المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ وَالْجَنَابَةَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَارِضَةِ، وَصَرَّحَ بِذِكْرِ الْحَدَثِ - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ١

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌أَرْكَانُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوء]

- ‌فَرْضُ الْغُسْلِ)

- ‌[فُرُوعٌ فِي الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْلِ]

- ‌بَابُ الْمِيَاهِ

- ‌[الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ]

- ‌[فَرْعٌ] مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ

- ‌[فُرُوعٌ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ

- ‌[فَرْعٌ] وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا

- ‌[فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم وَشُرُوطه]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فُرُوعٌ] صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْذُورِ]

- ‌بَابُ الْأَنْجَاسِ

- ‌فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاء]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ الْأَذَانِ

- ‌[فَائِدَةٌ] التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي النِّيَّةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[فَرَائِض الصَّلَاة]

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ]

- ‌[وَاجِبَات الصَّلَاة]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَان تَأْلِيف الصَّلَاة إلَى انتهائها]

- ‌[فُرُوعٌ] كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ

- ‌[فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة]

- ‌فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا

- ‌بَابُ الْإِمَامَةِ

- ‌[فُرُوعٌ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً]

- ‌بَابُ الِاسْتِخْلَافِ

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا

- ‌[فُرُوعٌ سَمِعَ المصلي اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جل جلاله أَوْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته]

- ‌[فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ

- ‌فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ

- ‌[فُرُوعٌ اشْتِمَالُ الصَّلَاة عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[فُرُوعٌ]أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ

الفصل: مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ وَالْجَنَابَةَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَارِضَةِ، وَصَرَّحَ بِذِكْرِ الْحَدَثِ

مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ وَالْجَنَابَةَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَارِضَةِ، وَصَرَّحَ بِذِكْرِ الْحَدَثِ فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ دُونَ الْوُضُوءِ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ وَفَرْضٌ وَالْحَدَثَ شَرْطٌ لِلثَّانِي لَا لِلْأَوَّلِ، فَيَكُونُ الْغُسْلُ عَلَى الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ عَبَثًا وَالْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ.

‌أَرْكَانُ الْوُضُوءِ

أَرْبَعَةٌ

عَبَّرَ بِالْأَرْكَانِ؛ لِأَنَّهُ أَفْيَدُ مَعَ سَلَامَتِهِ عَمَّا يُقَالُ إنْ أُرِيدَ بِالْفَرْضِ الْقَطْعِيُّ يُرَدْ تَقْدِيرُ الْمَسْمُوحِ بِالرُّبُعِ، وَإِنْ أُرِيدَ الْعَمَلِيُّ يُرَدْ الْمَغْسُولُ، وَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِمَا لَخَّصْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى.

ــ

[رد المحتار]

(قَوْلُهُ: مِنْ الْأُمُورِ اللَّازِمَةِ) أَيْ الْغَالِبَةِ الْوُجُودِ بِالنَّظَرِ إلَى دِيَانَةِ الْمُسْلِمِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لِلْعَلَّامَةِ الْأَتْقَانِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَالْجَنَابَةُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ لَا تَقَعَ أَصْلًا ط.

(قَوْلُهُ: فِي الْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ) أَيْ قَوْله تَعَالَى - {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]- وقَوْله تَعَالَى - {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6]-.

(قَوْلُهُ: لِيُعْلِمَ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ إلَخْ) وَهُوَ الَّذِي لَا يَكُونُ عَنْ حَدَثٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى - {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] إلَخْ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ الْوُجُوبُ فِي الْحَدِيثِ وَالنَّدْبُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْآيَةِ مُرَادٌ.

وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ وَالْغُسْلَ لَا يَكُونَانِ إلَّا فَرْضًا لِلتَّصْرِيحِ بِالْحَدَثِ فِيهِمَا. وَفِيهِ أَنَّ الْغُسْلَ يُنْدَبُ فِي مَوَاضِعَ وَيُسَنُّ فِي أُخَرَ، وَكَذَا يَقُومُ التَّيَمُّمُ مَقَامَ الْوُضُوءِ لِنَحْوِ نَوْمٍ وَدُخُولِ مَسْجِدٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا أَنْ يَكُونَا فَرْضًا ط لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ لَا يُقَالُ إنَّ الْغُسْلَ سُنَّةٌ لِلْجُمُعَةِ فَيَثْبُتُ التَّنَوُّعُ فِيهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُدَّعَى أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ. أَوْ نَقُولُ: إنَّ اخْتِيَارَ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ. مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ: «الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ» . (قَوْلُهُ: وَالْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ) هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ: لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، رَوَاهُ رَزِينٌ فِي مُسْنَدِهِ. اهـ. جِرَاحِيٌّ، نَعَمْ رَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ بِوُضُوءٍ» يَعْنِي وَلَوْ كَانُوا غَيْرَ مُحْدِثِينَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» وَلَمْ يُقَيِّدْ الشَّارِحُ بِاخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ تَبَعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ.

[أَرْكَانُ الْوُضُوءِ]

(قَوْلُهُ: عَبَّرَ بِالْأَرْكَانِ) أَيْ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْفَرَائِضِ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ التَّعْبِيرَ الْمَأْخُوذَ مِنْ عَبَّرَ ط.

(قَوْلُهُ: أَفْيَدُ) أَيْ أَكْثَرُ فَائِدَةً: قَالَ فِي الْمِنَحِ: لِأَنَّ الرُّكْنَ أَخَصُّ، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِالْفَرْضِ الْأَرْكَانُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: مَعَ سَلَامَتِهِ إلَخْ) اعْتَرَضَ بِأَنَّ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَرْضٌ دَاخِلُ الْمَاهِيَّةِ، فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْفَرْضِ وَلَازِمُ الْأَعَمِّ لَازِمٌ لِلْأَخَصِّ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ مَفْهُومَ الرُّكْنِ مَا كَانَ جُزْءُ الْمَاهِيَّةِ وَإِنْ لَزِمَ هُنَا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمَاهِيَّاتِ الِاعْتِبَارِيَّةِ مَا اعْتَبَرَهُ الْوَاضِعُ عِنْدَ وَضْعِ الِاسْمِ لَهَا، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي الرُّكْنِ ثُبُوتُهُ بِقَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ.

(قَوْلُهُ: بِالرُّبُعِ) أَيْ رُبُعِ الرَّأْسِ، وَمِثْلُهُ غَسْلُ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْهَا بِقَطْعِيٍّ وَلِذَا لَمْ يَكْفُرْ الْمُخَالِفُ فِيهَا إجْمَاعًا كَذَا فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: يَرِدُ الْمَغْسُولُ) أَيْ مِنْ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ سِوَى الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، زَادَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَإِنْ أُرِيدَا يَلْزَمُ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ أَوْ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِمَا لَخَّصْنَاهُ إلَخْ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ.

