الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَّا إذَا خَتَمَ فَيَقْرَأُ مِنْ الْبَقَرَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَرَأَ فِي الْأُولَى الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ - أَلَمْ تَرَ - أَوْ - تَبَّتْ - ثُمَّ ذَكَرَ يُتِمُّ وَقِيلَ يَقْطَعُ وَيَبْدَأُ، وَلَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَثَلَاثٌ تَبْلُغُ قَدْرَ أَقْصَرِ سُورَةٍ أَفْضَلُ مِنْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَفِي سُورَةٍ وَبَعْضِ سُورَةٍ الْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ، وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ:
بَابُ الْإِمَامَةِ
ــ
[رد المحتار]
سُورَةً أَعْلَى مِمَّا قَرَأَ فِي الْأُولَى لِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ وَاجِبَاتِ التِّلَاوَةِ؛ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لِلصِّغَارِ تَسْهِيلًا لِضَرُورَةِ التَّعْلِيمِ ط (قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَتَمَ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: مَنْ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ إذَا فَرَغَ مِنْ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَرْكَعُ ثُمَّ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِالْفَاتِحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «خَيْرُ النَّاسِ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ» أَيْ الْخَاتِمُ الْمُفْتَتِحُ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِيَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: وَبَدَأَ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهَا (قَوْلُهُ أَلَمْ تَرَ أَوْ تَبَّتْ) أَيْ نَكَّسَ أَوْ فَصَلَ بِسُورَةٍ قَصِيرَةٍ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ يُتِمُّ) أَفَادَ أَنَّ التَّنْكِيسَ أَوْ الْفَصْلَ بِالْقَصِيرَةِ إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَنْ قَصْدٍ، فَلَوْ سَهْوًا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَإِذَا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ فَإِعْرَاضُهُ عَنْ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا لَا يَنْبَغِي. وَفِي الْخُلَاصَةِ افْتَتَحَ سُورَةً وَقَصْدُهُ سُورَةً أُخْرَى فَلَمَّا قَرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ تِلْكَ السُّورَةَ وَيَفْتَتِحَ الَّتِي أَرَادَهَا يُكْرَهُ اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ كَانَ أَيْ الْمَقْرُوءُ حَرْفًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) عَزَاهُ فِي الْفَتْحِ إلَى الْخُلَاصَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي فِي هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ نَظَرٌ؛ «فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى بِلَالًا رضي الله عنه عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ وَقَالَ لَهُ: إذَا ابْتَدَأْتَ سُورَةً فَأَتِمَّهَا عَلَى نَحْوِهَا حِينَ سَمِعَهُ يَتَنَقَّلُ مِنْ سُورَةٍ إلَى سُورَةٍ فِي التَّهَجُّدِ» . اهـ.
وَاعْتَرَضَ ح أَيْضًا بِأَنَّهُمْ نَصُّوا بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى التَّرْتِيبِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْقِرَاءَةِ؛ فَلَوْ عَكَسَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ يُكْرَهُ فَكَيْفَ لَا يُكْرَهُ فِي النَّفْلِ؟ تَأَمَّلْ وَأَجَابَ ط بِأَنَّ النَّفَلَ لِاتِّسَاعِ بَابِهِ نَزَلَتْ كُلُّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فِعْلًا مُسْتَقِلًّا فَيَكُونُ كَمَا لَوْ قَرَأَ إنْسَانٌ سُورَةً ثُمَّ سَكَتَ ثُمَّ قَرَأَ مَا فَوْقَهَا، فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَثَلَاثٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ: أَيْ وَقِرَاءَةُ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَخْ، وَفِي بَعْضِهَا وَبِثَلَاثٍ بِزِيَادَةِ الْبَاءِ قَالَ ح: أَيْ وَالصَّلَاةُ بِثَلَاثِ آيَاتٍ إلَخْ (قَوْلُهُ أَفْضَلُ إلَخْ) لَعَلَّهُ لِأَنَّ التَّحَدِّيَ وَالْإِعْجَازَ وَقَعَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَا بِالْآيَةِ، وَالْأَفْضَلِيَّةُ تَرْجِعُ إلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ (قَوْلُهُ وَفِي سُورَةٍ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَقَوْلُهُ الْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ: أَيْ الْأَكْثَرُ آيَاتٍ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ) أَيْ بَسَطَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا ذَكَرْنَاهَا فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، وَتَمَامُ مَسَائِلِ أَحْكَامِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا مَبْسُوطٌ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَبَعْضُهَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْإِمَامَةِ]
ِ هِيَ مَصْدَرُ قَوْلِك فُلَانٌ أَمَّ النَّاسَ، صَارَ لَهُمْ إمَامًا يَتَّبِعُونَ فِي صَلَاتِهِ فَقَطْ أَوْ فِيهَا وَفِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَالْأَوَّلُ ذُو الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى، وَالثَّانِي ذُو الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى
، وَالْبَابُ هُنَا مَعْقُودٌ لِلْأُولَى.
وَلَمَّا كَانَتْ الثَّانِيَةُ مِنْ الْمَبَاحِثِ الْفِقْهِيَّةِ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْقِيَامَ بِهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَكَانَتْ الْأُولَى تَابِعَةً لَهَا وَمَبْنِيَّةً عَلَيْهَا تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ مَبَاحِثِهَا هُنَا، وَبُسِطَتْ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ بَلْ مِنْ مُتَمِّمَاتِهِ لِظُهُورِ اعْتِقَادَاتٍ فَاسِدَةٍ فِيهَا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ كَالطَّعْنِ فِي الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
هِيَ صُغْرَى وَكُبْرَى؛ فَالْكُبْرَى اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ عَلَى الْأَنَامِ، وَتَحْقِيقُهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ، وَنَصْبُهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَاتِ، فَلِذَا قَدَّمُوهُ عَلَى دَفْنِ صَاحِبِ الْمُعْجِزَاتِ: وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا حُرًّا ذَكَرًا عَاقِلًا بَالِغًا قَادِرًا، قُرَشِيًّا لَا هَاشِمِيًّا عَلَوِيًّا، مَعْصُومًا. وَيُكْرَهُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ الْكُبْرَى
(قَوْلُهُ فَالْكُبْرَى اسْتِحْقَاقُ تَصَرُّفٍ عَامٍّ عَلَى الْأَنَامِ) أَيْ عَلَى الْخَلْقِ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَصَرُّفٍ لَا بِاسْتِحْقَاقٍ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ الْإِمَامِ لَا تَصَرُّفُهُ، وَلَا بِعَامٍّ إذْ الْمُتَعَارَفُ أَنْ يُقَالَ عَامٌّ بِكَذَا لَا عَلَيْهِ. وَعَرَّفَهَا فِي الْمَقَاصِدِ بِأَنَّهَا رِيَاسَةٌ عَامَّةٌ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا خِلَافَةً عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِتَخْرُجَ النُّبُوَّةُ، لَكِنَّ النُّبُوَّةَ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ دَاخِلَةٍ لِأَنَّهَا بَعْثَةٌ بِشَرْعٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّبِيِّ، وَاسْتِحْقَاقُ النَّبِيِّ التَّصَرُّفَ الْعَامَّ إمَامَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى النُّبُوَّةِ، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي التَّعْرِيفِ دُونَ مَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ أَعْنِي النُّبُوَّةَ، وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعُمُومِ مِثْلُ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ.
وَلَمَّا كَانَتْ الرِّيَاسَةُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَيْسَتْ إلَّا اسْتِحْقَاقَ التَّصَرُّفِ، إذْ مَعْنَى نَصْبِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لِلْإِمَامِ لَيْسَ إلَّا إثْبَاتَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ عَبَّرَ بِالِاسْتِحْقَاقِ، كَذَا أَفَادَهُ الْعَلَّامَةُ الْكَمَالُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى كِتَابِ الْمُسَايَرَةِ لِشَيْخِهِ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ وَنَصْبُهُ) أَيْ الْإِمَامِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْمَقَامِ (قَوْلُهُ أَهَمُّ الْوَاجِبَاتِ) أَيْ مِنْ أَهَمِّهَا لِتَوَقُّفِ كَثِيرٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ: وَالْمُسْلِمُونَ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إمَامٍ، يَقُومُ بِتَنْفِيذِ أَحْكَامِهِمْ؛ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِمْ، وَسَدِّ ثُغُورِهِمْ، وَتَجْهِيزِ جُيُوشِهِمْ؛ وَأَخْذِ صَدَقَاتِهِمْ، وَقَهْرِ الْمُتَغَلِّبَةِ وَالْمُتَلَصِّصَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ، وَقَبُولِ الشَّهَادَاتِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْحُقُوقِ؛ وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ، وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ اهـ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَدَّمُوهُ إلَخْ) فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ أَوْ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ أَوْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ح عَنْ الْمَوَاهِبِ، وَهَذِهِ السُّنَّةُ بَاقِيَةٌ إلَى الْآنَ لَمْ يُدْفَنْ خَلِيفَةٌ حَتَّى يُوَلَّى غَيْرُهُ ط (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَلِي عَلَى الْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَى غَيْرِهِ؟ وَالْوِلَايَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ فَرْعٌ لِلْوِلَايَةِ الْقَائِمَةِ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَلِأَنَّ النِّسَاءَ أُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ فَكَانَ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى السِّتْرِ.
وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمْ امْرَأَةٌ» وَقَوْلُهُ قَادِرًا: أَيْ عَلَى تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ وَإِنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ، وَسَدِّ الثُّغُورِ؛ وَحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَحِفْظِ حُدُودِ الْإِسْلَامِ؛ وَجَرِّ الْعَسَاكِرِ؛ وَقَوْلُهُ قُرَشِيًّا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَقَدْ سَلَّمَتْ الْأَنْصَارُ الْخِلَافَةَ لِقُرَيْشٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُ الضِّرَارِيَّةِ إنَّ الْإِمَامَةَ تَصْلُحُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ وَالْكَعْبِيَّةِ إنَّ الْقُرَشِيَّ أَوْلَى بِهَا اهـ الْكُلُّ مِنْ ح عَنْ شَرْحِ عُمْدَةِ النَّسَفِيِّ (قَوْلُهُ لَا هَاشِمِيًّا إلَخْ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ هَاشِمِيًّا: أَيْ مِنْ أَوْلَادِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ كَمَا قَالَتْ الشِّيعَةُ نَفْيًا لِإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -؛ وَلَا عَلَوِيًّا: أَيْ مِنْ أَوْلَادِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا قَالَ بِهِ بَعْضُ الشِّيعَةِ نَفْيًا لِخِلَافَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ؛ وَلَا مَعْصُومًا كَمَا قَالَتْ الْإِسْمَاعِيلِيَّة وَالِاثْنَا عَشَرِيَّةَ: أَيْ الْإِمَامِيَّةُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُكَرِّرَ لَا لِيَظْهَرَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلٌ عَلَى حِدَةٍ؛ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّهَا قَوْلٌ وَاحِدٌ ح (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُ، وَعَدَّهَا فِي الْمُسَايَرَةِ مِنْ الشُّرُوطِ، وَعَبَّرَ عَنْهَا تَبَعًا لِلْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ بِالْوَرَعِ. وَزَادَ فِي الشُّرُوطِ الْعِلْمَ وَالْكِفَايَةَ قَالَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا أَيْ الْكَفَاءَةَ أَعَمُّ مِنْ الشُّجَاعَةِ تَنْتَظِمُ كَوْنَهُ ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ كَيْ لَا يَجْبُنَ عَنْ الِاقْتِصَاصِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْحُرُوبِ الْوَاجِبَةِ وَتَجْهِيزِ الْجُيُوشِ؛ وَهَذَا الشَّرْطُ يَعْنِي الشَّجَاعَةَ مِمَّا شَرَطَهُ الْجُمْهُورُ.
وَيُعْزَلُ بِهِ إلَّا لِفِتْنَةٍ. وَيَجِبُ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاحِ وَتَصِحُّ سَلْطَنَةُ مُتَغَلِّبٍ لِلضَّرُورَةِ، وَكَذَا صَبِيٌّ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَوِّضَ أُمُورَ التَّقْلِيدِ عَلَى وَالٍ تَابِعٍ لَهُ وَالسُّلْطَانُ فِي الرَّسْمِ هُوَ الْوَلَدُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَالِي لِعَدَمِ صِحَّةِ إذْنِهِ بِقَضَاءٍ وَجُمُعَةٍ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ. وَفِيهَا لَوْ بَلَغَ السُّلْطَانُ أَوْ الْوَالِي يَحْتَاجُ إلَى تَقْلِيدٍ جَدِيدٍ:
وَالصُّغْرَى رَبْطُ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ بِالْإِمَامِ
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ قَالَ: وَزَادَ كَثِيرٌ الِاجْتِهَادَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ؛ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَلَا الشَّجَاعَةُ لِنُدْرَةِ اجْتِمَاعِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي وَاحِدٍ وَيُمْكِنُ تَفْوِيضُ مُقْتَضَيَاتِ الشَّجَاعَةِ وَالْحُكْمِ إلَى غَيْرِهِ أَوْ بِالِاسْتِفْتَاءِ لِلْعُلَمَاءِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَيْسَتْ الْعَدَالَةُ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ فَيَصِحُّ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ الْإِمَامَةَ مَعَ الْكَرَاهَةِ؛ وَإِذَا قُلِّدَ عَدْلًا ثُمَّ جَارَ وَفَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ؛ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْعَزْلُ إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ فِتْنَةً؛ وَيَجِبُ أَنْ يُدْعَى لَهُ؛ وَلَا يَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ؛ كَذَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَلِمَتُهُمْ قَاطِبَةً فِي تَوْجِيهِهِ هُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْا خَلْفَ بَعْضِ بَنِي أُمَيَّةَ وَقَبِلُوا الْوِلَايَةَ عَنْهُمْ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ أُولَئِكَ كَانُوا مُلُوكًا تَغَلَّبُوا وَالْمُتَغَلِّبُ تَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ الْأُمُورُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ إمَامِ عَدَالَتُهُ؛ وَصَارَ الْحَالُ عِنْدَ التَّغَلُّبِ كَمَا لَمْ يُوجَدْ أَوْ وُجِدَ وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى تَوْلِيَتِهِ لِغَلَبَةِ الْجَوَرَةِ اهـ كَلَامُ الْمُسَايَرَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ وَيُعْزَلُ بِهِ) أَيْ بِالْفِسْقِ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ؛ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ كَمَا عَمِلْت آنِفًا. وَلِذَا لَمْ يَقُلْ يَنْعَزِلُ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ سَلْطَنَةُ مُتَغَلِّبٍ) أَيْ مَنْ تَوَلَّى بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ بِلَا مُبَايَعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَإِنْ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ الْمَارَّةَ. وَأَفَادَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بِالتَّقْلِيدِ. قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَيَثْبُتُ عَقْدُ الْإِمَامَةِ إمَّا بِاسْتِخْلَافِ الْخَلِيفَةِ إيَّاهَا كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِمَّا بِبَيْعَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ. وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ: يَكْفِي الْوَاحِدُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ أُولِي الرَّأْيِ، بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِمَشْهَدِ شُهُودٍ لِدَفْعِ الْإِنْكَارِ إنْ وَقَعَ. وَشَرَطَ الْمُعْتَزِلَةُ خَمْسَةً.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ اشْتِرَاطَ جَمَاعَةٍ دُونَ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لِلضَّرُورَةِ) هِيَ دَفْعُ الْفِتْنَةِ، وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَجْدَعُ» ح (قَوْلُهُ وَكَذَا صَبِيٌّ) أَيْ تَصِحُّ سَلْطَنَتُهُ لِلضَّرُورَةِ، لَكِنْ فِي الظَّاهِرِ لَا حَقِيقَةً. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: تَصِحُّ سَلْطَنَتُهُ ظَاهِرًا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: مَاتَ السُّلْطَانُ وَاتَّفَقَتْ الرَّعِيَّةُ عَلَى سَلْطَنَةِ ابْنٍ صَغِيرٍ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ تُفَوَّضَ أُمُورُ التَّقْلِيدِ عَلَى وَالٍ، وَيُعِدُّ هَذَا الْوَالِي نَفْسَهُ تَبَعًا لِابْنِ السُّلْطَانِ لِشَرَفِهِ وَالسُّلْطَانُ فِي الرَّسْمِ هُوَ الِابْنُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَالِي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِذْنِ بِالْقَضَاءِ وَالْجُمُعَةِ مِمَّنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ اهـ أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْوَالِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ السُّلْطَانَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَصِحَّ إذْنُهُ بِالْقَضَاءِ وَالْجُمُعَةِ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهُ سُلْطَانٌ إلَى غَايَةٍ وَهِيَ بُلُوغُ الِابْنِ، لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى عَزْلِهِ عِنْدَ تَوْلِيَةِ ابْنِ السُّلْطَانِ إذَا بَلَغَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَنْ يُفَوَّضَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَالْفَاعِلُ: هُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى مَا مَرَّ بَيَانُهُ، لَا الصَّبِيُّ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ وَضُمِّنَ يُفَوَّضُ مَعْنَى يُلْقَى فَعُدِّيَ بِعَلَى وَإِلَّا فَهُوَ يَتَعَدَّى بِإِلَى (قَوْلُهُ فِي الرَّسْمِ) أَيْ فِي الظَّاهِرِ وَالصُّورَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ) أَيْ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ، وَعَلِمْت عِبَارَتَهُ (قَوْلُهُ وَفِيهَا) أَيْ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا، وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا مَرَّ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ فَافْهَمْ.
وَذَكَرَ الْحَمَوِيُّ أَنَّ تَجْدِيدَ تَقْلِيدِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا عَزَلَ ذَلِكَ الْوَالِي نَفْسَهُ لِأَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَنْعَزِلُ إلَّا بِعَزْلِ نَفْسِهِ وَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ. اهـ.
قُلْت قَدْ يُقَالُ: إنَّ سَلْطَنَةَ ذَلِكَ الْوَلِيِّ لَيْسَتْ مُطْلَقَةً بَلْ هِيَ مُقَيَّدَةٌ بِمُدَّةِ صِغَرِ ابْنِ السُّلْطَانِ، فَإِذَا بَلَغَ انْتَهَتْ سَلْطَنَةُ ذَلِكَ الْوَلِيِّ كَمَا قُلْنَاهُ آنِفًا
(قَوْلُهُ رَبْطُ إلَخْ) هَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ عَنْ أَخِيهِ صَاحِبِ الْبَحْرِ، وَلَا يَظْهَرُ إلَّا تَعْرِيفًا لِلِاقْتِدَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ مَصْدَرُ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْمُتَّبَعُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَعْرِيفُ
بِشُرُوطٍ عَشَرَةٍ: نِيَّةُ الْمُؤْتَمِّ الِاقْتِدَاءَ، وَاتِّحَادُ مَكَانِهِمَا وَصَلَاتِهِمَا،
ــ
[رد المحتار]
ابْنِ عَرَفَةَ لَهَا بِأَنَّهَا اتِّبَاعُ الْإِمَامِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ: أَيْ أَنْ يُتْبَعَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ. وَأَمَّا الرَّبْطُ الْمَذْكُورُ، إنْ كَانَ مَصْدَرَ رَبَطَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَعْلُومِ فَهُوَ صِفَةُ الْمُؤْتَمِّ فَيَكُونُ بِمَعْنَى الِائْتِمَامِ أَيْ الِاقْتِدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَصْدَرَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ فَهُوَ صِفَةُ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَرْبُوطَةُ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَصْلُحُ تَعْرِيفًا لِلْإِمَامَةِ بَلْ لِلِاقْتِدَاءِ. اهـ. ط عَنْ ح.
وَأَقُولُ: بَقِيَ لِلرَّبْطِ مَعْنًى ثَالِثٌ هُوَ الْمُرَادُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الِارْتِبَاطُ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَصِيرُ إمَامًا إلَّا إذَا رَبَطَ الْمُقْتَدِي صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ، فَنَفْسُ هَذَا الِارْتِبَاطِ هُوَ حَقِيقَةُ الْإِمَامَةِ، وَهُوَ غَايَةُ الِاقْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ الرَّبْطُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ إذَا رَبَطَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةِ إمَامِهِ حَصَلَ لَهُ صِفَةُ الِاقْتِدَاءِ وَالِائْتِمَامِ وَحَصَلَ لِإِمَامِهِ صِفَةُ الْإِمَامَةِ الَّتِي هِيَ الِارْتِبَاطُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ بِشُرُوطٍ عَشَرَةٍ) هَذِهِ الشُّرُوطُ فِي الْحَقِيقَةِ شُرُوطُ الِاقْتِدَاءِ، وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِمَامَةِ فَقَدْ عَدَّهَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ: وَشُرُوطُ الْإِمَامَةِ لِلرِّجَالِ الْأَصِحَّاءِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ: الْإِسْلَامُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالذُّكُورَةُ وَالْقِرَاءَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ الْأَعْذَارِ كَالرُّعَافِ وَالْفَأْفَأَةِ وَالتَّمْتَمَةِ وَاللَّثَغِ وَفَقْدِ شَرْطٍ كَطَهَارَةٍ وَسِتْرِ عَوْرَةٍ. اهـ. احْتَرَزَ بِالرِّجَالِ الْأَصِحَّاءِ عَنْ النِّسَاءِ الْأَصِحَّاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِنَّ الذُّكُورَةُ؛ وَعَنْ الصِّبْيَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِمْ الْبُلُوغُ، وَعَنْ غَيْرِ الْأَصِحَّاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي إمَامِهِمْ الصِّحَّةُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حَالُ الْإِمَامِ أَقْوَى مِنْ حَالَ الْمُؤْتَمِّ أَوْ مُسَاوِيًا ح.
أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْإِمَامَةَ غَايَةُ الِاقْتِدَاءِ، فَمَا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ لَمْ تَثْبُتْ الْإِمَامَةُ، فَتَكُونُ الشُّرُوطُ الْعَشَرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّارِحُ شُرُوطًا لِلْإِمَامَةِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ تَوَقُّفُ الْإِمَامَةِ عَلَيْهَا، كَمَا أَنَّ السُّنَّةَ الْمَذْكُورَةَ تَصْلُحُ شُرُوطًا لِلِاقْتِدَاءِ أَيْضًا، إذْ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِدُونِهَا، فَالسِّتَّةَ عَشَرَ كُلُّهَا شُرُوطٌ لِكُلٍّ مِنْ الْإِمَامَةِ وَالِاقْتِدَاءِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ الْعَشَرَةُ قَائِمَةً بِالْمُقْتَدِي وَالسِّتَّةُ قَائِمَةً بِالْإِمَامِ حَسُنَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ شُرُوطًا لِلِاقْتِدَاءِ وَالسِّتَّةِ شُرُوطًا لِلْإِمَامَةِ فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ، وَقَدْ نَظَمْت هَذِهِ الشُّرُوطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقُلْت:
شُرُوطُ اقْتِدَاءٍ عَشَرَةٌ قَدْ نَظَمْتهَا
…
بِشَعْرٍ كَعِقْدِ الدُّرِّ جَاءَ مُنَضَّدَا
تَأَخُّرُ مُؤْتَمٍّ وَعِلْمُ انْتِقَالِ مَنْ
…
بِهِ ائْتَمَّ مَعَ كَوْنِ الْمَكَانَيْنِ وَاحِدَا
وَكَوْنُ إمَامٍ لَيْسَ دُونَ تَبْعُهُ
…
بِشَرْطٍ وَأَرْكَانٍ وَنِيَّةِ الِاقْتِدَا
مُشَارَكَةٌ فِي كُلِّ رُكْنٍ وَعِلْمُهُ
…
بِحَالِ إمَامٍ حَلَّ أَمْ سَارَ مُبْعَدًا
وَأَنْ لَا تُحَاذِيَهُ الَّتِي مَعَهُ اقْتَدَتْ
…
وَصِحَّةُ مَا صَلَّى الْإِمَامُ مِنْ ابْتِدَا
كَذَاكَ اتِّحَادُ الْفَرْضِ هَذَا تَمَامُهَا
…
وَسِتُّ شُرُوطٍ لِلْإِمَامَةِ فِي الْمَدَا
بُلُوغٌ وَإِسْلَامٌ وَعَقْلٌ ذُكُورَةٌ
…
قِرَاءَةُ مُجْزٍ فَقَدْ حَذَّرَ بِهِ بَدَا
(قَوْلُهُ نِيَّةُ الْمُؤْتَمِّ) أَيْ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، أَوْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي صَلَاتِهِ أَوْ الشُّرُوعِ فِيهَا أَوْ الدُّخُولِ فِيهَا بِخِلَافِ نِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَشَرْطُ النِّيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلتَّحْرِيمَةِ أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّيَّةِ ح (قَوْلُهُ وَاتِّحَادُ مَكَانِهِمَا) فَلَوْ اقْتَدَى رَاجِلٌ بِرَاكِبٍ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ رَاكِبٌ بِرَاكِبٍ دَابَّةً أُخْرَى لَمْ يَصِحَّ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ؛ فَلَوْ كَانَا عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ صَحَّ لِاتِّحَادِهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَسَيَأْتِي.
وَأَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهَا حَائِطٌ فَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ لَا اتِّحَادُ الْمَكَانِ، فَيَخْرُجُ بِقَوْلِهِ وَعِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِهِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَصَلَاتِهِمَا) أَيْ وَاتِّحَادُ صَلَاتِهِمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالِاتِّحَادُ أَنْ يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ فِي صَلَاتِهِ
وَصِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ، وَعَدَمُ مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ، وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ بِعَقِبِهِ، وَعِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِهِ وَبِحَالِهِ مِنْ إقَامَةٍ وَسَفَرٍ، وَمُشَارَكَتُهُ فِي الْأَرْكَانِ، وَكَوْنُهُ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ فِيهَا، وَفِي الشَّرَائِطِ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ، قِيلَ وَثُبُوتُهَا بِ - {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]- وَمِنْ حِكَمِهَا نِظَامُ الْأُلْفَةِ وَتَعَلُّمُ الْجَاهِلِ مِنْ الْعَالِمِ (هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ،
ــ
[رد المحتار]
بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُتَضَمَّنَةً لِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي. اهـ. فَدَخَلَ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ لِأَنَّ مَنْ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ لَوْ نَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ الْمُفْتَرِضِ صَحَّتْ نَفْلًا وَلِأَنَّ النَّفَلَ مُطْلَقٌ وَالْفَرْضَ مُقَيَّدٌ، وَالْمُطْلَقُ جَزْءُ الْمُقَيَّدِ فَلَا يُغَايِرُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَعَبَّرَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ بِقَوْلِهِ: وَأَنْ لَا يَكُونَ مُصَلِّيًا فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِهِ اهـ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الشَّارِحِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَصِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ) فَلَوْ تَبَيَّنَ فَسَادُهَا فِسْقًا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نِسْيَانًا لِمُضِيِّ مُدَّةِ الْمَسْحِ أَوْ لِوُجُودِ الْحَدَثِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبِنَاءِ؛ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً فِي زَعْمِ الْإِمَامِ فَاسِدَةً فِي زَعْمِ الْمُقْتَدَى لِبِنَائِهِ الْفَاسِدَ فِي زَعْمِهِ فَلَا يَصِحُّ، وَفِيهِ خِلَافٌ وَصُحِّحَ كُلٌّ. أَمَّا لَوْ فَسَدَتْ فِي زَعْمِ الْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ وَعَلِمَهُ الْمُقْتَدِي صَحَّتْ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَرَى جَوَازَ صَلَاةِ إمَامِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِ رَأْيُ نَفْسِهِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ) أَيْ بِشُرُوطِهَا الْآتِيَةِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ بِعَقِبِهِ) فَلَوْ سَاوَاهُ جَازَ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمُقْتَدِي لِكِبَرِ قَدَمِهِ عَلَى قَدَمِ الْإِمَامِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَكْثَرُ الْقَدَمِ كَمَا سَيَأْتِي.
وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ: وَتَقَدُّمُ الْإِمَامِ بِعَقِبِهِ عَنْ عَقِبِ الْمُقْتَدِي شَرْطٌ لِصِحَّةِ اقْتِدَائِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَقِبَ الْمُقْتَدِي غَيْرَ مُتَقَدِّمٍ عَلَى عَقِبِ الْإِمَامِ لَكِنْ قَدَمُهُ أَطْوَلُ فَتَكُونُ أَصَابِعُهُ قُدَّامَ أَصَابِعِ إمَامِهِ تَجُوزُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ مِنْ إمَامِهِ فَيَسْجُدُ أَمَامَهُ اهـ وَقَوْلُهُ حَتَّى إلَخْ يَشْمَلُ الْمُسَاوَاةَ، فَلَفْظُ التَّقَدُّمِ الْوَاقِعُ فِي الْمَتْنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَعِلْمُهُ بِانْتِقَالَاتِهِ) أَيْ بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِلْإِمَامِ أَوْ لِبَعْضِ الْمُقْتَدِينَ رَحْمَتِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ الْمَكَانُ (قَوْلُهُ وَبِحَالِهِ إلَخْ) أَيْ عِلْمُهُ بِحَالِ إمَامِهِ مِنْ إقَامَةٍ أَوْ سَفَرٍ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا فِيمَا لَوْ صَلَّى الرَّبَاعِيَةَ رَكْعَتَيْنِ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ، فَلَوْ خَارِجَهَا لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى السَّهْوِ، وَكَذَا لَوْ أَتَمَّ مُطْلَقًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (قَوْلُهُ وَمُشَارَكَتِهِ فِي الْأَرْكَانِ) أَيْ فِي أَصْلِ فِعْلِهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ لَا قَبْلَهُ، إلَّا إذَا أَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهَا، فَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي كَمَا لَوْ رَكَعَ إمَامُهُ وَرَفَعَ ثُمَّ رَكَعَ هُوَ فَيَصِحُّ، وَالثَّالِثُ عَكْسُهُ فَلَا يَصِحُّ إلَّا إذَا رَكَعَ وَبَقِيَ رَاكِعًا حَتَّى أَدْرَكَهُ إمَامُهُ، فَيَصِحُّ لِوُجُودِ الْمُتَابَعَةِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةُ الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ حَقَّقْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فِي أَوَاخِرِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْكَانِ؛ مِثَالُ الْأَوَّلِ اقْتِدَاءُ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِمِثْلِهِ وَالْمُومِئِ بِهِمَا بِمِثْلِهِ؛ وَمِثَالُ الثَّانِي اقْتِدَاءُ الْمُومِئِ بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ فِيهَا كَاقْتِدَاءِ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ بِالْمُومِئِ بِهِمَا ح.
(قَوْلُهُ وَفِي الشَّرَائِطِ) عَطْفٌ عَلَى فِيهَا: أَيْ وَكَوْنُ الْمُؤْتَمِّ مِثْلَ الْإِمَامِ أَوْ دُونَهُ فِي الشَّرَائِطِ؛ مِثَالُ الْأَوَّلِ اقْتِدَاءُ مُسْتَجْمِعِ الشَّرَائِطِ بِمِثْلِهِ وَالْعَارِي بِمِثْلِهِ، وَمِثَالُ الثَّانِي اقْتِدَاءُ الْعَارِي بِالْمُكْتَسِي، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ فِيهَا كَاقْتِدَاءِ الْمُكْتَسِي بِالْعَارِي ح.
أَقُولُ: وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ تَأْسِيسِ النَّظَرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ اقْتِدَاءُ الْحُرَّةِ بِالْأَمَةِ الْحَاسِرَةِ الرَّأْسِ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَوْرَةٍ فِي حَقِّ الْأَمَةِ فَهُوَ كَرَأْسِ الرَّجُلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ الْعَشَرَةِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي أَصْلِ نُسَخِ الْبَحْرِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِهَامِشِ بَعْضِ نُسَخِهِ مَعْزِيًّا إلَى خَطِّ مُؤَلَّفِهِ (قَوْلُهُ قِيلَ وَثُبُوتُهَا إلَخْ) وَقِيلَ مَعْنَاهُ اخْضَعُوا مَعَ الْخَاضِعِينَ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ ح (قَوْلُهُ نِظَامُ الْأُلْفَةِ) بِتَحْصِيلِ التَّعَاهُدِ بِاللِّقَاءِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ بَيْنَ الْجِيرَانِ بَحْرٌ. وَالْأُلْفَةُ: بِضَمِّ الْهَمْزَةِ اسْمُ الِائْتِلَافِ ح عَنْ الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ) أَيْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ بِالْمُسَاوَاةِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) قَدَّمْنَا فِي الْأَذَانِ عَنْ مَذْهَبِهِ
وَقَوْلُ عُمَرَ: لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت أَيْ مَعَ الْإِمَامَةِ، إذْ الْجَمْعُ أَفْضَلُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَخَاف إنْ تَرَكْت الْفَاتِحَةَ أَنْ يُعَاتِبَنِي الشَّافِعِيُّ أَوْ قَرَأْتهَا يُعَاتِبُنِي أَبُو حَنِيفَةَ فَاخْتَرْت الْإِمَامَةَ.
(وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلرِّجَالِ) قَالَ الزَّاهِدِي: أَرَادُوا بِالتَّأْكِيدِ الْوُجُوبَ إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ فَشَرْطٌ. وَفِي التَّرَاوِيحِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَفِي وِتْرِ رَمَضَانَ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى قَوْلٍ. وَفِي وِتْرِ غَيْرِهِ وَتَطَوُّعٍ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي مَكْرُوهَةٌ، وَسَنُحَقِّقُهُ. وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ لَا فِي مَسْجِدِ طَرِيقٍ أَوْ مَسْجِدٍ لَا إمَامَ لَهُ وَلَا مُؤَذِّنَ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ: الْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا، وَالثَّانِي عَكْسُهُ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ عُمَرَ إلَخْ) أَيْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ اشْتِغَالُ الْخَلِيفَةِ بِأُمُورِ الْعَامَّةِ يَمْنَعُهُ عَنْ مُرَاقَبَةِ الْأَوْقَاتِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ كُنْت أَخْتَارُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهَا أَفْصِلُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ
(قَوْلُهُ قَالَ الزَّاهِدِيُّ إلَخْ) تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الْآتِي، وَبَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا وَاحِدٌ أَخْذًا مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمُفِيدِ: الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ، وَسُنَّةٌ لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ اهـ وَهَذَا كَجَوَابِهِمْ عَنْ رِوَايَةِ سُنِّيَّةِ الْوِتْرِ بِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ تَرْكَهَا مَرَّةً بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ إثْمًا مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ. والْخرَاسانِيُّون نَ عَلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا اعْتَادَ التَّرْكَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَحْكَامُ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، مِنْ أَنَّ تَارِكَهَا بِلَا عُذْرٍ يُعَزَّرُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَيَأْثَمُ الْجِيرَانُ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ، وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى التَّرْكِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ» كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ: أَيْ عَادَتُهُمْ، فَالْوَاجِبُ الْحُضُورُ أَحْيَانًا، وَالسُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ. اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا مَرَّةً مَبْنِيًّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَجَمَاعَةٍ، فَإِذَا تَرَكَهَا الْكُلُّ مَرَّةً بِلَا عُذْرٍ أَثِمُوا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَشُرِطَ) بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْعِيدِ؛ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ؛ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الصِّحَّةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اهـ أَيْ شَرْطٌ لِصِحَّةِ وُقُوعِهَا وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً فَافْهَمْ (قَوْلُهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ) أَيْ عَلَى كُلِّ أَهْلِ مَحَلَّةٍ، لِمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ بَحْثِ التَّرَاوِيحِ، مِنْ أَنَّ إقَامَتَهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ مَحَلَّةٍ، كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ وَأَسَاءُوا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ تَخَلَّفَ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَقَدْ تَرَكَ الْفَضِيلَةَ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلٍ) وَغَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ بَلْ يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَسَيَأْتِي قَبِيلَ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ تَرْجِيحُ الثَّانِي بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ وَفِي وِتْرِ غَيْرِهِ إلَخْ) كَرَاهَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَكَرَ فِي غَيْرِهِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَوَفَّقَ فِي الْحِلْيَةِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْفِعْلِ أَحْيَانًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي) بِأَنْ يَقْتَدِيَ أَرْبَعَةٌ فَأَكْثَرُ بِوَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ قَبِيلَ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ. [تَتِمَّةٌ]
قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَرَاهَتُهَا. وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ: وَقِيلَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ) أَيْ تَحْرِيمًا لِقَوْلِ الْكَافِي لَا يَجُوزُ وَالْمَجْمَعُ لَا يُبَاحُ وَشَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا فِي رِسَالَةِ السِّنْدِيِّ (قَوْلُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ: أَجْمَعُ مِمَّا هُنَا وَنَصُّهَا: يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ
(وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ) وَاحِدٌ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ مُمَيِّزًا أَوْ مَلَكًا
ــ
[رد المحتار]
بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، إلَّا إذَا صَلَّى بِهِمَا فِيهِ أَوَّلًا غَيْرُ أَهْلِهِ، لَوْ أَهْلَهُ لَكِنْ بِمُخَافَتَةِ الْأَذَانِ، وَلَوْ كَرَّرَ أَهْلُهُ بِدُونِهِمَا أَوْ كَانَ مَسْجِدَ طَرِيقٍ جَازَ إجْمَاعًا؛ كَمَا فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ لَهُ إمَامٌ وَلَا مُؤَذِّنٌ وَيُصَلِّي النَّاسُ فِيهِ فَوْجًا فَوْجًا، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ كُلُّ فَرِيقٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي أَمَالِي قَاضِي خَانْ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الدُّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِمَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ مَا لَهُ إمَامٌ وَجَمَاعَةٌ مَعْلُومُونَ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْمَنْبَعِ: وَالتَّقْيِيدُ بِالْمَسْجِدِ الْمُخْتَصِّ بِالْمَحَلَّةِ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّارِعِ، وَبِالْأَذَانِ الثَّانِي احْتِرَازًا عَمَّا إذَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ جَمَاعَةٌ بِغَيْرِ أَذَانٍ حَيْثُ يُبَاحُ إجْمَاعًا. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ النَّافِي لِلْكَرَاهَةِ مَا نَصُّهُ: وَلَنَا «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ خَرَجَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ قَوْمٍ فَعَادَ إلَى الْمَسْجِدِ وَقَدْ صَلَّى أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَصَلَّى» وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَمَا اخْتَارَ الصَّلَاةَ فِي بَيْتِهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَلِأَنَّ فِي الْإِطْلَاقِ هَكَذَا تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ مَعْنًى، فَإِنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ إذَا عَلِمُوا أَنَّهُمْ لَا تَفُوتُهُمْ.
وَأَمَّا مَسْجِدُ الشَّارِعِ فَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِفَرِيقٍ دُونَ فَرِيقٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَرَاهَةُ التَّكْرَارِ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ وَلَوْ بِدُونِ أَذَانٍ؛ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ الْمَسْجِدَ بَعْدَ مَا صَلَّى فِيهِ أَهْلُهُ يُصَلُّونَ وُحْدَانًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِحِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ الْمَارَّةِ، وَعَنْ هَذَا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ فِي رِسَالَتِهِ أَنَّ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الصَّلَاةِ بِأَئِمَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَجَمَاعَاتٍ مُتَرَتِّبَةٍ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا. وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا إنْكَارُهُ صَرِيحًا حِينَ حَضَرَ الْمَوْسِمَ بِمَكَّةَ سَنَةَ 551 مِنْهُمْ الشَّرِيفُ الْغَزْنَوِيُّ. وَذَكَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَنُقِلَ إنْكَارُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ حَضَرُوا الْمَوْسِمَ سَنَةَ 551 اهـ وَأَقَرَّهُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ نَحْوَ الْمَسْجِدِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ لَيْسَ لَهُ جَمَاعَةٌ مَعْلُومُونَ، فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَسْجِدُ مَحَلَّةٍ، بَلْ هُوَ كَمَسْجِدِ شَارِعٍ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ إجْمَاعًا فَلْيُتَأَمَّلْ،
هَذَا وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَذَانِ عَنْ آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْأُولَى لَا تُكْرَهُ وَإِلَّا تُكْرَهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَبِالْعُدُولِ عَنْ الْمِحْرَابِ تَخْتَلِفُ الْهَيْئَةُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ انْتَهَى. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَبِهِ نَأْخُذُ
(قَوْلُهُ وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ) لِحَدِيثِ «اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ» أَخْرَجَهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرَمَزَ لِضَعْفِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاجْتِمَاعِ، وَهُمَا أَقَلُّ مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ اهـ أَيْ فَإِنَّ أَقَلَّهَا فِيهَا ثَلَاثَةٌ صَالِحُونَ لِلْإِمَامَةِ سِوَى الْإِمَامِ، مِثْلُهَا الْعِيدُ لِقَوْلِهِمْ: يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ صِحَّةً وَأَدَاءً سِوَى الْخُطْبَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْوَاحِدُ الْمُقْتَدِي صَبِيًّا مُمَيِّزًا. قَالَ فِي السِّرَاجِ: لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي جَمَاعَةً وَأَمَّ صَبِيًّا يَعْقِلُ حَنِثَ اهـ وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْعَاقِلِ بَحْرٌ.
قَالَ ط: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ بِاقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مُتَنَقِّلٌ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اقْتِدَاءِ الْمُتَنَفِّلِ بِمِثْلِهِ هَلْ يَزِيدُ ثَوَابُهُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ فَلْيُحَرَّرْ اهـ.
قُلْت: الظَّاهِرُ نَعَمْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا لِأُصَلِّيَ بِكُمْ فَقُمْت إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ فَنَضَحْته بِمَاءٍ، فَقَامَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ
أَوْ جِنِّيًّا فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَتَصِحُّ إمَامَةُ الْجِنِّيِّ أَشْبَاهٌ (وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ) أَيْ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا وَبِهِ جَزَمَ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ (فَتُسَنُّ أَوْ تَجِبُ) ثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ بِتَرْكِهَا مَرَّةً (عَلَى الرِّجَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ الْقَادِرِينَ عَلَى الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ)
ــ
[رد المحتار]
وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا. فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ» فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الِاقْتِدَاءُ أَفْضَلَ لَمَا أَمَرَهُمْ بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إقَامَتِهَا فِي الْبَيْتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا كَإِقَامَتِهَا فِي الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ إمَامَةُ الْجِنِّيِّ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ. بِخِلَافِ إمَامَةِ الْمَلَكِ فَإِنَّهُ مُتَنَفِّلٌ وَإِمَامَةُ جِبْرِيلَ لِخُصُوصِ التَّعْلِيمِ مَعَ احْتِمَالِ الْإِعَادَةِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ط (قَوْلُهُ أَشْبَاهٌ) عِبَارَتُهَا فِي بَحْثِ أَحْكَامِ الْجَانِّ: وَمِنْهَا انْعِقَادُ الْجَمَاعَةِ بِالْجِنِّ، ذَكَرَهُ الْأَسْيُوطِيُّ عَنْ صَاحِبِ [آكَامِ الْمَرْجَانِ] مِنْ أَصْحَابِنَا، مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قِصَّةِ الْجِنِّ، وَفِيهِ «فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي أَدْرَكَهُ شَخْصَانِ مِنْهُمْ، فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا نُحِبُّ أَنْ تَؤُمَّنَا فِي صَلَاتِنَا، قَالَ: فَصَفَّهُمَا خَلْفَهُ ثُمَّ صَلَّى بِنَا ثُمَّ انْصَرَفَ» وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ، وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ لَوْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَمِنْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْجِنِّيِّ، ذَكَرَهُ فِي آكَامِ الْمَرْجَانِ اهـ
أَقُولُ: وَمَا نَقَلَهُ عَنْ السُّبْكِيّ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ «إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَمُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْجَهْرِ عَلَيْهِ؛ لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ الْأَذَانِ التَّصْرِيحَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ فِي الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِحَلِفِهِ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ عِنْدَنَا وَلَا سِيَّمَا وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ عِنْدَنَا، وَهُوَ مُنْفَرِدٌ عُرْفًا وَشَرْعًا وَإِلَّا لَأَخَذَ أَحْكَامَ الْإِمَامِ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْجَهْرُ إلَّا إذَا نَوَى الْإِمَامَةَ، وَكَذَا مَرَّ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي: لَا يَؤُمُّ أَحَدًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ، فَلَعَلَّ انْعِقَادَ الْجَمَاعَةِ بِاقْتِدَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ أَحْكَامَهَا إذَا كَانُوا عَلَى صُورَةٍ ظَاهِرَةٍ وَلِهَذَا لَوْ جَامَعَ جِنِّيٌّ امْرَأَةً وَوَجَدَتْ لَذَّةً لَا يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ إلَّا إذَا أَنْزَلَتْ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْ جَاءَهَا عَلَى صُورَةِ آدَمِيٍّ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَكَذَا يُقَالُ فِي إمَامَةِ الْجِنِّيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) وَقَالَ فِي النَّهْرِ: هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا وَلِذَا قَالَ فِي الْأَجْنَاسِ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إذَا تَرَكَهَا اسْتِخْفَافًا وَمَجَانَةً، إمَّا سَهْوًا أَوْ بِتَأْوِيلٍ كَكَوْنِ الْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ أَوْ لَا يُرَاعِي مَذْهَبَ الْمُقْتَدِي فَتُقْبَلُ. اهـ. ط.
(قَوْلُهُ ثَمَرَتُهُ إلَخْ) هَذَا بِنَاءً عَلَى تَحْقِيقِ الْخِلَافِ، أَمَّا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ فَلَا خِلَافَ (قَوْلُهُ بِتَرْكِهَا مَرَّةً) أَيْ بِلَا عُذْرٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا اعْتَادَهُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ الْبَالِغِينَ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الذَّكَرِ بَالِغًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا} [النساء: 176]- وَكَمَا فِي حَدِيثِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتْ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، وَلِذَا قَيَّدَ بِذَكَرٍ لِدَفْعِ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَالِغُ بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ عَدَمِ تَوْرِيثِهِمْ إلَّا مَنْ اسْتَعَدَّ لِلْحَرْبِ دُونَ الصِّغَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ الْأَحْرَارِ) فَلَا تَجِبُ عَلَى الْقِنِّ وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ لَوْ أَذَّنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَجَبَتْ، وَقِيلَ يُخَيَّرُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ اهـ: قُلْت: وَيَنْبَغِي جَرَيَان الْخِلَافُ هُنَا أَيْضًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ) قَيْدُ لِكَوْنِهَا سُنَّةً مُؤَكَّدَةً أَوْ وَاجِبَةً، فَبِالْحَرَجِ يَرْتَفِعُ الْإِثْمُ وَيُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا وَلَكِنَّهُ يَفُوتُهُ الْأَفْضَلُ بِدَلِيلِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ: مَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً» قَالَ فِي الْفَتْحِ: أَيْ تَحْصُلُ لَك فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهَا لَا الْإِيجَابُ عَلَى الْأَعْمَى، «لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَخَّصَ لِعِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فِي تَرْكِهَا» اهـ لَكِنْ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ: وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِعُذْرٍ مِنْ أَعْذَارِهَا
وَلَوْ فَاتَتْهُ نُدِبَ طَلَبُهَا فِي مَسْجِدٍ آخَرَ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَنَحْوَهُ (فَلَا تَجِبُ عَلَى مَرِيضٍ وَمُقْعَدٍ وَزَمِنٍ وَمَقْطُوعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ خِلَافٍ) أَوْ رِجْلٍ فَقَطْ، ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ (وَمَفْلُوجٍ وَشَيْخٍ كَبِيرٍ عَاجِزٍ وَأَعْمَى) وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا (وَلَا عَلَى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَطَرٌ وَطِينٌ
ــ
[رد المحتار]
وَكَانَتْ نِيَّتُهُ حُضُورَهَا لَوْلَا الْعُذْرُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُهَا اهـ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعُذْرُ الْمَانِعُ كَالْمَرَضِ وَالشَّيْخُوخَةِ وَالْفَلَجِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ وَالْبَرْدِ وَالْعَمَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَاتَتْهُ نُدِبَ طَلَبُهَا) فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فِي الْمَسَاجِدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، بَلْ إنْ أَتَى مَسْجِدًا لِلْجَمَاعَةِ آخَرَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ مُنْفَرِدًا فَحَسَنٌ. وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ: يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ وَيُصَلِّي بِهِمْ، يَعْنِي وَيَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ.
وَاعْتَرَضَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِأَنَّ هَذَا يُنَافِي وُجُوبَ الْجَمَاعَةِ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَرَجِ، وَفِي تَتَبُّعِهَا فِي الْأَمَاكِنِ الْقَاصِيَةِ حَرَجٌ لَا يَخْفَى مَعَ مَا فِي مُجَاوَزَةِ مَسْجِدِ حَيِّهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» . اهـ. وَفِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِ النَّدْبُ وَلَوْ إلَى مَكَان قَرِيبٍ، وَقَوْلُهُ مَعَ مَا فِي مُجَاوَزَةِ إلَخْ.
قَدْ يُقَالُ: مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ جَمَاعَةٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مَسْجِدَ الْحَيِّ إذَا لَمْ تُقَمْ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَتُقَامُ فِي غَيْرِهِ لَا يَرْتَابُ أَحَدٌ أَنَّ مَسْجِدَ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ. عَلَى أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ هَلْ جَمَاعَةُ مَسْجِدِ حَيِّهِ أَوْ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ. الْجَامِعِ؟ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط.
قُلْت: لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِمَسْجِدِ مَنْزِلِهِ مُؤَذِّنٌ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ فِيهِ وَيُصَلِّي وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لِأَنَّ لِمَسْجِدِ مَنْزِلِهِ حَقًّا عَلَيْهِ، فَيُؤَدِّي حَقَّهُ مُؤَذِّنُ مَسْجِدٍ لَا يَحْضُرُ مَسْجِدَهُ أَحَدٌ. قَالُوا: هُوَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ وَيُصَلِّي وَحْدَهُ، وَذَاكَ أَحَبُّ مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ. اهـ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، وَلَعَلَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا صَلَّى فِيهِ النَّاسُ فَيُخَيَّرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصَلِّي فِيهِ أَحَدٌ لِأَنَّ الْحَقَّ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُ ط قَدْ يُقَالُ إلَخْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَزَاهُ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى أَيْضًا لِأَنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَفِي مَسْجِدِهِ عليه الصلاة والسلام بِأَلْفٍ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِمِائَةٍ اهـ وَيَنْبَغِي اسْتِثْنَاءُ مَسْجِدِ الْحَيِّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَمُقْعَدٍ وَزَمِنٍ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْمُقْعَدُ الَّذِي لَا حَرَاك بِهِ مِنْ دَاءٍ فِي جَسَدِهِ كَأَنَّ الدَّاءَ أَقْعَدَهُ. وَعِنْدَ الْأَطِبَّاءِ: هُوَ الزَّمِنُ، وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ وَقَالَ: الْمُقْعَدُ الْمُتَشَنِّجُ الْأَعْضَاءِ. وَالزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ. وَقَالَ فِي فَصْلِ الزَّايِ: الزَّمِنُ الَّذِي طَالَ مَرَضُهُ زَمَانًا، وَقِيلَ الزَّمِنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُقْعَدُ وَالْأَعْمَى وَالْمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا. وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَعْرَجُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ وَالْأَشَلُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَفْلُوجٍ) وَهُوَ مَنْ بِهِ فَالِجٌ، وَهُوَ اسْتِرْخَاءٌ لِأَحَدِ شِقَّيْ الْإِنْسَانِ لِانْصِبَابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيٍّ تَنْسَدُّ مِنْهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ قَامُوسٌ
(قَوْلُهُ وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا) وَكَذَا الزَّمِنُ لَوْ كَانَ غَنِيًّا لَهُ مَرْكَبٌ وَخَادِمٌ، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حِلْيَةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اتِّفَاقٌ، وَالْخِلَافُ فِي الْجُمُعَةِ لَا فِي الْجَمَاعَةِ اهـ لَكِنْ الْمَسْطُورُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ خِلَافُهُ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَلَا عَلَى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَطَرٌ وَطِينٌ) أَشَارَ بِالْحَيْلُولَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَطَرُ الْكَثِيرُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. وَكَذَا الطِّينُ وَفِي الْحِلْيَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ، فَقَالَ: لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ: الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ، يَعْنِي قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا ابْتَلَّتْ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ» وَالنِّعَالُ: هُنَا الْأَرَاضِي الصِّلَابُ وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ شَرْحِ التُّمُرْتَاشِيِّ: وَاخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْأَمْطَارِ وَالثُّلُوجِ وَالْأَوْحَالِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ عُذْرًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ اشْتَدَّ التَّأَذِّي بِعُذْرٍ قَالَ الْحَسَنُ: أَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ،
وَبَرْدٌ شَدِيدٌ وَظُلْمَةٌ كَذَلِكَ) وَرِيحٌ لَيْلًا لَا نَهَارًا، وَخَوْفٌ عَلَى مَالِهِ، أَوْ مِنْ غَرِيمٍ أَوْ ظَالِمٍ، أَوْ مُدَافَعَةُ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ، وَإِرَادَةُ سَفَرٍ، وَقِيَامُهُ بِمَرِيضٍ، وَحُضُورُ طَعَامٍ (تَتَوَقَّهُ) نَفْسُهُ ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ، وَكَذَا اشْتِغَالُهُ بِالْفِقْهِ لَا بِغَيْرِهِ، كَذَا جَزَمَ بِهِ الْبَاقَانِيُّ تَبَعًا لِلْبَهْنَسِيِّ: أَيْ إلَّا إذَا وَاظَبَ تَكَاسُلًا فَلَا يُعْذَرُ، وَيُعَزَّرُ وَلَوْ بِأَخْذِ الْمَالِ يَعْنِي بِحَبْسِهِ عَنْهُ مُدَّةً وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بِتَأْوِيلِ بِدْعَةِ الْإِمَامِ
ــ
[رد المحتار]
لَيْسَ عَلَى مَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ لَا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا مِنْ آكَدِ الْفَرَائِضِ اهـ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ الْمُلَقِّنِ الشَّافِعِيِّ: وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النِّعَالَ جَمْعُ نَعْلٍ: وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ فِي صَلَابَةٍ، وَإِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ أَدْنَى بَلَلٍ يُنَدِّيهَا، بِخِلَافِ الرَّخْوَةِ فَإِنَّهَا تُنَشِّفُ الْمَاءَ. وَقِيلَ النِّعَالُ الْأَحْذِيَةُ (قَوْلُهُ وَبَرْدٌ شَدِيدٌ) لَمْ يَذْكُرْ الْحَرَّ الشَّدِيدَ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْحَرَّ الشَّدِيدَ إنَّمَا يَحْصُلُ غَالِبًا فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَقَدْ كُفِينَا مُؤْنَتَهُ بِسُنِّيَّةِ الْإِبْرَادِ، نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ هَذِهِ السُّنَّةَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَانَ الْحَرُّ الشَّدِيدُ عُذْرًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظُلْمَةٌ كَذَلِكَ) أَيْ شَدِيدَةٌ، فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ إلَى إيقَادِ نَحْوِ سِرَاجٍ وَإِنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِشِدَّةِ الظُّلْمَةِ كَوْنُهُ لَا يُبْصِرُ طَرِيقَهُ إلَى الْمَسْجِدِ فَيَكُونُ كَالْأَعْمَى.
(قَوْلُهُ وَرِيحٌ) أَيْ شَدِيدٌ أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ تَأَمَّلْ؛ وَإِنَّمَا كَانَ عُذْرًا لَيْلًا فَقَطْ لِعِظَمِ مَشَقَّتِهِ فِيهِ دُونَ النَّهَارِ (قَوْلُهُ وَخَوْفٌ عَلَى مَالِهِ) أَيْ مِنْ لِصٍّ وَنَحْوِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ غَلْقُ الدُّكَّانِ أَوْ الْبَيْتِ مَثَلًا، وَمِنْهُ خَوْفُهُ عَلَى تَلَفِ طَعَامٍ فِي قِدْرٍ أَوْ خُبْزٍ فِي تَنُّورٍ تَأَمَّلْ، وَانْظُرْ هَلْ التَّقْيِيدُ بِمَالِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ؟ وَالظَّاهِرُ عَدَمُهُ: لِأَنَّ لَهُ قَطْعَ الصَّلَاةِ لَهُ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ أَمَانَةً عِنْدَهُ كَوَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ رَهْنٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مِنْ غَرِيمٍ) أَيْ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُوَفِّي غَرِيمَهُ وَإِلَّا كَانَ ظَالِمًا (قَوْلُهُ أَوْ ظَالِمٍ) يَخَافُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ (قَوْلُهُ الْأَخْبَثَيْنِ) وَكَذَا الرِّيحُ (قَوْلُهُ وَإِرَادَةُ سَفَرٍ) أَيْ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَيَخْشَى أَنْ تَفُوتَهُ الْقَافِلَةُ بَحْرٌ؛ وَأَمَّا السَّفَرُ نَفْسُهُ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَقِيَامُهُ بِمَرِيضٍ) أَيْ يَحْصُلُ لَهُ بِغَيْبَتِهِ الْمَشَقَّةُ وَالْوَحْشَةُ، كَذَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ تَتُوقُهُ نَفْسُهُ) أَيْ تَشْتَاقُهُ وَتُنَازِعُهُ إلَيْهِ مِصْبَاحٌ، سَوَاءٌ كَانَ عَشَاءً أَوْ غَيْرَهُ لِشَغْلِ بَالِهِ إمْدَادٌ، وَمِثْلُهُ الشَّرَابُ، وَقُرْبُ حُضُورِهِ كَحُضُورِهِ فِيمَا يَظْهَرُ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ (قَوْلُهُ وَكَذَا اشْتِغَالُهُ بِالْفِقْهِ إلَخْ) عِبَارَةُ نُورِ الْإِيضَاحِ: وَتَكْرَارُ فِقَةٍ بِجَمَاعَةٍ تَفُوتُهُ، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَيْدَ لِغَيْرِهِ، وَرَمَزَ فِي الْقُنْيَةِ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ فِيمَنْ لَا يَحْضُرُهَا لِاسْتِغْرَاقِ أَوْقَاتِهِ فِي تَكْرِيرِ الْفِقْهِ لَا يُعْذَرُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ رَمَزَ لَهُ ثَانِيًا أَنَّهُ يُعْذَرُ، بِخِلَافِ مُكَرَّرِ اللُّغَةِ ثُمَّ وَفَّقَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُوَاظِبِ عَلَى التَّرْكِ تَهَاوُنًا، وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ أَيْ إلَّا إلَخْ (قَوْلُهُ فَلَا يُعْذَرُ وَيُعَزَّرُ) الْأَوَّلُ بِالذَّالِ وَالثَّانِي بِالزَّايِ (قَوْلُهُ يَعْنِي بِحَبْسِهِ عَنْهُ إلَخْ) صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ قَالُوا: هَذَا مِمَّا يُعْلَمُ وَيُكْتَمُ لِأَنَّ الظَّلَمَةَ صَيَّادُونَ لِأَخْذِ الْمَالِ مَتَى وَقَعَ فِي شَرَكِهِمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ، وَرُبَّمَا يُحْدِثُونَ لِلْإِنْسَانِ ذَنْبًا لَمْ يَفْعَلْهُ تَوَصُّلًا إلَى مَالِهِ اهـ. [تَتِمَّةٌ]
مَجْمُوعُ الْأَعْذَارِ الَّتِي مَرَّتْ مَتْنًا وَشَرْحًا عِشْرُونَ، وَقَدْ نَظَمْتهَا بِقَوْلِي:
أَعْذَارُ تَرْكِ جَمَاعَةٍ عِشْرُونَ قَدْ
…
أَوْدَعْتهَا فِي عَقْدِ نَظْمٍ كَالدُّرَرِ
مَرَضٌ وَإِقْعَادٌ عَمًى وَزَمَانَةٌ
…
مَطَرٌ وَطِينٌ ثُمَّ بَرْدٌ قَدْ أَضَرَّ
قَطْعٌ لِرِجْلٍ مَعَ يَدٍ أَوْ دُونَهَا
…
فَلَجٌ وَعَجْزُ الشَّيْخِ قَصْدٌ لِلسَّفَرِ
خَوْفٌ عَلَى مَالٍ كَذَا مِنْ ظَالِمٍ
…
أَوْ دَائِنٍ وَشُهِيَ أَكْلٌ قَدْ حَضَرَ
وَالرِّيحُ لَيْلًا ظُلْمَةٌ تَمْرِيضُ ذِي
…
أَلَمٍ مُدَافَعَةٌ لِبَوْلٍ أَوْ قَذَرٍ
ثُمَّ اشْتِغَالٌ لَا بِغَيْرِ الْفِقْهِ فِي
…
بَعْضٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ عُذْرٌ مُعْتَبَرٌ
أَوْ عَدَمِ مُرَاعَاتِهِ.
(وَالْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ) تَقْدِيمًا بَلْ نَصْبًا مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ (الْأَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ) فَقَطْ صِحَّةً وَفَسَادًا بِشَرْطِ اجْتِنَابِهِ لِلْفَوَاحِشِ الظَّاهِرَةِ، وَحِفْظِهِ قَدْرَ فَرْضٍ، وَقِيلَ وَاجِبٍ، وَقِيلَ سُنَّةٍ (ثُمَّ الْأَحْسَنُ تِلَاوَةً) وَتَجْوِيدًا (لِلْقِرَاءَةِ، ثُمَّ الْأَوْرَعُ) أَيْ الْأَكْثَرُ اتِّقَاءً لِلشُّبُهَاتِ. وَالتَّقْوَى: اتِّقَاءَ الْمُحَرَّمَاتِ (ثُمَّ الْأَسَنُّ) أَيْ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا، فَيُقَدَّمُ شَابٌّ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ، وَقَالُوا: يُقَدَّمُ الْأَقْدَمُ وَرَعًا. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الزَّادِ: وَعَلَيْهِ يُقَاسُ سَائِرُ الْخِصَالِ، فَيُقَالُ: يُقَدَّمُ أَقْدَمُهُمْ عِلْمًا وَنَحْوَهُ، وَحِينَئِذٍ فَقَلَّمَا يُحْتَاجُ لِلْقُرْعَةِ (ثُمَّ الْأَحْسَنُ خُلُقًا) بِالضَّمِّ أُلْفَةً بِالنَّاسِ (ثُمَّ الْأَحْسَنُ وَجْهًا) أَيْ أَكْثَرُهُمْ تَهَجُّدًا؛ زَادَ فِي الزَّادِ:
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ أَوْ عَدَمُ مُرَاعَاتِهِ) أَيْ لِمَذْهَبِ الْمُقْتَدِي فِيمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ
(قَوْلُهُ تَقْدِيمًا) أَيْ عَلَى مَنْ حَضَرَ مَعَهُ (قَوْلُهُ بَلْ نَصْبًا) أَيْ لِلْإِمَامِ الرَّاتِبِ (قَوْلُهُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ فَقَطْ) أَيْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَبَحِّرٍ فِي بَقِيَّةِ الْعُلُومِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمُتَبَحِّرِ، كَذَا فِي زَادَ الْفَقِيرِ عَنْ شَرْحِ الْإِرْشَادِ (قَوْلُهُ بِشَرْطِ اجْتِنَابِهِ إلَخْ) كَذَا فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى. وَعِبَارَةُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ: الْأَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ أَوْلَى، إلَّا أَنْ يُطْعَنَ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَرْغَبُونَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ (قَوْلُهُ قَدْرَ فَرْضٍ) أَخَذَهُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ مِنْ قَوْلِ الْكَافِي قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ، بِنَاءً عَلَى أَنْ تَجُوزَ بِمَعْنَى تَصِحُّ لَا بِمَعْنَى تَحِلُّ.
(قَوْلُهُ وَقِيلَ وَاجِبٌ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا لَكِنْ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي لِأَنَّ الْجَوَازَ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْحِلِّ؛ بَلْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: يَنْبَغِي حَمْلُ الْجَوَازِ الْمَذْكُورِ عَلَى مَا يَشْمَلُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) قَائِلُهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ كَمَا فِي النَّهْرِ؛ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ. قَالَ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ هَذَا التَّقْدِيمُ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ فَالْأَنْسَبُ لَهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَحْسَنُ تِلَاوَةً وَتَجْوِيدًا) أَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ أَقْرَأُ: أَيْ أَجْوَدُ، لَا أَكْثَرُهُمْ حِفْظًا وَإِنْ جَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ مُتَبَادِرًا، وَمَعْنَى الْحَسَنِ فِي التِّلَاوَة أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكَيْفِيَّةِ الْحُرُوفِ وَالْوَقْفِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْ الْأَكْثَرُ اتِّقَاءً لِلشُّبُهَاتِ) الشُّبْهَةُ: مَا اشْتَبَهَ حِلُّهُ وَحُرْمَتُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ الْوَرَعِ التَّقْوَى بِلَا عَكْسٍ. وَالزُّهْدُ: تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ الْحَلَالِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبْهَةِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ الْوَرَعِ، وَلَيْسَ فِي السُّنَّةِ ذِكْرُ الْوَرَعِ، بَلْ الْهِجْرَةُ عَنْ الْوَطَنِ. فَلَمَّا نُسِخَتْ أُرِيدَ بِهَا هِجْرَةُ الْمَعَاصِي بِالْوَرَعِ، فَلَا تَجِبُ هِجْرَةٌ إلَّا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ ط (قَوْلُهُ أَيْ الْأَقْدَمُ إسْلَامًا) اسْتَنْبَطَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ تَعْلِيلِ الْبَدَائِعِ، بِأَنَّ مَنْ امْتَدَّ عُمْرُهُ فِي الْإِسْلَامِ كَانَ أَكْثَرَ طَاعَةً. أَقُولُ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَنِّ الْأَكْبَرُ سِنًّا كَمَا هُوَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ «فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا» وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ أَكْثَرِ الْكُتُبِ فَيَكُونُ الْكَلَامُ فِي الْمُسْلِمِ الْأَصْلِيِّ، نَعَمْ أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ «فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا» وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا آخَرَ لِلتَّرْجِيحِ فِيمَنْ عَرَضَ إسْلَامُهُ فَيُقَدَّمُ شَابٌّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى شَيْخٍ أَسْلَمَ، أَمَّا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ أَسْلَمَا مَعًا يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ سِنًّا، لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّ الْأَكْبَرَ سِنًّا يَكُونُ أَخْشَعَ قَلْبًا عَادَةً وَأَعْظَمَ حُرْمَةً وَرَغْبَةُ النَّاسِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ أَكْثَرُ فَيَكُونُ فِي تَقْدِيمِهِ تَكْثِيرُ الْجَمَاعَةِ. اهـ.
