الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْأَشْبَهِ لِعَدَمِ الْبَدَلِيَّةِ، بِخِلَافِ نَزْعِ الْخُفِّ، فَصَارَ كَمَا لَوْ مَسَحَ خُفَّهُ ثُمَّ حَتَّهُ أَوْ قَشَرَهُ. [فُرُوعٌ]
فِي أَعْضَائِهِ شُقَاقٌ غَسَلَهُ إنْ قَدَرَ وَإِلَّا مَسَحَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَلَوْ بِيَدِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ تَيَمَّمَ، وَلَوْ قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ غَسَلَ مَحَلَّ الْقَطْعِ.
وَلَوْ خُلِقَ لَهُ يَدَانِ وَرِجْلَانِ، فَلَوْ يَبْطِشُ بِهِمَا غَسَلَهُمَا، وَلَوْ بِإِحْدَاهُمَا فَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ فَيَغْسِلُهَا، وَكَذَا الزَّائِدَةُ إنْ نَبَتَتْ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ، كَأُصْبُعٍ وَكَفٍّ زَائِدَيْنِ وَإِلَّا فَمَا حَاذَى مِنْهُمَا مَحَلَّ الْفَرْضِ غَسَلَهُ وَمَا لَا فَلَا، لَكِنْ يُنْدَبُ مُجْتَبَى.
[وَسُنَنُهُ]
ــ
[رد المحتار]
ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ نَزَعَ الْجِلْدَةَ بَعْدَ مَا بَرِئَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَأَلَّمْ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَإِنْ قَبِلَهُ بِحَيْثُ يَتَأَلَّمُ فَلَا. وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا، فَحَالَةُ التَّأَلُّمِ لَا خِلَافَ فِيهَا، فَإِذَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتَأَلَّمْ يُعْلَمُ عَدَمُ لُزُومِ الْغُسْلِ مَعَ التَّأَلُّمِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ نَقِيضَ مَا بَعْدَ إنْ وَلَوْ الْوَصْلَتَيْنِ أَوْلَى بِالْحُكْمِ.
وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاوِ بِدُونِ لَمْ لِمُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الْبَدَلِيَّةِ؛ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الْبَدَلِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ التَّأَلُّمِ أَوْلَى مِنْهُ عِنْدَ التَّأَلُّمِ تَأَمَّلْ، وَعَلَى كُلٍّ فَنُسْخَةُ إنْ تَأَلَّمَ بِدُونِ وَاوٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الْبَدَلِيَّةِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْإِعَادَةِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا ط وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَدَلِيَّةَ تَكُونُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَزْعِ الْخُفِّ) أَيْ فَإِنَّهُ بِنَزْعِهِ يَغْسِلُ مَا تَحْتَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ ظَاهِرًا فَلَمَّا نَزَعَهُ سَرَى الْحَدَثُ إلَى الْقَدَمِ ط.
(قَوْلُهُ: فَصَارَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ وَالْكَشْطِ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ حَتَّهُ أَوْ قَشَرَهُ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: أَيْ حَتَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ مِنْهُ.
(قَوْلُهُ: شُقَاقٌ) هُوَ بِالضَّمِّ. وَفِي التَّهْذِيبِ قَالَ اللَّيْثُ: هُوَ تَشَقُّقُ الْجِلْدِ مِنْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ فِي الْيَدَيْنِ وَالْوَجْهِ: وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الشُّقَاقُ فِي الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَمَّا الشُّقُوقُ فَهِيَ صُدُوعٌ فِي الْجِبَالِ وَالْأَرْضِ. وَفِي التَّكْمِلَةِ عَنْ يَعْقُوبَ: يُقَالُ بِيَدِ فُلَانٍ شُقُوقٌ وَلَا يُقَالُ شِقَاقٌ؛ لِأَنَّ الشِّقَاقَ فِي الدَّوَابِّ: وَهِيَ صُدُوعٌ فِي حَوَافِرِهَا وَأَرْسَاغِهَا مُغْرِبٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا تَرَكَهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَمْسَحْهُ بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَسْحِ تَرَكَهُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ) أَيْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لِمَانِعٍ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى وَضْعِ وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ فِي الْمَاءِ.
(قَوْلُهُ: تَيَمَّمَ) زَادَ فِي الْخَزَائِنِ وَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ فِي رِجْلِهِ فَجَعَلَ فِيهِ الدَّوَاءَ يَكْفِيهِ إمْرَارُ الْمَاءِ فَوْقَهُ وَلَا يَكْفِيهِ الْمَسْحُ، وَلَوْ أَمَرَّهُ فَسَقَطَ إنْ عَنْ بُرْءٍ يُعِيدُهُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي الصُّغْرَى. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قُطِعَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ رِجْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْمِرْفَقِ وَالْكَعْبِ شَيْءٌ سَقَطَ الْغُسْلُ، وَلَوْ بَقِيَ وَجَبَ. اهـ. ط.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ خُلِقَ لَهُ) أَيْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ يَبْطِشْ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْبَطْشُ قَاصِرٌ عَلَى الْيَدَيْنِ، فَلَوْ قَالَ وَيَمْشِي بِهِمَا نَظَرًا إلَى الرِّجْلَيْنِ لَكَانَ حَسَنًا ط.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِإِحْدَاهُمَا إلَخْ) أَيْ وَلَوْ يَبْطِشُ بِإِحْدَاهُمَا فَهِيَ الْأَصْلِيَّةُ وَالْأُخْرَى زَائِدَةٌ لَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ تَامَّةً. وَفِي النَّهْرِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا لَوْ كَانَتَا تَامَّتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ غَسْلِهِمَا فِي الْأَوَّلِ وَغَسْلِ وَاحِدَةٍ فِي الثَّانِي. اهـ. فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْبَطْشُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْبَطْشُ أَوَّلًا، فَإِنْ بَطَشَ بِهِمَا وَجَبَ غَسْلُهُمَا وَإِلَّا فَإِنْ كَانَتَا تَامَّتَيْنِ مُتَّصِلَتَيْنِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا، وَإِنْ كَانَتَا مُنْفَصِلَتَيْنِ لَا يَجِبُ إلَّا غَسْلُ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَهُوَ حَسَنٌ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ ط.
(قَوْلُهُ: كَأُصْبُعٍ) تَنْظِيرٌ لَا تَمْثِيلٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْيَدِ.
[سُنَنُ الْوُضُوء]
(قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَشْرُوعَاتِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ، فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ وَنَفْلٌ، فَمَا كَانَ فِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ مَعَ مَنْعِ التَّرْكِ إنْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ فَفَرْضٌ، أَوْ بِظَنِّيٍّ فَوَاجِبٌ، وَبِلَا مَنْعِ التَّرْكِ إنْ كَانَ مِمَّا وَاظَبَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَوْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ فَسُنَّةٌ، وَإِلَّا فَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ.
أَفَادَ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ لِلْوُضُوءِ وَلَا لِلْغُسْلِ وَإِلَّا لَقَدَّمَهُ، وَجَمَعَهَا لِأَنَّ كُلَّ سُنَّةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلٍ وَحُكْمٍ.
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي السُّنَّةِ وَتَعْرِيفِهَا
، وَالسُّنَّةُ نَوْعَانِ: سُنَّةُ الْهَدْيِ، وَتَرْكُهَا يُوجِبُ إسَاءَةً وَكَرَاهِيَةً كَالْجَمَاعَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَنَحْوِهَا. وَسُنَّةُ الزَّوَائِدِ، وَتَرْكُهَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ كَسَيْرِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فِي لِبَاسِهِ وَقِيَامِهِ وَقُعُودِهِ. وَالنَّفَلُ وَمِنْهُ الْمَنْدُوبُ يُثَابُ فَاعِلُهُ وَلَا يُسِيءُ تَارِكُهُ، قِيلَ: وَهُوَ دُونَ سُنَنِ الزَّوَائِدِ.
وَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّفَلَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَسُنَنُ الزَّوَائِدِ مِنْ الْعَادَاتِ، وَهَلْ يَقُولُ أَحَدٌ إنَّ نَافِلَةَ الْحَجِّ دُونَ التَّيَامُنِ فِي التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ، كَذَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْكَمَالِ فِي تَغْيِيرِ التَّنْقِيحِ وَشَرْحِهِ.
أَقُولُ: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ النَّفْلِ وَسُنَنِ الزَّوَائِدِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَرْكُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ كَوْنُ الْأَوَّلِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالثَّانِي مِنْ الْعَادَاتِ، لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعَادَةِ هُوَ النِّيَّةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلْإِخْلَاصِ، كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ، وَجَمِيعُ أَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم مُشْتَمِلَةٌ عَلَيْهَا كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ.
وَأَقُولُ: قَدْ مَثَّلُوا لِسُنَّةِ الزَّوَائِدِ أَيْضًا «بِتَطْوِيلِهِ عليه الصلاة والسلام الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» ، وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ ذَلِكَ عِبَادَةً، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى كَوْنِ سُنَّةِ الزَّوَائِدِ عَادَةً أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَاظَبَ عَلَيْهَا حَتَّى صَارَتْ عَادَةً لَهُ وَلَمْ يَتْرُكْهَا إلَّا أَحْيَانًا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ الطَّرِيقَةُ الْمَسْلُوكَةُ فِي الدِّينِ، فَهِيَ فِي نَفْسِهَا عِبَادَةٌ وَسُمِّيَتْ عَادَةً لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ مِنْ مُكَمِّلَاتِ الدِّينِ وَشَعَائِرِهِ سُمِّيَتْ سُنَّةَ الزَّوَائِدِ، بِخِلَافِ سُنَّةِ الْهَدْيِ، وَهِيَ السُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ الْقَرِيبَةُ مِنْ الْوَاجِبِ الَّتِي يُضَلَّلُ تَارِكُهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا اسْتِخْفَافٌ بِالدِّينِ، وَبِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ كَمَا قَالُوا مَا شُرِعَ لَنَا زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ بِنَوْعَيْهَا؛ وَلِذَا جَعَلُوا قِسْمًا رَابِعًا، وَجَعَلُوا مِنْهُ الْمَنْدُوبَ وَالْمُسْتَحَبَّ، وَهُوَ مَا وَرَدَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ يَخُصُّهُ، كَمَا فِي التَّحْرِيرِ؛ فَالنَّفَلُ مَا وَرَدَ بِهِ دَلِيلُ نَدْبٍ عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ وَلِذَا كَانَ دُونَ سُنَّةِ الزَّوَائِدِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ. وَقَدْ يُطْلَقُ النَّفَلُ عَلَى مَا يَشْمَلُ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: بَابُ الْوَتْرِ وَالنَّوَافِلِ، وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الْحَجِّ نَافِلَةً لِأَنَّ النَّفَلَ الزِّيَادَةُ، وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى الْفَرْضِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الدِّينِ الْعَامَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَثْلِيثِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَمِنْ رَفْعِهِمَا لِلتَّحْرِيمَةِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا
، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، فَاغْتَنِمْ تَحْقِيقَ هَذَا الْمَحَلِّ فَإِنَّك لَا تَجِدْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (قَوْلُهُ: أَفَادَ إلَخْ) حَيْثُ ذَكَرَ السُّنَنَ عَقِبَ الْأَرْكَانِ هُنَا وَفِي الْغُسْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا وَاجِبًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُفِيدًا ذَلِكَ لَقَدَّمَ ذِكْرَ الْوَاجِبِ عَلَى السُّنَنِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، فَمُقْتَضَى الصِّنَاعَةِ تَقْدِيمُهُ.
وَأَرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا كَانَ دُونَ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ، وَهُوَ أَضْعَفُ نَوْعَيْ الْوَاجِبِ، لَا مَا يَشْمَلُ النَّوْعَ الْآخَرَ، وَهُوَ مَا كَانَ فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ، لِأَنَّ غَسْلَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَمَسْحَ رُبُعِ الرَّأْسِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ الثَّانِي، وَكَذَا غَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ فِي الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْفَرْضِ الْقَطْعِيِّ الَّذِي يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ لِلْوُضُوءِ وَلِلْغُسْلِ عَنْ نَفْسِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، فَإِنَّ الْوُضُوءَ يَكُونُ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَسُنَّةً وَنَفْلًا كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ، وَكَذَا الْغُسْلُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: وَجَمَعَهَا) أَيْ السُّنَنَ حَيْثُ أَتَى بِهَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا مُفْرَدَةً كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ وَسُنَّتُهُ.
(قَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٌ بِدَلِيلٍ وَحُكْمٍ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ عِنْدَ مَنْ تَأَمَّلَ فِي الْهِدَايَةِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُطَوَّلَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ وَتَرْكِهَا مِنْ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ يَتَرَتَّبُ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ مِنْهَا وَتَرْكِهِ مُنْفَرِدَةً كَانَتْ أَوْ مُجْتَمِعَةً مَعَ أَخَوَاتِهَا، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي الْفَرْضِ كَذَلِكَ، فَإِنَّ فَرْضَ الْوُضُوءِ مَجْمُوعُ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَمَسْحِ
وَحُكْمُهَا مَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَثِيرًا مَا يُعَرِّفُونَ بِهِ لِأَنَّهُ مَحَطُّ مَوَاقِعِ أَنْظَارِهِمْ. وَعَرَّفَهَا الشُّمُنِّيُّ بِمَا ثَبَتَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَوْ بِفِعْلِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ لَكِنَّهُ تَعْرِيفٌ لِمُطْلَقِهَا، وَالشَّرْطُ فِي الْمُؤَكَّدَةِ الْمُوَاظَبَةُ مَعَ تَرْكٍ وَلَوْ حُكْمًا، لَكِنَّ شَأْنَ الشُّرُوطِ أَنْ لَا تُذْكَرَ فِي التَّعَارِيفِ.
ــ
[رد المحتار]
الرَّأْسِ، لَا أَنَّ كُلًّا مِنْهَا فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ حُكْمُ الْفَرْضِ؛ وَلِذَلِكَ آثَرَ فِيهِ صِيغَةَ الْمُفْرَدِ، وَمَنْ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ الْأَنِيقَةِ سَلَكَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَسْلَكَ الْإِفْرَادِ اهـ.
وَعَلَى هَذَا فَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فِيمَا مَرَّ: وَرُكْنُ الْوُضُوءِ بِالْإِفْرَادِ لِاتِّحَادِ الدَّلِيلِ وَهُوَ الْآيَةُ، وَاتِّحَادِ الْحُكْمِ بِدَلِيلِ فَسَادِ الْبَعْضِ بِتَرْكِ الْبَعْضِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: مَا يُؤْجَرُ إلَخْ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ لَهَا الْأَجْرُ وَاللَّوْمُ عَلَى الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَلَيْسَ الْحُكْمُ هُوَ الْفِعْلُ الَّذِي يُؤْجَرُ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَجْرِ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ: أَيْ الْأَجْرُ الَّذِي يُؤْجَرُهُ؛ وَعَلَى كُلٍّ؛ فَالْمُنَاسِبُ تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ فِي فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَيُلَامُ) أَيْ يُعَاتَبُ بِالتَّاءِ لَا يُعَاقَبُ، كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ فِي التَّلْوِيحِ تَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَامِ يَسْتَحِقُّ حِرْمَانَ الشَّفَاعَةِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«مَنْ تَرَكَ سُنَنِي لَمْ يَنَلْ شَفَاعَتِي» . اهـ. وَفِي التَّحْرِيرِ: إنَّ تَارِكَهَا يَسْتَوْجِبُ التَّضْلِيلَ وَاللَّوْمَ،. اهـ. وَالْمُرَادُ التَّرْكُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِالْغَسْلِ مَرَّةً إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ، وَإِلَّا لَا.
وَفِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الِاسْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قِيلَ: لَا يَأْثَمُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْثَمُ، ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِالْإِثْمِ لِمَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ لِمَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَهُمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِثْمَ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ بَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ، فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَخَفُّ مِنْ الْإِثْمِ لِتَارِكِ الْوَاجِبِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مَعْزِيًّا إلَى أُصُولِ أَبِي الْيُسْرِ: حُكْمُ السُّنَّةِ أَنْ يُنْدَبَ إلَى تَحْصِيلِهَا، وَيُلَامَ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ لُحُوقِ إثْمٍ يَسِيرٍ.
(قَوْلُهُ: وَكَثِيرًا إلَخْ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ وَمَا زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الْكَثْرَةِ: أَيْ وَيُعَرِّفُونَ بِالْحُكْمِ تَعْرِيفًا كَثِيرًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ) الْمَحَطُّ: مَوْضِعُ الْحَطِّ مُقَابِلُ الرَّفْعِ، وَمَوَاقِعُ جَمْعُ مَوْقِعٍ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ وَالْأَنْظَارُ جَمْعُ نَظَرٍ: بِمَعْنَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفْكِيرِ أَيْ لِأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ مَحَلُّ وُقُوعِ أَنْظَارِهِمْ، أَيْ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ لِلْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ: وَعَرَّفَهَا الشُّمُنِّيُّ) أَيْ عَرَّفَ السُّنَّةَ اصْطِلَاحًا، أَمَّا هِيَ لُغَةً فَالطَّرِيقَةُ مُطْلَقًا وَلَوْ قَبِيحَةً ط (قَوْلُهُ: أَوْ بِفِعْلِهِ) يَنْبَغِي زِيَادَةُ أَوْ تَقْرِيرُهُ إلَّا أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ عَدَمُ النَّهْيِ عَمَّا يَقَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ عليه الصلاة والسلام، يَعْنِي أَنَّهُ كَفٌّ، وَالْكَفُّ فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِ النَّفْسِ ط (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ) مُرَادُهُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْفَرْضَ ط (قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ تَعْرِيفٌ لِمُطْلَقِهَا) أَيْ لِمُطْلَقِ السُّنَّةِ الشَّامِلِ لِقِسْمَيْهَا، وَهُمَا السُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الْمُسَمَّاةُ سُنَّةَ الْهَدْيِ، وَغَيْرُ الْمُؤَكَّدَةِ الْمُسَمَّاةُ سُنَّةَ الزَّوَائِدِ.
وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ الْمُرَادِفُ لِلنَّفْلِ وَالْمَنْدُوبِ فَهُوَ قَسِيمٌ لَهَا لَا قِسْمٌ مِنْهَا، كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَافْهَمْ، وَأَفَادَ بِالِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ السُّنَّةِ هُنَا هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا) كَعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّرْكِ حَقِيقَةً، فَدَخَلَ الِاعْتِكَافُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَإِنْ وَاظَبَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَرْكٍ وَمُقْتَضَاهَا وُجُوبُ الِاعْتِكَافِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يُنْكِرْ عليه الصلاة والسلام عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَكِفْ كَانَ ذَلِكَ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ التَّرْكِ حَقِيقَةً، وَالْمُرَادُ أَيْضًا الْمُوَاظَبَةُ وَلَوْ حُكْمًا لِتَدْخُلَ التَّرَاوِيحُ، فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ الْعُذْرَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْهَا، وَهُوَ خَوْفُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْنَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ بِلَا تَرْكٍ تُفِيدُ الْوُجُوبَ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ يُخَالِفُ، فَإِنَّهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى سُنِّيَّةِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ الْمُبَاحَ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمَنْظُورُ مِنْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ التَّوَقُّفُ، إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ كَثِيرًا مَا يَلْهَجُونَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ فَالتَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَيْهِ.
(الْبِدَايَةُ بِالنِّيَّةِ)
ــ
[رد المحتار]
قَالَ: لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهُمَا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ أَنَّ السُّنَّةَ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، لَكِنْ إنْ كَانَتْ لَا مَعَ التَّرْكِ فَهِيَ دَلِيلُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانًا فَهِيَ دَلِيلُ غَيْرِ الْمُؤَكَّدَةِ، وَإِنْ اقْتَرَنَتْ بِالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَهِيَ دَلِيلُ الْوُجُوبِ، فَافْهَمْ هَذَا فَإِنَّ بِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُوَاظَبُ عَلَيْهِ مِمَّا اخْتَصَّ وُجُوبُهُ بِهِ عليه الصلاة والسلام؛ أَمَّا إذَا كَانَ كَصَلَاةِ الضُّحَى فَإِنَّ عَدَمَ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ التَّرْكِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ التَّرْكُ بِكَوْنِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ؛ لِيَخْرُجَ الْمَتْرُوكُ لِعُذْرٍ كَالْقِيَامِ الْمَفْرُوضِ.
وَكَأَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ لِأَنَّ التَّرْكَ لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ تَرْكًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ عَلَى تَعْرِيفِ الشُّمُنِّيِّ، وَحَاصِلُهُ النَّقْضُ بِعَدَمِ الْمَنْعِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ التَّوَقُّفُ، بِمَعْنَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ، هَلْ هُوَ الْإِبَاحَةُ أَوْ الْحَظْرُ؟ لَا تُعْلَمُ إبَاحَةُ الْمُبَاحِ إلَّا بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَوْ فِعْلِهِ، فَيَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ السُّنَّةِ، إلَّا أَنْ يُزَادَ فِي التَّعْرِيفِ وَلَا مُبَاحَ. قَالَ ط: وَكَذَا يَرِدُ الْمُبَاحُ عَلَى الْقَوْلٍ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ الْإِيرَادِ. قَالَ فِي الصِّحَاح: اللَّهَجُ بِالشَّيْءِ الْوَلُوعُ بِهِ، وَقَدْ لَهِجَ بِالْكَسْرِ يَلْهَجُ لَهَجًا: إذَا غُرِيَ بِهِ. اهـ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ بِهِ كَثِيرًا
ط. مَطْلَبٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ
أَقُولُ: وَصَرَّحَ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ اهـ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ فَصْلِ الْحِدَادِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَوَائِلِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَهُوَ قَوْلُ مُعْتَزِلَةِ الْبَصْرَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ لَا سِيَّمَا الْعِرَاقِيِّينَ. قَالُوا: وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ هَدَّدَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ بِقَوْلِهِ: خِفْت أَنْ يَكُونَ آثِمًا؛ لِأَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ وَشُرْبَ الْخَمْرِ لَمْ يُحَرَّمَا إلَّا بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا، فَجَعَلَ الْإِبَاحَةَ أَصْلًا وَالْحُرْمَةَ بِعَارِضِ النَّهْيِ. اهـ.
وَنُقِلَ أَيْضًا أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِلشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فِي شَرْحِ أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ فِي بَابِ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ أَنَّ الْإِبَاحَةَ رَأْيُ الْمُعْتَزِلَةِ فِيهِ نَظَرٌ، فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: فَالتَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ.
أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ نَافِعٌ فِيمَا سَكَتَ عَنْهُ الشَّارِعُ، وَبَقِيَ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ، أَمَّا مَا نَصَّ عَلَى إبَاحَتِهِ أَوْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَا يَنْفَعُ، وَقَدْ نَصَّ فِي التَّحْرِيرِ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ يُطْلَقُ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مُتَعَلِّقِ الْإِبَاحَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي التَّعْرِيفِ مَا ثَبَتَ ثُبُوتُ طَلَبِهِ لَا ثُبُوتُ شَرْعِيَّتِهِ، وَالْمُبَاحُ غَيْرُ مَطْلُوبِ الْفِعْلِ، وَأَنَّمَا هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: الْبِدَايَةُ) قِيلَ: الصَّوَابُ الْبُدَاءَةُ بِالْهَمْزَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْقَامُوسِ مِنْ الْيَائِيِّ، وَبَدَيْتُ بِالشَّيْءِ وَبَدِيتُ ابْتَدَأْت اهـ أَيْ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا. مَطْلَبٌ الْفَرْقُ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ وَالْعَزْمِ
(قَوْلُهُ: بِالنِّيَّةِ) بِالتَّشْدِيدِ وَقَدْ تُخَفَّفُ قُهُسْتَانِيٌّ. وَهِيَ لُغَةً عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى الشَّيْءِ. وَاصْطِلَاحًا كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَاد الْفِعْلِ، وَدَخَلَ فِيهِ الْمَنْهِيَّاتُ، فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ كَفُّ النَّفْسِ، الْعَزْمُ وَالْقَصْدُ وَالنِّيَّةُ اسْمٌ لِلْإِرَادَةِ الْحَادِثَةِ، لَكِنْ الْعَزْمُ الْمُتَقَدِّمُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَصْدُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ وَالنِّيَّةُ الْمُقْتَرِنُ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ تَحْتَ الْعِلْمِ بِالْمَنْوِيِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.
أَيْ نِيَّةِ عِبَادَةٍ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ كَوُضُوءٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ امْتِثَالِ أَمْرٍ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ الْفَرْقُ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَالْقُرْبَةِ وَالْعِبَادَةِ
(قَوْلُهُ: أَيْ نِيَّةِ عِبَادَةٍ) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالطَّاعَةِ لِيَشْمَلَ نَحْوَ مَسِّ الْمُصْحَفِ، فَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا أَنَّ الطَّاعَةَ فِعْلُ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ تَوَقَّفَ عَلَى نِيَّةٍ أَوْ لَا، عُرِفَ مَنْ يَفْعَلُهُ لِأَجْلِهِ أَوْ لَا. وَالْقُرْبَةُ فِعْلُ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى نِيَّةٍ. وَالْعِبَادَةُ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ، فَنَحْوُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ مِنْ كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ وَعِبَادَةٌ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْوَقْفُ وَالْعِتْقُ وَالصَّدَقَةُ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نِيَّةٍ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ لَا عِبَادَةٌ، وَالنَّظَرُ الْمُؤَدِّي إلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَةٌ لَا قُرْبَةٌ وَلَا عِبَادَةٌ اهـ وَقَوَاعِدُ مَذْهَبِنَا لَا تَأْبَاهُ حَمَوِيٌّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ قُرْبَةً لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَحْصُلُ بَعْدَهُ وَلَا عِبَادَةَ لِعَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى النِّيَّةِ (قَوْلُهُ: لَا تَصِحُّ) الْأَوْلَى لَا تَحِلُّ، كَمَا فِي الْفَتْحِ؛ لِيَشْمَلَ مِثْلَ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافِ. اهـ. ح.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ مَسَّ الْمُصْحَفِ لَمْ يَكُنْ آتِيًا بِالسُّنَّةِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لَهُ لَمْ تَجُزْ لَهُ الصَّلَاةُ بِهِ، فَإِنَّ النِّيَّةَ الْمَسْنُونَةَ فِي الْوُضُوءِ هِيَ الْمَشْرُوطَةُ فِي التَّيَمُّمِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيِّ: وَبَيَانُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ عِنْدَنَا بِالْوُضُوءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَنْوِيًّا، وَإِنَّمَا تُسَنُّ النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ لِيَكُونَ عِبَادَةً، فَإِنَّهُ بِدُونِهَا لَا يُسَمَّى عِبَادَةً مَأْمُورًا بِهَا كَمَا يَأْتِي وَإِنْ صَحَّتْ بِهِ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ فَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ عِبَادَةً، وَفِي التَّيَمُّمِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ. وَلَمَّا لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ الْمَنْوِيِّ بِهِ اسْتِبَاحَةَ مَسِّ الْمُصْحَفِ عُلِمَ أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَنْوِيَّ بِهِ ذَلِكَ لَيْسَ عِبَادَةً؛ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ عَنْ عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ الْمَذْكُورِ عَدَمُ كَوْنِ ذَلِكَ الْوُضُوءِ عِبَادَةً لِأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ أَقْوَى، عَلَى أَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ ضَرُورِيَّةٌ فَيُحْتَاطُ فِي شُرُوطِهَا؛ وَلِذَا شَرَطُوا فِي التَّيَمُّمِ نِيَّةَ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّ كَوْنَ الْعِبَادَةِ مَقْصُودَةً غَيْرُ شَرْطٍ فِي النِّيَّةِ الْمَسْنُونَةِ لِلْوُضُوءِ فَيَدْخُلُ مِثْلُ مَسِّ الْمُصْحَفِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (قَوْلُهُ: كَوُضُوءٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ وَرَفْعَ الْحَدَثِ لَيْسَا عِبَادَةً لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِمَا عَلَى النِّيَّةِ عِنْدَنَا بَلْ هُمَا قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ كَمَا عَلِمْت، عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَا مِمَّا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ كَمَا أَفَادَهُ ح؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عَيْنُ الطَّهَارَةِ وَرَفْعُ الْحَدَثِ، وَكَذَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ لَازِمَانِ مِنْ لَوَازِمِ وُجُودِهَا، فَقَوْلُهُ: كَوُضُوءٍ لَيْسَ تَمْثِيلًا لِلْعِبَادَةِ بَلْ تَنْظِيرٌ لِلْمَنْوِيِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَصْوَبَ أَنْ يَقُولَ أَوْ وُضُوءٌ بِالْعَطْفِ عَلَى عِبَادَةٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَأَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ نِيَّةَ الطَّهَارَةِ لَا تَكْفِي فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى إزَالَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَلَمْ يَنْوِ خُصُوصَ الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، فَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ كَفَى؛ لِأَنَّهُ وَرَفْعَ الْحَدَثِ سَوَاءٌ، بَلْ هُوَ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ يَشْمَلُ الْغُسْلَ فَكَانَ الْوُضُوءُ أَوْلَى اهـ.
لَا يُقَالُ: تَنَوُّعُ رَفْعِ الْحَدَثِ إلَى الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَالطَّهَارَةِ. لِأَنَّا نَقُولُ: تَنَوُّعُهُ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْغُسْلَ فِي ضِمْنِهِ وُضُوءٌ فَلَمْ يَكُنْ نَاوِيًا خِلَافَ مَا أَرَادَ بِخِلَافِ تَنَوُّعِ الطَّهَارَةِ، فَافْهَمْ، وَقَدْ مَشَى الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ وَوَافَقَهُ فِي السِّرَاجِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: وَعِنْدَ الْبَعْضِ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ تَكْفِي.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي تَيَمُّمِ الْبَدَائِعِ عَنْ الْقُدُورِيِّ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا نَوَى الطَّهَارَةَ أَجْزَأَهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ، لَكِنْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالتُّرَابِ لَا تَتَنَوَّعُ بِخِلَافِهَا بِالْمَاءِ، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ لَا تَكْفِي لِصِحَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِمَا فِي النَّوَادِرِ وَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ، بَلْ الْمُعْتَمَدُ اشْتِرَاطُ نِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ. اهـ. وَلَعَلَّ الْفَرْقَ
وَصَرَّحُوا أَنَّهَا بِدُونِهَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا، وَبِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَفِي التَّوَضُّؤِ بِسُؤْرِ حِمَارٍ وَنَبِيذِ تَمْرٍ كَالتَّيَمُّمِ.
وَبِأَنَّ وَقْتَهَا عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ. وَفِي الْأَشْبَاهِ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ عِنْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلرُّسْغَيْنِ لِيَنَالَ ثَوَابَ السُّنَنِ.
ــ
[رد المحتار]
بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ أَنَّ كُلَّ وُضُوءٍ تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ مِنْهُ مَا لَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَالتَّيَمُّمِ لِمَسِّ مُصْحَفٍ، فَلِذَا لَمْ تَصِحَّ نِيَّةُ التَّيَمُّمِ الْمُطْلَقِ، تَأَمَّلْ. هَذَا، وَأَوْرَدَ فِي الْبَحْرِ عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ امْتِثَالُ أَمْرٍ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ؛ إذْ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْوُضُوءَ لَا يَكُونُ نَفْلًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ وَشَرْطُهَا فَرْضٌ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. اهـ. وَأَجَابَ ط بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ عَلَى طَرِيقِ النَّدْبِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَهُوَ إحْدَى الثَّلَاثِ الَّتِي الْمَنْدُوبُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْفَرْضِ. اهـ.
أَقُولُ: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ الْحَدَثُ يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إلَى الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ.
بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ لَا يَنْوِي إزَالَةَ الْحَدَثِ وَلَا إبَاحَةَ الصَّلَاةِ. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ يَنْوِيَ التَّجْدِيدَ، فَإِنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَيَكُونُ عِبَادَةً كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ.
أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ التَّجْدِيدَ لَيْسَ عِبَادَةً لَا تَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَنْوِي الْوُضُوءَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ تَكْفِي أَوْ يَنْوِي امْتِثَالَ الْأَمْرِ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ (قَوْلُهُ: وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ بِدُونِهَا) أَيْ الْوُضُوءَ بِدُونِ النِّيَّةِ لَيْسَ عِبَادَةً، وَذَلِكَ كَأَنْ دَخَّلَ الْمَاءَ مَدْفُوعًا أَوْ مُخْتَارًا لِقَصْدِ التَّبَرُّدِ أَوْ لِمُجَرَّدِ إزَالَةِ الْوَسَخِ كَمَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَا نِزَاعَ لِأَصْحَابِنَا أَيْ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ النِّيَّةِ، إنَّمَا نِزَاعُهُمْ فِي تَوَقُّفِ الصَّلَاةِ عَلَى الْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَأَشَارَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ إلَى هَذَا.
وَقَالَ الدَّبُوسِيُّ فِي أَسْرَارِهِ: وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ مِنْ الْوُضُوءِ يَتَأَدَّى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ عِبَادَةٌ، وَالْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ. وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: لَا كَلَامَ فِي أَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ لَا يَحْصُلُ بِدُونِ النِّيَّةِ، لَكِنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْمَأْمُورَ بِهِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الطَّهَارَةُ وَهِيَ تَحْصُلُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُطَهِّرٌ بِالطَّبْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا) أَيْ إثْمًا يَسِيرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَشْفِ، وَالْمُرَادُ التَّرْكُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمُوَاظَبَتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ رَادًّا عَلَى الْقُدُورِيِّ حَيْثُ جَعَلَهَا مُسْتَحَبَّةً.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّهَا فَرْضٌ إلَخْ) الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَبِأَنَّهَا شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ عِبَادَةً لَا مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ، فَإِنَّ تَارِكَ النِّيَّةِ لَا يُعَاقَبُ عِقَابَ تَرْكِ الْفَرْضِ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ انْتِقَاءَ الْمَلْزُومِ، وَالشَّرْطُ لَا يَكُونُ فَرْضًا إلَّا إذَا كَانَ شَرْطَ الصِّحَّةِ، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ عِبَادَةً فَقَطْ. اهـ. ح يُؤَيِّدُهُ أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ كَمَا حَقَّقَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ بِشَرْطٍ فِي كَوْنِ الْوُضُوءِ مِفْتَاحًا لِلصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ فِي كَوْنِهِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَقِيلَ: يُثَابُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِسُؤْرِ حِمَارٍ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْوِقَايَةِ مَعْزِيًّا لِلْكِفَايَةِ. وَفِي الْفَتْحِ: وَاخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ بِالتَّوَضُّؤِ بِهِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَحْوَطَ الْقَوْلُ بِلُزُومِ النِّيَّةِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَنَبِيذِ تَمْرٍ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ فَهُوَ كَالتَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بِهِ حَالَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَنْتَقِضُ بِهِ إذَا وُجِدَ، ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا فَتْحٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُؤْرِ الْحِمَارِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ مَعَ التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ ` الْمَاءِ، كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ وَقْتَهَا) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِأَنَّهُ بِدُونِهَا (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ) أَيْ النِّيَّةُ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْأَشْبَاهِ يَكُونُ بِالْبَاءِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ يَكُونُ وَقْتُهَا،
قُلْت: لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَمَحَلُّهَا قَبْلَ سَائِرِ السُّنَنِ كَمَا فِي التُّحْفَةِ، فَلَا تُسَنُّ عِنْدَنَا قُبَيْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ، كَمَا تُفْرَضُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. اهـ. وَفِيهَا سَبْعُ سُؤَالَاتٍ مَشْهُورَةٍ نَظَمَهَا الْعِرَاقِيُّ فَقَالَ:
سَبْعُ سُؤَالَاتٍ لِذِي الْفَهْمِ أَتَتْ
…
تُحْكَى لِكُلِّ عَالِمٍ فِي النِّيَّهْ
حَقِيقَةٌ حُكْمٌ مَحَلٌّ زَمَنٌ
…
وَشَرْطُهَا وَالْقَصْدُ وَالْكَيْفِيَّهْ
(وَ) الْبُدَاءَةُ (بِالتَّسْمِيَةِ) قَوْلًا،
ــ
[رد المحتار]
فَعَلَى الْأَوَّلِ يَنْبَغِي بِمَعْنَى يُطْلَبُ، وَعَلَى الثَّانِي هِيَ مَا يَسْتَعْمِلُهَا الْعُلَمَاءُ فِي مَقَامِ الْبَحْثِ فِيمَا لَا نَقْلَ فِيهِ، وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: قُلْت: لَكِنَّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْأَشْبَاهِ بِأَنَّ مَا بَحَثَهُ مَنْقُولٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَمَوِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ.