ص: 93

ثُمَّ الرُّكْنُ مَا يَكُونُ فَرْضًا دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فَمَا يَكُونُ خَارِجَهَا، فَالْفَرْضُ أَعَمُّ مِنْهُمَا، وَهُوَ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ حَتَّى يُكَفَّرَ جَاحِدُهُ كَأَصْلَيْ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِيِّ وَهُوَ مَا تَفُوتُ الصِّحَّةُ بِفَوَاتِهِ، كَالْمِقْدَارِ الِاجْتِهَادِيِّ فِي الْفُرُوضِ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبُ الْفَرْقِ بَيْنَ عُمُومِ الْمَجَازِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي الْأَوَّلِ تُجْعَلُ فَرْدًا مِنْ الْأَفْرَادِ، بِأَنْ يُرَادَ مَعْنًى يَتَحَقَّقُ فِي كِلَا الْأَفْرَادِ، بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ يُرَادُ بِهَا الْوَضْعُ الْأَصْلِيُّ، وَالْمَجَازَ يُرَادُ بِهِ الْوَضْعُ الثَّانَوِيُّ، فَهُمَا اسْتِعْمَالَانِ مُتَبَايِنَانِ، أَوْ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَطْعِيُّ. وَيُجَابُ عَنْ إيرَادِ الْمَمْسُوحِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الْمَسْحِ فِيهِ، وَذَلِكَ قَطْعِيٌّ لِثُبُوتِهِ بِالْكِتَابِ أَوْ الْعَمَلِيِّ:

وَيُجَابُ عَنْ إيرَادِ الْمَغْسُولِ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْقَدْرُ فِي الْكُلِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ عَمَلِيٌّ، لِخِلَافِ زُفَرَ فِي الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَأَبِي يُوسُفَ فِيمَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ ط. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْمُخْلَصُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ نَقُولَ: إطْلَاقُ الْفَرْضِ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةٌ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَيَسْقُطُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ. اهـ.

أَقُولُ: وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي النِّهَايَةِ حَيْثُ أَجَابَ بِأَنَّ الْفَرْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ: قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ، وَهُوَ الْفَرْضُ عَلَى زَعْمِ الْمُجْتَهِدِ كَإِيجَابِ الطَّهَارَةِ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ. اهـ. وَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الرُّكْنُ) تَرْتِيبٌ إخْبَارِيٌّ ط.

(قَوْلُهُ: مَا يَكُونُ فَرْضًا) وَمَعْنَاهُ لُغَةً الْجَانِبُ الْأَقْوَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ: دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ) يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنْهَا يَتَوَقَّفُ تَقَوُّمُهَا عَلَيْهِ، وَالْمَاهِيَّةُ مَا بِهِ الشَّيْءُ هُوَ هُوَ، سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْهَا بِمَا هُوَ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الشَّرْطُ) هُوَ فِي اللُّغَةِ الْعَلَامَةُ. وَفِي الِاصْطِلَاحِ مَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُودٌ وَلَا عَدَمٌ، وَقَوْلُهُ فَمَا يَكُونُ خَارِجَهَا بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِهِ هُنَا، وَالْمُرَادُ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا وَاسْتِمْرَارُهُ فِيهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، فَالشَّرْطُ وَالرُّكْنُ مُتَبَايِنَانِ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ. مَطْلَبُ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ.

(قَوْلُهُ: فَالْفَرْضُ أَعَمُّ مِنْهُمَا) وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا، كَتَرْتِيبِ مَا شُرِعَ غَيْرَ مُكَرَّرٍ فِي رَكْعَةٍ، كَتَرْتِيبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقِيَامِ، وَالرُّكُوعِ عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَالسُّجُودِ عَلَى الرُّكُوعِ، وَالْقَعْدَةِ عَلَى السُّجُودِ، فَإِنَّ هَذِهِ التَّرَاتِيبَ كُلَّهَا فُرُوضٌ لَيْسَتْ بِأَرْكَانٍ وَلَا شُرُوطٍ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا قُطِعَ بِلُزُومِهِ) مَأْخُوذٌ مِنْ فَرَضَ: بِمَعْنَى قَطَعَ تَحْرِيرٌ، وَيُسَمَّى فَرْضًا عِلْمًا وَعَمَلًا لِلُزُومِ اعْتِقَادِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى يُكَفَّرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ: أَيْ يُنْسَبَ إلَى الْكُفْرِ مَنْ أَكْفَرَهُ: إذَا دَعَاهُ كَافِرًا، وَأَمَّا يُكَفِّرُ مِنْ التَّكْفِيرِ فَغَيْرُ ثَابِتٍ هُنَا وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لُغَةً كَمَا فِي الْمُغْرِبِ، وَالْأَصْلُ حَتَّى يُكَفِّرَ الشَّارِعُ جَاحِدَهُ، سَوَاءٌ أَنْكَرَهُ قَوْلًا أَوْ اعْتِقَادًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ فَقَالَ (قَوْلُهُ: كَأَصْلِ مَسْحِ الرَّأْسِ) أَيْ مُجَرَّدًا بِرُبُعٍ أَوْ غَيْرِهِ. مَطْلَبٌ فِي فَرْضِ الْقَطْعِيِّ وَالظَّنِّيِّ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُطْلَقُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ. أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى نَوْعَيْنِ: قَطْعِيٍّ وَظَنِّيٍّ، هُوَ فِي قُوَّةِ الْقَطْعِيِّ فِي الْعَمَلِ بِحَيْثُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوَاتِهِ، وَالْمِقْدَارُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ قَبِيلِ الثَّانِي. وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ لِكَمَالِهِ. وَالْفَارِقُ بَيْنَ الظَّنِّيِّ الْقَوِيِّ الْمُثْبِتِ لِلْفَرْضِ وَبَيْنَ الظَّنِّيِّ الْمُثْبِتِ لِلْوَاجِبِ اصْطِلَاحًا خُصُوصُ الْمَقَامِ. اهـ.

ص: 94

فَلَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ:

(غَسْلُ الْوَجْهِ) أَيْ إسَالَةُ الْمَاءِ مَعَ التَّقَاطُرِ

ــ

[رد المحتار]

أَقُولُ: بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ السَّمْعِيَّةَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ كَنُصُوصِ الْقُرْآنِ الْمُفَسِّرَةِ أَوْ الْمُحْكَمَةِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيٌّ. الثَّانِي قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلَالَةِ كَالْآيَاتِ الْمُؤَوَّلَةِ. الثَّالِثُ عَكْسُهُ كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا قَطْعِيٌّ. الرَّابِعُ ظَنِّيُّهُمَا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا ظَنِّيٌّ، فَبِالْأَوَّلِ يَثْبُتُ الْفَرْضُ وَالْحَرَامُ، وَبِالثَّانِي وَالثَّالِثِ الْوَاجِبُ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، وَبِالرَّابِعِ السُّنَّةُ وَالْمُسْتَحَبُّ.

