الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نُقِعَتْ وَجُفِّفَتْ ثَلَاثًا. وَلَوْ عُجِنَ خُبْزٌ بِخَمْرٍ صُبَّ فِيهِ خَلٌّ حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهُ فَيَطْهُرَ.
فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ
إزَالَةُ نَجَسٍ عَنْ سَبِيلٍ فَلَا يُسَنُّ مِنْ رِيحٍ وَحَصَاةٍ وَنَوْمٍ وَفَصْدٍ (وَهُوَ سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ مُطْلَقًا، وَمَا قِيلَ مِنْ افْتِرَاضِهِ لِنَحْوِ حَيْضٍ وَمُجَاوَزَةِ مَخْرَجٍ فَتَسَامُحٌ
ــ
[رد المحتار]
أَبِي يُوسُفَ، فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْإِمَامِ، فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَبْخِهَا بِالْخَمْرِ بِزِيَادَةِ التَّشَرُّبِ بِالطَّبْخِ، ثُمَّ لَا يُمْكِنُ هُنَا تَطْهِيرُهَا بِجَعْلِهَا فِي الْخَلِّ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ لَا يَنْقَلِبُ خَلًّا بِخِلَافِ الْخَمْرِ. (قَوْلُهُ: وَجُفِّفَتْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّجْفِيفُ إلَى أَنْ يَزُولَ الِانْتِفَاخُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. (قَوْلُهُ: فَيَطْهُرُ) لِانْقِلَابِ مَا فِيهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخَمْرِ خَلًّا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
[فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ]
بِإِضَافَةِ فَصْلُ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَنْجَاسِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ عَيْنِيَّةٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. (قَوْلُهُ: إزَالَةُ نَجَسٍ إلَخْ) عَرَّفَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِأَنَّهُ مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجْوِ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَطْنِ أَوْ غَسْلُهُ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْحَصَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي السِّرَاجِ، فَلِذَا عَدَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا لَوْ أَصَابَ الْمَخْرَجَ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ مَعَ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي؛ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِمْدَادِ وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ مِنْ رِيحٍ) لِأَنَّ عَيْنَهَا طَاهِرَةٌ، وَإِنَّمَا نَقَضَتْ لِانْبِعَاثِهَا عَنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ اهـ ح؛ وَلِأَنَّ بِخُرُوجِ الرِّيحِ لَا يَكُونُ عَلَى السَّبِيلِ شَيْءٌ فَلَا يُسَنُّ مِنْهُ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَحَصَاةٍ) لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بَلَلٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَتَلَوَّثْ مِنْهُ الدُّبُرُ فَهِيَ خَارِجَةٌ بِقَوْلِهِ عَنْ سَبِيلٍ وَإِنْ تَلَوَّثَ مِنْهَا فَالِاسْتِنْجَاءُ حِينَئِذٍ لِلنَّجَاسَةِ لَا لِلْحَصَاةِ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَنَوْمٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجَسٍ أَيْضًا اهـ ح. (قَوْلُهُ: وَفَصْدٍ) أَيْ: الدَّمِ الَّذِي عَلَى مَوْضِعِ الْفَصْدِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى السَّبِيلِ لِيُزَالَ عَنْهُ. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ ثُمَّ عَزَاهُ أَيْضًا إلَى الْأَصْلِ وَعَلَّلَهُ فِي الْكَافِي بِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم. وَنَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ وَمَا يَصْرِفُهَا عَنْ الْوُجُوبِ فَرَاجِعْهُ. وَعَلَيْهِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ مُسْتَدْرَكًا عَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ نَفْيِ الْكَرَاهَةِ، وَنَحْوُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَأَوْضَحَ الْمَقَامَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الدُّرَرِ فَرَاجِعْهُ. ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ. (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ الْخَارِجُ مُعْتَادًا أَمْ لَا رَطْبًا أَمْ لَا ط وَسَوَاءٌ كَانَ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْحَجَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُحْدِثٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُنَا. (قَوْلُهُ: وَمَا قِيلَ إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا يُخَالِفُ الْإِطْلَاقَ الْمَذْكُورَ، وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ صَاحِبُ السِّرَاجِ وَالِاخْتِيَارِ وَخِزَانَةِ الْفِقْهِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَقَرَّهُمْ فِي الْحِلْيَةِ، وَاعْتَرَضَهُمْ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْحَدَثِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَخْرَجِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ فَهُوَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. اهـ.
(وَأَرْكَانُهُ) أَرْبَعَةٌ شَخْصٌ (مُسْتَنْجٍ، وَ) شَيْءٌ (مُسْتَنْجًى بِهِ) كَمَاءٍ وَحَجَرٍ (وَ) نَجَسٌ (خَارِجٌ) مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ مِنْ خَارِجٍ وَإِنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: لَا شَكَّ أَنَّ غَسْلَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي الْجَنَابَةِ يُسَمَّى إزَالَةَ نَجَسٍ عَنْ سَبِيلٍ، فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ تَعْرِيفُ الِاسْتِنْجَاءِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا. وَأَمَّا إذَا تَجَاوَزَتْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ غَسْلَ الْمُتَجَاوِزِ إذَا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ، فَكَوْنُهُ تَسَامُحًا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ غَسْلَ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ عِنْدَ التَّجَاوُزِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ الْآتِي فَلَا تَسَامُحَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الِاخْتِيَارِ مِنْ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: اثْنَانِ وَاجِبَانِ:
أَحَدُهُمَا: غَسْلُ نَجَاسَةِ الْمَخْرَجِ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَيْ لَا تَشِيعَ فِي بَدَنِهِ.
وَالثَّانِي: إذَا تَجَاوَزَتْ مَخْرَجَهَا يَجِبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ إذَا جَاوَزَتْ قَدْرَ الدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ، وَالْمُعْتَبَرُ مَا وَرَاءَهُ.
وَالثَّالِثُ: سُنَّةٌ، وَهُوَ إذَا لَمْ تَتَجَاوَزْ النَّجَاسَةُ مَخْرَجَهَا.