هَذَا: وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ عَلَى الْأَسَنِّ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَعَكَسَ فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ عَنْ الزَّادِ) أَيْ زَادِ الْفَقِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ بِالضَّمِّ) أَيْ ضَمِّ الْخَاءِ، أَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ أَكْثَرُهُمْ تَهَجُّدًا) تَفْسِيرٌ بِالْمَلْزُومِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ التَّهَجُّدِ حُسْنُ الْوَجْهِ، لِحَدِيثِ «مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ» وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ، بَلْ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ صَبَاحَةَ الْوَجْهِ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح (قَوْلُهُ زَادَ فِي الزَّادِ إلَخْ) أَقُولُ: لَيْسَ فِيهِ
ثُمَّ أَصْبَحُهُمْ: أَيْ أَسْمَحُهُمْ وَجْهًا، ثُمَّ أَكْثَرُهُمْ حَسَبًا (ثُمَّ الْأَشْرَفُ نَسَبًا) زَادَ فِي الْبُرْهَانِ: ثُمَّ الْأَحْسَنُ صَوْتًا. وَفِي الْأَشْبَاهِ قَبِيلَ ثَمَنِ الْمِثْلِ: ثُمَّ الْأَحْسَنُ زَوْجَةً. ثُمَّ الْأَكْثَرُ مَالًا، ثُمَّ الْأَكْثَرُ جَاهًا (ثُمَّ الْأَنْظَفُ ثَوْبًا) ثُمَّ الْأَكْبَرُ رَأْسًا وَالْأَصْغَرُ عُضْوًا، ثُمَّ الْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ، ثُمَّ الْحُرُّ الْأَصْلِيُّ عَلَى الْعَتِيقِ. ثُمَّ الْمُتَيَمِّمُ عَنْ حَدَثٍ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ عَنْ جَنَابَةٍ.
[فَائِدَةٌ] لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ فِي التَّزَاحُمِ إلَّا بِمُرَجِّحٍ، وَمِنْهُ السَّبْقُ إلَى الدَّرْسِ وَالْإِفْتَاءِ وَالدَّعْوَى، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الْمَجِيءِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ اهـ كَلَامُ الْأَشْبَاهِ. وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ حَظْرِ التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ يُقَدَّمُ السَّابِقُ؛ فَإِنْ اخْتَلَفُوا وَثَمَّةَ بَيِّنَةٌ فِيهَا، وَإِلَّا أُقْرِعَ كَمَجِيئِهِمْ مَعًا كَمَا فِي الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى إذَا لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ مَاتُوا مَعًا. اهـ. وَفِي مَحَاسِنِ الْقُرَّاءِ لِابْنِ وَهْبَانَ: وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّيْخِ مَعْلُومٌ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى تَقْدِيمِ الْأَسْبَقِ، وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّهُ ابْنُ كَثِيرٍ (فَإِنْ اسْتَوَوْا يُقْرَعُ) بَيْنَ الْمُسْتَوِيَيْنِ (أَوْ الْخِيَارُ إلَى الْقَوْمِ) فَإِنْ اخْتَلَفُوا
ــ
[رد المحتار]
زِيَادَةٌ. وَنَصُّ عِبَارَةِ الزَّادِ بَعْدَ الْخَلْقِ هَكَذَا: فَإِنْ تُسَاوَوْا فَأَصْبَحُهُمْ وَجْهًا. وَقَيَّدَهُ فِي الْكَافِي بِمَنْ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِنْ تُسَاوَوْا فَأَشْرَفُهُمْ نَسَبًا إلَخْ (قَوْلُهُ أَيْ أَسْمَحُهُمْ وَجْهًا) عِبَارَةٌ عَنْ بَشَاشَتِهِ فِي وَجْهِ مَنْ يَلْقَاهُ وَابْتِسَامِهِ لَهُ، وَهَذَا يُغَايِرُ الْحُسْنَ الَّذِي هُوَ تَنَاسُبُ الْأَعْضَاءِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ ثُمَّ أَكْثَرُهُمْ حَسَبًا) الظَّاهِرُ أَنَّ [الْحَسَبَ] بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ لَا بِالنُّونِ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي شَرْحِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدَّمَ فِي الْفَتْحِ الْحَسَبَ عَلَى صَبَاحَةِ الْوَجْهِ. اهـ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْحَسَبُ مَا تَعُدُّهُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِك، أَوْ الْمَالُ، أَوْ الدِّينُ، أَوْ الْكَرَمُ، أَوْ الشَّرَفُ فِي الْفِعْلِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَحْسَنُ زَوْجَةً) لِأَنَّهُ غَالِبًا يَكُونُ أَحَبَّ لَهَا وَأَعَفَّ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِغَيْرِهَا. وَهَذَا مِمَّا يُعْلَمُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ أَوْ الْأَرْحَامِ أَوْ الْجِيرَانِ، إذْ لَيْسَ الْمُرَادَ أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَوْصَافَ زَوْجَتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ زَوْجَةً (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَكْثَرُ مَالًا) إذْ بِكَثْرَتِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَوْصَافِ يَحْصُلُ لَهُ الْقَنَاعَةُ وَالْعِفَّةُ فَيَرْغَبُ النَّاسُ فِيهِ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْأَكْبَرُ رَأْسًا إلَخْ) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى كِبَرِ الْعَقْلِ يَعْنِي مَعَ مُنَاسَبَةِ الْأَعْضَاءِ لَهُ، وَإِلَّا فَلَوْ فَحُشَ الرَّأْسُ كِبَرًا وَالْأَعْضَاءُ صِغَرًا كَانَ دَلَالَةً عَلَى اخْتِلَالِ تَرْكِيبِ مِزَاجِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِعَدَمِ اعْتِدَالِ عَقْلِهِ اهـ ح. وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ؛ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا لَا يَلِيقُ أَنْ يُذْكَرَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُكْتَبَ اهـ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُضْوِ الذَّكَرُ (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُقِيمُ عَلَى الْمُسَافِرِ) وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْجَمَاعَةُ مُسَافِرِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَهَذَا مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ فِي الرَّبَاعِيَةِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ ثُمَّ الْمُتَيَمِّمُ عَنْ حَدَثٍ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ عَنْ جَنَابَةٍ) كَذَا أَجَابَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَيْضِ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى. كَذَا فِي الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْحَدَثَ أَخَفُّ مِنْ الْجَنَابَةِ، لَكِنْ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: الْمُتَيَمِّمُ عَنْ الْجَنَابَةِ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ عَنْ حَدَثٍ.
وَنَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْهَا مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ طَهَارَتَهُ أَقْوَى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْغُسْلِ لَا يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُرَجَّحِ (قَوْلُهُ وَالْإِفْتَاءِ) الْأَوْلَى وَالِاسْتِفْتَاءِ (قَوْلُهُ وَالدَّعْوَى) أَيْ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي (قَوْلُهُ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) أَيْ إذَا تَنَازَعُوا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى) التَّشْبِيهُ فِي أَنَّ التَّرْتِيبَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ كَانَ كَالْمَعِيَّةِ لَا فِي الْقُرْعَةِ أَيْضًا، فَإِنَّهَا لَا تَتَأَتَّى فِي الْحَرْقَى وَالْغَرْقَى ح (قَوْلُهُ مَعْلُومٌ) أَيْ وَظِيفَةٌ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ أَوْ مِنْ الطَّلَبَةِ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ مَنْ شَاءَ) لِأَنَّهُ لَهُ أَنْ لَا يُقْرِئَهُمْ أَصَلَاحٌ (قَوْلُهُ وَأَوَّلُ مَنْ سَنَّهُ ابْنُ كَثِيرٍ) قَالَ السَّمْهُودِيُّ فِي جَوْهَرِ الْعِقْدَيْنِ. رُوِيَ «أَنَّ أَنْصَارِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُهُ. وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَخَا ثَقِيفٍ إنَّ الْأَنْصَارِيَّ قَدْ سَبَقَك بِالْمَسْأَلَةِ فَاجْلِسْ كَيْمَا نَبْدَأُ بِحَاجَةِ الْأَنْصَارِيِّ قَبْلَ حَاجَتِك» اهـ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمْ؛ وَلَوْ قَدَّمُوا غَيْرَ الْأَوْلَى أَسَاءُوا بِلَا إثْمٍ.
(وَ) اعْلَمْ أَنَّ (صَاحِبَ الْبَيْتِ) وَمِثْلُهُ إمَامِ الْمَسْجِدِ الرَّاتِبُ (أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْرِهِ) مُطْلَقًا (إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سُلْطَانٌ أَوْ قَاضٍ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِمَا، وَصَرَّحَ الْحَدَّادِيُّ بِتَقْدِيمِ الْوَالِي عَلَى الرَّاتِبِ (وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ مِنْ الْمَالِكِ) لِمَا مَرَّ.
(وَلَوْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، إنْ) الْكَرَاهَةُ (لِفَسَادٍ فِيهِ أَوْ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ تَحْرِيمًا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» (وَإِنْ هُوَ أَحَقَّ لَا) وَالْكَرَاهَةُ عَلَيْهِمْ.
(وَيُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (إمَامَةُ عَبْدٍ) وَلَوْ مُعْتَقًا قُهُسْتَانِيٌّ. عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَلَعَلَّهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَقَدُّمِ الْحَرِّ الْأَصْلِيِّ، إذْ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ فَتَنَبَّهْ (وَأَعْرَابِيٌّ)
ــ
[رد المحتار]
وَابْنُ كَثِيرٍ تَابِعٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ لَهُ مَعْلُومٌ وَغَيْرُهُ، نَعَمْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ ذِي الْمَعْلُومِ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا حَضَرَا مَعًا رَحْمَتِيٌّ: أَيْ فَيُقْرَعُ لَوْ لَهُ مَعْلُومٌ وَإِلَّا يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمْ) لَا يَظْهَرُ هَذَا إلَّا فِي الْمَنْصِبِ، وإلَّا فَكُلٌّ يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يَخْتَارُهُ ط لَكِنْ فِيهِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ أَسَاءُوا بِلَا إثْمٍ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ فِي الْفِقْهِ وَالصَّلَاحِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا أَقْرَأُ فَقَدَّمَ الْقَوْمُ الْآخَرَ فَقَدْ أَسَاءُوا وَتَرَكُوا السُّنَّةَ وَلَكِنْ لَا يَأْثَمُونَ، لِأَنَّهُمْ قَدَّمُوا رَجُلًا صَالِحًا، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْإِمَارَةِ وَالْحُكُومَةِ، أَمَّا الْخِلَافَةُ وَهِيَ الْإِمَامَةُ الْكُبْرَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكُوا الْأَفْضَلَ، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ اهـ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَأَقْرَأُ مِنْهُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: جَمَاعَةٌ أَضْيَافٌ فِي دَارٍ نُرِيدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَالِكُ، فَإِنْ قَدَّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِعِلْمِهِ وَكِبَرِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَإِذَا تَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ جَازَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَالِكَ يَأْذَنُ لِضَيْفِهِ إكْرَامًا لَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَصَرَّحَ الْحَدَّادِيُّ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ خَاصٍّ بِالسُّلْطَانِ الْعَامِّ الْوِلَايَةِ، وَلَا بِالْقَاضِي الْخَاصِّ الْوِلَايَةِ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، بَلْ مِثْلُهَا الْوَالِي، وَأَنَّ الْإِمَامَ الرَّاتِبَ كَصَاحِبِ الْبَيْتِ فِي ذَلِكَ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَأَمَّا إذَا اجْتَمَعُوا فَالسُّلْطَانُ مُقَدَّمٌ، ثُمَّ الْأَمِيرُ، ثُمَّ الْقَاضِي، ثُمَّ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَلَوْ مُسْتَأْجِرًا، وَكَذَا يُقَدَّمُ الْقَاضِي عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَعِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ) لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ، وَالْمُعِيرُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ، بِخِلَافِ الْمُؤَجِّرِ، لَكِنَّهُ مَا لَمْ يَرْجِعْ يَبْقَى الْمُسْتَعِيرُ أَحَقَّ، وَالْكَلَامُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ لَمْ تَبْقَ الْعَارِيَّةُ وَخَرَجَتْ الْمَسْأَلَةُ عَنْ مَوْضُوعِهَا فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِمَا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِعُمُومِ الْوِلَايَةِ عُمُومُهَا لِلنَّاسِ، وَهَذَانِ لَيْسَا كَذَلِكَ: فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُمَا فِي هَذَا الْحَالَةِ دُونَ الْمَالِكِ ح (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ إلَخْ) هَكَذَا رَوَاهُ فِي النَّهْرِ بِالْمَعْنَى، وَعَزَاهُ إلَى الْحَلَبِيِّ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْحِلْيَةِ ذَكَرَهُ مُطَوَّلًا، وَنَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَالْكَرَاهَةُ عَلَيْهِمْ) جَزَمَ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ الْأَوْلَى تَحْرِيمِيَّةٌ لِلْحَدِيثِ، وَتَرَدَّدَ فِي هَذِهِ
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا إلَخْ) لِقَوْلِهِ فِي الْأَصْلِ: إمَامَةُ غَيْرِهِمْ أَحَبُّ إلَيَّ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْمِعْرَاجِ، ثُمَّ قَالَ: فَيُكْرَهُ لَهُمْ التَّقَدُّمُ؛ وَيُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ تَنْزِيهًا؛ فَإِنْ أَمْكَنَ الصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِمْ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالِاقْتِدَاءُ أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُعْتَقًا) يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ؛ فَإِنَّ الْمُعْتَقَ عَبْدٌ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ؛ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ الْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْعَبْدِ مَنْ اتَّصَفَ بِالرِّقِّ وَقْتًا مَا، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَالِ أَوْ فِيمَا مَضَى ح (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ) أَيْ وَلَعَلَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ الْمُعْتَقِ مَا قَدَّمْنَاهُ إلَخْ فَإِنَّ تَقْدِيمَ الْحُرِّ الْأَصْلِيِّ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَتَرْكُهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، فَلِذَا قَالَ: إذْ الْكَرَاهَةُ إلَخْ. وَفِي نُسْخَةٍ: وَالْعِلَّةُ أَيْ وَالْعِلَّةُ فِي كَرَاهَةِ إمَامَةِ الْمُعْتَقِ أَنَّ الْحُرَّ الْأَصْلِيَّ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ لِأَنَّهُ نَشَأَ فِي الرِّقِّ مُشْتَغِلًا بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى لَمْ يَتَفَرَّغْ لِلتَّعَلُّمِ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَعْرَابِيٍّ) نِسْبَةُ إلَى الْأَعْرَابِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ،
وَمِثْلُهُ تُرْكُمَانٌ وَأَكْرَادٌ وَعَامِّيٌّ (وَفَاسِقٌ وَأَعْمَى) وَنَحْوُهُ الْأَعْشَى نَهْرٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) أَيْ غَيْرُ الْفَاسِقِ (أَعْلَمَ الْقَوْمِ) فَهُوَ أَوْلَى (وَمُبْتَدِعٌ) أَيْ صَاحِبُ بِدْعَةٍ وَهِيَ اعْتِقَادُ خِلَافِ الْمَعْرُوفِ عَنْ الرَّسُولِ
ــ
[رد المحتار]
وَلَبِسَ جَمْعًا لِعَرَبٍ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، لَكِنْ فِي الرِّضَى الظَّاهِرُ أَنَّهُ جَمْعٌ قُهُسْتَانِيٌّ وَهُوَ مَنْ يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا بَحْرٌ، وَخَصَّهُ فِي الْمِصْبَاحِ بِأَهْلِ الْبَدْوِ مِنْ الْعَرَبِ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ إلَخْ) مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ لَا يَشْمَلُ الْأَعْجَمِيَّ، وَإِلَّا فَالْمُنَاسِبُ: وَمِنْهُ. وَالْعِلَّةُ فِي الْكُلِّ غَلَبَةُ الْجَهْلِ (قَوْلُهُ وَفَاسِقٌ) مِنْ الْفِسْقِ: وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الِاسْتِقَامَةِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ كَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَالزَّانِي وَآكِلِ الرِّبَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إسْمَاعِيلُ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْفَاسِقِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِهَا يَجِدُ إمَامًا غَيْرَهُ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ فِي الْجُمُعَةِ إذَا تَعَدَّدَتْ إقَامَتُهَا فِي الْمِصْرِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْمُفْتَى بِهِ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ إلَى التَّحَوُّلِ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ الْأَعْشَى) هُوَ سَيِّئُ الْبَصَرِ لَيْلًا وَنَهَارًا قَامُوسٌ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ الْأَعْمَى بِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ (قَوْلُهُ أَيْ غَيْرُ الْفَاسِقِ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ: حَيْثُ قَالَ: قَيَّدَ كَرَاهَةَ إمَامَةِ الْأَعْمَى فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ أَفْضَلَ الْقَوْمِ، فَإِنْ كَانَ أَفْضَلَهُمْ فَهُوَ أَوْلَى اهـ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي جَرَيَانُ هَذَا الْقَيْدِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ عَلَّلَ لِلْكَرَاهَةِ بِغَلَبَةِ الْجَهْلِ فِيهِمْ، وَبِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِمْ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ، وَمُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ مَعَ انْتِفَاءِ الْجَهْلِ، لَكِنْ وَرَدَ فِي الْأَعْمَى نَصٌّ خَاصٌّ هُوَ «اسْتِخْلَافُهُ صلى الله عليه وسلم لِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَعِتْبَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَا أَعْمَيَيْنِ» ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الرِّجَالِ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُمَا، وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْأَعْمَى. اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ خَاصٌّ بِالْأَعْمَى، أَمَّا غَيْرُهُ فَلَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ بِعِلْمِهِ، لَكِنْ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ عُدِمَتْ أَيْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ بِأَنْ كَانَ الْأَعْرَابِيُّ أَفْضَلَ مِنْ الْحَضَرِيِّ، وَالْعَبْدُ مِنْ الْحُرِّ، وَوَلَدُ الزِّنَا مِنْ وَلَدِ الرِّشْدَةِ، وَالْأَعْمَى مِنْ الْبَصِيرِ فَالْحُكْمُ بِالضِّدِّ اهـ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ وَشَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ تَنْفِيرَ الْجَمَاعَةِ بِتَقْدِيمِهِ يَزُولُ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ، بَلْ التَّنْفِيرُ يَكُونُ فِي تَقَدُّمِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَقَدْ عَلَّلُوا كَرَاهَةَ تَقْدِيمِهِ بِأَنَّهُ لَا يُهْتَمُّ لِأَمْرِ دِينِهِ، وَبِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ لِلْإِمَامَةِ تَعْظِيمَهُ، وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ إهَانَتُهُ شَرْعًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِ لَا تَزُولُ الْعِلَّةُ، فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فَهُوَ كَالْمُبْتَدِعِ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ، بَلْ مَشَى فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَلَى أَنَّ كَرَاهَةَ تَقْدِيمِهِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ: وَلِذَا لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ أَصْلًا عِنْدَ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، فَلِذَا حَاوَلَ الشَّارِحُ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَحَمَلَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى غَيْرِ الْفَاسِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ الْبِدْعَةُ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ
(قَوْلُهُ أَيْ صَاحِبُ بِدْعَةٍ) أَيْ مُحَرَّمَةٍ، وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ وَاجِبَةً، كَنَصْبِ الْأَدِلَّةِ لِلرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ، وَتَعَلُّمِ النَّحْوِ الْمُفْهِمِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَنْدُوبَةً كَإِحْدَاثِ نَحْوِ رِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَكُلِّ إحْسَانٍ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَمَكْرُوهَةٍ كَزَخْرَفَةِ الْمَسَاجِدِ. وَمُبَاحَةٍ كَالتَّوَسُّعِ بِلَذِيذِ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَالثِّيَابِ كَمَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ عَنْ تَهْذِيبِ النَّوَوِيِّ، وَبِمِثْلِهِ فِي الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِلْبِرْكِلِيِّ (قَوْلُهُ وَهِيَ اعْتِقَادُ إلَخْ) عَزَاهُ هَذَا التَّعْرِيفِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِقَادَ يَشْمَلُ مَا كَانَ مَعَهُ عَمَلٌ أَوْ لَا، فَإِنَّ مَنْ تَدَيَّنَ بِعَمَلٍ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَقِدَهُ كَمَسْحِ الشِّيعَةِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ وَإِنْكَارِهِمْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَيُسَاوِي تَعْرِيفَ الشُّمُنِّيِّ لَهَا بِأَنَّهَا مَا أُحْدِثَ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ الْمُتَلَقَّى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ حَالٍ
لَا بِمُعَانَدَةٍ بَلْ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبْلَتِنَا (لَا يَكْفُرُ بِهَا) حَتَّى الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَسَبَّ الرَّسُولِ، وَيُنْكِرُونَ صِفَاتِهِ تَعَالَى وَجَوَازَ رُؤْيَتِهِ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ بِدَلِيلِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ، إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ (وَإِنْ) أَنْكَرَ بَعْضَ مَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً (كَفَرَ بِهَا) كَقَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ وَإِنْكَارُهُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ
ــ
[رد المحتار]
بِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَاسْتِحْسَانٍ، وَجُعِلَ دَيْنًا قَوِيمًا وَصِرَاطًا مُسْتَقِيمًا اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَا بِمُعَانِدَةٍ) أَمَّا لَوْ كَانَ مُعَانِدًا لِلْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا أَصْلًا كَإِنْكَارِ الْحَشْرِ أَوْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا (قَوْلُهُ بَلْ بِنَوْعِ شُبْهَةٍ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً كَقَوْلِ مُنْكِرِ الرُّؤْيَةِ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُرَى لِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ قِبْلَتِنَا لَا يَكْفُرُ بِهَا) أَيْ بِالْبِدْعَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى شُبْهَةٍ إذْ لَا خِلَافَ فِي كُفْرِ الْمُخَالِفِ فِي ضَرُورِيَّاتِ الْإِسْلَامِ مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ الْمُوَاظِبِ طُولَ عُمْرِهِ عَلَى الطَّاعَاتِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ (قَوْلُهُ حَتَّى الْخَوَارِجُ) أَرَادَ بِهِمْ مَنْ خَرَجَ عَنْ مُعْتَقَدِ أَهْلِ الْحَقِّ لَا خُصُوصَ الْفِرْقَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْإِمَامِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَفَّرُوهُ، فَيَشْمَلُ الْمُعْتَزِلَةَ وَالشِّيعَةَ وَغَيْرَهُمْ (قَوْلُهُ وَسَبَّ الرَّسُولِ) هَكَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ، وَرَأَيْته كَذَلِكَ فِي الْخَزَائِنِ بِخَطِّ الشَّارِحِ، وَفِيهِ أَنَّ سَابَّ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَافِرٌ قَطْعًا، فَالصَّوَابُ وَسَبَّ أَصْحَابِ الرَّسُولِ، وَقَيَّدَهُمْ الْمُحَشِّي بِغَيْرِ الشَّيْخَيْنِ لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ أَنَّ سَابَّهُمَا أَوْ أَحَدِهِمَا كَافِرٌ.
أَقُولُ: مَا سَيَأْتِي مَحْمُولٌ عَلَى سَبِّهِمَا بِلَا شُبْهَةٍ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ سَابَّهُمَا أَوْ مُنْكِرُ خِلَافَتِهِمَا إذَا بَنَاهُ عَلَى شُبْهَةٍ لَهُ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ كُفْرًا فِي حَدِّ ذَاتِهِ لِأَنَّهُمْ يُنْكِرُونَ حُجِّيَّةَ الْإِجْمَاعِ بِإِتْهَامِهِمْ الصَّحَابَةَ، فَكَانَ شُبْهَةً فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَتْ بَاطِلَةً، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَأَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ شُبْهَةٍ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعٍ فِي الِاجْتِهَادِ، بَلْ مَحْضُ هَوًى، وَتَمَامُهُ فِيهِ فَرَاجِعْهُ: وَقَدْ أَوْضَحْت هَذَا الْمَقَامَ فِي كِتَابِي: [تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ عَلَى أَحْكَامِ شَاتِمِ خَيْرِ الْأَنَامِ أَوْ أَحَدِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ](قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا يَكْفُرُ بِهَا. قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي أَوَاخِرِ التَّحْرِيرِ: وَجَهْلُ الْمُبْتَدِعِ كَالْمُعْتَزِلَةِ مَانِعِي ثُبُوتِ الصِّفَاتِ الزَّائِدَةِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَالشَّفَاعَةِ وَخُرُوجِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا، لِوُضُوحِ الْأَدِلَّةِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، لَكِنْ لَا يَكْفُرُ، إذْ تَمَسُّكُهُ بِالْقُرْآنِ أَوْ الْحَدِيثِ أَوْ الْعَقْلِ، وَلِلنَّهْيِ عَنْ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ وَلَا شَهَادَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ، وَعَدَمُهُ فِي الْخَطَابِيَّةِ لَيْسَ لِكُفْرِهِمْ: أَيْ بَلْ لِتَدَيُّنِهِمْ شَهَادَةَ الزُّورِ لِمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِمْ أَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ.
وَأَوْرَدَ أَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْمَعْصِيَةِ كُفْرٌ. وَأُجِيبَ إذَا كَانَ عَنْ مُكَابَرَةٍ وَعَدَمِ دَلِيلٍ، بِخِلَافِ مَا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَالْمُبْتَدِعُ مُخْطِئٌ فِي تَمَسُّكِهِ لَا مُكَابِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمِنَّا مَنْ كَفَّرَهُمْ) أَيْ مِنَّا مَعْشَرَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَنْ كَفَّرَ الْخَوَارِجَ: أَيْ أَصْحَابَ الْبِدَعِ؛ أَوْ الْمُرَادُ مِنَّا مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ. وَأَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَنَا خِلَافُهُ، فَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ فُرُوعًا تَدُلُّ عَلَى كُفْرِ بَعْضِهِمْ. ثُمَّ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ تَكْفِيرِ أَحَدٍ مِنْ الْمُخَالِفِينَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ الْأُصُولِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً إلَخْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ جِسْمٌ كَالْأَجْسَامِ) وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ كَالْأَجْسَامِ، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَا كَالْأَجْسَامِ فَلَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إطْلَاقُ لَفْظِ الْجِسْمِ الْمُوهِمِ لِلنَّقْصِ فَرَفَعَهُ بِقَوْلِهِ لَا كَالْأَجْسَامِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدَ الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِنْكَارُهُ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ قَوْله تَعَالَى - {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} [التوبة: 40]- ح. وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: وَمَنْ أَنْكَرَ خِلَافَةَ الصِّدِّيقِ أَوْ عُمَرَ فَهُوَ كَافِرٌ اهـ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إنْكَارُ اسْتِحْقَاقِهِمَا الْخِلَافَةَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ لَا إنْكَارُ وُجُودِهَا لَهُمَا بَحْرٌ.
(فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَصْلًا) فَلْيُحْفَظْ (وَوَلَدُ الزِّنَا) هَذَا إنْ وُجِدَ غَيْرُهُمْ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ بَحْرٌ بَحْثًا.
وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: صَلَّى خَلَفَ فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدَعٍ نَالَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ، وَكَذَا تُكْرَهُ خَلْفَ أَمْرَدَ وَسَفِيهٍ وَمَفْلُوجٍ، وَأَبْرَصَ شَاعَ بَرَصُهُ، وَشَارِبِ الْخَمْرِ وَآكِلِ الرِّبَا وَنَمَّامٍ، وَمُرَاءٍ وَمُتَصَنِّعٍ
وَمَنْ أَمَّ بِأُجْرَةٍ قُهُسْتَانِيٌّ زَادَ ابْنُ مَلِكٍ: وَمُخَالِفٌ كَشَافِعِيٍّ؟
ــ
[رد المحتار]
وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْكُفْرِ بِإِنْكَارِ الْخِلَافَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ شُبْهَةٍ كَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، بِخِلَافِ إنْكَارِ صُحْبَةِ الصِّدِّيقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَصْلًا) تَأْكِيدٌ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَالَةِ كَذَا وَلَا فِي حَالَةِ كَذَا إذْ لَيْسَ هُنَا أَحْوَالٌ ح (قَوْلُهُ وَوَلَدُ الزِّنَا) إذْ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ وَيُؤَدِّبُهُ وَيُعَلِّمُهُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ بَحْرٌ، أَوْ لِنُفْرَةِ النَّاسِ عَنْهُ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ إمَامَةِ الْمَذْكُورِينَ (قَوْلُهُ إنْ وُجِدَ غَيْرُهُمْ) أَيْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ بَحْرٌ بَحْثًا) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَنْقُولِ عَنْ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ نَالَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ) أَفَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُمَا أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَادِ، لَكِنْ لَا يَنَالُ كَمَا يَنَالُ خَلْفَ تَقِيٍّ وَرَعٍ لِحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ عَالِمٍ تَقِيٍّ فَكَأَنَّمَا صَلَّى خَلْفَ نَبِيٍّ» قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَمْ يَجِدْهُ الْمُخَرِّجُونَ نَعَمْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مَرْفُوعًا «إنْ سَرَّكُمْ أَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ صَلَاتَكُمْ فَلْيَؤُمَّكُمْ خِيَارُكُمْ، فَإِنَّهُمْ وَفْدُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ» . اهـ. مَطْلَبٌ فِي إمَامَةِ الْأَمْرَدِ
(قَوْلُهُ وَكَذَا تُكْرَهُ خَلْفَ أَمْرَدَ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ أَيْضًا. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا كَمَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّبِيحُ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْفِتْنَةِ، وَهَلْ يُقَالُ هُنَا أَيْضًا: إذَا كَانَ أَعْلَمَ الْقَوْمِ تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ: فَإِنْ كَانَتْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ خَشْيَةَ الشَّهْوَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ غَلَبَةَ الْجَهْلِ أَوْ نُفْرَةَ النَّاسِ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَهُ فَنَعَمْ فَتَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَا الْعِذَارِ الصَّبِيحَ الْمُشْتَهَى كَالْأَمْرَدِ تَأَمَّلْ
هَذَا، وَفِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الْفَتَاوَى الْعَفِيفِيَّةِ: سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عِيسَى الْمُرْشِدِيُّ عَنْ شَخْصٍ بَلَغَ مِنْ السِّنِّ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَجَاوَزَ حَدَّ الْإِنْبَاتِ وَلَمْ يَنْبُتْ عِذَارُهُ، فَهَلْ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْأَمْرَدِيَّةِ، وَخُصُوصًا وَقَدْ نَبَتَ لَهُ شَعَرَاتٌ فِي ذَقَنِهِ تُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسْتَدِيرِي اللِّحَى، فَهَلْ حُكْمُهُ فِي الْإِمَامَةِ كَالرِّجَالِ الْكَامِلِينَ أَمْ لَا أَجَابَ: سُئِلَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الشَّلَبِيِّ مِنْ مُتَأَخِّرِي عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَنَاهِيك بِهِ قُدْوَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَلِكَ عَنْهَا الْمُفْتِي مُحَمَّدُ تَاجُ الدِّينِ الْقَلَعِيُّ فَأَجَابَ كَذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَفِيهٍ) هُوَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ عَلَى مُقْتَضَى الشَّرْعِ أَوْ الْعَدْلِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْحَجْرِ ط (قَوْلُهُ وَمَفْلُوجٍ وَأَبْرَصَ شَاعَ بَرَصُهُ) وَكَذَلِكَ أَعْرَجُ يَقُومُ بِبَعْضِ قَدَمِهِ، فَالِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ أَوْلَى تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَكَذَا أَجْذَمُ بُرْجُنْدِيٌّ، وَمَجْبُوبٌ وَحَاقِنٌ، وَمَنْ لَهُ يَدٌ وَاحِدَةٌ فَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ عَنْ التُّحْفَةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ النُّفْرَةُ، وَلِذَا قَيَّدَ الْأَبْرَصَ بِالشُّيُوعِ لِيَكُونَ ظَاهِرًا وَلِعَدَمِ إمْكَانِ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ أَيْضًا فِي الْمَفْلُوجِ وَالْأَقْطَعِ وَالْمَجْبُوبِ، وَلِكَرَاهَةِ صَلَاةِ الْحَاقِنِ أَيْ بِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَشَارِبِ الْخَمْرِ إلَى قَوْلِهِ وَمُتَصَنِّعٍ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِ الْمَتْنِ فَاسِقٌ ح.
وَالنَّمَّامُ: مَنْ يَنْقُلُ الْكَلَامَ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَيَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ قَبُولُهَا.
