المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فروع] قرأ بالفارسية أو التوراة أو الإنجيل - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ١

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌أَرْكَانُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوء]

- ‌فَرْضُ الْغُسْلِ)

- ‌[فُرُوعٌ فِي الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْلِ]

- ‌بَابُ الْمِيَاهِ

- ‌[الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ]

- ‌[فَرْعٌ] مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ

- ‌[فُرُوعٌ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ

- ‌[فَرْعٌ] وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا

- ‌[فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم وَشُرُوطه]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فُرُوعٌ] صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْذُورِ]

- ‌بَابُ الْأَنْجَاسِ

- ‌فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاء]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ الْأَذَانِ

- ‌[فَائِدَةٌ] التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي النِّيَّةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[فَرَائِض الصَّلَاة]

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ]

- ‌[وَاجِبَات الصَّلَاة]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَان تَأْلِيف الصَّلَاة إلَى انتهائها]

- ‌[فُرُوعٌ] كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ

- ‌[فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة]

- ‌فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا

- ‌بَابُ الْإِمَامَةِ

- ‌[فُرُوعٌ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً]

- ‌بَابُ الِاسْتِخْلَافِ

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا

- ‌[فُرُوعٌ سَمِعَ المصلي اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جل جلاله أَوْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته]

- ‌[فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ

- ‌فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ

- ‌[فُرُوعٌ اشْتِمَالُ الصَّلَاة عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[فُرُوعٌ]أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ

الفصل: ‌[فروع] قرأ بالفارسية أو التوراة أو الإنجيل

حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ فَتَنَبَّهْ (لَا) يَصِحُّ (إنْ أَذَّنَ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ) وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَذَانٌ ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ، وَاعْتَبَرَ الزَّيْلَعِيُّ التَّعَارُفَ.

[فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

، إنْ قِصَّةً تُفْسِدُ، وَإِنْ ذِكْرًا لَا؛ وَأُلْحِقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ الشَّاذِّ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَلَا يُجْزِئُ

ــ

[رد المحتار]

كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَغَيْرُ صَرِيحٍ فِي تَكْبِيرِ الشُّرُوعِ، بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ أَوْ الذَّبْحِ، بَلْ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ قَرَنَهُ مَعَ الْأَذْكَارِ الْخَارِجَةِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمَتْنِ فَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الْعَيْنِيِّ فِي دَعْوَى رُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِمَا يُرَدُّ عَلَيْهِ فِي دَعْوَاهُ رُجُوعَهُمَا إلَى قَوْلِهِ.

(قَوْلُهُ حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ) أَيْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا، فَحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ لَا عَاطِفَةٌ، لِأَنَّا لَمْ نَعْهَدْ مِنْ هَذَا الشَّارِحِ الْفَاضِلِ قِلَّةَ الْأَدَبِ مَعَ الْعُلَمَاءِ حَتَّى يَجْعَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ الْقَاصِرِينَ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ

وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ نَفْسَهُ خَفِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَتَبِعَ الْعَيْنِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى. وَفِي الْخَزَائِنِ: بَلْ خَفِيَ أَيْضًا عَلَى الْبُرْهَانِ الطَّرَابُلُسِيِّ فِي مَتْنِهِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ قَالَ: وَالْأَصَحُّ رُجُوعُهُ إلَيْهِمَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الشُّرُوعِ وَالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ لِغَيْرِ الْعَاجِزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ الزَّيْلَعِيُّ التَّعَارُفَ) وَبِهِ جَزَمَ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَقَرَّهُ الشُّرَّاحُ، وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَذَانٌ جَازَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْإِعْلَامُ لَمْ يَحْصُلْ

[فُرُوعٌ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ]

(قَوْلُهُ قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ أَوْ التَّوْرَاةَ إلَخْ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَفْعُولِ قَرَأَ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ الْقُرْآنُ ح (قَوْلُهُ إنْ قِصَّةً إلَخْ) اخْتَارَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْفَتْحِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَهُمَا مَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ.

وَمَا قَالَهُ النَّجْمُ النَّسَفِيُّ وَقَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّهَا تُفْسِدُ عِنْدَهُمَا فَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْوَجْهُ إذَا كَانَ الْمَقْرُوءُ مِنْ مَكَانِ الْقَصَصِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَنْ تَفْسُدَ بِمُجَرَّدِ قِرَاءَتِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ غَيْرِ قُرْآنٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا أَوْ تَنْزِيهًا فَإِنَّهَا تَفْسُدُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ إخْلَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ

(قَوْلُهُ وَأُلْحِقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ الشَّاذِّ) أَيْ فَجَعَلَهُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ بِهِ وَالْقَوْلِ بِعَدَمِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ: عِنْدِي بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَارِسِيَّ لَيْسَ قُرْآنًا أَصْلًا لِانْصِرَافِهِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ إلَى الْعَرَبِيِّ، فَإِذَا قَرَأَ قِصَّةً صَارَ مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ النَّاسِ، بِخِلَافِ الشَّاذِّ فَإِنَّهُ قُرْآنٌ إلَّا أَنَّ فِي قُرْآنِيَّتِهِ شَكًّا فَلَا تَفْسُدُ بِهِ وَلَوْ قِصَّةً، وَحَكَوْا الِاتِّفَاقَ فِيهِ عَلَى عَدَمِهِ فَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ تَأْوِيلِهِ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِالْفَسَادِ بِمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ اهـ أَيْ فَيَكُونُ الْفَسَادُ لِتَرْكِهِ الْقِرَاءَةَ بِالْمُتَوَاتِرِ لَا لِلْقِرَاءَةِ بِالشَّاذِّ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ مَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَأَنَّ الصَّلَاةَ يُمْنَعُ فِيهَا عَنْ غَيْرِ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ قَطْعًا، وَمَا كَانَ قِصَّةً وَلَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ لَمْ يَكُنْ قِرَاءَةً وَلَا ذِكْرًا فَيُفْسِدُ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذِكْرًا فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنِيَّتُهُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا لِكَوْنِهِ ذِكْرًا، لَكِنْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ تُفْسِدُ، وَإِنْ قَرَأَ مَعَهُ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا، فَهَذَا مَا وَفَّقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُحِيطِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ، وَفِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ:

ص: 485

كَالتَّهَجِّي. وَتَجُوزُ كِتَابَةُ آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا أَكْثَرَ، وَيُكْرَهُ كَتْبُ تَفْسِيرِهِ تَحْتَهُ بِهَا (وَلَوْ شَرَعَ بِ) مَشُوبٍ بِحَاجَتِهِ كَتَعَوُّذٍ وَبَسْمَلَةٍ وَحَوْقَلَةٍ وَ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ ذَكَرَهَا عِنْدَ الذَّبْحِ لَمْ يَجُزْ، بِخِلَافِ اللَّهُمَّ) فَقَطْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِمَا فِي الْأَصَحِّ كَيَا اللَّهُ.

ــ

[رد المحتار]

وَإِنْ قَرَأَ الْمَكْتُوبَ فِي الصُّحُفِ الْأُلَى

إذَا كَانَ كَالتَّسْبِيحِ لَيْسَ يُغَيِّرُ

وَالصُّحُفُ الْأُولَى جَمْعُ صَحِيفَةٍ: الْمُرَادُ بِهَا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي شُرُوحِ الْوَهْبَانِيَّةِ مَطْلَبٌ بَيَانُ الْمُتَوَاتِرِ وَالشَّاذِّ.

[تَتِمَّةٌ] الْقُرْآنُ الَّذِي تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بِالِاتِّفَاقِ هُوَ الْمَضْبُوطُ فِي مَصَاحِفِ الْأَئِمَّةِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه إلَى الْأَمْصَارِ، وَهُوَ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْعَشَرَةُ، وَهَذَا هُوَ الْمُتَوَاتِرُ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَمَا فَوْقَ السَّبْعَةِ إلَى الْعَشَرَةِ غَيْرُ شَاذٍّ، وَإِنَّمَا الشَّاذُّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ (قَوْلُهُ كَالتَّهَجِّي) قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ

وَلَيْسَ التَّهَجِّي فِي الصَّلَاةِ بِمُفْسِدٍ

وَلَا مُجْزِئٍ عَنْ وَاجِبِ الذِّكْرِ فَاذْكُرُوا

وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْقُنْيَةِ: قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهَا: صُورَتُهَا شَخْصٌ قَالَ فِي صَلَاتِهِ: س ب ح ان ال ل هـ بِالتَّهَجِّي أَوْ قَالَ أع وذ ب ال ل هـ م ن ال ش ي ط ان لَا تَفْسُدُ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ: تَفْسُدُ بِتَهَجِّيهِ قَدْرَ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ اهـ وَهَذَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ نَحْوَ مَا فِي الْقُنْيَةِ اهـ. وَنَصَّ فِي الْإِمْدَادِ فِي بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَالْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ السُّجُودُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ الْقُرْآنَ وَلَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ الْحُرُوفُ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ. اهـ.

وَظَاهِرُ الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَةُ مُسَمَّيَاتِ الْحُرُوفِ لَا أَسْمَاؤُهَا، مِثْلُ سِينٍ بَاء حَاءٍ أَلِفٍ نُونٍ، وَهَلْ حُكْمُهَا كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ (قَوْلُ وَيَجُوزُ إلَخْ) فِي الْفَتْحِ عَنْ الْكَافِي: إنْ اعْتَادَ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ مُصْحَفًا بِهَا يُمْنَعُ، وَإِنْ فَعَلَ فِي آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ لَا، فَإِنْ كَتَبَ الْقُرْآنَ وَتَفْسِيرَ كُلِّ حَرْفٍ وَتَرْجَمَتَهُ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ آنِفًا، لَكِنْ رَأَيْت بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ عَنْ حَظْرِ الْمُجْتَبَى: وَيُكْرَهُ كَتْبُ التَّفْسِيرِ بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا يَعْتَادُهُ الْبَعْضُ، وَرَخَّصَ فِيهِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَارِسِيَّةَ غَيْرُ قَيْدٍ (قَوْلُهُ بِمَشُوبٍ) أَيْ مَخْلُوطٍ (قَوْلُهُ وَبَسْمَلَةٍ) عَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ لِلتَّبَرُّكِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَارِكْ فِي هَذَا الْأَمْرِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ تَرْجِيحُهُ: وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ. وَنُقِلَ فِي النَّهْرِ تَصْحِيحُهُ عَنْ السِّرَاجِ وَفَتَاوَى الْمَرْغِينَانِيِّ. وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْمُبْتَغَى الْجَوَازُ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهَا ذِكْرٌ خَالِصٌ بِدَلِيلِ جَوَازِهَا عَلَى الذَّبِيحَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا الذِّكْرُ الْخَالِصُ. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَنْظُومَةِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَعَزَاهُ إلَى الْإِمَامِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِهَا عَنْ الْإِمَامِ الْحَلْوَانِيِّ وَظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ وَالْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَشِهَابِ الْإِمَامِيِّ، وَجَعَلَ الْأَوَّلَ قَوْلَ الصَّاحِبَيْنِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحَوْقَلَةٍ) أَيْ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ فِي الْمَعْنَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ حَوِّلْنِي عَنْ مَعْصِيَتِك وَقَوِّنِي عَلَى طَاعَتِك، لِأَنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِك يَا اللَّهُ (قَوْلُ أَوْ ذَكَرَهَا) أَيْ ذَكَرَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا، خِلَافًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ.

وَهَذَا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَنَّ أَصْلَهُ يَا اللَّهُ فَحُذِفَتْ يَا وَعُوِّضَ عَنْهَا الْمِيمُ. وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ أَصْلُهُ يَا اللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ فَحُذِفَتْ الْجُمْلَةُ إلَّا الْمِيمَ فَيَكُونُ دُعَاءً لَا ثَنَاءً. وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ} [الأنفال: 32] الْآيَةَ، وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ كَيَا اللَّهُ) فَإِنَّ بِهِ يَصِحُّ الشُّرُوعُ اتِّفَاقًا خَزَائِنُ

ص: 486

(وَوَضَعَ) الرَّجُلُ (يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ آخِذًا رُسْغَهَا بِخِنْصَرِهِ وَإِبْهَامِهِ) هُوَ الْمُخْتَارُ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ ثَدْيِهَا (كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ) بِلَا إرْسَالٍ فِي الْأَصَحِّ (وَهُوَ سُنَّةُ قِيَامٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاعِدَ لَا يَضَعُ وَلَمْ أَرَهُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ: الْمُرَادُ مِنْ الْقِيَامِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ آخِذًا رُسْغَهَا) أَيْ مَفْصِلَهَا وَهُوَ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ بِضَمَّتَيْنِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ بِخِنْصَرِهِ وَإِبْهَامِهِ) أَيْ يُحَلِّقُ الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ عَلَى الرُّسْغِ وَيَبْسُطُ الْأَصَابِعَ الثَّلَاثَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْكِفَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالسِّرَاجِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَيُحَلِّقُ إبْهَامَهُ وَخِنْصَرَهُ وَبِنْصِرَه وَيَضَعُ الْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةَ عَلَى مِعْصَمِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ، وَهَذَا اسْتَحْسَنَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لِيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْوَضْعِ الْمَرْوِيَّيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ وَعَمَلًا بِالْمَذْهَبِ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْوَضْعِ يُرِيدُ وَضْعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَائِلَ بِالْأَخْذِ يُرِيدُ أَخْذَ الْجَمِيعِ، فَأَخْذُ الْبَعْضِ وَوَضْعُ الْبَعْضِ لَيْسَ أَخْذًا وَلَا وَضْعًا، بَلْ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُوَافِقَةً لِلسُّنَّةِ. اهـ.

قُلْت: وَهَذَا الْبَحْثُ مَنْقُولٌ؛ فَفِي الْمِعْرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: وَقِيلَ هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْمَذَاهِبِ وَالْأَحَادِيثِ فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ ذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ هَذَا الِاعْتِرَاضَ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ بِصِفَةِ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ فِي وَقْتٍ وَبِصِفَةِ الْآخَرِ فِي غَيْرِهِ لِيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ حَقِيقَةً. اهـ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا يَكُونُ تَارِكًا فِيهِ الْعَمَلَ بِالْآخَرِ وَالْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا الْوَضْعُ وَفِي بَعْضِهَا الْأَخْذُ بِلَا بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ. وَاَلَّذِي اسْتَحْسَنَهُ الْمَشَايِخُ فِيهِ الْعَمَلَ بِهِمَا جَمِيعًا؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الْأَخْذِ وَضْعًا وَزِيَادَةً. وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ ظَاهِرًا لَا يُعْدَلُ عَنْ أَحَدِهِمَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ) عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى الْغَزْنَوِيَّةِ (قَوْلُهُ تَحْتَ ثَدْيِهَا) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُنْيَةِ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى ثَدْيِهَا. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى صَدْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ لَا عَلَى ثَدْيِهَا وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ عَلَى الصَّدْرِ قَدْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ بَعْضُ سَاعِدِ كُلِّ يَدٍ عَلَى الثَّدْيِ، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِفَادَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فَرَغَ) هَذِهِ كَافُ الْمُبَادَرَةِ تَتَّصِلُ بِمَا نَحْوُ: سَلِّمْ كَمَا تَدْخُلُ، نَقَلَهَا فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ.

(قَوْلُهُ بِلَا إرْسَالٍ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يُرْسِلُهُمَا حَالَةَ الثَّنَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ يَضَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةُ الْقِيَامِ الَّذِي لَهُ قَرَارٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَسُنَّةُ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ) وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، كَمَا نَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ مَا هُوَ الْأَعَمُّ) أَيْ مِنْ الْقِيَامِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ، فَإِنَّ الْقُعُودَ فِي النَّافِلَةِ وَفِي الْفَرِيضَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا لِعُذْرٍ كَالْقِيَامِ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْقِيَامِ رَحْمَتِيٌّ

(قَوْلُهُ قَرَارٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ جَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَصْلَ عَلَى قَوْلِهِمَا الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةُ قِيَامٍ لَهُ قَرَارٌ كَمَا مَرَّ. وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْأَصْلَ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ سُنَّةُ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ جَمَعَ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ فَجَعَلَهُمَا أَصْلًا وَاحِدًا، وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ نَقَلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُرْسِلُ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَضَعُ، ثُمَّ وَفَّقَ بِأَنَّ مَنْشَأَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَصْلَيْنِ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقَوْمَةِ ذِكْرًا مَسْنُونًا وَهُوَ التَّسْمِيعُ أَوْ التَّحْمِيدُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَطِ. اهـ.

فَهَذَا كَمَا تَرَى يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ السِّرَاجِ الْآتِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَلِهَذَا أَيْضًا لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ اعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا، بَلْ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهَا، لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ

ص: 487

(لَهُ قَرَارٌ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَيَضَعُ حَالَةَ الثَّنَاءِ، وَفِي الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ لَا) يُسَنُّ (فِي قِيَامٍ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ) لِعَدَمِ الْقَرَارِ (وَ) لَا بَيْنَ (تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) لِعَدَمِ الذِّكْرِ مَا لَمْ يُطِلْ الْقِيَامَ فَيَضَعُ سِرَاجِيَّةٌ (وَقَرَأَ) كَمَا كَبَّرَ (سُبْحَانَك اللَّهُمَّ تَارِكًا) وَجَلَّ ثَنَاؤُك إلَّا فِي الْجِنَازَةِ (مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ) فَلَا يُضَمُّ: وَجَّهْت وَجْهِي إلَّا فِي النَّافِلَةِ، وَلَا تَفْسُدُ بِقَوْلِهِ - {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163]- فِي الْأَصَحِّ (إلَّا إذَا) شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءٌ (كَانَ مَسْبُوقًا) أَوْ مُدْرِكًا (وَ) سَوَاءٌ كَانَ (إمَامُهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ) أَوْ لَا (فَ) إنَّهُ (لَا يَأْتِي بِهِ) لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الصُّغْرَى: أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ يُثْنِي مَا لَمْ يَبْدَأْ بِالْقِرَاءَةِ، وَقِيلَ فِي الْمُخَافَتَةِ يُثْنِي،

ــ

[رد المحتار]

النُّصُوصِ إلَخْ، نَعَمْ قَيَّدَ مُنْلَا مِسْكِينٌ الذِّكْرَ بِالطَّوِيلِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ عَنْ الْهِدَايَةِ، لَكِنْ إذَا كَانَ الذِّكْرُ طَوِيلًا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْقِيَامِ لَهُ قَرَارٌ فَيُرْجَعُ إلَى مَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ) أَيْ مَشْرُوعٌ فَرْضًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً إسْمَاعِيلُ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْقَرَارِ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِقَوْلِهِمْ إنَّ مُصَلِّيَ النَّافِلَةِ وَلَوْ سُنَّةً يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَ التَّحْمِيدِ بِالْأَدْعِيَةِ الْوَارِدَةِ نَحْوُ " مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " إلَخْ وَاَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَهْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ فِي النَّافِلَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ تَأَمَّلْ لَكِنَّهُ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْأَصْلَيْنِ الْمَارَّيْنِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَعْتَمِدُ أَيْضًا فِي صَلَاةِ التَّسَابِيحِ، ثُمَّ رَأَيْته ذَكَرَهُ ط وَالرَّحْمَتِيُّ وَالسَّائِحَانِيُّ بَحْثًا (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُطِلْ الْقِيَامَ فَيَضَعُ) أَيْ فَإِنْ أَطَالَهُ لِكَثْرَةِ الْقَوْمِ فَإِنَّهُ يَضَعُ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ سُنَّةُ قِيَامٍ لَهُ قَرَارٌ لَا عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا أَصْلَانِ لَا أَصْلٌ وَاحِدٌ كَمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ) شَرَحَ أَلْفَاظَهُ فِي الْبَحْرِ وَالْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِمَا.