وَالرَّابِعُ: مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَتَغَوَّطْ فَيَغْسِلُ قُبُلَهُ. وَالْخَامِسُ: بِدْعَةٌ، وَهُوَ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الرِّيحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَرْكَانُهُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ وَلَمْ أُسْبَقْ إلَى بَيَانِهَا فِيمَا عَلِمْت اهـ وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ شُرُوطٌ لِلْوُجُودِ فِي الْخَارِجِ لَا أَرْكَانٌ، لِمَا فِي الْحِلْيَةِ: رُكْنُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الْأَقْوَى. وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَاهِيَّةُ الشَّيْءِ أَوْ جَزْءٌ مِنْهَا يَتَوَقَّفُ تَقَوُّمُهَا عَلَيْهِ، فَالشَّرْطُ وَالرُّكْنُ مُتَبَايِنَانِ، لِاعْتِبَارِ الْخُرُوجِ عَنْ مَاهِيَّةِ الْمَشْرُوطِ فِي مَاهِيَّةِ الشَّرْطِ؛ وَكَوْنِ الرُّكْنِ نَفْسَ الشَّيْءِ أَوْ جُزْأَهُ الدَّاخِلَ فِيهِ. اهـ. قَالَ ح: وَحَقِيقَةُ الِاسْتِنْجَاءِ الَّذِي هُوَ إزَالَةُ نَجَسٍ عَنْ سَبِيلٍ لَا تَتَقَوَّمُ وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ ذَكَرَ النَّجَسَ فِي التَّعْرِيفِ فَهُوَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاهِيَّةِ قُلْت: أَجْزَاءُ التَّعْرِيفِ الْإِزَالَةُ وَإِضَافَتُهَا إلَى النَّجَسِ لَا نَفْسُ النَّجَسِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ: الْعَمَى عَدَمُ الْبَصَرِ، فَإِنَّ أَجْزَاءَ التَّعْرِيفِ الْعَدَمُ وَإِضَافَتُهُ إلَى الْبَصَرِ لَا نَفْسُ الْبَصَرِ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي قَوْلِهِ عَنْ سَبِيلٍ، فَإِنَّ جَزْءَ التَّعْرِيفِ الْإِزَالَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّبِيلِ لَا السَّبِيلُ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الذَّوَاتُ أَجْزَاءً مِنْ الْمَعْنَى، وَلَلَزِمَ أَنْ يُقَالَ: أَرْكَانُ التَّيَمُّمِ مُتَيَمِّمٌ، مُتَيَمَّمٌ بِهِ إلَخْ، وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنَجَسٌ خَارِجٌ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَدَمٍ أَوْ قَيْحٍ خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَيَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ عَلَى الصَّحِيحِ زَيْلَعِيٌّ. وَقِيلَ: لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ نَهْرٌ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ مِنْ خَارِجٍ) أَيْ: فَيَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ. وَقِيلَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ زَيْلَعِيٌّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ نَقَلُوا هَذَا التَّصْحِيحَ هُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ اهـ. قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: وَيُوهَمُ أَنَّهُمْ نَقَلُوهُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ بِهَا مَعَ أَنَّ شَارِحَ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ نَقَلَاهُ عَنْ الْقُنْيَةِ بِدُونِهَا اهـ.
أَقُولُ: يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْحِجَارَةِ وَارِدٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ فِيمَا يَكْثُرُ لَا فِيمَا يَنْدُرُ كَهَذِهِ الصُّورَةِ، ثُمَّ رَأَيْت مَا بَحَثْته فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ نَقَلَ مَا فِي الْقُنْيَةِ. ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ الْأَحْسَنُ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى الْوَارِدِ اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ أَنَّ مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقُنْيَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهَا، وَأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ أَنَّ الْأَصَحَّ طَهَارَتُهُ بِالْمَسْحِ، وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ قَامَ) أَيْ: الْمُسْتَنْجِي مِنْ مَوْضِعِهِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالْحَجَرِ أَيْضًا قَالَ فِي السِّرَاجِ: قِيلَ إنَّمَا يُجْزِئُ الْحَجَرُ إذَا كَانَ الْغَائِطُ رَطْبًا لَمْ يَجِفَّ وَلَمْ يَقُمْ مِنْ مَوْضِعِهِ، أَمَّا إذَا قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ أَوْ جَفَّ الْغَائِطُ فَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الْمَاءُ؛ لِأَنَّهُ بِقِيَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ يَزُولُ الْغَائِطُ عَنْ مَوْضِعِهِ وَيَتَجَاوَزُ مَخْرَجَهُ، وَبِجَفَافِهِ لَا يُزِيلُهُ الْحَجَرُ فَوَجَبَ الْمَاءُ فِيهِ. اهـ.
عَلَى الْمُعْتَمَدِ (وَمَخْرَجٌ) دُبُرٌ أَوْ قُبُلٌ (بِنَحْوِ حَجَرٍ) مِمَّا هُوَ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ قَالِعَةٌ لَا قِيمَةَ لَهَا كَمَدَرٍ (مُنَقٍّ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ، فَيَخْتَارُ الْأَبْلَغَ وَالْأَسْلَمَ عَنْ التَّلْوِيثِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِإِقْبَالٍ وَإِدْبَارٍ شِتَاءً وَصَيْفًا (وَلَيْسَ الْعَدَدُ) ثَلَاثًا (بِمَسْنُونٍ فِيهِ) بَلْ مُسْتَحَبٌّ (وَالْغَسْلُ) بِالْمَاءِ إلَى أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ إنْ تَجَاوَزَ عَنْ مَوْضِعِهِ بِالْقِيَامِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ أَوْ جَفَّ بِحَيْثُ لَا يُزِيلُهُ الْحَجَرُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمَاءِ إذَا أَرَادَ إزَالَتَهُ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ جَزْمِهِ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَتَعْبِيرِ السِّرَاجِ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلَ. (قَوْلُهُ: مِمَّا هُوَ عَيْنٌ طَاهِرَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: السُّنَّةُ هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ مِنْ الْأَحْجَارِ وَالْأَمْدَادِ وَالتُّرَابِ وَالْخِرَقِ الْبَوَالِي اهـ. (قَوْلُهُ: لَا قِيمَةَ لَهَا) يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَاءُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ. (قَوْلُهُ: كَمَدَرٍ) بِالتَّحْرِيكِ: قِطَعُ الطِّينِ الْيَابِسِ قَامُوسٌ وَمِثْلُهُ الْجِدَارُ إلَّا جِدَارَ غَيْرِهِ كَالْوَقْفِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْقَارِي، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَا جَوَازَهُ بِالْجِدَارِ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ الْإِجَارَةِ أَنَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَائِطِ وَلَوْ الدَّارُ مُسَبَّلَةً. اهـ. قَالَ شَيْخُنَا: وَتَزُولُ الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْجِرًا أَبُو السُّعُودِ. مَطْلَبٌ إذَا دَخَلَ الْمُسْتَنْجِي فِي مَاءٍ قَلِيلٍ (قَوْلُهُ: مُنَقٍّ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ مَعَ فَتْحِ النُّونِ أَوْ تَخْفِيفِهَا مَعَ سُكُونِهَا مِنْ التَّنْقِيَةِ أَوْ الْإِنْقَاءِ: أَيْ: مُنَظِّفٍ غُرَرُ الْأَفْكَارِ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْإِنْقَاءِ بَلْ تَقْلِيلَ النَّجَاسَةِ اهـ وَلِذَا يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إذَا دَخَلَهُ الْمُسْتَنْجِي. وَلِقَائِلٍ مَنْعُهُ لِجَوَازِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ طَهَارَتَهُ بِالْمَسْحِ كَالنَّعْلِ وَقَدَّمْنَا حِكَايَةَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي نَحْوِ الْمَنِيِّ إذَا فُرِكَ ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَاءُ، وَأَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ عَوْدِهِ نَجِسًا وَقِيَاسُهُ أَنْ يَجْرِيَا أَيْضًا هُنَا، وَأَنْ لَا يَتَنَجَّسَ الْمَاءُ عَلَى الرَّاجِحِ. وَأَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنْ لَا يَتَنَجَّسَ بِالْعَرَقِ، حَتَّى لَوْ سَالَ مِنْهُ وَأَصَابَ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ، وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّرْعِ طَهَارَتَهُ بِالْحَجَرِ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ، وَقَالَ: إنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْفَتْحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا فِي الْكِتَابِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا قُبَيْلَ بَحْثِ الدِّبَاغَةِ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ تَصْحِيحُ النَّجَاسَةِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ) أَيْ: لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَقَيَّدُ إلَخْ) أَيْ: بِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْإِنْقَاءُ، فَلَيْسَ لَهُ كَيْفِيَّةٌ خَاصَّةٌ، وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: كَيْفِيَّتُهُ فِي الْمَقْعَدَةِ فِي الصَّيْفِ لِلرَّجُلِ إدْبَارُ الْحَجَرِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَإِقْبَالُ الثَّانِي، وَفِي الشِّتَاءِ بِالْعَكْسِ، وَهَكَذَا تَفْعَلُ الْمَرْأَةُ فِي الزَّمَانَيْنِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَهُ كَيْفِيَّاتٌ أُخَرُ فِي النَّظْمِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي الذَّكَرِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِشِمَالٍ وَيُمِرَّهُ عَلَى حَجَرٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ مَدَرٍ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. قُهُسْتَانِيٌّ.
وَاخْتَارَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فِي الْمُجْتَبَى وَالْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّهُ الْأَوْجَهُ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَمْ أَرَ لِمَشَايِخِنَا فِي حَقِّ الْقُبُلِ لِلْمَرْأَةِ كَيْفِيَّةً مُعَيَّنَةً فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ. اهـ. قُلْت: بَلْ صَرَّحَ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ بِأَنَّهَا تَفْعَلُ كَمَا يَفْعَلُ الرَّجُلُ إلَّا فِي الِاسْتِبْرَاءِ فَإِنَّهَا لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا، بَلْ كَمَا فَرَغَتْ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ تَصْبِرُ سَاعَةً لَطِيفَةً ثُمَّ تَمْسَحُ قُبُلَهَا وَدُبُرَهَا بِالْأَحْجَارِ ثُمَّ تَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ: بَلْ مُسْتَحَبٌّ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لَا أَصْلِهَا، لِمَا وَرَدَ مِنْ الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَلَمْ نَقُلْ إنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، فَمَنْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ.
فَحُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَوْفِيقًا، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْحِلْيَةِ وَشَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ. (قَوْلُهُ: وَالْغَسْلُ بِالْمَاءِ) أَيْ: الْمُطْلَقِ وَإِنْ صَحَّ عِنْدَنَا بِمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ مَائِعٍ طَاهِرٍ مُزِيلٍ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ. (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ يَقَعَ إلَخْ)
أَنَّهُ طَهُرَ مَا لَمْ يَكُنْ مُوَسْوِسًا فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثٍ كَمَا مَرَّ (بَعْدَهُ) أَيْ: الْحَجَرِ (بِلَا كَشْفِ عَوْرَةٍ) عِنْدَ أَحَدٍ، أَمَّا مَعَهُ فَيَتْرُكُهُ كَمَا مَرَّ؛ فَلَوْ كَشَفَ لَهُ صَارَ فَاسِقًا لَا لَوْ كَشَفَ لِاغْتِسَالٍ أَوْ تَغَوُّطٍ كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ (سُنَّةٌ) مُطْلَقًا بِهِ يُفْتَى سِرَاجٌ
(وَيَجِبُ) أَيْ: يُفْرَضُ غَسْلُهُ (إنْ جَاوَزَ الْمَخْرَجَ نَجَسٌ) مَائِعٌ
ــ
[رد المحتار]
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ الصَّبُّ ثَلَاثًا، وَقِيلَ: سَبْعًا، وَقِيلَ: عَشْرًا، وَقِيلَ: فِي الْإِحْلِيلِ ثَلَاثًا، وَفِي الْمَقْعَدَةِ خَمْسًا خُلَاصَةٌ. (قَوْلُهُ: فَيُقَدَّرُ بِثَلَاثٍ) وَقِيلَ: بِسَبْعٍ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ مِعْرَاجٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ. (قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ: فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ الْغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: لِأَنَّ الْبَوْلَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَالْغَائِطُ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا فَالْمُسْتَنْجِي لَا يَرَاهُ، فَكَانَ بِمَنْزِلَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عِنْدَ أَحَدٍ) أَيْ: مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جِمَاعُهُ وَلَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ الَّتِي زَوَّجَهَا لِلْغَيْرِ أَفَادَهُ ح. (قَوْلُهُ: أَمَّا مَعَهُ) أَيْ: مَعَ الْكَشْفِ الْمَذْكُورِ أَوْ مَعَ الْأَحَدِ. (قَوْلُهُ: فَيَتْرُكُهُ) أَيْ: الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَإِنْ تَجَاوَزَتْ الْمَخْرَجَ وَزَادَتْ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَمْ يَجِدْ سَاتِرًا أَوْ لَمْ يَكُفُّوا بَصَرَهُمْ عَنْهُ بَعْدَ طَلَبِهِ مِنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يُقَلِّلُهَا بِنَحْوِ حَجَرٍ وَيُصَلِّي. وَهَلْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ؟ الْأَشْبَهُ نَعَمْ، كَمَا إذَا مُنِعَ عَنْ الِاغْتِسَالِ بِصُنْعِ عَبْدٍ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى كَمَا مَرَّ، أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَذَكَرْنَا خِلَافَهُ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ: قُبَيْلَ سُنَنِ الْغُسْلِ، حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَيَتْرُكُهُ مُطْلَقًا اهـ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى، بَيْنَ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ أَوْ خَنَاثَى، أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، أَوْ رِجَالٍ وَخَنَاثَى، أَوْ نِسَاءٍ وَخَنَاثَى، أَوْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَخَنَاثَى، فَهِيَ إحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَةً. اهـ. ح. (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَشَفَ لَهُ إلَخْ) أَيْ: لِلِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَمُرْتَكِبُ الْحَرَامِ فَاسِقٌ، سَوَاءٌ تَجَاوَزَ النَّجَسُ الْمَخْرَجَ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُجَاوِزُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّرْهَمِ أَوْ أَقَلَّ، وَمَنْ فَهِمَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ سَهَا لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ النَّهْيَ رَاجِعٌ عَلَى الْأَمْرِ.