ثُمَّ إنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يَقْوَى عِنْدَهُ الدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ حَتَّى يَصِيرَ قَرِيبًا عِنْدَهُ مِنْ الْقَطْعِيِّ، فَمَا ثَبَتَ بِهِ يُسَمِّيهِ فَرْضًا عَمَلِيًّا؛ لِأَنَّهُ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْفَرْضِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ، وَيُسَمَّى وَاجِبًا نَظَرًا إلَى ظَنِّيَّةِ دَلِيلِهِ، فَهُوَ أَقْوَى نَوْعَيْ الْوَاجِبِ وَأَضْعَفُ نَوْعَيْ الْفَرْضِ، بَلْ قَدْ يَصِلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ إلَى حَدِّ الْقَطْعِيِّ؛ وَلِذَا قَالُوا إنَّهُ إذَا كَانَ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ جَازَ إثْبَاتُ الرُّكْنِ بِهِ حَتَّى ثَبَتَتْ رُكْنِيَّةُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَفِي التَّلْوِيحِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْفَرْضِ فِيمَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ. وَالْوَاجِبُ فِيمَا ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ، فَلَفْظُ الْوَاجِبِ يَقَعُ عَلَى مَا هُوَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا كَصَلَاةِ الْفَجْرِ، وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ حَتَّى يَمْنَعَ تَذَكُّرُهُ صِحَّةَ الْفَجْرِ كَتَذَكُّرِ الْعِشَاءِ، وَعَلَى ظَنِّيٍّ هُوَ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ وَفَوْقَ السُّنَّةِ كَتَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا لَكِنْ تَجِبُ سَجْدَةُ السَّهْوِ. اهـ. وَتَمَامُ تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ فِي فَصْلِ الْمَشْرُوعَاتِ مِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّك لَا تَجِدْهُ فِي غَيْرِهَا.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ) لِمَا فِي التَّلْوِيحِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُ حَقِيقَتِهِ لِثُبُوتِهِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ، وَمَبْنَى الِاعْتِقَادِ عَلَى الْيَقِينِ، لَكِنْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِمُوجِبِهِ لِلدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الظَّنِّ، فَجَاحِدُهُ لَا يُكَفَّرُ، وَتَارِكُ الْعَمَلِ بِهِ إنْ كَانَ مُؤَوِّلًا لَا يُفَسَّقُ وَلَا يُضَلَّلُ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ فِي مَظَانِّهِ مِنْ سِيرَةِ السَّلَفِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مُسْتَخِفًّا يُضَلَّلُ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ بِدْعَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤَوِّلًا وَلَا مُسْتَخِفًّا يُفَسَّقْ لِخُرُوجِهِ عَنْ الطَّاعَةِ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ. اهـ.

أَقُولُ: وَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ التَّكْفِيرِ لِجَاحِدِ مِقْدَارِ الْمَسْحِ بِلَا تَأْوِيلٍ لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَهَبَ هُوَ إلَيْهِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ فِي حَقِّ الْمِقْدَارِ، وَأَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ مِنْ مَسْحِهِ عليه الصلاة والسلام بِنَاصِيَتِهِ الْتَحَقَ بَيَانًا لَهَا فَيَكُونُ ثَابِتًا بِقَطْعِيٍّ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا الْتَحَقَ بَيَانًا لِلْمُجْمَلِ كَانَ الْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافًا لِلْمُجْمَلِ لَا لِلْبَيَانِ. وَمَا رَدَّ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَجَبْت عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: غَسْلُ الْوَجْهِ) الْغَسْلُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ لُغَةً: إزَالَةُ الْوَسَخِ عَنْ الشَّيْءِ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَبِضَمِّهَا اسْمٌ لِغَسْلِ تَمَامِ الْجَسَدِ وَلِلْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ، وَبِكَسْرِهَا مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ الْأَوَّلُ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْوَجْهِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ أَيْ غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ وَجْهَهُ؛ وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَكُونُ صِفَةً لِلْفَاعِلِ وَهُوَ غَيْرُ شَرْطٍ إذْ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ كَفَى، فَالْأَوْلَى جَعْلُهُ مَصْدَرَ الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ عَلَى إرَادَةِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ أَيْ مَغْسُولِيَّةِ الْوَجْهِ. قَالَ فِي حَوَاشِي الْمُطَوَّلِ: الْمَصْدَرُ يُسْتَعْمَلُ فِي أَصْلِ النِّسْبَةِ وَفِي الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْهَا لِلْمُتَعَلِّقِ مَعْنَوِيَّةٌ أَوْ حِسِّيَّةٌ كَهَيْئَةِ المتحركية الْحَاصِلَةِ مِنْ الْحَرَكَةِ وَتُسَمَّى الْحَاصِلَةُ بِالْمَصْدَرِ، وَتِلْكَ الْهَيْئَةُ لِلْفَاعِلِ فَقَطْ فِي اللَّازِمِ كالمُتَحَرِّكِيةِ وَالْقَائِمِيَّةِ مِنْ الْحَرَكَةِ وَالْقِيَامِ، أَوْ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لِلْمُتَعَدِّي كَالْعَالِمِيَّةِ مِنْ الْعِلْمِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَصْدَرِ بِالْمَعْنَى الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ اسْتِعْمَالُ الشَّيْءِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ انْتَهَى أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ مُرْسَلٌ.

(قَوْلُهُ: أَيْ إسَالَةُ الْمَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: هُوَ الْإِسَالَةُ مَعَ التَّقَاطُرِ وَلَوْ قَطْرَةً حَتَّى لَوْ لَمْ يُسِلْ الْمَاءَ بِأَنْ اسْتَعْمَلَهُ

ص: 95

وَلَوْ قَطْرَةً. وَفِي الْفَيْضِ أَقَلُّهُ قَطْرَتَانِ فِي الْأَصَحِّ (مَرَّةً) لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ (وَهُوَ) مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُوَاجَهَةِ، وَاشْتِقَاقُ الثُّلَاثِيِّ مِنْ الْمَزِيدِ إذَا كَانَ أَشْهَرَ فِي الْمَعْنَى شَائِعٌ كَاشْتِقَاقِ الرَّعْدِ مِنْ الِارْتِعَادِ وَالْيَمِّ مِنْ التَّيَمُّمِ (مِنْ مَبْدَإِ سَطْحِ جَبْهَتِهِ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ (إلَى أَسْفَلِ ذَقَنِهِ)

ــ

[رد المحتار]

اسْتِعْمَالَ الدُّهْنِ لَمْ يَجُزْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ بِالثَّلْجِ وَلَمْ يَقْطُرْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَجُزْ. عَنْ أَبِي يُوسُفَ هُوَ مُجَرَّدُ بَلِّ الْمَحَلِّ بِالْمَاءِ سَالَ أَوْ لَمْ يَسِلْ. اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ صَرَّحَ كَغَيْرِهِ بِذِكْرِ التَّقَاطُرِ مَعَ الْإِسَالَةِ وَإِنْ كَانَ حَدُّ الْإِسَالَةِ أَنْ يَتَقَاطَرَ الْمَاءُ لِلتَّأْكِيدِ، وَزِيَادَةُ التَّنْبِيهِ عَلَى الِاحْتِرَازِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إنَّهُ سَالَ مِنْ الْعُضْوِ قَطْرَةٌ أَوْ قَطْرَتَانِ وَلَمْ يَتَدَارَكْ. اهـ.، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى لَمْ يَتَدَارَكْ لَمْ يَقْطُرْ عَلَى الْفَوْرِ بِأَنْ قَطَرَ بَعْدَ مُهْلَةٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذِكْرُ السَّيَلَانِ الْمُصَاحِبِ لِلتَّقَاطُرِ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُتَدَارَكُ فَافْهَمْ، ثُمَّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَنْدَفِعُ مَا أُورِدَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الْبَلَّ بِلَا تَقَاطُرٍ مَسْحٌ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْأَعْضَاءُ كُلُّهَا مَمْسُوحَةً مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغَسْلِ وَالْمَسْحِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَطْرَةً) عَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقَاطُرُ بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ. اهـ. ح.

(قَوْلُهُ: أَقَلُّهُ قَطْرَتَانِ) يَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ التَّفَاعُلِ. اهـ. ح.

ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِلْفَرْضِ الَّذِي لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي صَدَدِ بَيَانِ الْغَسْلِ الْمَفْرُوضِ وَسَيَأْتِي أَنَّ التَّقْتِيرَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ التَّقْتِيرِ عَلَى مَا دُونَ الْقَطْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ لِمَا عَلِمْت، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِي التَّقْتِيرُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَكُونَ التَّقَاطُرُ ظَاهِرًا لِيَكُونَ غَسْلًا بِيَقِينٍ، وَبِدُونِهَا يَقْرَبُ إلَى حَدِّ الدَّهْنِ وَرُبَّمَا لَا يُتَيَقَّنُ بِسَيَلَانِ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْعُضْوِ فَلِذَاكِرِهِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَمْرَ) وَهُوَ هُنَا قَوْله تَعَالَى - {فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6]-.

