المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فرع البعد المانع من وصول نجاسة البالوعة إلى البئر] - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ١

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌أَرْكَانُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوء]

- ‌فَرْضُ الْغُسْلِ)

- ‌[فُرُوعٌ فِي الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْلِ]

- ‌بَابُ الْمِيَاهِ

- ‌[الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ]

- ‌[فَرْعٌ] مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ

- ‌[فُرُوعٌ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ

- ‌[فَرْعٌ] وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا

- ‌[فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم وَشُرُوطه]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فُرُوعٌ] صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْذُورِ]

- ‌بَابُ الْأَنْجَاسِ

- ‌فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاء]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ الْأَذَانِ

- ‌[فَائِدَةٌ] التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي النِّيَّةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[فَرَائِض الصَّلَاة]

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ]

- ‌[وَاجِبَات الصَّلَاة]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَان تَأْلِيف الصَّلَاة إلَى انتهائها]

- ‌[فُرُوعٌ] كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ

- ‌[فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة]

- ‌فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا

- ‌بَابُ الْإِمَامَةِ

- ‌[فُرُوعٌ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً]

- ‌بَابُ الِاسْتِخْلَافِ

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا

- ‌[فُرُوعٌ سَمِعَ المصلي اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جل جلاله أَوْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته]

- ‌[فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ

- ‌فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ

- ‌[فُرُوعٌ اشْتِمَالُ الصَّلَاة عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[فُرُوعٌ]أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ

الفصل: ‌[فرع البعد المانع من وصول نجاسة البالوعة إلى البئر]

لِلْعَفْوِ عَنْهُمَا.

(وَبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ، كَمَا) يُعْفَى (لَوْ وَقَعَتَا فِي مِحْلَبٍ) وَقْتَ الْحَلْبِ (فَرُمِيَتَا) فَوْرًا قَبْلَ تَفَتُّتٍ وَتَلَوُّنٍ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَعْرَتَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ مَا فَوْقَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ، وَلِذَا قَالَ (قِيلَ الْقَلِيلُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مَا يَسْتَقِلُّهُ النَّاظِرُ وَالْكَثِيرُ بِعَكْسِهِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُقَدِّرُ شَيْئًا بِالرَّأْيِ.

[فَرْعٌ] الْبُعْدُ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْبَالُوعَةِ بِقَدْرِ مَا لَا يَظْهَرُ لِلنَّجَسِ أَثَرٌ (وَيُعْتَبَرُ سُؤْرٌ بِمُسْئِرٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَسْأَرَ: أَيْ أَبْقَى لِاخْتِلَاطِهِ بِلُعَابِهِ (فَسُؤْرُ آدَمِيٍّ مُطْلَقًا) وَلَوْ جُنُبًا أَوْ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً، نَعَمْ يُكْرَهُ سُؤْرُهَا لِلرَّجُلِ كَعَكْسِهِ لِلِاسْتِلْذَاذِ وَاسْتِعْمَالِ رِيقِ الْغَيْرِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ مُجْتَبًى.

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ وَبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ) أَيْ لَا نَزْحَ بِهِمَا، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ. قَالَ فِي الْفَيْضِ: فَلَا يُنَجِّسُ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا، سَوَاءٌ كَانَ رَطْبًا أَوْ يَابِسًا، صَحِيحًا أَوْ مُنْكَسِرًا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْبِئْرِ حَاجِزٌ كَالْمُدُنِ أَوْ لَا كَالْفَلَوَاتِ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ رَوْثَ الْحِمَارِ وَالْخُنْثَى. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ يُنَجِّسُ وَلَوْ قَلِيلًا أَوْ يَابِسًا، وَقِيلَ لَوْ يَابِسًا فَلَا، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَبَلْوَى لَا يُنَجِّسُ وَإِلَّا نَجَّسَ. اهـ

مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّوْثِ وَالْخُنْثَى وَالْبَعْرِ وَالْخُرْءِ وَالنَّجْوِ وَالْعَذِرَةِ [فَائِدَةٌ] قَالَ نُوحٌ أَفَنْدِي: الرَّوْثُ لِلْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَالْخُنْثَى بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ لِلْبَقَرِ وَالْفِيلِ، وَالْبَعْرُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ، وَالْخُرْءُ لِلطُّيُورِ، وَالنَّجْوُ لِلْكَلْبِ، وَالْعَذِرَةُ لِلْإِنْسَانِ (قَوْلُهُ فِي مِحْلَبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: مَا يُحْلَبُ فِيهِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَقْتَ الْحَلْبِ) فَلَوْ وَقَعَتْ فِي غَيْرِ زَمَانِ الْحَلْبِ فَهُوَ كَوُقُوعِهَا فِي سَائِرِ الْأَوَانِي فَتُنَجِّسُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ إنَّمَا هِيَ زَمَانُ الْحَلْبِ؛ لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَبْعَرَ ذَلِكَ الْوَقْتَ، وَالِاحْتِرَازُ عَنْهُ عَسِيرٌ، وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ. اهـ شَارِحُ مُنْيَةٍ (قَوْلُهُ قَبْلَ تَفَتُّتٍ وَتَلَوُّنٍ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ تَبَعًا لِلْخَانِيَّةِ: فَلَوْ تَفَتَّتَتْ أَوْ أَخَذَ اللَّبَنُ لَوْنَهَا يُنَجَّسُ.

اهـ فَتَّالٌ (قَوْلُهُ وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَعْرَتَيْنِ) أَيْ فِي مَسْأَلَتَيْ الْبِئْرِ وَالْمِحْلَبِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْفَيْضِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقِيٌّ) اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ فَهِمَ مِنْ تَقْيِيدِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْبَعْرَةِ أَوْ الْبَعْرَتَيْنِ أَنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ الثَّلَاثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا الْفَهْمُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَاحِشٍ، كَذَا نَقْلُ عِبَارَةِ الْجَامِعِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. اهـ.

فَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَبَعْرَتَيْ إبِلٍ وَغَنَمٍ الْمُرَادُ مِنْهُ الْقَلِيلُ لَا خُصُوصُ الثِّنْتَيْنِ، وَحُمِلَ قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ عَلَى بَيَانِ حَدِّ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِيُفِيدَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ قَوْلًا آخَرَ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ لِيُفِيدَ وُقُوعَ الْخِلَافِ فِي حَدِّهِ، فَإِنَّ فِيهِ أَقْوَالًا صُحِّحَ مِنْهَا قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي أَنَّ مَا لَا يَخْلُو دَلْوٌ عَنْ بَعْرَةٍ فَهُوَ كَثِيرٌ صَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْفَيْضِ) لَمْ يُصَرِّحْ فِي الْفَيْضِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ وَإِنَّمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ) وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ بَحْرٌ، وَفِي الْفَيْضِ: وَبِهِ يُفْتَى (قَوْلُهُ لَا يُقَدِّرُ إلَخْ) أَيْ أَنَّ عَادَةَ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى تَقْدِيرٍ بِعَدَدٍ أَوْ مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ لَا يُقَدِّرُهُ بِالرَّأْيِ، وَإِنَّمَا يُفَوِّضُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى، فَلِذَا كَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحَ

[فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ]

(قَوْلُهُ الْبُعْدُ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ الْبُعْدِ الْمَانِعِ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ، فَفِي رِوَايَةٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ، وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَةٌ. وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ: الْمُعْتَبَرُ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرِّيحُ، فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ جَازَ وَإِلَّا لَا وَلَوْ كَانَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ: وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ بَحْرٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ رَخَاوَةِ الْأَرْضِ وَصَلَابَتِهَا، وَمَنْ قَدَّرَهُ اعْتَبَرَ حَالَ أَرْضِهِ.

ص: 221

(وَمَأْكُولُ لَحْمٍ) وَمِنْهُ الْفَرَسُ فِي الْأَصَحِّ وَمِثْلُهُ مَا لَا دَمَ لَهُ (طَاهِرُ الْفَمِ)

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي السُّؤْرِ (قَوْلُهُ وَيُعْتَبَرُ سُؤْرٌ بِمُسْئِرٍ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ فَسَادِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ نَفْسِ الْحَيَوَانَاتِ فِيهِ ذَكَرَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا. وَالسُّؤْرُ بِالضَّمِّ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ: بَقِيَّةُ الْمَاءِ الَّتِي يُبْقِيهَا الشَّارِبُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ فِي الْحَوْضِ ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِبَقِيَّةِ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَمْعُ الْأَسْآرُ وَالْفِعْلُ أَسْأَرَ: أَيْ أَبْقَى مِمَّا شَرِبَ بَحْرٌ وَغَيْرُهُ، وَظَاهِرُ الْقَامُوسِ أَنَّ السُّؤْرَ حَقِيقَةٌ فِي مُطْلَقِ الْبَقِيَّةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ السُّؤْرَ يُعْتَبَرُ بِلَحْمِ مُسْئِرِهِ طَاهِرًا فَسُؤْرُهُ طَاهِرًا، أَوْ نَجِسًا فَنَجِسٌ، أَوْ مَكْرُوهًا فَمَكْرُوهٌ، أَوْ مَشْكُوكًا فَمَشْكُوكٌ ابْنُ مَلَكٍ (قَوْلُهُ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ أَسْأَرَ) أَيْ مُسْئِرٌ اسْمُ فَاعِلٍ قِيَاسِيٌّ، مَأْخُوذٌ مِنْ مَصْدَرِ أَسْأَرَ أَوْ سَأَرَ كَمَنَعَ، وَاسْمُ فَاعِلِهِمَا السَّمَاعِيُّ سَآَّرٌ كَسَحَّارٍ، وَالْقِيَاسِيُّ جَائِزٌ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ لِاخْتِلَاطِهِ بِلُعَابِهِ) عِلَّةٌ لِيُعْتَبَر: أَيْ وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ لَحْمِهِ، فَاعْتُبِرَ بِهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً وَكَرَاهَةً وَشَكًّا مِنَحٌ. اهـ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ جُنُبًا إلَخْ) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ.

فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَنَجَّسَ سُؤْرُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمُسْتَعْمَلِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِهَذَا الشُّرْبِ عَلَى الرَّاجِحِ. قُلْنَا الْمُسْتَعْمَلُ هُوَ الْمَشْرُوبُ لَا مَا بَقِيَ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يُسْتَعْمَلُ لِلْحَرَجِ كَإِدْخَالِ الْيَدِ فِي الْحُبِّ لِكُوزٍ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ كَافِرًا) ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَنْزَلَ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] النَّجَاسَةُ فِي اعْتِقَادِهِمْ بَحْرٌ، وَلَا يُشْكِلُ نَزْحُ الْبِئْرِ بِهِ لَوْ أُخْرِجَ حَيًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ امْرَأَةً) أَيْ وَلَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كُنْت أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي» بَحْرٌ (قَوْلُهُ نَعَمْ يُكْرَهُ سُؤْرُهَا إلَخْ) أَيْ فِي الشُّرْبِ لَا فِي الطَّهَارَةِ بَحْرٌ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِمِ. اهـ.

وَأَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ لَا فِي الطَّهَارَةِ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّوَضُّؤُ بِفَضْلِ مَاءِ الْمَرْأَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ السُّؤْرُ. أَقُولُ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي تَوَضَّأَتْ بِهِ فِي خَلْوَتِهَا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَرَّ، فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ لِلِاسْتِلْذَاذِ) قَالَ شَيْخُنَا: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ كَرَاهَةُ الْحَلَّاقِ الْأَمْرَدِ إذَا وَجَدَ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مِنْ اللَّذَّةِ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا لَوْ كَانَ مُلْتَحِيًا. اهـ. فَكَرَاهَةُ التَّكْبِيسِ وَغَمْزِ الرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ مِنْ الْأَمْرَدِ فِي الْحَمَّامِ بِالْأَوْلَى ط (قَوْلُهُ وَاسْتِعْمَالُ رِيقِ الْغَيْرِ) اعْتَرَضَهُ أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ سُؤْرَ الرَّجُلِ لِرَجُلٍ وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ فَالظَّاهِرُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ كَمَا فَعَلَ فِي النَّهْرِ. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَشْرَبُ وَيُعْطِي الْإِنَاءَ لِمَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَقُولُ " الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ " نَعَمْ عَبَّرَ فِي الْمِنَحِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعِلَّةَ الِاسْتِلْذَاذُ فَقَطْ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ حَيْثُ لَا اسْتِلْذَاذَ لَا كَرَاهَةَ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ يَعَافُهُ (قَوْلُهُ مُجْتَبًى) أَيْ قُبَيْلَ كِتَابِ الْوَصَايَا، وَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ قَبْلَ التَّعْلِيلِ لِأَنِّي لَمْ أَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى.