وَالْمُرَائِي: مَنْ يَقْصِدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، سَوَاءٌ تَكَلَّفَ تَحْسِينَ الطَّاعَاتِ أَوْ لَا. وَالْمُتَصَنِّعُ: مَنْ يَتَكَلَّفُ تَحْسِينَهَا فَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهُ ط
(قَوْلُهُ وَمَنْ أَمَّ بِأُجْرَةٍ) بِأَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِيُصَلِّيَ إمَامًا سَنَةً أَوْ شَهْرًا بِكَذَا، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ صَدَقَةٌ وَمَعُونَةٌ لَهُ رَحْمَتِيٌّ: أَيْ يُشْبِهُ الصَّدَقَةَ، وَيُشْبِهُ الْأُجْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَقْفِ.
عَلَى أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ مَذْهَبُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ لِلضَّرُورَةِ؛ بِخِلَافِ
لَكِنْ فِي وِتْرِ الْبَحْرِ إنْ تَيَقَّنَ الْمُرَاعَاةَ لَمْ يُكْرَهْ، أَوْ عَدَمَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ
(وَ)
ــ
[رد المحتار]
الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التِّلَاوَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَبَقِيَّةِ الطَّاعَاتِ مِمَّا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي وِتْرِ الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ جَنَحُوا إلَيْهِ، وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: إنْ كَانَ عَادَتُهُ مُرَاعَاةَ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ ح.
قُلْت: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لِرَأْيِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْتَاطُ كَمَا يَأْتِي فِي الْوِتْرِ (قَوْلُهُ إنْ تَيَقَّنَ الْمُرَاعَاةَ لَمْ يُكْرَهْ إلَخْ) أَيْ الْمُرَاعَاةُ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ شُرُوطٍ وَأَرْكَانٍ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يُرَاعِ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِ الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي الِاقْتِدَاءِ بِشَافِعِيٍّ وَنَحْوِهِ هَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا؟
وَظَاهِرُ كَلَامِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِالْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ كَالشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْكَرَاهَةِ. اهـ فَقَيَّدَ بِالْمُفْسِدِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا تَرَى. وَفِي رِسَالَةِ [الِاهْتِدَاءِ فِي الِاقْتِدَاءِ] لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِئُ: ذَهَبَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إلَى الْجَوَازِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَلَا.
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمُرَاعِي بِلَا كَرَاهَةٍ وَفِي غَيْرِهِ مَعَهَا. ثُمَّ الْمَوَاضِعُ الْمُهْمَلَةُ لِلْمُرَاعَاةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا فِيمَا هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا؛ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الِانْتِقَالَاتِ، وَجَهْرِ الْبَسْمَلَةِ وَإِخْفَائِهَا، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْخِلَافِ، فَكُلُّهُمْ يَتَّبِعُ مَذْهَبَهُ وَلَا يُمْنَعُ مَشْرَبَهُ اهـ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ: الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ خَاطِرِي الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مُفْسِدٌ. اهـ.
وَبَحَثَ الْمُحَشِّي أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَاعَى فِي الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ شَيْئًا كُرِهَ لِأَنَّ بَعْضَ مَا يَجِبُ تَرْكُهُ عِنْدَنَا يُسَنُّ فِعْلُهُ عِنْدَهُ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ لِأَنَّهُ إذَا كُرِهَ عِنْدَ احْتِمَالِ تَرْكِ الْوَاجِبِ فَعِنْدَ تَحَقُّقِهِ بِالْأَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الثَّالِثِ فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى تَرْكِهِ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ اهـ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ، حَيْثُ ادَّعَى أَنَّ الِانْفِرَادَ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ قَالَ: إذْ لَا رَيْبَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي صَلَاتِهِ بِمَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِهِ عِنْدَنَا أَوْ تُسْتَحَبُّ، لَكِنْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ غَيْرُهُ فِي رِسَالَةٍ أَيْضًا، وَقَدْ أَسْمَعْنَاك مَا يُؤَيِّدُ الرَّدَّ، نَعَمْ نَقَلَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَشَى عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ غَيْرُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ، وَيَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَبِهِ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ الْكَبِيرُ، وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا، وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُمْ عِلَّةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ بِنَا صِحَّةً وَفَسَادًا وَأَفْضَلِيَّةً كَانَ لَنَا مِثْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ سَمِعْت مَا اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ وَأَفْتَى بِهِ، وَالْفَقِيرُ أَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاقْتِدَاءِ الْحَنَفِيِّ بِالشَّافِعِيِّ وَالْفَقِيهُ الْمُنْصِفُ يُسَلِّمُ ذَلِكَ:
وَأَنَا رَمْلِيُّ فِقْهُ الْحَنَفِيِّ
…
لَا مِرَا بَعْدَ اتِّفَاقِ الْعَالِمَيْنِ
اهـ مُلَخَّصًا أَيْ لَا جِدَالَ بَعْدَ اتِّفَاقِ عَالِمَيْ الْمَذْهَبَيْنِ وَهُمَا رَمْلِيُّ الْحَنَفِيَّةِ يَعْنِي بِهِ نَفْسَهُ وَرَمْلِيُّ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْمُخَالِفِ الْمُرَاعَى فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ إذْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَإِلَّا فَالِاقْتِدَاءُ بِالْمُوَافِقِ أَفْضَلُ.
يُكْرَهُ تَحْرِيمًا (تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ) عَلَى الْقَوْمِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ السُّنَّةِ فِي قِرَاءَةٍ وَأَذْكَارٍ رَضِيَ الْقَوْمُ أَوْ لَا لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ نَهْرٌ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ظَاهِرُ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ مُطْلَقًا.
وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ إذَا صَلَّى الشَّافِعِيُّ قَبْلَ الْحَنَفِيِّ هَلْ الْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ مَعَ الشَّافِعِيِّ أَمْ لَا؟
بَقِيَ مَا إذَا تَعَدَّدَتْ الْجَمَاعَاتُ فِي الْمَسْجِدِ وَسَبَقَتْ جَمَاعَةُ الشَّافِعِيَّةِ مَعَ حُضُورِ نَقْلٍ ط عَنْ رِسَالَةٍ لِابْنِ نُجَيْمٍ أَنَّ الْأَفْضَلَ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيِّ، بَلْ يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، إلَّا إذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ الْأَوْلَى غَيْرَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، أَوْ أُدِّيَتْ الْجَمَاعَةُ عَلَى وَجْهٍ مَكْرُوهٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو الْحَنَفِيُّ حَالَةَ صَلَاةِ الشَّافِعِيِّ، إمَّا أَنْ يَشْتَغِلَ بِالرَّوَاتِبِ لِيَنْتَظِرَ الْحَنَفِيَّ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَإِمَّا أَنْ يَجْلِسَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِإِعْرَاضِهِ عَنْ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي جَمَاعَتِهِمْ عَلَى الْمُخْتَارِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ الشَّيْخِ وَالِدِهِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ أَكْرَمَ وَخَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ أَمِينٍ مِيزْبَادْ شَاهْ وَالشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الشِّرْوَانِيِّ، فَإِنَّهُمْ رَجَّحُوا أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ أَوَّلِ جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ. قَالَ: وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ الْعَفِيفُ فِي فَتَاوَاهُ الْعَفِيفِيَّةِ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُرْشِدِيِّ: وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنُ جَارِ اللَّهِ ابْنِ ظَهِيرَةَ الْحَنَفِيُّ لَا يَزَالُ يُصَلِّي مَعَ الشَّافِعِيَّةِ عِنْدَ تَقَدُّمِ جَمَاعَتِهِمْ وَكُنْت أَقْتَدِي بِهِ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ اهـ وَخَالَفَهُمْ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبِيرِيُّ بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِمْ فِي الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ، وَأَنَّ الِانْفِرَادَ أَفْضَلُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ إمَامَ مَذْهَبِهِ، وَخَالَفَهُمْ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ ابْنِ الْهُمَامِ فَقَالَ: الِاحْتِيَاطُ فِي عَدَمِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَوْ مُرَاعِيًا، وَكَذَا الْعَلَّامَةُ الْمُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِئُ فَقَالَ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ: وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ مَذْهَبٍ إمَامٌ كَمَا فِي زَمَانِنَا فَالْأَفْضَلُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُوَافِقِ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، عَلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ عَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَعَمِلَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَالْقُدْسِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْ شَذَّ مِنْهُمْ. اهـ.
وَاَلَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ الْقَلْبُ عَدَمُ كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ مَا لَمْ يَكُنْ غَيْرَ مُرَاعٍ فِي الْفَرَائِضِ، لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا أَئِمَّةً مُجْتَهِدِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ إمَامٍ وَاحِدٍ مَعَ تَبَايُنِ مَذَاهِبِهِمْ، وَأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ إمَامَ مَذْهَبِهِ بَعِيدًا عَنْ الصُّفُوفِ لَمْ يَكُنْ إعْرَاضًا عَنْ الْجَمَاعَةِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُرِيدُ جَمَاعَةً أَكْمَلَ مِنْ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ. وَأَمَّا كَرَاهَةُ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا أَوَّلَ الْبَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(قَوْلُهُ تَحْرِيمًا) أَخَذَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي قَالَ: وَهُوَ لِلْوُجُوبِ إلَّا لِصَارِفٍ وَلِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْغَيْرِ اهـ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ السُّنَّةِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى السِّرَاجِ وَالْمُضْمَرَاتِ. قَالَ: وَذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ بَحْثًا لَا كَمَا يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَيَقْرَأُ يَسِيرًا فِي الْفَجْرِ كَغَيْرِهَا اهـ (قَوْلُهُ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ) وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالْكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» ، وَقَدْ تَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ. وَاعْتَرَضَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّ تَعْلِيلَ الْأَمْرِ بِمَا ذُكِرَ يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ إذَا رَضِيَ الْقَوْمُ: أَيْ إذَا كَانُوا مَحْصُورِينَ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْبَحْرِ عَلَى غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ السُّنَّةِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِقَدْرِ حَالِ الْقَوْمِ مُطْلَقًا: أَيْ وَلَوْ دُونَ الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ عَنْ السِّرَاجِ وَالْمُضْمَرَاتِ كَمَا مَرَّ؛ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَسْنُونَ لَا يَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ أَضْعَفِهِمْ لِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ صلى الله عليه وسلم مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يَقْتَدِي بِهِ الضَّعِيفُ وَالسَّقِيمُ وَلَا يَتْرُكُهُ إلَّا وَقْتَ الضَّرُورَةِ؛ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قِرَاءَةَ
إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَصَحَّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ حِينَ سَمِعَ بُكَاءَ صَبِيٍّ»
(وَ) يُكْرَهُ تَحْرِيمًا (جَمَاعَةُ النِّسَاءِ) وَلَوْ التَّرَاوِيحَ فِي غَيْرِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ (لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً) ، فَلَوْ انْفَرَدْنَ تَفُوتُهُنَّ بِفَرَاغِ إحْدَاهُنَّ؛ وَلَوْ أَمَّتْ فِيهَا رِجَالًا لَا تُعَادُ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِصَلَاتِهَا إلَّا إذَا اسْتَخْلَفَهَا الْإِمَامُ وَخَلْفُهُ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ (فَإِنْ فَعَلْنَ تَقِفُ الْإِمَامُ
ــ
[رد المحتار]
«مُعَاذٍ لَمَّا شَكَاهُ قَوْمُهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ» إنَّمَا كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ. قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ بَحَثْنَا أَنَّ التَّطْوِيلَ: هُوَ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ وَقِرَاءَتُهُ هِيَ الْمَسْنُونَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَا نَهَى عَنْهُ غَيْرَ مَا كَانَ دَأْبَهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَقِرَاءَةُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم مَا قَالَ كَانَتْ بِالْبَقَرَةِ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ «أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ بِالْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ» وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا أَمَمْت بِالنَّاسِ فَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا - وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى - وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك - وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» - " لِأَنَّهَا كَانَتْ الْعِشَاءَ، وَإِنَّ قَوْمَ مُعَاذٍ كَانَ الْعُذْرُ مُتَحَقِّقًا فِيهِمْ لَا كَسَلًا مِنْهُمْ فَأَمَرَ فِيهِمْ بِذَلِكَ لِذَلِكَ، كَمَا ذُكِرَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْفَجْرِ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالُوا لَهُ أَوْجَزْت، قَالَ: سَمِعْت بُكَاءَ صَبِيٍّ فَخَشِيت أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ» اهـ مُلَخَّصًا.
فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَسْنُونِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَقِرَاءَتِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ لِبُكَاءِ الصَّبِيِّ، وَظَهَرَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْ الْمَسْنُونِ لِضَعْفِ الْجَمَاعَة لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ دُونَ الْمَسْنُونِ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ بَلْ نَهَاهُ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ مَعَ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ فِي قَوْمِهِ، فَمَا اسْتَظْهَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ الْحَدِيثِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامَ الْكَمَالِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى التَّرَاوِيحِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى أَنَّ الْحَسَنَ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَقَدْ أَحْسَنَ وَلَمْ يُسِئْ اهـ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ أَحْسَنَ بِقِرَاءَةِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَلَمْ يُسِئْ: أَيْ لَمْ يَصِلْ إلَى كَرَاهَةٍ شَدِيدَةٍ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي التَّرَاوِيحِ) أَفَادَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي كُلِّ مَا تُشْرَعُ فِيهِ جَمَاعَةُ الرِّجَالِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تُشْرَعْ مُكَرَّرَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ لَا تُكْرَهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ وَتَرْكُ التَّقَدُّمِ مَكْرُوهٌ فَدَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ لِفِعْلِ الْفَرْضِ أَوْ تَرْكِ الْفَرْضِ لِتَرْكِهِ فَوَجَبَ الْأَوَّلُ، بِخِلَافِ جَمَاعَتِهِنَّ فِي غَيْرِهَا، وَلَوْ صَلَّيْنَ فُرَادَى فَقَدْ تَسْبِقُ إحْدَاهُنَّ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْبَاقِيَاتِ نَفْلًا وَالتَّنَفُّلُ بِهَا مَكْرُوهٌ، فَيَكُونُ فَرَاغُ تِلْكَ مُوجِبًا لِفَسَادِ الْفَرْضِيَّةِ لِصَلَاةِ الْبَاقِيَاتِ كَتَقْيِيدِ الْخَامِسَةِ بِالسَّجْدَةِ لِمَنْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَمُفَادُهُ أَنَّ جَمَاعَتَهُنَّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَاجِبَةٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُنَّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ فَسَادِ فَرْضِيَّةِ صَلَاةِ الْبَاقِيَاتِ إذَا سَبَقَتْ إحْدَاهُنَّ. وَفِيهِ أَنَّ الرِّجَالَ لَوْ صَلَّوْا مُنْفَرِدِينَ يَلْزَمُ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ وُجُوبُ جَمَاعَتِهِمْ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا تُعَادُ) لِأَنَّهَا لَوْ أُعِيدَتْ لَوَقَعَتْ نَفْلًا مَكْرُوهًا ط (قَوْلُهُ بِصَلَاتِهَا) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الرِّجَالَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُمْ ح (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اسْتَخْلَفَهَا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُعَادُ، وَهَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْجِنَازَةِ بَلْ غَيْرُهَا مِثْلُهَا (قَوْلُهُ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ) أَمَّا الرِّجَالُ وَالْإِمَامُ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الرِّجَالِ بِالْمَرْأَةِ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالْمُقَدَّمَةُ فَلِأَنَّهُنَّ دَخَلْنَ فِي تَحْرِيمَةٍ كَامِلَةٍ فَإِذَا انْتَقَلْنَ إلَى تَحْرِيمَةٍ نَاقِصَةٍ لَمْ يَجُزْ، كَأَنَّهُنَّ انْتَقَلْنَ مِنْ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ آخَرَ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح.
وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَلَوْ كُنَّ نِسَاءً خُلَّصًا، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط. وَالْأَظْهَرُ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَصِيرُ مُقْتَدِيًا بِخَلِيفَتِهِ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ، بَلْ بِاسْتِخْلَافِهِ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَكَذَا مَنْ خَلْفَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ تَقِفُ الْإِمَامُ) بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ لِأَنَّ فَاعِلَهُ الْإِمَامُ هُوَ هُنَا مُؤَنَّثٌ حَقِيقِيٌّ. اهـ. وَقَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِئُ: يَجُوزُ التَّذْكِيرُ لِأَنَّهُ
وَسَطَهُنَّ) فَلَوْ قُدِّمَتْ أَثِمَتْ إلَّا الْخُنْثَى فَيَتَقَدَّمُهُنَّ (كَالْعُرَاةِ) فَيَتَوَسَّطُهُمْ إمَامُهُمْ. وَيُكْرَهُ جَمَاعَتُهُمْ تَحْرِيمًا فَتْحٌ.
(وَيُكْرَهُ حُضُورُهُنَّ الْجَمَاعَةَ) وَلَوْ لِجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَوَعْظٍ (مُطْلَقًا) وَلَوْ عَجُوزًا لَيْلًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمُفْتَى بِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَاسْتَثْنَى الْكَمَالُ بَحْثًا الْعَجَائِزَ وَالْمُتَفَانِيَةَ (كَمَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الرَّجُلِ لَهُنَّ فِي بَيْتٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ وَلَا مَحْرَمٌ مِنْهُ) كَأُخْتِهِ (أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُنَّ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ أَوْ أَمَّهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ لَا) يُكْرَهُ بَحْرٌ (وَيَقِفُ الْوَاحِدُ) وَلَوْ صَبِيًّا، أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَتَتَأَخَّرُ (مُحَاذِيًا) أَيْ مُسَاوِيًا (لِيَمِينِ إمَامِهِ)
ــ
[رد المحتار]
مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ: أَيْ الْمُقْتَدَى بِهِ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ: هُوَ مَنْ يُؤْتَمُّ بِهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْإِمَامَةُ وَتَرْكُ الْهَاءِ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَا وَصْفٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسَطَهُنَّ) فِي الْمُغْرِبِ الْوَسَطُ بِالتَّحَرُّكِ اسْمٌ لِعَيْنِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْ الشَّيْءِ كَمَرْكَزِ الدَّائِرَةِ، وَبِالسُّكُونِ اسْمٌ مُبْهَمٌ لِدَاخِلِ الدَّائِرَةِ مَثَلًا، وَلِذَا كَانَ ظَرْفًا وَالْأَوَّلُ يُجْعَلُ مُبْتَدَأً وَفَاعِلًا وَمَفْعُولًا بِهِ إلَخْ. وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ: الْوَسْطُ بِالسُّكُونِ ظَرْفُ مَكَان وَبِالْفَتْحِ اسْمٌ تَقُولُ وَسْطَ رَأْسِهِ دُهْنٌ بِالسُّكُونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ فَهَذَا ظَرْفٌ، وَإِذَا فَتَحْت السِّينَ رَفَعْت الطَّاءَ وَقُلْت وَسَطُ رَأْسِهِ دُهْنٌ فَهَذَا اسْمٌ اهـ.
قُلْت: وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ هُنَا الْفَتْحُ وَالسُّكُونُ لِأَنَّهَا إذَا وَقَفَتْ فِي الصَّفِّ صَدَقَ أَنَّهَا فِي الْوَسْطِ بِالسُّكُونِ وَأَنَّهَا عَيْنُ الْوَسَطِ بِالتَّحْرِيكِ، وَيَكُونُ نَصْبُهُ فِي الْأَوَّلِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى الْحَالِيَّةِ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى مُتَوَسِّطَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَوْ تَقَدَّمَتْ) أَثِمَتْ. أَفَادَ أَنَّ وُقُوفَهَا وَسَطَهُنَّ وَاجِبٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ، وَأَنَّهَا إذَا تَوَسَّطَتْ لَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ، وَإِنَّمَا أَرْشَدُوا إلَى التَّوَسُّطِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ كَرَاهِيَةً مِنْ التَّقَدُّمِ كَمَا فِي السِّرَاجِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَيَتَقَدَّمُهُنَّ) إذْ لَوْ صَلَّى وَسْطَهُنَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بِمُحَاذَاتِهِنَّ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَتِهِ ح أَيْ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُنَّ أَيْضًا (قَوْلُهُ فَيَتَوَسَّطُهُمْ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ التَّشْبِيهَ بَيْنَ الْعُرَاةِ وَالنِّسَاءِ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي الِانْفِرَادِ وَقِيَامِ الْإِمَامِ فِي الْوَسَطِ وَإِلَّا فَالْعُرَاةُ يُصَلُّونَ قُعُودًا وَهُوَ أَفْضَلُ وَالنِّسَاءُ قَائِمَاتٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ عَجُوزًا لَيْلًا) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ: أَيْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ مَذْهَبِ الْمُتَأَخِّرِينَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ هَذِهِ الْفَتْوَى الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مُخَالِفَةٌ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ، فَإِنَّهُمْ نَقَلُوا أَنَّ الشَّابَّةَ تُمْنَعُ مُطْلَقًا اتِّفَاقًا. وَأَمَّا الْعَجُوزُ فَلَهَا حُضُورُ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ أَيْ وَعِنْدَهُمَا مُطْلَقًا، فَالْإِفْتَاءُ بِمَنْعِ الْعَجَائِزِ فِي الْكُلِّ مُخَالِفٌ لِلْكُلِّ، فَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ. اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهَا لِقِيَامِ الْحَامِلِ وَهُوَ فَرْطُ الشَّهْوَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفَسَقَةَ لَا يَنْتَشِرُونَ فِي الْمَغْرِبِ لِأَنَّهُمْ بِالطَّعَامِ مَشْغُولُونَ وَفِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ نَائِمُونَ؛ فَإِذَا فُرِضَ انْتِشَارُهُمْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِغَلَبَةِ فِسْقِهِمْ كَمَا فِي زَمَانِنَا بَلْ تَحَرِّيهِمْ إيَّاهَا كَانَ الْمَنْعُ فِيهَا أَظْهَرَ مِنْ الظُّهْرِ. اهـ. قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّوْرِيَةِ اللَّطِيفَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ إلَى الْغَايَةِ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْكَمَالُ إلَخْ) أَيْ مِمَّا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ فَيَبْقَى الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخَلْوَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لَا تَنْتَفِي بِوُجُودِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ أُخْرَى وَتَنْتَفِي بِوُجُودِ رَجُلٍ آخَرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَأُخْتِهِ) مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا رَأَيْته فِي عِدَّةِ نُسَخٍ، وَكَذَا بِخَطِّهِ فِي الْخَزَائِنِ كَتَبَهُ بِالْأَسْوَدِ وَأَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَحْرَمِ مَا كَانَ مِنْ الرَّحِمِ، لِمَا قَالُوا مِنْ كَرَاهَةِ الْخَلْوَةِ بِالْأُخْتِ رَضَاعًا وَالصِّهْرَةِ الشَّابَّةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى رَجُلٌ أَوْ مَحْرَمٌ لَا بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أُخْتِهِ؛ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَتْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى تَغَلُّبِ الْمَحْرَمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْخَلْوَةِ فِيهِ، وَلِذَا لَوْ اجْتَمَعَ بِزَوْجَتِهِ فِيهِ لَا يُعَدُّ خَلْوَةً كَمَا يَأْتِي رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ أَمَّا الْوَاحِدَةُ فَتَتَأَخَّرُ) فَلَوْ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ أَيْضًا يُقِيمُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةَ خَلْفَهُمَا وَلَوْ رَجُلَانِ يُقِيمُهُمَا خَلْفَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُمَا بَحْرٌ، وَتَأَخُّرُ الْوَاحِدَةِ مَحَلُّهُ إذَا اقْتَدَتْ بِرَجُلٍ لَا بِامْرَأَةٍ مِثْلِهَا ط عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ
عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالرَّأْسِ بَلْ بِالْقَدَمِ، فَلَوْ صَغِيرًا فَالْأَصَحُّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَكْثَرُ قَدَمِ الْمُؤْتَمِّ لَا تَفْسُدُ، فَلَوْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ كُرِهَ (اتِّفَاقًا وَكَذَا) يُكْرَهُ (خَلْفُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ (وَالزَّائِدُ) يَقِفُ (خَلْفَهُ) فَلَوْ تَوَسَّطَ اثْنَيْنِ كُرِهَ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا لَوْ أَكْثَرَ، وَلَوْ قَامَ وَاحِدٌ بِجَنْبِ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُ صَفٌّ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ يَجْعَلُ أَصَابِعَهُ عِنْدَ عَقِبِ الْإِمَامِ بَحْرٌ، وَيَأْمُرُهُ الْإِمَامُ بِذَلِكَ: أَيْ بِالْوُقُوفِ عَنْ يَمِينِهِ وَلَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدِهِ لِحَدِيثِ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَقَامَهُ عَنْ يَمِينِهِ» سِرَاجٌ (قَوْلُهُ بَلْ بِالْقَدَمِ) فَلَوْ حَاذَاهُ بِالْقَدَمِ وَوَقَعَ سُجُودُهُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِكَوْنِ الْمُقْتَدِي أَطْوَلَ مِنْ إمَامِهِ لَا يَضُرُّ؛ وَمَعْنَى الْمُحَاذَاةِ بِالْقَدَمِ الْمُحَاذَاةُ بِعَقِبِهِ، فَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ أَصَابِعِ الْمُقْتَدِي عَلَى الْإِمَامِ حَيْثُ حَاذَاهُ بِالْعَقِبِ مَا لَمْ يَفْحُشْ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ، حَتَّى لَوْ فَحُشَ بِحَيْثُ تَقَدَّمَ أَكْثَرُ قَدَمِ الْمُقْتَدِي لِعِظَمِ قَدَمِهِ لَا يَصِحُّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ إلَخْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ إنَّمَا هُوَ لِلْقَدَمِ لَا لِلرَّأْسِ، فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ أَقْصَرَ مِنْ الْمُقْتَدِي يَقَعُ رَأْسُ الْمُقْتَدِي قُدَّامَ الْإِمَامِ يَجُوزُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا بِقَدَمِهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا قَلِيلًا، وَكَذَا فِي مُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَقْدَامُ صِغَرًا وَكِبَرًا فَالْعِبْرَةُ لِلسَّاقِ وَالْكَعْبِ وَالْأَصَحُّ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ أَكْثَرُ قَدَمِ الْمُقْتَدِي لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى انْتَهَى، فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ كَمَا تَوَهَّمَ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: هَذَا فِي غَيْرِ الْمُومِئِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُومِئِ لِلرَّأْسِ حَتَّى لَوْ كَانَ رَأْسُهُ خَلْفَ إمَامِهِ وَرِجْلَاهُ قُدَّامَ رِجْلَيْهِ صَحَّ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قَوْلُهُ رَأْسُهُ خَلْفَ إمَامِهِ قَيْدًا، بَلْ كَذَلِكَ إذَا سَاوَاهُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ. وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمُومِئِ الْمُقْتَدِي بِصَحِيحٍ أَوْ بِمُومٍ مِثْلِهِ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَاعِدًا أَوْ مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ، أَمَّا لَوْ عَلَى جَنْبِهِ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُؤْتَمِّ مُضْطَجِعًا خَلْفَ ظَهْرِ إمَامِهِ، وَلَا عِبْرَةَ لِلرَّأْسِ أَصْلًا. [تَنْبِيهٌ]
إفْرَادُ الْقَدَمِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ كَغَيْرِهِ يُفِيدُ أَنَّ الْمُحَاذَاةَ تُعْتَبَرُ بِوَاحِدَةٍ، وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْتَمَدًا عَلَى قَدَمٍ وَاحِدٍ فَالْعِبْرَةُ لَهَا؛ وَلَوْ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُحَاذِيَةً وَالْأُخْرَى مُتَأَخِّرَةً فَلَا كَلَامَ فِي الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى مُتَقَدِّمَةً فَهَلْ يَصِحُّ نَظَرًا لِلْمُحَاذِيَةِ أَوْ لَا نَظَرًا لِلْمُتَقَدِّمَةِ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي تَرْجِيحًا لِلْحَاظِرِ عَلَى الْمُبِيحِ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ كَانَتْ إحْدَى قَوَائِمِ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَالْأُخْرَى فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ رَأَيْت فِيهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ اخْتِلَافُ تَرْجِيحٍ.
[فَرْعٌ] قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي: اقْتَدَى عَلَى سَطْحٍ وَقَامَ بِحِذَاءِ رَأْسِ الْإِمَامِ، ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَالسَّرَخْسِيُّ يَجُوزُ. مَطْلَبٌ هَلْ الْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَوْ أَفْحَشُ مِنْهَا؟
(قَوْلُهُ كُرِهَ اتِّفَاقًا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِتَعْلِيلِهَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ، وَلِقَوْلِهِ فِي الْكَافِي جَازَ وَأَسَاءَ، وَكَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ، لَكِنْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَحْثِ سُنَنِ الصَّلَاةِ اخْتِلَافَ عِبَارَتِهِمْ فِي أَنَّ الْإِسَاءَةَ دُونَ الْكَرَاهَةِ أَوْ أَفْحَشُ مِنْهَا، وَوَفَّقْنَا بَيْنَهَا بِأَنَّهَا دُونَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ، وَأَفْحَشُ مِنْ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ خَلْفَهُ) عَدَلَ تَبَعًا لِلْوِقَايَةِ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ وَالِاثْنَانِ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَاصٍّ بِالِاثْنَيْنِ، بَلْ الْمُرَادُ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، نَعَمْ يُفْهَمُ حُكْمُ الْأَكْثَرِ بِالْأَوْلَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا بِحِذَائِهِ وَالْآخَرُ بِيَمِينِهِ إذَا كَانَ الزَّائِدُ اثْنَيْنِ، وَلَوْ جَاءَ ثَالِثٌ وَقَفَ عَنْ يَسَارِ الْأَوَّلِ، وَالرَّابِعُ عَنْ يَمِينِ الثَّانِي وَالْخَامِسُ عَنْ يَسَارِ الثَّالِثِ، وَهَكَذَا. اهـ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الزَّائِدَ لَوْ جَاءَ بَعْدَ الشُّرُوعِ يَقُومُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَيَتَأَخَّرُ الْمُقْتَدِي الْأَوَّلُ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَالْأُولَى أَصَحُّ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ وَتَحْرِيمًا لَوْ أَكْثَرَ) أَفَادَ أَنَّ
كُرِهَ إجْمَالًا (وَيَصُفُّ) أَيْ يَصُفُّهُمْ الْإِمَامُ بِأَنْ يَأْمُرَهُمْ بِذَلِكَ. قَالَ الشُّمُنِّيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِأَنْ يَتَرَاصُّوا وَيَسُدُّوا الْخَلَلَ وَيُسَوُّوا مَنَاكِبَهُمْ وَيَقِفُ وَسَطًا،
ــ
[رد المحتار]
تَقَدُّمَ الْإِمَامِ أَمَامَ الصَّفِّ وَاجِبٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ (قَوْلُهُ كُرِهَ إجْمَاعًا) أَيْ لِلْمُؤْتَمِّ، وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَيَتَخَلَّصُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِالْقَهْقَرَى إلَى خَلْفٍ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ ضَيِّقًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَانْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ وَاحِدٌ عَلَى الدُّكَّانِ وَالْبَاقِي دُونَهُ لَا يُكْرَهُ، وَقَدْ تَزُولُ الْمُخَالَفَةُ بِأَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ مَوْضُوعُهَا إذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَهُ ط.