(قَوْلُهُ: لَا لَوْ كَشَفَ إلَخْ) أَمَّا التَّغَوُّطُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ ضَرُورِيٌّ لَا انْفِكَاكَ عَنْهُ، وَأَمَّا الِاغْتِسَالُ فَقَدْ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ سُنَنِ الْغُسْلِ، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ أَنَّ الصُّوَرَ إحْدَى وَعِشْرُونَ لَا يُغْتَسَلُ فِيهَا إلَّا فِي صُورَتَيْنِ: وَهُمَا رَجُلٌ بَيْنَ رِجَالٍ وَامْرَأَةٌ بَيْنَ نِسَاءٍ، فَيَجِبُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَيْهِمَا فَقَطْ اهـ ح أَيْ: لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَحْرِ لُزُومَ الِاغْتِسَالِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ عَنْ شَرْحِ النُّقَايَةِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ نَقْلَهُ عَنْ الْقُنْيَةِ وَأَنَّ شَارِحَ الْمُنْيَةِ قَالَ: إنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَنْهِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَلِلْغُسْلِ خَلَفٌ وَهُوَ التَّيَمُّمُ. وَقَدْ مَرَّ تَمَامُهُ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ مُطْلَقًا) أَيْ: فِي زَمَانِنَا وَزَمَانِ الصَّحَابَةِ « {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108] قِيلَ: لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا أَهْلَ قُبَاءَ إنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ عِنْدَ الْغَائِطِ؟ قَالُوا: نُتْبِعُ الْغَائِطَ الْأَحْجَارَ ثُمَّ نُتْبِعُ الْأَحْجَارَ الْمَاءَ» فَكَانَ الْجَمْعُ سُنَّةً عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَقِيلَ: ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَرُونَ اهـ إمْدَادٌ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ أَفْضَلُ، وَيَلِيهِ فِي الْفَضْلِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ، وَيَلِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْحَجَرِ وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بِالْكُلِّ وَإِنْ تَفَاوَتَ الْفَضْلُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَيْ: يُفْرَضُ غَسْلُهُ) أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى الْغَسْلِ دُونَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِأَنَّ غَسْلَ مَا عَدَا الْمَخْرَجَ لَا يُسَمَّى اسْتِنْجَاءً، وَفُسِّرَ الْوُجُوبُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُجَاوَزَةِ مَا زَادَ مِنْ الدِّرْهَمِ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ، وَلِقَوْلِهِ فِي الْمُجْتَبَى " لَا يَجِبُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ إلَّا إذَا تَجَاوَزَ مَا عَلَى نَفْسِ الْمَخْرَجِ وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الشَّرْجِ وَكَانَ الْمُجَاوِزُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ". اهـ. وَلِذَا قَيَّدَ الشَّارِحُ النَّجَسَ بِقَوْلِهِ مَائِعٌ. وَالشَّرَجُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ: مَجْمَعُ حَلَقَةِ الدُّبُرِ الَّذِي يَنْطَبِقُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. (قَوْلُهُ: إنْ جَاوَزَ الْمَخْرَجَ) يَشْمَلُ الْإِحْلِيلَ، فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا أَصَابَ طَرَفَ الْإِحْلِيلِ مِنْ الْبَوْلِ أَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ يَجِبُ غَسْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ. وَلَوْ مَسَحَهُ بِالْمَدَرِ، قِيلَ يُجْزِئُهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَقْعَدَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
وَيُعْتَبَرُ الْقَدْرُ الْمَانِعُ لِصَلَاةٍ (فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ) ؛ لِأَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ سَاقِطٌ شَرْعًا وَإِنْ كَثُرَ، وَلِهَذَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهُ.
(وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا (بِعَظْمٍ وَطَعَامٍ وَرَوْثٍ)
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ قُلْفَةَ الْأَقْلَفِ الْقَدْرُ الْمَانِعُ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ. [تَنْبِيهٌ]
مُقْتَضَى اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْمَخْرَجِ أَيْ: وَمَا حَوْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ الشَّرْجِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمُجَاوِزِ لِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْغَائِطُ الصَّفْحَةَ وَهِيَ مَا يَنْضَمُّ مِنْ الْأَلْيَتَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْبَوْلُ الْحَشَفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ اكْتَفَوْا بِالْحَجَرِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَيُعْتَبَرُ إلَخْ) أَيْ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ إنْ زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ فِي نَفْسِهِ يُفْتَرَضُ غَسْلُهُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ زَادَ بِضَمِّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ إلَيْهِ لَا يُفْرَضُ عِنْدَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ عِنْدَهُمَا فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يُضَمَّ إلَى مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ النَّجَسِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُفْرَضُ غَسْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ عِنْدَهُ فَلَا يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ وَيُضَمُّ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ غَسْلِهِ فِي الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ، وَفِيمَا لَوْ أَصَابَهُ نَجَسٌ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ. نُوحٌ عَنْ الْبُرْهَانِ. وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا قَاسِمٌ.
قُلْت: وَعَلَيْهِ الْكَنْزُ وَالْمُصَنِّفُ، وَاسْتَوْجَبَهُ فِي الْحِلْيَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَأَيَّدَهُ بِكَلَامِ الْفَتْحِ حَيْثُ بَحَثَ فِي دَلِيلِهِمَا، وَبِقَوْلِ الْغَزْنَوِيِّ فِي مُقَدِّمَتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: مَنْ اسْتَجْمَرَ بِالْأَحْجَارِ وَأَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُمِعَ زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ، وَعَلَيْهِ فَالْوَاجِبُ لَيْسَ غَسْلَ الْمُتَجَاوِزِ بِعَيْنِهِ وَلَا الْجَمِيعِ، بَلْ الْمُتَجَاوِزِ أَوْ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْحِلْيَةِ أَيْ: لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ دِرْهَمٌ أَوْ أَقَلُّ كَانَ عَفْوًا، ثُمَّ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُمْ بِوُجُوبِ غَسْلِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ الدِّرْهَمِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَأْثُورٍ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا عَنْهُ فِي الْأَنْجَاسِ نَحْوَ ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لِصَلَاةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمَانِعِ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ، وَفِيهِ أَنَّ تَرْكَ غَسْلِ مَا عَلَى الْمَخْرَجِ إنَّمَا لَا يُكْرَهُ بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ كَمَا عَرَفْته لَا مُطْلَقًا، فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَحْرِيمًا إلَخْ) كَذَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ أَيْ: فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ " لَا بِعَظْمٍ وَرَوْثٍ وَطَعَامٍ وَيَمِينٍ.