قَالَ فِي [إمْدَادِ الْفَتَّاحِ] : وَأَمَّا وَقْتُهَا فَعِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ حَتَّى قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ اهـ أَيْ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ بَلْ مِنْ أَقْوَى سُنَنِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ وَلِهَذَا قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ هُنَا. مَطْلَبٌ: سَائِرٌ بِمَعْنَى بَاقِي لَا بِمَعْنَى جَمِيعٍ
(قَوْلُهُ: قَبْلَ سَائِرِ السُّنَنِ) سَائِرٌ هُنَا بِمَعْنَى بَاقِي لَا بِمَعْنَى جَمِيعِ، وَإِلَّا لَكَانَ مَحَلُّهَا قَبْلَ نَفْسِهَا. اهـ. ح وَأَفَادَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَهْمٌ أَوْ قَلِيلٌ (قَوْلُهُ: فَلَا تُسَنُّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مَحَلُّ سُنِّيَّتِهَا عِنْدَنَا هُوَ مَحَلُّ فَرْضِيَّتِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي هُوَ قُبَيْلَ غَسْلِ الْوَجْهِ (قَوْلُهُ: لِذِي الْفَهْمِ) أَيْ الْإِدْرَاكِ، مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: أَتَتْ، أَوْ بِقَوْلِهِ تُحْكَى أَيْ تُذْكَرُ، أَوْ بِسُؤَالَاتٍ، أَوْ حَالٌ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: فِي النِّيَّةِ، لَكِنْ يَزِيدُ عَلَيْهِ جَوَازُ تَعَلُّقِهِ بِعَالِمٍ عَلَى أَنَّ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ (قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ) قَدَّمْنَا بَيَانَ حَقِيقَتِهَا لُغَةً وَاصْطِلَاحًا، (قَوْلُهُ: حُكْمٌ) هُوَ أَنَّهَا سُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَشَرْطٌ فِي الْمَقَاصِدِ مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَفِي التَّيَمُّمِ وَفِي الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَسُؤْرِ الْحِمَارِ وَفِي نَحْوِ الْكَفَّارَاتِ وَفِي صَيْرُورَةِ الْمَنْوِيِّ بِهَا عِبَادَةً (قَوْلُهُ: مَحَلٌّ) هُوَ الْقَلْبُ، فَلَا يَكْفِي التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ دُونَهُ إلَّا أَنْ لَا يَقْدِرَ أَنْ يُحْضِرَ قَلْبَهُ لِيَنْوِيَ بِهِ أَوْ يَشُكَّ فِي النِّيَّةِ فَيَكْفِيه اللِّسَانُ.
وَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا أَوْ يُسَنُّ أَوْ يُكْرَهُ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوَّلَ لِمَنْ لَا تَجْتَمِعُ عَزِيمَتُهُ. وَفِي الْفَتْحِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ التَّلَفُّظُ بِهَا لَا فِي حَدِيثِ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ، وَزَادَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ وَلَا عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثٍ (قَوْلُهُ: زَمَنٌ) هُوَ أَوَّلُ الْعِبَادَاتِ وَلَوْ حُكْمًا؛ كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ حَضَرَ الْمَسْجِدَ وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ النِّيَّةِ بِلَا فَاصِلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ، وَكَنِيَّةِ الزَّكَاةِ عِنْدَ عَزْلِ مَا وَجَبَ، وَنِيَّةِ الصَّوْمِ عِنْدَ الْغُرُوبِ، وَالْحَجِّ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، كَمَا بَسَطَهُ فِي الْأَشْبَاهِ.
(قَوْلُهُ:: وَشَرْطُهَا) هُوَ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْعِلْمُ بِالْمَنْوِيِّ وَأَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالْمَنْوِيِّ، وَبَيَانُهُ فِي الْأَشْبَاهِ (قَوْلُهُ: وَالْقَصْدُ) أَيْ الْمَقْصُودُ مِنْهَا مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: قَالُوا: الْمَقْصُودُ مِنْهَا تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ مِنْ الْعَادَاتِ وَتَمْيِيزُ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَنْ بَعْضِ كَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ قَدْ يَكُونُ حَمِيَّةً أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، فَمَا لَا يَكُونُ عَادَةً أَوْ لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ لَا تُشْتَرَطُ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْمَعْرِفَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالنِّيَّةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَذَانِ. .
(قَوْلُهُ:: وَالْكَيْفِيَّةُ) أَيْ الْهَيْئَةُ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ لِكَيْفِ اسْمُ الِاسْتِفْهَامِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَأْنِهَا أَنْ يُسْأَلَ بِهَا عَنْ حَالِ الْأَشْيَاءِ، فَمَا يُجَابُ بِهِ يُقَالُ فِيهِ كَيْفِيَّةٌ، فَهِيَ الْهَيْئَةُ الَّتِي يُجَابُ بِهَا السَّائِلُ عَنْ حَالِ شَيْءٍ بِقَوْلِهِ: كَيْفَ هُوَ، كَقَوْلِهِ: كَيْفَ زَيْدٌ، فَتَقُولُ: صَحِيحٌ أَوْ سَقِيمٌ، فَيُقَالُ هُنَا: يَنْوِي فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةَ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ أَوْ رَفْعِ الْحَدَثِ مَثَلًا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، ثُمَّ رَأَيْت نَحْوَهُ فِي الْإِمْدَادِ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: قَوْلًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ سُنِّيَّةِ الِابْتِدَاءِ بِهَا وَبِالنِّيَّةِ وَبِغَسْلِ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ وَالتَّسْمِيَةُ مَحَلُّهَا اللِّسَانُ وَغَسْلُ الْيَدَيْنِ بِالْفِعْلِ، أَفَادَهُ ط، لَكِنْ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ
وَتَحْصُلُ بِكُلِّ ذِكْرٍ، لَكِنَّ الْوَارِدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ» (قَبْلَ الِاسْتِنْجَاء وَبَعْده) إلَّا حَالَ انْكِشَافٍ وَفِي مَحَلِّ نَجَاسَةٍ فَيُسَمِّي بِقَلْبِهِ؛ وَلَوْ نَسِيَهَا فَسَمَّى فِي خِلَالِهِ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ، بَلْ الْمَنْدُوبُ.
وَأَمَّا الْأَكْلُ فَتَحْصُلُ السُّنَّةُ فِي بَاقِيهِ لَا فِيمَا فَاتَ، وَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ.
ــ
[رد المحتار]
أَنَّ مُرَاعَاةَ اسْتِحْبَابِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ يُفَوِّتُ الْبَدْءَ بِالتَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً، فَيَكُونُ إضَافِيًّا اهـ.
(قَوْلُهُ:: وَتَحْصُلُ بِكُلِّ ذِكْرٍ) فَلَوْ كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ حَمِدَ كَانَ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ يَعْنِي لِأَصْلِهَا وَكَمَالِهَا بِمَا يَأْتِي، أَفَادَهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْوَارِدَ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: لَفْظُهَا الْمَنْقُولُ عَنْ السَّلَفِ، وَقِيلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «بِاسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى الْإِسْلَامِ» قِيلَ: الْأَفْضَلُ " بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم " بَعْدَ التَّعَوُّذِ. وَفِي الْمُجْتَبَى يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ الْمَرْوِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «بِاسْمِ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ) لِأَنَّهُ مِنْ الْوُضُوءِ، وَالْبُدَاءَةُ فِي الْوُضُوءِ شُرِعَتْ بِالتَّسْمِيَةِ حِلْيَةٌ، وَفِيهَا: ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ. أَمَّا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ» وَزَادَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ السَّكَنِ فِي أَوَّلِهِ " بِسْمِ اللَّهِ " وَالْخُبُثُ: بِضَمَّتَيْنِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْبَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ جَمْعُ خَبِيثٍ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِمَا ذُكْرَانُ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثُهُمْ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَبَعْدَهُ) لِأَنَّهُ حَالَ مُبَاشَرَةِ الْوُضُوءِ دُرَرٌ؟ وَفِيهَا أَنَّ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تُسَنُّ قَبْلَهُ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ بَعْدَهُ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا. اهـ. وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا حَالَ انْكِشَافٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُسَمِّي قَبْلَ رَفْعِ ثِيَابِهِ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَإِلَّا فَقَبْلَ دُخُولِهِ، فَلَوْ نَسِيَ فِيهِمَا سَمَّى بِقَلْبِهِ، وَلَا يُحَرِّكُ لِسَانَهُ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: بَلْ الْمَنْدُوبُ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: إنَّهُ يَأْتِي بِهَا لِئَلَّا يَخْلُوَ وُضُوءُهُ عَنْهَا، وَقَالُوا: إنَّهَا عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ مَنْدُوبَةٌ نَهْرٌ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْأَكْلُ إلَخْ) أَيْ إذَا نَسِيَهَا فِي ابْتِدَائِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ فِي الْوُضُوءِ، وَقَالَ بِخِلَافِ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ عَمَلٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ، فَإِنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ فِعْلٌ مُبْتَدَأٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلِهَذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ قَالَ كُلَّمَا أَكَلْتُ اللَّحْمَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ، فَعَلَيْهِ بِكُلِّ لُقْمَةٍ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ لُقْمَةٍ أَكْلٌ. اهـ. وَذُكِرَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَسْتَلْزِمُ فِي الْأَكْلِ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِي الْبَاقِي لَا اسْتِدْرَاكَ مَا فَاتَ، وَقَالَ شَارِحُ الْمُنْيَةِ: وَالْأَوْلَى أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا فَاتَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَنَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى طَعَامِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَا حَدِيثَ فِي الْوُضُوءِ اهـ أَيْ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ اسْتِدْرَاكٌ لِمَا فَاتَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ أَوَّلَهُ فَائِدَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْرَاكُ فِي الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ «بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرِهِ» لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي الْأَكْلِ وَلَا حَدِيثَ فِي الْوُضُوءِ. وَقَدْ يُقَالُ: إذَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِدْرَاكُ فِي الْأَكْلِ مَعَ أَنَّهُ أَفْعَالٌ مُتَعَدِّدَةٌ يَحْصُلُ فِي الْوُضُوءِ بِالْأَوْلَى، لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَيُسْتَفَادُ ذَلِكَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ لَا بِالْقِيَاسِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إذَا سَمَّى فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَهُ (قَوْلُهُ: وَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ إلَخْ) أَيْ إذَا أَرَادَ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ فِيمَا فَاتَ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: مَا لَمْ يَقُلْ. [تَتِمَّةٌ]
مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتَّسْمِيَةِ سُنَّةٌ هُوَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَرَجَّحَ فِي الْهِدَايَةِ نَدْبَهَا، قِيلَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ نَهْرٌ. وَتَعَجَّبَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ حَيْثُ رَجَّحَ هُنَا وُجُوبَهَا، ثُمَّ ذَكَرَ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْحَقَّ مَا عَلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ. كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَا أَعْلَمُ فِيهَا
(وَ) الْبُدَاءَةُ (بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ) الطَّاهِرَتَيْنِ ثَلَاثًا قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ، وَقَيْدُ الِاسْتِيقَاظِ اتِّفَاقِيٌّ؛ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ السُّنَّةِ بِوَقْتِ الْحَاجَةِ لِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، -
ــ
[رد المحتار]
حَدِيثًا ثَابِتًا.
(قَوْلُهُ: وَالْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ) قَالَ ابْنُ الْكَمَالِ: السُّنَّةُ تَقْدِيمُ غَسْلِ الْيَدِ؛ وَأَمَّا نَفْسُ الْغَسْلِ فَفَرْضٌ، وَلِلْإِشَارَةِ إلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ: الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ غَسْلُ يَدَيْهِ ابْتِدَاءً كَمَا قَالَ غَيْرُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: الطَّاهِرَتَيْنِ) أَمَّا غَسْلُ النَّجِسَتَيْنِ فَوَاجِبٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ، فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ نَقَصَ غَسْلُهُمَا عَنْ الثَّلَاثِ كَانَ آتِيًا بِالسُّنَّةِ تَارِكًا لِكَمَالِهَا، عَلَى أَنَّهُ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ لِحَدِيثِ الْمُسْتَيْقِظِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ وَبَعْدَهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ يُطْلَقُ عَلَى الْإِضَافِيِّ أَيْضًا، وَهُمَا سُنَّتَانِ لَا وَاحِدَةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَيْدُ الِاسْتِيقَاظِ) أَيْ الْوَاقِعُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا» وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» (قَوْلُهُ: اتِّفَاقِيٌّ) أَيْ غَيْرُ مَقْصُودِ الذِّكْرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: خَصَّ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ بِالْمُسْتَيْقِظِ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْحَدِيثِ، وَالسُّنَّةُ تَشْمَلُ الْمُسْتَيْقِظَ وَغَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. اهـ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ مَقْصُودٌ، وَأَنَّ غَسْلَهُمَا لِغَيْرِ الْمُسْتَيْقِظِ أَدَبٌ، كَمَا فِي السِّرَاجِ.
وَفِي النَّهْرِ: الْأَصَحُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ مُطْلَقًا، لَكِنَّهُ عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، كَمَا إذَا نَامَ لَا عَنْ اسْتِنْجَاءٍ أَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ عِنْدَ عَدَمِ تَوَهُّمِهَا، كَمَا إذَا نَامَ إلَّا عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَيْقِظًا عَنْ نَوْمٍ اهـ وَنَحْوِهِ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَلِذَا) أَيْ لِكَوْنِ الْقَيْدِ اتِّفَاقِيًّا وَأَنَّ الْغَسْلَ سُنَّةٌ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: بِوَقْتِ الْحَاجَةِ) أَيْ إلَى إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ. ابْنُ كَمَالٍ: فَيَكُونُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ، بِأَنْ كَانَ الْإِنَاءُ صَغِيرًا يُمْكِنُ رَفْعُهُ وَالصَّبُّ مِنْهُ لَا يُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعَ أَنَّهُ يُسَنُّ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ) عِلَّةٌ لِلتَّوَهُّمِ: أَيْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِتَوَهُّمِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ إلَخْ. مَطْلَبٌ فِي دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ
وَالْمَفَاهِيمُ: جَمْعُ مَفْهُومٍ، وَهُوَ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى شَيْءٍ مَسْكُوتٍ عَنْهُ. وَهُوَ قِسْمَانِ: مَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْكُوتُ عَنْهُ: أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورِ مُوَافِقًا لِلْمَنْطُوقِ: أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْحُكْمِ؛ كَدَلَالَةِ النَّهْيِ عَنْ التَّأْفِيفِ عَلَى حُرْمَةِ الضَّرْبِ، وَهَذَا يُسَمَّى عِنْدَنَا دَلَالَةَ النَّصِّ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ اتِّفَاقًا. وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِهِ، وَهُوَ أَقْسَامٌ: مَفْهُومُ الصِّفَةِ وَالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ وَالْعَدَدِ وَاللَّقَبِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَّا مَفْهُومَ اللَّقَبِ. قَالَ فِي التَّحْرِيرِ: وَالْحَنَفِيَّةُ يَنْفُونَ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ بِأَقْسَامِهِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ فَقَطْ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّهُ فِي الرِّوَايَاتِ وَنَحْوِهَا مُعْتَبَرٌ بِأَقْسَامِهِ حَتَّى مَفْهُومِ اللَّقَبِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِجَامِدٍ، كَقَوْلِك: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ.
وَفِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْكَرْدَرِيِّ أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فِي خِطَابَاتِ الشَّارِعِ، فَأَمَّا مَا فِي مُتَفَاهَمِ النَّاسِ وَعُرْفِهِمْ وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ فَيَدُلُّ. اهـ. وَتَوْضِيحُ هَذَا الْمَحَلِّ
بِخِلَافِ أَكْثَرِ مَفَاهِيمِ النُّصُوصِ، كَذَا فِي النَّهْرِ وَفِيهِ مِنْ الْحَدِّ الْمَفْهُومِ مُعْتَبَرٌ فِي الرِّوَايَاتِ اتِّفَاقًا، وَمِنْهُ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ لَا مَا لَا يُدْرَكُ بِهِ. اهـ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ حُدُودِ النِّهَايَةِ: الْمَفْهُومُ مُعْتَبَرٌ فِي نَصِّ الْعُقُوبَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15]- وَأَمَّا اعْتِبَارُهُ فِي الرِّوَايَةِ فَأَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ (إلَى الرُّسْغَيْنِ) بِالضَّمِّ، مِفْصَلُ الْكَفِّ بَيْن الْكُوعَ وَالْكُرْسُوعِ، وَأَمَّا الْبُوعُ فَفِي الرِّجْلِ. قَالَ:
وَعَظْمٌ يَلِي الْإِبْهَامَ كُوعٌ وَمَا يَلِي
…
لِخِنْصَرِهِ الْكُرْسُوعُ وَالرُّسْغُ فِي الْوَسَطِ
وَعَظْمٌ يَلِي إبْهَامَ رِجْلٍ مُلَقَّبٍ
…
بِبُوعٍ فَخُذْ بِالْعِلْمِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَلَطِ
ثُمَّ إنْ لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُ الْإِنَاءِ أَدْخَلَ أَصَابِعَ يُسْرَاهُ
ــ
[رد المحتار]
يُطْلَبُ مِنْ حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ أَكْثَرِ مَفَاهِيمِ النُّصُوصِ) كَالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ لِكَوْنِهَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَتَحْتَمِلُ فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ تَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمَنْطُوقِ بِالذِّكْرِ؛ وَلِذَا تَرَى الْخَلَفَ يَسْتَفِيدُونَ مِنْهَا مَا لَمْ يُدْرِكْهُ السَّلَفُ، بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ؛ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَقَعُ فِيهَا تَفَاوُتُ الْأَنْظَارِ، وَالْمُرَادُ مَفَاهِيمُ الْمُخَالَفَةِ. أَمَّا مَفَاهِيمُ الْمُوَافَقَةِ فَمُعْتَبَرَةٌ مُطْلَقًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَقَيَّدَهُ بِالْأَكْثَرِ لِأَنَّ مِنْ النُّصُوصِ مَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ كَنَصِّ الْعُقُوبَةِ، كَمَا يَأْتِي.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ مِنْ الْحَدِّ) أَيْ فِي النَّهْرِ مِنْ كِتَابِ الْحَدِّ عِنْدَ ذِكْرِ الْجِنَايَاتِ (قَوْلُهُ: فِي الرِّوَايَاتِ) أَيْ عَنْ الْأَئِمَّةِ، وَالْمُرَادُ فِي أَكْثَرِهَا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الَّذِي يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ اتِّفَاقًا ط (قَوْلُهُ: تَقْيِيدُهُ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ ط (قَوْلُهُ: بِمَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ) أَيْ مَا لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَالٌ وَتَصَرُّفٌ ط (قَوْلُهُ: لَا مَا لَمْ يُدْرَكْ بِهِ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَرْفُوعُ نَصٌّ، وَالنَّصُّ لَا يُعْتَبَرُ مَفْهُومُهُ ط قَوْلُ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ فِيمَا لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ كَمَا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ، قَالُوا: إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَخْذًا بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه، لِتَعَيُّنِ جِهَةِ السَّمَاعِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى إلَخْ) لِأَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ ذَكَرُوا مِنْ جُمْلَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى جَوَازِ رُؤْيَتِهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ هَذِهِ الْآيَةَ؛ حَيْثُ جَعَلَ الْحَجْبَ عَنْ الرُّؤْيَةِ عُقُوبَةً لِلْفُجَّارِ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُحْجَبُونَ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُقُوبَةً لِلْفُجَّارِ (قَوْلُهُ: فَأَكْثَرِيٌّ لَا كُلِّيٌّ) يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ، وَمِنْ غَيْرِ الْأَكْثَرِ مَا مَرَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْهِدَايَةِ بِالْمُسْتَيْقِظِ (قَوْلُهُ: إلَى الرُّسْغَيْنِ) تَثْنِيَةُ رُسْغٍ بِالسِّينِ وَالصَّادِ، وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ بِضَمَّتَيْنِ، أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ:: مِفْصَلُ الْكَفِّ) عَلَى وَزْنِ مِنْبَرٍ: مُلْتَقَى الْعَظْمَاتِ مِنْ الْجَسَدِ قَامُوسٌ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَصْدُقُ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ؛ فَلِذَا سَاغَ تَفْسِيرُ الْمُثَنَّى بِهِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: قَالَ) أَيْ الشَّاعِرُ، وَتَسَاهَلُوا فِي حَذْفِ فَاعِلِهِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ النَّظْمَ إلَّا شَاعِرٌ ط (قَوْلُهُ: لِخِنْصَرِهِ) أَيْ الشَّخْصِ الْمَعْلُومِ مِنْ الْمَقَامِ ط (قَوْلُهُ: فِي الْوَسَطِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا وَسَطَ: أَيْ مَا تَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: فَخُذْ بِالْعِلْمِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَوْ أَصْلِيَّةٌ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ: أَيْ خُذْ هَذِهِ الْمَسَائِلَ بِعِلْمٍ لَا بِظَنٍّ لِأَنَّهُ قَدْ يُوقِعُ فِي الْغَلَطِ، أَوْ ضَمَّنَ خُذْ مَعْنَى الظَّفْرِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَخْ) ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَالتَّرَاخِي فِي الْأَخْبَارِ لِأَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ أَوَّلِ الْكَلَامِ.
وَفِي كَيْفِيَّةِ الْغُسْلِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَ الشَّارِحُ الْخَفِيَّ مِنْهُ وَتَرَكَ الظَّاهِرَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: ثُمَّ كَيْفِيَّةُ هَذَا الْغَسْلِ أَنَّ الْإِنَاءَ إنْ أَمْكَنَ رَفْعُهُ غَسَلَ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَكِنْ مَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا أَدْخَلَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى مَضْمُومَةً دُونَ الْكَفِّ وَصَبَّ عَلَى الْيُمْنَى ثُمَّ يُدْخِلُهَا وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى اهـ. وَفِي الْبَحْرِ قَالُوا: يُكْرَهُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ الْغَسْلِ لِلْحَدِيثِ، وَهِيَ كَرَاهَةٌ تَنْزِيهٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ فِيهِ مَصْرُوفٌ عَنْ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ:«فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» فَالنَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ مَعَهُ إنَاءٌ صَغِيرٌ، فَلَا يُدْخِلُ الْيَدَ أَصْلًا، وَفِي
مَضْمُومَةً وَصَبَّ عَلَيْهَا الْيُمْنَى لِأَجْلِ التَّيَامُنِ. وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَفَّ إنْ أَرَادَ الْغُسْلَ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ أَرَادَ الِاغْتِرَافَ لَا، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاغْتِرَافُ بِشَيْءٍ وَيَدَاهُ نَجِسَتَانِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَمْ يُعِدْ. (وَهُوَ) سُنَّةٌ كَمَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ (يَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ)
ــ
[رد المحتار]
الْكَبِيرِ عَلَى إدْخَالِ الْكَفِّ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ، وَفِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ: يُكْرَهُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الْمُسْتَيْقِظُ يَدَهُ فِيهِ؛ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ كَالْمَاءِ الَّذِي أَدْخَلَ الصَّبِيُّ يَدَهُ فِيهِ. اهـ.
أَقُولُ: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ نَامَ مُسْتَنْجِيًا وَلَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ إدْخَالُ يَدِهِ وَلَا الْوُضُوءُ مِمَّا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَصَبَّ عَلَى الْيُمْنَى) أَيْ ثُمَّ يُدْخِلُهَا وَيَغْسِلُ الْيُسْرَى كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ التَّيَامُنِ) فِيهِ جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ: لَا حَاجَةَ إلَى الصَّبِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ كَفَّيْهِ عَلَى حِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُ الْكَفَّيْنِ بِمَا صَبَّهُ عَلَى الْكَفِّ الْيُمْنَى كَمَا هُوَ الْعَادَةُ. وَرَدَّهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّ فِيهِ تَرْجِيحًا لِعَادَةِ الْعَوَّامِ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ: أَيْ لِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ، وَبِأَنَّ نَقْلَ الْبِلَّةِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ إلَى الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ نَصَّ غَيْرُ عُلَمَائِنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ هُنَا كَمَا فِي غَسْلِ الْخَدَّيْنِ وَالْمَنْخَرَيْنِ وَمَسْحِ الْأُذُنَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُقَدِّمُ الْيَمِينَ مِنْهُمَا، وَالْقَوَاعِدُ لَا تَنْبُو عَنْهُ اهـ مُلَخَّصًا، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةُ نَقْلِ الْبِلَّةِ.
وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ نَقْلَ الْبِلَّةِ يَجُوزُ هُنَا بِدَلِيلِ ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ، فَتَكُونُ حِينَئِذٍ عَادَةُ الْعَوَّامِ مُوَافَقَةً لِعُرْفِ الشَّرْعِ؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ: وَيُسَنُّ غَسْلُهُمَا مَعًا لِلِاتِّبَاعِ انْتَهَى فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَدْخَلَ الْكَفَّ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: أَدْخَلَ أَصَابِعَ يُسْرَاهُ (قَوْلُهُ: إنْ أَرَادَ الْغَسْلَ) أَيْ غَسْلَ الْكَفِّ (قَوْلُهُ: صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا) أَيْ الْمَاءُ الْمُلَاقِي لِلْكَفِّ إذَا انْفَصَلَ لَا جَمِيعُ الْمَاءِ بَحْرٌ، وَفِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ سَيَأْتِي فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ (قَوْلُهُ: لَا) أَيْ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا؛ وَمِثْلُهُ إذَا وَقَعَ الْكُوزُ فِي الْجُبِّ فَأَدْخَلَ يَدَهُ إلَى الْمَرَافِقِ بَحْرٌ، وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ وُجِدَتْ عِلَّةٌ الِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ رَفْعُ الْحَدَثِ كَمَا أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاغْتِرَافُ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ: لَوْ يَدَاهُ نَجِسَتَانِ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالِاغْتِرَافِ وَالصَّبِّ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَدْخَلَ مِنْدِيلًا فَيَغْسِلُ بِمَا تَقَاطَرَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ رَفَعَ الْمَاءَ بِفِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْمَاءِ بِفِيهِ اخْتِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمِلًا وَهُوَ يُزِيلُ الْخَبَثَ اهـ: أَيْ فَيُزِيلُ مَا عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْخَبَثِ ثُمَّ يَغْسِلُهُمَا لِلْوُضُوءِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ) أَرَادَ بِهَا مُطْلَقَهَا الشَّامِلَ لِلْمُؤَكَّدَةِ وَغَيْرِهَا ح: أَيْ لِأَنَّهُ عِنْدَ تَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَعِنْدَ عَدَمِهِ غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: كَمَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ) أَيْ قِرَاءَتَهَا وَاجِبَةٌ وَتَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ هُوَ مَا اخْتَارَهُ فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ صَدْرُ كَلَامِهِ حَيْثُ عَبَّرَ بِالْبُدَاءَةِ بِغَسْلِ يَدَيْهِ؛ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضٌ، وَتَقْدِيمُهُ سُنَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ كَمَالٍ، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْخَبَّازِيَّةِ وَالسِّرَاجِ؛ لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ يَدَيْهِ، فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا ثَانِيًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ فَيُعِيدُ غَسْلَهُمَا. وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّطْهِيرُ وَقَدْ حَصَلَ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ النِّيَابَةِ مِنْ حَيْثُ ثَوَابُ الْفَرْضِ لَوْ أَتَى بِهِ مُسْتَقِلًّا قَصْدًا إذْ السُّنَّةُ لَا تُؤَدِّيه وَيُؤَدِّيه اتِّفَاقُهُمْ عَلَى سُقُوطِ الْحَدَثِ بِلَا نِيَّةٍ. اهـ.
وَيُسَنُّ غَسْلُهَا أَيْضًا مَعَ الذِّرَاعَيْنِ.
(وَالسِّوَاكُ) سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ، وَقِيلَ: قَبْلَهَا، وَهُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا إلَّا إذَا نَسِيَهُ
ــ
[رد المحتار]
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ لَكِنْ فِي ضِمْنِ الْغَسْلِ الْمَسْنُونِ لَا قَصْدًا، وَالْفَرْضُ إنَّمَا يُثَابُ عَلَيْهِ إذَا أَتَى بِهِ عَلَى قَصْدِ الْفَرْضِيَّةِ؛ كَمَنْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ قَدْ نَسِيَهَا وَاغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ضِمْنًا وَلَا يُثَابُ ثَوَابَ الْفَرْضِ وَهُوَ غُسْلُ الْجَنَابَةِ مَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّهُ لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيُسَنُّ أَنْ يُعِيدَ غَسْلَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ لِيَكُونَ آتِيًا بِالْفَرْضِ قَصْدًا، وَلَا يَنُوبُ الْغَسْلُ الْأَوَّلُ مَنَابَهُ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ نَابَ مَنَابَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَوْ لَمْ يُعِدْهُ سَقَطَ الْفَرْضُ كَمَا يَسْقُطُ لَوْ لَمْ يَنْوِ أَصْلًا.
وَيَظْهَرُ لِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْفَرْضِيَّةِ أَرَادَ أَنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ، وَأَنَّ تَقْدِيمَ هَذَا الْغَسْلِ الْمُجْزِئِ عَنْ الْفَرْضِ سُنَّةٌ، وَهُوَ مَعْنَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ تَنُوبُ عَنْ الْفَرْضِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يُسَنُّ إعَادَةُ الْغَسْلِ لِمَا مَرَّ فَتَتَّحِدُ الْأَقْوَالُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَيُسَنُّ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الذَّخَائِرِ الْأَشْرَفِيَّةِ. وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِأَحَدِ الْأَقْوَالِ، إذْ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِأَنَّ إعَادَةَ غَسْلِهِمَا عَبَثٌ وَإِسْرَافٌ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ:: وَالسِّوَاكُ) بِالْكَسْرِ: بِمَعْنَى الْعُودِ الَّذِي يُسْتَاكُ بِهِ وَبِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: وَهُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرِ اسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ. اهـ.
فَالْمُرَادُ الِاسْتِيَاكُ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَبِهِ عَبَّرَ فِي الْفَتْحِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَنَقَلَهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي مِقْيَاسِ اللُّغَةِ وَهُوَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ أَيْضًا، فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ اهـ وَنَقَلَهُ نُوحٌ أَفَنْدِي أَيْضًا عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ وَالْعِرَاقِيِّ وَالْكَرْمَانِيِّ، قَالَ: وَكَفَى بِهِمْ حُجَّةٌ (قَوْلُهُ: سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ إنْ قُدِّرَ قَوْلُهُ: وَالسِّوَاكُ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ لَا مُبْتَدَأٌ وَعَلَى الْعَطْفِ فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مَجْرُورٌ؟ اسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ الثَّانِي لِيُفِيدَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ سُنَّةٌ أَيْضًا.
وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ الْأَوَّلَ لِتَرْجِيحِ كَوْنِهِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ. ثُمَّ قِيلَ: إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الْوُضُوءِ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنَّهُ الْحَقُّ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ: وَقَدْ عَدَّهُ الْقُدُورِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ السُّنَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. قُلْت: وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْمَلُ فِي الْإِنْقَاءِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا) أَيْ سُنَّةٌ لِلْوُضُوءِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلصَّلَاةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَقَالُوا: فَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ صَلَّى بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ صَلَوَاتٍ يَكْفِيه عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ. وَعَلَّلَهُ السِّرَاجُ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَاكَ لِلصَّلَاةِ رُبَّمَا يَخْرُجُ دَمٌ، وَهُوَ نَجَسٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا نَسِيَهُ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ، لَكِنْ فِي الْفَتْحِ عِنْدَ الْغَزْنَوِيَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: اصْفِرَارُ السِّنِّ، وَتَغَيُّرُ الرَّائِحَةِ، وَالْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ، وَالْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: يُنَافِيه مَا نَقَلُوهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَنَا لِلْوُضُوءِ لَا لِلصَّلَاةِ، وَوَفَّقَ فِي النَّهْرِ بِحَمْلِ مَا فِي الْغَزْنَوِيَّةِ عَلَى مَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْ أَنَّهُ لِلْوُضُوءِ. وَإِذَا نَسِيَهُ يَكُونُ مَنْدُوبًا لِلصَّلَاةِ لَا لِلْوُضُوءِ، وَهَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ، لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: فِيهِ نَظَرٌ بِالنَّظَرِ إلَى تَعْلِيلِ السِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ الْمُتَقَدِّمِ. اهـ.
أَقُولُ: هَذَا التَّعْلِيلُ عَلِيلٌ؛ فَقَدْ رُدَّ بِأَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ مُتَوَهَّمٌ مَعَ أَنَّهُ لِمَنْ يُثَابِرُ عَلَيْهِ لَا يُدْمِي. وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ، بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: هُوَ لِلْوُضُوءِ عِنْدَنَا بَيَانُ مَا تَحْصُلُ بِهِ الْفَضِيلَةُ الْوَارِدَةُ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ» أَيْ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِالْإِتْيَانِ بِهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْإِتْيَانِ بِهِ عِنْدَ الصَّلَاةِ. فَعِنْدنَا كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ لَهَا هَذِهِ الْفَضِيلَةُ خِلَافًا لَهُ، وَلَا يَلْزَمُ
فَيُنْدَبُ لِلصَّلَاةِ؛ كَمَا يُنْدَبُ لِاصْفِرَارِ سِنٍّ وَتَغَيُّرِ رَائِحَةٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ؛ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فِي الْأَعَالِي وَثَلَاثٌ فِي الْأَسَافِلِ (بِمِيَاهٍ) ثَلَاثَةٌ.
(وَ) نُدِبَ إمْسَاكُهُ (بِيُمْنَاهُ) وَكَوْنُهُ لَيِّنًا، مُسْتَوِيًا بِلَا عُقَدٍ، فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ وَطُولِ شِبْرٍ. وَيَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا، وَلَا مُضْطَجِعًا؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ كِبَرَ الطِّحَالِ، وَلَا يَقْبِضُهُ؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ، وَلَا يَمُصُّهُ؛
ــ
[رد المحتار]
مِنْ هَذَا نَفْيُ اسْتِحْبَابِهِ عِنْدَنَا لِكُلِّ صَلَاةٍ أَيْضًا حَتَّى يَحْصُلَ التَّنَافِي. وَكَيْفَ لَا يُسْتَحَبُّ لِلصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ مُنَاجَاةُ الرَّبِّ تَعَالَى مَعَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلِاجْتِمَاعِ بِالنَّاسِ.
قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ: وَلَيْسَ السِّوَاكُ مِنْ خَصَائِصِ الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي حَالَاتٍ مِنْهَا: تَغَيُّرُ الْفَمِ، وَالْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ وَإِلَى الصَّلَاةِ، وَدُخُولُ الْبَيْتِ، وَالِاجْتِمَاعُ بِالنَّاسِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ؛ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ السِّوَاكَ مِنْ سُنَنِ الدِّينِ فَتَسْتَوِي فِيهِ الْأَحْوَالُ كُلُّهَا. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا يَخْتَصُّ بِالْوُضُوءِ كَمَا قِيلَ، بَلْ سُنَّةٌ عَلَى حِدَةٍ عَلَى مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَيُؤَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ قَصْدِ التَّوَضُّؤِ فَيُسَنُّ أَوْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ اهـ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ صَلَاةٍ أَيْضًا الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ، وَفِي هَدِيَّةِ ابْنِ عِمَادٍ أَيْضًا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّتِمَّةِ: وَيُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ عِنْدَنَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَوُضُوءٍ وَكُلِّ مَا يُغَيِّرُ الْفَمَ وَعِنْدَ الْيَقَظَةِ. اهـ. فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ (قَوْلُهُ: وَأَقَلُّهُ إلَخْ) أَقُولُ: قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ، بَلْ يَسْتَاكُ إلَى أَنْ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بِزَوَالِ النَّكْهَةِ وَاصْفِرَارِ السِّنِّ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ ثَلَاثٌ بِثَلَاثِ مِيَاهٍ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ تَحْصِيلُ السُّنَّةِ، وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِاطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ، فَلَوْ حَصَلَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ فَالْمُسْتَحَبُّ إكْمَالُهَا كَمَا قَالُوا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَعَالِي) وَيَبْدَأُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَفِي الْأَسَافِلِ كَذَلِكَ بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: بِمِيَاهٍ ثَلَاثَةٍ) بِأَنْ يَبِلَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ
(قَوْلُهُ:: وَنُدِبَ إمْسَاكُهُ بِيُمْنَاهُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، قَالَ فِي الدُّرَرِ: لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُتَوَارَثُ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ قَالَ مُحَشِّيهِ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي: أَقُولُ: دَعْوَى النَّقْلِ تَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَلَمْ يُوجَدْ. غَايَةُ مَا يُقَالُ أَنَّ السِّوَاكَ إنْ كَانَ مِنْ بَابِ التَّطْهِيرِ اُسْتُحِبَّ بِالْيَمِينِ كَالْمَضْمَضَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ بَابِ إزَالَةِ الْأَذَى فَبِالْيُسْرَى وَالظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ.
وَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي تَرَجُّلِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَسِوَاكِهِ» وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْبُدَاءَةُ بِالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ مِنْ الْفَمِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالسُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْخِنْصَرَ أَسْفَلَهُ وَالْإِبْهَامَ أَسْفَلَ رَأْسِهِ وَبَاقِي الْأَصَابِعِ فَوْقَهُ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ (قَوْلُهُ: وَكَوْنُهُ لَيِّنًا) كَذَا فِي الْفَتْحِ. وَفِي السِّرَاجِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ لَا رَطْبًا يَلْتَوِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْقَلَحَ وَهُوَ وَسَخُ الْأَسْنَانِ، وَلَا يَابِسًا يَجْرَحُ اللِّثَةَ وَهِيَ مَنْبَتُ الْأَسْنَانِ. اهـ. فَالْمُرَادُ أَنَّ رَأْسَهُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ اسْتِعْمَالِهِ يَكُونُ لَيِّنًا: أَيْ لَا فِي غَايَةِ الْخُشُونَةِ وَلَا غَايَةِ النُّعُومَةِ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: بِلَا عَقْدٍ) فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ: قَلِيلُ الْعَقْدِ (قَوْلُهُ: فِي غِلَظِ الْخِنْصَرِ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِي الْفَتْحِ الْأُصْبُعِ (قَوْلُهُ: وَطُولِ شِبْرٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي ابْتِدَاءِ اسْتِعْمَالِهِ، فَلَا يَضُرُّ نَقْصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقَطْعِ مِنْهُ لِتَسْوِيَتِهِ، تَأَمَّلْ، وَهَلْ الْمُرَادُ شِبْرُ الْمُسْتَعْمِلِ أَوْ الْمُعْتَادِ؟ الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ مَحْمَلُ الْإِطْلَاقِ غَالِبًا (قَوْلُهُ:: وَيَسْتَاكُ عَرْضًا لَا طُولًا) أَيْ لِأَنَّهُ يَجْرَحُ لَحْمَ الْأَسْنَانِ. وَقَالَ الْغَزْنَوِيُّ: طُولًا وَعَرْضًا. وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ بَحْرٌ، لَكِنْ وَفَّقَ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّهُ يَسْتَاكُ عَرْضًا فِي الْأَسْنَانِ وَطُولًا فِي اللِّسَانِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْغَزْنَوِيِّ أَنَّهُ يَسْتَاكُ بِالْمُدَارَاةِ خَارِجَ الْأَسْنَانِ وَدَاخِلَهَا أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا وَرُءُوسِ الْأَضْرَاسِ وَبَيْنَ كُلِّ سِنَّيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَقْبِضُهُ) أَيْ بِيَدِهِ عَلَى خِلَافِ الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمُصُّهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ كَيَخُصُّ، وَأَمَّا بَلْعُ الرِّيقِ بِلَا مَصٍّ، فَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ
فَإِنَّهُ يُورِثُ الْعَمَى، ثُمَّ يَغْسِلُهُ، وَإِلَّا فَيَسْتَاكُ الشَّيْطَانُ بِهِ، وَلَا يُزَادُ عَلَى الشِّبْرِ، وَإِلَّا فَالشَّيْطَانُ يَرْكَبُ عَلَيْهِ، وَلَا يَضَعُهُ بَلْ يَنْصِبُهُ، وَإِلَّا فَخَطَرُ الْجُنُونِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَيُكْرَهُ بِمُؤْذٍ، وَيَحْرُمُ بِذِي سُمٍّ.
وَمِنْ مَنَافِعِهِ أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا دُونَ الْمَوْتِ، وَمُذَكِّرٌ لِلشَّهَادَةِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ فَقْدِهِ أَوْ فَقْدِ أَسْنَانِهِ تَقُومُ الْخِرْقَةُ الْخَشِنَةُ أَوْ الْأُصْبُعُ مَقَامَهُ، كَمَا يَقُومُ الْعِلْكُ مَقَامَهُ لِلْمَرْأَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
(وَغَسْلُ الْفَمِ) أَيْ اسْتِيعَابُهُ، وَلِذَا عَبَّرَ بِالْغَسْلِ -
ــ
[رد المحتار]
الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ: وَابْلَعْ رِيقَك أَوَّلَ مَا تَسْتَاكُ؛ فَإِنَّهُ يَنْفَعُ الْجُذَامَ وَالْبَرَصَ وَكُلَّ دَاءٍ سِوَى الْمَوْتِ، وَلَا تَبْلَعْ بَعْدَهُ شَيْئًا؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْوَسْوَسَةَ، يَرْوِيه زِيَادُ بْنُ عَلَاقَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَضَعُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يُلْقِيه عَرْضًا بَلْ يَنْصِبُهُ طُولًا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَمَوْضِعُ سِوَاكِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أُذُنِهِ مَوْضِعُ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ، وَأَسْوِكَةُ أَصْحَابِهِ خَلَفَ آذَانِهِمْ، كَمَا قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَضَعُهُ فِي طَيِّ عِمَامَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَخَطَرُ الْجُنُونِ) فَإِنَّهُ يُرْوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ وَضَعَ سِوَاكَهُ بِالْأَرْضِ فَجُنَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ، حِلْيَةٌ عَنْ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ بِمُؤْذٍ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَتُهُ بِقُضْبَانِ الرُّمَّانِ وَالرَّيْحَانِ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ: رَوَى الْحَارِثُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ضُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ السِّوَاكِ بِعُودِ الرَّيْحَانِ، وَقَالَ: إنَّهُ يُحَرِّكُ عِرْقَ الْجُذَامِ» وَفِي النَّهْرِ: وَيَسْتَاكُ بِكُلِّ عُودٍ إلَّا الرُّمَّانَ وَالْقَصَبَ. وَأَفْضَلُهُ الْأَرَاكُ ثُمَّ الزَّيْتُونُ. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «نِعْمَ السِّوَاكُ الزَّيْتُونُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ، وَهُوَ سِوَاكِي وَسِوَاكُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي» مَطْلَبٌ فِي مَنَافِعِ السِّوَاكِ (قَوْلُهُ: وَمِنْ مَنَافِعِهِ إلَخْ) فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ حَاشِيَةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لِلْفَارِضِيِّ: أَنَّ مِنْهَا أَنَّهُ يُبْطِئُ بِالشَّيْبِ، وَيُحِدُّ الْبَصَرَ. وَأَحْسَنُهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ لِمَا دُونَ الْمَوْتِ، وَأَنَّهُ يُسْرِعُ فِي الْمَشْيِ عَلَى الصِّرَاطِ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، وَمَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ، وَمَفْرَحَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ، وَمَجْلَاةٌ لِلْبَصَرِ، وَيُذْهِبُ الْبَخَرَ وَالْحَفْرَ، وَيُبَيِّضُ الْأَسْنَانَ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ، وَيَهْضِمُ الطَّعَامَ، وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ، وَيُضَاعِفُ الصَّلَاةَ، وَيُطَهِّرُ طَرِيقَ الْقُرْآنِ، وَيَزِيدُ فِي الْفَصَاحَةِ، وَيُقَوِّي الْمَعِدَةَ، وَيُسْخِطُ الشَّيْطَانَ، وَيَزِيدُ فِي الْحَسَنَاتِ، وَيَقْطَعُ الْمُرَّةَ، وَيُسَكِّنُ عُرُوقَ الرَّأْسِ، وَوَجَعَ الْأَسْنَانِ، وَيُطَيِّبُ النَّكْهَةَ، وَيُسَهِّلُ خُرُوجَ الرُّوحِ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: وَمَنَافِعُهُ وَصَلَّتْ إلَى نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَنْفَعَةً، أَدْنَاهَا إمَاطَةُ الْأَذَى، وَأَعْلَاهَا تَذْكِيرُ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، رَزَقَنَا اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ (قَوْلُهُ: عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: أَوْ الْأُصْبُعُ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ بِأَيِّ أُصْبُعٍ اسْتَاكَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَسْتَاكَ بِالسِّبَابَتَيْنِ، يَبْدَأُ بِالسَّبَّابَةِ الْيُسْرَى ثُمَّ بِالْيُمْنَى، وَإِنْ شَاءَ اسْتَاكَ بِإِبْهَامِهِ الْيُمْنَى وَالسَّبَّابَةِ الْيُمْنَى، يَبْدَأُ بِالْإِبْهَامِ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ فَوْقَ وَتَحْتَ، ثُمَّ السَّبَّابَةُ مِنْ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: كَمَا يَقُومُ الْعِلْكُ مَقَامَهُ) أَيْ فِي الثَّوَابِ إذَا وُجِدَتْ النِّيَّةُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ تُضْعِفُ أَسْنَانَهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا فِعْلُهُ بَحْرٌ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِحَالِ الْمَضْمَضَةِ ط
(قَوْلُهُ: وَلِذَا عَبَّرَ بِالْغَسْلِ) أَفَادَ أَنَّ الِاسْتِيعَابَ يُفَادُ بِالْغَسْلِ دُونَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمَا كَذَلِكَ فَالْمَضْمَضَةُ اصْطِلَاحًا اسْتِيعَابُ الْمَاءِ جَمِيعَ الْفَمِ. وَفِي اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ. وَالِاسْتِنْشَاقُ اصْطِلَاحًا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى الْمَارِنِ. وَلُغَةً مِنْ النَّشْقِ، وَهُوَ جَذْبُ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ بِرِيحِ الْأَنْفِ إلَى دَاخِلِهِ بَحْرٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ أَنَّ السُّنَّةَ فِيهِمَا الْمُبَالَغَةُ، وَالْغَسْلُ أَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَوْرَدَ أَنَّ الْمُبَالَغَةَ الْمَذْكُورَةَ لَيْسَتْ نَفْسَ الِاسْتِيعَابِ، عَلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ سُنَّةٌ أُخْرَى، فَالتَّعْبِيرُ عَنْهَا وَعَنْ أَصْلِهَا
أَوْ لِلِاخْتِصَارِ (بِمِيَاهٍ) ثَلَاثَةٌ (وَالْأَنْفِ) بِبُلُوغِ الْمَاءِ الْمَارِنِ (بِمِيَاهٍ) وَهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ مُشْتَمِلَتَانِ عَلَى سُنَنٍ خَمْسٍ: التَّرْتِيبُ، وَالتَّثْلِيثُ، وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ، وَفِعْلُهُمَا بِالْيُمْنَى (وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) بِالْغَرْغَرَةِ، وَمُجَاوَزَةِ الْمَارِنِ (لِغَيْرِ الصَّائِمِ) لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ؛ وَسِرُّ تَقْدِيمِهِمَا اعْتِبَارُ أَوْصَافِ الْمَاءِ؛. لِأَنَّ لَوْنَهُ يُدْرَكُ بِالْبَصَرِ، وَطَعْمَهُ بِالْفَمِ، وَرِيحَهُ بِالْأَنْفِ. وَلَوْ عِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِلْغَسْلِ مَرَّةً مَعَهُمَا وَثَلَاثًا بِدُونِهِمَا غَسَلَ مَرَّةً.
وَلَوْ أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ أَجْزَأَهُ، وَعَكْسُهُ لَا. وَهَلْ يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ وَأَنْفِهِ؟
ــ
[رد المحتار]
بِعِبَارَةٍ وَاحِدَةٍ يُوهِمُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ نَهْرٌ. وَأَيْضًا لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ مَنْ صَرَّحَ بِسُنِّيَّةِ الْمُبَالَغَةِ كَالْمُصَنِّفِ. قُلْت: فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ التَّعْبِيرَ بِغَسْلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَدَلُّ عَلَى الِاسْتِيعَابِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِالنَّظَرِ إلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَوْ لِلِاخْتِصَارِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاخْتِصَارَ مَطْلُوبٌ مَا لَمْ يُفَوِّتْ فَائِدَةً مُهِمَّةً، فَإِنَّ الْمَضْمَضَةَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ ثُمَّ مَجُّهُ، وَالْغَسْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ كَوْنَ الْمَجِّ شَرْطًا فِيهَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الثَّانِي.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِمَا فِي الْفَتْحِ: لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ عَبًّا أَجْزَأَهُ عَنْ الْمَضْمَضَةِ، وَقِيلَ: لَا، وَمَصًّا لَا يَجْزِيه. هَذَا، وَأَبْدَى الْعَيْنِيُّ وَجْهًا ثَالِثًا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى حَدَّيْهِمَا (قَوْلُهُ: بِمِيَاهٍ) إنَّمَا قَالَ: بِمِيَاهٍ وَلَمْ يَقُلْ: ثَلَاثًا؛ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَسْنُونَ التَّثْلِيثُ بِمِيَاهٍ جَدِيدَةٍ، أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ ط (قَوْلُهُ: الْمَارِنَ) هُوَ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ قَامُوسُ (قَوْلُهُ: وَهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ) فَلَوْ تَرَكَهُمَا أَثِمَ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ التَّرْكَ عَادَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا قَالُوا مِثْلَهُ فِي تَرْكِ التَّثْلِيثِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: مُشْتَمِلَتَانِ) أَيْ مُشْتَمِلٌ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى سُنَنٍ خَمْسٍ، وَبِاعْتِبَارِهِمَا تَكُونُ السُّنَنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سُنَّةً، فَافْهَمْ؟ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ: التَّرْتِيبُ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّثْلِيثُ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّ تَرْكَ التَّكْرَارِ مَعَ الْإِمْكَانِ لَا يُكْرَهُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ «بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مَرَّةً» كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَجْعَلْ التَّرْكَ عَادَةً لَهُ (قَوْلُهُ: وَتَجْدِيدُ الْمَاءِ) أَيْ أَخْذُهُ مَاءً جَدِيدًا فِي كُلِّ مَرَّةٍ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَفِعْلُهُمَا بِالْيُمْنَى) أَيْ وَيُمَخِّطُ وَيَسْتَنْثِرُ بِالْيُسْرَى، كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَالْمِعْرَاجِ (قَوْلُهُ: وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا) هِيَ السُّنَّةُ الْخَامِسَةُ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ.
(قَوْلُهُ: بِالْغَرْغَرَةِ) أَيْ فِي الْمَضْمَضَةِ، وَمُجَاوَزَةِ الْمَارِنِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ، وَقِيلَ: الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ تَكْثِيرُ الْمَاءِ حَتَّى يَمْلَأَ الْفَمَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ (قَوْلُهُ: وَسِرُّ تَقْدِيمِهِمَا) أَيْ حِكْمَةُ تَقْدِيمِهِمَا عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: اعْتِبَارُ أَوْصَافِ الْمَاءِ) عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ: أَيْ الْوُقُوفُ عَلَى تَمَامِ أَوْصَافِ الْمَاءِ، فَإِنَّ أَوْصَافَهُ اللَّوْنُ وَالطَّعْمُ وَالرِّيحُ، فَاللَّوْنُ يُرَى بِالْبَصَرِ، وَبِهِمَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْأَوْصَافِ الَّتِي قَدْ تَعْرِضُ لَهُ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِنْدَهُ مَاءٌ إلَخْ) فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ الشِّفَاءِ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ، مَنْ تَرَكَهُمَا يَأْثَمُ. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ مَاءُ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَعَهُمَا وَثَلَاثًا بِدُونِهِمَا؛ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ مَرَّةً مَعَهُمَا اهـ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ أَيْ لِأَنَّهُمَا آكَدُ فِي التَّثْلِيثِ بِدَلِيلِ الْإِثْمِ بِتَرْكِهِمَا، لَكِنْ قَدَّمْنَا حَمْلَ الْإِثْمِ عَلَى اعْتِيَادِ التَّرْكِ بِلَا عُذْرٍ، عَلَى أَنَّ التَّثْلِيثَ كَذَلِكَ كَمَا يَأْتِي. وَالْأَحْسَنُ قَوْلُ ح " لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَدَ عَنْهُ تَرْكُ التَّثْلِيثِ حَيْثُ «غَسَلَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ: هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ تَرْكُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ.
(قَوْلُهُ: أَخَذَ مَاءً فَمَضْمَضَ بِبَعْضِهِ وَاسْتَنْشَقَ بِبَاقِيهِ أَجْزَأَهُ) أَيْ عَنْ أَصْلِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَفَاته سُنِّيَّةُ التَّجْدِيدِ (قَوْلُهُ: وَعَكْسُهُ) أَيْ بِأَنْ قَدَّمَ الِاسْتِنْشَاقَ لَا يُجْزِيه لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا بَحْرٌ أَيْ لِأَنَّ مَا فِي الْأَنْفِ لَا يُمْكِنُ إمْسَاكُهُ، بِخِلَافِ مَا فِي الْفَمِ، وَالْمُرَادُ لَا يُجْزِيه عَنْ الْمَضْمَضَةِ، وَإِلَّا فَالِاسْتِنْشَاقُ صَحَّ
الْأَوْلَى نَعَمْ قُهُسْتَانِيٌّ.
(وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ بَعْدَ التَّثْلِيثِ، وَيَجْعَلُ ظَهْرَ كَفِّهِ إلَى عُنُقِهِ
(وَ) تَخْلِيلُ (الْأَصَابِعِ) الْيَدَيْنِ بِالتَّشْبِيكِ وَالرِّجْلَيْنِ
ــ
[رد المحتار]
وَإِنْ فَاتَهُ التَّرْتِيبُ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: الْأَوْلَى نَعَمْ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ تَسَوَّكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ أَجْزَاءِ السِّوَاكِ شَيْءٌ أَوْ يَبْقَى أَثَرُ طَعَامٍ لَا يُخْرِجُهُ السِّوَاكُ، وَلْيُحَرَّرْ ط.
(قَوْلُهُ:: وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ) هُوَ تَفْرِيقُ شَعْرِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقَ، بَحْرٌ، وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يُفَضِّلَانِهِ وَرَجَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَدِلَّةُ تُرَجِّحُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي الْكَثَّةِ، أَمَّا الْخَفِيفَةُ فَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا تَحْتَهَا. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَتْنِهِ (قَوْلُهُ: لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ) أَمَّا الْمُحْرِمُ فَمَكْرُوهٌ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ التَّثْلِيثِ) أَيْ تَثْلِيثِ غَسْلِ الْوَجْهِ إمْدَادٌ.
(قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ ظَهْرَ كَفِّهِ إلَى عُنُقِهِ) نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ بِلَفْظٍ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ إلَخْ. وَكَتَبَ فِي الْهَامِشِ إنَّهُ الْفَاضِلُ الْبُرْجَنْدِيُّ.
وَقَالَ فِي الْمِنَحِ: وَكَيْفِيَّتُهُ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ أَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ الْيَدِ فِي فُرُوجِهَا الَّتِي بَيْنَ شَعَرَاتِهَا مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقَ بِحَيْثُ يَكُونُ كَفُّ الْيَدِ الْخَارِجِ وَظُهْرُهَا إلَى الْمُتَوَضِّئِ. اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَنَسٍ «كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ، وَقَالَ بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ إدْخَالُ الْيَدِ مِنْ أَسْفَلَ بِحَيْثُ يَكُونُ كَفُّ الْيَدِ لِدَاخِلٍ مِنْ جِهَةِ الْعُنُقِ وَظُهْرُهَا إلَى الْخَارِجِ، لِيُمْكِنَ إدْخَالُ الْمَاءِ الْمَأْخُوذِ فِي خِلَالِ الشَّعْرِ، وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَارَّةِ فَلَا يَبْقَى لِأَخْذِهِ فَائِدَةٌ، فَلِيُتَأَمَّلْ. وَمَا فِي الْمِنَحِ عَزَاهُ إلَى الْكِفَايَةِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْكِفَايَةِ هَكَذَا، وَكَيْفِيَّتُهُ: أَنْ يُخَلِّلَ بَعْدَ التَّثْلِيثِ مِنْ حَيْثُ الْأَسْفَلُ إلَى فَوْقَ. اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّخْلِيلَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَالَ فِي الدُّرَرِ: إنَّهُ يُدْخِلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ مِنْ خِلَالِ لِحْيَتِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ) هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ اتِّفَاقًا سِرَاجٌ، وَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَهُ فِي السِّرَاجِ: أَيْ التَّخْلِيلَ بِأَنْ يَكُونَ بِمَاءٍ مُتَقَاطَرٍ فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ. اهـ.
أَقُولُ: قَدْ عَلِمْت مِنْ الْحَدِيثِ الْمَارِّ التَّقْيِيدَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ بِأَخْذِ كَفٍّ مِنْ مَاءٍ. وَفِي الْبَحْرِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ: أَيْ تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ الْإِدْخَالُ فِي الْمَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا. وَفِيهِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ التَّخْلِيلَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّثْلِيثِ لِأَنَّهُ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ اهـ.
قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ اسْتِيعَابَ الْأَعْضَاءِ بِالْغَسْلِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِنَانُ تَثْلِيثِهِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ جَيِّدٍ «عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ بَيْنَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا. وَقَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْت» (قَوْلُهُ: الْيَدَيْنِ) أَيْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ ط (قَوْلُهُ: بِالتَّشْبِيكِ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ بِصِيغَةِ قِيلَ. وَكَيْفِيَّتُهُ كَمَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ الْبَطْنِ لِئَلَّا يَكُونَ أَشْبَهَ بِاللَّعِبِ (قَوْلُهُ: وَالرِّجْلَيْنِ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ فِي الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ بِذَلِكَ وَرَدَ الْخَبَرُ، وَكَذَا ذَكَرَهَا الْقُدُورِيُّ مَرْوِيَّةً مَعَ تَقْيِيدِ التَّخْلِيلِ بِكَوْنِهِ مِنْ أَسْفَلَ.
وَتَعَقَّبَ فِي الْفَتْحِ وُرُودَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ بِقَوْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَمِثْلُهُ فِيمَا يَظْهَرُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ لَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ. قَالَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيُّ فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَكِنَّ الَّذِي فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ «الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ.» وَأَمَّا كَوْنُهُ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى
بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى بَادِئًا بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى، وَهَذَا بَعْدَ دُخُولِ الْمَاءِ خِلَالَهَا، فَلَوْ مُنْضَمَّةً فَرْضٌ
(وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) الْمُسْتَوْعِبُ؛ وَلَا عِبْرَةَ لِلْغَرَفَاتِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِمَرَّةٍ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ، وَإِلَّا لَا، وَلَوْ زَادَ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ
ــ
[رد المحتار]
وَكَوْنُهُ مِنْ أَسْفَلَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَيُشْكِلُ كَوْنُهُ بِخِنْصَرِ الْيَدِ الْيُسْرَى أَنَّهُ مِنْ الطَّهَارَةِ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي فِعْلِهَا الْيَمِينُ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِهِ بِالْخِنْصَرِ كَوْنُهَا أَدُقَّ الْأَصَابِعِ فَهِيَ بِالتَّخْلِيلِ أَنْسَبُ، وَفِي كَوْنِهِ مِنْ أَسْفَلَ أَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْمَاءِ اهـ ثُمَّ نُقِلَ نَدْبُ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ عَنْ الشَّافِعِيِّ.
قُلْت: وَيُجَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَيُشْكِلُ إلَى إلَخْ بِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ مَحَلُّ الْوَسَخِ وَالْقَذَرِ، وَلِذَا سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ مِنْ الْآدَابِ غَسْلَهُمَا بِالْيَسَارِ (قَوْلُهُ: بَادِئًا) أَيْ وَخَاتَمًا بِخِنْصَرِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّ خِنْصَرَ الرِّجْلِ الْيُمْنَى هِيَ يُمْنَى أَصَابِعُهَا وَإِبْهَامُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ: أَيْ وَالتَّيَامُنُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَوْلُهُ: مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقَ يَحْتَمِلُ شَيْئَيْنِ: أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَسْفَلَ إلَى فَوْقَ أَيْ مِنْ ظَهْرِ الْقَدَمِ أَوْ مِنْ بَاطِنِهِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي السِّرَاجِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ اهـ أَيْ فَيُدْخِلُ خِنْصَرَهُ مِنْ جِهَةِ ظَهْرِ الْقَدَمِ، فَيُخَلِّلُ مِنْ أَسْفَلَ صَاعِدًا إلَى فَوْقَ لَا مِنْ جِهَةِ بَاطِنِهِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ التَّخْلِيلِ سُنَّةً (قَوْلُهُ: فَرْضٌ) أَيْ التَّخْلِيلُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَّا بِهِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَتَثْلِيثُ الْغَسْلِ) أَيْ جَعْلُهُ ثَلَاثًا، فَمَجْمُوعُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ سُنَّةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْحَقُّ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي السِّرَاجِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ مُؤَكَّدَتَانِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِاسْتِدْلَالِهِمْ عَلَى السُّنِّيَّةِ " بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «لَمَّا أَنْ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ قَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ يُضَاعَفُ لَهُ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ، وَلَمَّا أَنْ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا قَالَ: هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» فَجَعَلَ لِلثَّانِيَةِ جَزَاءً مُسْتَقِلًّا، وَهَذَا يُؤْذِنُ بِاسْتِقْلَالِهَا لَا أَنَّهَا جَزْءُ سُنَّةٍ حَتَّى لَا يُثَابَ عَلَيْهَا وَحْدَهَا. اهـ. وَقَيَّدَ بِالْغَسْلِ إذْ لَا يُطْلَبُ تَثْلِيثُ الْمَسْحِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ: الْمُسْتَوْعِبُ) فَلَوْ غَسَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَبَقِيَ مَوْضِعٌ يَابِسٌ، ثُمَّ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَصَابَ الْمَاءُ بَعْضَهُ، ثُمَّ فِي الثَّالِثَةِ أَصَابَ الْجَمِيعَ لَا يَكُونُ غَسْلًا لِلْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا حِلْيَةٌ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ (قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ لِلْغَرَفَاتِ) أَيْ الْغَيْرِ الْمُسْتَوْعِبَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالسُّنَّةُ تَكْرَارُ الْغَسْلَاتِ الْمُسْتَوْعِبَاتِ لَا الْغَرَفَاتِ. اهـ.
بَقِيَ إذَا لَمْ يَسْتَوْعِبْ إلَّا فِي الثَّالِثَةِ كَمَا قُلْنَا، هَلْ يُحْسَبُ الْكُلُّ غَسْلَةً وَاحِدَةً فَيُعِيدُ الْغَسْلَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ يُعِيدُ غَسْلَ مَا لَمْ يُصِبْهُ الْمَاءُ فَقَطْ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ الْأَوَّلُ، وَلْيُحَرَّرْ (قَوْلُهُ: وَإِنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُولَى فَفِي إثْمِهِ قَوْلَانِ، قِيلَ: يَأْثَمُ لِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَقِيلَ: لَا لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِ وَاخْتَارَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ وَإِلَّا لَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مَحْمَلُ الْقَوْلَيْنِ. اهـ.
أَقُولُ: لَكِنَّ فِي الْخُلَاصَةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْإِثْمِ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنْ اعْتَادَهُ كُرِهَ وَهَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ، نَعَمْ هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ مِنْ حَمْلِ اللَّوْمِ وَالتَّضْلِيلِ لِتَرْكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى التَّرْكِ مَعَ الْإِصْرَارِ بِلَا عُذْرٍ وَقَدَّمْنَا أَيْضًا تَصْرِيحَ صَاحِبِ الْبَحْرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّثْلِيثَ حَيْثُ كَانَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً وَأَصَرَّ عَلَى تَرْكِهِ يَأْثَمُ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُهُ سُنَّةً. وَأَمَّا حَمْلُهُمْ الْوَعِيدَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَةِ الثَّلَاثِ سُنَّةٌ كَمَا يَأْتِي فَذَلِكَ فِي التَّرْكِ وَلَوْ مَرَّةً بِدَلِيلِ مَا قُلْنَا. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْإِثْمِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ بِأَنَّهُ لَوْ أَثِمَ بِنَفْسِ التَّرْكِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى هَذَا الْحَمْلِ اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعَ عَدَمِ الْإِصْرَارِ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدْهُ بِأَنْ فَعَلَهُ أَحْيَانًا أَوْ فَعَلَهُ لِعِزَّةِ الْمَاءِ أَوْ لِعُذْرِ الْبَرْدِ أَوْ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ زَادَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ مِثْلُ النُّقْصَانِ فِي الْمَنْعِ عَنْهَا بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ: لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ) لِأَنَّهُ أُمِرَ بِتَرْكِ مَا يُرِيبُهُ إلَى مَا لَا يُرِيبُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِغَيْرِ الْمُوَسْوَسِ،
أَوْ لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَحَدِيثُ " فَقَدْ تَعَدَّى " مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ،
ــ
[رد المحتار]
أَمَّا هُوَ فَيَلْزَمُهُ قَطْعُ مَادَّةِ الْوَسْوَاسِ عَنْهُ وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ إلَى التَّشْكِيكِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُعَادَاتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ رَحْمَتِيٌّ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ قُبَيْلَ فُرُوضِ الْغُسْلِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ أَعَادَهُ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الشَّكُّ عَادَةً لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهُ وَلَوْ قَبْلَ الْفَرَاغِ قَطْعًا لِلْوَسْوَسَةِ عَنْهُ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ
(قَوْلُهُ: أَوْ لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ) أَيْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ بَحْرٌ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ النَّاطِفِيِّ: لَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَهُوَ بِدْعَةٌ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْوُضُوءِ؛ أَمَّا إذَا فَرَغَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ فَلَا يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ.
وَعَارَضَ فِي الْبَحْرِ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ بِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ: وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَعَادَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَا فِي السِّرَاجِ فِيمَا إذَا كَرَّرَهُ مِرَارًا، وَلَفْظُهُ فِي السِّرَاجِ: لَوْ تَكَرَّرَ الْوُضُوءُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِرَارًا لَمْ يُسْتَحَبَّ، بَلْ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِسْرَافِ فَتَدَبَّرْ اهـ.
قُلْت: لَكِنْ يَرِدُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ: وَفِيهِ إشْكَالٌ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا فَإِذَا لَمْ يُؤَدَّ بِهِ عَمَلٌ مِمَّا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِيَّتِهِ كَالصَّلَاةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْرَعَ تَكْرَارُهُ قُرْبَةً؛ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ فَيَكُونُ إسْرَافًا مَحْضًا، وَقَدْ قَالُوا فِي السَّجْدَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً: لَمْ يُشْرَعْ التَّقَرُّبُ بِهَا مُسْتَقِلَّةً وَكَانَتْ مَكْرُوهَةً، وَهَذَا أَوْلَى. اهـ.
أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ فِي هَدِيَّتِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ: وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ إذَا صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ صَلَاةً، كَذَا فِي الشِّرْعَةِ وَالْقُنْيَةِ. اهـ. وَكَذَا مَا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ عِنْدَ حَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّهْرِ الْوُضُوءُ الَّذِي صَلَّى بِهِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا كَمَا بَيَّنَهُ فِعْلُ رَاوِي الْخَبَرِ وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ، فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ بِهِ شَيْئًا لَا يُسَنُّ لَهُ تَجْدِيدُهُ. اهـ. وَمُقْتَضَى هَذَا كَرَاهَتُهُ، وَإِنْ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ مَا لَمْ يُؤَدِّ بِهِ صَلَاةً أَوْ نَحْوَهَا لَكِنْ ذَكَرَ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّتُهُ وَلَوْ بِلَا فَصْلٍ بِصَلَاةٍ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ، وَلَا إسْرَافَ فِيمَا هُوَ مَشْرُوعٌ، أَمَّا لَوْ كَرَّرَهُ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا فَيُشْتَرَطُ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ الْفَصْلُ بِمَا ذُكِرَ، وَإِلَّا كَانَ إسْرَافًا مَحْضًا اهـ فَتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ كَلِمَةُ لَا بَأْسَ قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ
(قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) لِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ وَقَدْ أُمِرَ بِتَرْكِ مَا يَرِيبُهُ إلَى مَا لَا يَرِيبُهُ مِعْرَاجٌ، وَفِي هَذَا التَّعْلِيلِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ، فَكَلِمَةُ لَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى، لَكِنَّهَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْدُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مِنْ الْجَنَائِزِ وَالْجِهَادِ، فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ: وَحَدِيثُ فَقَدْ تَعَدَّى إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي عِبَارَةِ النَّهْرِ: قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: عليه الصلاة والسلام «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا» عَلَى أَقْوَالٍ؟ فَقِيلَ: عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَالْحَدِيثُ فِي الْمَصَابِيحِ، وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ تَكُونُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ، وَقِيلَ: عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ وَالنَّقْصِ عَنْهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ دُونَ نَفْسِ
وَلَعَلَّ كَرَاهَةَ تَكْرَارِهِ فِي مَجْلِسٍ تَنْزِيهِيَّةٌ، بَلْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلْجَوَاهِرِ الْإِسْرَافُ فِي الْمَاءِ الْجَارِي جَائِزٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيَّعٍ، فَتَأَمَّلْ.