(قَوْلُهُ: لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ) أَيْ لَا يَسْتَلْزِمُهُ بَلْ وَلَا يَحْتَمِلُهُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَنَا، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ كَتَكَرُّرِ الصَّلَاةِ لِتَكَرُّرِ أَوْقَاتِهَا. مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ وَتَقْسِيمِهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.

(قَوْلُهُ: مُشْتَقٌّ إلَخْ) الْمُرَادُ بِالِاشْتِقَاقِ الْأَخْذُ مَجَازًا عَلَاقَتُهُ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ، إذْ الِاشْتِقَاقُ فِي الصَّرْفِ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْعَشَرَةِ مِنْ الْمَصْدَرِ وَهِيَ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعُ وَالْأَمْرُ وَاسْمُ الْفَاعِلِ وَاسْمُ الْمَفْعُولِ وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَاسْمُ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ وَالْوَجْهُ لَيْسَ مِنْهَا اهـ ح لَكِنْ فِي تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ، الِاشْتِقَاقُ نَزْعُ لَفْظٍ مِنْ آخَرَ بِشَرْطِ مُنَاسَبَتِهِمَا مَعْنًى وَتَرْكِيبًا وَمُغَايَرَتِهِمَا فِي الصِّيغَةِ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَنَاسُبٌ فِي الْحُرُوفِ وَالتَّرْتِيبِ كَضَرَبَ مِنْ الضَّرْبِ فَهُوَ اشْتِقَاقٌ صَغِيرٌ، أَوْ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى دُونَ التَّرْتِيبِ كَجَبَذَ مِنْ الْجَذْبِ فَكَبِيرٌ، أَوْ فِي الْمَخْرَجِ كَنَعَقَ مِنْ النَّهْقِ فَأَكْبَرُ اهـ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ قَالَ: وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرَ وَصَغِيرًا وَأَكْبَرَ، وَقَدْ تُسَمَّى أَصْغَرَ وَأَوْسَطَ وَأَكْبَرَ، الْأَوَّلُ أَشْهَرُ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: شَائِعٌ) خَبَرُ اشْتِقَاقٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ أَنْ يَنْتَظِمَ الصِّيغَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مَعْنًى وَاحِدٌ وَفِي هَذَا لَا تَوْقِيتَ، بِأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَقُّ مِنْهُ ثُلَاثِيًّا، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَزِيدُ أَشْهَرَ وَأَقْرَبَ لِلْفَهْمِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، فَصَحَّ ذِكْرُ الِاشْتِقَاقِ لِإِيضَاحِ مَعْنَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَزِيدُ أَصْلًا لَهُ أَفَادَهُ فِي النِّهَايَةِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الِارْتِعَادِ) أَيْ الِاضْطِرَابِ أُخِذَ مِنْهُ الرَّعْدُ، لِاضْطِرَابِهِ فِي السَّمَاءِ أَوْ اضْطِرَابِ السَّحَابِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَالْيَمِّ) وَهُوَ الْبَحْرُ، مِنْ التَّيَمُّمِ: وَهُوَ الْقَصْدُ: قَالَ فِي الْكَشَّافِ: لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَاشْتِقَاقُ الْبُرْجِ مِنْ التَّبَرُّجِ لِظُهُورِهِ. وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَالْجِنُّ مِنْ الِاجْتِنَانِ، لِاسْتِتَارِهِمْ عَنْ الْعُيُونِ.

(قَوْلُهُ: سَطْحِ جَبْهَتِهِ) أَيْ أَعْلَاهَا ط.

(قَوْلُهُ: بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ) وَهِيَ كَوْنُ الْمُتَوَضِّئِ أَوْ الْمُكَلَّفِ فَاعِلَ الْمَصْدَرِ الَّذِي

ص: 96

أَيْ مَنْبَتِ أَسْنَانِهِ السُّفْلَى (طُولًا) كَانَ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ لَا، عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ مِنْ قُصَاصِ شَعْرِهِ الْجَارِي عَلَى الْغَالِبِ إلَى الْمُطَّرِدِ لِيَعُمَّ الْأَغَمَّ وَالْأَصْلَعَ وَالْأَنْزَعَ (وَمَا بَيْنَ شَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ عَرْضًا) وَحِينَئِذٍ (فَيَجِبُ غَسْلُ الْمَيَاقِي) وَمَا يَظْهَرُ مِنْ الشَّفَةِ عِنْدَ انْضِمَامِهَا (وَمَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ) لِدُخُولِهِ فِي الْحَدِّ وَبِهِ يُفْتَى (لَا غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنَيْنِ) وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ وَأُصُولِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ

ــ

[رد المحتار]

هُوَ غَسْلٌ. اهـ. ط.

(قَوْلُهُ: أَيْ مَنْبَتُ أَسْنَانِهِ السُّفْلَى) تَفْسِيرٌ لِلذَّقَنِ بِالتَّحْرِيكِ: أَيْ إلَى أَسْفَلِ الْعَظْمِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ السُّفْلَى: وَهُوَ مَا تَحْتَ الْعَنْفَقَةِ.

(قَوْلُهُ: طُولًا) مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ ط.

(قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَجْهِ.

(قَوْلُهُ: شَعْرٌ) بِالْإِسْكَانِ وَيُحَرَّكُ قَامُوسٌ.

(قَوْلُهُ: عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ) أَيْ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْوَجْهِ طُولًا كَالْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى ط.

(قَوْلُهُ: قُصَاصِ) بِتَثْلِيثِ الْقَافِ وَالضَّمُّ أَعْلَاهَا حَيْثُ يَنْتَهِي نَبَاتُهُ فِي الرَّأْسِ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: الْجَارِي) صِفَةٌ لِقَوْلِهِمْ ط.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْغَالِبِ) أَيْ فِي الْأَشْخَاصِ، إذْ الْغَالِبُ فِيهِمْ طُلُوعُ الشَّعْرِ مِنْ مَبْدَأِ سَطْحِ الْجَبْهَةِ، وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ الْأَغَمُّ وَأَخَوَاهُ ط.

(قَوْلُهُ: إلَى الْمُطَّرِدِ) أَيْ الْعَامِّ فِي جَمِيعِ الْأَفْرَادِ ط.

(قَوْلُهُ لِيَعُمَّ الْأَغَمَّ إلَخْ) هُوَ الَّذِي سَالَ شَعْرُ رَأْسِهِ حَتَّى ضَيَّقَ الْجَبْهَةَ. وَالْأَصْلَعُ: هُوَ الَّذِي انْحَسَرَ مُقَدَّمُ شَعْرِ رَأْسِهِ: وَالْأَنْزَعُ: هُوَ الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ مِنْ جَانِبَيْ جَبْهَتِهِ. اهـ. ح عَنْ جَامِعِ اللُّغَةِ. أَقُولُ: وَبَقِيَ الْأَقْرَعُ، وَهُوَ مَنْ ذَهَبَ شَعْرُ رَأْسِهِ قَامُوسٌ.