أَقُولُ: أَمَّا الْعَظْمُ وَالرَّوْثُ فَالنَّهْيُ وَرَدَ فِيهِمَا صَرِيحًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «لَمَّا سَأَلَهُ الْجِنُّ الزَّادَ فَقَالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ» وَعَلَّلَ فِي الْهِدَايَةِ لِلرَّوْثِ بِالنَّجَاسَةِ، وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ آخَرَ «إنَّهَا رِكْسٌ» لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا لَا يُفِيدُ التَّحْرِيمَ، وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِحَجَرٍ اُسْتُنْجِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَهْيٌ أَيْضًا. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَإِذَا ثَبَتَ النَّهْيُ فِي مَطْعُومِ الْجِنِّ وَعَلَفِ دَوَابِّهِمْ فَفِي مَطْعُومِ الْإِنْسِ وَعَلَفِ دَوَابِّهِمْ بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا الْيَمِينُ فَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِيَمِينِهِ» . وَأَمَّا الْآجُرُّ وَالْخَزَفُ فَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَضُرُّ الْمَقْعَدَةَ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الضَّرَرَ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا. وَأَمَّا الشَّيْءُ الْمُحْتَرَمُ فَلِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَأَمَّا حَقُّ الْغَيْرِ وَلَوْ جِدَارَ مَسْجِدٍ أَوْ مِلْكَ آدَمِيٍّ فَلِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَدِّي الْمُحَرَّمِ. وَأَمَّا الْفَحْمُ فَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ يَضُرُّ الْمَقْعَدَةَ كَالزُّجَاجِ وَالْخَزَفِ، وَفِيهِ مَا عَلِمْته، نَعَمْ فِي الْحِلْيَةِ رَوَى أَبُو دَاوُد
يَابِسٍ كَعَذِرَةٍ يَابِسَةٍ وَحَجَرٍ اُسْتُنْجِيَ بِهِ إلَّا بِحَرْفٍ آخَرَ (وَآجُرٍّ وَخَزَفٍ وَزُجَاجٍ وَ) شَيْءٍ مُحْتَرَمٍ (كَخِرْقَةِ دِيبَاجٍ وَيَمِينٍ) وَلَا عُذْرَ بِيُسْرَاهُ، فَلَوْ مَشْلُولَةً وَلَمْ يَجِدْ مَاءً جَارِيًا وَلَا صَابًّا تَرَكَ الْمَاءَ، وَلَوْ شُلَّتَا
ــ
[رد المحتار]
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما قَالَ «قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ انْهَ أُمَّتَك أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا، قَالَ: فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْحُمَمُ: الْفَحْمُ. اهـ. [تَنْبِيهٌ]
اُسْتُفِيدَ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَظْمَ مَيْتَةٍ لَا يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: يَابِسٍ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ صَحَّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُجَفِّفُ مَا عَلَى الْبَدَنِ مِنْ النَّجَاسَةِ الرَّطْبَةِ بَحْرٌ. أَيْ: بِخِلَافِ الرَّطْبِ فَإِنَّهُ لَا يُجَفِّفُ فَلَا يَصِحُّ بِهِ أَصْلًا. (قَوْلُهُ: اُسْتُنْجِيَ بِهِ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ. (قَوْلُهُ: إلَّا بِحَرْفٍ آخَرَ) أَيْ: لَمْ تُصِبْهُ النَّجَاسَةُ. (قَوْلُهُ: وَآجُرٍّ) بِالْمَدِّ الطُّوبُ الْمَشْوِيُّ. (قَوْلُهُ: وَخَزَفٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا فَاءٌ. فِي الْقَامُوسِ: هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنْ طِينٍ يُشْوَى بِالنَّارِ حَتَّى يَكُونَ فَخَّارًا حِلْيَةٌ، وَفَسَّرَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِصِغَارِ الْحَصَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْخَذْفَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: الرَّمْيُ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا بِالسِّبَابَتَيْنِ، فَيَكُونُ أَطْلَقَ الْمَصْدَرَ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَشَيْءٍ مُحْتَرَمٍ) أَيْ: مَا لَهُ احْتِرَامٌ وَاعْتِبَارٌ شَرْعًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مُتَقَوِّمٍ إلَّا الْمَاءَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصْدُقُ بِمَا يُسَاوِي فَلْسًا لِكَرَاهَةِ إتْلَافِهِ كَمَا مَرَّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ جَزْءُ الْآدَمِيِّ وَلَوْ كَافِرًا أَوْ مَيِّتًا وَلِذَا لَا يَجُوزُ كَسْرُ عَظْمِهِ، وَصَرَّحَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ مِنْ الْمُحْتَرَمِ جَزْءُ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ بِهِ وَلَوْ فَأْرَةً، بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ حَيَوَانٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ كُنَاسَةُ مَسْجِدٍ، وَلِذَا لَا تُلْقَى فِي مَحَلٍّ مُمْتَهَنٍ، وَدَخَلَ أَيْضًا مَاءُ زَمْزَمَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ فَصْلِ الْمِيَاهِ، وَيَدْخُلُ أَيْضًا الْوَرَقُ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: قِيلَ: إنَّهُ وَرَقُ الْكِتَابَةِ، وَقِيلَ: وَرَقُ الشَّجَرِ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ اهـ.
وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَانْظُرْ مَا الْعِلَّةُ فِي وَرَقِ الشَّجَرِ، وَلَعَلَّهَا كَوْنُهُ عَلَفًا لِلدَّوَابِّ أَوْ نُعُومَتُهُ فَيَكُونُ مُلَوِّثًا غَيْرَ مُزِيلٍ، وَكَذَا وَرَقُ الْكِتَابَةِ لِصِقَالَتِهِ وَتَقَوُّمِهِ، وَلَهُ احْتِرَامٌ أَيْضًا لِكَوْنِهِ آلَةً لِكِتَابَةِ الْعِلْمِ، وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِأَنَّ تَعْظِيمَهُ مِنْ أَدَبِ الدِّينِ. وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يَجُوزُ بِمَا كُتِبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ الْمُحْتَرَمِ كَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَمَا كَانَ آلَةً لِذَلِكَ. أَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمِ كَفَلْسَفَةٍ وَتَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ عُلِمَ تَبَدُّلُهُمَا وَخُلُوُّهُمَا عَنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ فَيَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ. اهـ. وَنَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْجَوَازَ بِكُتُبِ الْحُكْمِيَّاتِ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَقَرَّهُ.