(وَمَسْحُ كُلِّ رَأْسِهِ مَرَّةً)
ــ
[رد المحتار]
الْفِعْلِ، حَتَّى لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ لَفٌّ وَنَشْرٌ؛ لِأَنَّ التَّعَدِّي يَرْجِعُ إلَى الزِّيَادَةِ وَالظُّلْمُ إلَى النُّقْصَانِ. اهـ.
أَقُولُ: وَصَرِيحُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ مَعَ اعْتِقَادِ سُنِّيَّةِ الثَّلَاثِ، وَلِذَا ذُكِرَ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا أَنَّ تَرْكَ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ مَنْدُوبٌ، وَيُوَافِقُهُ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لَا يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَرَى السُّنَّةَ فِي الزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِمَرَّةٍ وَاعْتَادَهُ أَثِمَ وَلِمَا سَيَأْتِي بَعْدَ وَرَقَةٍ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا وَمِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ؛ وَلِهَذَا فَرَّعَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِحَمْلِ الْوَعِيدِ عَلَى اعْتِقَادِ سُنِّيَّةِ الزِّيَادَةِ أَوْ النَّقْصِ بِقَوْلِهِ:" فَلَوْ زَادَ " لِقَصْدِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ، أَوْ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ، أَوْ نَقَصَ لِحَاجَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ، فَإِنَّ مُفَادَ هَذَا التَّفْرِيعِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ يُكْرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ الثَّلَاثِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ فَقَالَ: وَهَلْ لَوْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِمَا ذُكِرَ يُكْرَهُ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ إسْرَافٌ لَكِنْ لَوْ كَانَ قَصْدُهُ بِالزِّيَادَةِ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ، إنَّمَا تَنْتَفِي الْكَرَاهَةُ إذَا كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَوَّلِ وَصَلَّى بِهِ أَوْ تَبَدَّلَ الْمَجْلِسُ عَلَى مَا مَرَّ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى كُلٍّ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ، وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ سُنَّةً، وَإِنْ اعْتَادَهُ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ يُكْرَهُ وَإِنْ اعْتَقَدَ سُنِّيَّةَ الثَّلَاثِ إلَّا إذَا كَانَ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا أَوْرَدَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ لَا بَأْسَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي السِّرَاجِ مِنْ أَنَّ تَكْرَارَهُ فِي مَجْلِسٍ مَكْرُوهٌ، وَحَمْلُهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ بَعِيدٌ.
وَحَاصِلُ الْجَوَابِ حَمْلُ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ، فَلَا تُنَافِي قَوْلَهُمْ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ غَالِبَ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى. أَقُولُ: وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِأَنَّهُ نُورٌ عَلَى نُورٍ، فَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْمَنْدُوبِ لَا فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى فَالْأَحْسَنُ الْجَوَابُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّ (الْمَكْرُوهَ تَكْرَارُهُ فِي مَجْلِسٍ إلَخْ) تَرَقٍّ فِي الْجَوَابِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ مَكْرُوهٌ وَلَوْ بِمَاءِ النَّهْرِ؛ وَلِذَا قَالَ: تَأَمَّلْ، وَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْجَائِزُ عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ
وَقَدْ يُقَالُ: أَطْلَقَ الْجَائِزَ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْمَكْرُوهَ. فَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا وَهُوَ يَشْمَلُ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْوَاجِبَ اهـ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ تَحْرِيمًا مُمْتَنِعٌ شَرْعًا مَنْعًا لَازِمًا. مَطْلَبٌ فِي تَصْرِيفِ قَوْلِهِمْ مَعْزِيًّا
(قَوْلُهُ: مَعْزِيًّا) يُقَالُ: عَزَوْته وَعَزَيْته لُغَةً إذَا نَسَبْته صِحَاحٌ، فَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ الْيَائِيِّ اللَّامِ، أَصْلُهُ مَعْزُوِّي، فَقُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ، وَيَجُوزُ أَخْذُهُ مِنْ الْوَاوِ أَيْضًا، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِيهِ مَعْزُوٌّ مِثْلُ مَغْزُوٌّ، لَكِنَّهُ قَدْ تُقْلَبُ الْوَاوَانِ فِيهِ يَاءَيْنِ، وَهُوَ فَصِيحٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّصْرِيفِ.
(قَوْلُهُ: مَرَّةً) لَوْ قَالَ بَدَلَهُ بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْفَتْحِ. رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمُجَرَّدِ إذَا مَسَحَ ثَلَاثًا بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَانَ مَسْنُونًا اهـ وَعَلَيْهِ
مُسْتَوْعِبَةً، فَلَوْ تَرَكَهُ وَدَوَامَ عَلَيْهِ أَثِمَ
(وَأُذُنَيْهِ) مَعًا وَلَوْ (بِمَائِهِ) -
ــ
[رد المحتار]
حَمَلَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ رِوَايَةِ التَّثْلِيثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، فَكَيْفَ يُسَنُّ التَّكْرَارُ؟ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ فِي الْعُضْوِ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا (قَوْلُهُ: مُسْتَوْعِبَةً) هَذَا سُنَّةٌ أَيْضًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْفَتْحِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْقُنْيَةِ أَنَّهُ إذَا دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِيعَابِ بِلَا عُذْرٍ يَأْثَمُ، قَالَ: وَكَأَنَّهُ لِظُهُورِ رَغْبَتِهِ عَنْ السُّنَّةِ، قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَتَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْمَسْحِ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى الْقَفَا عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ ثُمَّ يَمْسَحُ أُذُنَيْهِ بِأُصْبُعَيْهِ. اهـ. وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ يُجَافِي الْمُسَبِّحَتَيْنِ وَالْإِبْهَامَيْنِ لِيَمْسَحَ بِهِمَا الْأُذُنَيْنِ وَالْكَفَّيْنِ لِيَمْسَحَ بِهِمَا جَانِبَيْ الرَّأْسِ خَشْيَةَ الِاسْتِعْمَالِ، فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ، وَالْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ. [تَنْبِيهٌ]
لَوْ مَسَحَ ثَلَاثًا بِمِيَاهِ، قِيلَ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: إنَّهُ بِدْعَةٌ، وَقِيلَ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا يُكْرَهُ وَلَا يَكُونُ سُنَّةً وَلَا أَدَبًا، قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ الْأَوْلَى إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ اسْتَوْجَبَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ، وَذَكَرْت مَا يُؤَيِّدُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ فَرَاجِعْهُ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ عَدُّهُ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ.
(قَوْلُهُ: وَأُذُنَيْهِ) أَيْ بَاطِنَهُمَا بِبَاطِنِ السَّبَّابَتَيْنِ، وَظَاهِرَهُمَا بِبَاطِنِ الْإِبْهَامَيْنِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: مَعًا) أَيْ فَلَا تَيَامُنَ فِيهِمَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ بِمَائِهِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ أَخَذَ لِلْأُذُنَيْنِ مَاءً جَدِيدًا فَهُوَ حَسَنٌ، وَذَكَرَهُ مُلَّا مِسْكِينٌ رِوَايَةً عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ مَاءً جَدِيدًا وَمَسَحَ بِالْبِلَّةِ الْبَاقِيَةِ هَلْ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ؟ فَعِنْدَنَا نَعَمْ، وَعِنْدَهُ لَا. أَمَّا لَوْ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا مَعَ بَقَاءِ الْبِلَّةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ اتِّفَاقًا اهـ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ.
أَقُولُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ أَوْلَى مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ؛ لِيَكُونَ آتِيًا بِالسُّنَّةِ اتِّفَاقًا، وَهُوَ مُفَادُ تَعْبِيرِ الشَّارِحِ بِلَوْ الْوَصْلِيَّةِ تَبَعًا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَصَاحِبِ الْبُرْهَانِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ، لَكِنَّ تَقْيِيدَ سَائِرِ الْمُتُونِ بِقَوْلِهِمْ بِمَائِهِ يُفِيدُ خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَذَا تَقْرِيرُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَاسْتِدْلَالُهُمْ «بِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ أَخَذَ غَرْفَةً فَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ» وَبِقَوْلِهِ «الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ» وَكَذَا جَوَابُهُمْ عَمَّا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً جَدِيدًا بِأَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لِفِنَاءِ الْبِلَّةِ قَبْلَ الِاسْتِيعَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ، وَلَوْ كَانَ أَخْذُ الْمَاءِ الْجَدِيدِ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ.
وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْخَبَّازِيَّةِ: وَلَا يُسَنُّ تَجْدِيدُ الْمَاءِ فِي كُلِّ بَعْضٍ مِنْ أَبْعَاضِ الرَّأْسِ، فَلَا يُسَنُّ فِي الْأُذُنَيْنِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَابِعٌ اهـ وَفِي الْحِلْيَةِ: السُّنَّةُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَنْ يَكُونَ بِمَاءِ الرَّأْسِ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَمِنْ السُّنَّةِ مَسَحَهُمَا بِمَاءِ الرَّأْسِ، وَلَا يَأْخُذُ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا. اهـ. وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْبَدَائِعِ: وَهُوَ سُنَّةٌ بِمَاءِ الرَّأْسِ، قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا بِمَاءٍ جَدِيدٍ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ سُنَّةٌ، وَلَا يَتِمُّ بِدُونِهِمَا حَيْثُ جُعِلَتَا مِنْ الرَّأْسِ أَيْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ. وَفِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: وَلَوْ أُفْرِدَا بِالْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَصَارَا أَصْلَيْنِ، وَذَا لَا يَجُوزُ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ الْمَوْضُوعَةِ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.
لَكِنْ لَوْ مَسَّ عِمَامَتَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ مَاءٍ جَدِيدٍ
(وَالتَّرْتِيبُ) الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فَرْضٌ، وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ
(وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ: غَسْلُ الْمُتَأَخِّرِ أَوْ مَسْحِهِ قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ بِلَا عُذْرٍ.
ــ
[رد المحتار]
وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فَتَدَبَّرْهُ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ السَّابِقَةِ مَا نَصُّهُ؛ قُلْت: قَوْلُهُ: وَلَوْ فَعَلَ فَحَسَنٌ، مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ خِلَافَ السُّنَّةِ، وَخِلَافُ السُّنَّةِ كَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ (قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا انْعَدَمَتْ الْبِلَّةُ بِمَسِّ الْعِمَامَةِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا انْعَدَمَتْ الْبِلَّةُ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْأَخْذِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ: لَا بُدَّ مِنْ الْأَخْذِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ بِمَسِّ الْعِمَامَةِ يَحْصُلُ الِانْفِصَالُ فَيُحْكَمُ عَلَى الْبِلَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا قَبْلَ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ مَاءٍ جَدِيدٍ وَلَوْ كَانَتْ الْبِلَّةُ بَاقِيَةً، تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ: الْمَذْكُورُ فِي النَّصِّ) أَيْ التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ: وَالتَّرْتِيبُ الْمَنْصُوصُ النَّصَّ الْأُصُولِيَّ، بَلْ الْمُرَادُ الْمَذْكُورُ، إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ؛ فَلَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِيهَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالدَّلِيلِ) أَيْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَنَا إلَى الدَّلِيلِ عَلَى عَدَمِ الِافْتِرَاضِ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَمُدَّعِيه مُطَالَبٌ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ عُلِمَ التَّرْتِيبُ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام فَقُلْنَا بِسُنِّيَّتِهِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: وَالْوِلَاءُ) اسْمُ مَصْدَرٍ وَالْمَصْدَرُ الْمُوَالَاةُ. قَالَ الْحَمَوِيُّ: لَا تَتَحَقَّقُ الْمُوَالَاةُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ اهـ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ، إذْ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتَّجِهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْمُوَالَاةُ مُعْتَبَرَةً فِي جَانِبِ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ فَقَطْ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: بِكَسْرِ الْوَاوِ) أَيْ مَعَ الْمُدِّ، وَهُوَ لُغَةً: التَّتَابُعُ. قَالَ ط: وَأَمَّا بِفَتْحِهَا فَهُوَ صِفَةٌ تُوجِبُ لِمَنْ قَامَتْ بِهِ التَّعْصِيبُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ مَثَلًا (قَوْلُهُ: غَسْلُ الْمُتَأَخِّرِ إلَخْ) عَرَّفَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِغَسْلِ الْعُضْوِ الثَّانِي قَبْلَ جَفَافِ الْأَوَّلِ. زَادَ الْحَدَّادِيُّ مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَالْبَدَنِ وَعَدَمِ الْعُذْرِ. وَعَرَّفَهُ الْأَكْمَلُ فِي التَّقْرِيرِ بِالتَّتَابُعِ فِي الْأَفْعَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا جَفَافُ عُضْوٍ مَعَ اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ جَفَّ الْعُضْوُ الْأَوَّلُ بَعْدَ غَسْلِ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ وِلَاءٌ. وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ وِلَاءً، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ الْأَوْلَى.
وَفِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ لَا يَكُونُ وِلَاءً، لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ تَجْفِيفَ الْأَعْضَاءِ قَبْلَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ فِيهِ تَرْكُ الْوِلَاءِ فَيُحْمَلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ عَلَى مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ اهـ أَيْ فَيُرَادُ بِالثَّانِي جَمِيعُ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا مَا يَلِيه فَقَطْ، وَلَا يَخْفَى يَعُدُّهُ؛ لِمَا فِي السِّرَاجِ. حَدُّهُ أَنْ لَا يَجِفَّ الْمَاءُ عَنْ الْعُضْوِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هُوَ أَنْ يَغْسِلَ كُلَّ عُضْوٍ عَلَى أَثَرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ يَجِفُّ السَّابِقُ.
وَلَا يَخْفَى أَيْضًا أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ صَادِقٌ عَلَى التَّعْرِيفَيْنِ، وَأَنَّ حَمْلَ التَّعْرِيفِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ أَقْرَبُ مِنْ عَكْسِهِ، بِأَنْ يُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا جَفَافُ عُضْوٍ: أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجِفَّ عُضْوٌ قَبْلَ غَسْلِ مَا بَعْدَهُ، وَكَذَا قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: هُوَ غَسْلُ عُضْوٍ قَبْلَ جَفَافِ مُتَقَدِّمِهِ اهـ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَبَعًا لِابْنِ كَمَالٍ أَوْ مَسْحُهُ، فَإِنَّهُ كَمَا يَشْمَلُ مَسْحَ الْخُفِّ يَشْمَلُ مَسْحَ الرَّأْسِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْمُتَأَخِّرِ فِي كَلَامِهِ عَلَى جَمِيعِ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ حَقِيقَةً فَافْهَمْ، نَعَمْ مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ تَعْرِيفِ الدُّرَرِ.
هَذَا وَقَدْ عَرَّفَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ بِمَا لَيْسَ مِنْهُ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِنْ التَّعْرِيفَيْنِ السَّابِقَيْنِ مِنْ وَجْهٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: هُوَ أَنْ لَا يَمْكُثَ فِي أَثْنَائِهِ مِقْدَارَ مَا يَجِفُّ فِيهِ الْعُضْوُ.
حَتَّى لَوْ فَنِيَ مَاؤُهُ فَمَضَى لِطَلَبِهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ، وَعِنْدَ مَالِكٍ فَرْضٌ؛ وَمِنْ السُّنَنِ: الدَّلْكُ، وَتَرْكُ الْإِسْرَافِ، وَتَرْكُ لَطْمِ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، وَغَسْلُ فَرْجِهَا الْخَارِجِ
(وَمُسْتَحَبُّهُ) وَيُسَمَّى مَنْدُوبًا وَأَدَبًا
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: يُمْكِنُ جَعْلُ هَذَا تَوْضِيحًا لِمَا مَرَّ، بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ جَفَافُ الْعُضْوِ حَقِيقَةً أَوْ مِقْدَارُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَّجِهُ ذِكْرُ الْمَسْحِ، فَلَوْ مَكَثَ بَيْنَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ أَوْ الرَّأْسِ وَبَيْنَ مَا بَعْدَهُ بِمِقْدَارِ مَا يَجِفُّ فِيهِ عُضْوٌ مَغْسُولٌ كَانَ تَارِكًا لِلْوِلَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ اعْتِبَارُهُمْ الْوِلَاءَ فِي التَّيَمُّمِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا مَعَ أَنَّهُ لَا غَسْلَ فِيهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ فَنِيَ مَاؤُهُ إلَخْ) بَيَانٌ لِلْعُذْرِ (قَوْلُهُ: لَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ) أَيْ إذَا فَرَّقَ بَيْنَ أَفْعَالِهِمَا لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَمُفَادُهُ اعْتِبَارُ سُنِّيَّةِ الْمُوَالَاةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَمِنْ السُّنَنِ) أَتَى بِمِنْ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ بَقِيَ غَيْرُهَا: فَفِي الْفَتْحِ: وَمِنْ السُّنَنِ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَالْبُدَاءَةُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْمَوَاهِبِ بَدَلَ الْأَوَّلِ التَّيَامُنَ وَمَسْحَ الرَّقَبَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ الْأَرْبَعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ (قَوْلُهُ: الدَّلْكُ) أَيْ بِإِمْرَارِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ حِلْيَةٌ: وَعَدَّهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، نَعَمْ تَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: وَتَرْكُ الْإِسْرَافِ) عَدَّهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ أَيْضًا، وَلَمْ يُتَابِعْ أَيْضًا بَلْ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ بِضَعْفِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ. اهـ. وَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ: وَتَرْكُ لَطْمِ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ) جَعَلَهُ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ كَالزَّيْلَعِيِّ بِكَرَاهَتِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَيَكُونُ تَرْكُهُ سُنَّةً لَا أَدَبًا، لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ إنَّهُ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ فَرْجِهَا الْخَارِجِ) أَقُولُ: فِي تَقْيِيدِهِ بِالْمَرْأَةِ نَظَرٌ، فَقَدْ عَدَّ فِي الْمُنْيَةِ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ. وَفِي النِّهَايَةِ إنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ. بَلْ أَقْوَاهَا لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَسَائِرُ السُّنَنِ لِإِزَالَةِ الْحُكْمِيَّةِ. وَجَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ سُنَنَ الْوُضُوءِ عَلَى أَنْوَاعٍ: نَوْعٌ يَكُونُ قَبْلَهُ، وَنَوْعٌ فِي ابْتِدَائِهِ، وَنَوْعٌ فِي أَثْنَائِهِ، وَعَدَّ مِنْ الْأَوَّلِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحَجَرِ، وَمِنْ الثَّانِي الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ.
مَطْلَبٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْدُوبِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالنَّفَلِ وَالتَّطَوُّعِ
(قَوْلُهُ: وَيُسَمَّى مَنْدُوبًا وَأَدَبًا) زَادَ غَيْرُهُ وَنَفْلًا وَتَطَوُّعًا، وَقَدْ جَرَى عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَالْأَدَبِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي عَلَى الدُّرَرِ؛ فَيُسَمَّى مُسْتَحَبًّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الشَّارِعَ يُحِبُّهُ وَيُؤْثِرُهُ، وَمَنْدُوبًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَّنَ ثَوَابَهُ وَفَضِيلَتَهُ؛ مِنْ نَدْبِ الْمَيِّتِ: وَهُوَ تَعْدِيدُ مَحَاسِنِهِ، وَنَفْلًا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ زَائِدٌ عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، وَيَزِيدُ بِهِ الثَّوَابُ، وَتَطَوُّعًا مِنْ حَيْثُ إنَّ فَاعِلَهُ يَفْعَلُهُ تَبَرُّعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْمَرَ بِهِ حَتْمًا اهـ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى الْبُرْجَنْدِيِّ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ السُّنَّةِ وَصَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِأَنَّهُ دُونَ سُنَنِ الزَّوَائِدِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَحُكْمُهُ الثَّوَابُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَدَمُ اللَّوْمِ عَلَى التَّرْكِ. اهـ. مَطْلَبٌ تَرْكُ الْمَنْدُوبِ هَلْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّنْزِيهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى
وَهَلْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، فِي الْبَحْرِ لَا، وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ الْجَنَائِزِ وَالشَّهَادَاتِ أَنَّ مَرْجِعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ خِلَافُ الْأَوْلَى. قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ خِلَافُ الْأَوْلَى اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ أَشَارَ فِي التَّحْرِيرِ إلَى أَنَّهُ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ نَهْيٍ كَتَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا، نَعَمْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّ هَذَا أَمْرٌ يَرْجِعُ إلَى الِاصْطِلَاحِ، وَالْتِزَامُهُ غَيْرُ لَازِمٍ وَالظَّاهِرُ تَسَاوِيهِمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ اللَّامِشِيُّ اهـ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْأَكْلِ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ الصَّلَاةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ
وَفَضِيلَةً، وَهُوَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى، وَمَا أَحَبَّهُ السَّلَفُ:(التَّيَامُنُ) فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَلَوْ مُسِحَا، لَا الْأُذُنَيْنِ وَالْخَدَّيْنِ، فَيُلْغَزُ، أَيُّ عُضْوَيْنِ لَا يُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ فِيهِمَا؟ .
(وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) بِظَهْرِ يَدَيْهِ (لَا الْحُلْقُومِ) لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ.
(وَمِنْ آدَابِهِ) عَبَّرَ بِمِنْ لِأَنَّ لَهُ آدَابًا أُخَرَ أَوْصَلَهَا فِي الْفَتْحِ إلَى نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ وَأَوْصَلْتهَا فِي الْخَزَائِنِ إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ
ــ
[رد المحتار]
لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْكُلَ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ هُنَاكَ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ، إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ. اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ إذْ لَا شُبْهَةَ أَنَّ النَّوَافِلَ مِنْ الطَّاعَاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِهِمَا فِعْلُهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا بِلَا عَارِضٍ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ تَرْكَهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: وَفَضِيلَةً) أَيْ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَفْضُلُ تَرْكَهُ فَهُوَ بِمَعْنَى فَاضِلٍ؛ أَوْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَاعِلُهُ ذَا فَضِيلَةٍ بِالثَّوَابِ ط (قَوْلُهُ: وَهُوَ إلَخْ) يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا رَغَّبَ فِيهِ عليه الصلاة والسلام وَلَمْ يَفْعَلْهُ؛ فَالْأَوْلَى مَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ مَعَ تَرْكٍ مَا بِلَا عُذْرٍ سُنَّةٌ، وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدَ مَا رَغَّبَ فِيهِ اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: التَّيَامُنُ) أَيْ الْبُدَاءَةُ بِالْيَمِينِ، لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ «كَانَ عليه الصلاة والسلام يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي طُهُورِهِ وَتَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَشَأْنِهِ كُلِّهِ» الطُّهُورُ هُنَا بِضَمِّ الطَّاءِ وَالتَّرَجُّلُ: مَشْطُ الشَّعْرِ دُرُّ مُنْتَقِي. وَحَقَّقَ فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِثُبُوتِ الْمُوَاظَبَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّهَا تُفِيدُ السُّنِّيَّةَ إذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لَا الْعَادَةِ. سَلَّمْنَا أَنَّهَا هُنَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ، لَكِنَّ عَدَمَ الِاخْتِصَاصِ يُنَافِيهَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ أَيْ عَدَمَ اخْتِصَاصِهَا بِالْوُضُوءِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: وَشَأْنِهِ كُلِّهِ يُنَافِي كَوْنَهُ سُنَّةً لَهُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ فَيَكُونُ مَنْدُوبًا فِيهِ كَمَا فِي التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ.
قُلْت: يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى النِّيَّةِ وَالسِّوَاكِ بِلَا اخْتِصَاصٍ بِالْوُضُوءِ مَعَ أَنَّهُمَا مِنْ سُنَنِهِ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَسْحًا) أَيْ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَالْجَبِيرَةِ، وَأَمَّا الْخُفُّ فَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ التَّيَامُنَ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَالُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ: أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْسَرِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى السَّاقِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ التَّيَامُنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَا الْأُذُنَيْنِ) أَيْ فَيَمْسَحُهُمَا مَعًا إنْ أَمْكَنَهُ، حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ وَلَا يُمْكِنُهُ مَسْحُهُمَا مَعًا يَبْدَأُ بِالْأُذُنِ الْيُمْنَى ثُمَّ الْيُسْرَى ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) هُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: بِظَهْرِ يَدَيْهِ) أَيْ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ بِلَتِّهِمَا بَحْرٌ، فَقَوْلُ الْمُنْيَةِ: بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِهَا الْكَبِيرِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُنْيَةِ بِظَهْرِ الْأَصَابِعِ وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ هُنَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ) إذْ لَمْ يَرِدْ فِي السُّنَّةِ.
(قَوْلُهُ: إلَى نَيِّفٍ وَسِتِّينَ) عِبَارَتُهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى إلَى نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ وَالنَّيِّفُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَدْ تُخَفَّفُ: مَا زَادَ عَلَى الْعِقْدِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْعِقْدَ الثَّانِيَ قَامُوسٌ. مَطْلَبٌ فِي تَتْمِيمِ مَنْدُوبَاتِ الْوُضُوءِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ مِنْهَا هُنَا مَتْنًا وَشَرْحًا نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ، وَلْنَذْكُرْ مَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ الْفَتْحِ وَالْخَزَائِنِ؛ فَمِنْهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ تَرْكُ الْإِسْرَافِ وَالتَّقْتِيرِ، وَتَرْكُ التَّمَسُّحِ بِخِرْقَةٍ يَمْسَحُ بِهَا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَاسْتِقَاؤُهُ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ، وَالْمُبَادَرَةُ إلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَنَزْعُ خَاتَمٍ عَلَيْهِ اسْمُهُ تَعَالَى أَوْ اسْمُ نَبِيِّهِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَكَوْنُ آنِيَتِهِ مِنْ خَزَفٍ، وَأَنْ يَغْسِلَ عُرْوَةَ الْإِبْرِيقِ ثَلَاثًا، وَوَضْعُهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ إنَاءٌ يَغْتَرِفُ مِنْهُ فَعَنْ يَمِينِهِ، وَوَضْعُ يَدِهِ حَالَةَ الْغَسْلِ عَلَى عُرْوَتِهِ لَا رَأْسِهِ، وَذِكْرُ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ، وَاسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَأَنْ لَا يَلْطِمَ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ
(اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ) فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى (وَإِدْخَالُ خِنْصَرِهِ) الْمَبْلُولَةِ (صِمَاخَ أُذُنَيْهِ) عِنْدَ مَسْحِهِمَا (وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ) ، وَهَذِهِ إحْدَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَاعِدَةِ الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ،
ــ
[رد المحتار]
وَمِلْءُ آنِيَتِهِ اسْتِعْدَادًا، وَالِامْتِخَاطُ بِالْيُسْرَى؛ وَالتَّأَنِّي، وَإِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ، وَالدَّلْكُ اهـ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ سُنَّةٌ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِمَا قَبْلَهُ إمْرَارُهَا عَلَيْهِ مَبْلُولَةً قَبْلَ الْغَسْلِ، تَأَمَّلْ.
زَادَ فِي الْبَحْرِ وَغَسْلُ مَا تَحْتَ الْحَاجِبِ وَالشَّارِبِ، وَالتَّوَضُّؤُ فِي مَكَان طَاهِرٍ؛ لِأَنَّ لِمَاءِ الْوُضُوءِ حُرْمَةٌ وَالْبَدْءُ بِأَعْلَى الْوَجْهِ وَأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ سُنَّةٌ. وَزَادَ فِي الْإِمْدَادِ: وَدُخُولُهُ الْخَلَاءَ مَسْتُورَ الرَّأْسِ، وَعَدَمُ التَّوَضُّؤِ بِمَاءٍ مُشَمَّسٍ، وَأَنْ لَا يَسْتَخْلِصَ إنَاءً لِنَفْسِهِ، وَتَرْكُ النَّظَرِ لِلْعَوْرَةِ، وَإِلْقَاءُ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ فِي الْمَاءِ، وَأَنْ لَا يَنْقُصُهُ عَنْ مُدٍّ، وَغَسْلُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ بِالْيُمْنَى. وَزَادَ فِي الْمُنْيَةِ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ وَعَدَمُ نَفْخِهِ فِي الْمَاءِ حَالَ غَسْلِ الْوَجْهِ، وَالتَّشَهُّدُ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ.
وَزَادَ فِي الْخَزَائِنِ وَتَرْكُ التَّكَلُّمِ حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَتَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الْخَلَاءِ، وَاسْتِقْبَالُ عَيْنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاسْتِدْبَارهمَا وَتَرْكُ مَسِّ فَرْجِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَسَارِ، وَمَسْحُهَا بَعْدَهُ عَلَى نَحْوِ حَائِطٍ، وَغَسْلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَرَشُّ الْمَاءِ عَلَى الْفَرْجِ وَعَلَى السِّرْوَالِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَالتَّوَضُّؤِ مِنْ مُتَوَضَّأِ الْعَامَّةِ، وَإِفْرَاغُ الْمَاءِ بِيَمِينِهِ فَقَدْ بَلَغَتْ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ تَرْكَ الْمَنْدُوبِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا فَيُزَادُ تَرْكُ مَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا مَرَّ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ آدَابِ الْوُضُوءِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مِنْ آدَابِ مُقَدَّمَاتِهِ وَبِهَذَا تَزِيدُ عَلَى مَا ذُكِرَ بِكَثِيرٍ، فَإِنَّهُ بَقِيَ لِلِاسْتِنْجَاءِ آدَابٌ كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي (قَوْلُهُ: وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ) عَلِمْت مَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ: فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْمُنْيَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُنْيَةِ هُنَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْغُسْلِ وَعَلَّلَهُ فِي الشَّرْحِ بِقَوْلِهِ لِيَعُمَّ الْمَاءُ الْبَدَنَ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ (قَوْلُهُ: وَتَقْدِيمُهُ إلَخْ) لِأَنَّ فِيهِ انْتِظَارَ الصَّلَاةِ، وَمُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ كَمَنْ هُوَ فِيهَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَقَطْعُ طَمَعِ الشَّيْطَانِ عَنْ تَثْبِيطِهِ عَنْهَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ.
وَفِي الْحِلْيَةِ: وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الصَّلَاةِ لَا الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مَقْصُودٌ لِفِعْلِ الصَّلَاةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ) أَيْ مَسْأَلَةُ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْوَقْتِ. مَطْلَبٌ الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ
(قَوْلُهُ: الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ قَاعِدَةِ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ) هَذَا الْأَصْلُ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ لِأَنَّا إذَا حَكَمْنَا عَلَى مَاهِيَّةٍ بِأَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ مَاهِيَّةٍ أُخْرَى؛ كَالرَّجُلِ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَفْضُلَهَا الْأُخْرَى بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا فَضَلَ الْمَرْأَةَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رَجُلٌ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَفْضُلَهُ الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا غَيْرُ الرَّجُلِ وَإِلَّا تَتَكَاذَبُ الْقَضِيَّتَانِ، وَهَذَا بَدِيهِيٌّ، نَعَمْ قَدْ تَفْضُلُ الْمَرْأَةُ رَجُلًا مَا مِنْ جِهَةٍ غَيْرِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ. اهـ. حَمَوِيٌّ. أَقُولُ: فَعَلَى هَذَا لَا اسْتِثْنَاءَ حَقِيقَةً لِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْأَفْضَلِيَّةِ.
بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ يُسَاوِي الْوَاقِعَ بَعْدَهُ مِنْ حَيْثُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَسُقُوطُ الْوَاجِبِ بِهِ، وَإِنَّمَا لِلْأَوَّلِ فَضِيلَةُ التَّقْدِيمِ، وَكَذَا إنْظَارُ الْمُعْسِرِ وَاجِبٌ دَفْعًا لِأَذَاهُ بِالْمُطَالَبَةِ وَفِي إبْرَائِهِ ذَلِكَ مَعَ زِيَادَةِ إسْقَاطِ الدَّيْنِ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَلِلْإِبْرَاءِ زِيَادَةُ فَضِيلَةِ الْإِسْقَاطِ، وَكَذَلِكَ إفْشَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ لِإِظْهَارِ التَّوَادِّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي رَدِّهِ ذَلِكَ أَيْضًا، لَكِنْ وَجَبَ الرَّدُّ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى تَرْكِهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالتَّبَاغُضِ، فَإِفْشَاؤُهُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ ابْتِدَاءُ الْمُفْشِي ي لَهُ بِإِظْهَارِ الْمَوَدَّةِ فَلَهُ فَضِيلَةُ التَّقَدُّمِ؛ فَفِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إنَّمَا فُضِّلَ النَّفَلُ عَلَى الْفَرْضِ لَا مِنْ جِهَةِ الْفَرْضِيَّةِ بَلْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَصَوْمِ الْمُسَافِرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ أَشَقُّ مِنْ صَوْمِ الْمُقِيمِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَكَالتَّبْكِيرِ إلَى
لِأَنَّ الْوُضُوءَ قَبْلَ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ، وَبَعْدَهُ فَرْضٌ. الثَّانِيَةُ: إبْرَاءُ الْمُعْسِرِ مَنْدُوبٌ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ الْوَاجِبَ. الثَّالِثَةُ: الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ، وَهُوَ فَرْضٌ، وَنَظَمَهُ مَنْ قَالَ:
الْفَرْضُ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ عَابِدٍ
…
حَتَّى وَلَوْ قَدْ جَاءَ مِنْهُ بِأَكْثَرِ
إلَّا التَّطَهُّرَ قَبْلَ وَقْتٍ وَابْتِدَاءٍ
…
لِلسَّلَامِ كَذَاك إبْرَا مُعْسِرِ
(وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ) وَمِثْلُهُ الْقُرْطُ، وَكَذَا الضَّيِّقِ إنْ عَلِمَ وُصُولَ الْمَاءِ، وَإِلَّا فُرِضَ
(وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ) إلَّا لِعُذْرٍ. وَأَمَّا اسْتِعَانَتُهُ عليه الصلاة والسلام بِالْمُغِيرَةِ فَلِتَعْلِيمِ الْجَوَازِ (وَ) عَدَمُ (التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ) إلَّا لِحَاجَةٍ
ــ
[رد المحتار]
صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الذَّهَابِ بَعْدَ النِّدَاءِ مَعَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَالثَّانِي فَرْضٌ.
وَكَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شَرْبَةِ مَاءٍ أَوْ أَكْلِ لُقْمَةٍ فَدَفَعْت لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ، فَدَفْعُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَاجِبٌ، وَالزَّائِدُ نَفْلٌ ثَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ إنَّ نَفْعَهُ أَكْثَرُ، وَإِنْ كَانَ دَفْعُ قَدْرِ الضَّرُورَةِ أَفْضَلَ مِنْ حَيْثُ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، وَكَذَا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَدَفَعَ دِرْهَمَيْنِ أَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ فَضَحَّى بِشَاتَيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُزَادُ عَلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ مِنْ كُلِّ مَا هُوَ نَفْلٌ اشْتَمَلَ عَلَى الْوَاجِبِ وَزَادَ، لَكِنَّ تَسْمِيَتَهُ نَفْلًا مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، أَمَّا مِنْ حَيْثُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَثَوَابُهُ أَكْثَرُ مِنْ حَيْثُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ، فَلَا تَنْخَرِمُ حِينَئِذٍ الْقَاعِدَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِمَّا صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ» وَمِمَّا وَرَدَ فِي صَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّ «الْوَاجِبَ يَفْضُلُ الْمَنْدُوبَ بِسَبْعِينَ دَرَجَةً» وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ، فَاغْتَنِمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ.
ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ نَبَّهَ عَلَى مَا قُلْته، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوُضُوءَ إلَخْ) وَمِثْلَهُ التَّيَمُّمُ لِغَيْرِ رَاجِي الْمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ عَنْ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ) وَقِيلَ: أَجْرُ الرَّدِّ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ حَمَوِيٌّ، عَنْ كَرَاهِيَةِ الْعَلَّامِيِّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ) الْوَاوُ زَائِدَةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ حَتَّى إنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ط (قَوْلُهُ: مِنْهُ) مُتَعَلِّقٌ بِأَكْثَرَ وَالضَّمِيرُ لِلْفَرْضِ، أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِجَاءَ وَالضَّمِيرُ لِلتَّطَوُّعِ ط (قَوْلُهُ: بِأَكْثَرِ) جَرَّهُ بِالْكِسْرَةِ لِأَجْلِ يَنْجُسُ (قَوْلُهُ: وَابْتِدَاءً) أَلِفُ ابْتِدَاءً مِنْ الْمِصْرَاعِ الْأَوَّلِ وَهَمْزَتُهُ الْمُنَوَّنَةُ مِنْ الْمِصْرَاعِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: إبْرَا) بِالْقَصْرِ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الْقُرْطُ) أَيْ فِي الْغَسْلِ، وَإِلَّا فَلَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا لِأَنَّهُ مَا يُعَلَّقُ فِي الْأُذُنِ قَامُوسٌ.
مَطْلَبٌ فِي مَبَاحِثِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ بِالْغَيْرِ
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا اسْتِعَانَتُهُ عليه الصلاة والسلام إلَخْ) كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ مَكْرُوهَةٌ حَتَّى اُحْتِيجَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ. وَظَاهِرُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ أَصْلًا إذَا كَانَتْ بِطِيبِ قَلْبٍ وَمَحَبَّةٍ مِنْ الْمُعِينِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفٍ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِيهَا التَّصْرِيحُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَبِدُونِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي مِثْلِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ الَّذِي لَا تُجَامِعْهُ الْكَرَاهَةُ لِأَنَّ الْجَزْمَ بِعَدَمِ ارْتِكَابِهِ الْمَكْرُوهَ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ وَاقِعٍ فِي حَقِّهِ، نَعَمْ قَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ مِنْهُ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَكِنْ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْمُقْتَضِي لِلْكَرَاهَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقُمْ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ بِالْكَرَاهَةِ، ثُمَّ يُعَلِّلُ مَا وَرَدَ مِنْ الْفِعْلِ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِلْجَوَازِ، وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلٌ مُعْتَبَرٌ يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ هُنَا، وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: إنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ يُعِينَنِي عَلَى وُضُوئِي أَحَدٌ. وَوَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَكِلُ طُهُورَهُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا، وَلَوْ ثَبَتَ لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارِضَةِ الْأَحَادِيثِ الْمَارَّةِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ غَسْلَ
تَفُوتُهُ (وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ) تَحَرُّزًا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ. وَعِبَارَةُ الْكَمَالِ: وَحِفْظُ ثِيَابِهِ مِنْ التَّقَاطُرِ، وَهِيَ أَشْمَلُ (وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ) هَذِهِ رُتْبَةٌ وُسْطَى بَيْنَ مَنْ سَنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ وَمَنْ كَرِهَهُ لِعَدَمِ نَقْلِهِ عَنْ السَّلَفِ (وَالتَّسْمِيَةُ) كَمَا مَرَّ (عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ) ، وَكَذَا الْمَمْسُوحُ (وَالدُّعَاءُ بِالْوَارِدِ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ طُرُقٍ.
ــ
[رد المحتار]
أَعْضَائِهِ وَمَسْحَهَا بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ، فَيُكْرَهُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ ذَلِكَ غَيْرُهُ بِلَا عُذْرٍ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الِاخْتِيَارِ يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ فِي وُضُوئِهِ بِغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ؛ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِثَوَابِهِ وَأَخْلَصَ لِعِبَادَتِهِ، اهـ مُلَخَّصًا.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِعَانَةَ فِي الْوُضُوءِ إنْ كَانَتْ بِصَبِّ الْمَاءِ أَوْ اسْتِقَائِهِ أَوْ إحْضَارِهِ فَلَا كَرَاهَةَ بِهَا أَصْلًا وَلَوْ بِطَلَبِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِالْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فَتُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ؛ وَلِذَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَمِنْ الْآدَابِ أَنْ يَقُومَ بِأَمْرِ الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ وَلَوْ اسْتَعَانَ بِغَيْرِهِ جَازَ بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ الْغَاسِلُ غَيْرُهُ بَلْ يَغْسِلُ بِنَفْسِهِ (قَوْلُهُ: تَحَرُّزًا إلَخْ) لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي نَجَاسَتِهِ وَلِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ؛ وَلِذَا كُرِهَ شُرْبُهُ وَالْعَجْنُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ بِطَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: أَشْمَلُ) أَيْ أَعَمُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْتَعْلِيًا وَلَا يُتَحَفَّظُ ط (قَوْلُهُ: هَذِهِ) أَيْ الطَّرِيقَةُ الَّتِي مَشَى عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ حَيْثُ جَعَلَ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ مَنْدُوبًا لَا سُنَّةً وَلَا مَكْرُوهًا (قَوْلُهُ: وَالتَّسْمِيَةُ كَمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الصِّيغَةِ الْوَارِدَةِ، وَهِيَ «بِسْمِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ» وَزَادَ فِي الْمُنْيَةِ هُنَا أَيْضًا تَبَعًا لِلْمُحِيطِ وَشَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ حِينَ يَتَوَضَّأُ: بِسْمِ اللَّهِ ثُمَّ يَقُولُ بِكُلِّ عُضْوٍ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَفْرُغُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ إلَّا فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا يَشَاءُ، فَإِنْ قَامَ مِنْ وَقْتِهِ ذَلِكَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اسْتَأْنِفْ الْعَمَلَ» رَوَاهُ الْحَافِظُ الْمُسْتَغْفِرِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ بِالْوَارِدِ) فَيَقُولُ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك، وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ: اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَا تُرِحْنِي رَائِحَةَ النَّارِ، وَعِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ: اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى: اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ: اللَّهُمَّ أَظَلَّنِي تَحْتَ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك، وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ: اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ، وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُمْنَى: اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَسَعْيِ مَشْكُورًا، وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ، كَمَا فِي الْإِمْدَادِ وَالدُّرَرِ وَغَيْرِهِمَا، وَثَمَّ رِوَايَاتٌ أُخَرُ ذَكَرَهَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ، فَصَارَ مَجْمُوعُ مَا يَذْكُرُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ التَّسْمِيَةُ وَالشَّهَادَةُ وَالدُّعَاءُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَيُسَمِّي عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ أَوْ يَدْعُو بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ فِيهِ أَوْ يَذْكُرُ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ أَوْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى فِي الْجَمِيعِ بِأَوْ، وَلَكِنْ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُخْتَارَاتِ وَيَدْعُو بِالْوَاوِ وَبِأَوْ فِي الْبَوَاقِي فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ: مِنْ طُرُقٍ) أَيْ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَارْتَقَى إلَى مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ ط.
أَقُولُ: لَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَ ضَعْفُهُ لِسُوءِ حِفْظِ الرَّاوِي الصَّدُوقِ الْأَمِينِ أَوْ لِإِرْسَالٍ أَوْ تَدْلِيسٍ أَوْ جَهَالَةِ حَالٍ.
قَالَ مُحَقِّقُ الشَّافِعِيَّةِ الرَّمْلِيُّ: فَيُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَإِنْ أَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ. [فَائِدَةٌ]
شَرْطُ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَدَمُ شِدَّةِ ضَعْفِهِ، وَأَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ أَصْلٍ عَامٍّ، وَأَنْ لَا يُعْتَقَدَ سُنِّيَّةُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ فَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ بِحَالٍ وَلَا رِوَايَتُهُ، إلَّا إذَا قُرِنَ بِبَيَانِهِ (وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْوُضُوءِ، لَكِنْ فِي الزَّيْلَعِيِّ أَيْ بَعْدَ كُلِّ عُضْوٍ (وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ
ــ
[رد المحتار]
أَمَّا لَوْ كَانَ لِفِسْقِ الرَّاوِي أَوْ كَذِبِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مُوَافَقَةُ مِثْلِهِ لَهُ وَلَا يَرْتَقِي بِذَلِكَ إلَى الْحَسَنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّقْرِيبِ وَشَرْحِهِ، فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى الْكَشْفِ عَنْ حَالِ الرَّاوِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ عَمَلِهِمْ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقِسْمِ الْأَخِيرِ كَمَا يَتَّضِحُ (قَوْلُهُ: فَيُعْمَلُ بِهِ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَعِبَارَةُ الرَّمْلِيِّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ إلَخْ (قَوْلُهُ: فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ) أَيْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَقُّهُ مِنْ الْعَمَلِ وَإِلَّا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ مَفْسَدَةُ تَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ وَلَا ضَيَاعِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ، وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ «مَنْ بَلَغَهُ عَنِّي ثَوَابُ عَمَلٍ فَعَمِلَهُ حَصَلَ لَهُ أَجْرُهُ وَإِنْ لَمْ أَكُنْ قُلْته» أَوْ كَمَا قَالَ. اهـ. ط. قَالَ الْأَسْيُوطِيُّ: وَيُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا فِي الْأَحْكَامِ إذَا كَانَ فِيهِ احْتِيَاطٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ) حَمَلَ الرَّمْلِيُّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنْكَارَهُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ، قَالَ: أَمَّا بِاعْتِبَارِ وُرُودِهِ مِنْ الطُّرُقِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ: فَائِدَةٌ) إلَى قَوْلِهِ: وَأَمَّا الْمَوْضُوعُ مِنْ كَلَامِ الرَّمْلِيِّ (قَوْلُهُ: عَدَمُ شِدَّةِ ضِعْفِهِ) شَدِيدُ الضَّعْفِ هُوَ الَّذِي لَا يَخْلُو طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِهِ عَنْ كَذَّابٍ أَوْ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ ط. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ ارْتِقَاءِ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ إلَى مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ
قُلْت: مُقْتَضَى عَمَلِهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَيْسَ شَدِيدَ الضَّعْفِ فَطُرُقُهُ تُرَقِّيه إلَى الْحَسَنِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ لَا يَعْتَقِدَ سُنِّيَّةَ ذَلِكَ الْحَدِيثِ) أَيْ سُنِّيَّةَ الْعَمَلِ بِهِ. وَعِبَارَةُ السُّيُوطِيّ فِي شَرْحِ التَّقْرِيبِ: الثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْتَقِدَ عِنْدَ الْعَمَلِ بِهِ ثُبُوتَهُ بَلْ يَعْتَقِدُ الِاحْتِيَاطَ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا. اهـ. (قَوْلُهُ: أَمَّا الْمَوْضُوعُ) أَيْ الْمَكْذُوبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ كُفْرٌ. قَالَ: عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» ط (قَوْلُهُ: بِحَالٍ) أَيْ وَلَوْ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. قَالَ ط أَيْ حَيْثُ كَانَ مُخَالِفًا لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ دَاخِلًا فِي أَصْلٍ عَامٍّ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ لَا لِجَعْلِهِ حَدِيثًا بَلْ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْأَصْلِ الْعَامِّ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَرَنَ) أَيْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ بِبَيَانِهِ أَيْ بَيَانِ وَضْعِهِ، أَمَّا الضَّعِيفُ فَتَجُوزُ رِوَايَتُهُ بِلَا بَيَانِ ضَعْفِهِ، لَكِنْ إذَا أَرَدْت رِوَايَتَهُ بِغَيْرِ إسْنَادٍ فَلَا تَقُلْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ صِيَغِ الْجَزْمِ، بَلْ قُلْ رُوِيَ كَذَا وَبَلَغَنَا كَذَا أَوْ وَرَدَ أَوْ جَاءَ أَوْ نُقِلَ عَنْهُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ صِيَغِ التَّمْرِيضِ، وَكَذَا مَا شُكَّ فِي صِحَّتِهِ وَضَعْفِهِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ (قَوْلُهُ: أَيْ بَعْدَ الْوُضُوءِ) فَسَّرَ الضَّمِيرَ بِذَلِكَ مَعَ تَبَادُرِ مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ فِي شَرْحِهِ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ أَدْرَى بِمُرَادِهِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ) زَادَ فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ فِي خِلَالِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: إنَّ الْوَارِدَ فِي السُّنَّةِ بَعْدَهُ مُتَّصِلًا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ. اهـ. وَزَادَ فِي الْمُنْيَةِ: وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك نَاظِرًا إلَى السَّمَاءِ» (قَوْلُهُ: التَّوَّابِينَ) هُمْ الَّذِينَ كُلَّمَا أَذْنَبُوا تَابُوا، وَالْمُتَطَهِّرُونَ الَّذِينَ لَا ذَنْبَ لَهُمْ.
وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَأَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ) كَمَاءِ زَمْزَمَ (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا) أَوْ قَاعِدًا، وَفِيمَا عَدَاهُمَا يُكْرَهُ قَائِمًا تَنْزِيهًا؛
ــ
[رد المحتار]
زَادَ فِي الْمُنْيَةِ «وَاجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِك الصَّالِحِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَشْرَبَ بَعْدَهُ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ: مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ دُرَرٌ، وَالْمُرَادُ شُرْبُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ الشِّرْعَةِ، وَيَقُولُ عَقِبَهُ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ: اللَّهُمَّ اشْفِنِي بِشِفَائِك، وَدَاوِنِي بِدَوَائِك، وَاعْصِمْنِي مِنْ الْوَهَلِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْأَوْجَاعِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْوَهَلُ هُنَا بِالتَّحْرِيكِ: الضَّعْفُ وَالْفَزَعُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ مَأْثُورًا، وَهُوَ حَسَنٌ. اهـ.
بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الشُّرْبَ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ إنَاءٍ كَإِبْرِيقٍ مَثَلًا، أَمَّا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ نَحْوِ حَوْضٍ فَهَلْ يُسَمَّى مَا فِيهِ فَضْلُ الْوُضُوءِ فَيُشْرِبُ مِنْهُ أَوَّلًا؟ فَلْيُحَرَّرْ. هَذَا، وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ الْمَاءُ الْمَوْضُوعُ لِلشُّرْبِ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا، وَالْمَوْضُوعُ لِلْوُضُوءِ يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالْعَكْسِ، فَعَلَى هَذَا هَلْ لَهُ الشُّرْبُ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِهِ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَمَاءِ زَمْزَمَ) التَّشْبِيهُ فِي الشُّرْبِ مُسْتَقْبِلًا قَائِمًا لَا فِي كَوْنِهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَلِذَا قَالَ ط: الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ قَائِمًا. مَطْلَبٌ فِي مَبَاحِثِ الشُّرْبِ قَائِمًا
(قَوْلُهُ: أَوْ قَاعِدًا) أَفَادَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِمَا فِي الشُّرْبِ قَائِمًا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا، وَأَنَّ الْمَنْدُوبَ هُنَا هُوَ الشُّرْبُ مِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ قَائِمًا خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَائِمًا، وَخَيَّرَهُ الْحَلْوَانِيُّ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ. وَفِي الْفَتْحِ: قِيلَ: وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَوَاهِبِ وَالدُّرَرِ وَالْمُنْيَةِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. وَفِي السِّرَاجِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ الشُّرْبُ قَائِمًا إلَّا فِي هَذَيْنِ الْمَوْضُوعَيْنِ، فَاسْتُفِيدَ ضَعْفُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ح وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: وَفِيمَا عَدَاهُمَا يُكْرَهُ إلَخْ) أَفَادَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ قَائِمًا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ لَا دُخُولُهُ تَحْتَ الْمُسْتَحَبِّ؛ وَلِذَا زَادَ قَوْلَهُ: أَوْ قَاعِدًا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ» وَفِيهِمَا «أَنَّهُ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ قَائِمًا» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا، وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ كَبْشَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَشَرِبَ مِنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ فَقَطَعَتْ فَمَ الْقِرْبَةِ تَبْتَغِي بَرَكَةَ مَوْضِعِ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، فَلِذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ؛ فَقِيلَ: إنَّ النَّهْيَ نَاسِخٌ لِلْفِعْلِ، وَقِيلَ: بِالْعَكْسِ، وَقِيلَ: إنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَالْفِعْلُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَارِّ حَيْثُ أَنْكَرَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْكَرَاهَةِ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحَسَّنَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا نَأْكُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ " قَالَ: وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِخَوْفِ الضَّرَرِ لَا غَيْرُ، كَمَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إنَّمَا كُرِهَ الشُّرْبُ قَائِمًا لِأَنَّهُ يُؤْذِي. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فَالْكَرَاهَةُ عَلَى مَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ شَرْعِيَّةٌ يُثَابُ عَلَى تَرْكِهَا، وَعَلَى هَذَا إرْشَادِيَّةٌ لَا يُثَابُ عَلَى تَرْكِهَا. ثُمَّ اسْتَشْكَلَ مَا مَرَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْمَوْضِعَيْنِ: أَيْ الشُّرْبِ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَمِنْ فَضْلِ الْوُضُوءِ وَكَرَاهَةِ مَا عَدَاهُمَا، بِأَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ " كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَمْشِي وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ " وَرُخِّصَ لِلْمُسَافِرِ شُرْبُهُ مَاشِيًا.
وَمِنْ الْآدَابِ تَعَاهُدُ مُوقَيْهِ وَكَعْبَيْهِ وَعُرْقُوبَيْهِ وَأَخْمَصَيْهِ، وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ، وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ بِيَسَارِهِ،
ــ
[رد المحتار]
قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، نَعَمْ عَلَى مَا جَنَحَ إلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ يُسْتَفَادُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا إنْ أَمِنَ الضَّرَرَ، أَمَّا النَّدْبُ فَلَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُفِيدُ النَّدْبَ فِي فَضْلِ الْوُضُوءِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ، وَهُوَ «أَنَّهُ قَامَ بَعْدَمَا غَسَلَ قَدَمَيْهِ فَأَخَذَ فَضْلَ طَهُورِهِ فَشَرِبَهُ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ قَالَ: أَحْبَبْت أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» وَفِيهِ حَدِيثٌ «إنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ سَبْعِينَ دَاءً أَدْنَاهَا الْبُهْرُ» لَكِنْ قَالَ الْحُفَّاظُ: إنَّهُ وَاهٍ اهـ مُلَخَّصًا وَالْبُهْرُ بِالضَّمِّ فَسَّرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِتَتَابُعِ النَّفَسِ، وَفِي الْقَامُوسِ إنَّهُ انْقِطَاعُ النَّفَسِ مِنْ الْإِعْيَاءِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْكَرَاهَةِ فِي الشُّرْبِ قَائِمٌ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضُوعِينَ مَحَلَّ كَلَامٍ فَضْلًا عَنْ اسْتِحْبَابِ الْقِيَامِ فِيهِمَا، وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ إنْ لَمْ نَقُلْ بِالِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ شِفَاءٌ وَكَذَا فَضْلُ الْوُضُوءِ.
وَفِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيِّ: وَمِمَّا جَرَّبْته أَنِّي إذَا أَصَابَنِي مَرَضٌ أَقْصِدُ الِاسْتِشْفَاءَ بِشُرْبِ فَضْلِ الْوُضُوءِ فَيَحْصُلُ لِي الشِّفَاءُ، وَهَذَا دَأْبِي اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الصَّادِقِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الطِّبِّ النَّبَوِيِّ الصَّحِيحِ (قَوْلُهُ: وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ حِلْيَةٌ، وَقَصَدَ بِذَكَرِهِ بَيَانَ حُكْمِ الْأَكْلِ، لَكِنْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا» قَالَ قَتَادَةُ: قُلْت لِأَنَسٍ: فَالْأَكْلُ، فَقَالَ: ذَلِكَ أَشَرُّ وَأَخْبَثُ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ «نَهَى عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا وَالْأَكْلِ قَائِمًا» وَلَعَلَّ النَّهْيَ لِأَمْرٍ طِبِّيٍّ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي الشُّرْبِ. وَفِي الْفَصْلِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ فُصُولِ الْعَلَامِيِّ: وَكُرِهَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي الطَّرِيقِ وَالْأَكْلُ نَائِمًا وَمَاشِيًا، وَلَا بَأْسَ بِالشُّرْبِ قَائِمًا، وَلَا يَشْرَبُ مَاشِيًا، وَرُخِّصَ ذَلِكَ لِلْمُسَافِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَخَّصَ إلَخْ) لَيْسَ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ.
(قَوْلُهُ: تَعَاهُدُ مُوقَيْهِ) تَثْنِيَةُ مُوقٍ: هُوَ آخِرُ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَنْفِ أَيْ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ رَمْصٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهُ إنْ بَقِيَ خَارِجًا بِتَغْمِيضِ الْعَيْنِ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَكَعْبَيْهِ إلَخْ) هُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ فِي الرِّجْلِ. وَالْعُرْقُوبُ: الْعَصَبُ الْغَلِيظُ الَّذِي فَوْقَ الْعَقِبِ. وَالْأَخْمَصُ: مِنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ مَا لَمْ يُصِبْ الْأَرْضَ قَامُوسٌ. مَطْلَبٌ فِي الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ
(قَوْلُهُ: وَإِطَالَةُ غُرَّتِهِ وَتَحْجِيلِهِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ» حِلْيَةٌ؛ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ: وَتَحْجِيلِهِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى غُرَّتِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ تَكُونُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمَحْدُودِ. وَفِي الْحِلْيَةِ: وَالتَّحْجِيلُ يَكُونُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَهَلْ لَهُ حَدٌّ؟ لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ لِأَصْحَابِنَا. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ اخْتِلَافَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ بِلَا تَوْقِيتٍ. الثَّانِي إلَى نِصْفِ الْعَضُدِ وَالسَّاقِ. وَالثَّالِثُ إلَى الْمَنْكِبِ وَالرُّكْبَتَيْنِ. قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ تَقْتَضِي ذَلِكَ كُلَّهُ. اهـ. وَنَقَلَ ط الثَّانِيَ عَنْ شَرْحِ الشِّرْعَةِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ بِيَسَارِهِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ دَلْكُهُمَا بِالْيَسَارِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ إفْرَاغُ الْمَاءِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ قَالَ: يُفْرِغُ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَغْسِلُهَا بِيَسَارِهِ. اهـ. وَأَخْرَجَ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَغْسِلُ
وَبَلُّهُمَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْوُضُوءِ فِي الشِّتَاءِ وَالتَّمَسُّحُ بِمِنْدِيلٍ، وَعَدَمُ نَفْضِ يَدِهِ، وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْقَدْرِ، وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، فِي غَيْرِ وَقْتِ كَرَاهَةٍ.
(وَمَكْرُوهُهُ: لَطْمُ الْوَجْهِ)
ــ
[رد المحتار]
أَسْفَلَ رِجْلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى» (قَوْلُهُ: وَبَلَّهُمَا إلَخْ) أَيْ الرِّجْلَيْنِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي لِلْمُتَوَضِّئِ فِي الشِّتَاءِ أَنْ يَبِلَّ أَعْضَاءَهُ بِالْمَاءِ شِبْهَ الدَّهْنِ ثُمَّ يُسِيلُ الْمَاءَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَاءَ يَتَجَافَى عَنْ الْأَعْضَاءِ فِي الشِّتَاءِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي التَّمَسُّحِ بِمِنْدِيلٍ
(قَوْلُهُ: وَالتَّمَسُّحُ بِمِنْدِيلٍ) ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُنْيَةِ فِي الْغُسْلِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْكَرَاهَةِ؛ فَفِي الْخَانِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ لِلْمُتَوَضِّئِ وَالْمُغْتَسِلِ. رُوِيَ عَنْ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مِنْ كَرِهَهُ لِلْمُتَوَضِّئِ دُونَ الْمُغْتَسِلِ. وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا، إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالِغَ وَلَا يَسْتَقْصِي فَيُبْقِي أَثَرَ الْوُضُوءِ، عَلَى أَعْضَائِهِ اهـ وَكَذَا وَقَعَ بِلَفْظِ لَا بَأْسَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَغَيْرِهَا، وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْأَصْلِ اهـ مَا فِي الْحِلْيَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَدِلَّةَ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَالْقَائِلِينَ بِهَا مِنْ السَّلَفِ وَأَطَالَ وَأَطَابَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ تَرْكُ التَّمَسُّحِ بِخِرْقَةٍ يَمْسَحُ بِهَا مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ أَيْ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ لِاسْتِقْذَارِهَا، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُفِيدُ تَرْكَ التَّمَسُّحِ بِغَيْرِهَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ نَفْضِ يَدِهِ) لِحَدِيثٍ «لَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ الشَّيْطَانِ» ذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ، بَلْ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا جَاءَتْهُ بِخِرْقَةٍ بَعْدَ الْغُسْلِ فَرَدَّهَا وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدِهِ» تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْقَدْرِ) لِأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِيهَا ذَكَرَهَا الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي مُقَدَّمَتِهِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: سَأَلَ عَنْهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ؛ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا مِنْ قَوْلِهِ وَلَا مِنْ فِعْلِهِ، وَالْعُلَمَاءُ يَتَسَاهَلُونَ فِي ذِكْرِ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَالْعَمَلِ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا «مَا مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ عَلَيْهِمَا إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ وَقْتِ كَرَاهَةٍ) هِيَ الْأَوْقَاتُ الْخَمْسَةُ: الطُّلُوعُ وَمَا قَبْلَهُ، وَالِاسْتِوَاءُ وَالْغُرُوبُ وَمَا قَبْلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ الْمَنْدُوبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ ط. [تَتِمَّةٌ]
يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الْمَنْدُوبَاتِ أَنْ لَا يَتَطَهَّرَ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ مِنْ أَرْضٍ مَغْصُوبٍ عَلَيْهَا كَآبَارِ ثَمُودَ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّطْهِيرِ مِنْهَا، بَلْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ، وَمُرَاعَاةُ الْخِلَافِ عِنْدَنَا مَطْلُوبَةٌ، وَكَذَا يُقَالُ فِي التَّطْهِيرِ بِفَضْلِ مَاءِ الْمَرْأَةِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمَنْهِيَّاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مَطْلَبٌ فِي تَعْرِيفِ الْمَكْرُوهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَتَنْزِيهًا. (قَوْلُهُ: وَمَكْرُوهُهُ) هُوَ ضِدُّ الْمَحْبُوبِ؛ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْحَرَامِ
كَقَوْلِ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ. وَعَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا: وَهُوَ مَا كَانَ إلَى الْحَرَامِ أَقْرَبُ، وَيُسَمِّيه مُحَمَّدٌ حَرَامًا ظَنِّيًّا. وَعَلَى الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا: وَهُوَ مَا كَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ، وَيُرَادِفُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
أَوْ غَيْرِهِ (بِالْمَاءِ) تَنْزِيهًا، وَالتَّقْتِيرُ (وَالْإِسْرَافُ) وَمِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ (فِيهِ) تَحْرِيمًا وَلَوْ بِمَاءِ النَّهْرِ، وَالْمَمْلُوكِ لَهُ. أَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ بِهِ، وَمِنْهُ مَاءُ الْمَدَارِسِ،
ــ
[رد المحتار]
وَفِي الْبَحْرِ: مِنْ مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ الْمَكْرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مَا كُرِهَ تَحْرِيمًا، وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ الْكَرَاهَةَ كَمَا فِي زَكَاةِ فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَذُكِرَ أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَاجِبُ يَعْنِي بِالظَّنِّيِّ الثُّبُوتِ. ثَانِيهِمَا الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا، وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، فَحِينَئِذٍ إذَا ذَكَرُوا مَكْرُوهًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ نَهْيًا ظَنِّيًّا يُحْكَمُ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى النَّدْبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ نَهْيًا بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّرْكِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ فَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْوَجْهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَمَا فِي الْحَاوِي، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَجْهِ لِمَا لَهُ مِنْ مَزِيدِ الشَّرَفِ (قَوْلُهُ: تَنْزِيهًا) لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ أَدَبٌ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ لِأَنَّهُ يُوجِبُ انْتِضَاحَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى ثِيَابِهِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى، وَأَيْضًا هُوَ خِلَافُ التُّؤَدَةِ وَالْوَقَارِ، فَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيُ أَدَبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالتَّقْتِيرُ) أَيْ بِأَنْ يَقْرُبَ إلَى حَدِّ الدُّهْنِ وَيَكُونُ التَّقَاطُرُ غَيْرَ ظَاهِرٍ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ظَاهِرًا لِيَكُونَ غُسْلًا بِيَقِينٍ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الثَّلَاثِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِسْرَافِ فِي الْوُضُوءِ
(قَوْلُهُ: وَالْإِسْرَافُ) أَيْ بِأَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْهُ فَوْقَ الْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ، لِمَا أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ؟ فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إسْرَافٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْت عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْإِسْرَافِ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثِ أَيْ فِي الْغَسَلَاتِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ وَقَصَدَ الطُّمَأْنِينَةَ عِنْدَ الشَّكِّ، أَوْ قَصَدَ الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ (قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا إلَخْ) نُقِلَ ذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ عَدِّهِ تَرْكَ التَّقْتِيرِ وَالْإِسْرَافِ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ؛ وَعَلَيْهِ مَشَى قَاضِي خَانْ، وَهُوَ وَجِيهٌ اهـ وَاسْتَوْجَبَهُ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا وَكَذَا فِي النَّهْرِ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِإِطْلَاقِ النَّهْيِ عَنْ الْإِسْرَافِ، وَجَعَلَ فِي الْمُنْتَقَى الْإِسْرَافَ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ فَتَكُونُ تَحْرِيمِيَّةً لِأَنَّ إطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ مَصْرُوفٌ إلَى التَّحْرِيمِ، وَبِهِ يَضْعُفُ جَعْلُهُ مَنْدُوبًا.
أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا أَوْ نَقَصَ فَقَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ» مَحْمُولٌ عَلَى الِاعْتِقَادِ عِنْدَنَا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إنَّهُ الصَّحِيحُ، حَتَّى لَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ ذَلِكَ يَعْنِي كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، فَلَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ التَّنْزِيهِيَّةَ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ هُنَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ جَعْلِ تَرْكِهِ مَنْدُوبًا مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ التَّصْحِيحِ، فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَلَا يُنَافِيه عَدُّهُ مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ كَمَا عَدَّ مِنْهَا لَطْمَ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا مَنْهِيٌّ عَنْهُ حَقِيقَةً اصْطِلَاحًا، وَمَجَازًا لُغَةً كَمَا فِي التَّحْرِيرِ. وَأَيْضًا فَقَدْ عَدَّهُ فِي الْخِزَانَةِ السَّمَرْقَنْدِيَّة مِنْ الْمَنْهِيَّاتِ، لَكِنْ قَيَّدَهُ بِعَدَمِ اعْتِقَادِ تَمَامِ السُّنَّةِ بِالثَّلَاثِ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَ تَرْكَهُ سُنَّةً، وَلَيْسَتْ الْكَرَاهَةُ مَصْرُوفَةً إلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا، عَلَى أَنَّ الصَّارِفَ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مَنْ أَسْرَفَ فِي الْوُضُوءِ بِمَاءِ النَّهْرِ مَثَلًا مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِ سُنِّيَّةِ ذَلِكَ نَظِيرُ مَنْ مَلَأَ إنَاءً مِنْ النَّهْرِ ثُمَّ أَفْرَغَهُ فِيهِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَحْذُورٌ سِوَى أَنَّهُ عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهُوَ فِي الْوُضُوءِ زَائِدٌ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ؛ فَلِذَا سُمِّيَ فِي الْحَدِيثِ إسْرَافًا.
فَحَرَامٌ (وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ) أَمَّا بِمَاءٍ وَاحِدٍ فَمَنْدُوبٌ أَوْ مَسْنُونٌ.
وَمِنْ مَنْهِيَّاتِهِ: التَّوَضُّؤُ بِفَضْلِ مَاءِ الْمَرْأَةِ وَفِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ؛ لِأَنَّ لِمَاءِ الْوُضُوءِ حُرْمَةً، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، إلَّا فِي إنَاءٍ، أَوْ فِي مَوْضِعٍ أُعِدَّ لِذَلِكَ، وَإِلْقَاءُ النُّخَامَةِ، وَالِامْتِخَاطُ فِي الْمَاءِ.
ــ
[رد المحتار]
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْإِسْرَافُ: التَّبْذِيرُ أَوْ مَا أُنْفِقَ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ زَائِدًا عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ وَغَيْرَ طَاعَةٍ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، نَعَمْ إذَا اعْتَقَدَ سُنِّيَّتَهُ يَكُونُ قَدْ تَعَدَّى وَظَلَمَ لِاعْتِقَادِهِ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ قُرْبَةً، فَلِذَا حَمَلَ عُلَمَاؤُنَا النَّهْيَ عَلَى ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ وَيَكُونُ تَرْكُهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْجَوَاهِرِ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي جَائِزٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيِّعٍ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْجَائِزَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يَمْتَنِعُ شَرْعًا فَيَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَتَوَافَقُ عِبَارَاتُهُمْ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الْمَذْهَبُ فَلَا يُعَارِضُ مَا صَرَّحُوا بِهِ وَصَحَّحُوهُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَالسَّلَامُ. (قَوْلُهُ: فَحَرَامٌ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُوقَفُ وَيُسَاقُ لِمَنْ يَتَوَضَّأُ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ وَلَمْ يَقْصِدْ إبَاحَتَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ حِلْيَةٌ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمَا لَيْسَ بِجَارٍ كَاَلَّذِي فِي صِهْرِيجٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ نَحْوِ إبْرِيقٍ، أَمَّا الْجَارِي كَمَاءِ مَدَارِسِ دِمَشْقَ وَجَوَامِعِهَا فَهُوَ مِنْ الْمُبَاحِ كَمَاءِ النَّهْرِ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْ مَنْهِيَّاتِهِ) يَشْمَلُ الْمَكْرُوهَ تَنْزِيهًا فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ اصْطِلَاحًا حَقِيقَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّحْرِيرِ آنِفًا، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: التَّوَضُّؤُ إلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ: وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْتَسِلَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إذَا اخْتَلَتْ امْرَأَةٌ مُكَلَّفَةٌ بِمَاءٍ قَلِيلٍ كَخَلْوَةِ نِكَاحٍ وَتَطَهَّرَتْ بِهِ فِي خَلْوَتِهَا طَهَارَةً كَامِلَةً عَنْ حَدَثٍ لَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَوْ خُنْثَى أَنْ يَرْفَعَ بِهِ حَدَثَهُ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي مُتُونِ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ؛ لِمَا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طُهُورِ الْمَرْأَةِ» قَالَ فِي [غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ] فِي فَصْلِ الْمِيَاهِ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ: وَلَنَا مَا رَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: اغْتَسَلْت مِنْ جَفْنَةٍ فَفَضَلَتْ فِيهَا فَضْلَةٌ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ، فَقُلْت: إنِّي قَدْ اغْتَسَلْت مِنْهُ، فَقَالَ: الْمَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ» وَمَا رَوَى أَحْمَدُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا. اهـ.