(قَوْلُهُ وَمَأْكُولُ لَحْمٍ) أَيْ سِوَى الْجَلَّالَةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَمِنْهُ الْفَرَسُ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا، وَكَرَاهَةُ لَحْمِهِ عِنْدَهُ لِاحْتِرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ آلَةُ الْجِهَادِ لَا لِنَجَاسَتِهِ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي كَرَاهَةِ سُؤْرِهِ بَحْرٌ. وَالْفَرَسُ اسْمُ جِنْسٍ كَالْحِمَارِ فَيَعُمُّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ط (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ مَا لَا دَمَ لَهُ) أَيْ سَائِلٌ سَوَاءٌ كَانَ يَعِيشُ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ ط

ص: 222

قَيْدٌ لِلْكُلِّ (طَاهِرٌ) طَهُورٌ بِلَا كَرَاهَةٍ.

(وَ) سُؤْرُ (خِنْزِيرٍ وَكَلْبٍ وَسِبَاعِ بَهَائِمَ) وَمِنْهُ الْهِرَّةُ الْبَرِّيَّةُ (وَشَارِبِ خَمْرٍ فَوْرَ شُرْبِهَا) وَلَوْ شَارِبُهُ طَوِيلًا لَا يَسْتَوْعِبُهُ اللِّسَانُ فَنَجِسٌ وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ (وَهِرَّةٍ فَوْرَ أَكْلِ فَأْرَةٍ نَجَسٌ) مُغَلَّظٌ.

(وَ) سُؤْرُ هِرَّةٍ (وَدَجَاجَةٍ مُخَلَّاةٍ) وَإِبِلٍ وَبَقَرٍ جَلَّالَةٍ،

ــ

[رد المحتار]

عَنْ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ قَيْدٌ لِلْكُلِّ) أَيْ لِلْآدَمِيِّ وَمَأْكُولِ اللَّحْمِ وَمَا لَا دَمَ لَهُ ط (قَوْلُهُ طَاهِرٌ) أَيْ فِي ذَاتِهِ طَهُورٌ: أَيْ مُطَهِّرٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْأَخْبَاثِ ط.

(قَوْلُهُ وَسُؤْرُ خِنْزِيرٍ) قَدَّرَ لَفْظَ سُؤْرٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ لَفْظَ خِنْزِيرٍ مَجْرُورٌ بِمُضَافٍ حُذِفَ وَأُبْقِيَ عَمَلُهُ وَهُوَ قَلِيلٌ، وَالْأَوْلَى رَفْعُهُ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُضَافِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى الْمَجْرُورِ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الْعَطْفُ عَلَى مَعْمُولَيْ عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَسِبَاعِ بَهَائِمَ) هِيَ مَا كَانَ يَصْطَادُ بِنَابِهِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالثَّعْلَبِ وَالْفِيلِ وَالضَّبُعِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ فَوْرَ شُرْبِهَا) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا مَكَثَ سَاعَةً ابْتَلَعَ رِيقَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَعْدَ لَحْسِ شَفَتَيْهِ بِلِسَانِهِ وَرِيقِهِ ثُمَّ شَرِبَ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بُزَاقِهِ أَثَرُ الْخَمْرِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ. اهـ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَوْعِبُهُ اللِّسَانُ) أَيْ لَا يَتَمَكَّنُ أَنْ يَعُمَّهُ بِرِيقِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ شُرْبُهُ الْمَاءَ بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ. وَفِي أَنْجَاسِ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي: وَقِيلَ إذَا كَانَ الْإِنَاءُ مَمْلُوءًا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَالْإِنَاءَ بِمُلَاقَاةِ فَمِهِ وَإِلَّا فَلَا. اهـ أَيْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوءًا يَكُونُ الْمَاءُ وَارِدًا عَلَى الشَّارِبِ فَإِذَا ابْتَلَعَهُ يَكُونُ كَالْجَارِي (قَوْلُهُ فَوْرَ أَكْلِ فَأْرَةٍ) فَإِنْ مَكَثَتْ سَاعَةً وَلَحِسَتْ فَمَهَا فَمَكْرُوهٌ مُنْيَةٌ، وَلَا يُنَجِّسُ عِنْدَهُمَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُنَجِّسُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَزُولُ عِنْدَهُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنَجِّسَ عَلَى قَوْلِهِ إذَا غَابَتْ غَيْبَةً يَجُوزُ مَعَهَا شُرْبُهَا مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ مُغَلَّظٌ) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الثَّانِي أَنَّ سُؤْرَ مَا لَا يُؤْكَلُ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ مُخَلَّاةٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ: أَيْ مُرْسَلَةٍ تُخَالِطُ النَّجَاسَاتِ وَيَصِلُ مِنْقَارُهَا إلَى مَا تَحْتَ قَدَمَيْهَا، أَمَّا الَّتِي تُحْبَسُ فِي بَيْتٍ وَتُعْلَفُ فَلَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ عَذِرَاتِ غَيْرِهَا حَتَّى تَجُولَ فِيهَا وَهِيَ فِي عَذِرَاتِ نَفْسِهَا لَا تَجُولُ بَلْ تُلَاحِظُ الْحَبَّ بَيْنَهُ فَتَلْتَقِطُهُ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَإِبِلٍ وَبَقَرٍ جَلَّالَةٍ) أَيْ تَأْكُلُ النَّجَاسَةَ إذَا جَهِلَ حَالَهَا، فَإِنْ عَلِمَ حَالَ فَمِهَا طَهَارَةً وَنَجَاسَةً فَسُؤْرُهَا مِثْلُهُ. اهـ مَقْدِسِيٌّ.