قُلْت: لَكِنْ نَقَلُوا عِنْدَنَا أَنَّ لِلْحُرُوفِ حُرْمَةً وَلَوْ مُقَطَّعَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ أَنَّ حُرُوفَ الْهِجَاءِ قُرْآنٌ أُنْزِلَتْ عَلَى هُودٍ عليه السلام، وَمُفَادُهُ الْحُرْمَةُ بِالْمَكْتُوبِ مُطْلَقًا، وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي الْأَبْيَضِ كَوْنُهُ آلَةً لِلْكِتَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لَهَا إذَا كَانَ قَالِعًا لِلنَّجَاسَةِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ جَوَازِهِ بِالْخِرَقِ الْبَوَالِي، وَهَلْ إذَا كَانَ مُتَقَوِّمًا ثُمَّ قَطَعَ مِنْهُ قِطْعَةً لَا قِيمَةَ لَهَا بَعْدَ الْقَطْعِ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا أَمْ لَا؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْجِ بِمُتَقَوِّمٍ، نَعَمْ قَطْعُهُ لِذَلِكَ الظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ لَوْ بِلَا عُذْرٍ، بِأَنْ وُجِدَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَطْعِ إتْلَافٌ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. [تَنْبِيهٌ]
يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا لَهُ قِيمَةٌ بِمَا إذَا أَدَّى إلَى إتْلَافِهِ، أَمَّا لَوْ اسْتَنْجَى بِهِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ مَنِيٍّ مَثَلًا وَكَانَ يُغْسَلُ بَعْدَهُ فَلَا كَرَاهَةَ إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا ثَمِينًا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِغَسْلِهِ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا بِخِرْقَةِ الْمَنِيِّ لَيْلَةَ الْعُرْسِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَلَا صَابًّا) أَمَّا لَوْ وَجَدَ صَابًّا كَخَادِمٍ وَزَوْجَةٍ لَا يَتْرُكُهُ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَتَقَدَّمَ فِي التَّيَمُّمِ الْكَلَامُ عَلَى الْقَادِرِ
سَقَطَ أَصْلًا كَمَرِيضٍ وَمَرِيضَةٍ لَمْ يَجِدَا مَنْ يَحِلُّ جِمَاعُهُ (وَفَحْمٍ وَعَلَفِ حَيَوَانٍ) وَحَقِّ غَيْرٍ وَكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ (فَلَوْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ) مَعَ الْكَرَاهَةِ لِحُصُولِ الْإِنْقَاءِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا غَيْرُ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُقِيمًا لَهَا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ
(كَمَا كُرِهَ) تَحْرِيمًا (اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَاسْتِدْبَارُهَا لِ) أَجْلِ (بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ) فَلَوْ لِلِاسْتِنْجَاءِ لَمْ يُكْرَهْ (وَلَوْ فِي بُنْيَانٍ) لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ (فَإِنْ جَلَسَ مُسْتَقْبِلًا لَهَا) غَافِلًا (ثُمَّ ذَكَرَهُ انْحَرَفَ) نَدْبًا لِحَدِيثِ الطَّبَرِيِّ «مَنْ جَلَسَ
ــ
[رد المحتار]
بِقُدْرَةِ الْغَيْرِ فَرَاجِعْهُ. (قَوْلُهُ: سَقَطَ أَصْلًا) أَيْ: بِالْمَاءِ وَالْحَجَرِ. (قَوْلُهُ: كَمَرِيضٍ إلَخْ) فِي التَّتَارْخَانِيَّة: الرَّجُلُ الْمَرِيضُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَلَا أَمَةٌ وَلَهُ ابْنٌ أَوْ أَخٌ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ قَالَ يُوَضِّئُهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ غَيْرَ الِاسْتِنْجَاءِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمَسُّ فَرْجَهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ وَالْمَرْأَةُ الْمَرِيضَةُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ وَلَهَا بِنْتٌ أَوْ أُخْتٌ تُوَضِّئُهَا وَيَسْقُطُ عَنْهَا الِاسْتِنْجَاءُ. اهـ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ يَجْرِي فِيمَنْ شُلَّتْ يَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ. (قَوْلُهُ: وَحَقِّ غَيْرٍ) أَيْ: كَحَجَرِهِ وَمَائِهِ الْمُحْرَزِ لَوْ بِلَا إذْنِهِ وَمِنْهُ الْمُسَبَّلُ لِلشُّرْبِ فَقَطْ وَجِدَارٌ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ أَوْ دَارٌ وَقْفٌ لَمْ يَمْلِكْ مَنَافِعَهَا كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ: لِإِنْسِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ أَوْ دَوَابِّهِمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مِمَّا لَا يَتْلَفُ بِأَنْ كَانَ يُمْكِنُ غَسْلُهُ. (قَوْلُهُ: مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ: التَّحْرِيمِيَّةِ فِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالتَّنْزِيهِيَّةِ فِي غَيْرِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا، وَمَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ عَنْ النَّظْمِ مِنْ أَنَّهُ يَسْتَنْجِي بِثَلَاثَةِ أَمَدَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِالْأَحْجَارِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِثَلَاثَةِ أَكُفٍّ مِنْ تُرَابٍ لَا بِمَا سِوَاهَا مِنْ الْخِرْقَةِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُورِثُ الْفَقْرَ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ الْوَجْهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِعَامَّةِ الْكُتُبِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: لَا بِمَا سِوَاهَا إلَخْ. فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ الْمُتَقَوِّمُ لَا مُطْلَقًا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِيثِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) كَذَا فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمَسْنُونَ إنَّمَا هُوَ الْإِزَالَةُ، وَنَحْوُ الْحَجَرِ لَمْ يُقْصَدْ بِذَاتِهِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ مُزِيلٌ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْإِزَالَةَ بِهَذَا الْخَاصِّ مَنْهِيٌّ وَذَا لَا يَنْفِي كَوْنَهُ مُزِيلًا. وَنَظِيرُهُ لَوْ صَلَّى السُّنَّةَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ كَانَ آتِيًا بِهَا مَعَ ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. اهـ.
قُلْت: وَأَصْلُ الْجَوَابِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ النَّهْيَ فِي غَيْرِهِ، فَلَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّتَهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ مَغْصُوبٍ.
قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَشْرُوعِيَّةِ الصِّحَّةَ، لَكِنْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السُّنَّةِ الثَّوَابُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلنَّهْيِ، بِخِلَافِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ مَعَ النَّهْيِ يَحْصُلُ بِهِ سُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ، كَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَإِنْ أَثِمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَدَّدَ بِهِ الْوُضُوءَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَإِنْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ
(قَوْلُهُ: اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ) أَيْ: جِهَتِهَا كَمَا فِي الصَّلَاةِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَهَا بِصَدْرِهِ وَحَوَّلَ ذَكَرَهُ عَنْهَا وَبَالَ لَمْ يُكْرَهْ بِخِلَافِ عَكْسِهِ. اهـ. أَيْ: فَالْمُعْتَبَرُ الِاسْتِقْبَالُ بِالْفَرْجِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ " يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ " وَهَلْ يَلْزَمُهُ التَّحَرِّي لَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَلَوْ هَبَّتْ رِيحٌ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ وَيَسَارِهَا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَوْدُ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ حَيْثُ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ أَفْحَشُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: وَاسْتِدْبَارُهَا) هُوَ الصَّحِيحُ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحِلُّ الِاسْتِدْبَارُ. (قَوْلُهُ: لَمْ يُكْرَهْ) أَيْ: تَحْرِيمًا، لِمَا فِي الْمُنْيَةِ أَنَّ تَرْكَهُ أَدَبٌ، وَلِمَا مَرَّ فِي الْغُسْلِ أَنَّ مِنْ آدَابِهِ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَسْتُورَةً لَا بَأْسَ بِهِ، وَلِقَوْلِهِمْ يُكْرَهُ مَدُّ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ عَمْدًا، وَكَذَا فِي حَالَ مُوَاقَعَةِ أَهْلِهِ. مَطْلَبٌ الْقَوْلُ الْمُرَجَّحُ عَلَى الْفِعْلِ (قَوْلُهُ: لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاهُ السِّتَّةُ، وَفِيهِ رَدٌّ لِرِوَايَةِ حِلِّ الِاسْتِدْبَارِ، وَلِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي الْبُنْيَانِ أَخْذًا مِنْ
يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَهَا فَانْحَرَفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» (إنْ أَمْكَنَهُ وَإِلَّا فَلَا) بَأْسَ.