أَقُولُ: مُقْتَضَى النَّسْخِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا عِنْدَنَا بَلْ تَنْزِيهًا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ. وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ، وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ مَيْمُونَةَ إنِّي قَدْ اغْتَسَلْت، فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِعِلْمِهَا بِالنَّهْيِ قَبْلَهُ فَيَكُونُ النَّاسِخُ مُتَأَخِّرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِالْكَرَاهَةِ فَيَنْبَغِي كَرَاهَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالنَّسْخِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُطْلَبُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّطْهِيرُ بِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ. [تَنْبِيهٌ]
يَنْبَغِي كَرَاهَةُ التَّطْهِيرِ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا ذَكَرْنَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ غُضِبَ عَلَيْهَا إلَّا بِئْرَ النَّاقَةِ بِأَرْضِ ثَمُودَ، فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِكَرَاهَتِهِ وَلَا يُبَاحُ عِنْدَ أَحْمَدَ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى الْحَنْبَلِيِّ: لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «إنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ، فَأَمَرَهُمْ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ» حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ: وَظَاهِرُهُ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ وَبِئْرُ النَّاقَةِ هِيَ الْبِئْرُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالِامْتِخَاطُ) مَعْطُوفٌ عَلَى إلْقَاءٍ، وَقَوْلُهُ: فِي الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَدِهِمَا عَلَى التَّنَازُعِ
(وَيَنْقُضُهُ) خُرُوجُ مِنْهُ كُلِّ خَارِجٍ (نَجَسٍ) بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَوَضِّئِ الْحَيِّ مُعْتَادًا أَوْ لَا، مِنْ السَّبِيلَيْنِ أَوْ لَا (إلَى مَا يُطَهَّرُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ: أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ.
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ إلَخْ) النَّقْضُ فِي الْجِسْمِ: فَكُّ تَأْلِيفِهِ، وَفِي غَيْرِهِ إخْرَاجُهُ عَنْ إفَادَةِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ كَاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الْوُضُوءِ بَحْرٌ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ خُرُوجُ نَجَسٍ أَنَّ النَّاقِضَ خُرُوجُهُ لَا عَيْنُهُ بِشَرْطِ الْخُرُوجِ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْفَتْحِ الثَّانِيَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَرْتَفِعُ بِضِدِّهَا وَهِيَ النَّجَاسَةُ الْقَائِمَةُ بِالْخَارِجِ لِأَنَّ الضِّدَّ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ ضِدِّهِ، وَبَحَثَ فِيهِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ: كُلُّ خَارِجٍ) لَعَلَّ فَائِدَتَهُ التَّعْمِيمُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ اخْتِصَاصُ النَّجَسِ بِالْمُعْتَادِ أَوْ الْكَثِيرِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْفَتْحَ أَوْلَى، لِقَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: وَالرِّوَايَةُ النَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا بِكَسْرِهَا فَمَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا، هَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ. وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَيُقَالُ: نَجَسَ الشَّيْءُ يَنْجُسُ فَهُوَ نَجَسٌ وَنَجِسٌ. اهـ. فَهُمَا لُغَةً مَا لَا يَكُونُ طَاهِرًا: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ نَجَسَ الْعَيْنِ أَوْ عَارِضَ النَّجَاسَةِ كَالْحَصَاةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ، وَالنَّاقِضُ فِي الْحَقِيقَةِ النَّجَاسَةُ الْعَارِضَةُ لَهَا، فَكَانَ الْفَتْحُ أَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَيْضًا.
وَإِنْ قَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ بِالْكَسْرِ أَعَمُّ، تَأَمَّلْ؛ ثُمَّ عَلَى الْفَتْحِ يَكُونُ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ خَارِجٍ لَا صِفَةً لِأَنَّهُ اسْمٌ جَامِدٌ، بِخِلَافِ الْمَكْسُورِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى مُتَنَجِّسٍ، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُتَوَضِّئِ) تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ أُخِذَ مِنْ الْمَقَامِ، وَالْمُتَوَضِّئُ مَنْ اتَّصَفَ بِالْوُضُوءِ، وَاحْتَرَزَ بِالْحَيِّ عَنْ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ لَوْ خَرَجَتْ مِنْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ يُعِدْ وُضُوءَهُ بَلْ يَغْسِلْ مَوْضِعَهَا فَقَطْ إذْ لَوْ كَانَ الْخُرُوجُ حَدَثًا لَكَانَ الْمَوْتُ كَذَلِكَ إذْ هُوَ فَرَقَّهُ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: مُعْتَادًا) كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، أَوْ لَا كَالدُّودَةِ وَالْحَصَاةِ، وَهَذَا تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ: نَجَسٌ نَبَّهَ بِهِ عَلَى خِلَافِ الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْمُعْتَادِ كَمَا نَبَّهَ بِمَا بَعْدَهُ عَلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَيَّدَهُ بِالْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ) فَائِدَةُ ذِكْرِ الْحُكْمِ دَفْعُ وُرُودِ دَاخِلِ الْعَيْنِ وَبَاطِنِ الْجَرْحِ، إذْ حَقِيقَةُ التَّطْهِيرِ فِيهِمَا مُمْكِنَةٌ، وَإِنَّمَا السَّاقِطُ حُكْمُهُ نَهْرٌ وَسِرَاجٌ. وَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي جَرْحٍ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ بِالْمَاءِ، فَلَوْ لَمْ يَضُرَّ نَقَضَ مَا سَالَ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَهُوَ وُجُوبُ غَسْلِهِ غَيْرُ سَاقِطٍ؛ وَالْمُرَادُ بِالتَّطْهِيرِ مَا يَعُمُّ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ فِي الْغُسْلِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ؛ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ سَالَ إلَى مَحَلٍّ يُمْكِنُ مَسْحُهُ دُونَ غَسْلِهِ لِلْعُذْرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا، وَزَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْغُسْلِ أَوْ فِي الْوُضُوءِ قَوْلَهُ: أَوْ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ؛ لِئَلَّا يَرِدَ مَا لَوْ افْتَصَدَ وَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَتَلَطَّخْ رَأْسُ الْجُرْحِ، فَإِنَّهُ نَاقِضٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسِلْ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لِأَنَّهُ سَالَ إلَى الْمَكَانِ دُونَ الْبَدَنِ، وَبِزِيَادَةِ ذَلِكَ لَا يَرِدُ لِأَنَّ الْمَكَانَ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا عَمَّمَ فِي الْبَحْرِ مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ بِقَوْلِهِ مِنْ بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَمَكَانٍ.
أَقُولُ: يَرِدُ عَلَيْهِ مَا لَوْ سَالَ إلَى نَهْرٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَمَا لَوْ مَصَّ الْعَلَقُ أَوْ الْقُرَادُ الْكَبِيرُ وَامْتَلَأَ دَمًا فَإِنَّهُ نَاقِضٌ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فَالْأَحْسَنُ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ السَّيَلَانُ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ: أَيْ فَإِنَّ دَمَ الْفَصْدِ وَنَحْوَهُ سَائِلٌ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ حُكْمًا، تَأَمَّلْ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُكْمِ الْوُجُوبُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. زَادَ فِي الْفَتْحِ أَوْ النَّدْبُ، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِمْ: إذَا نَزَلَ الدَّمُ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ نَقَضَ، وَلَيْسَ ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ مَسْنُونَةً؛ وَحَدُّهَا أَنْ يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا اشْتَدَّ مِنْ الْأَنْفِ. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصَبَةِ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ، وَلِذَا عَبَّرَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ كَالْهِدَايَةِ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا لَانَ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ لَا يُنْدَبُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى زِيَادَةِ النَّدْبِ.
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ مُجَرَّدُ الظُّهُورِ وَفِي غَيْرِهِمَا عَيْنُ السَّيَلَانِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ، لِمَا قَالُوا: لَوْ مَسَحَ الدَّمَ كُلَّمَا خَرَجَ وَلَوْ تَرَكَهُ لَسَالَ نَقَضَ وَإِلَّا لَا، كَمَا لَوْ سَالَ فِي بَاطِنِ عَيْنٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ ذَكَرٍ وَلَمْ يَخْرُجْ، وَكَدَمْعٍ وَعَرَقٍ إلَّا عَرَقُ مُدْمِنِ الْخَمْرِ فَنَاقِضٌ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَنَا فِيهِ كَلَامٌ (وَ) خُرُوجُ غَيْرِ نَجَسٍ مِثْلِ (رِيحٍ أَوْ دُودَةٍ
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَسْطُورَةٌ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا بِأَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى قَصَبَةِ الْأَنْفِ يَنْتَقِضُ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَا لَانَ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ يَنْتَقِضُ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ بَيَانٌ لِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَيْ لِتَكُونَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ أَيْضًا، قَالَ: لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَنْتَقِضُ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى مَا لَانَ لِعَدَمِ الظُّهُورِ قَبْلَهُ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَصَبَةِ مَا اشْتَدَّ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْمُفْرَدَ الْمُلَخَّصَ مِمَّا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ وَمِنْ رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [الْفَوَائِدِ الْمُخَصِّصَةِ بِأَحْكَامِ كَيِّ الْحِمَّصَةِ] (قَوْلُهُ: مُجَرَّدُ الظُّهُورِ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ: أَيْ الظُّهُورُ الْمُجَرَّدُ عَنْ السَّيْلَانِ، فَلَوْ نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ لَا يَنْقُضُ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ، بِخِلَافِ الْقُلْفَةِ فَإِنَّهُ بِنُزُولِهِ إلَيْهَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَعَدَمُ وُجُوبِ غَسْلِهَا لِلْحَرَجِ، لَا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ ط (قَوْلُهُ: عَيْنُ السَّيَلَانِ) اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ؛ فَفِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يَعْلُوَ وَيَنْحَدِرَ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَفَخَ عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَصَارَ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِهِ نَقَضَ. وَالصَّحِيحُ لَا يَنْقُضُ. اهـ. قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ، وَفِي الدِّرَايَةِ جَعَلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَصَحَّ وَمُخْتَارُ السَّرَخْسِيِّ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَوْلَى اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ. وَفِي الْبَحْرِ تَحْرِيفٌ تَبِعَهُ عَلَيْهِ ط فَاجْتَنَبَهُ (قَوْلُهُ: لِمَا قَالُوا) عِلَّةٌ لِلْمُبَالَغَةِ ط (قَوْلُهُ: لَوْ مَسَحَ الدَّمَ كُلَّمَا خَرَجَ إلَخْ) وَكَذَا إذَا وَضَعَ عَلَيْهِ قُطْنًا أَوْ شَيْئًا آخَرَ حَتَّى يُنَشِّفَ ثُمَّ وَضَعَهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَإِنَّهُ يَجْمَعُ جَمِيعَ مَا نُشِّفَ، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ تَرَكَهُ سَالَ نَقَضَ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا بِالِاجْتِهَادِ وَغَالِبِ الظَّنِّ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَى عَلَيْهِ رَمَادًا أَوْ تُرَابًا ثُمَّ ظَهَرَ ثَانِيًا فَتَرَّبَهُ ثُمَّ وَثُمَّ فَإِنَّهُ يُجْمَعُ. قَالُوا: وَإِنَّمَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَلَوْ فِي مَجَالِسَ فَلَا تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ.
أَقُولُ: وَعَلَيْهِ فَمَا يَخْرُجُ مِنْ الْجُرْحِ الَّذِي يَنِزُّ دَائِمًا وَلَيْسَ فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ وَلَكِنَّهُ إذَا تُرِكَ يَتَقَوَّى بِاجْتِمَاعِهِ وَيَسِيلُ عَنْ مَحَلِّهِ فَإِذَا نَشَّفَهُ أَوْ رَبَطَهُ بِخِرْقَةٍ وَصَارَ كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ تَشَرَّبَتْهُ الْخِرْقَةُ يُنْظَرُ، إنْ كَانَ مَا تَشَرَّبَتْهُ الْخِرْقَةُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ وَاجْتَمَعَ أَسَالَ بِنَفْسِهِ نَقَضَ، وَإِلَّا لَا، وَلَا يُجْمَعُ مَا فِي مَجْلِسٍ إلَى مَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، وَفِي ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ وَلِصَاحِبِ كَيِّ الْحِمَّصَةِ، فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ، وَكَأَنَّهُمْ قَاسُوهَا عَلَى الْقَيْءِ؛ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَا اخْتِلَافُ سَبَبٍ تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ الْمَجْلِسِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ سَالَ) تَشْبِيهٌ فِي عَدَمِ النَّقْضِ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: أَوْ جُرْحٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ قَامُوس، أَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَخْرُجْ) أَيْ لَمْ يَسِلْ.
أَقُولُ: وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْيَنَابِيعِ: الدَّمُ السَّائِلُ عَلَى الْجِرَاحَةِ إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ طَاهِرٌ حَتَّى لَوْ صَلَّى رَجُلٌ بِجَنْبِهِ وَأَصَابَهُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَبِهَذَا أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَجَسٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ نَاقِضٍ لِأَنَّهُ بَقِيَ طَاهِرًا بَعْدَ الْإِصَابَةِ، وَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ مِنْ بَدَنِ صَاحِبِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَكَدَمْعٍ) أَيْ بِلَا عِلَّةٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا لَوْ سَالَ (قَوْلُهُ: عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ) أَيْ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخَرَ الْكِتَابِ.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا فِيهِ كَلَامٌ) نَقَلَهُ ح. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَتَخْرِيجٌ غَرِيبٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ: وَخُرُوجُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ خُرُوجُ كُلِّ خَارِجٍ (قَوْلُهُ: مِثْلُ رِيحٍ) فَإِنَّهَا تَنْقُضُ لِأَنَّهَا مُنْبَعِثَةٌ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لَا لِأَنَّ عَيْنَهَا نَجِسَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ عَيْنَهَا
أَوْ حَصَاةٍ مِنْ دُبُرٍ لَا) خُرُوجُ ذَلِكَ مِنْ جُرْحٍ، وَلَا خُرُوجُ (رِيحٍ مِنْ قُبُلِ) غَيْرِ مُفْضَاةٍ، أَمَّا هِيَ فَيُنْدَبُ لَهَا الْوُضُوءُ، وَقِيلَ: يَجِبُ، وَقِيلَ: لَوْ مُنْتِنَةً (وَذَكَرٍ) لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ؛ حَتَّى لَوْ خَرَجَ رِيحٌ مِنْ الدُّبُرِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَعْلَى فَهُوَ اخْتِلَاعٌ فَلَا يَنْقُضُ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالرِّيحِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الدُّودَةِ وَالْحَصَاةِ مِنْهُمَا نَاقِضٌ إجْمَاعًا، كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ (وَلَا) خُرُوجُ (دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ أَوْ أُذُنٍ أَوْ أَنْفٍ) أَوْ فَمٍ (وَكَذَا لَحْمٌ سَقَطَ مِنْهُ) لِطَهَارَتِهَا وَعَدَمِ السَّيْلَانِ فِيمَا عَلَيْهِمَا وَهُوَ مَنَاطُ النَّقْضِ (وَالْمُخْرَجُ) بِعَصْرٍ.
(وَالْخَارِجُ) بِنَفْسِهِ (سِيَّانِ) فِي حُكْمِ النَّقْضِ عَلَى الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، قَالَ لِأَنَّ فِي الْإِخْرَاجِ خُرُوجٌ فَصَارَ كَالْفَصْدِ.
ــ
[رد المحتار]
طَاهِرَةٌ، حَتَّى لَوْ لَبِسَ سَرَاوِيلَ مُبْتَلَّةً أَوْ ابْتَلَّ مِنْ أَلْيَتَيْهِ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَمُرُّ بِهِ الرِّيحُ فَخَرَجَ الرِّيحُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ. وَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلَّى بِسَرَاوِيلِهِ فَوَرَعٌ مِنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: مِنْ دُبُرٍ) وَكَذَا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ فَرْجٍ فِي الدُّودَةِ وَالْحَصَاةِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ لِمَا عَلَيْهِمَا مِنْ النَّجَاسَةِ كَمَا اخْتَارَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ لِتَوَلُّدِ الدُّودَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَعَلَى الثَّانِي فَعَطْفُ أَوْ دُودَةٍ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ: خُرُوجُ نَجَسٍ إلَى مَا يَطْهُرُ، وَكَذَا عَطْفُهَا وَعَطْفُ الْحَصَاةِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لِتَحَقُّقِ خُرُوجِ الْخَارِجِ النَّجَسِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِمَا، وَعَلَى كُلٍّ فَقَوْلُهُ: أَوْ دُودَةٍ مَعْطُوفٌ بِالنَّظَرِ إلَى كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى قَوْلِهِ وَخُرُوجُ غَيْرِ نَجَسٍ لَا عَلَى رِيحٍ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ: لَا خُرُوجُ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الثَّلَاثَةِ. قَالَ ح: وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الرِّيحَ تَخْرُجُ مِنْ الْجُرْحِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَحُكْمُ الدُّودَةِ مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ وَدُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ ط (قَوْلُهُ: أَمَّا هِيَ إلَخْ) أَيْ الْمُفْضَاةُ: وَهِيَ الَّتِي اخْتَلَطَ سَبِيلُهَا: أَيْ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، فَيُنْدَبُ لَهَا الْوُضُوءُ مِنْ الرِّيحِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَجِبُ احْتِيَاطًا. وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَفْصٍ وَرَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الرِّيحِ كَوْنُهَا مِنْ الدُّبُرِ: وَمِنْ أَحْكَامِهَا أَنَّهُ لَا يُحِلُّهَا الزَّوْجُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، وَأَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إلَّا إنْ أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ فِي الْقُبُلِ بِلَا تَعَدٍّ.
وَأَمَّا الَّتِي اخْتَلَطَ مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَوَطْئِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عَدَمُ النَّقْضِ بِالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْفَرْجِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْوَطْءُ فِي مَسْلَكِ الْبَوْلِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَوْ مُنْتِنَةً) أَيْ لِأَنَّ نَتْنَهَا دَلِيلٌ أَنَّهَا مِنْ الدُّبُرِ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ: وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَسْمُوعًا أَوْ ظَهَرَ نَتْنُهُ فَهُوَ حَدَثٌ وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: وَذَكَرٍ) لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ مَعَ شُمُولِ الْقُبُلِ إيَّاهُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ اسْتِعْمَالُهَا. اهـ. ح (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ) أَيْ لَيْسَ بِرِيحٍ حَقِيقَةً، وَلَوْ كَانَ رِيحًا فَلَيْسَتْ بِمُنْبَعِثَةٍ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ فَلَا تَنْقُضُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ يَعْلَمُ) أَيْ يَظُنُّ لِأَنَّ الظَّنَّ كَافٍ فِي هَذَا الْبَابِ ح أَيْ الظَّنَّ الْغَالِبَ.
وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: شَرْطُ الْعِلْمِ بِعَدَمِ كَوْنِهِ مِنْ الْأَعْلَى، فَأَفَادَ النَّقْضَ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ تَبَعًا لِلْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَفِي الْمِنَحِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: مَنَاطُ النَّقْضِ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مِنْ الْأَعْلَى فَلَا نَقْضَ مَعَ الِاشْتِبَاهِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَشَمَّ رِيحًا» وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ الْأَعْلَى (قَوْلُهُ: مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْقُبُلِ وَالذَّكَرِ (قَوْلُهُ: لِطَهَارَتِهِمَا) أَيْ الدُّودَةِ وَاللَّحْمِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَقَدْ قَالُوا: مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ إذَا حَمَلَهُ ط.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِيرِ الْمُفْرَدَةِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ السَّيَلَانُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ مَنَاطُ النَّقْضِ: أَيْ عِلَّتُهُ ط (قَوْلُهُ: وَالْمُخْرَجُ بِعَصْرٍ) أَيْ مَا أُخْرِجَ مِنْ الْقُرْحَةِ بِعَصْرِهَا وَكَانَ لَوْ لَمْ تُعْصَرْ لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مُسَاوٍ لِلْخَارِجِ بِنَفْسِهِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَبَعْضِ شُرَّاحِهَا وَغَيْرِهِمْ كَصَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى.
(قَوْلُهُ: سِيَّانِ) تَثْنِيَةُ سِيٍّ، وَبِهَا اسْتَغْنَى عَنْ تَثْنِيَةِ سَوَاءٍ كَمَا فِي الْمُغْنِي (قَوْلُهُ: فِي حُكْمِ النَّقْضِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ ط (قَوْلُهُ: قَالَ:) أَيْ صَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ ط (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي الْإِخْرَاجِ خُرُوجًا) جَوَابٌ عَمَّا وَجَّهَ بِهِ الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّقْضِ بِالْمَخْرَجِ مِنْ أَنَّ النَّاقِضَ
وَفِي الْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَاعْتَمَدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَفِي الْقُنْيَةِ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ الْأَشْبَهُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ بِالْمَنْصُوصِ رِوَايَةً وَالرَّاجِحُ دِرَايَةً؛ فَيَكُونُ الْفَتْوَى عَلَيْهِ.
(وَ) يَنْقُضُهُ (قَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ) بِأَنْ يُضْبَطَ بِتَكَلُّفٍ (مِنْ مِرَّةٍ) بِالْكَسْرِ: أَيْ صَفْرَاءَ (أَوْ عَلَقٍ) أَيْ سَوْدَاءَ؛ وَأَمَّا الْعَلَقُ النَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ فَغَيْرُ نَاقِضٍ (أَوْ طَعَامٌ أَوْ مَاءٌ) إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ،
ــ
[رد المحتار]
خُرُوجُ النَّجَسِ وَهَذَا إخْرَاجٌ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْخُرُوجِ فَقَدْ وُجِدَ، لَكِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: إنَّ الْإِخْرَاجَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَلْزِمُهُ، فَكَانَ ثُبُوتُهُ غَيْرَ قَصْدِيٍّ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ. اهـ.
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ بَلْ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجَسًا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ، فَصَارَ كَالْفَصْدِ؛ كَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعْلِيقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجَسِ، وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ. اهـ. فَتْحٌ. وَاسْتَوْجَهَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَالْمَقْدِسِيُّ. وَارْتَضَى فِي الْبَحْرِ مَا فِي الْعِنَايَةِ حَيْثُ ضَعَّفَ بِهِ مَا فِي الْفَتْحِ.
وَلَك أَنْ تَجْعَلَ مَا فِي الْفَتْحِ مُضَعِّفٌ لَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّاقِضَ الْخَارِجُ النَّجَسُ لَا الْخُرُوجُ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ: لَا يَذْهَبُ عَنْك أَنَّ تَضْعِيفَ الْعِنَايَةِ لَا يُصَادِمُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: وَاعْتَمَدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ) حَيْثُ جَعَلَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ النَّقْضِ فَاسِدًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الرِّيحَ أَوْ الْغَائِطَ أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ السَّبِيلَيْنِ لَكَانَ غَيْرَ نَاقِضٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ إلَخْ) نَقَلَهُ فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي (قَوْلُهُ: بِالْمَنْصُوصِ رِوَايَةً) أَيْ بِاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ لِلْأَدِلَّةِ الْمُوْرَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ أَوْ بِالْفُرُوعِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ: وَالرَّاجِحُ دِرَايَةً) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْأَشْبَهِ: أَيْ الرَّاجِحُ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ: أَيْ إدْرَاكِ الْعَقْلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَسْأَلَةِ الْفَصْدِ وَمَصِّ الْعَلَقَةِ؛ فَإِنَّهَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَإِخْرَاجِ الرِّيحِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا التَّقْرِيرُ مَعْنَى مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ: فَالْمُرَادُ بِالرِّوَايَةِ النُّصُوصُ مِنْ السُّنَّةِ أَوْ مِنْ الْمُجْتَهِدِ، وَبِالدِّرَايَةِ الْقِيَاسُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَاهُ إلَخْ إذْ هُوَ مِنْ عِبَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ قَيْءٌ) أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِ فِي خُرُوجِ نَجَسٍ لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي حَدِّ الْخُرُوجِ، وَأَمَّا السَّيَلَانُ فِي غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَمُسْتَفَادٌ مِنْ الْخُرُوجِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: بِأَنْ يَضْبِطَ) أَيْ يُمْسِكَ بِتَكَلُّفٍ، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْكَافِي وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ، وَقِيلَ: مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَفِي الْحِلْيَةِ: الْأَوَّلُ: الْأَشْبَهُ (قَوْلُهُ: بِالْكَسْرِ) أَيْ مَعَ تَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهِيَ أَحَدُ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ: الدَّمِ، وَالْمِرَّةِ السَّوْدَاءِ، وَالْمِرَّةِ الصَّفْرَاءِ، وَالْبَلْغَمِ. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَقٍ إلَخْ) الْعَلَقُ لُغَةً: دَمٌ مُنْعَقِدٌ كَمَا هُوَ أَحَدُ مَعَانِيه، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا سَوْدَاءُ مُحْتَرِقَةٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً كَمَا فِي الْكَافِي، وَلِهَذَا اُعْتُبِرَ فِيهِ مِلْءَ الْفَمِ، وَإِلَّا فَخُرُوجُ الدَّمِ نَاقِضٌ بِلَا تَفْصِيلٍ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ عَلَى الْمُخْتَارِ اهـ أَخِي جَلَبِي وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: فَغَيْرُ نَاقِضٍ) أَيْ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُ وَهُوَ مَا مَلَأَ الْفَمَ نَاقِضٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ، عَلَقًا أَوْ سَائِلًا، فَالنَّازِلُ مِنْ الرَّأْسِ إنْ عَلَقًا لَمْ يَنْقُضْ اتِّفَاقًا، وَإِنْ سَائِلًا نَقَضَ اتِّفَاقًا. وَالصَّاعِدُ مِنْ الْجَوْفِ إنْ عَلَقًا فَلَا اتِّفَاقًا مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَإِنْ سَائِلًا فَعِنْدَهُ يَنْقُضُ مُطْلَقًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ كَذَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا والتتارخانية.
وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ: وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ قَوْلَهُمَا. قَالَ: وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْوَجِيزِ. اهـ.
وَهُوَ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ، وَلَوْ مِنْ صَبِيٍّ سَاعَةَ ارْتِضَاعِهِ، هُوَ الصَّحِيحُ لِمُخَالَطَةِ النَّجَاسَةِ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.
وَلَوْ هُوَ فِي الْمَرِيءِ فَلَا نَقْضَ اتِّفَاقًا كَقَيْءِ حَيَّةٍ أَوْ دُودٍ كَثِيرٍ لِطَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ كَمَاءِ فَمِ النَّائِمِ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا بِهِ يُفْتَى، بِخِلَافِ مَاءِ فَمِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ، كَقَيْءِ عَيْنِ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ لِقِلَّتِهِ لِنَجَاسَتِهِ بِالْأَصَالَةِ لَا بِالْمُجَاوَرَةِ (لَا) يَنْقُضُهُ قَيْءٌ مِنْ (بَلْغَمٍ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ (أَصْلًا) إلَّا الْمَخْلُوطُ بِطَعَامٍ فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فَكُلٌّ عَلَى حِدَةٍ (وَ) يَنْقُضُهُ (دَمٌ) مَائِعٌ مِنْ جَوْفٍ أَوْ فَمٍ
ــ
[رد المحتار]
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ كُلٍّ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ إيهَامٌ، وَبِمَا نَقَلْنَاهُ مِنْ الْحَاصِلِ يَتَّضِحُ الْمَرَامُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ نَجَسٌ مُغَلَّظٌ) هَذَا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ، وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ مُخَفَّفٌ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَعْرَى عَنْ إشْكَالٍ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِلَّ، وَإِنَّمَا اتَّصَلَ بِهِ قَلِيلُ الْقَيْءِ فَلَا يَكُونُ حَدَثًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: قِيلَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ تَصْحِيحُهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ، حَيْثُ قَالَ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ نَجَسٌ لِمُخَالَطَتِهِ النَّجَاسَةَ وَتَدَاخُلِهَا فِيهِ بِخِلَافِ الْبَلْغَمِ. اهـ.
أَقُولُ: وَحَيْثُ صُحِّحَ الْقَوْلَانِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ: وَلَوْ هُوَ فِي الْمَرِيءِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: إذَا وَصَلَ إلَى مَعِدَتِهِ قَالَ ح: الْمَرِيءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَهْمُوزُ الْآخِرِ، مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِطَهَارَتِهِ فِي نَفْسِهِ) أَفْرَدَ الضَّمِيرَ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ، ط. وَيَنْبَغِي النَّقْضُ إذَا مَلَأَ الْفَمَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ، وَلَكِنْ سَيَأْتِي فِي بَابِ الْمِيَاهِ أَنَّ الْحَيَّةَ الْبَرِّيَّةَ تُفْسِدُ الْمَاءَ إذَا مَاتَتْ فِيهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا نَجِسَةٌ فَلَعَلَّ مَا هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهَا دَمٌ سَائِلٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تُفْسِدُ الْمَاءَ فَتَكُونُ طَاهِرَةً كَالدُّودِ (قَوْلُهُ: فِي نَفْسِهِ) أَيْ وَمَا عَلَيْهِ قَلِيلٌ لَا يَمْلَأُ الْفَمَ فَلَا يُعْتَبَرُ نَاقِضًا ط (قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ مِنْ الْجَوْفِ، أَصْفَرَ مُنْتِنًا أَوْ لَا (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: أَيْ خِلَافًا لِمَا اخْتَارَهُ أَبُو نَصْرٍ، مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ أَصْفَرُ مُنْتِنًا كَانَ كَالْقَيْءِ وَلِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّهُ نَجَسٌ (قَوْلُهُ: كَقَيْءِ عَيْنِ خَمْرٍ أَوْ بَوْلٍ) أَيْ بِأَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ بَوْلًا ثُمَّ قَاءَ نَفْسَ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ لِقِلَّتِهِ إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا لِأَجْلِ قِلَّتِهِ لَوْ فُرِضَ قَلِيلًا فَهُوَ أَيْضًا نَجَسٌ لِنَجَاسَتِهِ بِالْأَصَالَةِ، بِخِلَافِ قَيْءِ نَحْوِ طَعَامٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَنْجُسُ بِالْمُجَاوَرَةِ إذَا كَانَ كَثِيرًا مِلْءَ الْفَمِ، فَلَا يَنْقُضُ الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَا يُنَجِّسُ (قَوْلُهُ: لِقِلَّتِهِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَنْقُضْ، وَقَوْلُهُ: لِنَجَاسَتِهِ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ بِخِلَافِ ح. وَالْأَوْلَى جَعْلُهُ عِلَّةً لِتَشْبِيهِهِ بِمَاءِ فَمِ الْمَيِّتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ صَاعِدًا مِنْ الْجَوْفِ أَوْ نَازِلًا مِنْ الرَّأْسِ ح خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الصَّاعِدِ مِنْ الْجَوْفِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ: فَيُعْتَبَرُ الْغَالِبُ) فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّعَامِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ مَلَأَ الْفَمَ نَقَضَ، وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْبَلْغَمِ وَكَانَ بِحَالٍ لَوْ انْفَرَدَ مَلَأَ الْفَمَ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: فَكُلٌّ عَلَى حِدَةٍ) فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَلَأَ الْفَمَ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالطَّعَامِ اتِّفَاقًا وَإِلَّا فَلَا اتِّفَاقًا، وَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخِرِ فَلَا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
(قَوْلُهُ: مَائِعٌ) احْتِرَازٌ عَنْ الْعَلَقِ، وَقَدْ مَرَّ (قَوْلُهُ: مِنْ جَوْفٍ أَوْ فَمٍ) هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ، وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْجَوْفِ إذَا غَلَبَهُ الْبُزَاقُ لَا يَنْقُضُ اتِّفَاقًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ يَنْقُضُ وَإِنْ قَلَّ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ صِحَّتِهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْقُولَ مَعَ عَدَمِ تَعَقُّلِ فَرْقٍ بَيْنَ الْخَارِجِ مِنْ الْفَمِ وَالْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ الْمُخْتَلِطَيْنِ بِالْبُزَاقِ بَحْرٌ، وَعِبَارَةُ النَّهْرِ هُنَا مَقْلُوبَةٌ، فَتَنَبَّهْ.
وَرَدَّ الرَّحْمَتِيُّ مَا فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ مَالِكٍ لَا يُعَارِضُ كَلَامَ الزَّيْلَعِيِّ لِعُلُوِّ مَرْتَبَةِ الزَّيْلَعِيِّ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ مَعَ عَدَمِ
(غَلَبَ عَلَى بُزَاقٍ) حُكْمًا لِلْغَالِبِ (أَوْ سَاوَاهُ) احْتِيَاطًا (لَا) يَنْقُضُهُ (الْمَغْلُوبُ بِالْبُزَاقِ) وَالْقَيْحُ كَالدَّمِ وَالِاخْتِلَاطُ بِالْمُخَاطِ كَالْبُزَاقِ.
(وَكَذَا يَنْقُضُهُ عَلَقَةٌ مَصَّتْ عُضْوًا وَامْتَلَأَتْ مِنْ الدَّمِ، وَمِثْلُهَا الْقُرَادُ) كَانَ (كَبِيرًا) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ (يَخْرُجُ مِنْهُ دَمٌ مَسْفُوحٌ) سَائِلٌ (وَإِلَّا) تَكُنْ الْعَلَقَةُ وَالْقُرَاد كَذَلِكَ (لَا) يَنْقُضُ (كَبَعُوضٍ وَذُبَابٍ) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا نَقْضَ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْوَرَمَ؛ وَلَوْ شَدَّ بِالرِّبَاطِ إنْ نَفَذَ الْبَلَلُ لِلْخَارِجِ نَقَضَ
ــ
[رد المحتار]
تَعَقُّلِ فَرْقٍ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هُوَ مُتَعَقَّلٌ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ الْخَارِجَ مِنْ الْفَمِ لَمْ يَخْرُجْ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ بَلْ بِقُوَّةِ الْبُزَاقِ فَلَمْ يَكُنْ نَاقِضًا كَمَا عَلَّلُوهُ بِذَلِكَ، وَالْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ قَدْ خَرَجَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِطْ بِالْبُزَاقِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْجَوْفِ لِأَنَّ الْبُزَاقَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْجَوْفِ بَلْ مَحَلُّهُ الْفَمُ انْتَهَى، وَحِينَئِذٍ فَإِطْلَاقُ الشَّارِحِينَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْخَارِجِ مِنْ الْجَوْفِ، فَلَا يَكُونُ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ مُخَالِفًا لِلْمَنْقُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: غَلَبَ عَلَى بُزَاقٍ) بِالزَّايِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَعَلَامَةُ كَوْنِ الدَّمِ غَالِبًا أَوْ مُسَاوِيًا أَنْ يَكُونَ الْبُزَاقُ أَحْمَرَ، وَعَلَامَةُ كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنْ يَكُونَ أَصْفَرَ بَحْرٌ ط (قَوْلُهُ: احْتِيَاطًا) أَيْ لِاحْتِمَالِ السَّيَلَانِ وَعَدَمِهِ فَرُجِّحَ الْوُجُودُ احْتِيَاطًا، بِخِلَافِ مَا إذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مُجَرَّدُ الشَّكِّ وَلَا عِبْرَةَ لَهُ مَعَ الْيَقِينِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ: وَالْقَيْحُ كَالدَّمِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ عَلَى ذِكْرِ عَلَامَةِ الْغَلَبَةِ وَعَدَمِهَا فِيهِ (قَوْلُهُ: وَالِاخْتِلَاطُ بِالْمُخَاطِ إلَخْ) وَمَا نُقِلَ عَنْ الثَّانِي مِنْ نَجَاسَةِ الْمُخَاطِ فَضَعِيفٌ، نَعَمْ حُكِيَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ عَلَى خِرْقَتِهِ عِنْدَهُمَا لِلْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ.
وَفِي الْمُنْيَةِ: انْتَثَرَ فَسَقَطَ مِنْ أَنْفِهِ كُتْلَةُ دَمٍ لَمْ يَنْتَقِضْ اهـ أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعَلَقَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ دَمًا بِاحْتِرَاقِهِ وَانْجِمَادِهِ شَرْحُ.