أَقُولُ: لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِالْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ انْفِرَادِ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ؛ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ، فَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِحَمْلِ الْبَعْضِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَلَا يُنَافِي مَا هُنَا. وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ قِيَامِ الْوَاحِدِ وَحْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً تَأَمَّلْ. [تَتِمَّةٌ]
إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ فَجَاءَ آخَرُ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَلَّابِيِّ أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَتَأَخَّرُ عَنْ الْيَمِينِ إلَى خَلْفٍ إذَا جَاءَ آخَرُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: وَلَوْ اقْتَدَى وَاحِدٌ بِآخَرَ فَجَاءَ ثَالِثٌ يَجْذِبُ الْمُقْتَدِيَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَلَوْ جَذَبَهُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَا يَضُرُّهُ، وَقِيلَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الثَّالِثَ يَقْتَدِي مُتَأَخِّرًا وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِتَقَدُّمِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقُومُ بِجَنْبِ الْمُقْتَدِي الْأَوَّلِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي التَّأَخُّرُ إذَا جَاءَ ثَالِثٌ فَإِنْ تَأَخَّرَ وَإِلَّا جَذَبَهُ الثَّالِثُ إنْ لَمْ يَخْشَ إفْسَادَ صَلَاتِهِ، فَإِنْ اقْتَدَى عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ يُشِيرُ إلَيْهِمَا بِالتَّأَخُّرِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقَدُّمِهِ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ وَلِأَنَّ الِاصْطِفَافَ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ فِعْلِ الْمُقْتَدِينَ لَا الْإِمَامِ، فَالْأَوْلَى ثَبَاتُهُ فِي مَكَانِهِ وَتَأَخُّرُ الْمُقْتَدِي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ «قَالَ جَابِرٌ سِرْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةٍ فَقَامَ يُصَلِّي فَجِئْت حَتَّى قُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ، فَجَاءَ ابْنُ صَخْرٍ حَتَّى قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَدَفَعْنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ» اهـ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْمُمْكِنُ. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَإِلَّا اقْتَدَى الثَّالِثُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَلَا تَقَدَّمَ وَلَا تَأَخَّرَ (قَوْلُهُ الْخَلَلَ) هُوَ انْفِرَاجُ مَا بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَامُوسٌ، وَهُوَ عَلَى وَزْنِ جَبَلٍ ط (قَوْلُهُ وَيَقِفُ وَسَطًا) قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَفِي مَبْسُوطِ بَكْرٍ: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ فِي الْمِحْرَابِ لِيَعْتَدِلَ الطَّرَفَانِ، وَلَوْ قَامَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الصَّفِّ يُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ الصَّيْفِيُّ بِجَنْبِ الشِّتْوِيِّ وَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ يَقُومُ الْإِمَامُ فِي جَانِبِ الْحَائِطِ لِيَسْتَوِيَ الْقَوْمُ مِنْ جَانِبَيْهِ وَالْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ أَوْ فِي زَاوِيَةٍ أَوْ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْأُمَّةِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام «تَوَسَّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ» وَمَتَى اسْتَوَى جَانِبَاهُ يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ إنْ أَمْكَنَهُ وَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً سَدَّهَا وَإِلَّا انْتَظَرَ حَتَّى يَجِيءَ آخَرُ فَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِئْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ يَخْتَارُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَجْذِبُهُ وَيَقِفَانِ خَلْفَهُ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ عَالِمًا يَقِفُ خَلْفَ الصَّفِّ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَوْ وَقَفَ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْكَرَاهَةِ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ [تَنْبِيهٌ]
يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ كَرَاهَةُ قِيَامِ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ قَبْلَهُ السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ فِي الْمِحْرَابِ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ إزَاءَ وَسَطِ الصَّفِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ مَا نُصِبَتْ إلَّا وَسَطَ الْمَسَاجِدِ وَهِيَ قَدْ عُيِّنَتْ لِمَقَامِ الْإِمَامِ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْإِمَامِ الرَّاتِبِ لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَدَمُ قِيَامِهِ فِي الْوَسَطِ، فَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ تَأَمَّلْ.
وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا
ــ
[رد المحتار]
[فَرْعٌ] ذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ فِي بَحْثِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقِفَ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ
(قَوْلُهُ وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا) لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَنْزَلَ الرَّحْمَةَ عَلَى الْجَمَاعَةِ يُنَزِّلُهَا أَوَّلًا عَلَى الْإِمَامِ، ثُمَّ تَتَجَاوَزُ عَنْهُ إلَى مَنْ بِحِذَائِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إلَى الْمَيَامِنِ، ثُمَّ إلَى الْمَيَاسِرِ، ثُمَّ إلَى الصَّفِّ الثَّانِي " وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ: [تَنْبِيهٌ]
قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: الْأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ فِي الصَّفِّ الْآخَرِ إذَا خَافَ إيذَاءَ أَحَدٍ. قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَرَكَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْذِيَ مُسْلِمًا أُضْعِفَ لَهُ أَجْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ» وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، وَفِي كَرَاهَةِ تَرْكِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعَ إمْكَانِهِ خِلَافٌ اهـ أَيْ لَوْ تَرَكَهُ مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْإِيذَاءِ، وَهَذَا لَوْ قَبْلَ الشُّرُوعِ؛ فَلَوْ شَرَعُوا وَفِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةٌ لَهُ خَرْقُ الصُّفُوفِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبِ
وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ عَنْ النِّصَابِ: وَإِنْ سَبَقَ أَحَدٌ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَدَخَلَ رَجُلٌ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا أَوْ أَهْلُ عِلْمٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَهُ تَعْظِيمًا لَهُ اهـ فَهَذَا يُفِيدُ جَوَازَ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبِ بِلَا كَرَاهَةٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَمْ أَرَهُ لِأَصْحَابِنَا. وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فُرُوعًا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَهُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِلْغُلَامِ: أَتَأْذَنُ لِي فِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ الْغُلَامُ لَا وَاَللَّهِ، فَأَعْطَاهُ الْغُلَامَ» إذْ لَا رَيْبَ أَنَّ مُقْتَضَى طَلَبِ الْإِذْنِ مَشْرُوعِيَّةُ ذَلِكَ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَفْضَلَ. اهـ.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا عَارَضَ تِلْكَ الْقُرْبَةَ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا؛ كَاحْتِرَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَشْيَاخِ، كَمَا أَفَادَهُ الْفَرْعُ السَّابِقُ وَالْحَدِيثُ فَإِنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَمِنْ إعْطَاءِ الْإِنَاءِ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ وَهُوَ مَنْ عَلَى الْيَمِينِ، فَيَكُونُ الْإِيثَارُ بِالْقُرْبَةِ انْتِقَالًا مِنْ قُرْبَةٍ إلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَهُوَ الِاحْتِرَامُ الْمَذْكُورُ. أَمَّا لَوْ آثَرَهُ عَلَى مَكَانِهِ فِي الصَّفِّ مَثَلًا مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ يَكُونُ أَعْرَضَ عَنْ الْقُرْبَةِ بِلَا دَاعٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَطْلُوبِ شَرْعًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ مَا فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ذَكَرُوا أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَمَّا أُقِيمَتْ آثَرَ بِهِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ [تَنْبِيهٌ آخَرُ]
قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي آخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ: تَكَلَّمُوا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، قِيلَ هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْمَقْصُورَةَ، وَقِيلَ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ الْعَامَّةُ عَنْ الدُّخُولِ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَا تَتَوَصَّلُ الْعَامَّةُ إلَى نَيْلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. اهـ.
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَقْصُورَةَ فِي زَمَانِهِمْ اسْمٌ لِبَيْتٍ فِي دَاخِلِ الْجِدَارِ الْقِبْلِيِّ مِنْ الْمَسْجِدِ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا الْأُمَرَاءُ الْجُمُعَةَ وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ دُخُولِهَا خَوْفًا مِنْ الْعَدُوِّ، فَعَلَى هَذَا اُخْتُلِفَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، هَلْ هُوَ مَا يَلِي الْإِمَامَ مِنْ دَاخِلِهَا أَمْ مَا يَلِي الْمَقْصُورَةَ مِنْ خَارِجِهَا؟ فَأَخَذَ الْفَقِيهُ بِالثَّانِي تَوْسِعَةً عَلَى الْعَامَّةِ كَيْ لَا تَفُوتَهُمْ الْفَضِيلَةُ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ بِالْأَوْلَى أَنَّ مِثْلَ مَقْصُورَةِ دِمَشْقَ الَّتِي هِيَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ خَارِجَ الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ يَكُونُ الصَّفُّ بِبِنَائِهَا، كَمَا لَا يَنْقَطِعُ بِالْمِنْبَرِ الَّذِي هُوَ دَاخِلُهَا فِيمَا يَظْهَرُ، وَصَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ وَقَفَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي دَاخِلَهَا قَبْلَ اسْتِكْمَالِ
فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ ثُمَّ وَثُمَّ؛ وَلَوْ صَلَّى عَلَى رُفُوفِ الْمَسْجِدِ إنْ وَجَدَ فِي صَحْنِهِ مَكَانًا كُرِهَ كَقِيَامَةِ فِي صَفٍّ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ فُرْجَةٌ. قُلْت: وَبِالْكَرَاهَةِ أَيْضًا صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ. قَالَ السُّيُوطِيّ فِي [بَسْطِ الْكَفِّ فِي إتْمَامِ الصَّفِّ] : وَهَذَا الْفِعْلُ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ الَّذِي هُوَ التَّضْعِيفُ لَا لِأَصْلِ بَرَكَةِ الْجَمَاعَةِ، فَتَضْعِيفُهَا غَيْرُ بَرَكَتِهَا، وَبَرَكَتُهَا هِيَ عَوْدُ بَرَكَةِ الْكَامِلِ مِنْهُمْ عَلَى النَّاقِصِ. اهـ.
وَلَوْ وَجَدَ فُرْجَةً فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي لَهُ خَرْقُ الثَّانِي لِتَقْصِيرِهِمْ، وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ سَدَّ فُرْجَةً غُفِرَ لَهُ» وَصَحَّ «خِيَارُكُمْ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ جَهْلُ مَنْ يَسْتَمْسِكُ عِنْدَ دُخُولِ دَاخِلٍ بِجَنْبِهِ فِي الصَّفِّ وَيَظُنُّ أَنَّهُ رِيَاءٌ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ،
ــ
[رد المحتار]
الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنْ خَارِجِهَا يَكُونُ مَكْرُوهًا. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ بِمَا هُوَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَيْ لَا خَلْفَ مُقْتَدٍ آخَرَ أَنَّ مَنْ قَامَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي بِحِذَاءِ بَابِ الْمِنْبَرِ يَكُونُ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَ مُقْتَدٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ) أَمَّا فِيهَا فَآخِرُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ فَهُوَ أَحْرَى بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِمْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِيهَا تَعَدُّدُ الصُّفُوفِ، فَلَوْ فَضَلَ الْأَوَّلُ امْتَنَعُوا عَنْ التَّأَخُّرِ عِنْدَ قِلَّتِهِمْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ وَثُمَّ) أَيْ ثُمَّ الصَّفُّ الثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الثَّالِثِ، وَفِي الْجِنَازَةِ مَا يَلِي الْأَخِيرَ أَفْضَلُ مِمَّا تَقَدَّمَهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ كُرِهَ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكًا لِإِكْمَالِ الصُّفُوفِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِيهِ الْمُبَلِّغُ فِي مِثْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَجْلِ أَنْ يَصِلَ صَوْتُهُ إلَى أَطْرَافِ الْمَسْجِدِ لَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ كَقِيَامِهِ فِي صَفٍّ إلَخْ) هَلْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ أَوْ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَيُرْشِدُ إلَى الثَّانِي قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وَمَنْ قَطَعَهُ قَطَعَهُ اللَّهُ " ط.
بَقِيَ مَا إذَا رَأَى الْفُرْجَةَ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ هَلْ يَمْشِي إلَيْهَا؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا. وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ نَعَمْ، وَيُفِيدُهُ مَسْأَلَةُ مَنْ جَذَبَ غَيْرَهُ مِنْ الصَّفِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجِيبَهُ لِتَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ عَنْ الْجَاذِبِ، فَمَشْيُهُ لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْلَى فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ فِي صَفِّ الثَّانِي فَرَأَى فُرْجَةً فِي الْأَوَّلِ فَمَشَى إلَيْهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمُرَاصَّةِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام «تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ» وَلَوْ كَانَ فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ تَفْسُدُ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ بِالْأَمْرِ أَنَّهُ يُطْلَبُ مِنْهُ الْمَشْيُ إلَيْهَا تَأَمَّلْ.
[فَائِدَةٌ] قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَشُرُوعُهُ لِتَحْصِيلِ الرَّكْعَةِ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ مِنْ وَصْلِ الصَّفِّ. اهـ. أَمَّا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ الصَّفَّ الْأَخِيرَ فَلَا يَقِفُ وَحْدَهُ، بَلْ يَمْشِي إلَيْهِ إنْ كَانَ فِيهِ فُرْجَةٌ، وَإِنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ كَمَا فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى مِنْ إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ تَأَمَّلْ، وَيَشْهَدُ لَهُ «أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ رضي الله عنه رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ دَبَّ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: زَادَك اللَّهُ حِرْصًا، وَلَا تَعُدْ» (قَوْلُهُ وَهَذَا الْفِعْلُ مُفَوِّتٌ إلَخْ) هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ شَرْطَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَهُمْ أَنْ تُؤَدَّى بِلَا كَرَاهَةٍ، وَعِنْدَنَا يَنَالُ التَّضْعِيفَ وَيَلْزَمُهُ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ أَوْ الْحُرْمَةِ كَمَا لَوْ صَلَّاهَا فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ رَحْمَتِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي ط (قَوْلُهُ لِتَقْصِيرِهِمْ) يُفِيدُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا شَرَعُوا. وَفِي الْقُنْيَةِ قَامَ فِي آخِرِ صَفٍّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّفُوفِ مَوَاضِعُ خَالِيَةٌ فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَصِلَ الصُّفُوفَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي الْفِرْدَوْسِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَظَرَ إلَى فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ فَلْيَسُدَّهَا بِنَفْسِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَمَرَّ مَارٌّ فَلْيَتَخَطَّ عَلَى رَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ» أَيْ فَلْيَتَخَطَّ الْمَارُّ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ لَمْ يَسُدَّ الْفُرْجَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ أَلْيَنُكُمْ مَنَاكِبَ فِي الصَّلَاةِ) الْمَعْنَى إذَا وَضَعَ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الصَّفِّ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِ الْمُصَلِّي لِأَنَّ لَهُ ط عَنْ الْمُنَاوِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ) أَيْ نَقْلًا عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَيَظُنُّ أَنَّ فَسْحَهُ لَهُ رِيَاءٌ بِسَبَبِ أَنْ يَتَحَرَّكَ لِأَجْلِهِ، بَلْ ذَاكَ إعَانَةٌ عَلَى إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ وَإِقَامَةٌ
لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا مَا يُخَالِفُهُ، ثُمَّ نَقَلَ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ جَذَبَ مِنْ الصَّفِّ فَتَأَخَّرَ، فَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ؟ فَلْيُحَرَّرْ (الرِّجَالُ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْعَبْدَ (ثُمَّ الصِّبْيَانُ) ظَاهِرُهُ تَعَدُّدُهُمْ، فَلَوْ وَاحِدًا دَخَلَ الصَّفَّ (ثُمَّ الْخَنَاثِي ثُمَّ النِّسَاءُ) قَالُوا: الصُّفُوفُ الْمُمْكِنَةُ اثْنَا عَشَرَ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ
ــ
[رد المحتار]
لِسَدِّ الْفُرُجَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الصَّفِّ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا شَهِيرَةٌ كَثِيرَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ مِنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ بَعْدَ أَنَّ ذَكَرَ: لَوْ جَذَبَهُ آخَرُ فَتَأَخَّرَ الْأَصَحُّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ: قِيلَ لِمُصَلٍّ مُنْفَرِدٍ تَقَدَّمَ بِأَمْرِهِ أَوْ دَخَلَ رَجُلٌ فُرْجَةَ الصَّفِّ فَتَقَدَّمَ الْمُصَلِّي حَتَّى وَسِعَ الْمَكَانُ عَلَيْهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَمْكُثَ سَاعَةً ثُمَّ يَتَقَدَّمَ بِرَأْيِ نَفْسِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ بِأَنَّهُ امْتِثَالٌ لِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
أَقُولُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَصْحِيحِ صَلَاةِ مَنْ تَأَخَّرَ رُبَّمَا يُفِيدُ تَصْحِيحَ عَدَمِ الْفَسَادِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُنْيَةِ لِأَنَّهُ مَعَ تَأَخُّرِهِ بِجَذْبِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِ ذَلِكَ بِأَمْرِهِ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا تَأَخَّرَ لَا بِأَمْرِهِ فَتَكُونُ مَسْأَلَةً أُخْرَى فَتَأَمَّلْ اهـ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ حَمْلَ الْأُولَى عَلَى مَا إذَا تَأَخَّرَ بِمُجَرَّدِ الْجَذْبِ بِدُونِ أَمْرٍ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى مَا إذَا فَسَخَ لَهُ بِأَمْرِهِ، فَتَفْسُدُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ اُمْتُثِلَ أَمْرَ الْمَخْلُوقِ وَهُوَ فِعْلٌ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْأُولَى (قَوْلُهُ فَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ) قَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ بِدُونِ أَمْرٍ فِيهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ التَّصْحِيحُ وَارِدًا فِيهِمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ بِالْأَمْرِ فِي إحْدَاهُمَا فَهُنَاكَ فَرْقٌ وَهُوَ إجَابَتُهُ أَمْرَ الْمَخْلُوقِ فَيَكُونُ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفًا.
هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَا مَرَّ عَنْ الْقُنْيَةِ وَشَرْحِ الْقُدُورِيِّ، ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّ امْتِثَالَهُ إنَّمَا هُوَ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَضُرُّ اهـ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّهُ تَبْقَى الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الْفَرْعَيْنِ ظَاهِرَةً، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَجْزِمْ بِصِحَّةِ الْفَرْقِ الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُصَنِّفُ فَلِذَا قَالَ فَلْيُحَرَّرْ، وَجَزَمَ فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ وَفِي مُفْسِدَاتِهَا بِمَا فِي الْقُنْيَةِ تَبَعًا لِشَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَقَالَ ط: لَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِهِ اُمْتُثِلَ أَمْرَ الشَّارِعِ فَلَا تَفْسُدُ وَبَيْنَ كَوْنِهِ امْتَثَلَ أَمْرَ الدَّاخِلِ مُرَاعَاةً لَخَاطَرَهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَمْرِ الشَّارِعِ فَتَفْسُدُ لَكَانَ حَسَنًا (قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْعَبِيدَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْبُلُوغَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحُرِّيَّةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لِيَلِيَنِّي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى» أَيْ الْبَالِغُونَ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ قَدَّمَ الصِّبْيَانَ الْأَحْرَارَ عَلَى الْعَبِيدِ الْبَالِغِينَ. اهـ. ح عَنْ الْبَحْرِ، نَعَمْ يُقَدَّمُ الْبَالِغُ الْحُرُّ عَلَى الْبَالِغِ الْعَبْدِ، وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَبْدِ، وَالْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ عَلَى الْأَمَةِ الْبَالِغَةِ، وَالصَّبِيَّةُ الْحُرَّةُ عَلَى الصَّبِيَّةِ الْأَمَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ وَاحِدًا دَخَلَ الصَّفَّ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، قَالَ: وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي رَجُلًا وَصَبِيًّا يَصُفُّهُمَا خَلْفَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «فَصَفَفْت أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا» وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّهَا تَتَأَخَّرُ مُطْلَقًا كَالْمُتَعَدِّدَاتِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ اثْنَا عَشَرَ) لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا بَالِغٌ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا حُرٌّ أَوْ لَا. اهـ. ح.
فَيُقَدَّمُ الْأَحْرَارُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ صِبْيَانُهُمْ، ثُمَّ الْعَبِيدُ الْبَالِغُونَ ثُمَّ صِبْيَانُهُمْ، ثُمَّ الْأَحْرَارُ الْخَنَاثِي الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُمْ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْخَنَاثِي الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُمْ، ثُمَّ الْحَرَائِرُ الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُنَّ، ثُمَّ الْإِمَاءُ الْكِبَارُ ثُمَّ صِغَارُهُنَّ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْحِلْيَةِ مِنْ جَعْلِ الْخَنَاثَى أَرْبَعَةَ صُفُوفٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ الصُّفُوفِ الْمُمْكِنَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ كُلُّهَا، لِمَا فِي الْإِمْدَادِ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ مُحَاذَاةُ الْخُنْثَى مِثْلُهُ وَلَا تَأَخُّرُهُ عَنْهُ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَحَدِ الْمُتَحَاذِيَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: فَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْخَنَاثَى صَفًّا وَاحِدًا بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ فُرْجَةٌ أَوْ حَائِلٌ لِيَمْنَعَ الْمُحَاذَاةَ، وَهَذَا مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِالتَّنْبِيهِ لَهُ اهـ فَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ جَوَابٌ
صِحَّةُ كُلِّهَا لِمُعَامَلَةِ الْخَنَاثِي بِالْأَضَرِّ
(وَإِذَا حَاذَتْهُ) وَلَوْ بِعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَخَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ بِالسَّاقِ
ــ
[رد المحتار]
لَا اعْتِرَاضٌ فَافْهَمْ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الصُّفُوفَ الصَّحِيحَةَ تِسْعَةٌ لَكِنْ ذَكَرَ ح أَنَّهُ سَيَأْتِي اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ فِي إفْسَادِ صَلَاةِ مَنْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ، وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، وَالتَّقَدُّمُ فِي حُكْمِ الْمُحَاذَاةِ بَلْ هُوَ مِنْ أَفْرَادِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ فَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْتَرَطُ جَعْلُ الْخَنَاثَى صَفًّا وَاحِدًا إلَّا إذَا كَانُوا بَالِغِينَ فَيَجْعَلُهُمْ صَفًّا وَاحِدًا الْأَحْرَارُ وَالْعَبِيدُ سَوَاءٌ بِشَرْطِ الْفُرْجَةِ أَوْ الْحَائِلِ. أَمَّا الصِّبْيَانُ مِنْهُمْ فَيَجْعَلُ أَحْرَارَهُمْ صَفًّا آخَرَ ثُمَّ أَرِقَّاءَهُمْ صَفًّا ثَالِثًا تَرْجِيحًا لِلْحُرِّيَّةِ، لِانْعِدَامِ الْفَسَادِ بِمُحَاذَاةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ أَوْ بِالتَّقَدُّمِ، بِخِلَافِ الْبَالِغِينَ مِنْهُمْ؛ وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الصُّفُوفُ أَحَدَ عَشَرَ، هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَشِّي فَافْهَمْ.
أَقُولُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْخُنْثَى بِمِثْلِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَأَنَّ رِوَايَةَ الْجَوَازِ اسْتِحْسَانٌ لَا قِيَاسٌ. اهـ.
وَيَلْزَمُ مِنْ رِوَايَةِ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِمُحَاذَاتِهِ لِمِثْلِهِ وَلَا بِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ بَالِغًا أَوْ غَيْرَهُ، وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِمْدَادِ، نَعَمْ جَزَمَ الشَّارِحُ فِيمَا سَيَأْتِي تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِرِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ فَتَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَخَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْمُحَاذَاةِ السَّاقُ وَالْكَعْبُ فِي الْأَصَحِّ، وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ اهـ فَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الرَّجُلِ بِبَعْضِ الْقَدَمِ تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ سَاقَهَا وَكَعْبُهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ سَاقِهِ وَكَعْبِهِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ قَدَمِهَا مُحَاذِيًا لِبَعْضِ قَدَمِهِ بِأَنْ كَانَ أَصَابِعُ قَدَمِهَا عِنْدَ كَعْبِهِ مَثَلًا تَأَمَّلْ.
هَذَا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ وَخَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ بَعْضُ وَاحِدٍ خَارِجٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَيَكُونُ قَوْلًا ثَالِثًا فِي الْمَسْأَلَةِ كَمَا فَهِمَهُ فِي الْبَحْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَإِلَّا لَذَكَرَهُ، بَلْ الْمُرَادُ بِالْعُضْوِ مِنْ الْمَرْأَةِ قَدَمُهَا، وَمِنْ الرَّجُلِ أَيُّ عُضْوٍ كَانَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ؛ وَنَصُّهُ: شَرَطْنَا الْمُحَاذَاةَ مُطْلَقًا لِتَتَنَاوَلَ كُلَّ الْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضَهَا، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ مُحَالًا عَلَى فَوَائِدِ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمُحَاذَاةُ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ الرَّجُلِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الظُّلَّةِ وَرَجُلٌ بِحِذَائِهَا أَسْفَلَ مِنْهَا، إنْ كَانَ يُحَاذِي الرَّجُلُ شَيْئًا مِنْهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا عَيَّنَ هَذِهِ الصُّورَةَ لِتَكُونَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ مُحَاذِيَةً لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يُحَاذِيَ عُضْوٌ مِنْهَا هُوَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ لَا غَيْرُ، فَإِنَّ مُحَاذَاةَ غَيْرُ قَدَمِهَا لِشَيْءٍ مِنْ الرَّجُلِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاتِهِ، نَصَّ عَلَى هَذَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي أَوَاسِطِ فَصْلِ مَنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَمَنْ لَا يَصِحُّ. وَقَالَ: الْمَرْأَةُ إذَا صَلَّتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي الْبَيْتِ، إنْ كَانَ قَدَمُهَا بِحِذَاءِ قَدَمِ الزَّوْجِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمَا بِالْجَمَاعَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدَمَاهَا خَلْفَ قَدَمِ الزَّوْجِ إلَّا أَنَّهَا طَوِيلَةٌ تَقَعُ رَأْسُ الْمَرْأَةِ فِي السُّجُودِ قِبَلَ رَأْسِ الزَّوْجِ جَازَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ صَيْدَ الْحَرَمِ إذَا كَانَ رِجْلَاهُ خَارِجَ الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ فِي الْحَرَمِ يَحِلُّ أَخْذُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ لَا يَحِلُّ انْتَهَى كَلَامُ النِّهَايَةِ، وَنَقَلَهُ فِي السِّرَاجِ وَأَقَرَّهُ؛ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْمُحَاذَاةُ أَنْ تُسَاوِيَ قَدَمُ الْمَرْأَةِ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ الرَّجُلِ، فَالْقَدَمُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ الْمُطَرِّزِيُّ؛ فَمُسَاوَاةُ غَيْرِ قَدَمِهَا لِعُضْوِهِ غَيْرُ مُفْسِدَةٍ اهـ. فَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وُجُودُ الْمُحَاذَاةِ بِالْقَدَمِ فِي مَسْأَلَةِ الظُّلَّةِ الْمَذْكُورَةِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ فِي الْبَحْرِ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالْعُضْوِ وَبِالْقَدَمِ، خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَوْ اقْتَدَتْ بِهِ مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ بِقَدَمِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ مُحَاذَاةُ بَعْضِ أَعْضَائِهَا لِقَدَمِهِ أَوْ غَيْرِهِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ لِأَنَّ الْمَانِعَ لَيْسَ مُحَاذَاةُ أَيِّ عُضْوٍ مِنْهَا لِأَيِّ عُضْوٍ مِنْهُ، وَلَا مُحَاذَاةُ قَدَمِهِ لِأَيِّ عُضْوٍ مِنْهَا، بَلْ الْمَانِعُ مُحَاذَاةُ قَدَمِهَا فَقَطْ لِأَيِّ عُضْوٍ مِنْهُ. [تَنْبِيهٌ]
اعْتَرَضَ فِي الْبَحْرِ تَفْسِيرَ الْمُحَاذَاةِ بِمَا ذُكِرَ هُنَا الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ قَاصِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ التَّقَدُّمَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ تُفْسِدُ صَلَاةَ ثَلَاثَةٍ إذَا وَقَفَتْ فِي الصَّفِّ، مَنْ عَنْ يَمِينِهَا، وَمَنْ عَنْ يَسَارِهَا، وَمَنْ خَلْفَهَا؛ فَالتَّفْسِيرُ
وَالْكَعْبِ (امْرَأَةٌ) وَلَوْ أَمَةً (مُشْتَهَاةً) حَالًا كَبِنْتِ تِسْعٍ مُطْلَقًا وَثَمَانٍ وَسَبْعٍ لَوْ ضَخْمَةً أَوْ مَاضِيًا كَعَجُوزٍ (وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا) أَقَلُّهُ قَدْرُ ذِرَاعٍ فِي غِلَظِ أُصْبُعٍ، أَوْ فُرْجَةٌ تَسَعُ رَجُلًا (فِي صَلَاةٍ) وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ
ــ
[رد المحتار]
الصَّحِيحُ لِلْمُحَاذَاةِ مَا فِي الْمُجْتَبَى: الْمُحَاذَاةُ الْمُفْسِدَةُ أَنْ تَقُومَ بِجَنْبِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ أَوْ قُدَّامَهُ. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إنَّمَا تُفْسِدُ صَلَاةَ مَنْ خَلْفَهَا إذَا كَانَ مُحَاذِيًا لَهَا، كَمَا قَيَّدَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ أَيْضًا، وَصَرَّحَ بِهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي كَافِيهِ اهـ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ امْرَأَةٌ) مَفْهُومُهُ أَنَّ مُحَاذَاةَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لَا تُفْسِدُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَةً) وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِمْدَادِ ح، وَلَا وَجْهَ لِلْمُبَالَغَةِ بِالْأَمَةِ وَلَعَلَّهَا وَلَوْ أُمَّهُ بِهَاءِ الضَّمِيرِ ط. وَعِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ: وَلَوْ مَحْرَمَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ، وَخَرَجَ بِهِ الْأَمْرَدُ. اهـ. (قَوْلُهُ كَبِنْتِ تِسْعٍ مُطْلَقًا) يُفَسِّرُهُ لَاحِقُهُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمُشْتَهَاةِ وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالسِّنِّ مِنْ السَّبْعِ عَلَى مَا قِيلَ أَوْ التِّسْعِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَصْلُحَ لِلْجِمَاعِ بِأَنْ تَكُونَ عَبْلَةً ضَخْمَةً. وَالْعَبْلَةُ: الْمَرْأَةُ التَّامَّةُ الْخَلْقِ اهـ فَكَلَامُ الشَّارِحِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ بِنْتُ تِسْعٍ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ ط (قَوْلُهُ أَوْ فُرْجَةٌ تَسَعُ رَجُلًا) مَعْطُوفٌ عَلَى حَائِلٍ لَكِنَّهُ مُنَوَّنٌ لِوَصْفِهِ بِالْجُمْلَةِ. اهـ. ح. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ تَسَعُ الرَّجُلَ أَوْ أُسْطُوَانَةٌ، قِيلَ لَا تَفْسُدُ، وَكَذَا إذَا قَامَتْ أَمَامَهُ وَبَيْنَهُمَا هَذِهِ الْفُرْجَةُ. اهـ.
وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا، مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُفْسِدُ صَلَاةَ رَجُلَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهَا، وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهَا، وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهَا، وَكَذَا الْمَرْأَتَانِ وَالثَّلَاثُ؛ وَكَذَا تُفْسِدُ صَلَاةَ مَنْ خَلْفَهَا، فَالْوَاحِدَةُ تُفْسِدُ مِنْ خَلْفِهَا صَلَاةَ رَجُلٍ، وَلَوْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَلَاةَ رَجُلَيْنِ، وَلَوْ ثَلَاثًا فَصَلَاةَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ كُنَّ صَفًّا بَيْنَ الرِّجَالِ وَالْإِمَامِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرِّجَالِ. قَالَ: وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي هُوَ خَلْفَهَا أَوْ الصَّفُّ الَّذِي هُوَ خَلْفَهُنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فُرْجَةٌ قَدْرُ مَقَامِ الرَّجُلِ، وَقَدْ جَعَلُوا الْفُرْجَةَ كَالْحَائِلِ فِيمَنْ عَنْ جَانِبِهَا أَوْ خَلْفَهَا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ خَلْفَهَا مِنْ غَيْرِ فُرْجَةٍ مُحَاذِيًا لَهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَدْرُ مَقَامِ رَجُلٍ، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَوْ قَامَتْ وَسْطَ الصَّفِّ تُفْسِدُ صَلَاةَ وَاحِدٍ عَنْ يَمِينِهَا وَوَاحِدٍ عَنْ يَسَارِهَا وَوَاحِدٍ خَلْفَهَا بِحِذَائِهَا دُونَ الْبَاقِينَ، فَقَدْ شُرِطَ أَنْ يَكُونَ مَنْ خَلْفَهَا مُحَاذِيًا لَهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ وُجُودِ الْفُرْجَةِ، وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ اهـ مُلَخَّصًا، وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ قَرِيبًا عَنْ النَّهْرِ. وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمُحَاذَاةِ لِلْفَسَادِ لَيْسَ خَاصًّا بِتَقَدُّمِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ بَلْ الصَّفُّ مِنْ النِّسَاءِ كَذَلِكَ، أَيْ فَحَيْثُ لَمْ يُحَاذِهِنَّ صُفُوفُ الرِّجَالِ فَلَا فَسَادَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ إفْسَادِ صَلَاةِ مَنْ خَلْفَهَا أَنْ يَكُونَ مُحَاذِيًا لَهَا مِنْ خَلْفِهَا: أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُسَامِتًا لَهَا غَيْرَ مُنْحَرِفٍ عَنْهَا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً قَدْرَ مَقَامِ الرَّجُلِ لَا مُطْلَقُ كَوْنِهِ خَلْفَهَا، وَمُرَادُ الْبَحْرِ مِنْ تَعْيِينِ الْحَمْلِ عَلَى الْمُحَاذَاةِ مَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْمُحَاذَاةِ مَا فَهِمَهُ الْمُحَشِّي مِنْ قِيَامِ الرَّجُلِ خَلْفَهَا، بِأَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ إلَى ظَهْرِهَا قَرِيبًا مِنْهَا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا قَدْرُ مَقَامِ الرَّجُلِ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهَا تَفْسُدُ صَلَاةُ رَجُلٍ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ فُرْجَةٍ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ مَقَامِ الرَّجُلِ، وَهَذَا مَنْشَأُ الْإِشْكَالِ؛ وَقَدْ اسْتَشْهَدَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَلَى جَوَابِهِ بِعِبَارَةِ السِّرَاجِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالصُّفُوفِ، فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ اشْتِرَاطُ مُحَاذَاتِهَا لِمَنْ خَلْفَهَا فِي الصَّفِّ الْمُتَأَخِّرِ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يُفْسِدَ الصَّفُّ سِوَى صَلَاةِ صَفٍّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّجَالِ، وَلَا الثَّلَاثُ سِوَى صَلَاةِ ثَلَاثَةِ رِجَالٍ مِنْ الصَّفِّ الَّذِي خَلْفَهُنَّ فَقَطْ دُونَ بَاقِي الصُّفُوفِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ) أَشَارَ إلَى تَعْمِيمِ الصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ بِقَوْلِهِ: فَرِيضَةٌ أَوْ نَافِلَةٌ، وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ: أَيْ تَطَوُّعٌ أَوْ فَرِيضَةٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ تَطَوُّعٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ. قَالَ: وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُحَاذَاةَ الْمَجْنُونَةِ لَا تُفْسِدُ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ فِي الْحَقِيقَةِ
كَنِيَّتِهَا ظُهْرًا بِمُصَلِّي عَصْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ نَفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ بَحْرٌ، وَسَيَجِيءُ (مُطْلَقَةً) خَرَجَ الْجِنَازَةُ (مُشْتَرَكَةً) فَمُحَاذَاةُ الْمُصَلِّيَةِ لِمُصَلٍّ لَيْسَ فِي صَلَاتِهَا مَكْرُوهَةٌ لَا مُفْسِدٌ فَتْحٌ (تَحْرِيمَةً) وَإِنْ سَبَقَتْ بِبَعْضِهَا (وَأَدَاءً) وَلَوْ حُكْمًا
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمَا. اهـ. ح وَهَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا إنَّهُ لَا يَبْطُلُ أَصْلُ الصَّلَاةِ بِبُطْلَانِ وَصْفِهَا، فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا ظُهْرًا صَحَّتْ نَفْلًا، فَهِيَ مُتَّحِدَةٌ مِنْ حَيْثُ أَصْلُ الصَّلَاةِ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا الْإِمَامُ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ، فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ يَعْنِي صُورَةً بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ الْأَصْلُ بِبُطْلَانِ الْوَصْفِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ حَاذَتْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُصَلِّيَةٍ، وَقَدْ جَعَلَهُ فِي الْبَحْرِ خِلَافَ الْمَذْهَبِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ. وَأَمَّا مَا فِي الْمِنَحِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى بَقَاءِ أَصْلِ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَسَادِ الِاقْتِدَاءِ فَكَأَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ صَحِيحٌ، وَإِنَّمَا فَسَدَتْ نِيَّتُهَا الْفَرْضِيَّةَ وَبَقِيَ اقْتِدَاؤُهَا أَصْلُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ النَّفَلُ وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا الْإِمَامُ بِوَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا قُلْنَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ (قَوْلُهُ وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ لَا يَصِحُّ بِشُرُوعِهِ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقَةً) وَهِيَ مَا عَهْدُهَا مُنَاجَاةٌ لِلرَّبِّ سبحانه وتعالى، وَهِيَ ذَاتُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَوْ الْإِيمَاءِ لِلْعُذْرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ خَرَجَ الْجِنَازَةُ) وَكَذَا سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ. وَيَنْبَغِي إخْرَاجُهَا بِقَوْلِهِ فِي صَلَاةٍ، وَيَنْبَغِي إلْحَاقُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ بِهَا؛ وَكَذَا سُجُودُ السَّهْوِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُحَاذَاةِ فِيهِ بِالْقَدَمِ وَالسَّاقِ حَالَةَ الْقِيَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَمُحَاذَاةٌ إلَخْ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ تَحْرِيمَةٌ كَمَا فَعَلَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ بِتَقْيِيدِ الِاشْتِرَاكِ بِالتَّحْرِيمَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَا بِمُطْلَقِ الِاشْتِرَاكِ؛ وَإِلَّا فَالِاشْتِرَاكُ فِي اتِّحَادِ الصَّلَاةِ مَثَلًا مَوْجُودٌ فِيهَا (قَوْلُهُ لَيْسَ فِي صَلَاتِهَا) بِأَنْ صَلَّيَا مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ مُقْتَدِيًا أَحَدُهُمَا بِإِمَامٍ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ الْآخَرُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ مَكْرُوهَةٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَالْكَرَاهَةِ عَلَى الطَّارِئِ ط. قُلْت: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ: وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَكَانَ الْكَرَاهَةِ الْإِسَاءَةَ وَالْكَرَاهَةُ أَفْحَشُ. اهـ. (قَوْلُهُ تَحْرِيمَةً) الِاشْتِرَاكُ فِي التَّحْرِيمَةِ أَنْ تَبْنِيَ صَلَاتَهَا عَلَى صَلَاةِ مَنْ حَاذَتْهُ أَوْ عَلَى صَلَاةِ إمَامِ مَنْ حَاذَتْهُ بَحْرٌ، وَعَلِمْت مُحْتَرَزَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ وَإِنْ سُبِقَتْ بِبَعْضِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تُدْرِكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ فِي الصُّبْحِ، بَلْ لَوْ سَبَقَهَا بِرَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَحَاذَتْهُ فِيمَا أَدْرَكَتْ تَفْسُدُ عَلَيْهِ بَحْرٌ، وَسَوَاءٌ كَبَّرَتْ قَبْلَ الْمُحَاذِي أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ ح (قَوْلُهُ وَأَدَاءً) بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا إمَامُهُ لِلْآخَرِ، أَوْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ حَقِيقَةً كَالْمُدْرِكِ، أَوْ حُكْمًا كَاللَّاحِقِ ح. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَتَأْدِيَةً، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مُقَابَلَتُهُ لِلْقَضَاءِ مَعَ أَنَّهَا تَفْسُدُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَهْرٌ.
وَأَوْرَدَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ هُنَا شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْأَدَاءِ يَعْنِي عَنْ التَّحْرِيمَةِ، إذْ لَا تُوجَدُ الشَّرِكَةُ فِي الْأَدَاءِ بِدُونِ الشَّرِكَةِ فِي التَّحْرِيمَةِ.
ثَانِيهمَا أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي التَّحْرِيمَةِ غَيْرُ شَرْطٍ، فَإِنَّ الْإِمَامَ إذَا اسْتَخْلَفَ رَجُلًا فَاقْتَدَتْ الْمَرْأَةُ بِالْخَلِيفَةِ وَحَاذَتْ رَجُلًا مِمَّنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمَةِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْأَوَّلِ، بِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا الشَّرِكَةَ فِي التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَدَاءِ تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا. وَفَرَّقَ بَيْنَ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّيْءِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ لَازِمًا لِشَيْءٍ. وَأَجَابَ عَنْهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّهُ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ اقْتَدَى كُلٌّ مِنْهُمَا بِإِمَامٍ غَيْرِ الَّذِي اقْتَدَى بِهِ الْآخَرُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا أَدَاءً لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِمَا أَنَّ لَهُمَا إمَامًا فِيمَا يُؤَدِّيَانِهِ لَكِنَّهُمَا لَمْ يَشْتَرِكَا تَحْرِيمَةً. اهـ.
كَلَاحِقَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقَيْنِ وَالْمُحَاذَاةِ فِي الطَّرِيقِ (وَاتَّحَدَتْ الْجِهَةُ) فَلَوْ اخْتَلَفَتْ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَا فَسَادَ (فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) لَوْ مُكَلَّفًا وَإِلَّا لَا (إنْ نَوَى) الْإِمَامُ وَقْتَ شُرُوعِهِ لَا بَعْدَهُ (إمَامَتَهَا) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَوْ نَوَى امْرَأَةً مُعَيَّنَةً أَوْ النِّسَاءَ إلَّا هَذِهِ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ (وَإِلَّا) يَنْوِهَا (فَسَدَتْ صَلَاتُهَا)
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إمَامٌ وَاحِدٌ تَأَمَّلْ. وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَابِتَةٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ تَقْدِيرًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَةَ الْخَلِيفَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَتَحْصُلُ الْمُشَارَكَةُ بَيْنَهُمَا تَحْرِيمَةً (قَوْلُهُ كَلَاحِقَيْنِ) أَيْ أَحَدُهُمَا امْرَأَةٌ، فَلَوْ حَاذَتْهُ فِي حَالِ الْأَدَاءِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الصَّلَاةِ أَدَاءً حُكْمًا (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِينَ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَأَدَاءً فَإِنَّهُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا تَحْرِيمَةً لَمْ يَشْتَرِكَا أَدَاءً لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ الْمُنْفَرِدَ فِيمَا يَقْضِي إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَسْبُوقًا وَالْآخَرُ لَاحِقًا كَمَا أَفَادَهُ ح.
وَأَمَّا لَوْ كَانَا مَسْبُوقَيْنِ لَاحِقَيْنِ، فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنَّهُمَا لَوْ اقْتَدَيَا فِي الثَّالِثَةِ فَأَحْدَثَا فَذَهَبَا فَتَوَضَّآ ثُمَّ حَاذَتْهُ فِي الْقَضَاءِ، إنْ كَانَ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةُ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ لِلْإِمَامِ تُفْسِدُ لِوُجُودِ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا فِيهِمَا لَاحِقَانِ، وَإِنْ حَاذَتْهُ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَلَا لِعَدَمِهَا لِأَنَّهُمَا مَسْبُوقَانِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي وُجُوبًا أَوَّلًا مَا لَحِقَ بِهِ ثُمَّ مَا سُبِقَ بِهِ، وَبِاعْتِبَارِهِ تَفْسُدُ وَإِنْ صَحَّ عَكْسُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ نَوَى قَضَاءَ مَا سُبِقَ بِهِ أَوَّلًا أَنْ يَنْعَكِسَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُحَاذَاةُ فِي الطَّرِيقِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَسْبُوقَيْنِ: أَيْ لَا تَفْسُدُ أَيْضًا إذَا حَاذَتْهُ فِي الطَّرِيقِ لِلطَّهَارَةِ فِيمَا إذَا سَبَقَهُمَا الْحَدَثُ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُشْتَغِلَيْنِ بِالْقَضَاءِ بَلْ بِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا بِحَقِيقَتِهَا وَإِنْ كَانَا فِي حُرْمَتِهَا، إذْ حَقِيقَتُهَا قِيَامٌ وَقِرَاءَةٌ إلَخْ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ثَابِتًا فَلَمْ تُوجَدْ الشَّرِكَةُ أَدَاءً، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَا تُمْكِنُ الْمُحَاذَاةُ اخْتِلَافُ الْجِهَةِ فِي خَارِجٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ) بِأَنْ صَلَّيَا بِالتَّحَرِّي كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى جِهَةٍ (قَوْلُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ) جَوَابُ قَوْلِهِ وَإِذَا حَاذَتْهُ: أَيْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ دُونَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا نَهْرٌ، فَلَوْ كَانَ إمَامًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ إلَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ كَمَا يَأْتِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إلَى أَنَّهَا لَوْ اقْتَدَتْ بِهِ مُقَارِنَةً لِتَكْبِيرِهِ مُحَاذِيَةً لَهُ وَقَدْ نَوَى إمَامَتَهَا لَمْ تَنْعَقِدْ تَحْرِيمَتُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ لِلصَّلَاةِ إذَا قَارَنَ الشُّرُوعَ مَنَعَ مِنْ الِانْعِقَادِ (قَوْلُهُ لَوْ مُكَلَّفًا) لِأَنَّ فَسَادَ صَلَاةِ الرَّجُلِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمُخَاطَبَ بِتَأْخِيرِهَا، فَإِذَا لَمْ يُؤَخِّرْهَا فَقَدْ تَرَكَ فَرْضَ الْمَقَامِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِيهِ أَيْ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، فَإِنَّ الْخِطَابَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، كَذَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْجَامِعِ، فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الصَّبِيِّ بِالْمُحَاذَاةِ عَلَى هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ إنْ نَوَى إمَامَتَهَا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: هَذَا الْقَيْدُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِذِكْرِ الِاشْتِرَاكِ السَّابِقِ. وَأَقُولُ: غَيْرُ خَافٍ أَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ وَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا بَعْدَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاتَهَا مَعَ الْمُحَاذِي صَحِيحَةٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ ط.
أَقُولُ: وَفِي الْقُنْيَةِ رَامِزًا إلَى شَرَفِ الْأَئِمَّةِ: وَنِيَّةُ الْإِمَامِ إمَامَةَ النِّسَاءِ، تُعْتَبَرُ وَقْتَ الشُّرُوعِ لَا بَعْدَهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي مُدَّةٍ اقْتِدَائِهِنَّ، فَلَوْ نَوَى إمَامَةَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ شُرُوعِهِ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ حَاذَتْهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) هُوَ اسْتِظْهَارٌ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْفَارِسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى تَلْخِيصِ الْجَامِعِ حَكَى الِاشْتِرَاطَ بِقِيلَ (قَوْلُهُ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ) فَلَا تَفْسُدُ الْمُسْتَثْنَاةُ وَلَا غَيْرُ الْمُعَيَّنَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَائِهِمَا (قَوْلُهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي الْفَرْضِ وَلَا فِي نَفْلٍ أَيْضًا. وَحَكَى
كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ فَلَمْ تَتَأَخَّرْ لِتَرْكِهَا فَرْضَ الْمَقَامِ فَتْحٌ. وَشَرَطُوا كَوْنَهَا عَاقِلَةً، وَكَوْنَهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ، فَالشُّرُوطُ عَشَرَةٌ (وَمُحَاذَاةُ الْأَمْرَدِ الصَّبِيحِ) الْمُشْتَهَى (لَا يُفْسِدُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ) تَضْعِيفٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَدُرَرِ الْبِحَارِ مِنْ الْفَسَادِ. لِأَنَّهُ فِي الْمَرْأَةِ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالشَّهْوَةِ، بَلْ بِتَرْكِ فَرْضِ الْمَقَامِ كَمَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْهُمَامِ.
(وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ)
ــ
[رد المحتار]
فِي الْقُنْيَةِ فِي الثَّانِي رِوَايَتَيْنِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا سَيَأْتِي، مِنْ أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ أَمْ لَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. [تَنْبِيهٌ]
ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا بِلَا نِيَّةِ الْإِمَامِ إمَامَتَهَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ أَيْضًا، فَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِيهِمَا أَيْضًا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ قَالَ كَثِيرٌ إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى عَدَمِهِ فِيهِمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَجَعَلَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَكْثَرَ عَلَى الِاشْتِرَاطِ وَأَجْمَعُوا عَلَى عَدَمِهِ فِي الْجِنَازَةِ اهـ. وَظَاهِرٌ عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي صَلَاتِهَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُحَاذِيَةِ أَيْ لِإِمَامٍ أَوْ لِمُقْتَدٍ أَنَّهَا لَوْ اقْتَدَتْ غَيْرَ مُحَاذِيَةٍ لِأَحَدٍ اقْتِدَاؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا إلَّا إذَا نَفَى إمَامَةَ النِّسَاءِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمَرْأَةِ نِيَّةُ الْإِمَامِ إمَامَتَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ مُحَاذِيَةً وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْحِلْيَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَتَقَدَّمَ بَعْدُ وَتُحَاذِيَ أَحَدًا مِنْ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ وَحَاذَتْ لَا يَبْقَى اقْتِدَاؤُهَا وَلَا تُتِمُّ صَلَاتُهَا. اهـ. وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ هُنَا أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ الْأَخِيرَ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مُطْلَقًا وَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلِهَذَا أَطْلَقَ فِي مَتْنِ الْمُخْتَارِ تَرْكَهُ؛ وَلَا تَدْخُلُ الْمَرْأَةُ فِي صَلَاةِ الرِّجَالِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا الْإِمَامُ؛ وَمِثْلُهُ فِي الْمَتْنِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ: إذَا حَاذَتْهُ بَعْدَ مَا شَرَعَ وَنَوَى إمَامَتَهَا فَلَا يُمْكِنُهُ التَّأْخِيرُ بِالتَّقَدُّمِ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ لِلْكَرَاهَةِ فِي ذَلِكَ، فَتَأْخِيرُهَا بِالْإِشَارَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِذَا فَعَلَ فَقَدْ أَخَّرَ فَيَلْزَمُهَا التَّأَخُّرُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَقَدْ تَرَكَتْ حِينَئِذٍ فَرْضُ الْمَقَامِ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهَا دُونَهُ. اهـ.
وَاسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ مَا شَرَعَ أَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ قَبْلَ شُرُوعِهِ وَنَوَى إمَامَتَهَا مُحَاذِيًا لَهَا وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، فَالْإِشَارَةُ بِالتَّأَخُّرِ إنَّمَا تَنْفَعُ إذَا حَضَرَتْ بَعْدَ الشُّرُوعِ نَاوِيًا إمَامَتَهَا. قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ بِقَيْدٍ اهـ أَيْ فَلَوْ حَاذَتْ الْمُقْتَدِيَ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَأَشَارَ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ وَلَمْ تَتَأَخَّرْ فَسَدَتْ صَلَاتُهَا دُونَهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ هَذَا فِي الشُّرُوطِ، بِأَنْ يُقَالَ: وَلَمْ يُشِرْ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ إذَا حَضَرَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ، أَمَّا غَيْرُهَا فَغَيْرُ مُكَلَّفَةٍ بِفَرْضِيَّةِ الْمَقَامِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَشَرَطُوا كَوْنَهَا عَاقِلَةً) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهَا نَهْرٌ، وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ) حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى دُكَّانٍ عُلْوِ قَامَةٍ وَالْآخَرُ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ الْمُحَاذَاةِ إلَّا أَنَّ الْمَشَايِخَ ذَكَرُوهُ إيضَاحًا نَهْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ فِي رُكْنٍ كَامِلٍ) أَيْ فِي أَدَاءِ رُكْنٍ بِالْفِعْلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مِقْدَارُ الرُّكْنِ.
وَاَلَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ الْمُحَاذَاةُ مُفْسِدَةٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ اخْتِيَارُهُ (قَوْلُهُ فَالشُّرُوطُ عَشَرَةٌ) بَلْ أَكْثَرُ بِزِيَادَةِ مَا قَدَّمَهُ مِنْ كَوْنِ الَّذِي حَاذَتْهُ مُكَلَّفًا وَبِزِيَادَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عَدَمِ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا بِالتَّأَخُّرِ إذَا حَضَرَتْ بَعْدَ شُرُوعِهِ (قَوْلُهُ وَالصَّبِيحُ الْمُشْتَهَى) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ لَا يُفْسِدُ بِالِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ غَيْرُ مَعْلُولٍ بِالشَّهْوَةِ) أَيْ لَيْسَتْ عِلَّةُ الْفَسَادِ الشَّهْوَةَ، وَلِذَا أَفْسَدْنَا بِالْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ وَبِالْمَحْرَمِ كَأُمِّهِ وَبِنْتِهِ؛ وَأَمَّا عَدَمُ الْفَسَادِ فِيمَنْ لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ كَبِنْتِ سَبْعٍ فَلِقُصُورِهَا عَنْ دَرَجَةِ النِّسَاءِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِتَأْخِيرِهِنَّ غَيْرُ شَامِلٍ لَهَا ظَاهِرًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ
(قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْأُنْثَى
وَخُنْثَى (وَصَبِيٍّ مُطْلَقًا) وَلَوْ فِي جِنَازَةٍ
ــ
[رد المحتار]
الشَّامِلُ لِلْبَالِغَةِ وَغَيْرِهَا؛ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخُنْثَى مَا يَشْمَلُهُمَا أَيْضًا. وَأَمَّا الرَّجُلُ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْبَالِغَ اقْتَضَى بِمَفْهُومِهِ صِحَّةَ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الذَّكَرُ أَفَادَ عَدَمَ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الصَّبِيِّ بِالصَّبِيِّ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ وَاقِعٍ؛ فَالصَّوَابُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ: وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ ذَكَرٍ بِأُنْثَى وَخُنْثَى، وَلَا رَجُلٍ بِصَبِيٍّ ح عَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ عَلِيٍّ الْبَصِيرِ. أَقُولُ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي إمَّا ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا بَالِغٌ أَوْ غَيْرُهُ؛ فَالذَّكَرُ الْبَالِغُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِلْكُلِّ، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ؛ وَالْأُنْثَى الْبَالِغَةُ تَصِحُّ إمَامَتُهَا لِلْأُنْثَى مُطْلَقًا فَقَطْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَتَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا بِالرَّجُلِ وَبِمِثْلِهَا وَبِالْخُنْثَى الْبَالِغِ، وَيُكْرَهُ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَالْخُنْثَى الْبَالِغُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِلْأُنْثَى مُطْلَقًا فَقَطْ لَا لِرَجُلٍ وَلَا لِمِثْلِهِ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِ وَذُكُورَةِ الْمُقْتَدِي، وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالرَّجُلِ لَا بِمِثْلِهِ، وَلَا بِأُنْثَى مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ؛ فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِمِثْلِهِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى، وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالذَّكَرِ مُطْلَقًا فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى تَصِحُّ إمَامَتُهَا لِمِثْلِهَا فَقَطْ. أَمَّا الصَّبِيُّ فَمُحْتَمَلٌ، وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا بِالْكُلِّ، وَإِنْ كَانَ خُنْثَى تَصِحُّ إمَامَتُهُ لِأُنْثَى مِثْلِهِ لَا لِبَالِغَةٍ وَلَا لِذَكَرٍ أَوْ خُنْثَى مُطْلَقًا، وَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالذَّكَرِ مُطْلَقًا فَقَطْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي أَخْذًا مِنْ الْقَوَاعِدِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي جِنَازَةٍ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ الرَّاجِعِ إلَى الِاقْتِدَاءِ بِالصَّبِيِّ. مَطْلَبٌ الْوَاجِبُ كِفَايَةً هَلْ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الصَّبِيِّ وَحْدَهُ؟
قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ: الصَّبِيُّ إذَا أَمَّ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَلَكِنْ يُشْكِلُ بِرَدِّ السَّلَامِ إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ فَرَدَّ صَبِيٌّ جَوَابَ السَّلَامِ. اهـ. أَقُولُ: مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عَنْ الْبَالِغِينَ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَحْدَهُ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ إمَامًا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ أُصُولِ الْمَذْهَبِ عَدَمُ السُّقُوطِ اهـ أَيْ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ. أَقُولُ: وَيُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ مِنْ مَسْأَلَةِ السَّلَامِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِجَوَازِ أَذَانِ الصَّبِيِّ الْمُرَاهِقِ بِلَا كَرَاهَةٍ مَعَ أَنَّهُ قِيلَ بِأَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ الْوَاجِبِ فِي لُحُوقِ الْإِثْمِ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ خَطَبَ صَبِيٌّ لَهُ مَنْشُورٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ بَالِغٌ جَازَ وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الذَّبْحَ وَالتَّسْمِيَةَ أَيْ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَأْمُورٌ بِهَا، وَكَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ الْأُسْرُوشَنِيُّ مِنْ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ جَازَ اهـ أَيْ يَسْقُطُ بِهِ الْوُجُوبُ. فَسُقُوطُ الْوُجُوبِ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْلَى لِأَنَّهَا دُعَاءٌ وَهُوَ أَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ. وَلَعَلَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِهِ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ وُقُوعَهُ وَاجِبًا. وَسُقُوطُ الْوُجُوبِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ بِفِعْلِهِ، يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْمُرْتَدِّ، مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لَوْ أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ يَقَعُ فَرْضًا وَيَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ إقْرَارٍ آخَرَ بَعْدَ الْبُلُوغِ حَتَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَنْفِي وُجُوبَ الْإِيمَانِ عَلَى الصَّبِيِّ، فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ صَلَّاهَا سَقَطَ فَرْضُهُ. اهـ.
وَلَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فَرْضًا. لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ إثْبَاتُ إنَّهُ مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الْفَرْضِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِذَلِكَ فَيُقَالُ مِثْلُهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ بِهَا أَيْضًا، وَالِاكْتِفَاءُ بِأَذَانِهِ وَخُطْبَتِهِ وَتَسْمِيَتِهِ وَرَدِّهِ السَّلَامَ دَلِيلٌ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ، نَعَمْ يُشْكِلُ مَا لَوْ صَلَّى فِي الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُهَا لِوُقُوعِ
وَنَفْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ
(وَكَذَا لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ أَوْ مُتَقَطِّعٍ فِي غَيْرِ حَالَةِ إفَاقَتِهِ وَسَكْرَانَ) أَوْ مَعْتُوهٍ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ (وَلَا طَاهِرٍ بِمَعْذُورٍ) هَذَا (إنْ قَارَنَ الْوُضُوءُ الْحَدَثَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ) بَعْدَهُ (وَصَحَّ لَوْ تَوَضَّأَ عَلَى الِانْقِطَاعِ وَصَلَّى كَذَلِكَ) كَاقْتِدَاءٍ بِمُفْتَصِدٍ أَمِنَ خُرُوجَ الدَّمِ؛ وَكَاقْتِدَاءِ امْرَأَةٍ بِمِثْلِهَا، وَصَبِيٍّ بِمِثْلِهِ، وَمَعْذُورٍ بِمِثْلِهِ وَذِي عُذْرَيْنِ بِذِي عُذْرٍ، لَا عَكْسِهِ كَذِي انْفِلَاتِ رِيحٍ بِذِي سَلَسٍ لِأَنَّ مَعَ الْإِمَامِ حَدَثًا وَنَجَاسَةً.
ــ
[رد المحتار]
الْأُولَى نَفْلًا. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ آخَرَ الْوَقْتِ وَهُوَ فِيهِ بَالِغٌ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا لِوُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَالْوَقْتُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ لَيْسَ سَبَبًا لِلْوُجُودِ فَكَأَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَرْضًا. أَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ سَبَبَهَا حُضُورُهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ قَبْلَ بُلُوغِهِ فَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا فَرْضًا مِنْهُ تَأَمَّلْ، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْبُلُوغُ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ ثَانِيًا بَعْدَ الْبُلُوغِ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ شَرْطِهَا الْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ، بِخِلَافِ الْحَجِّ النَّفْلِ: وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِي الْجِنَازَةِ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ وَسُقُوطِ الْوَاجِبِ بِهَا عَنْ الْمُكَلَّفِينَ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ لِلْبَالِغِينَ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا الْبُلُوغُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَظْفَرُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ (قَوْلُهُ وَنَفْلٍ عَلَى الْأَصَحِّ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَفِي التَّرَاوِيحِ وَالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخٍ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ مَشَايِخُنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّقَ الْخِلَافَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالسُّنَنِ الْمُطْلَقَةِ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ وَالْعِيدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَكَذَا الْوِتْرُ وَالْكُسُوفَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ عِنْدَهُمَا فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ بِمَجْنُونٍ مُطْبِقٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّ الْمُطْبِقَ هُوَ الْجُنُونُ لَا الْمَجْنُونُ، فَهُوَ كَقَوْلِك ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ، فَإِنَّ الْمُؤْلِمَ هُوَ الضَّارِبُ لَا الضَّرْبُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ النِّيَّةِ وَلِعَدَمِ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ إفَاقَتِهِ) وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ فَيَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ إفَاقَتُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ عُلِمَ مِنْهُ جُنُونٌ وَإِفَاقَةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا يَصِحُّ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ عُلِمَتْ إفَاقَتُهُ بَعْدَ جُنُونِهِ أَنْ يَصِحَّ، وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْجُنُونِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ وَهُوَ الصِّحَّةُ لِأَنَّ الْجُنُونَ مَرَضٌ عَارِضٌ (قَوْلُهُ أَوْ (مَعْتُوهٌ)) هُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ، وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَدْ جَعَلُوهُ فِي حُكْمِ الصَّبِيِّ (قَوْلُهُ وَمَعْذُورٌ بِمِثْلِهِ إلَخْ) أَيْ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي السِّرَاجِ مَا نَصُّهُ: وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ. وَأَمَّا إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ بِهِ السَّلَسُ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمُؤْتَمَّ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اتِّحَادِ الْعُذْرِ اتِّحَادُ الْأَثَرِ لَا اتِّحَادُ الْعَيْنِ، وَإِلَّا لَكَانَ يَكْفِيهِ فِي التَّمْثِيلِ أَنْ يَقُولَ وَأَمَّا إذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ، وَلَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي التَّعْلِيلِ لِاخْتِلَافِ عُذْرِهِمَا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَالْجُرْحَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ، وَكَذَا سَلَسُ الْبَوْلِ وَاسْتِطْلَاقُ الْبَطْنِ. اهـ.
أَيْ لِاتِّحَادِهِمَا فِي الْأَثَرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ وَإِنْ كَانَ السَّلَسُ لَيْسَ عَيْنَ الْجُرْحِ، لَكِنْ اعْتَرَضَ فِي النَّهْرِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ اقْتِدَاءِ ذِي سَلَسٍ بِذِي انْفِلَاتٍ، وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ لِاخْتِلَافِ عُذْرِهِمَا اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاتِّحَادِ اتِّحَادُ الْعَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ ذِي سَلَسٍ بِذِي جُرْحٍ لَا يَرْقَأُ أَوْ بِالْعَكْسِ. وَقَالَ كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ مَعْذُورٍ بِمِثْلِهِ إذَا اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا لَا إنْ اخْتَلَفَ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْأَحْسَنَ مَا فِي النَّهْرِ وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ مُتَابَعَتُهُ عَلَى عَادَتِهِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ هُنَا تَابَعَ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَكَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْخَزَائِنِ حَيْثُ قَالَ: اقْتِدَاءُ الْمَعْذُورِ بِمِثْلِهِ صَحِيحٌ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا كَذِي سَلَسٍ بِمِثْلِهِ أَوْ بِذِي جُرْحٍ أَوْ انْطِلَاقٍ، لَا إنْ اخْتَلَفَ كَذِي انْفِلَاتٍ بِذِي سَلَسٍ لِأَنَّ مَعَ الْإِمَامِ حَدَثًا
وَمَا فِي الْمُجْتَبَى الِاقْتِدَاءُ بِالْمُمَاثِلِ صَحِيحٌ إلَّا ثَلَاثَةً: الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ وَالضَّالَّةُ وَالْمُسْتَحَاضَةُ: أَيْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ؛ فَلَوْ انْتَفَى صَحَّ (وَ) لَا (حَافِظِ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ حَافِظٍ لَهَا) وَهُوَ الْأُمِّيُّ، وَلَا أُمِّيِّ بِأَخْرَسَ لِقُدْرَةِ الْأُمِّيِّ عَلَى التَّحْرِيمَةِ فَصَحَّ عَكْسُهُ (وَ) لَا (مَسْتُورِ عَوْرَةٍ بِعَارٍ) .
فَلَوْ أَمَّ الْعَارِيَ عُرْيَانَا وَلَابِسَيْنِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمُمَاثِلُهُ جَائِزَةٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا ذُو جُرْحٍ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ (وَ) لَا (قَادِرٍ عَلَى رُكُوعٍ وَسُجُودٍ بِعَاجِزٍ عَنْهُمَا) لِبِنَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ (وَ) لَا (مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَبِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ) لِأَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ عِنْدَنَا. وَصَحَّ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ
ــ
[رد المحتار]
وَنَجَاسَةً اهـ فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ كَمَا عَلِمْت.
(قَوْلُهُ وَمَا فِي الْمُجْتَبَى) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي: أَيْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ أَيْ مَا فِي الْمُجْتَبَى مُفَسَّرٌ بِكَذَا (قَوْلُهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُخَالِفِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَسَقَطَ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظَةُ الِاقْتِدَاءِ (قَوْلُهُ أَيْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ) أَيْ وَاحْتِمَالِ ذُكُورَةِ الْمُقْتَدِيَةِ وَأُنُوثَةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ إنَّ هَذَا فِي الضَّالَّةِ ظَاهِرٌ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ جَوَّزَ اقْتِدَاءَ الضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا لِاحْتِمَالِ اقْتِدَائِهَا بِالْحَائِضِ. اهـ. وَأَمَّا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ حَقِيقَةً لَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ حَائِضًا كَمَنْ تَجَاوَزَ دَمُهَا عَلَى عَشَرَةٍ فِي الْحَيْضِ أَوْ أَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهَا نَحْوُ الْمُبْتَدَأَةِ قَبْلَ تَمَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ، فَإِنْ تَمَّ ثَلَاثَةٌ فِيهَا وَإِلَّا قَضَتْ، فَهِيَ الثَّلَاثُ يَحْتَمِلُ حَالُهَا الْحَيْضَ وَالِاسْتِحَاضَةَ، وَكَذَا الْمُعْتَادَةُ إذَا تَجَاوَزَ الدَّمُ عَلَى عَادَتِهَا فَإِنَّهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَنْقَطِعَ لِعَشَرَةٍ فَتَكُونَ حَائِضًا أَوْ لِأَكْثَرَ فَتَكُونَ مُسْتَحَاضَةً، فَلَا يَجُوزُ لِمِثْلِهَا الِاقْتِدَاءُ بِهَا. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ الَّذِي رَأَيْته فِي الْمُجْتَبَى: وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ يَجُوزُ وَالضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِالْمُشْكِلِ اهـ وَهَذِهِ لَا إشْكَالَ فِيهَا، وَلَعَلَّ نُسْخَةَ صَاحِبِ الْبَحْرِ مُحَرَّفَةٌ وَتَبِعُوهُ عَلَيْهَا تَأَمَّلْ اهـ لَكِنَّ الَّذِي فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مُوَافِقٌ لِمَا هُنَا. هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقُنْيَةِ رِوَايَتَيْنِ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (قَوْلُهُ فَلَوْ انْتَفَى) أَيْ الِاحْتِمَالُ ح.