(قَوْلُهُ: شَحْمَتَيْ الْأُذُنَيْنِ) أَيْ مَا لَانَ مِنْهُمَا، وَالْأُذُنُ بِضَمِّ الذَّالِ وَلَك إسْكَانُهَا تَخْفِيفًا أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ، وَانْظُرْ مَا وَجْهُ التَّحْدِيدِ بِالشَّحْمَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يُقَالَ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الشَّحْمَتَيْنِ لَمَّا اتَّصَلَتَا بِبَعْضِ الْوَجْهِ وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي خَلْفَ الْعِذَارِ صَارَ مَظِنَّةَ أَنْ يَجِبَ غَسْلُهُمَا مَثَلًا فَجَعَلُوا الْحَدَّ بِهِمَا لِدَفْعِ ذَلِكَ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ عَلِمْت حَدَّ الْوَجْهِ طُولًا وَعَرْضًا ط.

(قَوْلُهُ: فَيَجِبُ غَسْلُ الْمَيَاقِي) جَمْعُ مُوقٍ، وَهُوَ عَلَى مَا فِي النُّسَخِ بِالْيَاءِ الْمَمْدُودَةِ بَعْدَ الْمِيمِ وَالصَّوَابُ بِالْهَمْزَةِ الْمَمْدُودَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْقَافِ عَشْرَ لُغَاتٍ فِي الْمُوقِ: مِنْهَا مَأْقٌ بِالْهَمْزَةِ وَمُوقٌ وَمَأْقَئٌ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ الْقَافِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَهَا: وَهُوَ طَرَفُ الْعَيْنِ الْمُتَّصِلُ بِالْأَنْفِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ الْكُلِّ أَرْبَعَةَ جُمُوعٍ: آمَاقٍ وَإِمَاقٍ أَيْ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ فِي أَوَّلِهِ أَوْ قَبْلَ آخِرِهِ وَمَوَاقٍ وَمَاقٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَيَاقِي لَا فِي الْمُفْرَدَاتِ وَلَا فِي الْجُمُوعِ هَذَا. وَفِي الْبَحْرِ لَوْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ فَرَمَصَتْ يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ تَحْتَ الرَّمَصِ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا اهـ هَذَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيَجِبُ غَسْلُ الْمُلَاقِي، وَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَغَسْلُ جَمِيعِ اللِّحْيَةِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُلَاقِي مَا لَاقَى الْبَشَرَةَ مِنْهَا كَمَا فِي الدُّرَرِ. وَفِي شَرْحِهَا لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: وَالْمُلَاقِي هُوَ مَا كَانَ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُسْتَرْسِلِ: وَهُوَ مَا خَرَجَ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ بَلْ يُسَنُّ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَا يَظْهَرُ) أَيْ يُفْتَرَضُ غَسْلُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ الشَّفَةُ تَبَعٌ لِلْفَمِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ انْضِمَامِهَا) أَشَارَ بِصِيغَةِ الِانْفِعَالِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ انْضِمَامِهَا الطَّبِيعِيِّ لَا عِنْدَ انْضِمَامِهَا بِشِدَّةٍ وَتَكَلُّفٍ. اهـ. ح وَكَذَا لَوْ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ شَدِيدًا لَا يَجُوزُ بَحْرٌ، لَكِنْ نَقَلَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْجَوَازُ، وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَمَا بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ) أَيْ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَيَاضِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ يُفْتَى) وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَدَمُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ بَحْرٌ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَنْ تُفِيدُ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَالْخِلَافُ فِي الْمُلْتَحِي، أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْأَمْرَدُ وَالْكَوْسَجُ فَيُفْتَرَضُ الْغَسْلُ اتِّفَاقًا دُرٌّ مُنْتَقَى.

(قَوْلُهُ: لَا غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنَيْنِ إلَخْ) لِأَنَّهُ شَحْمٌ يَضُرُّهُ الْمَاءُ الْحَارُّ وَالْبَارِدُ، وَهَذَا لَوْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ نَجِسٍ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَنْفِ وَالْفَمِ) مَعْطُوفَانِ عَلَى الْعَيْنَيْنِ أَيْ لَا يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِهِمَا أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَأُصُولِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ) يُحْمَلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا كَانَا

ص: 97

وَوَنِيمِ ذُبَابٍ لِلْحَرَجِ

(وَغَسْلِ الْيَدَيْنِ) أَسْقَطَ لَفْظَ فُرَادَى لِعَدَمِ تَقْيِيدِ الْفَرْضِ بِالِانْفِرَادِ (وَالرِّجْلَيْنِ) الْبَادِيَتَيْنِ السَّلِيمَتَيْنِ، فَإِنَّ الْمَجْرُوحَتَيْنِ وَالْمَسْتُورَتَيْنِ بِالْخُفِّ وَظِيفَتُهُمَا الْمَسْحُ (مَرَّةً) لِمَا مَرَّ (مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ) عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَا ذَكَرُوا مِنْ أَنَّ الثَّابِتَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ غَسْلُ يَدٍ وَرِجْلٍ وَالْأُخْرَى بِدَلَالَتِهِ، وَمِنْ الْبَحْثِ فِي إلَى وَفِي الْقِرَاءَتَيْنِ فِي - {أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]- قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ

ــ

[رد المحتار]

كَثِيفَيْنِ، أَمَّا إذَا بَدَتْ الْبَشَرَةُ فَيَجِبُ كَمَا يَأْتِي لَهُ قَرِيبًا عَنْ الْبُرْهَانِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ، وَنَقَلَهُ ح عَنْ عِصَامِ الدِّينِ شَارِحِ الْهِدَايَةِ ط.

(قَوْلُهُ: وَوَنِيمِ ذُبَابٍ) أَيْ خَرْؤُهُ: قَالَ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ: وَلَا يَمْنَعُ الطَّهَارَةَ وَنِيمُ ذُبَابٍ وَبُرْغُوثٍ لَمْ يَصِلْ الْمَاءُ تَحْتَهُ وَحِنَّاءٌ وَلَوْ جِرْمَهُ بِهِ يُفْتَى، وَدَرَنٌ وَدُهْنٌ وَتُرَابٌ وَطِينٌ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: لِلْحَرَجِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَا غَسْلَ إلَخْ أَيْ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنَّهَا لَا يَجِبُ غَسْلُهَا لِلْحَرَجِ. وَعَلَّلَ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ اسْتَتَرَ بِالْحَائِلِ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يُوَاجِهُ النَّاظِرَ إلَيْهِ فَسَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ وَتَحَوَّلَ إلَى الْحَائِلِ.

(قَوْلُهُ: أَسْقَطَ لَفْظَ فُرَادَى) تَعْرِيضٌ بِصَاحِبِ الدُّرَرِ حَيْثُ قَيَّدَ بِهِ. اهـ. ح، وَمَعْنَاهُ غَسَلَ كُلَّ يَدٍ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأُخْرَى ط.

(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي صَدَدِ بَيَانِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ، فَيُشْعِرُ كَلَامُهُ بِأَنَّ الِانْفِرَادَ لَازِمٌ مَعَ أَنَّهُ لَوْ غَسَلَهُمَا مَعًا سَقَطَ الْفَرْضُ.

(قَوْلُهُ: الْبَادِيَتَيْنِ) أَيْ الظَّاهِرَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَا خُفَّ عَلَيْهِمَا ط.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَجْرُوحَتَيْنِ إلَخْ) عِلَّةٌ لِلتَّقْيِيدِ بِالْقَيْدَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوِّشِ ط.

(قَوْلُهُ: وَظِيفَتُهُمَا الْمَسْحُ) لَكِنَّهُ مُخْتَلِفُ الْكَيْفِيَّةِ كَمَا يَأْتِي ط.

(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ.