(قَوْلُهُ: عَلَقَةٌ) دُوَيْبَّةٌ فِي الْمَاءِ تَمُصُّ الدَّمَ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: وَامْتَلَأَتْ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَقَالَ: لِأَنَّهَا لَوْ شُقَّتْ يَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ سَائِلٌ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِامْتِلَاءَ غَيْرُ قَيْدٍ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لَلسَّيَلَانِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ: الْقُرَادُ) كَغُرَابٍ دُوَيْبَّةٌ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ: كَذَلِكَ) أَيْ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ الْعَلَقَةُ امْتَلَأَتْ بِحَيْثُ لَا يَسِيلُ دَمُهَا وَلَمْ يَكُنْ الْقُرَادُ كَبِيرًا (قَوْلُهُ: وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) مَحَلُّ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجَسٍ إلَى يَطْهُرُ ح (قَوْلُهُ: لَا نَقْضَ إلَخْ) أَيْ لَوْ تَوَرَّمَ رَأْسُ جُرْحٍ فَظَهَرَ بِهِ قَيْحٌ وَنَحْوُهُ لَا يَنْتَقِضُ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْوَرَمَ، لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ مَوْضِعِ الْوَرَمِ فَلَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ. اهـ. فَتْحٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ: أَيْ كَانَ يَضُرُّهُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمُتَوَرِّمِ وَمَسْحُهُ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ، فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ شَدَّ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَلَوْ أَلْقَى عَلَى الْجُرْحِ الرَّمَادَ أَوْ التُّرَابَ فَتَشَرَّبَ فِيهِ أَوْ رَبَطَ عَلَيْهِ فَابْتَلَّ الرِّبَاطُ وَنَفَذَ قَالُوا: يَكُونُ حَدَثًا لِأَنَّهُ سَائِلٌ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الرِّبَاطُ ذَا طَاقَيْنِ فَنَفَذَ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَا قُلْنَا. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْلَا الرَّبْطُ سَالَ لِأَنَّ الْقَمِيصَ لَوْ تَرَدَّدَ عَلَى الْجُرْحِ فَابْتَلَّ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ اهـ أَيْ وَإِنْ فَحُشَ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَيَأْتِي. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ كَيِّ الْحِمَّصَةِ
[تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِمَّا هُنَا وَمِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَارِجِ وَالْمُخْرَجِ حُكْمُ كَيِّ الْحِمَّصَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْهُ دَمًا أَوْ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَسِلْ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ رَشْحٍ وَنَدَاوَةٍ لَا يَنْقُضُ وَإِنْ عَمَّ الثَّوْبَ وَإِلَّا نَقَضَ بِمُجَرَّدِ ابْتِلَالِ الرِّبَاطِ، وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يُجْمَعُ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْخَارِجُ مَاءً صَافِيًا فَهُوَ كَالدَّمِ. وَعَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، لَكِنْ فِي الثَّانِي تَوْسِعَةٌ لِمَنْ بِهِ جُدَرِيٌّ أَوْ جَرَبٌ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ، وَلَا بَأْسَ بِالْعَمَلِ بِهِ هُنَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ.
(وَيُجْمَعُ مُتَفَرِّقُ الْقَيْءِ) وَيُجْعَلُ كَقَيْءٍ وَاحِدٍ (لِاتِّحَادِ السَّبَبِ) وَهُوَ الْغَثَيَانُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى أَسْبَابِهَا إلَّا لِمَانِعٍ كَمَا بَسَطَ فِي الْكَافِي.
(وَ) كُلُّ (مَا لَيْسَ بِحَدَثٍ) أَصْلًا بِقَرِينَةِ زِيَادَةِ الْبَاءِ كَقَيْءٍ قَلِيلٍ وَدَمٍ لَوْ تُرِك لَمْ يَسِلْ (لَيْسَ بِنَجَسٍ) عِنْدَ الثَّانِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ رِفْقًا بِأَصْحَابِ الْقُرُوحِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الْجَوْهَرَةِ: يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ لَوْ الْمُصَابُ مَائِعًا.
ــ
[رد المحتار]
وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْعِصَابَةَ مَا دَامَتْ عَلَى الْكَيِّ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، وَإِنْ امْتَلَأَتْ قَيْحًا وَدَمًا لَمْ يَسِلْ مِنْ أَطْرَافِهَا أَوْ تُحَلَّ فَيُوجَدُ فِيهَا مَا فِيهِ قُوَّةُ السَّيَلَانِ لَوْلَا الرَّبْطُ فَيَنْتَقِضُ حِينَ الْحَلِّ لَا قَبْلَهُ لِمُفَارِقَتِهَا مَوْضِعَ الْجِرَاحَةِ، فَقَدْ أَوْضَحْنَا مَا فِيهِ قُوَّةً فِي رِسَالَتِنَا [الْفَوَائِدُ الْمُخَصَّصَةِ بِأَحْكَامِ كَيِّ الْحِمَّصَةِ] (قَوْلُهُ: وَيُجْمَعُ مُتَفَرِّقُ الْقَيْءِ إلَخْ) أَيْ لَوْ قَاءَ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ لَوْ جُمِعَ صَارَ مِلْءَ الْفَمِ فَأَبُو يُوسُفَ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ الْمَجْلِسِ، فَإِنْ حَصَلَ مِلْءَ الْفَمِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ نَقَضَ عِنْدَهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْغَثَيَانُ. وَمُحَمَّدٌ يَعْتَبِرُ اتِّحَادَ السَّبَبِ وَهُوَ الْغَثَيَانُ اهـ دُرَرٌ. وَتَفْسِيرُ اتِّحَادِهِ أَنْ يَقِيءَ ثَانِيًا قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ، فَإِنْ بَعُدَ سُكُونُهَا كَانَ مُخْتَلِفًا بَحْرٌ؛ وَالْمَسْأَلَةُ رَبَاعِيَةٌ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَتَّحِدَ فَيَنْقُضَ اتِّفَاقًا، أَوْ يَتَعَدَّدُ فَلَا اتِّفَاقًا، أَوْ يَتَحَدَّدُ السَّبَبُ فَقَطْ أَوْ الْمَجْلِسُ فَقَطْ، وَفِيهِمَا الْخِلَافُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْغَثَيَانُ) أَيْ مَثَلًا، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِنَحْوِ ضَرْبٍ وَتَنْكِيسٍ بَعْدَ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ. اهـ. غُنَيْمِيٌّ: وَضَبَطَهُ الْحَمَوِيُّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَبِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الثَّاءِ، مِنْ غَثَّتْ نَفْسُهُ: هَاجَتْ وَاضْطَرَبَتْ صَرَّحَ بِهِ فِي الصِّحَاحِ، وَالْمُرَادُ هُنَا أَمْرٌ حَادِثٌ فِي مِزَاجِ الْإِنْسَانِ مَنْشَؤُهُ تَغَيُّرُ طَبْعِهِ مِنْ إحْسَاسِ النَّتْنِ الْمَكْرُوهِ. اهـ. ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ: إضَافَةُ الْأَحْكَامِ) كَالنَّقْضِ وَوُجُوبِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ ط (قَوْلُهُ: إلَى أَسْبَابِهَا) كَالْغَثَيَانِ وَالتِّلَاوَةِ ط أَيْ لَا إلَى مَكَانِهَا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ وَالْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ (قَوْلُهُ: إلَّا لِمَانِعٍ) أَيْ إلَّا إذَا تَعَذَّرَتْ إضَافَتُهَا إلَى الْأَسْبَابِ فَتُضَافُ إلَى الْمَحَالِّ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَكَرَّرَ سَبَبُهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ وَانْتَفَى التَّدَاخُلُ لِأَنَّ كُلَّ تِلَاوَةٍ سَبَبٌ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَهُنَا كَلَامٌ نَفِيسٌ يُطْلَبُ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الدُّرَرِ.
(قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَلَا يُرَدُّ الْخَارِجُ مِنْ الْمُحْدِثِ، وَمِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ لِأَنَّ انْتِفَاءَ الِانْتِقَاضِ يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ خَاصٍّ قُهُسْتَانِيٌّ أَيْ فَهَذَا لَيْسَ بِحَدَثٍ مَعَ أَنَّهُ نَجَسٌ، فَلِذَا أَخْرَجَهُ بِقَوْلِهِ أَصْلًا الْمُسْتَفَادُ مِنْ زِيَادَةِ الْبَاءِ الَّتِي هِيَ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الْخَبَرِ.
وَقَدْ قَالَ: الْمُرَادُ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْمُتَطَهِّرِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ؛ وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ بَدَنِ الْمَعْذُورِ فَهُوَ حَدَثٌ، لَكِنْ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ إلَّا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (قَوْلُهُ: لَيْسَ بِنَجَسٍ) أَيْ لَا يَعْرِضُ لَهُ وَصْفُ النَّجَاسَةِ بِسَبَبِ خُرُوجِهِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ مِنْ قَيْءِ عَيْنِ الْخَمْرِ أَوْ الْبَوْلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدَثًا لَقِلَّتِهِ لَكِنَّهُ نَجَسٌ بِالْأَصَالَةِ لَا بِالْخُرُوجِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي. وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. اهـ. إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: مَائِعًا) أَيْ كَالْمَاءِ وَنَحْوِهِ، أَمَّا فِي الثِّيَابِ وَالْأَبَدَانِ فَيُفْتَى بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. [تَتِمَّةٌ]
مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَضِيَّةٌ سَالِبَةٌ كُلِّيَّةٌ لَا مُهْمَلَةٌ لِأَنَّ مَا لِلْعُمُومِ، وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ فَهُوَ صُوَرُ الْكُلِّيَّةِ كَمَا فِي الْمُطَوَّلِ وَغَيْرِهِ فَتَنْعَكِسُ بِعَكْسِ النَّقِيضِ إلَى قَوْلِنَا كُلُّ نَجَسٍ حَدَثٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ نَقِيضَ الثَّانِي أَوَّلًا وَنَقِيضَ الْأَوَّلِ ثَانِيًا مَعَ بَقَاءِ الْكَيْفِ وَالصِّدْقِ بِحَالِهِ. وَمَا فِي الدِّرَايَةِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَنْعَكِسُ، فَلَا يُقَالُ مَا لَا يَكُونُ نَجَسًا لَا يَكُونُ حَدَثًا لِأَنَّ النَّوْمَ وَالْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَغَيْرَهَا حَدَثٌ وَلَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ اهـ يُرِيدُ بِهِ الْعَكْسَ الْمُسْتَوِي لِأَنَّهُ جَعَلَ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ
(وَ) يَنْقُضُهُ حُكْمًا (نَوْمٌ يُزِيلُ مُسْكَتَهُ) أَيْ قُوَّتَهُ الْمَاسِكَةَ بِحَيْثُ تَزُولُ مَقْعَدَتُهُ مِنْ الْأَرْضِ، وَهُوَ النَّوْمُ عَلَى أَحَدِ جَنْبَيْهِ أَوْ وِرْكَيْهِ أَوْ قَفَاهُ أَوْ وَجْهِهِ (وَإِلَّا) يُزِلْ مُسْكَتَهُ (لَا) يُزِلْ مُسْكَتَهُ (لَا) يَنْقُضُ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ كَالنَّوْمِ قَاعِدًا وَلَوْ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَسَاجِدًا عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ
ــ
[رد المحتار]
ثَانِيًا وَالثَّانِي أَوَّلًا مَعَ بَقَاءِ الصِّدْقِ وَالْكَيْفِ بِحَالِهِمَا، وَالسَّالِبَةُ الْكُلِّيَّةُ تَنْعَكِسُ فِيهِ سَالِبَةً كُلِّيَّةً أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ حُكْمًا) نَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا شُرُوعٌ فِي النَّاقِضِ الْحُكْمِيِّ بَعْدَ الْحَقِيقِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عَيْنَهُ غَيْرُ نَاقِضٍ بَلْ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ، وَقِيلَ: نَاقِضٌ. وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ فِي السِّرَاجِ وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ، بَلْ حُكِيَ فِي التَّوْشِيحِ الِاتِّفَاق عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ نَوْمُ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ غَيْرُ نَاقِضٍ
وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَيْنُهُ نَاقِضًا اتِّفَاقًا فِيمَنْ فِيهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ إذْ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ لَوْ تَحَقَّقَ وُجُودُهُ لَمْ يَنْقُضْ فَالْمُتَوَهَّمُ أَوْلَى نَهْرٌ.
قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَحْسَنُ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الشَّلَبِيِّ، حَيْثُ قَالَ: سُئِلْت عَنْ شَخْصٍ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ هَلْ يُنْقَضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ؟ فَأَجَبْت بِعَدَمِ النَّقْضِ، بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ، وَإِنَّمَا النَّاقِضُ مَا يَخْرُجُ. وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ نَاقِضٌ لَزِمَهُ النَّقْضُ (قَوْلُهُ: نَوْمُ) هُوَ فَتْرَةٌ طَبِيعِيَّةٌ تَحْدُثُ لِلْإِنْسَانِ بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهُ تَمْنَعُ الْحَوَاسَّ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ عَنْ الْعَمَلِ مَعَ سَلَامَتِهَا وَاسْتِعْمَالُ الْعَقْلِ مَعَ قِيَامِهِ، فَيَعْجَزُ الْعَبْدُ عَنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِحَيْثُ) حَيْثِيَّةُ تَقْيِيدٍ: أَيْ كَائِنًا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ. مَطْلَبٌ لَفْظُ حَيْثُ مَوْضُوعٌ لِلْمَكَانِ وَيُسْتَعَارُ لِجِهَةِ الشَّيْءِ
وَفِي التَّلْوِيحِ لَفْظُ حَيْثُ مَوْضُوعٌ لِلْمَكَانِ اُسْتُعِيرَ لِجِهَةِ الشَّيْءِ وَاعْتِبَارُهُ، يُقَالُ الْمَوْجُودُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَوْجُودٌ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ. اهـ. فَالْمُرَادُ زَوَالُ الْقُوَّةِ الْمَاسِكَةِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْدُ وَفَسَّرَهَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ النَّوْمُ إلَخْ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ قَدْ تَزُولُ الْمَقْعَدَةُ وَلَا يَحْصُلُ النَّقْضُ كَالنَّوْمِ فِي السُّجُودِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَا تَزُولُ بِهِ الْمَسْكَةُ الْمَذْكُورَةُ (قَوْلُهُ: أَوْ وَرِكَيْهِ) الْوَرِكُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ مُؤَنَّثَةٌ جَمْعُهُ أَوْرَاكٌ قَامُوسٌ، وَيَلْزَمُ مِنْ الْمَيْلِ عَلَى أَحَدِ الْوَرِكَيْنِ سَوَاءٌ اعْتَمَدَ عَلَى الْمِرْفَقِ أَوْ لَا زَوَالُ مَقْعَدَتِهِ عَنْ الْأَرْضِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْكَنْزِ وَمُتَوَرِّكٌ حَيْثُ عَدَّهُ نَاقِضًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. اهـ. ح. أَقُولُ: وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَوَرِّكِ الْآتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّوْمَ فِي الصَّلَاةِ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ سَاجِدًا لَا يَكُونُ حَدَثًا سَوَاءٌ غَلَبَهُ النَّوْمُ أَوْ تَعَمَّدْهُ. .
وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنَّهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا يَنْقُضُ وَلَوْ تَعَمَّدَهُ وَلَكِنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ: كَالنَّوْمِ) مِثَالٌ لِلنَّوْمِ الَّذِي لَا يُزِيلُ الْمَسْكَةَ ط (قَوْلُهُ: لَوْ أُزِيلَ لَسَقَطَ) أَيْ لَوْ أُزِيلَ ذَلِكَ الشَّيْءُ لَسَقَطَ النَّائِمُ فَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ صِفَةٌ لِشَيْءٍ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ النَّقْضَ، وَمَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً عَنْ الْأَرْضِ وَإِلَّا نَقَضَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَسَاجِدًا) وَكَذَا قَائِمًا وَرَاكِعًا بِالْأَوْلَى، وَالْهَيْئَةُ الْمَسْنُونَةُ بِأَنْ يَكُونَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ ط: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْهَيْئَةُ الْمَسْنُونَةُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) مُبَالَغَةً عَلَى قَوْلِهِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ لَا عَلَى قَوْلِهِ وَسَاجِدًا؛ يَعْنِي أَنَّ كَوْنَهُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ قَيْدٌ فِي عَدَمِ النَّقْضِ وَلَوْ
عَلَى الْمُعْتَمَدِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ، أَوْ مُتَوَرِّكًا أَوْ مُحْتَبِيًا، وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ أَوْ فِي مَحْمَلٍ أَوْ سَرْجٍ أَوْ إكَافٍ وَلَوْ الدَّابَّةُ عُرْيَانًا، فَإِنْ حَالَ الْهُبُوطِ نَقَضَ وَإِلَّا لَا.
وَلَوْ نَامَ قَاعِدًا بِتَمَايُلٍ فَسَقَطَ، إنْ انْتَبَهَ حِينَ سَقَطَ فَلَا نَقْضَ
ــ
[رد المحتار]
فِي الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُوَافِقُ كَلَامُهُ مَا عَزَاهُ إلَى الْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ كَمَا سَيَظْهَرُ
(قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) اعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي النَّوْمِ سَاجِدًا؛ فَقِيلَ: لَا يَكُونُ حَدَثًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ، وَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَكُونُ حَدَثًا، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، لَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقِيلَ إنْ سَجَدَ عَلَى غَيْرِ الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ كَانَ حَدَثًا وَإِلَّا فَلَا. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَا هَذَا الْقِيَاسَ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ لِلنَّصِّ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ مُلَخَّصًا وَصَحَّحَ الزَّيْلَعِيُّ مَا فِي الْبَدَائِعِ فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» وَإِنْ كَانَ خَارِجَهَا فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ إنْ كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ وَإِلَّا يَنْتَقِضُ. اهـ.
وَبِهِ جَزَمَ فِي الْبَحْرِ وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ، وَنَقَلَ فِيهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَيْضًا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ وَكَذَا الشُّكْرُ عِنْدَهُمَا كَسُجُودِ الصَّلَاةِ، قَالَ: لِإِطْلَاقِ لَفْظِ سَاجِدًا فِي الْحَدِيثِ، فَيُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ فِيمَا هُوَ سُجُودٌ شَرْعًا، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْقِيَاسِ فَيُنْقَضُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ. اهـ. لَكِنْ اعْتَمَدَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ مَا عَزَاهُ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْهَيْئَةِ الْمَسْنُونَةِ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ قَيَّدَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي [نُورِ الْإِيضَاحِ] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فِي النَّهْرِ إنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمُحِيطِ الرَّضَوِيِّ؛ فَفِيهِ أَنَّ مُحِيطَ رَضِيِّ الدِّينِ ثَلَاثَةُ نُسَخٍ كَبِيرٌ وَصَغِيرٌ وَأَوْسَطُ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ مُحِيطُ السَّرَخْسِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [تَتِمَّةٌ]
لَوْ نَامَ الْمَرِيضُ وَهُوَ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا قِيلَ: لَا تُنْقَضُ طَهَارَتُهُ كَالنَّوْمِ فِي السُّجُودِ وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، زَادَ فِي السِّرَاجِ وَبِهِ نَأْخُذُ (قَوْلُهُ: أَوْ مُتَوَرِّكًا) بِأَنْ يُلْصِقَ قَدَمَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: أَوْ مُحْتَبِيًا) بِأَنْ جَلَسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَنَصَبَ رُكْبَتَيْهِ وَشَدَّ سَاقَيْهِ إلَى نَفْسِهِ بِيَدَيْهِ أَوْ بِشَيْءٍ يُحِيطُ مِنْ ظَهْرِهِ عَلَيْهِمَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) غَيْرُ قَيْدٍ وَإِنَّمَا زَادَهُ لِلرَّدِّ عَلَى الْأَتْقَانِيِّ فِي [غَايَةِ الْبَيَانِ] حَيْثُ فَسَّرَ الِاتِّكَاءَ النَّاقِضَ لِلْوُضُوءِ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ لَا تُعَرَّفُ فِي اللُّغَةِ اتِّكَاءً قَطْعًا، وَإِنَّمَا تُسَمَّى احْتِبَاءً، وَإِنَّمَا سَمَّاهَا الْأَتْقَانِيُّ بِذَلِكَ، وَتَبِعَهُ فِيهِ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ وَلَا فِقْهَ عِنْدَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ) أَيْ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ أَنْ يَنَامَ وَاضِعًا أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَبَطْنِهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَنُقِلَ عَدَمُ النَّقْضِ بِهِ فِي الْفَتْحِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ غَيْرِهَا لَوْ نَامَ مُتَرَبِّعًا وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذَيْهِ نُقِضَ. قَالَ: وَهَذَا يُخَالِفُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاخْتَارَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ النَّقْضَ فِي مَسْأَلَةِ الذَّخِيرَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَقْعَدَةِ وَزَوَالِ التَّمَكُّنِ. وَإِذَا نُقِضَ فِي التَّرَبُّعِ مَعَ أَنَّهُ أَشَدُّ تَمَكُّنًا فَالْوَجْهُ الصَّحِيحُ النَّقْضُ هُنَا، ثُمَّ أَيَّدَهُ بِمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطَيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَامَ قَاعِدًا وَوَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَصَارَ شِبْهَ الْمُنْكَبِّ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِي مَحْمَلٍ) أَيْ إلَّا إذَا اضْطَجَعَ فِيهِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: أَوْ إكَافٍ) بِدُونِ يَاءٍ: بَرْذعَةُ الْحِمَارِ وَهُوَ كَكِتَابٍ وَغُرَابٍ وَالْمَصْدَرُ الْإِيكَافُ ط عَنْ الْقَامُوسِ، وَأَفَادَ الشَّارِحُ أَنَّ النَّوْمَ فِي سَرْجٍ وَإِكَافٍ لَا يَنْقُضُ حَالَ الصُّعُودِ وَغَيْرِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: عُرْيَانًا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: فَرَسٌ عَرِيٌّ لَا سَرْجَ عَلَيْهِ وَلَا لِبَدٌ وَجَمْعُهُ أَعْرَاءٌ، وَلَا يُقَالُ: فَرَسٌ عُرْيَانٌ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ فَرَسٌ عُرَى بِالضَّمِّ بِلَا سَرْجٍ. وَاعْرَوْرَى فَرَسًا: رَكِبَهُ عُرْيَانًا (قَوْلُهُ: نَقَضَ) لِتَجَافِي الْمَقْعَدَةِ عَنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) بِإِنْ كَانَ حَالَ الصُّعُودِ أَوْ الِاسْتِوَاءِ مُنْيَةٌ.
(قَوْلُهُ: حِينَ سَقَطَ) أَيْ عِنْدَ إصَابَةِ الْأَرْضِ بِلَا
بِهِ يُفْتَى كَنَاعِسٍ يَفْهَمُ أَكْثَرَ مَا قِيلَ عِنْدَهُ. وَالْعَتَهُ لَا يَنْقُضُ كَنَوْمِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهَلْ يَنْقُضُ إغْمَاؤُهُمْ وَغَشِيَهُمْ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ نَعَمْ.
(وَ) يَنْقُضُهُ (إغْمَاءٌ) وَمِنْهُ الْغُشْيُ
ــ
[رد المحتار]
فَصْلٍ شَرْحُ مُنْيَةٍ، وَكَذَا قَبْلَ السُّقُوطِ أَوْ فِي حَالِ السُّقُوطِ، أَمَّا لَوْ اسْتَقَرَّ ثُمَّ انْتَبَهَ نُقِضَ لِأَنَّهُ وُجِدَ النَّوْمُ مُضْطَجِعًا حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَقِيلَ: إنْ ارْتَفَعَتْ مَقْعَدَتُهُ قَبْلَ انْتِبَاهِهِ نُقِضَ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي [نُورِ الْإِيضَاحِ] قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاسْتِرْخَاءُ بَعْدَ مُزَايَلَةِ الْمَقْعَدَةِ حَيْثُ انْتَبَهَ فَوْرًا (قَوْلُهُ: كَنَاعِسٍ) أَيْ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَمَكِّنٍ، وَقَوْلُهُ: يَفْهَمُ عَبَّرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ مَعْزِيًّا إلَى شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَعَبَّرَ فِي السِّرَاجِ وَالزَّيْلَعِيِّ والتتارخانية بِيَسْمَعُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: النُّعَاسُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ قَلِيلُ نَوْمٍ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَا يُقَالُ عِنْدَهُ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَغْتَرَّ الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْتَغْرِقُهُ النَّوْمِ وَيَظُنُّ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: وَالْعَتَهُ) هُوَ آفَةٌ تُوجِبُ الِاخْتِلَالَ بِالْعَقْلِ بِحَيْثُ يَصِيرُ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتِمُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا يَنْقُضُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ أَقْوَالَ الْأُصُولِيِّينَ فِي حُكْمِ الْعَتَهِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكُلِّ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّةِ أَدَائِهِ الْعِبَادَاتِ، أَمَّا مَنْ جَعَلَهُ مُكَلَّفًا بِهَا فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مَنْ جَعَلَهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ وَقَدْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ عِبَادَاتِ الصَّبِيِّ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْعَتَهَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ. مَطْلَبٌ نَوْمُ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُ نَاقِضٍ
(قَوْلُهُ: كَنَوْمِ الْأَنْبِيَاءِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: صَرَّحَ فِي الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صلى الله عليه وسلم وَلِذَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «وَإِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» .
وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَامَ لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ» لِأَنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانُ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ، وَلَيْسَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هُوَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقَلْبِ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كِتَابِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ، كَذَا فِي شَرْحِ التَّهْذِيبِ. اهـ.
وَأَجَابَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ، مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ عَنْ أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ، أَوْ أَنَّهُ لَا يَنَامُ نَوْمًا مُسْتَغْرِقًا نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ (قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَبْسُوطِ نَعَمْ) كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْكَنْزِ لِابْنِ الشَّلَبِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: فِيهِ أَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ النَّقْضِ بِنَوْمِهِمْ هِيَ حِفْظُ قُلُوبِهِمْ مِنْهُ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ حَالَةَ إغْمَائِهِمْ. قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: نَبَّهَ السُّبْكِيُّ عَلَى أَنَّ إغْمَاءَهُمْ يُخَالِفُ إغْمَاءَ غَيْرِهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ غَلَبَةِ الْأَوْجَاعِ لِلْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْقَلْبِ، وَقَدْ وَرَدَ " تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ لَا قُلُوبُهُمْ " فَإِذَا حُفِظَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ النَّوْمِ الَّذِي هُوَ أَخَفُّ مِنْ الْإِغْمَاءِ فَمِنْهُ بِالْأَوْلَى. اهـ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: لَا نَقْضَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَمُقْتَضَاهُ التَّعْمِيمُ فِي كُلِّ النَّوَاقِضِ، لَكِنْ نَقَلَ ط عَنْ شَرْحِ الشِّفَاءِ لَمُلَّا عَلِيٌّ الْقَارِي الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ كَالْأُمَّةِ إلَّا مَا صَحَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ النَّوْمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَنْقُضُهُ إغْمَاءٌ) هُوَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ: آفَةٌ فِي الْقَلْبِ أَوْ الدِّمَاغِ تُعَطِّلُ الْقُوَى الْمُدْرِكَةَ وَالْمُحَرِّكَةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ مَغْلُوبًا نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْغُشْيُ) بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ: تَعَطُّلُ
(وَجُنُونٌ وَسُكْرٌ) بِأَنْ يَدْخُلَ فِي مَشْيِهِ تَمَايُلٌ وَلَوْ بِأَكْلِ الْحَشِيشَةِ (وَقَهْقَهَةُ) هِيَ مَا يَسْمَعُ جِيرَانُهُ
ــ
[رد المحتار]
الْقُوَى الْمُحَرِّكَةِ وَالْحَسَّاسَةِ لِضَعْفِ الْقَلْبِ مِنْ الْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ قُهُسْتَانِيٌّ، زَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَبِكِسْرَتَيْنِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَكَوْنُهُ نَوْعًا مِنْ الْإِغْمَاءِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْقَامُوسِ وَحُدُودِ الْمُتَكَلِّمِينَ.
قَالَ فِي النَّهْرِ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا كَالْأَطِبَّاءِ اهـ أَيْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ التَّعَطُّلُ لِضَعْفِ الْقَلْبِ وَاجْتِمَاعِ الرُّوحِ إلَيْهِ بِسَبَبٍ يَخْنُقُهُ فِي دَاخِلِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْفَذًا فَهُوَ الْغُشْيُ، وَإِنْ لِامْتِلَاءِ بُطُونِ الدِّمَاغِ مِنْ بَلْغَمٍ فَهُوَ الْإِغْمَاءُ. ثُمَّ لَمَا كَانَ سَلْبُ الِاخْتِيَارِ فِي الْإِغْمَاءِ أَشَدَّ مِنْ النَّوْمِ كَانَ نَاقِضًا عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَ، بِخِلَافِ النَّوْمِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ: وَالْجُنُونُ) صَاحِبُهُ مَسْلُوبُ الْعَقْلِ، بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ فَإِنَّهُ مَغْلُوبٌ، وَالْإِطْلَاقُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نَاقِضٌ لِأَنَّهُ فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَسُكْرٌ) هُوَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ امْتِلَاءِ دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ مِنْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ، فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ الْعَقْلُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ: يَدْخُلَ) أَيْ بِهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ هُنَا وَفِي الْأَيْمَانِ وَالْحُدُودِ؛ فَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ سُرُورٌ يُزِيلُ الْعَقْلَ فَلَا يَعْرِفُ بِهِ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا الطُّولَ مِنْ الْعَرْضِ وَخُوطِبَ زَجْرًا لَهُ. وَقَالَا: بَلْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ فَيَهْذِي فِي أَكْثَرِ كَلَامِهِ
، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ دَخَلَ فِي مِشْيَتِهِ اخْتِلَالٌ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَكْثَرِ يُفِيدُ أَنَّ النِّصْفَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ اسْتَقَامَ لَا يَكُونُ سَكْرَانَ وَقَدْ رَجَّحُوا قَوْلَهُمَا فِي الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ فِي حُدُودِ الْفَتْحِ: وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَاخْتَارُوهُ لِلْفَتْوَى؛ وَفِي نَوَاقِضِ الْمُجْتَبَى الصَّحِيحُ قَوْلُهُ: مَا اهـ أَيْ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي حَدِّهِ أَنْ يَصِلَ إلَى أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِأَكْلِ الْحَشِيشَةِ) ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُمْ حَكَمُوا بِوُقُوعِ طَلَاقِهِ إذَا سَكِرَ مِنْهَا زَجْرًا لَهُ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْبُرْجَنْدِيِّ مِنْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ شَامِلٌ لَهُ إذَا تَعَطَّلَ الْعَقْلُ، وَقَوْلُ الْبَحْرِ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ. اهـ. [فَرْعٌ]
الْمَصْرُوعُ إذَا أَفَاقَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَقَهْقَهَةٌ) قِيلَ: إنَّهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَقِيلَ: لَا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ بِهَا عُقُوبَةً وَزَجْرًا. وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ يَجُوزُ عَلَى الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَظْهَرَ أَيْضًا فِي كِتَابَةِ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا حِلُّ الطَّوَافِ بِهَذَا الْوُضُوءِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَإِلْحَاقُ الطَّوَافِ بِالصَّلَاةِ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتَدَبَّرْهُ. وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِمُوَافَقَتِهِ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ خَارِجًا نَجَسًا بَلْ هِيَ صَوْتٌ كَالْكَلَامِ وَالْبُكَاءِ وَبِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهَا، إذْ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْأَمْرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهَا حَدَثًا اهـ وَأَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بَالِغٌ وَلَوْ كَانَتْ حَدَثًا لَاسْتَوَى فِيهَا الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ وَبِتَرْجِيحِهِمْ عَدَمَ النَّقْضِ بِقَهْقَهَةِ النَّائِمِ أَيْ لِعَدَمِ الْجِنَايَةِ مِنْهُ كَالصَّبِيِّ.
أَقُولُ: ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى الْقَوْلِ الثَّانِي بُطْلَانُ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ زَجْرًا كَبُطْلَانِ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ فِي حَقِّ غَيْرِهَا لِعَدَمِ الْحَدَثِ؛ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَبْطُلْ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِإِعَادَتِهِ زَجْرًا، حَتَّى يَرِدَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ مَعَ الْحُرْمَةِ وَوُجُوبِ الْإِعَادَةِ فَيَكُونُ مُخَالِفًا لِأَصْلِ الْمَذْهَبِ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: هِيَ مَا يَسْمَعُ جِيرَانُهُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: هِيَ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ قِهْ قِهْ. وَاصْطِلَاحًا مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَا. اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَحَدُّ الْقَهْقَهَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا يُظْهِرُ الْقَافَ وَالْهَاءَ وَيَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ، إذَا بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَمَنَعَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ اهـ لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى التَّصْرِيحِ
(بَالِغٍ) وَلَوْ امْرَأَةً سَهْوًا (يَقْظَانَ) فَلَا يَبْطُلُ وُضُوءُ صَبِيٍّ وَنَائِمٍ بَلْ صَلَاتُهُمَا بِهِ يُفْتَى (يُصَلِّي) وَلَوْ حُكْمًا كَالْبَانِي (بِطَهَارَةٍ صُغْرَى) وَلَوْ تَيَمُّمًا (مُسْتَقِلَّةٍ) فَلَا يَبْطُلُ وُضُوءٌ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ؛ لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ النَّقْضَ عُقُوبَةً لَهُ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، كَمَا فِي الذَّخَائِرِ الأشرفية (صَلَاةً كَامِلَةً) وَلَوْ عِنْدَ السَّلَامِ عَمْدًا، فَإِنَّهَا تُبْطِلُ الْوُضُوءَ لَا الصَّلَاةَ، خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.
وَلَوْ قَهْقَهَ إمَامُهُ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا ثُمَّ قَهْقَهَ الْمُؤْتَمُّ -
ــ
[رد المحتار]
بِاشْتِرَاطِ إظْهَارِ الْقَافِ وَالْهَاءِ لِأَحَدٍ، بَلْ الَّذِي تَوَارَدَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ كَصَاحِبِ الْمُحِيطِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ. وَظَاهِرُهُ التَّوَسُّعُ فِي إطْلَاقِ الْقَهْقَهَةِ عَلَى مَا لَهُ صَوْتٌ وَإِنْ عَرِيَ عَنْ ظُهُورِ الْقَافِ وَالْهَاءِ أَوْ أَحَدِهِمَا
اهـ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الضَّحِكِ، وَهُوَ لُغَةً أَعَمُّ مِنْ الْقَهْقَهَةِ. وَاصْطِلَاحًا مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ فَقَطْ فَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ بَلْ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ.