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَلَّالَةِ غَيْرَ الَّتِي أَنْتَنَ لَحْمُهَا مِنْ أَكْلِ النَّجَاسَةِ، إذْ لَوْ أَنْتَنَ فَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ بِلَا تَفْصِيلٍ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا؛ لِأَنَّهَا لَا يُضَحِّي بِهَا كَمَا يَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: وَفِي الْمُنْتَقَى الْجَلَّالَةُ الْمَكْرُوهَةُ الَّتِي إذَا قَرَبَتْ وَجَدْت مِنْهَا رَائِحَةً، فَلَا تُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ لَبَنُهَا وَلَا يُعْمَلُ عَلَيْهَا، وَيُكْرَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَتِلْكَ حَالُهَا، وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَرَقَهَا نَجِسٌ. اهـ وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَحْمُ الْأَتَانِ وَالْجَلَّالَةِ. قَالَ الشَّارِحُ هُنَاكَ: وَتُحْبَسُ الْجَلَّالَةُ حَتَّى يَذْهَبَ نَتْنُ لَحْمِهَا. وَقَدَّرَ بِثَلَاثِ أَيَّامٍ لِدَجَاجَةٍ، وَأَرْبَعَةٍ لِشَاةٍ، وَعَشَرَةٍ لِإِبِلٍ وَبَقَرٍ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَلَوْ أَكَلَتْ النَّجَاسَةَ وَغَيْرَهَا بِحَيْثُ لَمْ يَنْتُنْ لَحْمُهَا حَلَّتْ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْجَلَّالَةَ الَّتِي يُكْرَهُ سُؤْرُهَا هِيَ الَّتِي لَا تَأْكُلُ إلَّا النَّجَاسَةَ حَتَّى أَنْتَنَ لَحْمُهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ غَيْرُ مَأْكُولَةٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ: فَإِنْ كَانَتْ تُخْلَطُ أَوْ أَكْثَرُ عَلَفِهَا عَلَفُ الدَّوَابِّ لَا يُكْرَهُ سُؤْرُهَا. اهـ.

ص: 223

فَالْأَحْسَنُ تَرْكُ دَجَاجَةٍ لِيَعُمَّ الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ قُهُسْتَانِيٌّ

(وَسِبَاعِ طَيْرٍ) لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا طَهَارَةَ مِنْقَارِهَا (وَسَوَاكِنَ بُيُوتٍ) طَاهِرٌ لِلضَّرُورَةِ (مَكْرُوهٌ) تَنْزِيهًا فِي الْأَصَحِّ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِبِلَ تَجْتَرُّ كَالْغَنَمِ وَجِرَّتُهَا نَجِسَةٌ كَسِرْقِينِهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ سُؤْرُهَا مَكْرُوهًا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جَلَّالَةً وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّهَا طَهَارَةَ مِنْقَارِهَا) لِمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّيْرُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ مِثْلُ الْبَازِي الْأَهْلِيِّ وَنَحْوِهِ لَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ فِي الَّذِي يَتَنَاوَلُ الْمَيْتَةَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا مِثْلُهُ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ وَسَوَاكِنَ بُيُوتٍ) أَيْ مِمَّا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ كَالْفَأْرَةِ وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغَةِ، بِخِلَافِ مَا لَا دَمَ لَهُ كَالْخُنْفُسِ وَالصَّرْصَرِ وَالْعَقْرَبِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَمَا مَرَّ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ طَاهِرٌ لِلضَّرُورَةِ) بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَ فِي الْهِرَّةِ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلِطٌ بِلُعَابِهَا الْمُتَوَلِّدِ مِنْ لَحْمِهَا النَّجِسِ، لَكِنْ سَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ اتِّفَاقًا بِعِلَّةِ الطَّوَافِ الْمَنْصُوصَةِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ " أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ يَعْنِي أَنَّهَا تَدْخُلُ الْمَضَايِقَ وَلَازَمَهُ شِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ صَوْنُ الْأَوَانِي مِنْهَا، وَفِي مَعْنَاهَا سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَسَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ لِعَدَمِ تَحَامِيهَا النَّجَاسَةَ، وَأَمَّا الْمُخَلَّاةُ فَلُعَابُهَا طَاهِرٌ فَسُؤْرُهَا كَذَلِكَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ كُرِهَ سُؤْرُهَا وَلَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَتِهِ لِلشَّكِّ، حَتَّى لَوْ عُلِمَتْ النَّجَاسَةُ فِي فَمِهَا تُنَجِّسُ، وَلَوْ عُلِمَتْ الطَّهَارَةُ انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ.

وَأَمَّا سِبَاعُ الطَّيْرِ فَالْقِيَاسُ نَجَاسَةُ سُؤْرِهَا كَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ بِجَامِعِ حُرْمَةِ لَحْمِهَا وَالِاسْتِحْسَانُ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِمِنْقَارِهَا وَهُوَ عَظْمٌ طَاهِرٌ، بِخِلَافِ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَشْرَبُ بِلِسَانِهَا الْمُبْتَلِّ بِلُعَابِهَا النَّجِسِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ تَأْكُلُ الْمَيْتَةَ غَالِبًا أَشْبَهَتْ الْمُخَلَّاةَ فَكُرِهَ سُؤْرُهَا، حَتَّى لَوْ عُلِمَ طَهَارَةُ مِنْقَارِهَا انْتَفَتْ الْكَرَاهَةُ هَكَذَا قَرَّرُوا، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ طَهَارَةَ السُّؤْرِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَتْ لِلضَّرُورَةِ بَلْ عَلَى الْأَصْلِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ مَكْرُوهٌ) لِجَوَازِ كَوْنِهَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً قُبَيْلَ شُرْبِهَا.

وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ اُحْتُمِلَ تَطْهِيرُهَا فَمَهَا زَالَتْ الْكَرَاهَةُ حَيْثُ قَالَ: وَيُحْمَلُ إصْغَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم الْإِنَاءَ لِلْهِرَّةِ عَلَى زَوَالِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ، بِأَنْ كَانَتْ فِي مَرْأًى مِنْهُ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ غَسْلُهَا فَمَهَا بِلُعَابِهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيُمْكِنُ بِمُشَاهَدَةِ شُرْبِهَا مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ مُشَاهَدَةِ قُدُومِهَا عَنْ غَيْبَةٍ يَجُوزُ مَعَهَا ذَلِكَ، فَيُعَارَضُ هَذَا التَّجْوِيزُ بِتَجْوِيزِ أَكْلِهَا نَجِسًا قُبَيْلَ شُرْبِهَا فَيَسْقُطُ فَتَبْقَى الطَّهَارَةُ دُونَ كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ مَا جَاءَتْ إلَّا مِنْ ذَلِكَ التَّجْوِيزِ وَقَدْ سَقَطَ، وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ كَرَاهَةِ أَكْلِ فَضْلِهَا وَالصَّلَاةِ إذَا لَحِسَتْ عُضْوًا قَبْلَ غَسْلِهِ كَمَا أَطْلَقَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ، بَلْ يُقَيَّدُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ التَّوَهُّمِ؛ أَمَّا لَوْ كَانَ زَائِلًا بِمَا قُلْنَا فَلَا. اهـ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَهُوَ خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تَنْزِيهًا) قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ التَّحْرِيمُ.

مَطْلَبٌ. الْكَرَاهَةُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فَالْمُرَادُ مِنْهَا التَّحْرِيمُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَكْرُوهَ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِهِمْ فَالْمُرَادُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ إلَّا أَنْ يَنُصَّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُصَفَّى: لَفْظُ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُرَادُ بِهَا التَّحْرِيمُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: قُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ: إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ؟ قَالَ: التَّحْرِيمُ. اهـ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَأَمَّا سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ خِلَافًا فِي الْمُرَادِ مِنْ الْكَرَاهَةِ، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا

ص: 224

إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا لَمْ يُكْرَهْ أَصْلًا كَأَكْلِهِ لِفَقِيرٍ.

(وَ) سُؤْرُ (حِمَارٍ) أَهْلِيٍّ وَلَوْ ذَكَرًا فِي الْأَصَحِّ (وَبَغْلٍ) أُمُّهُ حِمَارَةٌ؛ فَلَوْ فَرَسًا أَوْ بَقَرَةً فَطَاهِرٌ كَمُتَوَلِّدٍ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَبَقَرَةٍ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ الشَّبَهِ

ــ

[رد المحتار]

كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَامَى النَّجَاسَةَ، وَكَذَا فِي سِبَاعِ الطَّيْرِ وَسَوَاكِنِ الْبُيُوتِ. اهـ (قَوْلُهُ كَأَكْلِهِ لِفَقِيرٍ) أَيْ أَكْلِ سُؤْرِهَا: أَيْ مَوْضِعِ فَمِهَا، وَمَا سَقَطَ مِنْهُ مِنْ الْخُبْزِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجَامِدَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ لُعَابِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَكْلَ مَا بَقِيَ أَيْ مِمَّا لَمْ يُخَالِطْهُ لُعَابُهَا بِخِلَافِ الْمَائِعِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْحِلْيَةِ.

وَأَفَادَ الشَّارِحُ كَرَاهَتَهُ لِغَنِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُ غَيْرَهُ، وَهَذَا عِنْدَ تَوَهُّمِ نَجَاسَةِ فَمِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ قَرِيبًا. [فَرْعٌ] تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ. اهـ بَحْرٌ عَنْ التَّوْشِيحِ. قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِالتَّوَهُّمِ أَيْضًا كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ، وَيَظْهَرُ مِنْهُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بِثَوْبٍ أَصَابَهُ السُّؤْرُ الْمَكْرُوهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ.

مَطْلَبٌ: سِتٌّ تُوَرِّثُ النِّسْيَانَ [نُكْتَةٌ] قِيلَ سِتٌّ تُوَرِّثُ النِّسْيَانَ: سُؤْرُ الْفَأْرَةِ، وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَالْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، وَقَطْعُ الْقِطَارِ، وَمَضْغُ الْعِلْكِ، وَأَكْلُ التُّفَّاحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ حَدِيثًا، لَكِنْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ بَحْرٌ وَحِلْيَةٌ، وَإِطْلَاقُ التُّفَّاحِ هُنَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي كُتُبِ الطِّبِّ مِنْ أَنَّهُ أَكْلُهُ مُوَرِّثٌ لِلنِّسْيَانِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ مُقَيِّدًا التُّفَّاحَ بِالْحَامِضِ.

[تَتِمَّةٌ] زَادَ بَعْضُهُمْ: مِمَّا يُوَرِّثُ النِّسْيَانَ أَشْيَاءُ: مِنْهَا الْعِصْيَانُ، وَالْهُمُومُ وَالْأَحْزَانُ بِسَبَبِ الدُّنْيَا، وَكَثْرَةُ الِاشْتِغَالِ بِهَا، وَأَكْلُ الْكُزْبَرَةِ الرَّطْبَةِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْمَصْلُوبِ، وَالْحَجْمُ فِي نُقْرَةِ الْقَفَا، وَاللَّحْمُ الْمِلْحُ، وَالْخُبْزُ الْحَامِي، وَالْأَكْلُ مِنْ الْقِدْرِ وَكَثْرَةُ الْمَزْحِ، وَالضَّحِكُ بَيْنَ الْمَقَابِرِ، وَالْوُضُوءُ فِي مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ، وَتَوَسُّدُ السَّرَاوِيلِ أَوْ الْعِمَامَةِ، وَنَظَرُ الْجُنُبِ إلَى السَّمَاءِ وَكَنْسُ الْبَيْتِ بِالْخِرَقِ، وَمَسْحُ وَجْهِهِ أَوْ يَدَيْهِ بِذَيْلِهِ، وَنَفْضُ الثَّوْبِ فِي الْمَسْجِدِ، وَدُخُولُهُ بِالْيُسْرَى وَخُرُوجُهُ بِالْيُمْنَى، وَاللَّعِبُ بِالْمَذَاكِيرِ أَوْ الذَّكَرِ حَتَّى يُنْزِلَ، وَالنَّظَرُ إلَيْهِ، وَالْبَوْلُ فِي الطَّرِيقِ أَوْ تَحْتَ شَجَرَةٍ مُثْمِرَةٍ أَوْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ أَوْ فِي الرَّمَادِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ أَوْ فِي مِرْآةِ الْحَجَّامِ، وَالِامْتِشَاطُ بِالْمُشْطِ الْمَكْسُورِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ فِيهَا رِسَالَةٌ