(قَوْلُهُ: مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) تَثْنِيَةُ مِرْفَقٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَفِيهِ الْعَكْسُ: اسْمٌ لِمُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ عَظْمِ الْعَضُدِ وَعَظْمِ الذِّرَاعِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ إلَى فِي الْآيَةِ بِمَعْنَى مَعَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْيَدَ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ لِلْمَنْكِبِ، فَإِنْ كَانَتْ إلَى بِمَعْنَى مَعَ وَجَبَ الْغَسْلُ إلَى الْمَنْكِبِ؛ لِأَنَّهُ كَغَسْلِ الْقَمِيصِ وَكُمِّهِ، وَغَايَتُهُ أَنَّهُ كَإِفْرَادِ فَرْدٍ مِنْ الْعَامِّ وَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ غَيْرُهُ بَحْرٌ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْيَدِ فِي الْآيَةِ مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى الْمِرْفَقِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِ مَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَعَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِإِلَى الْمُحْتَمِلَةِ لِدُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَعَدَمِهِ إلَى التَّعْبِيرِ بِمَعَ الصَّرِيحَةِ بِالدُّخُولِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّارِحِ عَلَى الْمَذْهَبِ: أَيْ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ.

(قَوْلُهُ: وَالْكَعْبَيْنِ) هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاشِزَانِ مِنْ جَانِبَيْ الْقَدَمِ أَيْ الْمُرْتَفِعَانِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ، قَالُوا: هُوَ سَهْوٌ مِنْ هِشَامٍ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ حَيْثُ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ وَأَشَارَ مُحَمَّدٌ بِيَدِهِ إلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَنَقَلَهُ هِشَامٌ إلَى الطَّهَارَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرُوا) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَمَّا أُورِدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي غَسْلُ يَدٍ وَرِجْلٍ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ تَقْتَضِي انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ.

(قَوْلُهُ: بِعِبَارَةِ النَّصِّ) أَيْ بِصَرِيحِهِ الْمَسُوقِ لَهُ ط.

(قَوْلُهُ: بِدَلَالَتِهِ) أَيْ أَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْمُسَاوَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ الْبَحْثِ فِي إلَى) أَيْ فِي كَوْنِهَا تُدْخِلُ الْغَايَةَ أَوْ لَا تُدْخِلُهَا، أَوْ الْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ، وَالْمُرَجَّحُ الْقَرَائِنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا أَطَالَ بِهِ فِي الْبَحْرِ ط.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْقِرَاءَتَيْنِ) أَيْ قِرَاءَتَيْ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ فِي - {أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: 65]- مِنْ حَمْلِ الْجَرِّ عَلَى حَالَةِ التَّخْفِيفِ وَالنَّصْبِ عَلَى غَيْرِهَا، أَوْ أَنَّ الْجَرَّ لِلْجِوَارِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُغَيًّا بِالْكَعْبَيْنِ إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهَا.

(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْبَحْرِ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ) أَيْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ " مَا " فِي قَوْلِهِ وَمَا ذَكَرُوا أَفَادَهُ ط.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ انْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى افْتِرَاضِ غَسْلِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَعَلَى دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، وَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لَا مَسْحُهُمَا أَفَادَهُ ح.

أَقُولُ: مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ كَالْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِيُتِمَّ دَلِيلَهُ، عَلَى أَنَّ فِي ثُبُوتِ

ص: 98

(وَمَسْحُ رُبُعِ الرَّأْسِ مَرَّةً) فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ وَلَوْ بِإِصَابَةِ مَطَرٍ أَوْ بَلَلٍ بَاقٍ بَعْدَ غَسْلٍ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا بَعْدَ مَسْحٍ إلَّا أَنْ يَتَقَاطَرَ، وَلَوْ مَدَّ أُصْبُعَيْنِ لَمْ يَجُزْ.

ــ

[رد المحتار]

الْإِجْمَاعِ عَلَى دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ كَلَامًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْبَحْرِ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: لَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا فِي إيجَابِ دُخُولِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْوُضُوءِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ لَا أَعْلَمُ مُخَالِفًا لَيْسَ حِكَايَةً لِلْإِجْمَاعِ الَّذِي يَكُونُ غَيْرُهُ مَحْجُوجًا بِهِ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ اللَّامِشِيُّ فِي أُصُولِهِ: لَا خِلَافَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ وَوُجِدَ الرِّضَا مِنْ الْكُلِّ نَصًّا كَانَ ذَلِكَ إجْمَاعًا، فَأَمَّا إذَا نَصَّ الْبَعْضُ وَسَكَتَ الْبَاقُونَ لَا عَنْ خَوْفٍ بَعْدَ اشْتِهَارِ الْقَوْلِ فَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ إجْمَاعًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَقُولُ إنَّهُ إجْمَاعٌ، وَلَكِنْ أَقُولُ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا: وَقَالَ أَبُو هَاشِمٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ: لَا يَكُونُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ حُجَّةً أَيْضًا. اهـ. وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ غَسْلَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَطْعِيٍّ بَلْ هُوَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ كَرُبُعِ الرَّأْسِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ أَيْضًا: لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ الْعَمَلِيَّةَ لَا يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِهَا إلَى الْقَاطِعِ.

(قَوْلُهُ: وَمَسْحِ رُبُعِ الرَّأْسِ) الْمَسْحُ لُغَةً إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ. وَعُرْفًا إصَابَةُ الْمَاءِ الْعُضْوَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ فِي مِقْدَارِ فَرْضِ الْمَسْحِ رِوَايَاتٍ أَشْهَرُهَا مَا فِي الْمَتْنِ. الثَّانِيَةُ مِقْدَارُ النَّاصِيَةِ، وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ الرُّبُعُ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْهُ. الثَّالِثَةُ مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ رَوَاهَا هِشَامٌ عَنْ الْإِمَامِ، وَقِيلَ هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهَا رِوَايَةُ الْأُصُولِ، وَصَحَّحَهَا فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى. وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَاخْتِيَارُ عَامَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، لَكِنْ نَسَبَهَا فِي الْخُلَاصَةِ إلَى مُحَمَّدٍ، فَيُحْمَلُ مَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ تَوْفِيقًا وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ رِوَايَةُ الرُّبُعِ، وَعَلَيْهَا مَشَى الْمُتَأَخِّرُونَ كَابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ أَمِيرِ الْحَجِّ وَصَاحِبِ النَّهْرِ وَالْبَحْرِ وَالْمَقْدِسِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَالشُّرُنْبُلالي وَغَيْرِهِمْ.