(قَوْلُهُ بِغَيْرِ حَافِظٍ لَهَا) شَمَلَ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا، لَكِنْ بِلَحْنٍ مُفْسِدٍ لِلْمَعْنَى لِمَا فِي الْبَحْرِ: الْأُمِّيُّ عِنْدَنَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ (قَوْلُهُ وَلَا أُمِّيٌّ بِأَخْرَسَ) أَمَّا اقْتِدَاءُ أَخْرَسَ بِأَخْرَسَ أَوْ أُمِّيٍّ بِأُمِّيٍّ فَصَحِيحٌ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ فَصَحَّ عَكْسُهُ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّعْلِيلِ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْأُمِّيِّ عَلَى التَّحْرِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْأَخْرَسِ فَصَحَّ اقْتِدَاءُ الْأَخْرَسِ بِهِ دُونَ عَكْسِهِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ صَحَّ اقْتِدَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْآخَرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ أُمِّيًّا وَقَارِئًا فَإِنَّ صَلَاةَ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ إذَا اقْتَدَى بِقَارِئٍ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَلَيْسَتْ طَهَارَةُ الْإِمَامِ وَسِتْرُهُ طَهَارَةً وَسِتْرًا لِلْمَأْمُومِ حُكْمًا فَافْتَرَقَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا ذُو جُرْحٍ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ) تَبِعَ فِي هَذَا التَّعْبِيرِ صَاحِبَ الْبَحْرِ، وَالْأَوْلَى: مِثْلُهُ وَصَحِيحًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ. وَكَذَا لَوْ أَمَّ ذُو جُرْحٍ مِثْلَهُ وَصَحِيحًا، وَأَمَّ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ ح (قَوْلُهُ بِعَاجِزٍ عَنْهُمَا) أَيْ بِمَنْ يُومِئُ بِهِمَا قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمْكَنَاهُ قَاعِدًا فَصَحِيحٌ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ط: وَالْعِبْرَةُ لِلْعَجْزِ عَنْ السُّجُودِ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْهُ وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ أَوْمَأَ (قَوْلُهُ وَبِمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ) سَوَاءٌ تَغَايَرَ الْفَرْضَانِ اسْمًا أَوْ صِفَةً كَمُصَلِّي ظُهْرَ أَمْسِ بِمُصَلِّي ظُهْرِ الْيَوْمِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا فَاتَتْهُمْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ يَوْمٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ وَكَذَا لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ فَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَاقْتَدَى بِهِ آخَرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ هَذَا قَضَاءٌ لِلْمُقْتَدِي جَوْهَرَةٌ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ إلَخْ) قَدَّمْنَا أَوَّلَ الْبَابِ مَعْنَى اتِّحَادِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَحَّ أَنَّ مُعَاذًا إلَخْ) أَيْ صَحَّ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَتَرَجَّحَ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ بِالنَّفْلِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِشَاءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ»
- صلى الله عليه وسلم نَفْلًا وَبِقَوْمِهِ فَرْضًا» (وَ) لَا (نَاذِرٍ) بِمُتَنَفِّلٍ، وَلَا بِمُفْتَرِضٍ، وَلَا (بِنَاذِرٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَمُفْتَرِضٍ فَرْضًا آخَرَ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَنْذُورِ الْآخَرِ لِلِاتِّحَادِ (وَ) لَا (نَاذِرٍ بِحَالِفٍ) لِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ أَقْوَى فَصَحَّ عَكْسُهُ، وَبِحَالِفٍ وَمُتَنَفِّلٍ، وَمُصَلِّيًا رَكْعَتَيْ طَوَافٍ كَنَاذِرَيْنِ؛ وَلَوْ اشْتَرَكَا فِي نَافِلَةٍ فَأَفْسَدَاهَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ لَا إنْ أَفْسَدَاهَا مُنْفَرِدَيْنِ؛ وَلَوْ صَلَّيَا الظُّهْرَ وَنَوَى كُلٌّ إمَامَةَ الْآخَرِ صَحَّتْ لَا إنْ نَوَيَا الِاقْتِدَاءَ، وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى (وَ) لَا (لَاحِقٍ وَ) لَا (مَسْبُوقٍ بِمِثْلِهِمَا) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ
ــ
[رد المحتار]
وَالْجَوَابُ «أَنَّ مُعَاذًا لَمَّا شَكَاهُ قَوْمُهُ قَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا، إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي، وَإِمَّا أَنْ تُحَفِّفَ عَلَى قَوْمِك» رَوَاهُ أَحْمَدُ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى صَلَّى مَعَهُ امْتَنَعَتْ إمَامَتُهُ وَبِالْإِجْمَاعِ لَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ مَعَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّيهِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفْلٌ. اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مُعَاذٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ نَافِلَةً وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بِقَوْمِهِ هِيَ الْفَرِيضَةَ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي وَفَتْحِ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ وَلَا نَاذِرٍ بِمُتَنَفِّلٍ) لِأَنَّ النَّذْرَ وَاجِبٌ فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلًّا إلَخْ) عِلَّةٌ لِلْأَخِيرَيْنِ، فَإِنَّ الْمَنْذُورَ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ.
وَرَجَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ الْأُولَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدَهُمَا إلَخْ) بِأَنْ قَالَ بَعْدَ نَذْرِ صَاحِبِهِ نَذَرْت تِلْكَ الْمَنْذُورَةَ الَّتِي نَذَرَهَا فُلَانٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ لِلِاتِّحَادِ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَذَرَ مَنْذُورَةَ صَاحِبِهِ فَكَأَنَّهُمَا نَذَرَا صَلَاةً بِعَيْنِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَذَرَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا صَلَاةً لِأَنَّ مَا أَوْجَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَذْرِهِ غَيْرُ مَا أَوْجَبَهُ الْآخَرُ، وَلَيْسَ مَنْذُورُ أَحَدِهِمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ أَقْوَى) أَيْ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِالْحَلِفِ عَنْ كَوْنِهَا نَافِلَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى التَّخْيِيرِ، إنْ شَاءَ صَلَّى وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَكَفَّرَ، وَلِذَا جَازَ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ وَبِالْمُتَنَفِّلِ، وَمَا وَقَعَ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الْوُجُوبَ فِيهَا عَارِضٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلِذَا أَضْرَبَ عَنْهُ الشَّارِحُ رَحْمَتِيٌّ. أَقُولُ: يُؤَيِّدُ هَذَا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَرْضًا وَجَبَ الْبِرُّ، أَوْ مَعْصِيَةً وَجَبَ الْحِنْثُ، أَوْ غَيْرُهُ خَيْرٌ تَرَجَّحَ الْحِنْثُ، وَإِنْ تَسَاوَيَا تَرَجَّحَ الْبِرُّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَصَحَّ عَكْسُهُ) لِأَنَّ فِيهِ بِنَاءَ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ وَهُوَ جَائِزٌ ط (قَوْلُهُ وَبِحَالِفٍ) عَطْفٌ عَلَى النَّاذِرِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ عَكْسُهُ، وَالتَّقْدِيرُ: فَصَحَّ اقْتِدَاءُ حَالِفٍ بِنَاذِرٍ وَبِحَالِفٍ ح. وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَن رَكْعَتَيْنِ بَحْرٌ، وَإِنَّمَا صَحَّ اقْتِدَاءُ حَالِفٍ بِحَالِفٍ لِمَا عَلِمْته مِنْ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ بِالْحَلِفِ عَنْ كَوْنِهَا نَافِلَةً، فَكَانَ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمِثْلِهِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْبِرُّ فَبَقِيَتْ الصَّلَاتَانِ نَفْلًا فِي نَفْسِهِمَا اهـ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَبِمُتَنَفِّلٍ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِحَالِفٍ أَيْ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْمُتَنَفِّلِ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا نَفْلٌ ح وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا وَاجِبَةٌ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ اهـ عَلِمْت جَوَابَهُ (قَوْلُهُ وَمُصَلِّيَا) تَثْنِيَةُ مُصَلٍّ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ كَنَاذِرَيْنِ، يَعْنِي فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ، فَإِنَّ طَوَافَ أَحَدِهِمَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح. وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ بِمَنْزِلَةِ اقْتِدَاءِ الْمُتَطَوِّعِ بِالْمُتَطَوِّعِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِمَا (قَوْلُهُ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ) أَيْ لِلِاتِّحَادِ، فَكَانَ كَنَذْرِ أَحَدِهِمَا عَيْنَ مَا نَذَرَهُ الْآخَرُ ح (قَوْلُهُ لَا إنْ أَفْسَدَاهَا مُنْفَرِدَيْنِ) لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ كَالنَّاذِرَيْنِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَا يَخْفَى) هُوَ أَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلَا يَصِيرُ إمَامًا إلَّا بِاقْتِدَاءِ غَيْرِهِ بِهِ فَبَقِيَا مُنْفَرِدَيْنِ، وَأَمَّا الْمُقْتَدِي فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَالِاقْتِدَاءُ يَصِحُّ لِمَنْ نَوَى بِنَاءَ صَلَاتِهِ عَلَى غَيْرِهِ (قَوْلُهُ بِمِثْلِهِمَا) وَكَذَا لَاحِقٌ بِمَسْبُوقٍ وَعَكْسُهُ ح (قَوْلُهُ الِاقْتِدَاءُ فِي مَوْضِعِ الِانْفِرَادِ) هَذَا يَجْرِي فِي اقْتِدَاءِ الْمَسْبُوقِ بِمَسْبُوقٍ أَوْ لَاحِقٍ، وَقَوْلُهُ كَعَكْسِهِ:
مُفْسِدٌ كَعَكْسِهِ.
(وَ) لَا (مُسَافِرٍ بِمُقِيمٍ بَعْدَ الْوَقْتِ فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ) كَالظُّهْرِ، سَوَاءٌ أَحْرَمَ الْمُقِيمُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ، فَخَرَجَ فَاقْتَدِي الْمُسَافِرُ (بَلْ) إنْ أَحْرَمَ (فِي الْوَقْتِ) فَخَرَجَ صَحَّ (وَأَتَمَّ) تَبَعًا لِإِمَامِهِ، أَمَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَرْضُهُ فَيَكُونُ اقْتِدَاءً بِمُتَنَفِّلٍ فِي حَقِّ قَعْدَةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ بِاقْتِدَائِهِ فِي شَفْعٍ أَوَّلٍ أَوْ ثَانٍ (وَ) لَا (نَازِلٍ بِرَاكِبٍ) وَلَا رَاكِبٍ بِرَاكِبٍ دَابَّةً أُخْرَى، فَلَوْ مَعَهُ صَحَّ (وَ) لَا (غَيْرِ الْأَلْثَغِ بِهِ) أَيْ بِالْأَلْثَغِ (عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْبَحْرِ
ــ
[رد المحتار]
يَعْنِي الِانْفِرَادَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ يَجْرِي فِي اقْتِدَاءِ اللَّاحِقِ بِلَاحِقٍ أَوْ مَسْبُوقٍ، فَإِنَّ اللَّاحِقَ إذَا قَصَدَ الِاقْتِدَاءَ بِغَيْرِ إمَامه فَكَأَنَّهُ انْفَرَدَ أَوَّلًا عَنْ إمَامِهِ ثُمَّ اقْتَدَى فَصَحَّ أَنَّهُ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ ح.
(قَوْلُهُ وَلَا مُسَافِرٍ بِمُقِيمٍ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مُسَافِرٍ بِمُقِيمٍ إلَخْ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ قَابِلَةٌ لِلْإِتْمَامِ مَا دَامَ الْوَقْتُ بَاقِيًا، بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ، أَوْ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِمُقِيمٍ فَيَصِيرَ تَبَعًا لِإِمَامِهِ وَيُتِمُّ لِبَقَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ الْوَقْتُ. أَمَّا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ فَقَدْ تَقَرَّرَتْ فِي ذِمَّتِهِ رَكْعَتَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ إتْمَامُهَا بِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، حَتَّى إنَّهُ يَقْضِيهَا فِي بَلَدِهِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا اقْتَدِي بَعْدَ الْوَقْتِ بِمُقِيمٍ أَحْرَمَ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ فِيهِ لَا يَصِحُّ، لِمَا قُلْنَا وَلِمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ لِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ فِيمَا يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ) احْتِرَازٌ عَنْ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ لِعَدَمِ تَغَيُّرِهِ (قَوْلُهُ فَخَرَجَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فِيهِ لِأَنَّ أَوْ الْعَاطِفَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَامِلِ وَهُوَ أَحْرَمَ، وَقَوْلُهُ فَاقْتَدَى مَعْطُوفٌ عَلَى أَحْرَمَ (قَوْلُهُ بَلْ إنْ أَحْرَمَ) أَيْ الْمُسَافِرُ الْمُقْتَدِي بِالْمُقِيمِ، وَعَبَّرَ بِأَحْرَمَ بَدَلَ اقْتَدَى لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ إدْرَاكِ التَّحْرِيمَةِ فِي الْوَقْتِ كَافٍ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَلُزُومِ الْإِتْمَامِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ فَيَكُونُ) تَفْرِيعٌ عَلَى عَدَمِ التَّغَيُّرِ ح (قَوْلُهُ بِاقْتِدَائِهِ) الْبَاءُ لِلتَّصْوِيرِ (قَوْلُهُ فِي شَفْعٍ أَوَّلَ أَوْ ثَانٍ) نَشْرٌ مُرَتَّبٌ: أَيْ أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُقِيمِ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ يَكُونُ اقْتِدَاءَ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ فِي حَقِّ الْقَعْدَةِ الْأُولَى، فَإِنَّهَا فَرْضٌ عَلَى الْمُسَافِرِ لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهِ نَفْلٌ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ لِأَنَّهَا أَوْلَى فِي حَقِّهِ، وَأَطْلَقُوا النَّفَلَ هُنَا عَلَى مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ وَهُوَ الْوَاجِبُ لِأَنَّ النَّفَلَ الزِّيَادَةُ وَالْوَاجِبُ زَائِدٌ عَلَى الْفَرْضِ، وَإِذَا اقْتَدَى بِهِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي يَكُونُ اقْتِدَاءَ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ أَيْضًا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا فَرْضٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى صَلَاةِ الْمُسَافِرِ نَفْلٌ لِلْمُقِيمِ، سَوَاءٌ قَرَأَ الْمُقِيمُ فِي الْأُولَيَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، أَوْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْأُولَيَانِ فَتُلْتَحَقُ بِهِمَا فَتَخْلُو الْأُخْرَيَانِ عَنْهَا حُكْمًا. وَلَا يَرِدُ اقْتِدَاءُ الْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّهَا أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ؛ وَلِذَا لَوْ أَفْسَدَهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا. [تَنْبِيهٌ]
يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى مُقِيمُونَ بِمُسَافِرٍ وَأَتَمَّ بِهِمْ بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ وَتَابَعُوهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ لِكَوْنِهِ مُتَنَفِّلًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ، نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةَ؛ وَذَكَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ لَهُ وَلَمْ يَرَهَا فِي كِتَابٍ. قُلْت: وَقَدْ نَقَلَهَا الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَسَنَذْكُرُهَا هُنَاكَ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَلَا نَازِلٍ بِرَاكِبٍ إلَخْ) وَكَذَا عَكْسُهُ، وَالْعِلَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ، وَإِنَّمَا صَحَّ لَوْ كَانَ مَعَهُ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ لِاتِّحَادِهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ أَيْضًا؛ فَفِي اقْتِدَاءِ النَّازِلِ بِالرَّاكِبِ مَانِعٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُهُ اقْتِدَاءَ مَنْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِمَنْ يُومِئُ بِهِمَا إلَّا إذَا كَانَ النَّازِلُ مُومِيًا أَيْضًا. ثُمَّ إنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اشْتِبَاهُ حَالِ الْإِمَامِ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الْحَائِلِ لَا فِي اخْتِلَافِ الْمَكَانِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا غَيْرِ الْأَلْثَغِ بِهِ) هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَ اللَّامِ مِنْ اللَّثَغِ بِالتَّحْرِيكِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: هُوَ الَّذِي يَتَحَوَّلُ لِسَانُهُ مِنْ السِّينِ إلَى الثَّاءِ، وَقِيلَ مِنْ الرَّاءِ إلَى الْغَيْنِ أَوْ اللَّامِ أَوْ الْيَاءِ. زَادَ فِي الْقَامُوسِ أَوْ مِنْ حَرْفٍ إلَى حَرْفٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) أَيْ خِلَافًا لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ مِنْ أَنَّهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّ مَا يَقُولُهُ صَارَ لُغَةً لَهُ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
عَنْ الْمُجْتَبَى، وَحَرَّرَ الْحَلَبِيُّ وَابْنُ الشِّحْنَةَ أَنَّهُ بَعْدَ بَذْلِ جَهْدِهِ دَائِمًا حَتْمًا كَالْأُمِّيِّ، فَلَا يَؤُمُّ إلَّا مِثْلَهُ، وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يُحْسِنُهُ أَوْ تَرَكَ جُهْدَهُ أَوْ وَجَدَ قَدْرَ الْفَرْضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فِي حُكْمِ الْأَلْثَغِ، وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِحَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِ الْفَاءِ إلَّا بِتَكْرَارٍ.
(وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ (إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ)
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي الْأَلْثَغِ
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِغَيْرِهِ تَجُوزُ، وَقِيلَ لَا، وَنَحْوُهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ الْفَضْلِيِّ. وَظَاهِرُهُ اعْتِمَادُهُمْ الصِّحَّةَ، وَكَذَا اعْتَمَدَهَا صَاحِبُ الْحِلْيَةِ، قَالَ لَمَّا أَطْلَقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَؤُمَّ غَيْرَهُ، وَلِمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: وَتُكْرَهُ إمَامَةُ الْفَأْفَاءِ اهـ وَلَكِنْ الْأَحْوَطُ عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَنَظَمَهُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ، وَأَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَقَالَ فِي فَتَاوَاهُ: الرَّاجِحُ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ صِحَّةِ إمَامَةِ الْأَلْثَغِ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِهِ لُثْغَةٌ. وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَبْيَاتٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ:
إمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِلْمُغَايِرِ
…
تَجُوزُ عِنْدَ الْبَعْضِ مِنْ أَكَابِرِ
وَقَدْ أَبَاهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ
…
لِمَا لِغَيْرِهِ مِنْ الصَّوَابِ
وَقَالَ أَيْضًا:
إمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِلْفَصِيحِ
…
فَاسِدَةٌ فِي الرَّاجِحِ الصَّحِيحِ
(قَوْلُهُ دَائِمًا) أَيْ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَطْرَافِ النَّهَارِ، فَمَا دَامَ فِي التَّصْحِيحِ وَالتَّعَلُّمِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، وَإِنْ تَرَكَ جُهْدَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّهُ مُشْكِلٌ عِنْدِي لِأَنَّ مَا كَانَ خِلْقَةً فَالْعَبْدُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ اهـ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ حَتْمًا) أَيْ بَذْلًا حَتْمًا فَهُوَ مَفْرُوضٌ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ فَلَا يَؤُمُّ إلَّا مِثْلَهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ الْمِثْلِيَّةُ فِي مُطْلَقِ اللَّثَغِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُبَدَّلُ الرَّاءَ الْمُهْمَلَةَ غَيْنًا مُعْجَمَةً بِمَنْ يُبَدِّلُهَا لَامًا، وَأَنْ يُرَادَ مِثْلِيَّةٌ فِي خُصُوصِ اللَّثَغِ، فَلَا يَقْتَدِي مَنْ يُبَدِّلُهَا غَيْنًا إلَّا بِمَنْ يُبَدِّلُهَا غَيْنًا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَاخْتِلَافِ الْعُذْرِ، فَلْيُرَاجَعْ ح.
(قَوْلُهُ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ يُحْسِنُهُ) أَيْ يُحْسِنُ مَا يَلْثَغُ هُوَ بِهِ أَوْ يُحْسِنُ الْقُرْآنَ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأُمِّيَّ إذَا أَمْكَنَهُ الِاقْتِدَاءُ يَلْزَمُهُ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ. وَعَلَى مَا إذَا تَرَكَ جَهْدَهُ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَا دَامَ فِي التَّصْحِيحِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ تَرْكَ جَهْدَهُ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ قَدْرِ الْفَرْضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَقَرَأَهُ لَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِدَاءُ وَلَا بَذْلُ الْجَهْدِ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ جَهْدَهُ) أَيْ وَصَلَّى غَيْرَ مُؤْتَمٍّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْمَفْرُوضِ مِمَّا لَا لَثَغَ فِيهِ؛ أَمَّا لَوْ اقْتَدَى أَوْ قَرَأَ مَا لَا لَثَغَ فِيهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ وَإِنْ تَرَكَ جَهْدَهُ (قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَ قَدْرَ الْفَرْضِ إلَخْ) أَيْ وَصَلَّى غَيْرَ مُؤْتَمٍّ وَلَمْ يَقْرَأْهُ وَإِلَّا صَحَّتْ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ الْقُرْآنِ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا تِلْكَ الْحُرُوفُ يَتَّخِذُ إلَّا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا يَدَعُ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَكَذَا مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِحَرْفٍ مِنْ الْحُرُوفِ) عَطَفَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّثَغَ خَاصٌّ بِالسِّينِ وَالرَّاءِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُغْرِبِ، وَذَلِكَ كَالرَّهْمَنِ الرَّهِيمِ وَالشَّيْتَانِ الرَّجِيمِ وَالْآلَمِينَ وَإِيَّاكَ نَأْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَئِينُ السِّرَاتَ أَنْأَمْتَ، فَكُلُّ ذَلِكَ حُكْمُهُ مَا مَرَّ مِنْ بَذْلِ الْجَهْدِ دَائِمًا وَإِلَّا فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ. مَطْلَبٌ إذَا كَانَتْ اللُّثْغَةُ يَسِيرَةً [تَتِمَّةٌ]
سُئِلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ عَمَّا إذَا كَانَتْ اللُّثْغَةُ يَسِيرَةً. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهَا لِأَئِمَّتِنَا، وَصَرَّحَ بِهَا الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَسِيرَةً بِأَنْ يَأْتِيَ بِالْحَرْفِ غَيْرَ صَافٍ لَمْ تُؤَثِّرْ. قَالَ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ اهـ وَبِمِثْلِهِ أَفْتَى تِلْمِيذُ الشَّارِحِ الْمَرْحُومِ
بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ (لَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ قَصَدَ الْمُشَارَكَةَ وَهِيَ غَيْرُ صَلَاةِ الِانْفِرَادِ (عَلَى) الصَّحِيحِ مُحِيطٌ، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ (الْمَذْهَبُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَكِنْ كَلَامُ الْخُلَاصَةِ يُفِيدُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً. قُلْت: وَقَدْ ادَّعَى فِيمَا مَرَّ بَعْدَ تَصْحِيحِ السِّرَاجِ بِخِلَافِهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ انْقِلَابُهَا نَفْلًا فَتَأَمَّلْ، وَحِينَئِذٍ فَالْأَشْبَهُ
ــ
[رد المحتار]
الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْحَائِكِ مُفْتِي دِمَشْقَ وَالشَّامِ
(قَوْلُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِفَقْدِ أَهْلِيَّةِ الْإِمَامِ لِلْإِمَامَةِ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ، أَوْ لِفَقْدِ شَرْطٍ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقْتَدِي كَالْمَعْذُورِ وَالْعَارِي، أَوْ لِفَقْدِ رُكْنٍ فِيهِ كَذَلِكَ كَالْمُومِي وَالْأُمِّيِّ، أَوْ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ كَالْمُتَنَفِّلِ بِالْمُفْتَرِضِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ) أَيْ فِي صَلَاةِ مُسْتَقِلٍّ بِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ غَيْرِ تَابِعٍ فِيهَا لِلْإِمَامِ لَا فَرْضًا وَنَفْلًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَفْصِيلُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا أَفَادَهُ ح، وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ وَحِكَايَتُهُ لِلْقَوْلِ بِانْقِلَابِهَا نَفْلًا.
(قَوْلُهُ وَهِيَ غَيْرُ صَلَاةِ الِانْفِرَادِ) لِأَنَّ لَهَا أَحْكَامًا غَيْرَ الْأَحْكَامِ الَّتِي قَصَدَهَا وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِيمَا نَوَى لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ) أَيْ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ كَلَامُ الْخُلَاصَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ: وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ؟ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا. وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ شَارِعًا. اهـ. (قَوْلُهُ قُلْت وَقَدْ ادَّعَى) أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيمَا مَرَّ: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ فِي صَلَاةٍ وَقَوْلُهُ بَعْدَ تَصْحِيحِ السِّرَاجِ بِخِلَافِهِ: أَيْ خِلَافِ مَا ادَّعَى فِي الْبَحْرِ هُنَا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ أَوْ إبْدَالُهَا فَاللَّامُ التَّقْوِيَةِ لِأَنَّهُ مَفْعُولُ تَصْحِيحِ؛ وَقَوْلُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ مَفْعُولُ ادَّعَى.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ نَقَلَ فِيمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ فِي الظُّهْرِ وَهُوَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَحَاذَتْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَالَ: لِأَنَّ اقْتِدَاءَهَا وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا يَصِحُّ نَفْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَكَانَ بِنَاءَ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إذَا فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ بِالْفَرْضِ لَمْ يَفْسُدْ الشُّرُوعُ، بَلْ بَقِيَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّفْلِ وَإِلَّا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ بِمُحَاذَاتِهَا لَهُ، وَتَصْرِيحُهُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ مُنَاقِضٌ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ فَالْأَشْبَهُ إلَخْ) أَيْ حِينَ إذْ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْبَحْرِ فِي نَقْلِ مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَلَا يُمْكِنُ إهْمَالُ أَحَدِ النَّقْلَيْنِ، فَالْأَشْبَهُ بِالْقَوَاعِدِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ مِمَّا يُنَاسِبُ كُلًّا مِنْهُمَا وَيَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا، بِحَمْلِ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ وَأَصْلًا عَلَى مَا إذَا كَانَ فَسَادُ الِاقْتِدَاءِ لِفَقْدِ شَرْطٍ أَيْ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يَلْزَمُ بِهِ فَسَادُ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَبِحَمْلِ مَا صَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالنَّفْلِ وَفَسَادِ الْوَصْفِ أَعْنِي الْفَرْضِيَّةَ فَقَطْ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ؛ فَلَوْ قَهْقَهَ فِي صَلَاتِهِ هَذِهِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَيَنْتَقِضُ فِي الثَّانِي. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ادَّعَى الشَّارِحُ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ قَدْ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: وَيَرُدُّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي كَافِيهِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَوَتْ الْعَصْرَ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا وَلَمْ تَفْسُدْ عَلَى الْإِمَامِ صَلَاتُهُ اهـ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعِهَا لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ. وَقَالَ: أَيْ الْحَاكِمُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: رَجُلٌ قَارِئٌ دَخَلَ فِي صَلَاةِ أُمِّيٍّ تَطَوُّعًا أَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ثُمَّ أَفْسَدَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ تَامَّةٍ اهـ مَطْلَبٌ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرَّاوِيَةِ
فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ تَصْحِيحُ الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ لِأَنَّ الْكَافِيَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. أَقُولُ: نَعَمْ ظَاهِرُ الْفَرْعِ الْأَوَّلِ مُؤَيِّدٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَمُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ، وَأَمَّا الْفَرْعُ الثَّانِي فَلَا، بَلْ الْأَمْرُ
مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ مَتَى فَسَدَ لِفَقْدِ شَرْطٍ كَطَاهِرٍ بِمَعْذُورٍ لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلًا، وَإِنْ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ تَنْعَقِدُ نَفْلًا غَيْرَ مَضْمُونٍ، وَثَمَرَتُهُ الِانْتِقَاضُ بِالْقَهْقَهَةِ
(وَيَمْنَعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ) صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ بِلَا حَائِلٍ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ارْتِفَاعُهُنَّ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ أَوْ (طَرِيقٌ
ــ
[رد المحتار]
فِيهِ بِالْعَكْسِ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أَفْسَدَهَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الشُّرُوعِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ تَامَّةٍ مُؤَيِّدٌ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُفِيدُ دُخُولَهُ فِي صَلَاةٍ نَاقِصَةٍ أَيْ فِي نَفْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ، وَلِذَا قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَفِي هَذَا الْفَرْعِ رَدٌّ عَلَى مَا فَصَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطٍ مَعَ أَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ كَمَا عَلِمْت. ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا صِحَّةُ الشُّرُوعِ فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا مَا فِي السِّرَاجِ. وَالْفَرْعُ الثَّانِي مِنْ فَرْعَيْ الْكَافِي وَالثَّانِيَةُ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَصْلًا، وَعَلَيْهَا مَا فِي الْمُحِيطِ، وَالْفَرْعُ الْأَوَّلُ وَهِيَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ مَا فِي السِّرَاجِ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِ نِسْوَةٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ جَمِيعِ مَنْ خَلْفَهُ وَإِلَّا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَا حَاصِلَهُ عَنْ الْبَحْرِ، وَهُوَ مَا اتَّفَقُوا عَلَى نَقْلِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا، مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ تُفْسِدُ صَلَاةَ رَجُلَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهَا وَرَجُلٍ خَلْفَهَا، وَالثِّنْتَيْنِ صَلَاةَ اثْنَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهِمَا وَاثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا، وَالثَّلَاثُ صَلَاةَ اثْنَيْنِ مِنْ جَانِبَيْهِنَّ وَصَلَاةَ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ مِنْ خَلْفِهِنَّ إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ كَانَ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالْإِمَامِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرِّجَالِ بِالْإِمَامِ وَيُجْعَلُ حَائِلًا (قَوْلُهُ بِلَا حَائِلٍ) قَيْدٌ لِلْمَنْعِ، وَقَوْلُهُ أَوْ ارْتِفَاعِهِنَّ بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى حَائِلٍ.
وَعِبَارَةُ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ: وَفِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ كَانَ صَفُّ الرِّجَالِ عَلَى الْحَائِطِ وَصَفُّ النِّسَاءِ أَمَامَهُنَّ أَوْ كَانَ صَفُّ النِّسَاءِ عَلَى الْحَائِطِ وَصَفُّ الرِّجَالِ خَلْفَهُنَّ، إنْ كَانَ الْحَائِطُ مِقْدَارَ قَامَةِ الرَّجُلِ جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا، وَإِنْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ وَلَيْسَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَائِلٌ تَفْسُدُ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُنَّ وَلَوْ عِشْرِينَ صَفًّا، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ فَاصِلٌ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ وَذَلِكَ الْحَائِلُ مِقْدَارُ مُؤْخِرِ الرَّحْلِ أَوْ مِقْدَارُ خَشَبَةٍ مَنْصُوبَةٍ أَوْ حَائِطٍ قَدْرُ ذِرَاعٍ اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ صَفُّ النِّسَاءِ أَمَامَ صَفِّ الرِّجَالِ يَمْنَعُ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الصَّفَّيْنِ عَلَى حَائِطٍ مُرْتَفِعٍ قَدْرَ قَامَةٍ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ مِقْدَارُ مُؤْخِرِ رَحْلِ الْبَعِيرِ أَوْ خَشَبَةٍ مَنْصُوبَةٍ أَوْ حَائِطٍ قَدْرَ ذِرَاعٍ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى ظَهْرِ ظُلَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَبِحِذَائِهِمْ مِنْ تَحْتِهِمْ نِسَاءٌ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَكَانِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ قُدَّامَهُمْ نِسَاءٌ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ اهـ. وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: قَوْمٌ صَلَّوْا عَلَى ظُهُورِ ظُلَّةِ الْمَسْجِدِ وَتَحْتَهُمْ قُدَّامَهُمْ نِسَاءٌ لَا تَجْزِيهِمْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ فَمَنَعَ اقْتِدَاءَهُمْ وَكَذَا الطَّرِيقُ اهـ فَهَذَا بِإِطْلَاقِهِ صَرِيحٌ بِأَنَّ الِارْتِفَاعَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: فَإِنْ كَانَ صَفٌّ تَامٌّ مِنْ النِّسَاءِ وَوَرَاءَهُنَّ صُفُوفُ الرِّجَالِ فَسَدَتْ تِلْكَ الصُّفُوفُ كُلُّهَا اسْتِحْسَانًا.