وَعَنْ التَّبَسُّمِ وَهُوَ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ أَصْلًا بَلْ تَبْدُو أَسْنَانُهُ فَقَطْ فَلَا يُبْطِلُهُمَا، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ؛ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَدَّرَ الْجَوَازَ بِشَيْءٍ، وَمُقْتَضَى تَعْرِيفِ الضَّحِكِ بِمَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ فَقَطْ أَنَّ الْقَهْقَهَةَ مَا يَسْمَعُهَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ مَجْلِسِهِ فَهُمْ جِيرَانُهُ لَا خُصُوصِ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ. لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ يَسْمَعُهُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ امْرَأَةً) لِأَنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ فِي التَّكَالِيفِ ط، وَلَا يَرِدُ أَنَّ قَوْلَهُ بَالِغٌ صِفَةً لِلْمُذَكَّرِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: جَارِيَةٌ بَالِغٌ، كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ: سَهْوًا) أَيْ وَلَوْ سَهْوًا، فَهُوَ مِنْ مَدْخُولِ الْمُبَالَغَةِ وَكَذَا النِّسْيَانُ. وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ فِيهِمَا رِوَايَتَيْنِ وَرَجَّحَ فِي الْبَحْرِ رِوَايَةَ النَّقْضِ، وَبِهَا جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ فِي النِّسْيَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّهْوَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّقْضَ لِلزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ وَالصَّبِيُّ وَالنَّائِمُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَهْقَهَةَ كَلَامٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمَا، وَثَمَّ أَقْوَالٌ أُخَرُ صُحِّحَ بَعْضُهَا مَبْسُوطَةٌ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ: كَالْبَانِي) أَيْ مَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ فَقَهْقَهَ فِي الطَّرِيقِ بَعْدَ الْوُضُوءِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ، وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قِيلَ: وَهُوَ الْأَحْوَطُ، وَلَا نِزَاعَ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: مُسْتَقِلَّةٍ) تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صُغْرَى، فَإِنَّهُ يُفْهَمُ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي بِطَهَارَةٍ كُبْرَى وَهِيَ الْغُسْلُ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ الَّذِي ضِمْنُهَا، فَكَانَ الْأَخْصَرُ حَذْفَهُ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: اُحْتُرِزَ بِصُغْرَى عَنْ نَفْسِ طَهَارَةِ الْغُسْلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ، وَبِمُسْتَقِلَّةٍ عَنْ الصُّغْرَى الَّتِي فِي ضِمْنِهِ فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَالْفَتْحِ وَالنَّهْرِ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقَبْلُ. وَفِي النَّهْرِ ذُكِرَ أَنَّهُ الَّذِي رَجَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَحَيْثُ لَمْ يَتَعَقَّبْهُ مَعَ اقْتِصَارِهِ عَلَيْهِ، وَجَزْمِهِ بِهِ اقْتَضَى تَرْجِيحَهُ لَهُ؛ وَلِذَا لَمْ يَعُزْ تَرْجِيحَهُ إلَى الْبَحْرِ لِكَوْنِهِ ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ حَيْثُ قَالَ: عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لَا تُنْقَضُ. وَصَحَّحَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَقَاضِي خَانْ النَّقْضَ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عُقُوبَةً لَهُ) لِإِسَاءَتِهِ فِي حَالِ مُنَاجَاتِهِ لِرَبِّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ) أَيْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا عَلِمْت.
(قَوْلُهُ: كَامِلَةً) أَيْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ: أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا مِنْ الْإِيمَاءِ لِعُذْرٍ، أَوْ رَاكِبًا يُومِئُ بِالنَّقْلِ أَوْ بِالْفَرْضِ حَيْثُ يَجُوزُ فَلَا تَنْقُضُ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ أَيْ خَارِجِ الصَّلَاةِ، لَكِنْ يُبْطِلَانِ، وَلَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا يُومِئُ بِالتَّطَوُّعِ فِي الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ خِلَافًا لِلثَّانِي بَحْرٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ عِنْدَ السَّلَامِ) أَيْ قَبْلَهُ وَبَعْدَ التَّشَهُّدِ دُرَرٌ، وَكَذَا لَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: عَمْدًا) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْقَهْقَهَةُ عَمْدًا. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِ الدُّرَرِ حَيْثُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ التَّصْرِيحُ بِفَسَادِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ عَمْدًا بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لِوُجُودِهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ: لَا الصَّلَاةَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ فَرَائِضِهَا شَيْءٌ وَتَرْكُ السَّلَامِ لَا يَضُرُّ فِي الصِّحَّةِ، إمْدَادٌ (قَوْلُهُ: خِلَافًا لِزُفَرَ) حَيْثُ قَالَ: لَا تُبْطِلُ الْوُضُوءَ كَالصَّلَاةِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَهْقَهَ إمَامُهُ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ الْقُعُودِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ قَهْقَهَ الْمُؤْتَمُّ) أَمَّا لَوْ قَهْقَهَ قَبْلَ إمَامِهِ أَوْ مَعَهُ بَطَلَ وُضُوءُهُ دُونَ صَلَاتِهِ لِوُجُودِهَا فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ
وَلَوْ مَسْبُوقًا فَلَا نَقْضَ، بِخِلَافِهَا بَعْدَ كَلَامِهِ عَمْدًا فِي الْأَصَحِّ.
وَمِنْ مَسَائِلِ الِامْتِحَانِ - وَلَوْ نَسِيَ الْبَانِي الْمَسْحَ فَقَهْقَهَ قَبْلَ قِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ انْتَقَضَ لَا بَعْدَهُ لِبُطْلَانِهَا بِالْقِيَامِ إلَيْهَا (وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ) بِتَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ وَلَوْ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ مَعَ الِانْتِشَارِ (لِلْجَانِبَيْنِ) الْمُبَاشِرُ وَالْمُبَاشَرُ، وَلَوْ بِلَا بَلَلٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
ــ
[رد المحتار]
سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَسْبُوقًا) رَدٌّ عَلَى الدُّرَرِ (قَوْلُهُ: فَلَا نَقْضَ) أَيْ لِوُضُوءِ الْمُؤْتَمِّ لِأَنَّ قَهْقَهَتَهُ وَقَعَتْ بَعْدَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِقَهْقَهَةِ إمَامِهِ خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمَسْبُوقِ حَيْثُ قَالَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا فَاتَهُ.
وَفِي فَسَادِ صَلَاتِهِ اللَّاحِقِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ سِرَاجٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِهَا) أَيْ بِخِلَافِ قَهْقَهَةِ الْمَأْمُومِ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَمْدًا. وَكَذَا بَعْدَ سَلَامِهِ عَمْدًا لِأَنَّهُمَا قَاطِعَانِ لِلصَّلَاةِ لَا مُفْسِدَانِ إذْ لَمْ يُفَوِّتَا شَرْطَهَا وَهُوَ الطَّهَارَةُ، فَلَمْ يَفْسُدْ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ. فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِقَهْقَهَتِهِ. أَمَّا حَدَثُهُ عَمْدًا وَكَذَا قَهْقَهَتُهُ عَمْدًا فَمُفَوِّتَانِ لِلطَّهَارَةِ فَيَفْسُدُ جَزْءٌ يُلَاقِيَانِهِ فَيَفْسُدُ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَكَذَلِكَ فَتَكُونُ قَهْقَهَةُ الْمَأْمُومِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْقُضُ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي.
(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ حَيْثُ صَحَّحَ عَدَمَ فَسَادِ الطَّهَارَةِ بِقَهْقَهَةِ الْمَأْمُومِ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ سَلَامِهِ، عَمْدًا. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ كَلَامِ الْإِمَامِ عَمْدًا فَسَدَتْ كَسَلَامِهِ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. أَقُولُ: وَمَا فِي الْفَتْحِ صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا.
(قَوْلُهُ: الِامْتِحَانِ) أَيْ اخْتِبَارِ ذِهْنِ الطَّالِبِ (قَوْلُهُ: الْمَسْحَ) أَيْ مَسْحَ الْخُفِّ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ الْجَبِيرَةِ.
قَالَ ط: وَكَذَا لَوْ نَسِيَ غَسْلَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ إذْ الْمَسْحُ لَيْسَ قَيْدًا عَلَى مَا يَظْهَرُ (قَوْلُهُ: قَبْلَ قِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ) أَيْ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِيهَا كَأَنْ قَهْقَهَ حَالَ رُجُوعِهِ (قَوْلُهُ: انْتَقَضَ) فَإِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا، وَهَذَا عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مِنْ انْتِقَاضِ طَهَارَةِ الْبَانِي لَوْ قَهْقَهَ فِي الطَّرِيقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ) أَيْ لَا يَنْتَقِضُ لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ قِيَامِهِ لَهَا أَيْ شُرُوعِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ فِيهَا وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَتَكُونُ قَهْقَهَتُهُ بَعْدُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْقُضُ.
وَوَجْهُ الِامْتِحَانِ فِيهَا أَنَّهُ يُقَالُ: أَيُّ قَهْقَهَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ حَقِيقَةً لَا بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَةٌ) مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَشَرَةِ وَهِيَ ظَاهِرُ الْجِلْدِ (قَوْلُهُ: فَاحِشَةٌ) الْمُرَادُ بِالْفُحْشِ الظُّهُورُ لَا الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ، إذْ قَدْ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ، أَوْ الْمَعْنَى فَاحِشَةٌ أَنْ لَوْ كَانَتْ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَغْلَبِ صُوَرِهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْغُلَامِ ثُمَّ هِيَ مِنْ النَّاقِضِ الْحُكْمِيِّ ط (قَوْلُهُ: بِتَمَاسِّ الْفَرْجَيْنِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ مِنْ جِهَةِ الْقُبُلِ أَوْ الدُّبُرِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
ثُمَّ الْمَنْقُولُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ: رَوَى الْحَسَنُ اشْتِرَاطَ التَّمَاسِّ وَهُوَ أَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ الظَّاهِرُ اهـ أَيْ مِنْ جِهَةِ الدِّرَايَةِ لَا الرِّوَايَةِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ. وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ تَمَاسُّ الْفَرْجَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ مُشْتَهِيَيْنِ، بِدَلِيلِ مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْغُسْلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِوَطْءِ صَغِيرَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَعَ الِانْتِشَارِ) هَذَا فِي حَقِّ نَقْضِ وُضُوئِهِ لَا وُضُوئِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَقْضِهِ انْتِشَارُ آلَةِ الرَّجُلِ قُنْيَةٌ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ زَادَ الْكَمَالُ فِي تَفْسِيرِهَا الْمُعَانَقَةَ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ
فَقَالَ وَهِيَ أَنْ يَتَجَرَّدَا مَعًا مُتَعَانِقَيْنِ مُتَمَاسَّيْ الْفَرْجَيْنِ (قَوْلُهُ: لِلْجَانِبَيْنِ) فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَرْأَةِ، وَمَا فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ قَالَ: إنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ إلَّا فِي الْمُنْيَةِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُعْتَمَدِ) وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ خُرُوجِ مَذْيٍ غَالِبًا، وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ فِي مَقَامِ وُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْأَمْرِ الْبَاطِنِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَنْقُضُ مَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الْحَقَائِقِ وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ بِمَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ التُّحْفَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ قَوْلُهُ: مَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ.
قُلْت: لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ قَالَ بَعْدَمَا نَقَلَ تَصْحِيحَ قَوْلِهِمَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْأَظْهَرُ وَجْهُ مُحَمَّدٍ، فَقَوْلُهُ: أَوْجَهُ مَا لَمْ
(لَا) يَنْقُضُهُ (مَسُّ ذَكَرٍ) لَكِنْ يَغْسِلَ يَدَهُ نَدْبًا (وَامْرَأَةٍ) وَأَمْرَدَ، لَكِنْ يُنْدَبُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ لَا سِيَّمَا لِلْإِمَامِ، لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ لُزُومِ ارْتِكَابِ مَكْرُوهِ، مَذْهَبِهِ
(كَمَا) لَا يَنْقُضُ (لَوْ خَرَجَ مِنْ أُذُنِهِ) وَنَحْوِهَا كَعَيْنِهِ وَثَدْيِهِ (قَيْحٌ) وَنَحْوُهُ كَصَدِيدٍ وَمَاءِ سُرَّةٍ وَعَيْنٍ (لَا بِوَجَعٍ) وَإِنْ خَرَجَ (بِهِ) أَيْ بِوَجَعٍ (نَقَضَ) لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجُرْحِ، فَدَمْعُ مَنْ بِعَيْنِهِ
ــ
[رد المحتار]
يَثْبُتْ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ يُفِيدُ مَا قَالَاهُ اهـ: وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ: وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَعَدَمُ ذِكْرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَهَا فِي النَّوَاقِضِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِهِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَغْسِلُ يَدَهُ نَدْبًا) لِحَدِيثِ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» أَيْ لِيَغْسِلْ يَدَهُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «هَلْ هُوَ إلَّا بِضْعَةٌ مِنْك، حِينَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ بَعْدَمَا يَتَوَضَّأُ» وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّلَاةِ، أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: إنَّهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنْت آخِذًا عَلَى أَبِي الْمُصْحَفَ فَاحْتَكَكْت فَأَصَبْت فَرْجِي فَقَالَ: أَصَبْتَ فَرْجَكَ؟ فَقُلْت: نَعَمْ، فَقَالَ: قُمْ فَاغْسِلْ يَدَك وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُ الْوُضُوءِ بِمِثْلِهِ فِي الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ.
أَقُولُ: وَمُفَادُهُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْيَدِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ مُفَادُ إطْلَاقِ الْمَبْسُوطِ خِلَافًا لِمَا اسْتَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا إذَا كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْحَجَرِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي النَّهْرِ. مَطْلَبٌ فِي نَدْبِ مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَرْتَكِبْ مَكْرُوهَ مَذْهَبِهِ
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يُنْدَبُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنَّ مَرَاتِبَ النَّدْبِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ قُوَّةِ دَلِيلِ الْمُخَالِفِ وَضَعْفِهِ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فُهِمَ مِنْ الْكَلَامِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ يُرَاعِي مَذْهَبَ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَإِلَّا فَالْمُرَاعَاةُ فِي الْمَذْكُورِ هُنَا لَيْسَ فِيهَا ارْتِكَابُ مَكْرُوهِ مَذْهَبِهِ. اهـ. ح. بَقِيَ هَلْ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا مَا يَعُمُّ التَّنْزِيهِيَّةَ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ ط. وَالظَّاهِرُ نَعَمْ، كَالتَّغْلِيسِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ السُّنَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَنَا الْإِسْفَارُ فَلَا يُنْدَبُ وَمُرَاعَاةُ الْخِلَافِ فِيهِ، وَكَصَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَرَامٌ، وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ: يُنْدَبُ عَدَمُ صَوْمِهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ، وَكَالِاعْتِمَادِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ السُّنَّةُ عِنْدَنَا تَرْكُهُمَا. وَلَوْ فَعَلَهُمَا لَا بَأْسَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ.
، فَيُكْرَهُ فِعْلُهُمَا تَنْزِيهًا مَعَ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَصَدِيدٍ) فِي الْمُغْرِبِ: صَدِيدُ الْجُرْحِ مَاؤُهُ الرَّقِيقُ الْمُخْتَلِطُ بِالدَّمِ (قَوْلُهُ: وَعَيْنٍ) أَيْ وَمَاءِ عَيْنٍ: وَهُوَ الدَّمْعُ وَقْتَ الرَّمَدِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَغَيْرِهِ بَدَلُ وَعَيْنٍ: أَيْ غَيْرِ مَاءِ السُّرَّةِ كَمَاءِ نَفِطَةٍ وَجُرْحٍ (قَوْلُهُ: لَا بِوَجَعٍ) تَقْيِيدٌ لِعَدَمِ النَّقْضِ بِخُرُوجِ ذَلِكَ، وَعَدَمِ النَّقْضِ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الدُّرَرُ وَالْجَوْهَرَةُ وَالزَّيْلَعِيُّ مَعْزِيًّا لِلْحَلْوَانِيِّ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الظَّاهِرُ إذَا كَانَ الْخَارِجُ قَيْحًا أَوْ صَدِيدًا لَنَقَضَ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَ وَجَعٍ أَوْ بِدُونِهِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ، نَعَمْ هَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مَاءً لَيْسَ غَيْرُ. اهـ. وَأَقَرَّهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَأَيَّدَهُ بِعِبَارَةِ الْفَتْحِ الْجُرْحُ وَالنَّفِطَةُ وَمَاءُ الثَّدْيِ وَالسُّرَّةِ وَالْأُذُنِ إذَا كَانَ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ فَالضَّمِيرُ فِي كَانَ لِلْمَاءِ فَقَطْ فَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِكَلَامِ الْبَحْرِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْوَجَعَ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ وُجُودُ الْعِلَّةِ كَافٍ، وَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ، وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَيْحُ الْخَارِجُ مِنْ الْأُذُنِ عَنْ جُرْحٍ بَرِئَ، وَعَلَامَتُهُ عَدَمُ التَّأَلُّمِ
رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ نَاقِضٌ، فَإِنْ اسْتَمَرَّ صَارَ ذَا عُذْرٍ مُجْتَبَى، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ.
(كَمَا) يَنْقُضُ (لَوْ حَشَا إحْلِيلَهُ بِقُطْنَةٍ وَابْتَلَّ الطَّرْفُ الظَّاهِرُ) هَذَا لَوْ الْقُطْنَةُ عَالِيَةٌ أَوْ مُحَاذِيَةٌ لِرَأْسِ الْإِحْلِيلِ
ــ
[رد المحتار]
فَالْحَصْرُ مَمْنُوعٌ اهـ: أَيْ الْحَصْرُ بِقَوْلِهِ لَا يَخْرُجَانِ إلَّا عَنْ عِلَّةٍ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْخُرُوجَ دَلِيلُ الْعِلَّةِ وَلَوْ بِلَا أَلَمٍ، وَإِنَّمَا الْأَلَمُ شَرْطٌ لِلْمَاءِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ كَوْنُ الْمَاءِ الْخَارِجِ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ نَحْوِهَا دَمًا مُتَغَيِّرًا إلَّا بِالْعِلَّةِ وَالْأَلَمُ دَلِيلُهَا بِخِلَافِ نَحْوِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ.
وَلِذَا أَطْلَقُوا فِي الْخَارِجِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ كَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا سِوَى التَّجَاوُزِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ فِي الْمُتُونِ وَلَا فِي الشُّرُوحِ بِالْأَلَمِ وَلَا بِالْعِلَّةِ، فَالتَّقْيِيدُ بِذَلِكَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْأُذُنِ مُشْكِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِإِطْلَاقِهِمْ (قَوْلُهُ: وَعَمْشٌ) هُوَ ضَعْفٌ لِرُؤْيَةٍ مَعَ سَيْلَانِ الدَّمِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ دُرَرٌ وَقَامُوسٌ (قَوْلُهُ: نَاقِضٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ وَتَسِيلُ الدُّمُوعُ مِنْهَا آمُرُهُ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ مَا يَسِيلُ مِنْهَا صَدِيدًا فَيَكُونُ صَاحِبَ الْعُذْرِ. اهـ.
قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ، فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ، إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ نَعَمْ إذَا عَلِمَ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ بِعَلَامَاتٍ تَغْلِبُ ظَنَّ الْمُبْتَلَى، يَجِبُ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الزَّاهِدِيِّ عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَعَنْ هِشَامٍ فِي جَامِعِهِ إنْ كَانَ قَيْحًا فَكَالْمُسْتَحَاضَةِ وَإِلَّا فَكَالصَّحِيحِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ مِنْ الْعَيْنِ مُتَغَيِّرًا اهـ.
أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى لَا يُمْكِنُ حَمْلُ مَا مَرَّ عَلَيْهَا، بِدَلِيلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَغَيِّرًا يَكُونُ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّعْلِيلُ بِالْخَوْفِ، وَقَدْ اسْتَدْرَكَ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لَكِنْ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّهُ صَاحِبُ عُذْرٍ فَكَانَ الْأَمْرُ لِلْإِيجَابِ اهـ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْمُجْتَبَى يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ (قَوْله الْمُجْتَبِي) عِبَارَتُهُ: الدَّمُ وَالْقَيْحُ وَالصَّدِيدُ وَمَاءُ الْجُرْحِ وَالنَّفِطَةُ وَمَاءُ الْبَثْرَةِ وَالثَّدْيِ وَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِعِلَّةٍ سَوَاءٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُمْ: الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ لِعِلَّةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ رَمِدَتْ عَيْنُهُ فَسَالَ مِنْهَا مَاءٌ بِسَبَبِ الرَّمَدِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْخُرُوجِ لِعِلَّةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَجَعٌ، تَأَمَّلْ. وَفِي الْخَانِيَّةِ الْغَرْبُ فِي الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ فِيمَا يَسِيلُ مِنْهُ فَهُوَ نَجَسٌ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: وَالْغَرْبُ عِرْقٌ فِي مَجْرَى الدَّمْعِ يَسْقِي فَلَا يَنْقَطِعُ مِثْلُ الْبَاسُورِ. وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ: بِعَيْنِهِ غَرْبٌ إذَا كَانَتْ تَسِيلُ وَلَا تَنْقَطِعُ دُمُوعُهَا. وَالْغَرَبُ بِالتَّحْرِيكِ: وَرَمٌ فِي الْمَآقِي، وَعَلَى ذَلِكَ صَحَّ التَّحْرِيكُ وَالتَّسْكِينُ فِي الْغَرْبِ. اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ سُئِلْت عَمَّنْ رَمِدَ وَسَالَ دَمْعُهُ ثُمَّ اسْتَمَرَّ سَائِلًا بَعْدَ زَوَالِ الرَّمَدِ وَصَارَ يَخْرُجُ بِلَا وَجَعٍ، فَأَجَبْت بِالنَّقْضِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ لِأَنَّ عُرُوضَهُ مَعَ الرَّمَدِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لِعِلَّةٍ وَإِنْ كَانَ الْآنَ بِلَا رَمَدٍ وَلَا وَجَعٍ خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ فَتَدَبَّرْ
(قَوْلُهُ: إحْلِيلَهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ النَّقْضُ بِمَا ذُكِرَ، وَمُرَادُهُ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ الطَّرَفِ الظَّاهِرِ بِأَنَّهُ مَا كَانَ عَالِيًا عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ: أَيْ مَا كَانَ خَارِجًا مِنْ رَأْسِهِ زَائِدًا عَلَيْهِ أَوْ مُحَاذِيًا لِرَأْسِهِ لِتَحَقُّقِ خُرُوجِ النَّجَسِ بِابْتِلَالِهِ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَلَّ الطَّرَفُ وَكَانَ مُتَسَفِّلًا عَنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ أَيْ غَائِبًا فِيهِ لَمْ يُحَاذِهِ وَلَمْ يَعُلْ فَوْقَهُ، فَإِنَّ ابْتِلَالَهُ غَيْرُ نَاقِضٍ إذَا لَمْ يُوجَدْ خُرُوجٌ فَهُوَ كَابْتِلَالِ الطَّرَفِ الْآخَرِ.
وَإِنْ مُتَسَفِّلَةً عَنْهُ لَا يُنْقَضُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الدُّبُرِ وَالْفَرْجِ الدَّاخِلِ (وَإِنْ ابْتَلَّ) الطَّرْفُ (الدَّاخِلُ لَا) يَنْقُضُ وَلَوْ سَقَطَتْ؛ فَإِنْ رَطَّبَهُ انْتَقَضَ، وَإِلَّا لَا؛ وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي دُبُرِهِ وَلَمْ يُغَيِّبْهَا، فَإِنْ غَيَّبَهَا أَوْ أَدْخَلَهَا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ بَطَلَ وُضُوءُهُ وَصَوْمُهُ.
ــ
[رد المحتار]
الَّذِي فِي دَاخِلِ الْقَصَبَةِ (قَوْلُهُ: وَالْفَرْجِ الدَّاخِلِ) أَمَّا لَوْ احْتَشَتْ فِي الْفَرَجِ الْخَارِجِ فَابْتَلَّ دَاخِلُ الْحَشْوِ انْتَقَضَ، سَوَاءٌ نَفَذَ الْبَلَلُ إلَى خَارِجِ الْحَشْوِ أَوْ لَا لِلتَّيَقُّنِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الِانْتِقَاضِ لِأَنَّ الْفَرْجَ الْخَارِجَ بِمَنْزِلَةِ الْقُلْفَةِ، فَكَمَا يَنْتَقِضُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ قَصَبَةِ الذَّكَرِ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا كَذَلِكَ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ إلَى الْفَرْجِ الْخَارِجِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْخَارِجِ اهـ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ: لَا يَنْقُضُ) لِعَدَمِ الْخُرُوجِ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَقَطَتْ إلَخْ) أَيْ لَوْ خَرَجَتْ الْقُطْنَةُ مِنْ الْإِحْلِيلِ رَطْبَةً انْتَقَضَ لِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ قُلْت، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَطْبَةً أَيْ لَيْسَ بِهَا أَثَرٌ لِلنَّجَاسَةِ أَصْلًا فَلَا نَقْضَ.
كَمَا لَوْ أَقْطَرَ الدُّهْنَ فِي إحْلِيلِهِ فَعَادَ، بِخِلَافِ مَا يَغِيبُ فِي الدُّبُرِ فَإِنَّ خُرُوجَهُ يَنْقُضُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِمَا فِي الْأَمْعَاءِ وَهِيَ مَحَلُّ الْقَذَرِ بِخِلَافِ قَصَبَةِ الذَّكَرِ؛ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الدُّهْنُ مِنْ الدُّبُرِ بَعْدَمَا احْتَقَنَ بِهِ يَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. قُلْت: لَكِنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ بِالِاحْتِقَانِ بِالدُّهْنِ لَا بِخُرُوجِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُهُ خِلَافَهُ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يُغَيِّبْهَا) لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْبِلَّةُ أَوْ الرَّائِحَةُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ فَلَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ اهـ حِلْيَةٌ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْبِلَّةُ أَوْ الرَّائِحَةُ يُنْقَضُ. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَإِنْ أَدْخَلَ الْمِحْقَنَةَ ثُمَّ أَخْرَجَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بِلَّةٌ لَمْ يُنْقَضْ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ اهـ.
وَفِي شَرْحِهَا: وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يُدْخِلُهُ وَطَرَفُهُ خَارِجُ غَيْرِ الذَّكَرِ (قَوْلُهُ: فَإِنْ غَيَّبَهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَكُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَهُ ثُمَّ خَرَجَ يَنْقُضُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بِلَّةٌ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِمَا فِي الْبَطْنِ وَلِذَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ طَرَفُهُ خَارِجًا. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْيَنَابِيعِ: وَكُلُّ شَيْءٍ غَيَّبَهُ فِي دُبُرِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ أَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالصَّوْمَ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَدْخَلَ بَعْضَهُ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ لَا يَنْقُضُهُمَا انْتَهَى.
أَقُولُ: عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُصْبُعُ كَالْمِحْقَنَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْبِلَّةُ لِأَنَّ طَرَفَهَا يَبْقَى خَارِجًا لِاتِّصَالِهَا بِالْيَدِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ عُضْوًا مُسْتَقِلًّا فَإِذَا غَابَتْ اُعْتُبِرَتْ كَالْمُنْفَصِلِ، لَكِنَّ مَا سَيَأْتِي فِي الصَّوْمِ مُطْلَقٌ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي مَقْعَدَتِهِ وَغَابَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَوْ مُبْتَلَّةً فَسَدَ، وَإِلَّا فَلَا، تَأَمَّلْ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِقْرَارَ الدَّاخِلِ فِي الْجَوْفِ شَرْطُ فَسَادِ الصَّوْمِ (قَوْلُهُ: بَطَلَ وُضُوءُهُ وَصَوْمُهُ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، لَكِنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ فِي الْأُولَى خِلَافُ الْمُخْتَارِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجَرَّدِ إدْخَالِ الْأُصْبُعِ وَتَغَيُّبِهَا وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، فَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّوْمِ مُطْلَقٌ كَمَا عَلِمْت، وَلِهَذَا قَالَ ط: إنَّ فِي كَلَامِهِ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا، فَبُطْلَانُ الْوُضُوءِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ وَلَوْ غَيَّبَهَا، وَقَوْلُهُ: وَصَوْمُهُ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ أَوْ أَدْخَلَهَا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ.
قُلْت: لَكِنْ لَوْ أَدْخَلَهَا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ الْبِلَّةِ إذَا خَرَجَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، لَكِنْ نَقَلَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ الذَّخِيرَةِ عَدَمَ النَّقْضِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ النَّقْضُ لِخُرُوجِ الْبِلَّةِ مَعَهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِالدُّخُولِ، وَالْوُضُوءَ بِالْخُرُوجِ، فَإِذَا أَدْخَلَ عُودًا جَافًّا وَلَمْ يُغَيِّبْهُ لَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَاخِلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَمِثْلُهُ الْأُصْبُعُ، وَإِنْ غَيَّبَ الْعُودَ فَسَدَ لِتَحَقُّقِ الدُّخُولِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ هُوَ أَوْ الْأُصْبُعُ مُبْتَلًّا لِاسْتِقْرَارِ الْبِلَّةِ فِي الْجَوْفِ، وَإِذَا أَخْرَجَ الْعُودَ بَعْدَمَا غَابَ فَسَدَ وُضُوءُهُ مُطْلَقًا؛ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ، فَإِنَّ عَلَيْهِ
فُرُوعٌ]
يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْتَشِيَ إنْ رَابَهُ الشَّيْطَانُ، وَيَجِبُ إنْ كَانَ لَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِهِ قَدْرُ مَا يُصَلِّي.
بَاسُورِيٌّ خَرَجَ دُبُرُهُ، إنْ أَدْخَلَهُ بِيَدِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَإِنْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ لَا؛ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ بَعْضُ الدُّودَةِ فَدَخَلَتْ. مَنْ لِذَكَرِهِ رَأْسَانِ فَاَلَّذِي لَا يَخْرُجُ مِنْهُ الْبَوْلُ الْمُعْتَادُ بِمَنْزِلَةِ الْجُرْحِ.
الْخُنْثَى غَيْرُ الْمُشْكِلِ فَرْجُهُ الْآخَرُ كَالْجُرْحِ، وَالْمُشْكِلُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِكُلٍّ.
مُنْكِرُ الْوُضُوءِ هَلْ يَكْفُرُ إنْ أَنْكَرَ الْوُضُوءَ لِلصَّلَاةِ؟ نَعَمْ، وَلِغَيْرِهَا لَا.
شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ أَعَادَ مَا شَكَّ فِي تَعْيِينِهِ، غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَمَلِ.
وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ عُضْوًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى؛ لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَمَلِ. وَلَوْ أَيْقَنَ بِالطَّهَارَةِ وَشَكَّ بِالْحَدَثِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَخَذَ بِالْيَقِينِ، وَلَوْ تَيَقَّنَهُمَا وَشَكَّ فِي السَّابِقِ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ وَمِثْلُهُ الْمُتَيَمِّمُ. -
ــ
[رد المحتار]
بِلَّةً أَوْ فِيهِ رَائِحَةً فَسَدَ الْوُضُوءُ، وَإِلَّا فَلَا (قَوْلُهُ: بِيَدِهِ) أَوْ بِخِرْقَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: انْتَقَضَ) لِأَنَّهُ يَلْتَزِقُ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ بَحْرٌ: أَيْ فَيَتَحَقَّقُ خُرُوجُهَا (قَوْلُهُ: لَا) أَيْ لَا يَنْتَقِضُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْخُرُوجِ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْدَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ إنْ تَيَقَّنَ خُرُوجَ الدُّبُرِ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ. اهـ.
وَبِهِ جَزَمَ فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا) أَيْ فِي عَدَمِ النَّقْضِ. وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّوْشِيحِ تَخْرِيجًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْبَاسُورِيِّ (قَوْله: فَدَخَلَتْ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِيَكُونَ التَّشْبِيهُ فِي طَرَفَيْ الْإِدْخَالِ وَالدُّخُولِ ط (قَوْلُهُ: مَنْ لِذَكَرِهِ إلَخْ) فِيهِ إيجَازٌ، وَأَصْلُ الْعِبَارَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ: لَوْ كَانَ بِذَكَرِ الرَّجُلِ جُرْحٌ لَهُ رَأْسَانِ: أَحَدُهُمَا يَخْرُجُ مِنْهُ الَّذِي يَسِيلُ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ، وَالثَّانِي مَا لَا يَسِيلُ فِيهِ؛ فَالْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْلِيلِ إذَا ظَهَرَ الْبَوْلُ عَلَى رَأْسِهِ يَنْقُضُ وَإِنْ لَمْ يَسِلْ، وَلَا وُضُوءَ فِي الثَّانِي مَا لَمْ يَسِلْ.
(قَوْلُهُ: فَرْجُهُ الْآخَرُ) أَيْ الْمَحْكُومُ بِزِيَادَتِهِ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ (قَوْلُهُ: كَالْجُرْحِ) أَيْ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مَا لَمْ يَسِلْ خَانِيَّةٌ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: بِكُلٍّ) أَيْ بِالْخَارِجِ مِنْ كُلٍّ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ عَمَلًا بِالْأَحْوَطِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ ط.
(قَوْلُهُ: مُنْكِرُ الْوُضُوءِ) أَوْ وُجُوبِهِ (قَوْلُهُ: نَعَمْ) لِإِنْكَارِهِ النَّصَّ الْقَطْعِيَّ وَهُوَ آيَةُ {إِذَا قُمْتُمْ} [المائدة: 6] وَالْإِجْمَاعَ (قَوْلُهُ: وَلِغَيْرِهَا لَا) ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمَسَ الْمُصْحَفَ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ آيَتِهِ كَمَا مَرَّ ط.
(قَوْلُهُ: شَكَّ فِي بَعْضِ وُضُوئِهِ) أَيْ شَكَّ فِي تَرْكِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي خِلَالِهِ بَلْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ أَوْ كَانَ الشَّكُّ عَادَةً لَهُ؛ وَإِنْ كَانَ فِي خِلَالِهِ فَلَا يُعِيدُ شَيْئًا قَطْعًا لِلْوَسْوَسَةِ مِنْهُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ: غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا كَانَ الشَّكُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ. وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ يَغْسِلُ الْأَخِيرَ؛ كَمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ رِجْلَيْهِ عَيْنًا وَعَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا مِمَّا قَبْلَهُمَا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَا هُوَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنَّهُ لَا تَيَقُّنَ بِتَرْكِ شَيْءٍ هُنَاكَ أَصْلًا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَيْقَنَ بِالطَّهَارَةِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ سَبْقَ الطَّهَارَةِ وَشَكَّ فِي عُرُوضِ الْحَدَثِ بَعْدَهَا أَوْ بِالْعَكْسِ أَخَذَ بِالْيَقِينِ وَهُوَ السَّابِقُ. قَالَ فِي الْفَتْحِ إلَّا إنْ تَأَيَّدَ اللَّاحِقُ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ عَلِمَ الْمُتَوَضِّئُ دُخُولَ الْخَلَاءِ لِلْحَاجَةِ وَشَكَّ فِي قَضَائِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، أَوْ عَلِمَ جُلُوسَهُ لِلْوُضُوءِ بِإِنَاءٍ وَشَكَّ فِي إقَامَتِهِ قَبْلَ قِيَامِهِ لَا وُضُوءَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَشَكَّ بِالْحَدَثِ) أَيْ الْحَقِيقِيِّ أَوْ الْحُكْمِيِّ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ نَامَ وَهَلْ نَامَ مُتَمَكِّنًا أَوْ لَا؟ أَوْ زَالَتْ إحْدَى أَلْيَتَيْهِ وَشَكَّ هَلْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَقِظَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ . اهـ. حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ) لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الطَّهَارَةَ بَعْدَ الْحَدَثِ ط، لَكِنْ فِي حَاشِيَةِ الْحَمَوِيِّ [عَنْ فَتْحِ الْمُدَبَّرِ] لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ السَّمْدِيسِيِّ: مَنْ تَيَقَّنَ بِالطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي السَّابِقِ يُؤْمَرُ بِالتَّذَكُّرِ فِيمَا قَبْلَهُمَا، فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا