَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْمَسِّ بِالْيَدِ وَأُرِيدَ بِهَا الْجِمَاعُ وَمِنْهُ يُقَالُ لِلزَّانِيَةِ لَا تَمْنَعُ كَفَّ لَامِسٍ.
(قَوْلُهُ: وَكَرَامَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ نِعْمَتَيْنِ تَفَضَّلَ بِهِمَا تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِقَوْلِهِ - {لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6]-.
(قَوْلُهُ: تَطْهِيرُ الذُّنُوبِ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَالِكٌ مَرْفُوعًا «إذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنْ الذُّنُوبِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» .
(قَوْلُهُ: أَيْ بِمَوْتِهِ شَهِيدًا) أَقُولُ أَوْ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ.
(قَوْلُهُ: لِيَعُمَّ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ آمَنْتُمْ لَاخْتَصَّ بِالْحَاضِرِينَ فِي عَصْرِهِ صلى الله عليه وسلم. وَرَدَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ يَتَعَمَّمُ.
(قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ إلَخْ) لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْأَصْلَ التَّعْبِيرُ بِآمَنْتُمْ.
(قَوْلُهُ: الْتِفَاتًا) هُوَ التَّعْبِيرُ عَنْ مَعْنًى بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ: أَعْنِي التَّكَلُّمَ، أَوْ الْخِطَابَ، أَوْ الْغَيْبَةَ بَعْدَ التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِآخَرَ مِنْهَا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ التَّعْبِيرُ الثَّانِي عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ وَيَتَرَقَّبُهُ السَّامِعُ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّحْقِيقُ خِلَافُهُ) لِأَنَّ الْمُنَادَى مُخَاطَبٌ، فَحَقُّ ضَمِيرِهِ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى طَرِيقِ الْخِطَابِ، فَيُقَالُ يَا فُلَانُ إذَا فَعَلْت وَلَا يُقَالُ إذَا فَعَلَ، وَإِنَّمَا جِيءَ فِي الصِّلَةِ بِضَمِيرِ الْغَائِبِ لِعَوْدِهِ عَلَى الْمَوْصُولِ وَالْمَوْصُولُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الظَّاهِرَةِ وَكُلُّهَا غَيْبٌ، فَإِذَا تَمَّ الْمَوْصُولُ بِصِلَتِهِ الْعَائِدُ ضَمِيرُهَا عَلَيْهِ تَمَحَّضَ الْكَلَامُ لِلْخِطَابِ الَّذِي اقْتَضَاهُ النِّدَاءُ، فَلَيْسَ حِينَئِذٍ فِي الْكَلَامِ عُدُولٌ عَنْ طَرِيقٍ إلَى آخَرَ؛ وَلِذَا كَانَ جَمِيعُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ أَمْثَالِ هَذَا النِّدَاءِ لَمْ يَجِئْ إلَّا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ، فَدَعْوَى الْعُدُولِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَا تُسْمَعُ نَعَمْ الْعَائِدُ إلَى الْمَوْصُولِ قَدْ سُمِعَ فِيهِ الْخِطَابُ وَالتَّكَلُّمُ قَلِيلًا فِي غَيْرِ النِّدَاءِ كَمَا فِي قَوْلِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهُ وَقَوْلِ كُثَيِّرٌ:
وَأَنْتِ الَّتِي حَبَّبْت كُلَّ قَصِيرَةٍ
…
إلَيَّ وَمَا تَدْرِي بِذَاكَ الْقَصَائِرُ
فَهُوَ مِنْ الِالْتِفَاتِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ هُنَاكَ أَيْضًا عَنْ الْمُغْنِي أَنَّ الْقَوْلَ بِالِالْتِفَاتِ فِي الْآيَةِ سَهْوٌ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمَعَانِي.
(قَوْلُهُ: التَّحْقِيقِيَّةِ) أَيْ الدَّالَّةِ عَلَى تَحَقُّقِ مَدْخُولِهَا غَالِبًا، وَقَوْلُهُ: التَّشْكِيكِيَّةِ: أَيْ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ غَالِبًا، وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَكَانَ الْأُخْرَى كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ. [لَطِيفَةٌ]
إنْ لِلشَّكِّ مَعَ أَنَّهَا جَازِمَةٌ وَإِذَا لِلْجَزْمِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَجْزِمُ، وَقَدْ أَلْغَزَ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ الزَّمَخْشَرِيّ فَقَالَ:
أَنَا إنْ شَكَكْت وَجَدْتُمُونِي جَازِمًا
…
وَإِذَا جَزَمْت فَإِنَّنِي لَمْ أَجْزِمْ