(قَوْلُهُ أَهْلِيٍّ) أَمَّا الْوَحْشِيُّ فَمَأْكُولٌ فَلَا شَكَّ فِي سُؤْرِهِ وَلَا كَرَاهَةَ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَالَهُ قَاضِي خَانْ، وَمُقَابِلُهُ الْقَوْلُ بِنَجَاسَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُ فَمَهُ بِشَمِّ الْبَوْلِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الثَّابِتِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أُمُّهُ حِمَارَةٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْحِمَارَةُ بِالْهَاءِ الْأَتَانُ فَافْهَمْ، وَهَذَا الْقَيْدُ صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ السُّرُوجِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ.

قَالَ: إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ أَيْ الْفَرَسِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَهُمَا، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا فِيهِ. اهـ وَالْمُرَادُ لَا يُكْرَهُ لَحْمُهُ عِنْدَهُمَا إلْحَاقًا لَهُ بِالْفَرَسِ، وَعِنْدَهُ يُكْرَهُ كَالْفَرَسِ، إلَّا أَنَّ سُؤْرَهُ لَا يَكُونُ مَشْكُوكًا اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي سُؤْرِ الْفَرَسِ، وَكَذَا الْبَغْلُ الَّذِي أُمُّهُ بَقَرَةٌ يَحِلُّ لَحْمُهُ اتِّفَاقًا وَلَا يَكُونُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا لَكِنْ يُنَافِي هَذَا قَوْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالْبَغْلُ مِنْ نَسْلِ الْحِمَارِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ اعْتِبَارَ الْأَبِ إلَّا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَيَوَانَاتِ الْإِلْحَاقُ بِالْأُمِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ وَنَحْوُهُ فِي النَّهْرِ.

قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: قُلْت: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَرَّجٌ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ خَاصَّةً فِيمَا إذَا كَانَ أَبُوهُ حِمَارًا وَأُمُّهُ فَرَسًا، تَغْلِيبًا لِجَانِبِ التَّحْرِيمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ فَطَاهِرٌ) الْأَوْلَى قَوْلُ ابْنِ مَلَكٍ عَنْ الْغَايَةِ فَطَهُورٌ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ. اهـ (قَوْلُهُ وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ الشَّبَهِ) رَدٌّ عَلَى مَا قَالَهُ مِسْكِينٌ مِنْ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْأُمِّ مَحَلُّهَا مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ شَبَهُهُ بِالْأَبِ

ص: 225

لِتَصْرِيحِهِمْ بِحِلِّ أَكْلِ ذِئْبٍ وَلَدَتْهُ شَاةٌ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ، وَجَوَازُ الْأَكْلِ يَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ السُّؤْرِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَشْبَاهِ مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْحِلِّ قَالَ شَيْخُنَا: إنَّهُ غَرِيبٌ (مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ) حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ اُعْتُبِرَ بِالْأَجْزَاءِ، وَهَلْ يَطْهُرُ النَّجِسُ؟

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ لِتَصْرِيحِهِمْ إلَخْ) صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْأُضْحِيَّةِ بِجَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ بِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْوَحْشِيُّ يَتْبَعُ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي التَّبَعِيَّةِ، حَتَّى إذَا نَزَا الذِّئْبُ عَلَى الشَّاةِ يُضَحَّى بِالْوَلَدِ. اهـ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِلْأُمِّ) ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فِي الْوَلَدِ لِانْفِصَالِهِ مِنْهَا وَهُوَ حَيَوَانٌ مُتَقَوِّمٌ، وَلَا يَنْفَصِلُ مِنْ الْأَبِ إلَّا مَاءً مَهِينًا، وَلِهَذَا يَتْبَعُهَا فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْآدَمِيُّ إلَى أَبِيهِ تَشْرِيفًا لَهُ، وَصِيَانَةً لَهُ عَنْ الضَّيَاعِ، وَإِلَّا فَالْأَصْلُ إضَافَتُهُ إلَى الْأُمِّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ) صَوَابُهُ عَنْ الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ ط، وَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْهَا فِي قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ (قَوْلُهُ عَدَمِ الْحِلِّ) أَيْ عَدَمِ حِلِّ أَكْلِ ذِئْبٍ وَلَدَتْهُ شَاةٌ (قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُنَا) يُرِيدُ الرَّمْلِيَّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ط (قَوْلُهُ إنَّهُ غَرِيبٌ) أَيْ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْهُورَ فِي كَلَامِهِمْ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَقَالَ:

نَتِيجَةُ الْأَهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ

تَلْحَقُ بِالْأُمِّ عَلَى الْمَرْضِيِّ

وَمِثْلُهُ نَتِيجَةُ الْمُحَرَّمِ

مَعَ الْمُبَاحِ يَا أُخَيَّ فَاعْلَمْ

هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَا

وَالْحَظْرُ فِي هَذَا حَكَوْهُ فَاعْلَمَا.