(قَوْلُهُ تَارِكًا إلَخْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَدَائِعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَشَاهِيرِ كَافِي فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مُحَافَظَةً عَلَى الْمَرْوِيِّ بِلَا زِيَادَةٍ وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَحْرٌ وَحِلْيَةٌ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ لَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ لَا مَفْهُومَ لَهُ، لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِهِ مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ: وَقَوْلُهُ " وَجَلَّ ثَنَاؤُك " لَمْ يُنْقَلْ فِي الْفَرَائِضِ فِي الْمَشَاهِيرِ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ فَهُوَ فِي صَلَاةِ التَّهَجُّدِ اهـ (قَوْلُهُ إلَّا فِي الْجِنَازَةِ) ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ سِوَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ وَمُخْتَارَات النَّوَازِلِ (قَوْلُهُ مُقْتَصِرًا) اسْمُ فَاعِلٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ قَرَأَ أَوْ اسْمُ مَفْعُولٍ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِهِ وَهُوَ سُبْحَانَك إلَخْ ح (قَوْلُهُ إلَّا فِي النَّافِلَةِ) لِحَمْلِ مَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ عَلَيْهَا فَيَقْرَؤُهُ فِيهَا إجْمَاعًا وَاخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَقُولُهُ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ مِعْرَاجٌ. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَعِنْدَهُمَا يَقُولُهُ قَبْلَ الِافْتِتَاحِ يَعْنِي قَبْلَ النِّيَّةِ وَلَا يَقُولُهُ بَعْدَ النِّيَّةِ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ. لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ: الْحَقُّ أَنَّ قِرَاءَتَهُ قَبْلَ النِّيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ التَّكْبِيرِ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ. اهـ. وَفِي الْخَزَائِنِ: وَمَا وَرَدَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّافِلَةِ بَعْدَ الثَّنَاءِ فِي الْأَصَحِّ. اهـ. وَقَالَ فِي هَامِشِهِ: صَحَّحَهُ فِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَقِيلَ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ.

وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ بِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَبِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ كَذِبًا إذَا كَانَ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ لَا تَالِيًا، فَلَوْ مُخْبِرًا فَالْفَسَادُ عِنْدَ الْكُلِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا فِي النَّهْرِ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِتَحْوِيلِ الشَّارِحِ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ، لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْمَتْنِ الْإِتْيَانُ بِالثَّنَاءِ فِي الْمُخَافَتَةِ وَإِنْ بَدَأَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِتَعْبِيرِ الصُّغْرَى عَنْهُ بِقِيلَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَبِالْأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الثَّنَاءِ. وَأَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ جَزَمَ بِهِ فِي الدُّرَرِ. وَقَالَ فِي الْمِنَحِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَالشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى. وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ مَا اشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ لَا يُثْنِي. وَقَالَ غَيْرُهُ يُثْنِي وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ، إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَجْهَرُ لَا يُثْنِي، وَإِنْ كَانَ يُسِرُّ يُثْنِي. اهـ. وَهُوَ مُخْتَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْجَهْرِ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَلْ يُسَنُّ تَعْظِيمًا

ص: 488

وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، إنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ أَتَى بِهِ.

(وَ) كَمَا اسْتَفْتَحَ (تَعَوَّذَ) بِلَفْظِ أَعُوذُ عَلَى الْمَذْهَبِ (سِرًّا) قُيِّدَ لِلِاسْتِفْتَاحِ أَيْضًا فَهُوَ كَالتَّنَازُعِ (لِقِرَاءَةٍ) فَلَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ تَرَكَهُ، وَلَوْ قَبْلَ إكْمَالِهَا تَعَوَّذَ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ. وَلَا يَتَعَوَّذُ التِّلْمِيذُ إذَا قَرَأَ عَلَى أُسْتَاذِهِ ذَخِيرَةٌ: أَيْ لَا يُسَنُّ، فَلْيُحْفَظْ (فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ عِنْدَ قِيَامِهِ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ) لِقِرَاءَتِهِ (لَا الْمُقْتَدِي) لِعَدَمِهَا (وَيُؤَخِّرُ) الْإِمَامُ التَّعَوُّذَ (عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ) لِقِرَاءَتِهِ بَعْدَهَا

ــ

[رد المحتار]

لِلْقِرَاءَةِ فَكَانَ سُنَّةً غَيْرَ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا وَعَدَمُ قِرَاءَةِ الْمُؤْتَمِّ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْجَهْرِ لَا لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ بَلْ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ.

وَأَمَّا الثَّنَاءُ فَهُوَ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا وَلَيْسَ ثَنَاءُ الْإِمَامِ ثَنَاءً لِلْمُؤْتَمِّ، فَإِذَا تَرَكَهُ يَلْزَمُ تَرْكُ سُنَّةٍ مَقْصُودَةٍ لِذَاتِهَا لِلْإِنْصَاتِ الَّذِي هُوَ سُنَّةٌ تَبَعًا بِخِلَافِ تَرْكِهِ حَالَةَ الْجَهْرِ. اهـ. فَكَانَ الْمُعْتَمَدُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ سَاجِدًا) أَيْ السَّجْدَةَ الْأُولَى كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَأَشَارَ بِالتَّقْيِيدِ بِرَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا إلَى أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهُ فِي إحْدَى الْقَعْدَتَيْنِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُثْنِيَ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ زِيَادَةِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْقُعُودِ وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ

(قَوْلُهُ بِلَفْظِ أَعُوذُ) أَيْ لَا بِلَفْظِ أَسْتَعِيذُ وَإِنْ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ فَهُوَ كَالتَّنَازُعِ) لِأَنَّ سِرًّا حَالٌ مِنْ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ فَكَانَا مُتَعَلِّقَيْنِ بِهِ فَأَشْبَهَ التَّنَازُعَ الَّذِي هُوَ تَعَلُّقُ عَامِلَيْنِ فَأَكْثَرَ بِاسْمٍ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ النَّهْرِ فَهُوَ مِنْ التَّنَازُعِ، لِمَا فِي هَمْعِ الْهَوَامِعِ مِنْ أَنَّهُ يَقَعُ فِي كُلِّ مَعْمُولٍ إلَّا الْمَفْعُولَ لَهُ وَالتَّمْيِيزَ وَكَذَا الْحَالُ خِلَافًا لِابْنِ مُعْطِي أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِقَوْلِهِ وَالتَّعَوُّذُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ نَسِيَهُ حَتَّى قَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَا يَتَعَوَّذُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ قَبْلَ إكْمَالِهَا يَتَعَوَّذُ، وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا اهـ.

وَهَذَا الْفَهْمُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِأَنَّ قَوْلَ الْخُلَاصَةِ حَتَّى قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَعْنَاهُ شَرَعَ فِي قِرَاءَتِهَا، إذْ بِالشُّرُوعِ فَاتَ مَحَلُّ التَّعَوُّذِ، وَإِلَّا لَزِمَ رَفْضُ الْفَرْضِ لِلسُّنَّةِ، وَلَزِمَ أَيْضًا تَرْكُ الْوَاجِبِ، فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً مُوجِبَةٌ لِلسَّهْوِ. عَلَى أَنَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا بَعْدَ مَا مَرَّ بِنَحْوِ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ قَالَ: وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي النَّوَادِرِ إنْ كَبَّرَ وَتَعَوَّذَ وَنَسِيَ الثَّنَاءَ لَا يُعِيدُ، كَذَا إنْ كَبَّرَ وَبَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ وَنَسِيَ الثَّنَاءَ وَالتَّعَوُّذَ وَالتَّسْمِيَةَ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا، وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَبَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ إلَخْ مُؤَيِّدًا لِمَا قُلْنَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَعَوَّذُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِقِرَاءَةٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقُيِّدَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ التِّلْمِيذَ لَا يَتَعَوَّذُ إذَا قَرَأَ عَلَى أُسْتَاذِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَأَقُولُ لَيْسَ مَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ وَعَدَمِهَا بَلْ فِي الِاسْتِنَانِ وَعَدَمِهِ اهـ أَيْ فَتُسَنُّ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَتْ تُشْرَعُ فِي غَيْرِهَا فِي جَمِيعِ مَا يُخْشَى فِيهِ الْوَسْوَسَةُ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا يُسَنُّ، لَكِنْ فِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ فَإِنَّهَا تُسَنُّ أَيْضًا قَبْلَ دُخُولِ الْخَلَاءِ لَكِنْ بِلَفْظِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا إذَا قَالَ الرَّجُلُ - بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - فَإِنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يَتَعَوَّذُ قَبْلَهُ لِلْآيَةِ.

وَإِنْ أَرَادَ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ كَمَا يَقْرَأُ التِّلْمِيذُ عَلَى الْأُسْتَاذِ لَا يَتَعَوَّذُ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ؛ أَلَا يَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَشْكُرَ فَيَقُولُ - الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعَوُّذِ قَبْلَهُ، وَعَلَى هَذَا، الْجُنُبُ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ يَجُزْ أَوْ افْتِتَاحَ الْكَلَامِ جَازَ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْقِرَاءَةَ تَعَوَّذَ قَبْلَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَمَا لَوْ أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ كَالتِّلْمِيذِ حِينَ يُبَسْمِلُ فِي أَوَّلِ دَرْسِهِ لِلْعِلْمِ فَلَا يَتَعَوَّذُ، وَكَمَا لَوْ قَصَدَ بِالْحَمْدَلَةِ الشُّكْرَ، وَكَذَا إذَا تَكَلَّمَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا يُسَنُّ التَّعَوُّذُ بِالْأَوْلَى فَكَلَامُ الذَّخِيرَةِ فِي التَّعَوُّذِ قَبْلَ الْكَلَامِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ، فَلَا يُنَافِي اسْتِنَانَهُ قَبْلَ الْخَلَاءِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ إلَخْ) فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ ثَلَاثَ مَسَائِلَ

ص: 489

(وَ) كَمَا تَعَوَّذَ (سَمَّى) غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ بِلَفْظِ الْبَسْمَلَةِ، لَا مُطْلَقُ الذِّكْرِ كَمَا فِي ذَبِيحَةٍ وَوُضُوءٍ (سِرًّا فِي) أَوَّلِ (كُلِّ رَكْعَةٍ) وَلَوْ جَهْرِيَّةً (لَا) تُسَنُّ (بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ مُطْلَقًا) وَلَوْ سِرِّيَّةً، وَلَا تُكْرَهُ اتِّفَاقًا، وَمَا صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ مِنْ وُجُوبِهَا

ــ

[رد المحتار]

تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِهِ لِقِرَاءَةٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّعَوُّذَ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَهُوَ تَبَعٌ لِلثَّنَاءِ، فَعِنْدَهُ يَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ الثَّنَاءِ مَرَّتَيْنِ حَالَ اقْتِدَائِهِ وَعِنْدَ قِيَامِهِ لِلْقَضَاءِ؛ وَيَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي الْمُدْرِكُ لِأَنَّهُ يُثْنِي كَمَا يَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ، وَيَأْتِي بِهِ الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي فِي الْعِيدِ بَعْدَ الثَّنَاءِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، لَكِنَّ مُخْتَارَ قَاضِي خَانْ وَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْكَافِي وَالِاخْتِيَارِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ هُوَ قَوْلُهُمَا إنَّهُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ وَبِهِ نَأْخُذُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ وَكَمَا تَعَوَّذَ سَمَّى) فَلَوْ سَمَّى قَبْلَ التَّعَوُّذِ أَعَادَهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَلَوْ نَسِيَهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَا يُسَمِّي لِأَجْلِهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ، وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ حَتَّى فَرَغَ كَمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ غَيْرُ الْمُؤْتَمِّ) هُوَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ، إذْ لَا دَخْلَ لِلْمُقْتَدِي لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَتَعَوَّذُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ كَمَا فِي ذَبِيحَةٍ وَوُضُوءٍ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّسْمِيَةِ فِيهِمَا مُطْلَقُ الذِّكْرِ فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْمَنْفِيِّ (قَوْلُهُ سِرًّا فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسَقَطَ سِرًّا مِنْ بَعْضِهَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ.

قَالَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى: وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَفِي خَارِجِ الصَّلَاةِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ وَالْمَشَايِخِ فِي التَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ، قِيلَ يُخْفِي التَّعَوُّذَ دُونَ التَّسْمِيَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِيهِمَا وَلَكِنْ يَتْبَعُ إمَامَهُ مِنْ الْقُرَّاءِ وَهُمْ يَجْهَرُونَ بِهِمَا إلَّا حَمْزَةَ فَإِنَّهُ يُخْفِيهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ جَهْرِيَّةً) رَدٌّ عَلَى مَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْتِي بِهَا إذَا جَهَرَ، بَلْ إذَا خَافَتْ فَإِنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ بَحْرٌ، وَأَوَّلُهُ فِي شَرْحِهَا بِأَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا جَهْرًا (قَوْلُهُ لَا تُسَنُّ) مُقْتَضَى كَلَامِ الْمَتْنِ أَنْ يُقَالَ لَا يُسَمِّي، لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْهُ لِإِبْهَامِهِ الْكَرَاهَةَ، بِخِلَافِ نَفْيِ السُّنِّيَّةِ. ثُمَّ إنَّ هَذَا قَوْلُهُمَا وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُسَنُّ إنْ خَافَتْ لَا إنْ جَهَرَ بَحْرٌ، وَنَسَبَ ابْنُ الضِّيَاءِ فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ الْأَوَّلَ إلَى أَبِي يُوسُفَ فَقَطْ فَقَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَذُكِرَ فِي الْمُصَفَّى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُسَمِّي فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ وَيُخْفِيهَا. وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ: الْمُخْتَارُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَنْ يُسَمِّيَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَقَبْلَ كُلِّ سُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. مَطْلَبٌ: لَفْظَةُ الْفَتْوَى آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ لَفْظَةِ الْمُخْتَارِ:

وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ يُسَمِّي فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَا غَيْرُ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْفَتْوَى آكَدُ وَأَبْلَغُ مِنْ لَفْظَةِ الْمُخْتَارِ وَلِأَنَّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَسَطٌ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا كَذَا فِي شَرْحِ عُمْدَةِ الْمُصَلِّي. اهـ. مَا فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ. وَوَقَعَ فِي النَّهْرِ هُنَا خَطَأٌ وَخَلَلٌ فِي النَّقْلِ أَيْضًا عَنْ شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ فَاجْتَنِبْهُ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ حَسَنٌ:

(قَوْلُهُ وَلَا تُكْرَهُ اتِّفَاقًا) وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُجْتَبَى بِأَنَّهُ إنْ سَمَّى بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ الْمَقْرُوءَةِ سِرًّا أَوْ جَهْرًا كَانَ حَسَنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَّحَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذُهُ الْحَلَبِيُّ لِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهَا آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمَا صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ مِنْ وُجُوبِهَا) يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ، وَقَدْ صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَنَقَلَ فِي الْكِفَايَةِ عِبَارَةَ الزَّاهِدِيِّ وَأَقَرَّهَا. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إنَّهُ الْأَحْوَطُ، لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ تَدُلُّ عَلَى مُوَاظَبَتِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَيْهَا، وَجَعَلَهُ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ قَوْلَ الْأَكْثَرِينَ: أَيْ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ إنَّ

ص: 490

ضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ (وَهِيَ آيَةٌ) وَاحِدَةٌ (مِنْ الْقُرْآنِ) كُلِّهِ (أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ) فَمَا فِي النَّمْلِ بَعْضُ آيَةٍ إجْمَاعًا (وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) فِي الْأَصَحِّ، فَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ (وَلَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهَا) احْتِيَاطًا (وَلَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا لِشُبْهَةِ) اخْتِلَافِ مَالِكٍ (فِيهَا، وَ) كَمَا سَمَّى.

(قَرَأَ الْمُصَلِّي لَوْ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا الْفَاتِحَةَ.

ــ

[رد المحتار]

أَكْثَرَ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، فَإِذَا كَانَتْ مِنْهَا تَجِبُ مِثْلُهَا لَكِنْ لَمْ يُسَلَّمْ كَوْنُهُ قَوْلَ الْأَكْثَرِ (قَوْلُهُ ضَعَّفَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنَّ هَذَا كُلَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَالْفَتَاوَى مِنْ أَنَّهَا سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهَا شَيْءٌ.

قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ إلَّا أَنَّ الْمُتُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ. أَقُولُ: أَيْ إنَّ الْأَوَّلَ مُرَجَّحٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ، وَالثَّانِي مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَهِيَ آيَةٌ) أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ أَصْلًا. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَلَمْ يُوجَدْ فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ وَالتَّلْوِيحِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ أَيْ بَلْ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ) وَذُكِرَتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ لِلتَّبَرُّكِ (قَوْلُهُ فَمَا فِي النَّمْلِ بَعْضُ آيَةٍ) وَأَوَّلُهَا {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} [النمل: 30] وَآخِرُهَا {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ ط (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: فِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ بِوُجُوبِهَا، وَجَعَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ رِوَايَةَ الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ، وَبِهِ أَخَذَ وَهُوَ أَحْوَطُ. اهـ. وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) أَيْ خِلَافًا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مَا عَدَا بَرَاءَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَهُ لِيَكُونَ إشَارَةً إلَى قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ الْمُتَقَدِّمِ لَا إلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، إذْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِذِكْرِ التَّصْحِيحِ لِلْإِشَارَةِ إلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ بَلْ إلَى الْمَرْجُوعِ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَإِنَّمَا عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ إلَى الشَّافِعِيِّ فَقَطْ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ فَتَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ) أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ، وَهَذَا لَوْ عَلَى قَصْدِ التِّلَاوَةِ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) عِلَّةً لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهَا فِي مَحَلِّهَا، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ حُرْمَتَهَا عَلَى الْجُنُبِ نَظَرًا إلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ، وَعَدَمُ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ نَظَرًا إلَى شُبْهَةِ الْخِلَافِ لِأَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَسْقُطُ بِمَا فِيهِ شُبْهَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَكْفُرْ جَاحِدُهَا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا قِيلَ مِنْ الْإِشْكَالِ فِي التَّسْمِيَةِ إنَّهَا إنْ كَانَتْ مُتَوَاتِرَةً لَزِمَ تَكْفِيرُ مُنْكِرِهَا وَإِلَّا فَلَيْسَتْ قُرْآنًا. وَالْجَوَابُ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الْقَطْعِيَّ إنَّمَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ إذَا لَمْ تَثْبُتْ فِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ كَإِنْكَارِ رُكْنٍ، وَهُنَا قَدْ وُجِدَتْ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا كَمَالِكٍ ادَّعَى عَدَمَ تَوَاتُرِ كَوْنِهَا قُرْآنًا فِي الْأَوَائِلِ وَأَنَّ كِتَابَتَهَا فِيهَا لِشُهْرَةِ اسْتِنَانِ الِافْتِتَاحِ بِهَا فِي الشَّرْعِ. وَالْمُثْبِتُ يَقُولُ: إجْمَاعُهُمْ عَلَى كِتَابَتِهَا مَعَ أَمْرِهِمْ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ يُوجِبُ كَوْنَهَا قُرْآنًا، وَالِاسْتِنَانُ لَا يُسَوِّغُ الْإِجْمَاعَ لِتَحَقُّقِهِ فِي الِاسْتِعَاذَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ لِتَوَاتُرِهَا فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ دَلِيلُ كَوْنِهَا قُرْآنًا، وَلَا نُسَلِّمُ تَوَقُّفَ ثُبُوتِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا، بَلْ الشَّرْطُ فِيمَا هُوَ قُرْآنٌ تَوَاتُرُهَا فِي مَحَلِّهِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاتَرْ كَوْنُهُ فِي مَحَلِّهِ مِنْ الْقُرْآنِ اهـ وَقَوْلُهُ وَلَا نُسَلِّمُ إلَخْ رَدٌّ لِمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُنْكِرِ مِنْ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهَا قُرْآنًا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِقُرْآنِيَّتِهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَوَاتُرَهَا فِي مَحَلِّهَا أَثْبَتَ أَصْلَ قُرْآنِيَّتِهَا، وَأَمَّا كَوْنُهَا قُرْآنًا مُتَوَاتِرًا فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ مُنْكِرُهَا، بِخِلَافِ غَيْرِهَا لِتَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ بِقُرْآنِيَّتِهِ. وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ هُنَا اضْطِرَابٌ وَخَلَلٌ بَيَّنْته فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُبْقِيَ الْمَتْنَ عَلَى حَالِهِ وَيُسْقِطَ قَوْلَهُ اخْتِلَافُ مَالِكٍ لِيَكُونَ جَوَابًا

ص: 491

وَ) قَرَأَ بَعْدَهَا وُجُوبًا (سُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارًا انْتَفَتْ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ، وَلَا تَنْتَفِي التَّنْزِيهِيَّةُ إلَّا بِالْمَسْنُونِ

(وَأَمَّنَ) بِمَدٍّ وَقَصْرٍ وَإِمَالَةٍ وَلَا تَفْسُدُ بِمَدٍّ مَعَ تَشْدِيدٍ أَوْ حَذْفِ يَاءٍ بَلْ بِقَصْرٍ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ بِمَدٍّ مَعَهُمَا، وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدْت بِتَحْرِيرِهِ (الْإِمَامُ سِرًّا كَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ) وَلَوْ فِي السِّرِّيَّةِ إذَا سَمِعَهُ

ــ

[رد المحتار]

عَنْ إنْكَارِ مَالِكٍ أَيْضًا قُرْآنِيَّتَهَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَمْ تَثْبُتْ بِإِنْكَارِهِ، بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ قَبْلَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَقَرَأَ بَعْدَهَا وُجُوبًا) الْوُجُوبُ يَرْجِعُ إلَى الْقِرَاءَةِ وَالْبَعْدِيَّةِ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ بِتَرْكِهَا الْإِعَادَةُ لَوْ عَامِدًا كَالْفَاتِحَةِ خِلَافًا لِمَا فِي التَّبْيِينِ وَالدُّرَرِ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَتْ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِي رُكْنِيَّتِهَا إلَّا أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْإِثْمِ لَا فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ سُورَةً) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ قِرَاءَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ سُورَتَيْنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْمَكْتُوبَاتِ، وَلَوْ فَعَلَ لَا يُكْرَهُ، وَفِي النَّوَافِلِ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ إلَّا بِالْمَسْنُونِ) وَهُوَ الْقِرَاءَةُ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ، وَأَوْسَاطِهِ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَقِصَارِهِ فِي الْمَغْرِبِ ط

(قَوْلُهُ وَأَمَّنَ) هُوَ سُنَّةٌ لِلْحَدِيثِ الْآتِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ بِمَدٍّ) هِيَ أَشْهَرُهَا وَأَفْصَحُهَا وَقَصْرٍ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ، وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ ط (قَوْلُهُ وَإِمَالَةٍ) أَيْ فِي الْمَدِّ لِعَدَمِ تَأَتِّيهَا فِي الْقَصْرِ ح، وَحَقِيقَةُ الْإِمَالَةِ أَنْ يُنَحِّيَ بِالْفَتْحَةِ نَحْوَ الْكَسْرِ فَتَمِيلُ الْأَلِفُ إنْ كَانَ بَعْدَهَا أَلِفٌ نَحْوُ الْيَاءِ أَشْمُونِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا تَفْسُدُ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي نَفْيِ الْفَسَادِ لَا فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ بِمَدٍّ مَعَ تَشْدِيدٍ أَوْ حَذْفِ يَاءٍ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِ الْمَدِّ مُصَاحِبًا لِأَحَدِهِمَا لَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَفِيهِ صُورَتَانِ:

الْأُولَى: الْمَدُّ، مَعَ التَّشْدِيدِ بِلَا حَذْفٍ، فَلَا يَفْسُدُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لُغَةً فِيهَا حَكَاهَا الْوَاحِدِيُّ وَلِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ لَهُ وَجْهًا، كَمَا قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّ مَعْنَاهُ نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ. وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا كَوْنَهَا لُغَةً وَحُكِمَ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ بَحْرٌ.

وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الْمَدُّ مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ بِلَا تَشْدِيدٍ لِوُجُودِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَيْلَكَ آمِنْ} [الأحقاف: 17] كَمَا فِي الْإِمْدَادِ، فَأَوْفَى كَلَامَهُ لِمَنْعِ الْجَمْعِ فَقَطْ لِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْمَدِّ جَامِعًا بَيْنَ التَّشْدِيدِ وَالْحَذْفِ تَفْسُدُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْدُ، وَلَوْ كَانَتْ لِمَنْعِ الْخُلُوِّ أَيْضًا بِأَنْ أَتَى بِالْمَدِّ خَالِيًا عَنْ التَّشْدِيدِ وَالْحَذْفِ لَزِمَ التَّكْرَارُ لِأَنَّهُ اللُّغَةُ الْفُصْحَى الْمُتَقَدِّمَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَلْ يَقْصُرُ مَعَ أَحَدِهِمَا) أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ بِلَا حَذْفِ الْيَاءِ وَهُوَ آمِينَ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ مَعَ حَذْفِ الْيَاءِ بِلَا تَشْدِيدٍ وَهُوَ أَمِنَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِوُجُودِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَمِنَ} [البقرة: 283] ح أَيْ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. هَذَا. وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ الْأَوَّلَ. لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ فَقَالَ: وَقَصْرُهَا وَتَشْدِيدُ الْمِيمِ حَكَاهَا بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ وَاسْتُضْعِفَتْ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَشْبَهَ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِهَا اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِمَدٍّ مَعَهُمَا) أَيْ مَعَ التَّشْدِيدِ وَحَذْفِ الْيَاءِ وَهُوَ آمِنَ فَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ: خَمْسَةٌ صَحِيحَةٌ، وَثَلَاثَةٌ مُفْسِدَةٌ، وَبَقِيَ تَاسِعٌ وَهُوَ أَمِّنْ بِالْقَصْرِ مَعَ التَّشْدِيدِ وَالْحَذْفِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ وَبِمَدٍّ أَوْ قَصْرٍ مَعَهُمَا لَاسْتَوْفَى ح. قُلْت: وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا التَّاسِعُ مَعَ الثَّامِنِ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ: وَلَا يَبْعُدُ فَسَادُ الصَّلَاةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ الْإِمَامُ سِرًّا) أَشَارَ بِالْأَوَّلِ إلَى خِلَافِ مَالِكٍ فِي تَخْصِيصِ الْمُؤْتَمِّ بِالتَّأْمِينِ دُونَ الْإِمَامِ.

وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ، وَبِالثَّانِي إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا كُلٌّ مِنْهُمَا جَهْرًا، وَقَوْلُهُ كَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ فَلِذَا أَتَى بِالْكَافِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي السِّرِّيَّةِ)

ص: 492

وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ فِي نَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَمِنْ التَّعْلِيقِ بِمَعْلُومِ الْوُجُودِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ، بَلْ يَحْصُلُ بِتَمَامِ الْفَاتِحَةِ بِدَلِيلِ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ»

(ثُمَّ) كَمَا فَرَغَ (يُكَبِّرُ) مَعَ الِانْحِطَاطِ (لِلرُّكُوعِ) .

وَلَا يُكْرَهُ وَصْلُ الْقِرَاءَةِ بِتَكْبِيرَةٍ، وَلَوْ بَقِيَ حَرْفٌ أَوْ كَلِمَةٌ فَأَتَمَّهُ حَالَ الِانْحِنَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ. مُنْيَةُ الْمُصَلِّي (وَيَضَعُ يَدَيْهِ) مُعْتَمِدًا بِهِمَا (عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ) لِلتَّمَكُّنِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ.

ــ

[رد المحتار]

أَيْ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي، وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى الْمَأْمُومِ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِبَهُ، وَقِيلَ لَا يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَوْ سَمِعَ الْإِمَامَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَا عِبْرَةَ بِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ مِنْ مُقْتَدٍ مِثْلِهِ، بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْإِمَامِ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ فَأَمَّنَ ذَلِكَ الْمُقْتَدِي تَأْمِينَ مِثْلِهِ الْقَرِيبِ مِنْ الْإِمَامِ فَيُؤَمِّنُ لِأَنَّ الْمَنَاطَ الْعِلْمُ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فِي نَحْوِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ) أَشَارَ بِنَحْوٍ إلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ كَمَا وَقَعَ فِي الْجَوْهَرَةِ غَيْرُ قَيْدٍ كَمَا بَحَثَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهِمَا بَلْ الْحُكْمُ فِي الْجَمَاعَةِ الْكَثِيرَةِ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ أَمَّا حَدِيثُ إلَخْ) هُوَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» وَهُوَ مُفِيدُ تَأْمِينِهِمَا، لَكِنْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُسَقْ لَهُ، وَفِي حَقِّ الْمَأْمُومِ بِالْعِبَارَةِ لِأَنَّهُ سِيقَ لِأَجْلِهِ بَحْرٌ، ثُمَّ مُرَادُ الشَّارِحِ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ تَأْمِينَهُمْ بِتَأْمِينِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ مَعْلُومٌ فَإِذَا سَمِعَ لَفْظَةَ - {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]- كَفَى لِأَنَّ الشَّارِعَ طَلَبَ مِنْ الْإِمَامِ التَّأْمِينَ بَعْدَهُ، فَصَارَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِمَعْلُومِ الْوُجُودِ، وَتَمَامِ الْأَدِلَّةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.

وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ أَصْلًا لَا يُؤَمِّنُ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ لِعَدَمِ سَمَاعِهِ مَوْضِعَ التَّأْمِينِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَسْمَعَ مِنْ مِثْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي السِّرِّيَّةِ (قَوْلُهُ فَقُولُوا آمِينَ) تَمَامُ الْحَدِيثِ «فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ حِلْيَةٌ. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ: الصَّحِيحُ الصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُوَافَقَةُ لِلْمَلَائِكَةِ فِي وَقْتِ التَّأْمِينِ، وَقِيلَ فِي الصِّفَةِ وَالْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ، ثُمَّ قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ، وَقِيلَ غَيْرُهُمْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ»

(قَوْلُهُ مَعَ الِانْحِطَاطِ) أَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ كَوْنُ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْخُرُورِ وَانْتِهَائِهِ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الظَّهْرِ، وَقِيلَ إنَّهُ يُكَبِّرُ قَائِمًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَتَمَامُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ إلَخْ) مِثَالُهُ أَنْ تَقُولَ - {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]- اللَّهُ أَكْبَرُ بِكَسْرِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ح. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَفِي قَوْلِهِ ثُمَّ يُكَبِّرُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِلُ التَّكْبِيرَ بِالْقِرَاءَةِ وَهَذَا رُخْصَةٌ وَالْأَفْضَلُ الْوَصْلُ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ رُبَّمَا وَصَلْت وَرُبَّمَا تَرَكْت. اهـ.

وَذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة تَفْصِيلًا حَسَنًا؛ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا كَانَ آخِرُ السُّورَةِ ثَنَاءً مِثْلُ - {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111]- فَالْوَصْلُ أَوْلَى وَإِلَّا فَالْفَصْلُ أَوْلَى مِثْلُ - {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر: 3]- فَيَقِفُ وَيَفْصِلُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ (قَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا ثُمَّ كَمَا فَرَغَ يُكَبِّرُ مَعَ الِانْحِطَاطِ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُتِمُّ الْقِرَاءَةَ جَمِيعَهَا وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا يَنْحَطُّ لِلرُّكُوعِ مُكَبِّرًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ فَيَكُونُ الشَّارِحُ قَدْ نَبَّهَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَلْطَفِ إشَارَةٍ؛ فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ إهْمَالٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي الْكَمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَيُسَنُّ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ وَكَذَا فِي السُّجُودِ أَيْضًا وَسَبَقَ فِي السُّنَنِ أَيْضًا. اهـ. وَاَلَّذِي سَبَقَ هُوَ قَوْلُهُ وَإِلْصَاقُ كَعْبَيْهِ فِي السُّجُودِ سُنَّةٌ دُرٌّ اهـ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا سَبْقُ نَظَرٍ، فَإِنَّ شَارِحَنَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ لَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَلَا فِي الدُّرَرِ الْمُنْتَقَى وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا فَافْهَمْ، نَعَمْ رُبَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ السُّنَّةُ فِي الرُّكُوعِ إلْصَاقَ الْكَعْبَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرُوا تَفْرِيجَهُمَا بَعْدَهُ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا مُلْصَقَيْنِ فِي حَالَةِ السُّجُودِ أَيْضًا تَأَمَّلْ.

ص: 493

وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ (وَيَبْسُطَ ظَهْرَهُ) وَيُسَوِّيَ ظَهْرَهُ بِعَجُزِهِ (غَيْرَ رَافِعٍ وَلَا مُنَكِّسَ رَأْسِهِ وَيُسَبِّحُ فِيهِ) وَأَقَلُّهُ (ثَلَاثًا) فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَقَصَهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا؛ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا

ــ

[رد المحتار]

هَذَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ لَفْظَ يُسَنُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْوَضْعَ وَالِاعْتِمَادَ وَالتَّفْرِيجَ وَالْإِلْصَاقَ وَالنَّصْبَ وَالْبَسْطَ وَالتَّسْوِيَةَ كُلَّهَا سُنَنٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.

قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ مُسْتَقْبِلًا أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُمَا سُنَّةٌ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ وَفِي الْمُجْتَبَى: هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَنْحَنِي فِي الرُّكُوعِ يَسِيرًا وَلَا تُفَرِّجُ وَلَكِنْ تَضُمُّ وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَضْعًا وَتَحْنِي رُكْبَتَيْهَا وَلَا تُجَافِي عَضُدَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا.

وَفِي شَرْحِ الْوَجِيزِ: الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَيَنْصِبُ سَاقَيْهِ) فَجَعْلُهُمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ مَكْرُوهٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثًا) أَيْ أَقَلُّهُ يَكُونُ ثَلَاثًا أَوْ أَقَلُّهُ تَسْبِيحُهُ ثَلَاثًا، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِ ثَلَاثًا خَبَرًا عَنْ أَقَلِّهِ بِنَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ فِي ثَلَاثٍ لِأَنَّ نَزْعَ الْخَافِضِ سَمَاعِيٌّ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا فَافْهَمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّهُ خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ وَيُسَبِّحُ فِيهِ ثَلَاثًا وَهُوَ أَقَلُّهُ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الثَّلَاثَ أَقَلُّهُ، وَسَوَّغَ مَجِيءَ الْحَالِ مِنْ النَّكِرَةِ تَقْدِيمُهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذَا الْوَجْهُ أَفَادَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّسْبِيحِ لِلِاسْتِحْبَابِ بَحْرٌ، وَفِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الثَّلَاثَ فَرْضٌ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ يَجِبُ مَرَّةً كَتَسْبِيحِ السُّجُودِ وَالتَّكْبِيرَاتِ وَالتَّسْمِيعِ وَالدُّعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَلَوْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ، وَلَوْ سَهْوًا لَا.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقِيلَ يَجِبُ. اهـ. وَهَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ عِنْدَنَا، وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الْأَمْرَ بِهِ وَالْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ مُتَظَافِرَانِ عَلَى الْوُجُوبِ، فَيَنْبَغِي لُزُومُ سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ الْإِعَادَةِ لَوْ تَرَكَهُ سَاهِيًا أَوْ عَامِدًا، وَوَافَقَهُ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ الْعَلَّامَةُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَذْكُرْهُ لِلْأَعْرَابِيِّ حِينَ عَلَّمَهُ، فَهَذَا صَارِفٌ لِلْأَمْرِ عَنْ الْوُجُوبِ، لَكِنْ اسْتَشْعَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وُرُودَ هَذَا فَأَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ وَاجِبٌ خَارِجٌ عَمَّا عَلَّمَهُ الْأَعْرَابِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ تَعْيِينُ الْفَاتِحَةِ وَضَمِّ السُّورَةِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ لَيْسَ مِمَّا عَلَّمَهُ لِلْأَعْرَابِيِّ، بَلْ ثَبَتَ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَلِمَ لَا يَكُونُ هَذَا كَذَلِكَ؟ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي تَثْلِيثِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ عِنْدَنَا، أَرْجَحُهَا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ الْوُجُوبُ تَخْرِيجًا عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ، فَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ كَمَا اعْتَمَدَ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ رِوَايَةَ وُجُوبِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَالْأَرْجَحُ السُّنِّيَّةُ لِأَنَّهَا الْمُصَرَّحُ بِهَا فِي مَشَاهِيرِ الْكُتُبِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ عَنْ الثَّلَاثِ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ مُسْتَحَبَّةٌ بَعْدَ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى وِتْرِ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ مَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا فَلَا يُطَوِّلُ وَقَدَّمْنَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ عَنْ أُصُولِ أَبِي الْيُسْرِ أَنَّ حُكْمَ السُّنَّةِ أَنْ يُنْدَبَ إلَى تَحْصِيلِهَا وَيُلَامَ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ حُصُولِ إثْمٍ يَسِيرٍ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ كَرَاهَةَ تَرْكِهَا فَوْقَ التَّنْزِيهِ وَتَحْتَ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا. وَبِهَذَا يَضْعُفُ قَوْلُ الْبَحْرِ إنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لِلتَّنْزِيهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَإِنْ تَبِعَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فَتَدَبَّرْ. [تَنْبِيهٌ]

السُّنَّةُ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ إلَّا إنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الظَّاءَ فَيُبَدِّلُ بِهِ الْكَرِيمَ لِئَلَّا يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ الْعَزِيمُ فَتَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ كَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، فَلْيُحْفَظْ فَإِنَّ الْعَامَّةَ عَنْهُ غَافِلُونَ حَيْثُ يَأْتُونَ بَدَلَ الظَّاءِ بِزَايٍ مُفَخَّمَةٍ. مَطْلَبٌ فِي إطَالَةِ الرُّكُوعِ لِلْجَائِي

(قَوْلُهُ وَكُرِهَ تَحْرِيمًا) لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَاهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَخْشَى عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ أَيْضًا،

ص: 494

إطَالَةُ رُكُوعٍ أَوْ قِرَاءَةٍ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي: أَيْ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُكْرَهْ اتِّفَاقًا لَكِنَّهُ نَادِرٌ وَتُسَمَّى مَسْأَلَةَ الرِّيَاءِ، فَيَنْبَغِي التَّحَرُّزُ عَنْهَا. (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَى لُزُومِ الْمُتَابَعَةِ فِي الْأَرْكَانِ أَنَّهُ (لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ (قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّسْبِيحَاتِ) الثَّلَاثَ

ــ

[رد المحتار]

وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُشْرِكًا فَأَفْتَى بِإِبَاحَةِ دَمِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الشِّرْكَ فِي الْعَمَلِ لِأَنَّ أَوَّلَ الرُّكُوعِ كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَآخِرَهُ لِلْجَائِي وَلَا يَكْفُرُ لِأَنَّهُ مَا أَرَادَ التَّذَلُّلَ وَالْعِبَادَةَ لَهُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ إطَالَةُ رُكُوعٍ أَوْ قِرَاءَةٍ) وَكَذَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ قَبْلَ السَّلَامِ. وَذُكِرَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُصَلِّي، فَلَوْ انْتَظَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَفِي أَذَانِ الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ انْتَظَرَ الْإِقَامَةَ لِيُدْرِكَ النَّاسُ الْجَمَاعَةَ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ لَا إذَا كَانَ دَاعِرًا شِرِّيرًا اهـ (قَوْلُهُ أَيْ إنْ عَرَفَهُ) عَزَاهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَيْ لِأَنَّ انْتِظَارَهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلتَّوَدُّدِ إلَيْهِ لَا لِلتَّقَرُّبِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْخَيْرِ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ، لَكِنْ يُطَوِّلُ مِقْدَارَ مَا لَا يُثْقِلُ عَلَى الْقَوْمِ، بِأَنْ يَزِيدَ تَسْبِيحَةً أَوْ تَسْبِيحَتَيْنِ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَلَفْظَةُ لَا بَأْسَ تُقَيِّدُ فِي الْغَالِبِ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ الْعِبَادَةَ لِأَمْرٍ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ إخْلَاصِهَا لِلَّهِ تَعَالَى لَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَلِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ إعَانَةً عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ فَفِيهِ إعَانَةٌ عَلَى التَّكَاسُلِ وَتَرْكِ الْمُبَادَرَةِ وَالتَّهَيُّؤِ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ حُضُورِ وَقْتِهَا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَالَجَ قَلْبُهُ شَيْءٌ سِوَى التَّقَرُّبِ حَتَّى وَلَا الْإِعَانَةِ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ هُوَ الْأَفْضَلُ، لَكِنَّهُ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّقَرُّبِ الْإِعَانَةُ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعَانَةِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى طَاعَتِهِ فَيَكُونُ الْأَفْضَلُ تَرْكَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا شَرْحُ الْمُنْيَةِ مُلَخَّصًا.