(وَكَذَا يُكْرَهُ) هَذِهِ تَعُمُّ التَّحْرِيمِيَّةَ وَالتَّنْزِيهِيَّةَ (لِلْمَرْأَةِ إمْسَاكُ صَغِيرٍ لِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) وَكَذَا مَدُّ رِجْلِهِ إلَيْهَا (وَاسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ لَهُمَا) أَيْ: لِأَجْلِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ (وَبَوْلٌ وَغَائِطٍ فِي مَاءٍ وَلَوْ جَارِيًا) فِي الْأَصَحِّ وَفِي الْبَحْرِ
ــ
[رد المحتار]
«قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - رَقِيتُ يَوْمًا عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ قَوْلٌ وَهَذَا فِعْلٌ، وَالْقَوْلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ وَالْعُذْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ وَهَذَا مُبِيحٌ، وَالْمُحَرِّمُ مُقَدَّمٌ. وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. (قَوْلُهُ: قُبَالَةَ) بِضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى تُجَاهَ قَامُوسٌ. اهـ. ط. (قَوْلُهُ: فَانْحَرَفَ عَنْهَا) أَيْ: بِجُمْلَتِهِ أَوْ بِقُبُلِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ جِهَتِهَا وَالْكَلَامُ مَعَ الْإِمْكَانِ، فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَنْهِيَّ اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ) أَيْ: تَقْصِيرُهُ فِي عَدَمِ تَثَبُّتِهِ حَتَّى غَفَلَ وَاسْتَقْبَلَهَا، أَوْ الْمُرَادُ غُفْرَانُ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذُنُوبِهِ الصَّغَائِرِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] . (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَا بَأْسَ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْكَرَاهَةِ أَصْلًا. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَنْحَرِفْ مَعَ الْإِمْكَانِ فَلَا بَأْسَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى كَمَا هُوَ الشَّائِعُ فِي اسْتِعْمَالِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّارِحُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ نَدْبًا
(قَوْلُهُ: هَذِهِ إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْيَاءِ الْآتِيَةِ. أَيْ: بِخِلَافِ كَرَاهَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فَإِنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَوَّلًا، وَأَرَادَ دَفْعَ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْآتِيَةِ مِثْلُهَا بِمُقْتَضَى ظَاهِرِ التَّشْبِيهِ. (قَوْلُهُ: إمْسَاكُ صَغِيرٍ) هَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الْفِعْلُ مِنْ الْمَرْأَةِ ط. (قَوْلُهُ: وَكَذَا مَدُّ رِجْلِهِ) هِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ ط، لَكِنْ قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ بِمَدِّ الرِّجْلِ إلَيْهَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ فَلْيُحَرَّرْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ) لِأَنَّهُمَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ، وَقِيلَ لِأَجْلِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُمَا سِرَاجٌ. وَنَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ الْمِفْتَاحِ: وَلَا يَقْعُدْ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَلَا مُسْتَدْبِرًا لَهُمَا لِلتَّعْظِيمِ. اهـ.
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا تَنْزِيهِيَّةٌ مَا لَمْ يَرِدْ نَهْيٌ، وَهَلْ الْكَرَاهَةُ هُنَا فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ كَمَا فِي الْقِبْلَةِ أَمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَقَطْ؟ وَهَلْ اسْتِقْبَالُ الْقَمَرِ نَهَارًا كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ اسْتِقْبَالُ عَيْنِهِمَا مُطْلَقًا لَا جِهَتِهِمَا وَلَا ضَوْئِهِمَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ سَاتِرٌ يَمْنَعُ عَنْ الْعَيْنِ وَلَوْ سَحَابًا فَلَا كَرَاهَةَ، وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ إذَا لَمْ يَكُونَا فِي كَبِدِ السَّمَاءِ وَإِلَّا فَلَا اسْتِقْبَالَ لِلْعَيْنِ، وَلَمْ أَرَهُ أَيْضًا فَلْيُحَرَّرْ نَقْلًا. ثُمَّ رَأَيْت فِي نُورِ الْإِيضَاحِ قَالَ: وَاسْتِقْبَالُ عَيْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. (قَوْلُهُ: فِي مَاءٍ وَلَوْ جَارِيًا إلَخْ) لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَعَنْهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُقَذِّرُهُ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى تَنْجِيسِهِ. وَأَمَّا الرَّاكِدُ الْقَلِيلُ فَيَحْرُمُ الْبَوْلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَالتَّغَوُّطُ فِي الْمَاءِ أَقْبَحُ مِنْ الْبَوْلِ، وَكَذَا إذَا بَالَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ أَوْ بَالَ بِقُرْبِ النَّهْرِ فَجَرَى إلَيْهِ، فَكُلُّهُ مَذْمُومٌ قَبِيحٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَأَمَّا انْغِمَاسُ الْمُسْتَنْجِي بِحَجَرٍ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، فَهُوَ حَرَامٌ لِتَنْجِيسِ الْمَاءِ وَتَلَطُّخِهِ بِالنَّجَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ جَارِيًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا فَلَا تَظْهَرُ كَرَاهَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْبَوْلِ وَلَا يُقَارِبُهُ، لَكِنَّ اجْتِنَابَهُ أَحْسَنُ اهـ. كَذَا فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ. (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَحْرِ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ تَوْفِيقًا بِصِيغَةِ يَنْبَغِي.