(قَوْلُهُ: فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ) فَلَوْ مَسَحَ عَلَى طَرَفِ ذُؤَابَةٍ شُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَجُزْ مَقْدِسِيٌّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بَلَلِ بَاقٍ إلَخْ) هَذَا إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ مَقْدِسِيٌّ، فَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ مُطْلَقًا بَحْرٌ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْعُضْوُ مَغْسُولًا أَوْ مَمْسُوحًا دُرَرٌ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْهُورِ) مُقَابِلُهُ قَوْلُ الْحَاكِمِ بِالْمَنْعِ، وَخَطَّأَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَانْتَصَرَ لَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْكَمَالِ وَقَالَ الصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْحَاكِمُ، فَقَدْ نَصَّ الْكَرْخِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ بِفَضْلِ غَسْلِ ذِرَاعَيْهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِمَاءٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَطْهُرُ بِهِ مَرَّةً اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَتَقَاطَرَ) كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغُرَرِ؛ لِأَنَّهُ كَأَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَدَّ إلَخْ) أَيْ مَدَّ الْمَسْحَ حَتَّى اسْتَوْعَبَ قَدْرَ الرُّبُعِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: لَوْ وَضَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ وَلَمْ يَمُدَّهَا جَازَ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ أَصَابِعَ لَا الرُّبُعِ، وَلَوْ مَسَحَ بِهَا مَنْصُوبَةً غَيْرَ مَوْضُوعَةٍ وَلَا مَمْدُودَةً فَلَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْقَدْرِ الْمَفْرُوضِ: أَيْ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النَّهْرِ، فَلَوْ مَدّهَا حَتَّى بَلَغَ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْإِصْبَعِ وَالْإِصْبَعَيْنِ إذَا مَدَّهَا وَبَلَغَ الْقَدْرَ الْمَفْرُوضَ اهـ مُلَخَّصًا: بَقِيَ مَا إذَا وَضَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ وَمَدَّهَا وَبَلَغَ الرُّبُعَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ إلَّا الْجَوَازَ، وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ قَدْ وَقَفْت عَلَى مَا هُوَ الْمَنْقُولُ يَعْنِي قَوْلَ الْبَدَائِعِ فَلَوْ مَدَّهَا إلَخْ.

أَقُول: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْبَدَائِعِ فَلَوْ مَدَّهَا إلَخْ عَائِدٌ عَلَى الْمَنْصُوبَةِ: أَيْ بِأَنْ مَسَحَ بِأَطْرَافِهَا لَا الْمَوْضُوعَةِ، عَلَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ مَسَحَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَالْمَاءُ مُتَقَاطِرٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَاطِرًا فَالْمَاءُ يَنْزِلُ مِنْ أَصَابِعِهِ إلَى أَطْرَافِهَا، فَإِذَا مَدَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَنَحْوُهُ فِي الْوَاقِعَاتِ وَالْفَيْضِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) قِيلَ لِأَنَّ الْبَلَّةَ

ص: 99

إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكَفِّ أَوْ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ بِمِيَاهٍ، وَلَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ الْإِنَاءَ أَوْ خُفَّهُ أَوْ جَبِيرَتَهُ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ نَوَى اتِّفَاقًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ.

(وَغَسْلُ جَمِيعِ اللِّحْيَةِ فَرْضٌ) يَعْنِي عَمَلِيًّا (أَيْضًا) عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِ، وَمَا عَدَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَرْجُوعٌ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.

ثُمَّ لَا خِلَافَ أَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا مَسْحُهُ

ــ

[رد المحتار]

صَارَتْ مُسْتَعْمَلَةً، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَبِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِمَدِّ الثَّلَاثِ عَلَى رِوَايَةِ الرُّبُعِ: وَقِيلَ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ وَالْأُصْبُعَانِ مِنْهَا لَا تُسَمَّى يَدًا بِخِلَافِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُهَا. وَفِيهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي تَعْيِينَ الْإِصَابَةِ بِالْيَدِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ بِمَسْأَلَةِ الْمَطَرِ: وَقَدْ يُقَالُ فِي الْعِلَّةِ أَنَّ الْبَلَّةَ تَتَلَاشَى وَتَفْرُغُ قَبْلَ بُلُوغِ قَدْرِ الْفَرْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ مَدَّ الثَّلَاثَ وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْكَفِّ إلَخْ) لِأَنَّهُمَا مَعَ الْكَفِّ أَوْ مَعَ مَا بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ يَصِيرَانِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِذَا مَدَّهُمَا وَبَلَغَ قَدْرَ الرُّبُعِ جَازَ، أَمَّا بِدُونِ مَدٍّ فَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِمِيَاهٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَعَادَهَا إلَى الْمَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ جَازَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ اهـ أَيْ عَلَى رِوَايَةِ الرُّبُعِ لَا يَجُوزُ، فَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا فِيهِ نَظَرٌ، كَذَا قِيلَ: وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ لَوْ كَانَ بِمِيَاهٍ فِي مَوَاضِعَ مِقْدَارِ الْفَرْضِ جَازَ اتِّفَاقًا، فَقَوْلُهُ مِقْدَارَ الْفَرْضِ شَامِلٌ لِرِوَايَةِ الثَّلَاثِ أَصَابِعَ، وَلِرِوَايَةِ الرُّبُعِ. وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ بِبَطْنِهَا وَظَهْرِهَا وَجَانِبَيْهَا لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبُعِ، وَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا فِي الْأَصَحِّ فَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَجْزَأَهُ) أَيْ إنْ أَصَابَ الْمَاءُ قَدْرَ الْفَرْضِ ط.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا) لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ الِاسْتِعْمَالُ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، وَاَلَّذِي لَاقَى الرَّأْسَ أَيْ وَأَخَوَيْهِ أَيْ الْخُفَّ وَالْجَبِيرَةَ لَصِقَ بِهِ فَطَهَّرَهُ وَغَيْرُهُ لَمْ يُلَاقِهِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ، وَفِيهِ نَظَرٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ بَيْنَ الصَّاحِبَيْنِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) قَيْدٌ لِلِاتِّفَاقِ، وَمُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ نَوَى لَا يُجْزِئُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.

(قَوْلُهُ: جَمِيعِ اللِّحْيَةِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا نَهْرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِنْ عِذَارٍ وَعَارِضٍ وَالذَّقَنِ.

وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: اللِّحْيَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ بِمُجْتَمَعِ الْخَدَّيْنِ وَالْعَارِضُ مَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعِذَارِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُحَاذِي لِلْأُذُنِ، يَتَّصِلُ مِنْ الْأَعْلَى بِالصُّدْغِ وَمِنْ الْأَسْفَلِ بِالْعَارِضِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي عَمَلِيًّا) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ التَّفْسِيرَ بِأَيِّ لِلْبَيَانِ وَالتَّوْضِيحِ وَالتَّفْسِيرِ يَعْنِي لِدَفْعِ السُّؤَالِ وَإِزَالَةِ الْوَهْمِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ، وَهُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ دَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ إطْلَاقِ الْفَرْضِ أَنَّهُ الْقَطْعِيُّ مَعَ أَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً عَلَى انْتِقَالِ حُكْمِ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ مِنْ الْبَشَرَةِ إلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: أَيْضًا) أَيْ كَمَا أَنَّ مَسْحَ رُبُعِ الرَّأْسِ كَذَلِكَ ط.

(قَوْلُهُ: وَمَا عَدَا هَذِهِ الرِّوَايَةِ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ مَسْحِ الْكُلِّ أَوْ الرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ أَوْ غَسْلِ الرُّبُعِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ عَدَمِ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فَالْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةٌ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَدَائِعِ) هَذَا الْكِتَابُ جَلِيلُ الشَّأْنِ، لَمْ أَرَ لَهُ نَظِيرًا فِي كُتُبِنَا، وَهُوَ لِلْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَاسَانِيِّ شَرَحَ بِهِ تُحْفَةَ الْفُقَهَاءِ لِشَيْخِهِ عَلَاءِ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، فَلَمَّا عَرَضَهُ عَلَيْهِ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بَعْدَمَا خَطَبَهَا الْمُلُوكُ مِنْ أَبِيهَا فَامْتَنَعَ، وَكَانَتْ الْفَتْوَى تَخْرُجُ مِنْ دَارِهِمْ وَعَلَيْهَا خَطُّهَا وَخَطُّ أَبِيهَا وَزَوْجِهَا.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا خِلَافَ) أَيْ بَيْنَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ ط.

(قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُسْتَرْسِلَ) أَيْ الْخَارِجَ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ

ص: 100

بَلْ يُسَنُّ، وَأَنَّ الْخَفِيفَةَ الَّتِي تُرَى بَشَرَتُهَا يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا كَذَا فِي النَّهْرِ. وَفِي الْبُرْهَانِ: يَجِبُ غَسْلُ بَشَرَةٍ لَمْ يَسْتُرْهَا الشَّعْرُ كَحَاجِبٍ وَشَارِبٍ وَعَنْفَقَةٍ فِي الْمُخْتَارِ

(وَلَا يُعَادُ الْوُضُوءُ) بَلْ وَلَا بَلُّ الْمَحَلِّ (بِحَلْقِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ كَمَا لَا يُعَادُ) الْغَسْلُ لِلْمَحَلِّ وَلَا الْوُضُوءُ (بِحَلْقِ شَارِبِهِ وَحَاجِبِهِ وَقَلْمِ ظُفْرِهِ) وَكَشْطِ جِلْدِهِ (وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ قُرْحَةٌ) كَالدُّمُّلَةِ (وَعَلَيْهَا جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ فَتَوَضَّأَ وَأَمَرَّ الْمَاءَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَزَعَهَا لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَسْلٍ عَلَى مَا تَحْتِهَا) وَإِنْ تَأَلَّمَ بِالنَّزْعِ

ــ

[رد المحتار]

الْمِنْهَاجِ بِمَا لَوْ مَدَّ مِنْ جِهَةِ نُزُولِهِ لَخَرَجَ عَنْ دَائِرَةِ الْوَجْهِ، وَعَلَى هَذَا فَالنَّابِتُ عَلَى أَسْفَلِ الذَّقَنِ لَا يَجِبُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ ظُهُورِهِ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ جِهَةُ نُزُولِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ مُدَّ إلَى فَوْقٍ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْجَبْهَةِ وَكَذَا النَّابِتُ عَلَى أَطْرَافِ الْحَنَكِ مِنْ اللِّحْيَةِ، وَأَمَّا النَّابِتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا دَخَلَ مِنْهُ فِي دَائِرَةِ الْوَجْهِ دُونَ الزَّائِدِ عَلَيْهَا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الشَّعْرِ الَّذِي يُلَاقِي الْخَدَّيْنِ وَظَاهِرَ الذَّقَنِ لَا مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ اللِّحْيَةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَرْسَلَ تَابِعٌ لِمَا اتَّصَلَ وَلِلتَّبَعِ حُكْمُ الْأَصْلِ.

وَلَنَا أَنَّهُ إنَّمَا يُوَاجِهُ إلَى الْمُتَّصِلِ عَادَةً لَا إلَى الْمُسْتَرْسِلِ فَلَمْ يَكُنْ وَجْهًا فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ اهـ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْبَقَّالِيُّ: وَمَا نَزَلَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ مِنْ الذَّقَنِ لَيْسَ مِنْ الْوَجْهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ اهـ وَلَا رِوَايَةَ فِي غَسْلِ الذُّؤَابَتَيْنِ إذَا جَاوَزَتَا الْقَدَمَيْنِ فِي الْجَنَابَةِ، وَكَذَا السَّلْعَةُ إذَا تَدَلَّتْ عَنْ الْوَجْهِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهَا فِي الْجَنَابَةِ وَغَسْلُ السَّلْعَةِ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا. اهـ.

(قَوْلُهُ: بَلْ يُسَنُّ) أَيْ الْمَسْحُ لِكَوْنِهِ الْأَقْرَبَ لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ: وَعِبَارَةُ الْمُنْيَةِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ كَذَا فِي ح.

(قَوْلُهُ: الَّتِي تَرَى بَشَرَتَهَا) قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي لَا خِلَافَ فِيهِ.

وَأَمَّا مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ إذَا نَبَتَ الشَّعْرُ يَسْقُطُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ كَثِيفًا كَانَ أَوْ خَفِيفًا؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَاجِهُ بِهِ اهـ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُرَ بَشَرَتُهَا كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ التَّعْلِيلُ، فَالْخَفِيفَةُ قِسْمَانِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَبَيْنَ الْكَثِيفَةِ الْعُرْفُ كَمَا هُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْخَفِيفَةَ مَا تُرَى بَشَرَتُهَا فِي مَجْلِسِ التَّخَاطُبِ، أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَسْتُرْهَا الشَّعْرُ) أَمَّا الْمَسْتُورَةُ فَسَاقِطٌ غَسْلُهَا لِلْحَرَجِ ط.

وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الشَّارِبُ طَوِيلًا يَسْتُرُ حُمْرَةَ الشَّفَتَيْنِ، وَلِمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ مِنْ أَنَّ تَخْلِيلَ الشَّارِبِ السَّاتِرِ حُمْرَةَ الشَّفَتَيْنِ وَاجِبٌ. اهـ.؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ ظَاهِرَ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِ الشَّفَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ كَثِيفًا، وَتَخْلِيلُهُ مُحَقِّقٌ لِوُصُولِ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِهَا، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُعَادُ الْوُضُوءُ إلَخْ) لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْمَسْحِ عَنْ الْبَشَرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَسْحِ الْبَشَرَةِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلًا لَمْ يَجُزْ. اهـ. بَحْرٌ.

بَقِيَ مَا إذَا كَانَتْ اللِّحْيَةُ كَثِيفَةً فَإِنَّ ظَاهِرَ مَا قَدَّمْنَا عَنْ الدُّرَرِ عِنْدَ قَوْلِهِ لِلْحَرَجِ أَنَّ غَسْلَهَا بَدَلٌ عَمَّا تَحْتَهَا، وَمُقْتَضَاهُ إعَادَةُ غَسْلِهِ بِحَلْقِ الشَّعْرِ فَلْيُرَاجَعْ، لَكِنْ قَوْلُ الْبَحْرِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ غَسْلُ بَشَرَتِهَا تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَلَا بَلُّ الْمَحَلِّ) عَبَّرَ بِالْبَلِّ لِيَشْمَلَ الْمَسْحَ وَالْغَسْلَ.

(قَوْلُهُ: الْغَسْلُ لِلْمَحَلِّ إلَخْ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ، بَلْ الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ شَيْءٍ لِظُهُورِ الْمُرَادِ أَفَادَهُ ط.

(قَوْلُهُ: ظُفْرِهِ) مُثَلَّثُ الظَّاءِ ط.

(قَوْلُهُ: قُرْحَةٌ) أَيْ جِرَاحَةٌ ط.

(قَوْلُهُ: كَالدُّمُّلَةِ) مَأْخُوذٌ مِنْ دَمَلَ بِالْفَتْحِ: بِالْمَعْنَى أَصْلَحَ، يُقَالُ دَمَلْت بَيْنَ الْقَوْمِ: بِمَعْنَى أَصْلَحْت كَمَا فِي الصِّحَاحِ، وَصَلَاحُهَا بِبُرْئِهَا، فَتَسْمِيَةُ الْقُرْحَةِ دُمَّلًا تَفَاؤُلًا بِبُرْئِهَا، كَالْقَافِلَةِ وَالْمَفَازَةِ ط.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَأَلَّمَ بِالنَّزْعِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِدُونِ وَاوٍ، وَالْأَصْوَبُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَلَّمْ كَمَا أَفَادَهُ ط؛ لِأَنَّهُ

ص: 101