أَقُولُ: قَصْدُ الْإِعَانَةِ عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مَطْلُوبٌ، فَقَدْ شُرِعَتْ إطَالَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي الْفَجْرِ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي غَيْرِهِ عَلَى الْخِلَافِ إعَانَةً لِلنَّاسِ عَلَى إدْرَاكِهَا لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ كَمَا فَهِمَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام. وَفِي الْمُنْيَةِ: وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعَجِّلَهُمْ عَنْ إكْمَالِ السُّنَّةِ. وَنُقِلَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَبِّحَ خَمْسَ تَسْبِيحَاتٍ لِيُدْرِكَ مَنْ خَلْفَهُ الثَّلَاثَ. اهـ. فَعَلَى هَذَا إذَا قَصَدَ إعَانَةَ الْجَائِي فَهُوَ أَفْضَلُ بَعْدَ أَنْ لَا يَخْطِرَ بِبَالِهِ التَّوَدُّدَ إلَيْهِ وَلَا الْحَيَاءَ مِنْهُ وَنَحْوَهُ، وَلِهَذَا نَقَلَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ أَنَّهُ مَأْجُورٌ، - {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]- وَفِي أَذَانِ التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ: وَفِي الْمُنْتَقَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْمُؤَذِّنِ وَتَطْوِيلَ الْقِرَاءَةِ لِإِدْرَاكِ بَعْضِ النَّاسِ حَرَامٌ، هَذَا إذَا مَالَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا تَطْوِيلًا وَتَأْخِيرًا يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّأْخِيرَ الْقَلِيلَ لِإِعَانَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ. اهـ. قَالَ ط: وَيَظْهَرُ أَنَّ مِنْ التَّقَرُّبِ إطَالَةَ الْإِمَامِ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ مُكَبِّرٍ لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، كَمَا يَقَعُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى ظَنِّهِ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْإِمَامُ مِنْ أَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ أَوْ الْإِتْمَامِ (قَوْلُهُ وَاعْلَمْ إلَخْ) قَدَّمْنَا فِي بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ الْكَلَامُ عَلَى الْمُتَابَعَةِ بِمَا لَا مَزِيدُ عَلَيْهِ، وَحَقَّقْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ بِمَعْنَى عَدَمِ التَّأْخِيرِ وَاجِبَةٌ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَسُنَّةٌ فِي السُّنَنِ، فَالتَّقْيِيدُ بِالْأَرْكَانِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ، عَلَى أَنَّ الرَّفْعَ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا حَتَّى يَكُونَ كَلَامُهُ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا، بَلْ كَانَ يَنْبَغِي بِنَاءُ قَوْلِهِ وَجَبَ مُتَابَعَتُهُ عَلَى قَوْلِهِ

ص: 495

(وَجَبَ مُتَابَعَتُهُ) وَكَذَا عَكْسُهُ فَيَعُودُ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ رُكُوعَيْنِ (بِخِلَافِ سَلَامِهِ) أَوْ قِيَامِهِ لِثَالِثَةٍ (قَبْلَ تَمَامِ الْمُؤْتَمِّ التَّشَهُّدَ) فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يُتِمُّهُ لِوُجُوبِهِ، وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ جَازَ؛ وَلَوْ سَلَّمَ وَالْمُؤْتَمُّ فِي أَدْعِيَةِ التَّشَهُّدِ تَابَعَهُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ.

(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِهِ مُسَمِّعًا) فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ أَبْدَلَ النُّونَ لَامًا يَفْسُدُ وَهَلْ يَقِفُ بِجَزْمٍ أَوْ تَحْرِيكٍ؟

ــ

[رد المحتار]

وَيُسَبِّحُ فِيهِ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ لَا فَرْضٌ وَلَا وَاجِبٌ كَمَا مَرَّ، فَلَا يَتْرُكُ الْمُتَابَعَةَ الْوَاجِبَةَ لِأَجْلِهَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَجَبَ مُتَابَعَتُهُ) أَيْ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا عَكْسُهُ) وَهُوَ أَنْ يَرْفَعَ الْمَأْمُومُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ التَّسْبِيحَاتِ ح (قَوْلُهُ فَيَعُودُ) أَيْ الْمُقْتَدِي لِوُجُوبِ مُتَابَعَتِهِ لِإِمَامِهِ فِي إكْمَالِ الرُّكُوعِ وَكَرَاهَةِ مُسَابَقَتِهِ لَهُ: فَلَوْ لَمْ يُعِدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِيرُ ذَلِكَ رُكُوعَيْنِ) لِأَنَّ عَوْدَهُ تَتْمِيمٌ لِلرُّكُوعِ الْأَوَّلِ لَا رُكُوعٌ مُسْتَقِلٌّ ح (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ مَعَ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَشَمِلَ بِإِطْلَاقِهِ مَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ فِي أَثْنَاءِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِ، فَحِينَ قَعَدَ قَامَ إمَامُهُ أَوْ سَلَّمَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ ثُمَّ يَقُومُ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، ثُمَّ رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ نَاقِلًا عَنْ أَبِي اللَّيْثِ: الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ اهـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (قَوْلُهُ لِوُجُوبِهِ) أَيْ لِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَاهُ سُقُوطُ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِلَّا لَمْ يُنْتَجْ الْمَطْلُوبُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ جَازَ) أَيْ صَحَّ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ كَمَا أَفَادَهُ ح، وَنَازَعَهُ ط وَالرَّحْمَتِيُّ، وَهُوَ مُفَادُ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَاجِبَةٌ فَإِنَّ عَارَضَهَا وَاجِبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفُوتَهُ بَلْ يَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ يُتَابِعَهُ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ لَا يُفَوِّتُ الْمُتَابَعَةَ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُهَا، وَالْمُتَابَعَةُ مَعَ قَطْعِهِ تَفُوتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَكَانَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْوَاجِبَيْنِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَتْهَا سُنَّةٌ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ. اهـ.

أَقُولُ: ظَاهِرُهُ أَنَّ إتْمَامَ التَّشَهُّدِ أَوْلَى لَا وَاجِبٌ، لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُتَابَعَةَ الْوَاجِبَةَ هُنَا مَعْنَاهَا عَدَمُ التَّأْخِيرِ فَيَلْزَمُ مِنْ إتْمَامِ التَّشَهُّدِ تَرْكُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَيَنْبَغِي التَّعْلِيلُ بِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ الْمَذْكُورَةَ إنَّمَا تَجِبُ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا وَاجِبٌ، كَمَا أَنَّ رَدَّ السَّلَامِ وَاجِبٌ، وَيَسْقُطُ إذَا عَارَضَهُ وُجُوبُ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ يَجِبُ إتْمَامُ التَّشَهُّدِ، لَكِنْ قَدْ يَدَّعِي عَكْسَ التَّعْلِيلِ فَيُقَالُ إتْمَامُ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ نَعَمْ قَوْلُهُمْ لَا يُتَابِعُهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ وُجُوبِ الْإِتْمَامِ وَسُقُوطِ الْمُتَابَعَةِ لِتَأَكُّدِ مَا شُرِعَ فِيهِ عَلَى مَا يُعْرَضُ بَعْدَهُ، وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُمْ وَلَوْ لَمْ يُتِمَّ جَازَ مَعْنَاهُ صَحَّ مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعْلِيلُهُمْ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ إذْ لَوْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ وَاجِبَةً أَيْضًا لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيلُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ فِي أَدْعِيَةِ التَّشَهُّدِ) يَشْمَلُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ مُسَمِّعًا) أَيْ قَائِلًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ حَالَةَ الرَّفْعِ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنْ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ تَوَاتُرَ الْعَمَلِ بِهِ، لِمَا رُوِيَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَأَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يُكَبِّرُونَ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ " فَقَدْ أَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ الذِّكْرُ الَّذِي فِيهِ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ تَعَالَى جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَالْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ اهـ (قَوْلُهُ لَوْ أَبْدَلَ النُّونَ لَامًا) بِأَنْ قَالَ لِمَلْ حَمِدَهُ تَفْسُدُ، لَكِنْ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي بَحْثِ زَلَّةِ الْقَارِئِ يُرْجَى أَنْ لَا تَفْسُدَ قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهَا لِقُرْبِ الْمَخْرَجِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَلْثَغِ. اهـ. وَاسْتَحْسَنَهُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ، بَلْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ لُغَةُ بَعْضُ الْعَرَبِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْحَدَّادِيِّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ

ص: 496

قَوْلَانِ (وَيَكْتَفِي بِهِ الْإِمَامُ) ،

وَقَالَا يَضُمُّ التَّحْمِيدَ سِرًّا (وَ) يَكْتَفِي (بِالتَّحْمِيدِ الْمُؤْتَمُّ) وَأَفْضَلُهُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ حَذْفُ الْوَاوِ، ثُمَّ حَذْفُ اللَّهُمَّ فَقَطْ (وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لَوْ مُنْفَرِدًا) عَلَى الْمُعْتَمَدِ يُسَمِّعُ رَافِعًا وَيَحْمَدُ مُسْتَوِيًا (وَيَقُومُ مُسْتَوِيًا) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ

(ثُمَّ يُكَبِّرُ) مَعَ الْخُرُورِ (وَيَسْجُدُ وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ) أَوَّلًا لِقُرْبِهِمَا مِنْ الْأَرْضِ (ثُمَّ يَدَيْهِ) إلَّا لِعُذْرٍ (ثُمَّ وَجْهَهُ)

ــ

[رد المحتار]

فِي الْفَسَادِ بِإِبْدَالِ النُّونِ لَامًا فِي - أَنْعَمْت - وَفِي - دِينِكُمْ - وَفِي - الْمَنْفُوشِ - (قَوْلُهُ قَوْلَانِ) فَمَنْ قَالَ إنَّ الْهَاءَ فِي حَمِدَهُ لِلسَّكْتِ يَقِفُ بِالْجَزْمِ، أَوْ أَنَّهَا كِنَايَةٌ أَيْ ضَمِيرٌ يَقُولُهَا بِالتَّحْرِيكِ وَالْإِشْبَاعِ. وَفِي الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ: الْمُسْتَحَبُّ الثَّانِي اهـ خَزَائِنُ: وَذَكَرَ الشَّارِحُ فِي مُخْتَصَرِ الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُحِيطِ التَّخْيِيرُ، ثُمَّ قَالَ أَوْ هِيَ اسْمٌ لَا ضَمِيرٌ فَلَا تُسَكَّنُ بِحَالٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَبْلَغُ لِأَنَّ الْإِظْهَارَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَفْخَمُ مِنْ الْإِضْمَارِ، كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْبُسْتِيِّ. زَادَ فِي الْمُحِيطِ وَلِأَنَّ تَحْرِيكَ الْهَاءِ أَثْقَلُ وَأَشَقُّ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ أَشَقُّهَا. اهـ. مُلَخَّصًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوَاعِدَ تَقْتَضِي إسْكَانَهَا إذَا كَانَتْ لِلسَّكْتِ، وَإِنْ كَانَتْ ضَمِيرًا فَلَا تُحَرَّكُ إلَّا فِي الدَّرَجِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْقَائِلِ بِتَحْرِيكِهَا فِي الْوَقْفِ الرَّوْمَ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْقُرَّاءِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هُوَ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ لَا يَصِحُّ إسْكَانُ الْهَاءِ بِحَالٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّهَا وَإِشْبَاعِهَا لِتَظْهَرَ الْوَاوُ السَّاكِنَةُ. وَلِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ رِسَالَةٌ حَقَّقَ فِيهَا مَذْهَبَ السَّادَةِ الصُّوفِيَّةِ فِي أَنَّ هُوَ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ عَلَيْهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ اسْمٌ ظَاهِرٌ لَا ضَمِيرٌ، وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْعِصَامُ فِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ وَالْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ الدَّلَائِلِ وَالْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ وَالْعَارِفُ الْجِيلِيُّ وَغَيْرُهُمْ، لَكِنَّ كَوْنَهُ الْمُرَادَ هُنَا خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْفَوَائِدِ الْحَمِيدِيَّةِ الْهَاءُ فِي حَمِدَهُ لِلسَّكْتِ وَالِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلْكِنَايَةِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ. وَفِي الْمُسْتَصْفَى أَنَّهَا لِلْكِنَايَةِ. وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْأَنْفَعِ الْهَاءُ لِلسَّكْتِ وَالِاسْتِرَاحَةِ. وَفِي الْحُجَّةِ أَنَّهُ يَقُولُهَا بِالْجَزْمِ وَلَا يُبَيِّنُ الْحَرَكَةَ وَلَا يَقُولُ هُوَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَا يَضُمُّ التَّحْمِيدَ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَيْضًا، وَإِلَيْهِ مَالَ الْفَضْلِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِعْرَاجٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ، لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ ثُمَّ حَذَفَ اللَّهُمَّ) أَيْ مَعَ إثْبَاتِ الْوَاوِ، وَبَقِيَ رَابِعَةٌ وَهِيَ حَذْفُهُمَا وَالْأَرْبَعَةُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَمَا أَفَادَهُ بِالْعَطْفِ بِثُمَّ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) أَيْ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ مُصَحَّحَةٍ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمُلْتَقَى وَصُحِّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ كَالْمُؤْتَمِّ وَصُحِّحَ فِي السِّرَاجِ مَعْزِيًّا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ كَالْإِمَامِ. قَالَ الْبَاقَانِيُّ: وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ اهـ.

(قَوْلُهُ يُسَمِّعُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ كَمَا فِي يَحْمَدُ ح أَيْ لِكَوْنِهِمَا مِنْ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ. قَالَ ط وَلَا يَتَعَيَّنُ التَّشْدِيدُ فِي الثَّانِي بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، إذْ لَوْ خَفَّفَ لَأَفَادَ خِلَافَ الْمُرَادِ (قَوْلُهُ مُسْتَوِيًا) هُوَ لِلتَّأْكِيدِ، فَإِنَّ مُطْلَقَ الْقِيَامِ إنَّمَا يَكُونُ بِاسْتِوَاءِ الشِّقَّيْنِ، وَإِنَّمَا أَكَّدَ لِغَفْلَةِ الْأَكْثَرِينَ عَنْهُ فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ كَمَا ظَنَّ قُهُسْتَانِيٌّ، أَوْ لِلتَّأْسِيسِ وَالْمُرَادِ مِنْهُ التَّعْدِيلُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْعِنَايَةِ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ) أَيْ عَلَى قَوْلِهِمَا، أَوْ وَاجِبٌ أَيْ مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ وَتِلْمِيذُهُ، أَوْ فَرْضٌ أَيْ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ الثَّلَاثَةِ ط

(قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ) أَتَى بِثُمَّ لِلْإِشْعَارِ بِالِاطْمِئْنَانِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ (قَوْلُهُ مَعَ الْخُرُورِ) بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْخُرُورِ وَانْتِهَاؤُهُ عِنْدَ انْتِهَائِهِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَيَخِرُّ لِلسُّجُودِ قَائِمًا مُسْتَوِيًا لَا مُنْحَنِيًا لِئَلَّا يَزِيدَ رُكُوعًا آخَرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ صَلَّى فَلَمَّا تَكَلَّمَ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكُوعًا، فَإِنْ كَانَ صَلَّى صَلَاةَ الْعُلَمَاءِ الْأَتْقِيَاءِ أَعَادَ، وَإِنْ صَلَّى صَلَاةَ الْعَوَامّ فَلَا لِأَنَّ الْعَالِمَ التَّقِيَّ يَنْحَطُّ لِلسُّجُودِ قَائِمًا مُسْتَوِيًا وَالْعَامِّيَّ يَنْحَطُّ مُنْحَنِيًا وَذَلِكَ رُكُوعٌ لِأَنَّ قَلِيلَ الِانْحِنَاءِ مَسْحُوبٌ مِنْ الرُّكُوعِ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ) قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ وَأَنَّ الْأَخِيرَ أَعْدَلُ

ص: 497

مُقَدِّمًا أَنْفَهُ لِمَا مَرَّ (بَيْنَ كَفَّيْهِ) اعْتِبَارًا لِآخِرِ الرَّكْعَةِ بِأَوَّلِهَا ضَامًّا أَصَابِعَ يَدَيْهِ لِتَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ (وَيَعْكِسُ نُهُوضَهُ وَسَجَدَ بِأَنْفِهِ) أَيْ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ (وَجَبْهَتِهِ) حَدُّهَا طُولًا مِنْ الصُّدْغِ إلَى الصُّدْغِ، وَعَرْضًا مِنْ أَسْفَلِ الْحَاجِبَيْنِ إلَى الْقِحْفِ؛ وَوَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ.

وَقِيلَ فَرْضٌ كَبَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ. (وَكُرِهَ اقْتِصَارُهُ) فِي السُّجُودِ (عَلَى أَحَدِهِمَا) وَمَنَعَا الِاكْتِفَاءَ بِالْأَنْفِ بِلَا عُذْرٍ وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى

ــ

[رد المحتار]

الْأَقْوَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَمَالِ، وَيَضَعُ الْيُمْنَى مِنْهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَزَائِنِ وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ خُفٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَيَبْدَأُ بِالْيَدَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ والتتارخانية وَالْمِعْرَاجِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْعُذْرِ الدَّاعِي إلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ أَوَّلًا، وَإِنَّهُ لَا تَيَامُنَ فِي وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِعُسْرِ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ مُقَدِّمًا أَنْفَهُ) أَيْ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَقَوْلُهُ لِمَا مَرَّ: أَيْ لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا أَيْ السُّنَنُ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ أَنْفَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْفُهُ ثُمَّ جَبْهَتُهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَمُقْتَضَاهُ اعْتِمَادُ تَقْدِيمِ الْجَبْهَةِ وَأَنَّ الْعَكْسَ قَوْلُ الْبَعْضِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ) أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ إبْهَامَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ. وَالْأَوَّلُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَالثَّانِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ سُنِّيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ كُلًّا أَحْيَانًا قَالَ: إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْمُجَافَاةِ الْمَسْنُونَةِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُ الْمُنْيَةِ وَالشُّرُنْبُلالي (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِآخِرِ الرَّكْعَةِ بِأَوَّلِهَا) فَكَمَا يَجْعَلُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَكَذَا عِنْدَ السُّجُودِ سِرَاجٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَبَاقِي الرَّكَعَاتِ مُلْحَقَةٌ بِأُولَاهَا الَّتِي فِيهَا التَّحْرِيمَةُ (قَوْلُهُ ضَامًّا أَصَابِعَ يَدَيْهِ) أَيْ مُلْصِقًا جَنَبَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قُهُسْتَانِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَلَا يُنْدَبُ الضَّمُّ إلَّا هُنَا وَلَا التَّفْرِيجُ إلَّا فِي الرُّكُوعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِتَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ) فَإِنَّهُ لَوْ فَرَّجَهَا يَبْقَى الْإِبْهَامُ وَالْخِنْصَرُ غَيْرَ مُتَوَجِّهَيْنِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ.

قَالَ: وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ فِي السُّجُودِ تُنَزَّلُ الرَّحْمَةُ وَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَيَعْكِسُ نُهُوضَهُ) أَيْ يَرْفَعُ فِي النُّهُوضِ مِنْ السَّجْدَةِ وَجْهَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ وَهَلْ يَرْفَعُ الْأَنْفَ قَبْلَ الْجَبْهَةِ: أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَضَعُهُ قَبْلَهَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى صَرِيحٍ فِيهِ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ) وَأَمَّا مَا لَانَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِهِمْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ حَدُّهَا طُولًا إلَخْ) الصُّدْغُ: بِضَمِّ الصَّادِ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالْقِحْفُ: بِالْكَسْرِ الْعَظْمُ فَوْقَ الدِّمَاغِ قَامُوسٌ، وَهَذَا الْحَدُّ عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ التَّجْنِيسِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ هِيَ مَا اكْتَنَفَهُ الْجَبِينَانِ، وَقِيلَ هِيَ مَا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى قُصَاصِ الشَّعْرِ وَهَذَا أَوْضَحُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ إلَخْ) اُخْتُلِفَ هَلْ الْفَرْضُ وَضْعُ أَكْثَرِ الْجَبْهَةِ أَمْ بَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ؟ قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي، نَعَمْ وَضْعُ أَكْثَرِ الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَضْعُ جَمِيعِ أَطْرَافِ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إجْمَاعًا، فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ جَازَ وَإِنْ قَلَّ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ خَزَائِنُ (قَوْلُهُ كَبَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ) لَمَّا كَانَ وَضْعُ مَا دُونَ الْأَكْثَرِ مُتَّفِقًا عَلَى فَرْضِيَّتِهِ جَعَلَهُ مُشَبَّهًا بِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقِيلِ أَلْحَقَ الْأَكْثَرَ بِمَا دُونَهُ فِي الْفَرْضِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ وَالْوِقَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْجَوْهَرَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْعَيْنِيِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. اهـ.

وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّ قَوْلَهُمَا رِوَايَةٌ عَنْهُ وَأَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى. هَذَا، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ يَلْزَمُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ

ص: 498

وَفِيهِ يُفْتَرَضُ وَضْعُ أَصَابِعِ الْقَدَمِ

ــ

[رد المحتار]

بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، يَعْنِي حَدِيثَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» وَقَالَ: الْحَقُّ أَنَّ مُقْتَضَاهُ وَمُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الْوُجُوبُ فَلَوْ حُمِلَ قَوْلُهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَقَوْلُهُمَا عَلَى وُجُوبِ الْجَمْعِ لَارْتَفَعَ الْخِلَافُ، وَأَقَرَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَكَذَا فِي الْبَحْرِ وَزَادَ أَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي وُجُوبَ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْكَنْزِ وَالْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ، فَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ تَرْكِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ ضَعِيفٌ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي حُطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْحِلْيَةِ فَقَالَ بَعْدَمَا أَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ: فَالْأَشْبَهُ وُجُوبُ وَضْعِهِمَا مَعًا، وَكَرَاهَةُ تَرْكِ وَضْعِ كُلٍّ تَحْرِيمًا، وَإِذَا كَانَ الدَّلِيلُ نَاهِضًا بِهِ فَلَا بَأْسَ بِالْقَوْلِ بِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ. وَأَمَّا وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ فَرْضٌ فِي السُّجُودِ. اهـ. فَإِذَا سَجَدَ وَرَفَعَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ لَا يَجُوزُ، كَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَالْجَصَّاصُ، وَلَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا جَازَ.

قَالَ قَاضِي خَانْ: وَيُكْرَهُ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّ الْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ، وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ. قَالَ فِي الْمُجْتَبَى: قُلْت ظَاهِرُ مَا فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُحِيطِ وَالْقُدُورِيِّ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ. وَقَدْ رَأَيْت فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَمَشَى عَلَى رِوَايَةِ الْجَوَازِ بِرَفْعِ إحْدَاهُمَا فِي الْفَيْضِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الْأُولَى فَرْضِيَّةُ وَضْعِهِمَا. الثَّانِيَةُ فَرْضِيَّةُ إحْدَاهُمَا. الثَّالِثَةُ عَدَمُ الْفَرْضِيَّةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّ وَضْعَهُمَا سُنَّةٌ فَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً اهـ. وَقَدْ اخْتَارَ فِي الْعِنَايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ وَقَالَ إنَّهَا الْحَقُّ، وَأَقَرَّهُ فِي الدُّرَرِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّجُودَ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ فَيَكُونُ افْتِرَاضُ وَضْعِهِمَا زِيَادَةً عَلَى الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، لَكِنْ رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَالَ إنَّ قَوْلَهُ هُوَ الْحَقُّ بَعِيدٌ عَنْ الْحَقِّ وَبِضِدِّهِ أَحَقُّ، إذْ لَا رِوَايَةَ تُسَاعِدُهُ وَالدِّرَايَةُ تَنْفِيهِ لِأَنَّ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ فَهُوَ فَرْضٌ.

وَحَيْثُ تَظَافَرَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَئِمَّتِنَا بِأَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ، وَلَمْ تَرِدْ رِوَايَةٌ بِأَنَّهُ فَرْضٌ تَعَيَّنَ وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا لِلْفَرْضِيَّةِ، ضَرُورَةُ التَّوَصُّلِ إلَى وَضْعِ الْجَبْهَةِ، وَهَذَا لَوْ لَمْ تَرِدْ بِهِ عَنْهُمْ رِوَايَةٌ كَيْفَ وَالرِّوَايَاتُ فِيهِ مُتَوَافِرَةٌ. اهـ.

وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ سُنَّةٌ بِأَنَّ مَاهِيَّةَ السَّجْدَةِ حَاصِلَةٌ بِوَضْعِ الْوَجْهِ وَالْقَدَمَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ إلَخْ وَكَذَا مَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَبِهِ جَزَمَ فِي السِّرَاجِ فَقَالَ: لَوْ رَفَعَهُمَا فِي حَالِ سُجُودِهِ لَا يُجْزِيهِ، وَلَوْ رَفَعَ إحْدَاهُمَا جَازَ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ: وَبِهِ يُفْتَى.

هَذَا، وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَوْجَهُ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ هُوَ الْوُجُوبُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْحَدِيثِ اهـ أَيْ عَلَى مِنْوَالِ مَا حَقَّقَهُ شَيْخُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَال فَكَذَا هُنَا، فَيَكُونُ وَضْعُ الْقَدَمَيْنِ كَذَلِكَ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا فِي الْبَحْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة.

قُلْت: وَيُمْكِنُ حَمْلُ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ عَلَيْهِ بِحَمْلِ مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِرَفْعِهِمَا عَلَى عَدَمِ الْحِلِّ لَا عَدَمِ الصِّحَّةِ، وَكَذَا نَفْيُ التُّمُرْتَاشِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ فَرْضِيَّةَ وَضْعِهِمَا لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَتَصْرِيحُ الْقُدُورِيِّ بِالْفَرْضِيَّةِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَإِنَّ الْفَرْضَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاجِبِ تَأَمَّلْ، وَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٌ، لِأَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ لَا يَتَوَقَّفُ تَحَقُّقُهُ عَلَى وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ، بَلْ تَوَقُّفُهُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَالْيَدَيْنِ أَبْلَغُ، فَدَعْوَى فَرْضِيَّةِ وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَالرِّوَايَاتُ الْمُتَظَافِرَةُ إنَّمَا هِيَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْفَرْضِيَّةِ، وَعَدَمُ الْجَوَازِ صَادِقٌ بِالْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَلَمْ يُنْقَلْ التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِيَّةِ إلَّا عَنْ الْقُدُورِيِّ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 499

وَلَوْ وَاحِدَةً نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (كَمَا يُكْرَهُ تَنْزِيهًا بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) إلَّا بِعُذْرٍ (وَإِنْ صَحَّ) عِنْدَنَا (بِشَرْطِ كَوْنِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ) كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا كَمَا مَرَّ.

(أَمَّا إذَا كَانَ) الْكَوْرُ (عَلَى رَأْسِهِ فَقَطْ وَسَجَدَ عَلَيْهِ مُقْتَصِرًا) أَيْ وَلَمْ تُصِبْ الْأَرْضُ جَبْهَتَهُ وَلَا أَنْفَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ (لَا) يَصِحُّ لِعَدَمِ السُّجُودِ عَلَى مَحَلِّهِ وَبِشَرْطِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ وَأَنْ يَجِدَ حَجْمَ الْأَرْضِ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ:

ــ

[رد المحتار]

قَالَ فِي الْبَحْرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ وَضْعَهُمَا فَرْضٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ اعْتِمَادُ الْفَرْضِيَّةِ وَالْأَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَالْقَوَاعِدُ عَدَمُ الْفَرْضِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَالدُّرَرِ: إنَّهُ الْحَقُّ. ثُمَّ الْأَوْجَهُ حَمْلُ عَدَمِ الْفَرْضِيَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَاحِدَةً) صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَيْضِ (قَوْلُهُ نَحْوُ الْقِبْلَةِ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَالْمُرَادُ بِوَضْعِ الْقَدَمِ هُنَا وَضْعُ الْأَصَابِعِ أَوْ جُزْءٍ مِنْ الْقَدَمِ وَإِنْ وَضَعَ أُصْبُعًا وَاحِدَةً أَوْ ظَهْرَ الْقَدَمِ بِلَا أَصَابِعَ، إنْ وَضَعَ مَعَ ذَلِكَ إحْدَى قَدَمَيْهِ صَحَّ وَإِلَّا لَا. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ: وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ الْأَصَابِعِ تَوْجِيهُهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ لِيَكُونَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا فَهُوَ وَضْعُ ظَهْرِ الْقَدَمِ، وَقَدْ جَعَلُوهُ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ التَّنَبُّهُ لَهُ، فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَنْهُ غَافِلُونَ. اهـ.

أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ قَالَ فِي الْفَيْضِ: وَلَوْ وَضَعَ ظَهْرَ الْقَدَمِ دُونَ الْأَصَابِعِ، بِأَنْ كَانَ الْمَكَانُ ضَيِّقًا أَوْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لِضِيقِهِ جَازَ كَمَا لَوْ قَامَ عَلَى قَدَمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَكَانُ ضَيِّقًا يُكْرَهُ. اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ وَضْعِ ظَاهِرِ الْقَدَمِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْكَرَاهَةِ بِلَا عُذْرٍ، لَكِنْ رَأَيْت فِي الْخُلَاصَةِ إنْ وَضَعَ إحْدَاهُمَا بِإِنْ الشَّرْطِيَّةِ بَدَلَ أَوْ الْعَاطِفَةِ. اهـ. لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي اشْتِرَاطِ تَوْجِيهِ الْأَصَابِعِ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ تَوْجِيهَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا، كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ عِنْدَ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ لَهُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ تَنْزِيهًا) لَمَّا كَانَ فِي الْمَتْنِ اشْتِبَاهٌ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْكَرَاهَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَفِي السُّجُودِ عَلَى الْكَوْرِ وَاحِدَةً، وَهِيَ فِي الْأُولَى تَحْرِيمِيَّةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ تَنْزِيهِيَّةٌ، أَشَارَ إلَى تَوْضِيحِهِ، وَقَدْ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ ط (قَوْلُهُ بِكَوْرِ) الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. وَاَلَّذِي فِي الشبراملسي عَلَى الْمَوَاهِبِ عَنْ عِصَامٍ أَنَّهُ بِالضَّمِّ، وَبِالْفَتْحِ شَاذٌّ، وَهُوَ دَوْرُ الْعِمَامَةِ ط (قَوْلُهُ بِشَرْطِ كَوْنِهِ) أَيْ كَوْنِ الْكَوْرِ الَّذِي سَجَدَ عَلَيْهِ عَلَى الْجَبْهَةِ لَا فَوْقَهَا. وَلَمَّا كَانَ الْكَوْرُ مُفْرَدًا مُضَافًا يُعَمُّ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ ذَاتَ أَكْوَارٍ: كَوْرٌ مِنْهَا عَلَى الْجَبْهَةِ، وَكَوْرٌ مِنْهَا أَرْفَعُ مِنْهُ عَلَى الرَّأْسِ، وَهَكَذَا إنَّهُ يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَى أَيِّ كَوْرٍ مِنْهَا نَبَّهَ عَلَى دَفْعِهِ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ إلَخْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ أَيِّ دَوْرٍ مِنْ أَدْوَارِهَا نَزَلَ عَلَى جَبْهَتِهِ، لَا جُمْلَتِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ. اهـ.، فَقَوْلُهُ لَا جُمْلَتَهَا مَعْنَاهُ مَا قُلْنَاهُ.

وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَكْثَرُ مِنْ كَوْرٍ وَاحِدٍ لَا يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ وِجْدَانُ الْحَجْمِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِكَوْرٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَوَهَّمُهُ أَحَدٌ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مَا قُلْنَاهُ آخِرَ عِبَارَتِهِ حَيْثُ قَالَ قَدْ نَبَّهْنَا بِمَا ذَكَرْنَا تَنْبِيهًا حَسَنًا، وَهُوَ أَنَّ صِحَّةَ السُّجُودِ عَلَى الْكَوْرِ إذَا كَانَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الرَّأْسِ فَقَطْ وَسَجَدَ عَلَيْهِ وَلَمْ تُصِبْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعْيِينِهَا وَلَا أَنْفُهُ عَلَى مُقَابِلِهِ لَا تَصِحُّ. اهـ. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ قَوْلُهُ وَقِيلَ فَرْضٌ كَبَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ ح (قَوْلُهُ أَيْ وَلَمْ تُصِبْ) الْأَوْلَى حَذْفُ الْوَاوِ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مُقْتَصِرًا ط (قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ) أَيْ بِجَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ (قَوْلُهُ عَلَى مَحَلِّهِ) أَيْ مَحَلِّ السُّجُودِ الَّذِي هُوَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ (قَوْلُهُ وَبِشَرْطٍ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِشَرْطٍ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَجِدَ حَجْمَ الْأَرْضِ) تَفْسِيرُهُ أَنَّ السَّاجِدَ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ رَأْسَهُ أَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ، فَصَحَّ عَلَى طُنْفُسَةٍ وَحَصِيرٍ وَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَسَرِيرٍ وَعَجَلَةٍ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى ظَهْرِ حَيَوَانٍ كَبِسَاطٍ مَشْدُودٍ بَيْنَ أَشْجَارٍ، وَلَا عَلَى أُرْزٍ أَوْ ذُرَةٍ

ص: 500

(وَلَوْ سَجَدَ عَلَى كُمِّهِ أَوْ فَاضِلِ ثَوْبِهِ صَحَّ لَوْ الْمَكَانُ) الْمَبْسُوطُ عَلَيْهِ ذَلِكَ (طَاهِرًا) وَإِلَّا لَا، مَا لَمْ يُعِدْ سُجُودَهُ عَلَى طَاهِرٍ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَّصِلٍ وَلَوْ بَعْضَهُ

ــ

[رد المحتار]

إلَّا فِي جَوَالِقَ أَوْ ثَلْجٍ إنْ لَمْ يُلَبِّدْهُ وَكَانَ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا يَجِدُ حَجْمُهُ، أَوْ حَشِيشٍ إلَّا إنْ وَجَدَ حَجْمَهُ، وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ الْجَوَازُ عَلَى الطُّرَّاحَةِ الْقُطْنِ، فَإِنْ وَجَدَ الْحَجْمَ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ) أَيْ عَنْ اشْتِرَاطِ وُجُودِ الْحَجْمِ فِي السُّجُودِ عَلَى نَحْوِ الْكَوْرِ وَالطَّرَّاحَةِ، كَمَا يَغْفُلُونَ عَنْ اشْتِرَاطِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ فِي كَوْرِ الْعِمَامَةِ.

(قَوْلُهُ صَحَّ) أَيْ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْكُمِّ تَبَعًا لِلْمُصَلِّي يَقْتَضِي عَدَمَ اعْتِبَارِهِ حَائِلًا فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ سَجَدَ بِلَا حَائِلٍ. وَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِكُمِّهِ كَمَا لَا يَجُوزُ بِكَفِّهِ (قَوْلُهُ الْمَبْسُوطُ عَلَيْهِ ذَلِكَ) الْإِشَارَةُ إلَى الْكُمِّ أَوْ فَاضِلِ الثَّوْبِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاهِرًا فَلَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ صَحَّحَ الْجَوَازَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَيَصِحُّ اتِّفَاقًا) أَيْ إنْ أَعَادَ سُجُودَهُ عَلَى طَاهِرٍ صَحَّ اتِّفَاقًا، وَلَمْ أَرَ نَقْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخُصُوصِهَا، وَإِنَّمَا رَأَيْت فِي السِّرَاجِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ: إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ السُّجُودَ رُكْنٌ كَالْقِيَامِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لِأَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ وَالْجَبْهَةُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَجُزْ، وَإِنْ أَعَادَ تِلْكَ السَّجْدَةَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ جَازَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ. وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِاسْتِئْنَافِ الصَّلَاةِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُ فِي السُّجُودِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى طَرَفِ أَنْفِهِ وَذَلِكَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ اهـ. فَقَوْلُهُ وَإِنْ أَعَادَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ هَذَا فِي السُّجُودِ عَلَى النَّجِسِ بِلَا حَائِلٍ، لَكِنْ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا مَا يُخَالِفُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ نَجِسٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أَعَادَ سُجُودَهُ عَلَى طَاهِرٍ أَوْ لَا عِنْدَهُمَا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ لَا تَفْسُدُ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بِالسُّجُودِ عَلَى النَّجِسِ تَفْسُدُ السَّجْدَةُ لَا الصَّلَاةُ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِفَسَادِ جُزْئِهَا وَكَوْنُهُ لَا تُجْزِئُ. اهـ. مُلَخَّصًا. وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ: لَا يَصِحُّ لَوْ أَعَادَهُ عَلَى طَاهِرٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ الْجَوَازُ. اهـ. وَالْخِلَافُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمَنْظُومَةِ وَالْكَافِي وَالدُّرَرِ وَالْمَوَاهِبِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا فِي بَحْثِ النَّهْيِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ كَالْمَنَارِ وَالتَّحْرِيرِ وَأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ فَقَدْ عَزَاهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ إلَى شَرْحِ الْقُدُورِيِّ عَلَى مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ، وَعَزَاهُ فِي الْحِلْيَةِ إلَى الزَّاهِدِيِّ وَالْمُحِيطِ عَنْ النَّوَادِرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْوَضْعَ لَيْسَ بِاسْتِعْمَالٍ لِلنَّجَاسَةِ حَقِيقَةً، فَانْحَطَّتْ دَرَجَتُهُ عَنْ الْحَمْلِ فَلَمْ يَفْسُدْ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ. اهـ. لَكِنْ يَكْفِينَا كَوْنُ مَا فِي السِّرَاجِ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ، وَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْإِمْدَادِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَدَائِعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ بِلَا نَقْلِ خِلَافٍ مَنْ اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ، فَلَوْ وَقَفَ ابْتِدَاءً عَلَى مَكَان نَجِسٍ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: إذَا وَقَفَ الْمُصَلِّي عَلَى مَكَان طَاهِرٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ إلَى مَكَان نَجِسٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَمْكُثْ عَلَى النَّجَاسَةِ مِقْدَارَ مَا يُمْكِنُهُ فِيهِ أَدَاءُ أَدْنَى رُكْنٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ السُّجُودُ أَوْ الْقِيَامُ عَلَى النَّجَاسَةِ بِلَا حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ.

وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ عَدَمَ اعْتِبَارِهِمْ الْحَائِلَ الْمُتَّصِلَ حَائِلًا لِتَبَعِيَّتِهِ لِلْمُصَلِّي، وَلِذَا لَوْ قَامَ عَلَى النَّجَاسَةِ وَهُوَ لَابِسٌ خُفًّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ السُّجُودُ وَلَوْ اُعْتُبِرَ حَائِلًا لَصَحَّتْ سَجْدَتُهُ بِدُونِ إعَادَتِهَا عَلَى طَاهِرٍ؛ فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي السِّرَاجِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَخِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مُتَّصِلٍ) أَيْ يَصِحُّ السُّجُودُ عَلَيْهِ بِشَرْطِ طَهَارَةِ مَا تَحْتَهُ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْضَهُ إلَخْ) كَذَا أَطْلَقْت

ص: 501

كَكَفِّهِ فِي الْأَصَحِّ وَفَخِذِهِ لَوْ بِعُذْرٍ لَا رُكْبَتِهِ، لَكِنْ صَحَّحَ الْحَلَبِيُّ أَنَّهَا كَفَخِذِهِ (وَكُرِهَ) بَسْطُ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ تُرَابٌ أَوْ حَصَاةٌ) أَوْ حَرٌّ أَوْ بَرْدٌ لِأَنَّهُ تَرَفُّعٌ (وَإِلَّا) يَكُنْ تَرَفُّعًا، فَإِذَا لَمْ يَخَفْ أَذًى (لَا) بَأْسَ بِهِ فَيُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَإِنْ خَافَهُ كَانَ مُبَاحًا.

وَفِي الزَّيْلَعِيِّ: إنْ لِدَفْعِ تُرَابٍ عَنْ وَجْهِهِ كُرِهَ، وَعَنْ عِمَامَتِهِ لَا، وَصَحَّحَ الْحَلَبِيُّ عَدَمَ كَرَاهَةِ بَسْطِ الْخِرْقَةِ وَلَوْ بَسَطَ الْقَبَاءَ جَعَلَ كَتِفَهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ وَسَجَدَ عَلَى ذَيْلِهِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّوَاضُعِ (وَإِنْ سَجَدَ لِلزِّحَامِ عَلَى ظَهْرِ) هَلْ هُوَ قَيْدٌ احْتِرَازِيٌّ لَمْ أَرَهُ (مُصَلٍّ صَلَاتَهُ) الَّتِي هُوَ فِيهَا (جَازَ) لِلضَّرُورَةِ (وَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا) بَلْ صَلَّى غَيْرَهَا أَوْ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا

ــ

[رد المحتار]

الصِّحَّةَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَزَادَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَأْثُورِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: يَنْبَغِي تَرْجِيحُ الْفَسَادِ عَلَى الْكَفِّ وَالْفَخِذِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَمَا فِي الْقُنْيَةِ هُوَ الْوَسَطُ أَيْ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا (قَوْلُهُ وَفَخِذُهُ لَوْ بِعُذْرٍ) أَيْ بِزَحْمَةٍ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ بِالْعُذْرِ الشَّرْعِيِّ الْمُجَوِّزِ لِلْإِيمَاءِ بِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ بِهِ، كَمَا قُلْنَا فِيمَا لَوْ رَفَعَ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ وَخَفَضَ رَأْسَهُ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الزِّحَامَ لَيْسَ بِعُذْرٍ مُجَوِّزٍ لِلْإِيمَاءِ بِالسُّجُودِ. اهـ.

قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُجَوِّزٌ لَهُ، فَإِنَّ مَا يَأْتِي مِنْ تَجْوِيرِهِ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ صَلَاتَهُ يُفِيدُهُ تَأَمَّلْ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْإِمْكَانِ، وَإِلَّا فَالسُّجُودُ عَلَى الْفَخِذِ غَيْرُ مُمْكِنٍ عَادَةً (قَوْلُهُ لَا رُكْبَتِهِ) أَيْ بِعُذْرٍ أَوْ بِدُونِهِ، لَكِنْ يَكْفِيهِ الْإِيمَاءُ لَوْ بِعُذْرٍ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ إنَّهَا كَفَخِذِهِ) أَيْ فَيَصِحُّ بِعُذْرٍ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي السُّجُودِ وَضْعُ أَكْثَرِ الْجَبْهَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرُّكْبَةَ لَا تَسْتَوْعِبُ أَكْثَرَ الْجَبْهَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الثَّانِي فَلِذَا صَحَّحَ الْحَلَبِيُّ الْجَوَازَ ح (قَوْلُهُ وَكُرِهَ بَسْطُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَائِلِ الْمُتَّصِلِ بِهِ، أَمَّا الْمُنْفَصِلُ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَرَفُّعٌ) أَيْ تَكَبُّرٌ فَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يَكُنْ تَرَفُّعًا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَصَدَ بِذَلِكَ تَرَفُّعًا، وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ فِيمَا قَبْلَهُ بِقَصْدِ التَّرَفُّعِ حَتَّى تَظْهَرَ الْمُقَابَلَةُ، ثُمَّ مُرَادُ الشَّارِحِ بِهَذَا وَمَا بَعْدَهُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ عِبَارَاتِهِمْ، فَفِي بَعْضِهَا يُكْرَهُ، وَفِي بَعْضِهَا لَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي بَعْضِهَا لَا يُكْرَهُ فَأَشَارَ إلَى حَمْلِ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حَالَةٍ كَمَا وَفَّقَ بِهِ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ كُرِهَ) أَيْ لِأَنَّهُ دَلِيلُ قَصْدِ التَّرَفُّعِ، بِخِلَافِهِ عَنْ الْعِمَامَةِ فَإِنَّهُ لِصِيَانَةِ الْمَالِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْحَلَبِيُّ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا عَلَى الْخِرْقَةِ وَنَحْوِهَا فَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ تُحْمَلُ لَهُ الْخِمْرَةُ فَيَسْجُدُ عَلَيْهَا» وَهِيَ حَصِيرٌ صَغِيرَةٌ مِنْ الْخُوصِ؟ وَيُحْكَى عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ سَجَدَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى الْخِرْقَةِ فَنَهَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ الْإِمَامُ مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ خُوَارِزْمَ، فَقَالَ الْإِمَامُ: جَاءَ التَّكْبِيرُ مِنْ وَرَائِي: أَيْ تَتَعَلَّمُونَ مِنَّا ثُمَّ تُعَلِّمُونَا، هَلْ تُصَلُّونَ عَلَى الْبَوَارِي فِي بِلَادِكُمْ؟ قَالَ نَعَمْ، فَقَالَ: تُجَوِّزُ الصَّلَاةَ عَلَى الْحَشِيشِ وَلَا تُجَوِّزُهَا عَلَى الْخِرْقَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي السُّجُودِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا فُرِشَ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةِ الْمُصَلِّي بِالْإِجْمَاعِ إلَخْ. اهـ. وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَنَا السُّجُودُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَا تُنْبِتُهُ كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَمُنْيَةِ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلتَّوَاضُعِ) أَيْ لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ. وَعُلِّلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّ الذَّيْلَ فِي مَسَاقِطِ الزِّبْلِ وَطَهَارَةُ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ فِي الْقِيَامِ شَرْطٌ وِفَاقًا، وَمَوْضِعُ السَّجْدَةِ مُخْتَلِفٌ لِأَنَّهَا تَتَأَتَّى بِالْأَنْفِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْ الدِّرْهَمِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَمْ أَرَهُ) أَصْلُ التَّوَقُّفِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الشَّارِطِ أَنْ يَكُونَ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ مُصَلٍّ صَلَاتَهُ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ

ص: 502

أَوْ كَانَ فُرْجَةً (لَا) يَصِحُّ، وَشَرَطَ فِي الْكِفَايَةِ كَوْنَ رُكْبَتَيْ السَّاجِدِ عَلَى الْأَرْضِ. وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى سُجُودَ الْمَسْجُودِ عَلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فَالشُّرُوطُ خَمْسَةٌ، لَكِنْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ الْجَوَازَ وَلَوْ الثَّانِي عَلَى ظَهْرِ الثَّالِثِ وَعَلَى ظَهْرِ غَيْرِ الْمُصَلِّي بَلْ عَلَى ظَهْرِ كُلِّ مَأْكُولٍ بَلْ عَلَى غَيْرِ الظَّهْرِ كَالْفَخِذَيْنِ لِلْعُذْرِ (وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ أَرْفَعَ مِنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ بِمِقْدَارِ لَبِنَتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ) سُجُودُهُ (وَإِنْ أَكْثَرَ لَا) إلَّا لِزَحْمَةٍ كَمَا مَرَّ، وَالْمُرَادُ لَبِنَةُ بُخَارَى، وَهِيَ رُبْعُ ذِرَاعٍ عَرْضُ سِتَّةِ أَصَابِعَ، فَمِقْدَارُ ارْتِفَاعِهِمَا نِصْفُ ذِرَاعٍ ثِنْتَا عَشْرَةَ أُصْبُعًا، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ (وَيُظْهِرُ عَضُدَيْهِ) فِي غَيْرِ زَحْمَةٍ (وَيُبَاعِدُ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) لِيَظْهَرَ كُلُّ عُضْوٍ بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ الصُّفُوفِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ اتِّحَادُهُمْ حَتَّى كَأَنَّهُمْ جَسَدٌ وَاحِدٌ (وَيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ) ذَلِكَ،

ــ

[رد المحتار]

فِي الْمَتْنِ كَالْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَالْكَمَالِ وَابْنِ الْكَمَالِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ مُعْتَبَرَةٌ وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الظَّهْرِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُشَارَكَةِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الظَّهْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ) عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْمِعْرَاجِ بِقِيلِ (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمُجْتَبَى. وَعِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: هَذَا إذَا كَانَ رُكْبَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ وَإِلَّا فَلَا يُجْزِيهِ وَقِيلَ لَا يُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ سُجُودُ الثَّانِي عَلَى ظَهْرِ الثَّالِثِ كَمَا فِي جُمُعَةِ الْكِفَايَةِ. وَفِي الْكَلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَزُولَ الزِّحَامُ كَمَا فِي الْجَلَّابِيِّ، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُ الظَّهْرِ، لَكِنْ فِي الزَّاهِدِيِّ: يَجُوزُ عَلَى الْفَخِذَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ بِعُذْرٍ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَعَلَى الْيَدَيْنِ وَالْكُمَّيْنِ مُطْلَقًا، وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَهْرِ غَيْرِ الْمُصَلِّي كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، لَكِنْ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَفِي تَيَمُّمِ الزَّاهِدِيِّ: يَجُوزُ عَلَى ظَهْرِ كُلِّ مَأْكُولٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى ظَهْرِ الْمُصَلِّي) أَيْ بِأَنْ سَجَدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ أَوْ عَلَى عَقِبِ رِجْلِهِ، لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ كَمَا عَلِمْته (قَوْلُهُ بَلْ عَلَى غَيْرِ الظَّهْرِ كَالْفَخِذَيْنِ) أَيْ فَخِذَيْ نَفْسِهِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ إلَخْ) الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي عَامَّةِ الْمُتَدَاوَلَاتِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْحِلْيَةِ، وَعَزَاهَا فِي الْمِعْرَاجِ إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، لِأَنَّ تِلْكَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ هَذِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَنْصُوبَتَيْنِ) أَيْ مَوْضُوعَةً إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى (قَوْلُهُ جَازَ سُجُودُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَأْثُورِ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي السُّجُودِ عَلَى الظَّهْرِ فَإِنَّهُ أَرْفَعُ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ ح (قَوْلُهُ عَرْضُهُ سِتَّةُ أَصَابِعَ) أَيْ مُقَدَّرٌ بِعَرْضِ سِتَّةِ أَصَابِعَ مَضْمُومٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لَا بِطُولِهَا (قَوْلُهُ ثِنْتَا عَشَرَةَ أُصْبُعًا) بَدَلٌ مِنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ ح، فَالْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَهُوَ ذِرَاعُ الْيَدِ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ ذَكَرَ تَحْدِيدَ نِصْفِ الذِّرَاعِ بِذَلِكَ. وَقَدْ تَوَقَّفَ فِي الْحِلْيَةِ فِي مِقْدَارِهِ وَفِي وَجْهِ التَّحْدِيدِ بِهِ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ زَحْمَةٍ) جَعَلَهُ قَيْدًا لِإِظْهَارِ الْعَضُدَيْنِ فَقَطْ تَبَعًا لِلْمُجْتَبَى قَالَ فِي الْبَحْرِ أَخْذًا مِنْ الْحِلْيَةِ وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ لَا يُجَافِي بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ لَا يَحْصُلُ مِنْ مُجَرَّدِ الْمُحَاذَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ إظْهَارِ الْعَضُدَيْنِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) كَذَا فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ اهـ.

ص: 503

كَمَا يُكْرَهُ لَوْ وَضَعَ قَدَمًا وَرَفَعَ أُخْرَى بِلَا عُذْرٍ (وَيُسَبِّحُ فِيهِ ثَلَاثًا) كَمَا مَرَّ (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ) فَلَا تُبْدِي عَضُدَيْهَا (وَتُلْصِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ، وَحَرَّرْنَا فِي الْخَزَائِنِ أَنَّهَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ.

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: وَنَقَلَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ وَالْحَاوِي، وَمِثْلُهُ فِي الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ وَالْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْجَلَّابِيِّ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَمِنْ سُنَنِ السُّجُودِ أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ، لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ رضي الله عنه فِي صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ» . اهـ. وَقَدَّمْنَا أَنَّ فِي وَضْعِ الْقَدَمِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ: الْفَرْضِيَّةُ وَالْوُجُوبُ، وَالسُّنِّيَّةُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِوَضْعِ الْقَدَمِ وَضْعُ أَصَابِعِهَا وَلَوْ وَاحِدَةً، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى، وَأَنَّ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ رَجَحَ فِي الْحِلْيَةِ الثَّانِيَةِ، وَصَرَّحَ هُنَا بِأَنَّ تَوْجِيهَ الْأَصَابِعِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ سُنَّةٌ، فَثَبَتَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ لَا فِي التَّوْجِيهِ، وَأَنَّ التَّوْجِيهَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا قَوْلًا وَاحِدًا، خِلَافًا لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِشَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ قَالَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَمِنْهَا: أَيْ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ تَوْجِيهُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَوَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَدَمَيْنِ. اهـ.

فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ تَوْجِيهَ الْأَصَابِعِ سُنَّةٌ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ وَضْعِ الْقَدَمَيْنِ: أَيْ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ؟ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. [تَنْبِيهٌ]

تَقَدَّمَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ يُسَنُّ إلْصَاقُ الْكَعْبَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي السُّجُودِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ السُّجُودَ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَذْكُرُوا تَفْرِيجَهُمَا بَعْدَ الرُّكُوعِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُمَا هُنَا كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ مِنْ أَقَلُّهُ ثَلَاثٌ، وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَقَصَهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا، وَقَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَلَا تُبْدِي عَضُدَيْهَا) كَتَبَ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ أَنَّ هَذَا رَدٌّ عَلَى الْحَلَبِيِّ، حَيْثُ جَعَلَ الثَّانِي تَفْسِيرًا لِلِانْخِفَاضِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ تَنَبَّهْ اهـ (قَوْلُهُ وَحَرَّرْنَا فِي الْخَزَائِنِ إلَخْ) وَذَلِكَ حَيْثُ قَالَ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّهَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشْرٍ، وَقَدْ زِدْت أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِهَا: تَرْفَعُ يَدَيْهَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهَا، وَلَا تُخْرِجُ يَدَيْهَا مِنْ كُمَّيْهَا، وَتَضَعُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ ثَدْيِهَا، وَتَنْحَنِي فِي الرُّكُوعِ قَلِيلًا، وَلَا تَعْقِدُ وَلَا تُفَرِّجُ فِيهِ أَصَابِعَهَا بَلْ تَضُمُّهَا وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا، وَلَا تَحْنِي رُكْبَتَيْهَا، وَتَنْضَمُّ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَتَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهَا، وَتَتَوَرَّكُ فِي التَّشَهُّدِ وَتَضَعُ فِيهِ يَدَيْهَا تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا، وَتَضُمُّ فِيهِ أَصَابِعَهَا، وَإِذَا نَابَهَا شَيْءٌ فِي صَلَاتِهَا تُصَفِّقُ وَلَا تُسَبِّحُ، وَلَا تَؤُمُّ الرَّجُلَ، وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ، وَيَقِفُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ، وَيُكْرَهُ حُضُورُهَا الْجَمَاعَةَ.

وَتُؤَخَّرُ مَعَ الرِّجَالِ، وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا، لَكِنْ تَنْعَقِدُ بِهَا، وَلَا عِيدَ، وَلَا تَكْبِيرَ تَشْرِيقٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تُسْفِرَ بِالْفَجْرِ، وَلَا تَجْهَرُ فِي الْجَهْرِيَّةِ، بَلْ لَوْ قِيلَ بِالْفَسَادِ بِجَهْرِهَا لَأَمْكَنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ صَوْتَهَا عَوْرَةٌ. وَأَفَادَهُ الْحَدَّادِيُّ أَنَّ الْأَمَةَ كَالْحُرَّةِ إلَّا فِي الرَّفْعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا كَالرَّجُلِ. اهـ.

أَقُولُ: وَقَوْلُهُ وَلَا تَحْنِي رُكْبَتَيْهَا صَوَابُهُ وَتَحْنِي بِدُونِ لَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِعْرَاجِ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي الرُّكُوعِ وَيُسَنُّ أَنْ يُلْصِقَ كَعْبَيْهِ، وَقَوْلُهُ تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّجُلَ يَضَعُ يَدَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَوْلُهُ لَكِنْ تَنْعَقِدُ بِهَا، صَوَابُهُ لَكِنْ تَصِحُّ مِنْهَا إذْ لَا عِبْرَةَ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي جَمَاعَةِ الْجُمُعَةِ وَالشَّرْطُ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، وَقَدَّمْنَا أَيْضًا عَنْ الْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الْوَجِيزِ أَنَّ الْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ

وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهَا لَا تَنْصِبُ أَصَابِعَ الْقَدَمَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ

ص: 504

(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَيَكْفِي فِيهِ) مَعَ الْكَرَاهَةِ (أَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الرَّفْعِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ لِتَعَلُّقِ الرُّكْنِيَّةِ بِالْأَدْنَى كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ، بَلْ لَوْ سَجَدَ عَلَى لَوْحٍ فَنَزَعَ فَسَجَدَ بِلَا رَفْعٍ أَصْلًا صَحَّ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ صَحَّ وَإِلَّا لَا وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ والشُّرُنبُلالِيَّة ثُمَّ السَّجْدَةُ الصَّلَاتِيَّةِ تَتِمُّ بِالرَّفْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَالتِّلَاوِيَّةِ اتِّفَاقًا مَجْمَعٌ (وَيَجْلِسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُطْمَئِنًّا) لِمَا مَرَّ، وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ كَالتَّشَهُّدِ مُنْيَةُ الْمُصَلِّي (وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَكَذَا) لَيْسَ (بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ) دُعَاءٌ، وَكَذَا لَا يَأْتِي فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَمَا وَرَدَ.

ــ

[رد المحتار]

فِي الْمُجْتَبَى، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِلَّا فَالْمَرْأَةُ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ فَرَاجِعْهَا.

(قَوْلُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ) أَيْ أَشَدُّ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بَلْ لَوْ سَجَدَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ هُنَا التَّفْرِيعُ لِأَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الرَّفْعَ سُنَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فَرْضًا لِتَحَقُّقِهَا بِدُونِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَذَا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي الْفَتْحِ وَالْحِلْيَةِ، بِخِلَافِ الْقَوْلِ بِالْفَرْضِيَّةِ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ صَحَّ وَإِلَّا لَا) عَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الشَّيْءِ يُعْطَى حُكْمَهُ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي النَّهْرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ عَنْ الْإِمَامِ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْبَاقَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ تُتِمُّ بِالرَّفْعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِالْوَضْعِ؛ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ أَحْدَثَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَذَهَبَ وَتَوَضَّأَ يُعِيدُ السَّجْدَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَلَى الرَّابِعَةِ وَأَحْدَثَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الْخَامِسَةِ تَوَضَّأَ وَقَعَدَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَبَطَلَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ح. أَقُولُ: وَانْظُرْ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورَ مَعَ قَوْلِهِ بِفَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ فَرْضِيَّةَ الرَّفْعِ فَتَأَمَّلْ. ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الرَّفْعَ الْمَذْكُورَ فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ عِنْدَهُ لَا مُتَمِّمٌ لِلسَّجْدَةِ، كَذَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَالتِّلَاوِيَّةِ) حَتَّى لَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ أَحْدَثَ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا ابْنُ مَلَكٍ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ مُطْمَئِنًّا) أَيْ بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ كَمَا فِي مَتْنِ الدُّرَرِ وَالسِّرَاجِ، وَهَلْ هَذَا بَيَانٌ لِأَكْثَرِهِ أَوْ لِأَقَلِّهِ؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَقَدَّمْنَا فِي الْوَاجِبَاتِ عَنْ ط أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ هَذِهِ الْجِلْسَةَ أَوْ قَوْمَةَ الرُّكُوعِ أَكْثَرَ مِنْ تَسْبِيحَةٍ بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ. اهـ. وَقَدَّمْنَا مَا فِيهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ فَرْضٌ ح (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ: سَأَلْت الْإِمَامَ أَيَقُولُ الرَّجُلُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؟ قَالَ: يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَسَكَتَ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ فِي الْجَوَابِ إذْ لَمْ يَنْهَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ نَهْرٌ وَغَيْرُهُ.

أَقُولُ: بَلْ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ إذْ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَنَهَى عَنْهُ كَمَا يَنْهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَعَدَمِ كَوْنِهِ مَسْنُونًا لَا يُنَافِي الْجَوَازَ كَالتَّسْمِيَةِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُنْدَبَ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِإِبْطَالِهِ الصَّلَاةَ بِتَرْكِهِ عَامِدًا وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا، لَكِنْ صَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِ مُرَاعَاهُ الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ إلَخْ) فَمِنْ الْوَارِدِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَكَعَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت خَشَعَ لَك سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: اللَّهُمَّ لَك سَجَدْت وَبِك آمَنْت وَلَك أَسْلَمْت، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي.

ص: 505

مَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ (وَيُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ) ثَانِيَةً (مُطْمَئِنًّا وَيُكَبِّرُ لِلنُّهُوضِ) عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ (بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودِ) اسْتِرَاحَةٍ وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ. وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عِنْدَ النُّهُوضِ (وَالرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالْأُولَى) فِيمَا مَرَّ (غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِثَنَاءٍ وَلَا تَعَوُّذٍ فِيهَا) إذْ لَمْ يُشْرَعَا إلَّا مَرَّةً.

(وَلَا يُسَنُّ) مُؤَكَّدًا (رَفْعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي) سَبْعِ مَوَاطِنَ كَمَا وَرَدَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَاحِدًا نَظَرًا لِلسَّعْيِ

ــ

[رد المحتار]

خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» وَالْوَارِدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ «مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا.

وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّفْلِ) أَيْ تَهَجُّدًا أَوْ غَيْرَهُ خَزَائِنُ. وَكَتَبَ فِي هَامِشِهِ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ حَيْثُ خَصَّهُ بِالتَّهَجُّدِ. اهـ. ثُمَّ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ فِي الْوَارِدِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ فِي الْوَارِدِ فِي الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ وَقَالَ عَلَى أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَلْيَكُنْ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ، أَوْ الْجَمَاعَةِ وَالْمَأْمُومُونَ مَحْصُورُونَ لَا يَتَثَقَّلُونَ بِذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا ضَرَرَ فِي الْتِزَامِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ مَشَايِخُنَا فَإِنَّ الْقَوَاعِدَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَنْبُو عَنْهُ، كَيْفَ وَالصَّلَاةُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالْقِرَاءَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا اعْتِمَادٍ إلَخْ) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: أَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ عَلَى الْأَرْضِ. وَالثَّانِي الْجِلْسَةُ الْخَفِيفَةُ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ حَتَّى لَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَلَوْ فَعَلَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. اهـ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ، فَيُكْرَهُ فِعْلُهُ تَنْزِيهًا لِمَنْ لَيْسَ بِهِ عُذْرٌ. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُهُمْ لَا بَأْسَ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيمَا تَرْكُهُ أَوْلَى.

أَقُولُ: وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ ذَكَرَ مِنْهَا تَرْكَ قُعُودٍ قَبْلَ ثَانِيَةٍ وَرَابِعَةٍ لِأَنَّ ذَاكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقُعُودِ الطَّوِيلِ وَلِذَا قُيِّدَتْ الْجِلْسَةُ هُنَا بِالْخَفِيفَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ بَحْرٌ

(قَوْلُهُ وَلَا يُسَنُّ مُؤَكَّدًا) قُيِّدَ بِهِ لِئَلَّا يَرِدَ الرَّفْعُ فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ (قَوْلُهُ إلَّا فِي سَبْعٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ عِنْدَ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، فَيُكْرَهُ عِنْدَنَا وَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إلَّا فِي رِوَايَةِ مَكْحُولٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَقَدْ أَوْضَحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ وَاحِدٌ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالنَّظْمِ الْآتِي حَيْثُ عَدَّهَا ثَمَانِيَةً، وَبَيْنَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ عَدِّهَا سَبْعَةً بِأَنَّ الْوَارِدَ نُظِرَ فِيهِ إلَى السَّعْيِ الْمُتَضَمِّنِ لِلصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَعُدَّا فِيهِ وَاحِدًا وَالْمُصَنِّفُ وَالنَّاظِمُ نَظَرَا إلَى أَنَّهُمَا اثْنَانِ فَصَارَتْ ثَمَانِيَةً، وَالْوَارِدُ هُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ» وَذَكَرَ الْأَرْبَعَ فِي الْحَجِّ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْأَرْبَعُ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَعِنْدَ الْمَوْقِفَيْنِ، وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى كَذَا فِي الْكِفَايَةِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالْحَدِيثُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ.

وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ، وَحِينَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَيَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ، وَحِينَ يَقُومُ

ص: 506

ثَلَاثَةٌ فِي الصَّلَاةِ (تَكْبِيرَةِ افْتِتَاحٍ وَقُنُوتٍ وَعِيدٍ، وَ) خَمْسَةٌ فِي الْحَجِّ (اسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَالصَّفَا، وَالْمَرْوَةِ، وَعَرَفَاتٍ، وَالْجَمَرَاتِ) وَيَجْمَعُهَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ بِالنَّثْرِ " فقعس صمعج " وَبِالنَّظْمِ لِابْنِ الْفَصِيحِ:

فَتْحٌ قُنُوتٌ عِيدٌ اسْتَلَمَ الصَّفَا

مَعَ مَرْوَةَ عَرَفَاتٌ الْجَمَرَاتُ.

(وَالرَّفْعُ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ) كَالتَّحْرِيمَةِ (فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ، وَ) أَمَّا (فِي الِاسْتِلَامِ) وَالرَّمْيِ (عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ) الْأُولَى وَالْوُسْطَى فَإِنَّهُ (يَرْفَعُ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَيَجْعَلُ بَاطِنَهُمَا نَحْوَ) الْحَجَرِ وَ (الْكَعْبَةِ، وَ) أَمَّا (عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَعَرَفَاتٍ) فَ (يَرْفَعُهُمَا كَالدُّعَاءِ) وَالرَّفْعُ فِيهِ، وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ مُسْتَحَبٌّ (فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ) حِذَاءَ صَدْرِهِ (نَحْوَ السَّمَاءِ) لِأَنَّهَا قِبْلَةَ الدُّعَاءِ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ وَالْإِشَارَةُ بِمُسَبِّحَتِهِ لِعُذْرٍ كَبَرْدٍ يَكْفِي وَالْمَسْحُ بَعْدَهُ عَلَى وَجْهِهِ سُنَّةٌ فِي الْأَصَحِّ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ. وَفِي وِتْرِ الْبَحْرِ: الدُّعَاءُ أَرْبَعَةٌ: دُعَاءُ رَغْبَةٍ يُفْعَلُ كَمَا مَرَّ. وَدُعَاءُ رَهْبَةٍ يَجْعَلُ كَفَّيْهِ لِوَجْهِهِ كَالْمُسْتَغِيثِ مِنْ الشَّيْءِ

ــ

[رد المحتار]

عَلَى الصَّفَا، وَحِينَ يَقُومُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَحِينَ يَقِفُ مَعَ النَّاسِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَيَجْمَعُ، وَالْمَقَامَيْنِ حِينَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ» . اهـ. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ تَفْسِيرَ مَا وَرَدَ بِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الشَّارِحِ، بِخِلَافِ مَا فِي الْفَتْحِ، إذْ لَيْسَ فِيهِ عُدَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاحِدًا بَلْ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقُنُوتِ وَالْعِيدِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَخَمْسَةٌ فِي الْحَجِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى عَدِّ الْمُصَنِّفِ وَالنَّاظِمِ، وَأَمَّا بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْهِدَايَةِ فَهِيَ أَرْبَعٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَبِالنَّظْمِ) أَيْ مِنْ بَحْرِ الْكَامِلِ، وَذُكِرَتْ فِيهِ عَلَى تَرْتِيبِ حُرُوفِ " فقعس صمعج " وَلِبَعْضِهِمْ:

ارْفَعْ يَدَيْك لَدَى التَّكْبِيرِ مُفْتَتِحًا

وَقَانِتًا وَبِهِ الْعِيدَانِ قَدْ وُصِفَا

وَفِي الْوُقُوفَيْنِ ثُمَّ الْجَمْرَتَيْنِ مَعًا

وَفِي اسْتِلَامٍ كَذَا فِي مَرْوَةَ وَصَفَا

(قَوْلُهُ كَالتَّحْرِيمَةِ) الْأُولَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الثَّلَاثَةِ، فَفِيهِ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِبَعْضِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْأُولَى وَالْوُسْطَى) أَمَّا الْأَخِيرَةُ فَلَا يَدْعُو بَعْدَهَا لِأَنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ كُلِّ رَمْيٍ بَعْدَهُ رَمْيٌ، وَلِذَا لَا يَدْعُو فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ (قَوْلُهُ نَحْوَ الْحَجَرِ) رَاجِعٌ لِلِاسْتِلَامِ، وَقَوْلُهُ وَالْكَعْبَةُ رَاجِعٌ لِلرَّمْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرَّمْيِ نَحْوَ السَّمَاءِ (قَوْلُهُ كَالدُّعَاءِ) أَيْ كَمَا يَرْفَعُهُمَا لِمُطْلَقِ الدُّعَاءِ فِي سَائِرِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ عَلَى طِبْقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَمِنْهُ الرَّفْعُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ خَزَائِنُ (قَوْلُهُ فَيَبْسُطُ يَدَيْهِ حِذَاءَ صَدْرِهِ) كَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُنْيَةٌ عَنْ تَفْسِيرِ السَّمَّانِ: وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْمُسْتَخْلَصِ لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ السَّمَرْقَنْدِيِّ أَنَّ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ أَنْ يَدْعُوَ مُسْتَقْبِلًا وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى حَالَةِ الْمُبَالَغَةِ وَالْجَهْدِ، وَزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ كَمَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ لِعَوْدِ النَّفْعِ إلَى الْعَامَّةِ.

وَهَذَا عَلَى مَا عَدَاهَا، وَلِذَا قَالَ فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «وَكَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ» أَيْ لَا يَرْفَعُ كُلَّ الرَّفْعِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ) أَيْ كَالْقِبْلَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَدْعُوَّ جَلَّ وَعَلَا فِي جِهَةِ الْعُلُوِّ ط (قَوْلُهُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ) أَيْ وَإِنْ قَلَّتْ قُنْيَةٌ (قَوْلُهُ الدُّعَاءُ أَرْبَعَةٌ إلَخْ) هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا عَزَاهُ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ دُعَاءُ رَغْبَةٍ) نَحْوُ طَلَبِ الْجَنَّةِ فَيَفْعَلُ كَمَا مَرَّ: أَيْ يَبْسُطُ يَدَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ ح (قَوْلُهُ وَدُعَاءُ رَهْبَةٍ) نَحْوُ طَلَبِ النَّجَاةِ مِنْ النَّارِ ح (قَوْلُهُ يَجْعَلُ كَفَّيْهِ لِوَجْهِهِ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ يَجْعَلُ ظَهْرَ كَفَّيْهِ لِوَجْهِهِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، فَكَلِمَةُ ظَهْرٍ سَقَطَتْ مِنْ قَلَمِ الشَّارِحِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ دَاعٍ رَفْعُ بَطْنِ يَدَيْهِ لِلسَّمَاءِ إنْ دَعَا بِتَحْصِيلِ شَيْءٍ، وَظَهْرَهُمَا إنْ دَعَا بِرَفْعِهِ

ص: 507

وَدُعَاءُ تَضَرُّعٍ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقُ وَيُشِيرُ بِمُسَبِّحَتِهِ. وَدُعَاءُ الْخُفْيَةِ مَا يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ.

(وَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَفْتَرِشُ) الرَّجُلُ (رِجْلَهُ الْيُسْرَى) فَيَجْعَلُهَا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ (وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَهُ) فِي الْمَنْصُوبَةِ (نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هُوَ السُّنَّةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ (وَيَضَعُ يُمْنَاهُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيُسْرَاهُ عَلَى الْيُسْرَى، وَيَبْسُطُ أَصَابِعَهُ) مُفَرَّجَةً قَلِيلًا (جَاعِلًا أَطْرَافَهَا عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ) وَلَا يَأْخُذُ الرُّكْبَةَ هُوَ الْأَصَحُّ لِتَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ (وَلَا يُشِيرُ بِسَبَّابَتِهِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالتَّجْنِيسِ وَعُمْدَةِ الْمُفْتِي وَعَامَّةِ الْفَتَاوَى، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الشُّرَّاحُ وَلَا سِيَّمَا الْمُتَأَخِّرُونَ كَالْكَمَالِ وَالْحَلَبِيِّ وَالْبَهْنَسِيِّ وَالْبَاقَانِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْجَدِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُشِيرُ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام، وَنَسَبُوهُ لِمُحَمَّدٍ وَالْإِمَامِ.

بَلْ فِي مَتْنِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ غُرَرِ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ وَدُعَاءُ تَضَرُّعٍ) أَيْ إظْهَارِ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ طَلَبِ جَنَّةٍ وَلَا خَوْفٍ مِنْ نَارٍ، نَحْوُ: إلَهِي أَنَا عَبْدُك الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمِسْكِينُ الْحَقِيرُ ح (قَوْلُهُ وَيُحَلِّقُ) أَيْ يُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى (قَوْلُهُ مَا يَفْعَلُهُ فِي نَفْسِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: يَعْنِي لَيْسَ فِيهِ رَفْعٌ لِأَنَّ فِي الرَّفْعِ إعْلَانًا.

(قَوْلُهُ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) الْأَظْهَرُ تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ (قَوْلُهُ فِي الْمَنْصُوبَةِ) أَيْ الْأَصَابِعِ الْكَائِنَةِ فِي الرِّجْلِ الْمَنْصُوبَةِ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: يَعْنِي رِجْلَهُ الْيُمْنَى لِأَنَّ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُوَجِّهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَهُوَ أَوْلَى. اهـ. وَصَرَّحَ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْيُمْنَى فِي الْمِفْتَاحِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْخِزَانَةِ، فَقَوْلُهُ فِي الدُّرَرِ رِجْلَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ تَوْجِيهَ أَصَابِعِ الْيُسْرَى الْمُفْتَرَشَةِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ تَكَلُّفٌ زَائِدٌ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ، لَكِنْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ مِثْلَ مَا فِي الدُّرَرِ عَنْ الْكَافِي وَالتُّحْفَةِ، ثُمَّ قَالَ فَيُوَجِّهُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى إلَى الْيُمْنَى وَأَصَابِعَهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ. اهـ. تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ هُوَ السُّنَّةُ) فَلَوْ تَرَبَّعَ أَوْ تَوَرَّكَ خَالَفَ السُّنَّةَ ط (قَوْلُهُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقِيلَ فِي النَّفْلِ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ كَالْمَرِيضِ (قَوْلُهُ وَلَا يَأْخُذُ الرُّكْبَةَ) أَيْ كَمَا يَأْخُذُهَا فِي الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْأَصَابِعَ تَصِيرُ مُوَجَّهَةً إلَى الْأَرْضِ خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ، وَالنَّفْيُ لِلْأَفْضَلِيَّةِ لَا لِعَدَمِ الْجَوَازِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُتَوَرِّكَةً) بِأَنْ تُخْرِجَ رِجْلَهَا الْيُسْرَى مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ، وَلَا تَجْلِسُ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى الْأَرْضِ (قَوْلُهُ وَنَسَبُوهُ لِمُحَمَّدٍ وَالْإِمَامِ) وَكَذَا نَقَلُوهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِيِّ كَمَا يَأْتِي، فَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ بَلْ فِي مَتْنِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ إلَخْ) إضْرَابٌ انْتِقَالِيٌّ لِأَنَّ فِي هَذَا النَّقْلِ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مَا صَحَّحَهُ الشُّرَّاحُ هُوَ الْمُفْتَى بِهِ لَكِنَّ الصَّوَابَ إسْقَاطُ قَوْلِهِ بَاسِطًا أَصَابِعَهُ كُلَّهَا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا رَأَيْته فِي دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ.

وَنَصُّ عِبَارَةِ دُرَرِ الْبِحَارِ: وَلَا تَعْقِدُ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ، وَلَا تُشِيرُ وَالْفَتْوَى خِلَافُهُ. وَعِبَارَةُ شَرْحِهِ غُرَرُ الْأَفْكَارِ: وَلَا تَعْقِدُ يَا فَقِيهُ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ كَمَا عَقَدَهَا أَحْمَدُ مُوَافِقًا لِلشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ، وَنَحْنُ لَا نُشِيرُ عِنْدَ التَّهْلِيلِ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيُمْنَى، بَلْ نَبْسُطُ الْأَصَابِعَ وَالْفَتْوَى: أَيْ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا خِلَافُهُ: أَيْ خِلَافُ عَدَمِ الْإِشَارَةِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ عَلَى كَيْفِيَّةِ عَقْدِ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ كَمَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، يَرْفَعُهَا عِنْدَ النَّفْيِ، وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَكَثُرَتْ بِهِ الْآثَارُ وَالْأَخْبَارُ فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى. اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ هُوَ الْإِشَارَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ مَعَ عَقْدِ الْأَصَابِعِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَا مَعَ بَسْطِهَا فَإِنَّهُ لَا إشَارَةَ مَعَ الْبَسْطِ عِنْدَنَا، وَلِذَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: فَإِنْ أَشَارَ يَعْقِدُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ وَيُقِيمُ السَّبَّابَةَ. وَقَالَ فِي شَرْحِهَا الصَّغِيرِ: وَهَلْ يُشِيرُ عِنْدَ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ، صَحِيحٌ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُشِيرُ وَصَحَّحَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُشِيرُ، وَكَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَغَيْرِهِ.

ص: 508

الْأَذْكَارِ الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُشِيرُ بَاسِطًا أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَحْدَهَا، يَرْفَعُهَا عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ. وَاحْتُرِزَ بِالصَّحِيحِ عَمَّا قِيلَ لَا يُشِيرُ لِأَنَّهُ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ وَبِقَوْلِنَا بِالْمُسَبِّحَةِ عَمَّا قِيلَ يَعْقِدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ. اهـ. وَفِي الْعَيْنِيِّ عَنْ التُّحْفَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ.

ــ

[رد المحتار]

وَصِفَتُهَا: أَنْ يُحَلِّقَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى عِنْدَ الشَّهَادَةِ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى، وَيَقْبِضُ الْبِنْصِرَ وَالْخِنْصَرَ، وَيُشِيرُ بِالْمُسَبِّحَةِ، أَوْ يَعْقِدُ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ بِأَنْ يَقْبِضَ الْوُسْطَى وَالْبِنْصِرَ وَالْخِنْصَرَ، وَيَضَعُ رَأْسَ إبْهَامِهِ عَلَى حَرْفِ مَفْصِلِ الْوُسْطَى الْأَوْسَطِ. وَيَرْفَعُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: قَبْضُ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِيِّ وَهَذَا فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ. وَعَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يُشِيرُ أَصْلًا، وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ، فَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَعَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا أَنَّهُ سُنَّةٌ، فَيُحَلِّقُ إبْهَامَ الْيُمْنَى وَوُسْطَاهَا مُلْصِقًا رَأْسَهَا بِرَأْسِهَا، وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ. اهـ. فَهَذِهِ النُّقُولُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الْإِشَارَةَ الْمَسْنُونَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ وَهِيَ الْعَقْدُ أَوْ التَّحْلِيقُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ بَسْطِ الْأَصَابِعِ فَلَيْسَ فِيهَا إشَارَةٌ أَصْلًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهَذَا أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْكَيْفِيَّةِ فَرْعُ تَصْحِيحِ الْإِشَارَةِ: أَيْ مُفَرَّعٌ عَلَى تَصْحِيحِ رِوَايَةِ الْإِشَارَةِ، فَلَيْسَ لَنَا قَوْلٌ بِالْإِشَارَةِ بِدُونِ تَحْلِيقٍ، وَلِهَذَا فُسِّرَتْ الْإِشَارَةُ بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحَيْ الْمُنْيَةِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالْحِلْيَةِ وَالنَّهْرِ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ مَعْزِيًّا إلَى شَرْحِ النُّقَايَةِ وَشَرْحَيْ دُرَرِ الْبِحَارِ وَغَيْرِهَا كَمَا ذَكَرْت عِبَارَاتِهِمْ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا [رَفْعُ التَّرَدُّدِ فِي عَقْدِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ التَّشَهُّدِ] وَحُرِّرَتْ فِيهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا سِوَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بَسْطُ الْأَصَابِعِ بِدُونِ إشَارَةٍ.

الثَّانِي بَسْطُ الْأَصَابِعِ إلَى حِينِ الشَّهَادَةِ، فَيَعْقِدُ عِنْدَهَا وَيَرْفَعُ السَّبَّابَةَ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْإِثْبَاتِ، وَهَذَا مَا اعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِثُبُوتِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِصِحَّةِ نَقْلِهِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ، فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ الْأَوَّلَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ. وَأَمَّا مَا عَلَيْهِ عَامَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِنَا مِنْ الْإِشَارَةِ مَعَ الْبَسْطِ بِدُونِ عَقْدٍ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ بِهِ سِوَى الشَّارِحِ تَبَعًا لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ عَنْ الْبُرْهَانِ لِلْعَلَّامَةِ إبْرَاهِيمَ الطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْنِ الْعَاشِرِ.

وَإِذَا عَارَضَ كَلَامُهُ كَلَامَ جُمْهُورِ الشَّارِحِينَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ ذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ فَقَطْ فَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا جُمْهُورُ الْعَوَامّ، فَأَخْرِجْ نَفْسَك مِنْ ظُلْمَةِ التَّقْلِيدِ وَحِيرَةِ الْأَوْهَامِ، وَاسْتَضِئْ بِمِصْبَاحِ التَّحْقِيقِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَإِنَّهُ مِنْ مِنَحِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ (قَوْلُهُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَحْدَهَا) فَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالْمُسْبَحَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي عَقْدِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ التَّشَهُّدِ

(قَوْلُهُ وَبِقَوْلِنَا إلَخْ) هَذَا الِاحْتِرَازُ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الْقَائِلُ بِالْعَقْدِ قَائِلًا بِأَنَّهُ لَا يُشِيرُ بِمُسَبِّحَتِهِ وَهُوَ خِلَافُ الْوَاقِعِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ يَعْقِدُ عِنْدَ الْإِشَارَةِ. وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ الْبُرْهَانِ قَوْلٌ مُلَفَّقٌ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْإِشَارَةُ مَعَ بَسْطِ الْأَصَابِعِ بِدُونِ عَقْدٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَأَنَّ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ دُرَرِ الْبِحَارِ وَشَرْحِهِ خِلَافُ الْوَاقِعِ وَلَعَلَّهُ قَوْلٌ غَرِيبٌ لَمْ نَرَ مَنْ قَالَهُ، فَتَبِعَهُ فِي الْبُرْهَانِ وَمَشَى عَلَيْهِ النَّاسُ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ.