(قَوْلُهُ مَشْكُوكٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ) هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، ثُمَّ قِيلَ سَبَبُهُ تَعَارُضُ الْأَخْبَارِ فِي لَحْمِهِ، وَقِيلَ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي سُؤْرِهِ الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إنَّ الْحِمَارَ أَشْبَهَ الْهِرَّةَ لِوُجُودِهِ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ، لَكِنَّ الضَّرُورَةَ فِيهِ دُونَ الضَّرُورَةِ فِيهَا لِدُخُولِهَا مَضَايِقِ الْبَيْتِ فَأَشْبَهَ الْكَلْبَ وَالسِّبَاعَ، فَلَمَّا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَاسْتَوَى مَا يُوجِبُ الطَّهَارَةَ وَالنَّجَاسَةَ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ فَصِيرَ إلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ هُنَا شَيْئَانِ: الطَّهَارَةُ فِي الْمَاءِ، وَالنَّجَاسَةُ فِي اللُّعَابِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ مُشْكِلًا نَجِسًا مِنْ وَجْهٍ طَاهِرًا مِنْ آخَرَ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

لَا يُقَالُ: كَلْبُ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ بِالنَّصِّ كَمَا أَفَادَهُ فِي السَّعْدِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا فِي طَهَارَتِهِ) أَيْ وَلَا فِيهِمَا جَمِيعًا كَمَا قِيلَ أَيْضًا، هَذَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، فَلِهَذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ: إنَّ الِاخْتِلَافَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّهُ مَنْ قَالَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ فَقَطْ أَرَادَ أَنَّ الطَّاهِرَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ وَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ، لَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي طَهَارَتِهِ شَكٌّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ اهـ بَحْرٌ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ اُعْتُبِرَ بِالْأَجْزَاءِ) أَيْ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ مُحِيطٌ، وَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُسَاوِهِ لِمَا عَلِمْته فِي مَسْأَلَةِ الْفَسَاقِي بَحْرٌ. هَذَا، وَفِي السِّرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْوَجِيزِ: وَاعْتَرَضَ الصَّيْرَفِيُّ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ: وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا جُوِّزَ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي يَخْتَلِطُ بِالسُّؤْرِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ كَانَ أَيْضًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالسُّؤْرِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ اللُّعَابِ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ تَظَافَرَ كَلَامُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُنْزَحُ مِنْهُ جَمِيعُ مَاءِ الْبِئْرِ، وَقَدَّمْنَا النُّقُولَ فِيهِ، وَأَنَّ اعْتِبَارَهُ بِالْأَجْزَاءِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعَمَلَ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا هُنَا غَيْرُ

ص: 226

قَوْلَانِ (فَيَتَوَضَّأُ بِهِ) أَوْ يَغْتَسِلُ (وَيَتَيَمَّمُ) أَيْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ (إنْ فَقَدَ مَاءً) مُطْلَقًا (وَصَحَّ تَقْدِيمُ أَيِّهِمَا شَاءَ) فِي الْأَصَحِّ.

وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَرَاقَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ طَهُورِيَّتِهِ. .

(وَيُقَدِّمُ التَّيَمُّمَ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمُصَحَّحِ الْمُفْتَى بِهِ

ــ

[رد المحتار]

مُعْتَبَرٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ نَاشِئٌ عَنْ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّجَسُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِطَاهِرٍ بِيَقِينٍ، فَافْهَمْ وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُطَهَّرَ أَحَدُهُمَا لَا الْمَجْمُوعُ، فَإِنْ كَانَ السُّؤْرُ صَحَّتْ وَلَغَتْ صَلَاةُ التَّيَمُّمِ، أَوْ التَّيَمُّمُ فَبِالْعَكْسِ نَهْرٌ.

فَإِنْ قِيلَ: يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِلَا طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْكُفْرِ فَيَنْبَغِي وُجُوبُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي أَدَاءً وَاحِدٍ. قُلْنَا: كُلٌّ مِنْهُمَا مُطَهَّرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَلَا يَكُونُ الْأَدَاءُ بِلَا طَهَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يَلْزَمُهُ الْكُفْرُ كَمَا لَوْ صَلَّى حَنَفِيٌّ بَعْدَ نَحْوِ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يَكْفُرُ لِلِاخْتِلَافِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ بَحْرٌ عَنْ الْمِعْرَاجِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي أَدَاءً وَاحِدٍ لِلتَّبَاعُدِ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الشَّمْسِ الْمُحِبِّيِّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ ثُمَّ بِالتَّيَمُّمِ، فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ بَيْنَهُمَا كُرِهَ فِعْلُهُ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ أَحْدَثَ كُرِهَ فِيهِمَا، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ فَتَدَبَّرْ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ النَّهْرِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ أَحْدَثَ غَيْرُ قَيْدٍ، نَعَمْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْدِثْ يَصِحُّ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ تَكُونُ بِالطَّهَارَتَيْنِ.

وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ: وَاخْتُلِفَ فِي النِّيَّةِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ. اهـ: أَيْ الْأَحْوَطُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهَا، فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ النِّيَّةِ عَنْ الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْكِفَايَةِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِيهِ وَفِي نَبِيذِ التَّمْرِ (قَوْلُهُ إنْ فَقَدَ مَاءً مُطْلَقًا) أَمَّا إذَا وَجَدَهُ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَلَوْ وَجَدَ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ بِالسُّؤْرِ وَتَيَمَّمَ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ حَتَّى فَقَدَهُ وَمَعَهُ السُّؤْرُ أَعَادَ التَّيَمُّمَ لَا الْوُضُوءَ بِالسُّؤْرِ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ رِعَايَةً لِقَوْلِ زُفَرَ بِلُزُومِهِ إمْدَادٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ أَرَاقَهُ) أَمَّا لَوْ أَرَاقَهُ أَوَّلًا حَتَّى صَارَ عَادِمًا لِلْمَاءِ لَا يَلْزَمُهُ، بَلْ عَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ الْحِمَارِ يُهْرِيقُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ. قَالَ الصَّفَّارُ: وَهُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ بَحْرٌ عَنْ جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ طَهُورِيَّتِهِ) أَيْ فَتَحْتَمِلُ الصَّلَاةُ الْبُطْلَانَ فَتُعَادُ.

وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: مُتَيَمِّمٌ رَأَى سُؤْرَ حِمَارٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ بِهِ وَأَعَادَهَا لِاحْتِمَالِ الْبُطْلَانِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَيُقَدِّمُ التَّيَمُّمَ عَلَى نَبِيذِ التَّمْرِ) اعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ فِي النَّبِيذِ عَنْ الْإِمَامِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى: وَهِيَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ التَّيَمُّمَ. الثَّانِيَةُ: الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَسُؤْرِ الْحِمَارِ، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. وَالثَّالِثَةُ: التَّيَمُّمُ فَقَطْ، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَخِيرُ، وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ الْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا بَحْرٌ.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَبِهِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهِ فِي بَحْثِ السُّؤْرِ، لَكِنْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ: فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ وَيُقَدِّمُ إلَخْ عَلَى التَّقَدُّمِ فِي الرُّتْبَةِ لَا فِي الزَّمَانِ: أَيْ أَنَّ التَّيَمُّمَ رُتْبَتُهُ التَّقَدُّمُ عَلَى الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْوُضُوءِ بِهِ، وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مَعَ سَبْقِ التَّيَمُّمِ. قَالَ فِي النَّهْرِ:

ص: 227

؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا رَجَعَ عَنْ قَوْلٍ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ: (وَ) حُكْمُ (عَرَقٍ كَسُؤْرٍ) فَعَرَقُ الْحِمَارِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ صَارَ مُشْكِلًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَفِي الْمُحِيطِ: عَرَقُ الْجَلَّالَةِ عَفْوٌ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الظَّاهِرِ.

ــ

[رد المحتار]

وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَلْقَى فِي الْمَاءِ تُمَيْرَاتٍ حَتَّى صَارَ حُلْوًا رَقِيقًا غَيْرَ مَطْبُوخٍ وَلَا مُسَكَّرٍ، فَإِنْ لَمْ يُحَلَّ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ، أَوْ أَسْكَرَ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، أَوْ طُبِخَ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَرَجَّحَ غَيْرُهُ الْجَوَازَ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ الضَّابِطِ أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْمِيَاهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ مَا ذَكَرَ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ عَرَقٍ كَسُؤْرٍ) أَيْ الْعَرَقُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ حُكْمُهُ كَسُؤْرِهِ لِتَوَلُّدِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ اللَّحْمِ كَذَا قَالُوا: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ هُوَ اللُّعَابُ أَيْ لَا السُّؤْرُ، لَكِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لِلْمُجَاوَرَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَعَرَقُ الْحِمَارِ إلَخْ) أَفْرَدَهُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَصَاحِبِ الْمُنْيَةِ اسْتَثْنَاهُ فَقَالَ: إلَّا أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: نَجِسٌ إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ عَفْوًا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ. فَإِذَا قِيلَ إنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ كَسُؤْرِهِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ: أَيْ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا فِي حَرِّ الْحِجَازِ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَعْرَقُ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام غَسَلَ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ مِنْهُ. اهـ وَمُعْرَوْرِيًا حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرًى كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قُلْت: وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام رَكِبَ وَهُوَ عُرْيَانٌ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، إذْ لَا يَخْفَى بُعْدُهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَكِبَ حَالَ كَوْنِهِ مُعْرَوْرِيًا الْحِمَارَ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ اعْرَوْرَى الْمُتَعَدِّي حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ، يُقَالُ اعْرَوْرَى الْفَرَسَ: رَكِبَهُ عُرْيًا فَتَنَبَّهْ

(قَوْلُهُ صَارَ مُشْكِلًا) يَعْنِي صَارَ الْمَاءُ بِهِ مُشْكِلًا: أَيْ فِي الطَّهُورِيَّةِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ كَمَا فِي لُعَابِهِ، وَيَجُوزُ شُرْبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ إلَخْ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَنَصُّهُ: وَفِي الزُّبْدَةِ أَنَّ عَرَقَ الْجَلَّالَةِ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِهِمَا نَجِسٌ. وَفِي قَاضِي خَانْ أَنَّ عَرَقَهُمَا طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ نَجِسٌ لَكِنَّهُ عَفْوٌ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ، وَعَنْهُ أَنَّهُ خَفِيفَةٌ. اهـ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي عَرَقِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَهُوَ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ. وَنَجِسٌ مُغَلَّظٌ. وَنَجِسٌ مُخَفَّفٌ، وَكَلَامُ الْحَلْوَانِيِّ مُحْتَمِلٌ لِلْأَخِيرَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُنْيَةِ تَعْلِيلَهُ بِالضَّرُورَةِ: أَيْ ضَرُورَةِ رُكُوبِهِ.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْكَلَامَ فِي عَرَقِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ لَا فِي الْجَلَّالَةِ، وَأَنَّ ضَمِيرَ عَرَقِهِمَا فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ قَاضِي خَانْ ضَمِيرٌ مُثَنًّى رَاجِعٌ إلَى الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ الَّتِي وَقَعَتْ لِلشَّارِحِ بِضَمِيرِ الْمُفْرَدِ لَا الْمُثَنَّى فَأَرْجَعَ الضَّمِيرَ إلَى الْجَلَّالَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ رَاجَعْتُ عِبَارَةَ قَاضِي خَانْ فَرَأَيْتُهَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ الْعَائِدِ إلَى مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ مِنْ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَلَمْ أَرَ فِيهَا ذِكْرَ الْجَلَّالَةِ أَصْلًا، وَكَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ لَيْسَ فِي الْجَلَّالَةِ بَلْ فِي الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْحَلْوَانِيِّ، وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ بَعْدَ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحْكَامَ الْجَلَّالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِبِلٍ وَبَقَرٍ جَلَّالَةٍ، وَنَقَلْنَا التَّصْرِيحَ عَنْ الْبَقَّالِيِّ بِأَنَّ عَرَقَهَا

ص: 228