أَنَّهَا فِي الرَّاكِدِ تَحْرِيمِيَّةٌ، وَفِي الْجَارِي تَنْزِيهِيَّةٌ (وَعَلَى طَرَفِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ أَوْ فِي زَرْعٍ أَوْ فِي ظِلٍّ) يُنْتَفَعُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ (وَبِجَنْبِ مَسْجِدٍ وَمُصَلَّى عِيدٍ، وَفِي مَقَابِرَ، وَبَيْنَ دَوَابَّ، وَفِي طَرِيقِ) النَّاسِ (وَ) فِي (مَهَبِّ رِيحٍ وَجُحْرِ فَأْرَةٍ أَوْ حَيَّةٌ أَوْ نَمْلَةٍ وَثَقْبٍ) زَادَ الْعَيْنِيُّ: وَفِي مَوْضِعٍ يَعْبُرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَوْ يَقْعُدُ عَلَيْهِ، وَبِجَنْبِ طَرِيقٍ أَوْ قَافِلَةٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَفِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ إلَى أَعْلَاهَا، وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا
ــ
[رد المحتار]
تَنْبِيهٌ]
يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَمِثْلُهُ بُيُوتُ الْخَلَاءِ فِي دِمَشْقَ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ مَاءَهَا يَجْرِي دَائِمًا، وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ مَنْعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِهَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ بِهَا بَعْدَ نُزُولِهِ مِنْ الْجُرْنِ إلَى الْأَسْفَلِ لَمْ تَبْقَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَاءِ الْجَارِي لِقُرْبِ اتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ فَلَا تَظْهَرُ فِيهِ الْعِلَّةُ الْمَارَّةُ لِلْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مُعَدًّا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ نَعَمْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ أَنَّهُ يَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ اتِّخَاذِ بُيُوتِ الْخَلَاءِ فَوْقَ الْأَنْهَارِ الطَّاهِرَةِ، وَكَذَا إجْرَاءُ مِيَاهِ الْكُنُفِ إلَيْهَا بِخِلَافِ إجْرَائِهَا إلَى النَّهْرِ الَّذِي هُوَ مَجْمَعُ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمَالِحِ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ -. (قَوْلُهُ: وَعَلَى طَرَفِ نَهْرٍ إلَخْ) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَصِلْ النَّجَاسَةُ إلَى الْمَاءِ لِعُمُومِ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْبَرَازِ فِي الْمَوَارِدِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمَارِّينَ بِالْمَاءِ، وَخَوْفِ وُصُولِهَا إلَيْهِ، كَذَا فِي الضِّيَاءِ عَنْ النَّوَوِيِّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ) أَيْ: لِإِتْلَافِ الثَّمَرِ وَتَنْجِيسِهِ إمْدَادٌ. وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الثَّمَرَةِ، وَيَلْحَقُ بِهِ مَا قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يَأْمَنُ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِمَطَرٍ أَوْ نَحْوِهِ، كَجَفَافِ أَرْضٍ مِنْ بَوْلٍ. وَيَدْخُلُ فِيهِ الثَّمَرُ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ مَشْمُومًا لِاحْتِرَامِ الْكُلِّ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ: وَلَا عَلَى خَضِرَةٍ يَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهَا. (قَوْلُهُ: أَوْ فِي ظِلٍّ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةَ الطَّرِيقِ، وَالظِّلَّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (قَوْلُهُ: يُنْتَفَعُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ) يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ وَإِلَّا فَقَدْ يُقَالُ يُطْلَبُ ذَلِكَ لِدَفْعِهِمْ عَنْهُ وَيَلْحَقُ بِالظِّلِّ فِي الصَّيْفِ مَحَلُّ الِاجْتِمَاعِ فِي الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي مَقَابِرَ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَتَأَذَّى بِمَا يَتَأَذَّى بِهِ الْحَيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ فِي سِكَّةٍ حَادِثَةٍ فِيهَا حَرَامٌ، فَهَذَا أَوْلَى ط. (قَوْلُهُ: وَبَيْنَ دَوَابَّ) لِخَشْيَةِ حُصُولِ أَذِيَّةٍ مِنْهَا وَلَوْ بِتَنَجُّسٍ بِنَحْوِ مَشْيِهَا. (قَوْلُهُ: وَفِي مَهَبِّ رِيحٍ) لِئَلَّا يَرْجِعَ الرَّشَاشُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَجُحْرٍ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْمُهْمَلَةِ هُوَ مَا يَحْتَفِرُهُ الْهَوَامُّ وَالسِّبَاعُ لِأَنْفُسِهَا قَامُوسٌ، لِقَوْلِ قَتَادَةَ رضي الله عنه «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ، قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ؟ قَالَ: يُقَالُ إنَّهُ مَسَاكِنُ الْجِنِّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ يَخْرُجُ عَلَيْهِ مِنْ الْجُحْرِ مَا يَلْسَعُهُ أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ بَوْلَهُ.
وَنُقِلَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ الْخَزْرَجِيَّ رضي الله عنه قَتَلَتْهُ الْجِنُّ؛ لِأَنَّهُ بَالَ فِي جُحْرٍ بِأَرْضِ حَوْرَانَ، وَتَمَامُهُ فِي الضِّيَاءِ. (قَوْلُهُ: وَثَقْبٍ) الْخَرْقُ النَّافِذُ قَامُوسٌ، وَهُوَ بِالْفَتْحِ وَاحِدُ الثُّقُوبِ، وَبِالضَّمِّ جَمْعُ ثُقْبَةٍ كَالثَّقْبِ بِفَتْحِ الْقَافِ. اهـ. مُخْتَارٌ، ثُمَّ هَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لِذَلِكَ كَبَالُوعَةٍ فِيمَا يَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: زَادَ الْعَيْنِيُّ إلَخْ) أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ أَيْضًا الْبَوْلُ عَلَى مَا مُنِعَ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِ لِاحْتِرَامِهِ كَالْعَظْمِ وَنَحْوِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. (قَوْلُهُ: يَعْبُرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ) هَذَا أَعَمُّ مِنْ طَرِيقِ النَّاسِ. (قَوْلُهُ: وَبِجَنْبِ طَرِيقٍ أَوْ قَافِلَةٍ) قَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْغَزْنَوِيَّةِ بِقَوْلِهِ: وَالْهَوَاءُ يَهَبُ مِنْ صَوْبِهِ إلَيْهَا.
قَالَ فِي الضِّيَاءِ: أَيْ: إلَى الطَّرِيقِ أَوْ الْقَافِلَةِ، وَالْوَاوُ لِلْحَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي أَسْفَلِ الْأَرْضِ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ يَقْعُدَ فِي أَسْفَلِهَا وَيَبُولَ إلَى أَعْلَاهَا فَيَعُودَ الرَّشَاشُ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَالتَّكَلُّمُ عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا يَخْرُجْ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَيَضْرِبَانِ الْغَائِطَ أَيْ: يَأْتِيَانِهِ وَالْمَقْتُ وَهُوَ الْبُغْضُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَجْمُوعِ أَيْ: مَجْمُوعِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالتَّحَدُّثِ فَبَعْضُ مُوجِبَاتِ الْمَقْتِ مَكْرُوهٌ إمْدَادٌ.