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَفْسُدَ إلَّا صَلَاةُ صَفٍّ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ اُسْتُحْسِنَ لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَيْهِ «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نَهْرٌ أَوْ طَرِيقٌ أَوْ صَفٌّ مِنْ النِّسَاءِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ» اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَائِلَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَإِلَّا لَفَسَدَتْ صَلَاةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مِنْ الرِّجَالِ فَقَطْ لِكَوْنِهِ صَارَ حَائِلًا بَيْنَ مَنْ خَلْفَهُ وَبَيْنَ صَفِّ النِّسَاءِ كَمَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ اعْتِبَارِ الْحَائِلِ أَوْ الِارْتِفَاعِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا دُونَ الصَّفِّ التَّامِّ مِنْ النِّسَاءِ كَالْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ، أَمَّا الصَّفُّ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ، هَذَا مَا ظَهَرَ فَتَدَبَّرْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ طَرِيقٌ) أَيْ نَافِذٌ أَبُو السُّعُودِ عَنْ شَيْخِهِ ط. قُلْت: وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْهُ فِي عِدَّةِ كُتُبٍ بِالطَّرِيقِ الْعَامِّ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة:
تَجْرِي فِيهِ عَجَلَةٌ) آلَةٌ يَجُرُّهَا الثَّوْرُ (أَوْ نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) وَلَوْ زَوْرَقًا وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ (أَوْ خَلَاءٌ) أَيْ فَضَاءٌ (فِي الصَّحْرَاءِ) أَوْ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ جِدًّا كَمَسْجِدِ الْقُدْسِ (يَسَعُ صَفَّيْنِ) فَأَكْثَرَ إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ
ــ
[رد المحتار]
الطَّرِيقُ فِي مَسْجِدِ الرِّبَاطِ وَالْخَانِ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَرِيقٍ عَامٍّ (قَوْلُهُ تَجْرِي فِيهِ عَجَلَةٌ) أَيْ تَمُرُّ، وَبِهِ عَبَّرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. وَالْعَجَلَةُ بِفَتْحَتَيْنِ. وَفِي الدُّرَرِ: هُوَ الَّذِي تَجْرِي فِيهِ الْعَجَلَةُ وَالْأَوْقَارُ اهـ وَهُوَ جَمْعُ وِقْرٍ بِالْقَافِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي حِمْلِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ كَالْوَسْقِ فِي حِمْلِ الْبَعِيرِ (قَوْلُهُ أَوْ نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) أَيْ يُمْكِنُ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَمُرُّ فِيهِ عَجَلَةٌ ط. وَأَمَّا الْبِرْكَةُ أَوْ الْحَوْضُ، فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي جَانِبٍ تَنَجَّسُ الْجَانِبُ الْآخَرُ، لَا يَمْنَعُ وَإِلَّا مَنَعَ، كَذَا ذَكَرَهُ الصَّفَّارُ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْمُحِيطِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ الْمَذْكُورَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ يَمْنَعُ أَيْ مَا لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ حَوْلَهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ (زَوْرَقًا)) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ: السَّفِينَةُ الصَّغِيرَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَفِي الْمُلْتَقَطِ: إذَا كَانَ كَأَضْيَقِ الطَّرِيقِ يَمْنَعُ، وَإِنْ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ طَرِيقٌ مِثْلَهُ لَا يَمْنَعُ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ مَاءٌ أَوْ لَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: النَّهْرُ الَّذِي يَمْشِي فِي بَطْنِهِ جَمَلٌ وَفِيهِ مَاءٌ يَمْنَعُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا وَاتَّصَلَتْ بِهِ الصُّفُوفُ جَازَ. اهـ. إسْمَاعِيلُ (قَوْلُ وَلَوْ فِي الْمَسْجِدِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ أَوْ خَلَاءٌ) بِالْمَدِّ: الْمَكَانُ الَّذِي لَا شَيْءَ بِهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ جِدًّا إلَخْ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَالْفَاصِلُ فِي مُصَلَّى الْعِيدِ لَا يَمْنَعُ وَإِنْ كَثُرَ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُتَّخَذِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ. وَفِي النَّوَازِلِ: جَعَلَهُ كَالْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ وَإِنْ كَبِرَ لَا يَمْنَعُ الْفَاصِلَ إلَّا فِي الْجَامِعِ الْقَدِيمِ بِخَوَارِزْمِ، فَإِنَّ رُبْعَهُ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافِ أُسْطُوَانَةٍ وَجَامِعُ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ أَعْنِي مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْأَقْصَى وَالصَّخْرَةِ وَالْبَيْضَاءِ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الدُّرَرِ: لَا يَمْنَعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ الْفَضَاءُ الْوَاسِعُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ يَمْنَعُ اهـ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ الْمَنْعِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ جِدًّا كَجَامِعِ خَوَارِزْمِ وَالْقُدْسِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَكَوْنُ الرَّاجِحِ عَدَمَ الْمَنْعِ مُطْلَقًا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فَافْهَمْ. [تَتِمَّةٌ]
فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: الْبَيْتُ كَالصَّحْرَاءِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ كَالْمَسْجِدِ وَلِهَذَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ بِلَا اتِّصَالِ الصُّفُوفِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الدَّارِ فَلْيُرَاجَعْ، لَكِنْ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالصَّحْرَاءِ وَالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ جِدًّا أَنَّ الدَّارَ كَالْبَيْتِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ عَنْ جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى أَنَّ قَاضِي خَانْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِسِتِّينَ ذِرَاعًا، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: إنْ كَانَتْ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَإِلَّا فَصَغِيرَةٌ، هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّارَ الْكَبِيرَةَ كَالصَّحْرَاءِ وَالصَّغِيرَةَ كَالْمَسْجِدِ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَقْدِيرِ الْكَبِيرَةِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ فِنَاءَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ مِنْ صَحْنِ الْخَانْقَاهْ الشَّيْخُونِيَّةِ بِالْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ لِأَنَّ الصَّحْنَ فِنَاءُ الْمَسْجِدِ، وَكَذَا اقْتِدَاءُ مَنْ بِالْخَلَاوِي السُّفْلِيَّةِ صَحِيحٌ لِأَنَّ أَبْوَابَهَا فِي فِنَاءِ الْمَسْجِدِ إلَخْ، وَيَأْتِي تَمَامُ عِبَارَتِهِ. وَفِي الْخَزَائِنِ: فِنَاءُ الْمَسْجِدِ هُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ طَرِيقٌ. اهـ. قُلْت: يَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَدْرَسَةَ الْكَلَّاسَة وَالْكَامِلِيَّةِ مِنْ فِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْأُمَوِيِّ فِي دِمَشْقَ لِأَنَّ بَابَهُمَا فِي حَائِطِهِ وَكَذَا الْمَشَاهِدُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِيهِ بِالْأَوْلَى، وَكَذَا سَاحَةُ بَابِ الْبَرِيدِ وَالْحَوَانِيتِ الَّتِي فِيهَا (قَوْلُهُ يَسَعُ صَفَّيْنِ) نَعْتٌ لِقَوْلِهِ خَلَاءٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِالصَّفَّيْنِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ وَالْمُبْتَغَى. وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى: وَبِهِ يَفْتِي إسْمَاعِيلُ، فَمَا فِي الدُّرَرِ مِنْ تَقْيِيدِهِ الْخَلَاءَ بِمَا يُمْكِنُ الِاصْطِفَافُ فِيهِ غَيْرُ الْمُفْتَى بِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ) الِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إلَى الطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ دُونَ الْخَلَاءِ لِأَنَّ الصُّفُوفَ إذَا اتَّصَلَتْ فِي الصَّحْرَاءِ لَمْ يُوجَدْ الْخَلَاءُ
فَيَصِحُّ مُطْلَقًا، كَأَنْ قَامَ فِي الطَّرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَكَذَا اثْنَانِ عِنْدَ الثَّانِي لَا وَاحِدٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لِكَرَاهَةِ صَلَاتِهِ صَارَ وُجُودُهُ. كَعَدَمِهِ فِي حَقِّ مَنْ خَلْفَهُ.
(وَالْحَائِلُ لَا يَمْنَعُ) الِاقْتِدَاءَ (إنْ لَمْ يَشْتَبِهْ حَالُ إمَامِهِ) بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ وَلَوْ مِنْ بَابٍ مُشَبَّكٍ يَمْنَعُ الْوُصُولَ فِي الْأَصَحِّ (وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) حَقِيقَةً كَمَسْجِدٍ وَبَيْتٍ فِي الْأَصَحِّ قُنْيَةٌ، وَلَا حُكْمًا عِنْدَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ؛ وَلَوْ اقْتَدَى مِنْ سَطْحِ دَارِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ
ــ
[رد المحتار]
تَأَمَّلْ، وَكَذَا لَوْ اصْطَفُّوا عَلَى طُولِ الطَّرِيقِ صَحَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ مِقْدَارُ مَا تَمُرُّ فِيهِ الْعَجَلَةُ، وَكَذَا بَيْنَ كُلِّ صَفٍّ وَصَفٍّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا. [فَرْعٌ]
لَوْ أَمَّ فِي الصَّحْرَاءِ وَخَلْفَهُ صُفُوفٌ فَكَبَّرَ الصَّفُّ الثَّالِثُ قَبْلَ الْأَوَّلِ يَجُوزُ قُنْيَةٌ مِنْ بَابِ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ طَرِيقٌ أَوْ نَهْرٌ ح (قَوْلُهُ كَأَنْ قَامَ فِي الطَّرِيقِ ثَلَاثَةٌ) وَصُورَةُ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَقِفُوا عَلَى جِسْرٍ مَوْضُوعٍ فَوْقَهُ أَوْ عَلَى سُفُنٍ مَرْبُوطَةٍ فِيهِ ح. أَقُولُ: وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُحَاذِيًا لِلْجِسْرِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ الْآخَرِ فَضَاءٌ كَثِيرٌ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ. ثُمَّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى النَّهْرِ جِسْرٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ كَانَ النَّهْرُ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا فِي جَامِعِ دُنْقُزَ الَّذِي فِي دِمَشْقَ (قَوْلُهُ وَكَذَا اثْنَانِ عِنْدَ الثَّانِي) وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَكَذَا الِاثْنَانِ كَالْجَمْعِ عِنْدَ الثَّانِي فِي الْجُمُعَةِ، وَفِي الْمُحَاذَاةِ حَتَّى لَوْ كُنَّ ثِنْتَيْنِ تُفْسِدَانِ صَلَاةَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ خَلْفَهُمَا إلَى آخِرِ الصُّفُوفِ. قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ فِي مَقَالَاتِ أَبِي يُوسُفَ:
وَاثْنَانِ فِي الْجُمُعَةِ جَمْعٌ وَكَذَا
…
سَدُّ الطَّرِيقِ وَمُحَاذَاةُ النَّسَا
[تَتِمَّةٌ]
صَلَّوْا فِي الصَّحْرَاءِ وَفِي وَسْطِ الصُّفُوفِ فُرْجَةٌ لَمْ يَقُمْ فِيهَا أَحَدٌ مِقْدَارُ حَوْضٍ كَثِيرٍ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ، إنْ كَانَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً حَوَالَيْ الْفُرْجَةِ تَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ كَانَ وَرَاءَهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ مِقْدَارَ حَوْضٍ صَغِيرٍ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ كَذَا فِي الْفَيْضِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة
(قَوْلُهُ بِسَمَاعٍ) أَيْ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْمُكَبِّرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ رُؤْيَةٍ) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ كَالسَّمَاعِ، لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يَرَى انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ أَوْ أَحَدَ الْمُقْتَدِينَ ح (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاشْتِبَاهُ وَعَدَمُهُ كَمَا يَأْتِي، لَا إمْكَانُ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ وَعَدَمُهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) أَيْ مَكَانُ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ اشْتَرَطَ عَدَمَ الِاشْتِبَاهِ وَعَدَمَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ كُلٌّ مِنْ الِاشْتِبَاهِ وَالِاخْتِلَافِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ مَنَعَ الِاقْتِدَاءَ، لَكِنْ الْمَنْعُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَقَطْ فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَسْجِدٍ وَبَيْتٍ) فَإِنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ وَاحِدٌ، وَلِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْفَصْلُ بِالْخَلَاءِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا جِدًّا وَكَذَا الْبَيْتُ حُكْمُهُ حُكْمِ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ لَا حُكْمُ الصَّحْرَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ: ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَائِطِ الْعَرِيضِ بَابٌ وَلَا ثُقْبٌ؛ فَفِي رِوَايَةٍ يَمْنَعُ لِاشْتِبَاهِ حَالِ الْإِمَامِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَمْنَعُ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ بِمَكَّةَ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقِفُ فِي مَقَامِ إبْرَاهِيمَ، وَبَعْضُ النَّاسِ وَرَاءَ الْكَعْبَةِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ الْكَعْبَةُ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَحَدٌ مِنْ ذَلِكَ. اهـ.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمِنْبَرَ إذَا كَانَ مَسْدُودًا لَا يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ مَنْ يُصَلِّي بِجَنْبِهِ عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِبَاهِ، خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ وَأَمَرَ بِفَتْحِ بَابٍ فِيهِ مِنْ عُلَمَاءِ الرُّومِ (قَوْلُهُ عِنْدَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ) أَيْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ عَلَى جِسْرِ النَّهْرِ، فَإِنَّهُ مَعَ وُجُودِ النَّهْرِ أَوْ الطَّرِيقِ يَخْتَلِفُ الْمَكَانُ، وَعِنْدَ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ يَصِيرُ الْمَكَانُ وَاحِدًا حُكْمًا فَلَا يَمْنَعُ كَمَا مَرّ، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالْحَائِلِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَا يَشْمَلُ الْحَائِطَ وَغَيْرَهُ كَالطَّرِيقِ وَالنَّهْرِ، إذْ لَوْ أُرِيدَ
دُرَرٌ وَبَحْرٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَنَقَلَ عَنْ الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ
ــ
[رد المحتار]
بِهِ الْحَائِطُ فَقَطْ لَمْ يُنَاسِبْ ذِكْرُ هَذَا الْكَلَامِ هُنَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ دُرَرٌ) عِبَارَتُهَا: الْحَائِلُ بَيْنَهُمَا لَوْ بِحَيْثُ يُشْتَبَهُ بِهِ حَالُ الْإِمَامِ يَمْنَعُ وَإِلَّا فَلَا، إلَّا أَنْ يَخْتَلِفَ الْمَكَانُ. قَالَ قَاضِي خَانْ: إذَا قَامَ عَلَى الْجِدَارِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ دَارِهِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ وَلَا يُشْتَبَهُ حَالُ الْإِمَامِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَإِنْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ وَدَارُهُ مُتَّصِلَةٌ بِالْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَ سَطْحِ دَارِهِ كَثِيرَ التَّخَلُّلِ فَصَارَ الْمَكَانُ مُخْتَلِفًا.
أَمَّا فِي الْبَيْتِ مَعَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَتَخَلَّلْ إلَّا الْحَائِطُ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ، وَعِنْدَ اتِّحَادِ الْمَكَانِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إلَّا إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ. اهـ. أَقُولُ: حَاصِلُ كَلَامِ الدُّرَرِ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ مُطْلَقًا. وَأَمَّا إذَا اتَّحَدَ، فَإِنْ حَصَلَ اشْتِبَاهٌ مَنَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَمَا نَقَلَهُ عَنْ قَاضِي خَانْ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَخْ) حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ لَا يَصِحُّ إلَخْ خِلَافُ الصَّحِيحِ، لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَصِحُّ؛ وَلِمَا فِي الْبُرْهَانِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ كَبِيرٌ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ حَالُهُ عَلَيْهِ بِسَمَاعٍ أَوْ رُؤْيَةٍ لِانْتِقَالَاتِهِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاشْتِبَاهُ وَعَدَمُهُ فَقَطْ دُونَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ، فَإِنْ حَصَلَ الِاشْتِبَاهُ مَنَعَ سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَكَانُ أَوْ لَا، وَإِلَّا فَلَا.
وَاعْتَرَضَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي بِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِ النُّعْمَانِ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَالْمَكَانُ فِي مَسْأَلَةِ الظَّهِيرِيَّةِ مُخْتَلِفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ نَفْسَهُ صَرَّحَ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرَّاجِلِ بِالرَّاكِبِ وَعَكْسُهُ، وَلَا الرَّاكِبِ بِالرَّاكِبِ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا دَابَّةَ إمَامِهِ، وَكَذَا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى مَكَانِهِ لِيُتِمَّ مَعَ خَلِيفَتِهِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ لِئَلَّا يَخْتَلِفَ الْمَكَانُ. وَأَمَّا مَا صَحَّحَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّطْحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا كَانَ السَّطْحُ مُتَّصِلًا بِالْمَسْجِدِ، فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَيَكُونُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِ الِاتِّصَالِ الْمَذْكُورِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي الْخَانِيَّةِ عَلَّلَ لِلْمَنْعِ بِكَثْرَةِ التَّخَلُّلِ وَاخْتِلَافِ الْمَكَانِ: أَيْ لِكَوْنِ صَحْنِ الدَّارِ فَاصِلًا بَيْنَ السَّطْحِ وَالْمَسْجِدِ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ لَصَحَّ الِاقْتِدَاءُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ كَانَ عَلَى سَطْحٍ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلٍ بِهِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ فَاقْتَدَى بِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ صَارَ تَبَعًا لِسَطْحِ الْمَسْجِدِ وَسَطْحُ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، فَهُوَ كَاقْتِدَائِهِ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ. اهـ.
فَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ عَلَّلَ الصِّحَّةَ بِالِاتِّصَالِ كَمَا عَلَّلَ فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِهَا بِعَدَمِهِ. وَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلِاشْتِبَاهِ؛ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ: وَإِنْ قَامَ عَلَى سَطْحِ دَارِهِ وَاقْتَدَى بِالْإِمَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَلَا شَارِعٌ يَصِحُّ اهـ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ كَمَا قُلْنَا، فَيَصِحُّ لِاتِّحَادِ الْمَكَانِ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ عَنْ الْبُرْهَانِ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيحُ الِاقْتِدَاءِ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ لِأَنَّهُ بِتَخَلُّلِ الْحَائِطِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَكَانُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ قَاضِي خَانْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِهِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ، ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْمَسْجِدِ لَا يَكُونُ أَشَدَّ حَالًا مِنْ مَنْزِلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ حَائِطٌ وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَنْزِلِ وَهُوَ يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْمُكَبِّرِ يَجُوزُ فَكَذَلِكَ الْقِيَامُ عَلَى السَّطْحِ اهـ
أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ فَقَطْ. قُلْت: وَفِي الْأَشْبَاهِ وَزَوَاهِرِ الْجَوَاهِرِ وَمِفْتَاحِ السَّعَادَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الزَّادِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(وَصَحَّ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ) لَا مَاءِ مَعَهُ (بِمُتَيَمِّمٍ) وَلَوْ مَعَ مُتَوَضِّئٍ بِسُؤْرِ حِمَارٍ مُجْتَبًى (وَغَاسِلٍ بِمَاسِحٍ) وَلَوْ عَلَى جَبِيرَةٍ (وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ) يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ؛ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى آخِرَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا وَهُمْ قِيَامٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُبَلِّغُهُمْ
ــ
[رد المحتار]
فَقَدْ تَحَرَّرَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَلَوْ بِلَا اشْتِبَاهٍ، وَأَنَّهُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَكَانُ: ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ قَرَّرَ كَذَلِكَ فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ الِاشْتِبَاهِ فَقَطْ) أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ، لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مَانِعٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْحَائِطَ يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ وَرِوَايَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ، فَقِيلَ إنَّهُ بِإِمْكَانِ الْوُصُولِ مِنْهُ وَعَدَمُهُ.
وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتِبَارَ الِاشْتِبَاهِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَالْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ وَمَعَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُتَابَعَةُ. وَاَلَّذِي يُصَحِّحُ هَذَا الِاخْتِيَارَ مَا رَوَيْنَاهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ» وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ فِي الْحُجْرَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَمِفْتَاحِ السَّعَادَةِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ: وَمَجْمَعِ الْفَتَاوَى وَالنِّصَابِ وَالْخَانِيَّةِ
(قَوْلُهُ وَصَحَّ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ) أَيْ عِنْدَهُمَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ عِنْدَهُمَا بَيْنَ الْآلَتَيْنِ وَهُمَا الْمَاءُ وَالتُّرَابُ وَالطَّهَارَتَانِ سَوَاءٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ عِنْدَهُ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ، فَيَلْزَمُ بِنَاءُ الْقَوِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَتَمَامُهُ فِي الْأُصُولِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا مَاءَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْمُقْتَدِي؛ أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ، وَهَذَا الْقَيْدُ مَبْنِيٌّ عَلَى فَرْعٍ إذَا رَأَى الْمُتَوَضِّئُ الْمُقْتَدِيَ بِمُتَيَمِّمٍ مَاءً فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَرَهُ الْإِمَامُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِاعْتِقَادِهِ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ لِوُجُودِ الْمَاءِ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تَفْسُدُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْفَسَادِ عَلَى مَا إذَا ظَنَّ عِلْمَ إمَامِهِ بِهِ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ، وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ بِأَنَّ إمَامَهُ قَادِرٌ عَلَى الْمَاءِ بِإِخْبَارِهِ اهـ أَيْ فَكَانَ اعْتِقَادُهُ فَسَادَ صَلَاةِ إمَامِهِ مَبْنِيًّا عَلَى الْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ تَقْيِيدُ الْمَسْأَلَةِ بِمَا إذَا كَانَ تَيَمُّمُهُ لِفَقْدِ الْمَاءِ، أَمَّا لَوْ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مُطْلَقًا لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ حِينَئِذٍ لَا يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ. [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَسَادِ هُنَا فَسَادُ الْوَصْفِ، حَتَّى لَوْ قَهْقَهَةَ الْمُقْتَدِي انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ قَالَ: وَيَنْبَغِي عَلَى مَا اخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنْ يَبْطُلَ الْأَصْلُ أَيْضًا إذْ الْفَسَادُ بِفَقْدِ شَرْطٍ وَهُوَ الطَّهَارَةُ اهـ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَعَ مُتَوَضِّئٍ بِسُؤْرِ حِمَارٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُتَيَمِّمُ جَامِعًا بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ بِسُؤْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَلَا وَجْهَ لِلْمُبَالَغَةِ هُنَا، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا بِالْوُضُوءِ أَوَّلًا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي أَدَائِهَا ثَانِيًا بِالتَّيَمُّمِ وَحْدَهُ، لِعَدَمِ تَحَقُّقِ أَدَاءِ الْفَرْضِ بِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى جَبِيرَةٍ) الْأَوْلَى قَوْلُهُ فِي الْخَزَائِنِ عَلَى خُفٍّ أَوْ جَبِيرَةٍ، إذْ لَا وَجْهَ لِلْمُبَالَغَةِ هُنَا أَيْضًا، لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ، لِأَنَّهُ كَالْغُسْلِ لِمَا تَحْتَهُ. عَلَى أَنَّهُ اسْتَبْعَدَ فِي النَّهْرِ شُمُولَ مَاسِحٍ لَهُ فَجَعَلَهُ مَفْهُومًا بِالْأَوْلَى: أَيْ فَيَدْخُلُ دَلَالَةً لَا مَنْطُوقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَائِمٍ بِقَاعِدٍ) أَيْ قَائِمٍ رَاكِعٍ سَاجِدٍ أَوْ مُومٍ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَقَيَّدَ الْقَاعِدَ بِكَوْنِهِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُومِيًا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا، وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِيمَا عَدَا النَّفَلَ؛ أَمَّا فِيهِ فَيَجُوزُ اتِّفَاقًا وَلَوْ فِي التَّرَاوِيحِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إلَخْ)
تَكْبِيرَهُ» ، وَبِهِ عُلِمَ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي جُمُعَةٍ وَغَيْرِهَا يَعْنِي أَصْلَ الرَّفْعِ، أَمَّا مَا تَعَارَفُوهُ فِي زَمَانِنَا فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ، إذْ الصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ فَتْحٌ (وَقَائِمٍ بِأَحْدَبَ) وَإِنْ بَلَغَ حَدَبُهُ الرُّكُوعَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا بِأَعْرَجَ
ــ
[رد المحتار]
الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَحَاشِيَةِ نُوحٍ وَغَيْرِهِمَا، وَالْغَرَضُ لَنَا مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ. مَطْلَبٌ فِي رَفْعِ الْمُبَلِّغِ صَوْتَهُ زِيَادَةً عَلَى الْحَاجَةِ
(قَوْلُهُ إذْ الصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ لِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِإِظْهَارِهَا؛ وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ: وَامُصِيبَتَاهُ فَسَدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ اهـ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْحِلْيَةِ فَقَالَ: وَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَوْضَحَ وَأَفَادَ اهـ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَقَّبَهُ سِوَى السَّيِّدِ أَحْمَدَ الْحَمَوِيِّ فِي رِسَالَتِهِ [الْقَوْلُ الْبَلِيغُ فِي حُكْمِ التَّبْلِيغِ] بِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ فَوْقَ الْحَاجَةِ فَقَدْ أَسَاءَ اهـ وَالْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تُوجِبُ الْإِفْسَادَ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْبُكَاءِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ هَذَا ذُكِرَ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ وَالْمُفْسِدُ لِلصَّلَاةِ الْمَلْفُوظُ لَا عَزِيمَةُ الْقَلْبِ. مَطْلَبٌ الْقِيَاسِ بَعْدَ عَصْرِ الْأَرْبَعِمِائَةِ مُنْقَطِعٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقِيسَ
عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ مُنْقَطِعٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهَا أَنْ يَقِيسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رَسَائِلِهِ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَمَالَ لَمْ يَجْعَلْ الْفَسَادَ مَبْنِيًّا عَلَى مُجَرَّدِ الرَّفْعِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا فِي السِّرَاجِ، بَلْ بَنَاهُ عَلَى زِيَادَةِ الرَّفْعِ الْمُلْحَقِ بِالصِّيَاحِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ، وَالِاشْتِغَالُ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ، وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ إلَخْ كَلَامٌ سَاقِطٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، حَيْثُ بَنَى عَلَيْهِ عَدَمَ الْفَسَادِ؛ فِيمَا لَوْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ، أَوْ أَجَابَ الْمُؤَذِّنَ، أَوْ أُخْبِرَ بِمَا يُسِرُّهُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ بِمَا يُعْجِبُهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَلَى قَصْدِ الْجَوَابِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ.
وَالْمَذْهَبُ الْفَسَادُ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فِي الْأُولَى، وَفِيمَا بَقِيَ قَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّ مَنَاطَ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ عِنْدَهُمَا كَوْنُهُ لَفْظًا أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لَا كَوْنُهُ وُضِعَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَزِيمَتِهِ مَمْنُوعٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا قَرَأَ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ جَازَ. وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورَ أَشْيَاءَ، كَمَا لَوْ قَالَ - {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12]- لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَحَيْثُ كَانَ مَنَاطُ الْفَسَادِ عِنْدَهُمَا كَوْنَ اللَّفْظِ أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا أَفْرَادٌ جُزْئِيَّةٌ مِنْهَا مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الذِّكْرَ بَلْ بَالَغَ فِي الصِّيَاحِ لِأَجْلِ تَحَرُّرِ النَّغَمِ وَالْإِعْجَابِ بِذَلِكَ يَكُونُ قَدْ أَفَادَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُجْتَهِدِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلَالَةَ الْمُسَاوَاةِ. فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الْأَعْلَامِ كَمَا بَسَطْت ذَلِكَ قَدِيمًا فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَنْبِيهَ ذَوِي الْأَفْهَامِ عَلَى حُكْمِ التَّبْلِيغِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَافْهَمْ، وَقَدَّمْنَا مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةً بِالتَّبْلِيغِ أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَحْثِ سُنَنِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَقَائِمٍ بِأَحْدَبَ) الْقَائِمُ هُنَا أَيْضًا صَادِقٌ بِالرَّاكِعِ السَّاجِدِ وَبِالْمُومِي ح. وَفِيهِ عَنْ الْقَامُوسِ: وَالْحَدَبُ خُرُوجُ الظُّهْرِ وَدُخُولُ الصَّدْرِ وَالْبَطْنُ مِنْ بَابِ فَرِحَ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) هُوَ قَوْلُهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْقَاعِدِ،
وَغَيْرُهُ أَوْلَى (وَمُومٍ بِمِثْلِهِ) إلَّا أَنْ يُومِيَ الْإِمَامُ مُضْطَجِعًا وَالْمُؤْتَمُّ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا هُوَ الْمُخْتَارُ (وَمُتَنَقِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ) فِي الصَّحِيحِ خَانِيَّةٌ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَيُرَاعَى وَضْعُهَا الْخَاصُّ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ.
[فُرُوعٌ]
صَحَّ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ، وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً وَمَنْ اقْتَدَى فِي الْعَصْرِ وَهُوَ مُقِيمٌ بَعْدَ الْغُرُوبِ بِمَنْ أَحْرَمَ قَبْلَهُ لِلِاتِّحَادِ
ــ
[رد المحتار]
وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ: أَيْ غَيْرُ الْأَعْرَجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَا يَخُصُّ الْأَعْرَجَ بَلْ غَيْرُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ وَالْقَاعِدِ وَالْأَحْدَبِ كَذَلِكَ ح (قَوْلُهُ وَمُومٍ بِمِثْلِهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ يُومِئُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُومِئَ إلَخْ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُوَّةٍ حَالِ الْمَأْمُومِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ) لَا يُقَالُ: النَّفَلُ يُغَايِرُ الْفَرْضَ لِأَنَّ النَّفَلَ مُطْلَقٌ وَالْفَرْضُ مُقَيَّدٌ، وَالْمُطْلَقُ جَزْءُ الْمُقَيَّدِ فَلَا يُغَايِرُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي النَّفْلِ وَنَفْلًا فِي الْفَرْضِ إلَّا أَنَّ صَلَاتَهُ بِالِاقْتِدَاءِ أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَلِذَا لَوْ أَفْسَدَهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النِّهَايَةِ. [تَنْبِيهٌ]
قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِي قَوْلِهِ وَمُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ جَمَاعَةُ النَّفْلِ إذَا أَدَّى الْإِمَامُ الْفَرْضَ وَالْمُقْتَدِي النَّفَلَ، وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ مَا إذَا أَدَّى الْكُلَّ نَفْلًا. اهـ. قُلْت: وَيَدُلُّ لَهُ مَا مَرَّ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ التَّرَاوِيحِ) مَا فِيهَا فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُفْتَرِضِ عَلَى أَنَّهَا تَرَاوِيحُ، بَلْ يَصِحُّ عَلَى أَنَّهَا نَفْلٌ مُطْلَقٌ ح (قَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ خَانِيَّةٌ) أَقُولُ: ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فَقَالَ: إنْ نَوَى التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةَ الْوَقْتِ أَوْ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ جَازَ، وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ أَوْ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي سُنَنِ الْمَكْتُوبَاتِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ أَدَاءُ السُّنَنِ بِذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ فَيَجِبُ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ، فَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى التَّرَاوِيحَ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ أَوْ بِمَنْ يُصَلِّي نَافِلَةً غَيْرَ التَّرَاوِيحِ اخْتَلَفُوا فِيهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ. وَاسْتَشْكَلَ فِي الْبَحْرِ قَوْلَهُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ بِأَنَّهُ بِنَاءُ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ أَيْ وَمُقْتَضَاهُ الْجَوَازُ. وَأَجَابَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَكَأَنَّهُ لَيْسَ فِي نُسْخَتِهِ لِإِسْقَاطِ الْكَاتِبِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَأَيْته فِيهَا. وَأَجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ نَفْيِ الْجَوَازِ نَفْيُ الْكَمَالِ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ بَنَى تَصْحِيحَ عَدَمِ الْجَوَازِ عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّعْيِينِ فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالتَّرَاوِيحِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ فَعَلَى هَذَا إلَخْ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِمَامَ حَيْثُ كَانَ مُفْتَرِضًا أَوْ مُتَنَفِّلًا نَفْلًا آخَرَ لَمْ تُوجَدْ مِنْهُ نِيَّةُ التَّرَاوِيحِ فَلَا تَتَأَدَّى بِنِيَّتِهِ وَإِنْ عَيَّنَهَا الْمُقْتَدِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ. وَعَلَى هَذَا بَاقِي سُنَنِ الرَّوَاتِبِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهَا بِمُفْتَرِضٍ أَوْ بِمُتَنَفِّلٍ نَفْلًا آخَرَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَخْصِيصَ التَّرَاوِيحِ بِالذِّكْرِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَإِنَّمَا خَصَّصَهَا فِي الْخَاصِّيَّةِ لِكَوْنِ الْبَابِ مَعْقُودًا لَهَا تَأَمَّلْ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ وَكَفَى مُطْلَقُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ لِنَفْلٍ وَسُنَّةٍ وَتَرَاوِيحَ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ هُنَاكَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَنَقَلْنَا هُنَاكَ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ. وَنَسَبَهُ إلَى الْمُحَقِّقِينَ. قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِي التَّرَاوِيحِ وَغَيْرِهَا بِمُفْتَرِضٍ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهَا سَائِرُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ إلَخْ) تَابَعَ فِي ذَلِكَ الْمُصَنِّفَ فِي مِنَحِهِ، وَتَقَدَّمَ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي كَلَامِ الْخَانِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لِاشْتِرَاطِ نِيَّةِ التَّعْيِينِ فِي التَّرَاوِيحِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِمُرَاعَاةِ الصِّفَةِ تَعْيِينَهَا،