وَأَمَّا الْمَشْهُورُ الْمَنْقُولُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ

ص: 509

وَفِي الْمُحِيطِ سُنَّةٌ (وَيَقْرَأُ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ) وُجُوبًا كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنَّ كَلَامَ غَيْرِهِ يُفِيدُ نَدْبَهُ وَجَزَمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَدُّ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَنَحْوِهِ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ (وَيَقْصِدُ بِأَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ) مَعَانِيَهَا مُرَادَةً لَهُ عَلَى وَجْهٍ (الْإِنْشَاءَ) كَأَنَّهُ يُحَيِّي اللَّهَ تَعَالَى وَيُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَلَى نَفْسِهِ وَأَوْلِيَائِهِ (لَا الْإِخْبَارَ) عَنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى. وَظَاهِرُهُ أَنَّ ضَمِيرَ عَلَيْنَا لِلْحَاضِرِينَ لَا حِكَايَةَ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ فِيهِ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ (وَلَا يَزِيدُ) فِي الْفَرْضِ (عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى) إجْمَاعًا (فَإِنْ زَادَ عَامِدًا كُرِهَ) فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ (أَوْ سَاهِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) فَقَطْ

ــ

[رد المحتار]

فَهُوَ مَا سَمِعْته. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ سُنَّةٌ) يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ ط (قَوْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ ثُمَّ وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّارِحِينَ أَنَّهُ قَالَ: وَالْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى فَيُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا التَّشَهُّدَ وَاجِبًا وَعَيَّنُوهُ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَكَانَ وَاجِبًا، وَلِهَذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ حَرْفًا أَوْ يَبْتَدِئَ بِحَرْفٍ قَبْلَ حَرْفٍ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَلَوْ نَقَصَ مِنْ تَشَهُّدِهِ أَوْ زَادَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ أَذْكَارَ الصَّلَاةِ مَحْصُورَةٌ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا. اهـ. وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِلتَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ وَجَزَمَ إلَخْ) وَكَذَا جَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ وَالْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ، حَيْثُ قَالَ: أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ التَّشَهُّدُ وَاجِبٌ: أَيْ التَّشَهُّدُ الْمَرْوِيُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ لَا وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. وَقَوَاعِدُنَا تَقْتَضِيهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي النَّهْرِ قَرِيبًا مِمَّا قُلْته. وَعَلَيْهِ فَالْكَرَاهَةُ السَّابِقَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ.

أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْحِلْيَةِ حَيْثُ ذَكَرَ أَلْفَاظَ التَّشَهُّدِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّشَهُّدَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَا لِمَا وَرَدَ مِنْ نَظَائِرِهَا، سُمِّيَ بِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ

إلَخْ (قَوْلُهُ لَا الْإِخْبَارَ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ لَا يَقْصِدُ الْإِخْبَارَ، وَالْحِكَايَةَ عَمَّا وَقَعَ فِي الْمِعْرَاجِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ عليهم السلام. وَتَمَامُ بَيَانِ الْقِصَّةِ مَعَ شَرْحِ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ فِي الْإِمْدَادِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ لِلْحَاضِرِينَ) أَيْ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمَلَائِكَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ. وَاسْتَحْسَنَهُ السُّرُوجِيُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ لَا حِكَايَةَ سَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى) الصَّوَابُ: لَا حِكَايَةَ سَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ط (قَوْلُهُ يَقُولُ فِيهِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) نَقَلَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ. وَرَدَّهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِهِ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لِذَلِكَ، بَلْ أَلْفَاظُ التَّشَهُّدِ مُتَوَاتِرَةٌ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:" أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". اهـ. ط عَنْ الزَّرْقَانِيِّ.

قَالَ فِي التُّحْفَةِ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ تَشَهُّدَ الْأَذَانِ صَحَّ " لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَذَّنَ مَرَّةً فِي سَفَرٍ فَقَالَ ذَلِكَ ". اهـ. قُلْت: وَكَذَلِكَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ " خِفْت أَزْوَادَ الْقَوْمِ " الْحَدِيثَ وَفِيهِ " فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» وَهَذَا كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، قَالَهُ لَمَّا ظَهَرَتْ الْمُعْجِزَةُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الزَّادِ (قَوْلُهُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْفَرْضِ) أَيْ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ كَالْوِتْرِ وَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَإِنْ نَظَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيهَا وَلِيَنْظُرَ حُكْمَ الْمَنْذُورِ وَقَضَاءِ النَّفْلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ النَّفْلِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِمَا عَارِضٌ ط (قَوْلُهُ إجْمَاعًا) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فِيهَا لِلْجُمْهُورِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «ثُمَّ إنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تَشَهُّدِهِ» قَالَ الطَّحَاوِيُّ: مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ بَحْرٌ، وَعَلَيْهِ فَمُرَادُ الشَّارِحِ أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ فَقَطْ) وَقِيلَ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقُلْ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ، وَقِيلَ مَا لَمْ يُؤَخِّرْ مِقْدَارَ أَدَاءِ رُكْنٍ، وَقِيلَ يَجِبُ وَلَوْ زَادَ حَرْفًا وَاحِدًا وَرَدَ الْكُلُّ فِي الْبَحْرِ.

ص: 510

(عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمُفْتَى بِهِ لَا لِخُصُوصِ الصَّلَاةِ بَلْ لِتَأْخِيرِ الْقِيَامِ. وَلَوْ فَرَغَ الْمُؤْتَمُّ قَبْلَ إمَامِهِ سَكَتَ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيَتَرَسَّلُ لِيَفْرُغَ عِنْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، وَقِيلَ يُتِمُّ، وَقِيلَ يُكَرِّرُ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ

(وَاكْتَفَى) الْمُفْتَرِضُ (فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ بِالْفَاتِحَةِ) فَإِنَّهَا سُنَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَوْ زَادَ لَا بَأْسَ بِهِ (وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ قِرَاءَةِ) الْفَاتِحَةِ وَصَحَّحَ الْعَيْنِيُّ وُجُوبَهَا (وَتَسْبِيحٍ ثَلَاثًا) وَسُكُوتِ قَدْرِهَا، وَفِي النِّهَايَةِ قَدْرُ تَسْبِيحَةٍ، فَلَا يَكُونُ مُسِيئًا بِالسُّكُوتِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِثُبُوتِ التَّخْيِيرِ

ــ

[رد المحتار]

وَذَكَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْخَانِيَّةِ. اهـ. وَصَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ فِي السَّهْوِ بِأَنَّهُ الْأَصَحُّ، وَكَلَامُ الْحَلَبِيِّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ أَيْضًا، لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ: فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ. اهـ. تَأَمَّلْ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِلَّا فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ مَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى قَوْلِهِ " حَمِيدٌ مَجِيدٌ "(قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُفْتَى بِهِ) لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهَذَا اللَّفْظِ سِوَى الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ، وَإِنَّمَا الَّذِي رَأَيْته مَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ بَلْ لِتَأْخِيرِ الْقِيَامِ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلَوْ سَكَتَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ سَكَتَ اتِّفَاقًا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقُعُودِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ كَمَا مَرَّ؛ فَلَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَالدُّعَاءِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ تَأْخِيرُ الْقِيَامِ عَنْ مَحَلِّهِ، إذْ الْقُعُودُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ (قَوْلُهُ فَيَتَرَسَّلُ) أَيْ يَتَمَهَّلُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي بَحْثِ الْمَسْبُوقُ مِنْ بَابِ السَّهْوِ وَبَاقِي الْأَقْوَالِ مُصَحَّحٌ أَيْضًا.

قَالَ فِي الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا فِي النَّهْرِ أَنَّهُ يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَيَأْتِي فِيهِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَهَذَا لَيْسَ آخِرًا. قَالَ ح: وَهَذَا فِي قَعْدَةِ الْإِمَامِ الْأَخِيرَةِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ لِيَفْرُغَ عِنْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، وَأَمَّا فِيمَا قَبْلَهَا مِنْ الْقَعَدَاتِ فَحُكْمُهُ السُّكُوتُ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُكَرِّرُ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَالذَّخِيرَةِ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَاكْتَفَى الْمُفْتَرِضُ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ فِي النَّفْلِ وَالْوَاجِبِ تَجِبُ الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ أَوْ نَحْوِهَا (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ لَا بَأْسَ) أَيْ لَوْ ضَمَّ إلَيْهَا سُورَةً لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَشْرُوعَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ مَسْنُونٌ لَا وَاجِبٌ فَكَانَ الضَّمُّ خِلَافَ الْأَوْلَى وَذَلِكَ لَا يُنَافِي الْمَشْرُوعِيَّةَ، وَالْإِبَاحَةُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْإِثْمِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَائِلِ بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ فِي النَّهْرِ هُنَا عَلَى الْبَحْرِ مِنْ دَعْوَى الْمُنَافَاةِ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ الْعَيْنِيُّ وُجُوبَهَا) هَذَا مُقَابِلُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ وَصَحَّحَهَا ابْنُ الْهُمَامِ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ.

وَمَشَى عَلَيْهَا فِي الْمُنْيَةِ فَأَوْجَبَ سُجُودَ السَّهْوِ بِتَرْكِ قِرَاءَتِهَا سَاهِيًا وَالْإِسَاءَةُ بِتَرْكِهَا عَمْدًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُهُ لِتَعَارُضِ الْأَخْبَارِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَاعْتَمَدَهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَسُكُوتُ قَدْرِهَا) أَيْ قَدْرُ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ (قَوْلُهُ وَفِي النِّهَايَةِ قَدْرُ تَسْبِيحَةٍ) قَالَ شَيْخُنَا: وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْأُصُولِ حِلْيَةٌ: أَيْ لِأَنَّ رُكْنَ الْقِيَامِ يَحْصُلُ بِهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الرُّكْنِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالْأَدْنَى (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ مُسِيئًا بِالسُّكُوتِ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ، وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى التَّسْبِيحِ لَا يَكُونُ مُسِيئًا. وَأَمَّا لَوْ سَكَتَ فَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِالْإِسَاءَةِ وَقَالَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا شُرِعَتْ عَلَى سَبِيلِ الذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ، وَلِهَذَا تَعَيَّنَتْ الْفَاتِحَةُ لِلْقِرَاءَةِ لِأَنَّ كُلَّهَا ذِكْرٌ وَثَنَاءٌ، وَإِنْ سَكَتَ عَمْدًا أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَلَوْ سَاهِيًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ وَصَرَّحَ غَيْرُهُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَدَمِ الْإِسَاءَةِ بِالسُّكُوتِ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ الْمُصَلِّي بِالْخِيَارِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، إنْ شَاءَ قَرَأَ، وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ، وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ، وَهَذَا بَابٌ لَا يُدْرَكُ بِالْقِيَاسِ، فَالْمَرْوِيُّ عَنْهُمَا كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَفِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الرِّوَايَةِ. وَرَجَّحَ ذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ بِمَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.

ص: 511

عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ الصَّارِفُ لِلْمُوَاظَبَةِ عَنْ الْوُجُوبِ (وَيَفْعَلُ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي) الِافْتِرَاشَ (كَالْأَوَّلِ وَتَشَهَّدَ) أَيْضًا (وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَصَحَّ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ

ــ

[رد المحتار]

وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ يُكْرَهُ السُّكُوتُ لِتَرْكِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ، فَالْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ سُنَّةٌ، لَكِنْ لَمَّا شُرِعَتْ عَلَى وَجْهِ الذِّكْرِ حَصَلَتْ السُّنَّةُ بِالتَّسْبِيحِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَالْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ بِالنَّظَرِ إلَى التَّسْبِيحِ، وَسُنَّةٌ بِالنَّظَرِ إلَى السُّكُوتِ، حَتَّى لَوْ سَبَّحَ تَرَكَ الْأَفْضَلَ؛ وَلَوْ سَكَتَ أَسَاءَ لِتَرْكِ السُّنَّةِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ فَلَا يُكْرَهُ السُّكُوتُ لِثُبُوتِ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، فَصَارَتْ الْقِرَاءَةُ أَفْضَلَ بِالنَّظَرِ إلَى التَّسْبِيحِ. وَإِلَى السُّكُوتِ، فَقَدْ اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي سُنِّيَّتِهَا بِنَاءً عَلَى كَرَاهَةِ السُّكُوتِ وَعَدَمِهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَبِهِ تَعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا: إنَّ الْفَاتِحَةَ سُنَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ؛ ثُمَّ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ حَيْثُ اعْتَمَدَ التَّخْيِيرَ الثَّلَاثَةُ، فَزَادَ عَلَى الْمُصَنِّفِ السُّكُوتَ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَكُونُ مُسِيئًا بِهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْفَرِيدَ، وَمَا نَقَلْته عَنْ الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ رَأَيْته فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا، وَذَكَرْت نُصُوصَهَا فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْبَحْرِ، فَلَا تَعْتَمِدُ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهَا مُخَالِفًا لِذَلِكَ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْفَاتِحَةِ لَا يُنَافِي التَّخْيِيرَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ كَالْحَلْقِ مَعَ التَّقْصِيرِ.

[تَنْبِيهٌ] ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتُونِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْفَاتِحَةَ مَقْرُوءَةٌ عَلَى وَجْهِ الْقُرْآنِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا إنَّهَا تُقْرَأُ بِنِيَّةِ الثَّنَاءِ لَا الْقِرَاءَةِ. اهـ. وَنُقِلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ لَكِنْ فِي النِّهَايَةِ قَالَ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسَبِّحُ: وَلَا يَسْكُتُ، وَإِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَعَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ لَا الْقِرَاءَةِ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ: لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ الصَّارِفُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ بِلَا تَرْكِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ أَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَرْوِيَّ صَارِفٌ لَهَا عَنْ الْوُجُوبِ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْمَرْفُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الْعَيْنِيِّ وَابْنِ الْهُمَامِ (قَوْلُهُ الِافْتِرَاشَ) إنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِلْإِشَارَةِ إلَى نَفْيِ الْقَوْلِ بِالتَّوَرُّكِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَإِلَّا فَأَحْكَامُ الْقُعُودِ لَا تَخْتَصُّ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْمُخْتَارُ فِي صِفَتِهَا مَا فِي الْكِفَايَةِ وَالْقُنْيَةِ وَالْمُجْتَبَى قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَصَحَّ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ) أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْت إلَخْ. وَأَمَّا بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت فَلَمْ تَثْبُتْ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَفِي إفْصَاحِ ابْنِ هُبَيْرَةَ حِكَايَةُ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ بِزِيَادَةِ فِي الْعَالَمِينَ بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْت، وَهُوَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمْ. وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ الْإِفْصَاحِ زِيَادَةُ فِي الْعَالَمِينَ بَعْدَ كَمَا صَلَّيْت أَيْضًا، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ، لَكِنْ لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ مَنْ رَوَاهَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مَنْ خَرَّجَهَا مِنْ الْحُفَّاظِ وَلَا ثُبُوتُهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ اهـ

ص: 512

وَتَكْرَارُ " إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ " وَعَدَمُ كَرَاهَةِ التَّرَحُّمِ وَلَوْ ابْتِدَاءً. وَنُدِبَ السِّيَادَةُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ عَيْنُ سُلُوكِ الْأَدَبِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ، ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ؛

ــ

[رد المحتار]

وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى هَذَا حَيْثُ عَبَّرَ بِالزِّيَادَةِ لَا بِالتَّكْرَارِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَكْرَارُ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ مَرَّةً فِي آخِرِهَا فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ فِي الذَّخِيرَةِ نَقَلَهَا عَنْ مُحَمَّدٍ مُكَرَّرَةً وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَذَلِكَ. مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ ابْتِدَاءً

(قَوْلُهُ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ التَّرَحُّمِ) عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ صَحَّ؛ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ نَدْبُهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي صَلَاةِ التَّشَهُّدِ، وَلِذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْإِتْيَانُ بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ: فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ احْتِيَاطًا، وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: وَزِيَادَةُ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا رَحِمْت عَلَى إبْرَاهِيمَ بِدْعَةٌ. وَاعْتُرِضَ بِوُرُودِهَا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ صَحَّحَ الْحَاكِمُ بَعْضَهَا " وَتَرَحَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ " وَرَدَّهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَا وَقَعَ لِلْحَاكِمِ وَهْمٌ، وَبِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لَكِنَّهَا شَدِيدَةُ الضَّعْفِ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَنِّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا؛ وَلَعَلَّ الْمَنْعَ أَرْجَحُ لِضَعْفِ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ: أَيْ لِشِدَّةِ ضَعْفِهَا.

وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ سَبَبَ الْإِنْكَارِ كَوْنُ الدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ لَمْ يَثْبُتْ هُنَا مِنْ طَرِيقٍ يُعْتَدُّ بِهِ، وَالْبَابُ بَابُ اتِّبَاعٍ، لَا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُدْعَى لَهُ صلى الله عليه وسلم بِلَفْظِ الرَّحْمَةِ، فَإِنْ أَرَادَ النَّافِي امْتِنَاعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا فَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ صَرِيحَةٌ فِي رَدِّهِ فَقَدْ صَحَّ فِي سَائِرِ رِوَايَاتِ التَّشَهُّدِ " السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " وَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَرَّ مَنْ قَالَ " ارْحَمْنِي وَارْحَمْ مُحَمَّدًا " وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ سِوَى قَوْلِهِ " وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا " وَحُصُولُهَا لَا يَمْنَعُ طَلَبَهَا لَهُ كَالصَّلَاةِ وَالْوَسِيلَةِ وَالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ لِمَا فِيهِ مِنْ عَوْدِ الْفَائِدَةِ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِزِيَادَةِ تَرَقِّيه الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا وَالدَّاعِي بِزِيَادَةِ ثَوَابِهِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرَحُّمَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ جَائِزًا فِي نَفْسِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ ابْتِدَاءً) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَبَعِيَّتِهِ لِصَلَاةٍ أَوْ سَلَامٍ. وَذُكِرَ فِي الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الِابْتِدَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَتَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ تَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ، فَإِنَّهُ قَالَ اخْتَلَفُوا فِي التَّرَحُّمِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ كَالصَّلَاةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَزِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ لِوُرُودِهِ فِي الْأَثَرِ وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَنَا أَقُولُ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا لِلتَّوَارُثِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِتَفْسِيرِهِمْ الصَّلَاةَ بِالرَّحْمَةِ؛ وَاللَّفْظَانِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّلَالَةِ صَحَّ قِيَامُ أَحَدِهِمَا مَقَامَ الْآخَرِ، وَلِذَا أَقَرَّ عليه الصلاة والسلام الْأَعْرَابِيُّ عَلَى قَوْلِهِ " اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا ". اهـ. فَافْهَمْ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ عَلَى مِنْهَاجِ النَّوَوِيِّ. وَنَصُّهُ: وَالْأَفْضَلُ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ السِّيَادَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ ظَهِيرِيَّةٍ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ، وَبِهِ أَفْتَى الشَّارِحُ لِأَنَّ فِيهِ الْإِتْيَانَ بِمَا أُمِرْنَا بِهِ، وَزِيَادَةُ الْإِخْبَارِ بِالْوَاقِعِ الَّذِي هُوَ أَدَبٌ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ الْإِسْنَوِيُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ: لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحُفَّاظِ، وَقَوْلُ الطُّوسِيِّ إنَّهَا مُبْطِلَةٌ غَلَطٌ. اهـ.

ص: 513

وَمَا نُقِلَ: لَا تُسَوِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ فَكَذِبٌ، وَقَوْلُهُمْ لَا تُسَيِّدُونِي بِالْيَاءِ لَحْنٌ أَيْضًا وَالصَّوَابُ بِالْوَاوِ؛ وَخُصَّ إبْرَاهِيمُ لِسَلَامِهِ عَلَيْنَا، أَوْ لِأَنَّهُ سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ صَلَاةٌ يَتَّخِذُهُ بِهَا خَلِيلًا، وَعَلَى الْأَخِيرِ فَالتَّشْبِيهُ ظَاهِرٌ أَوْ رَاجِعٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ، أَوْ الْمُشَبَّهُ بِهِ قَدْ يَكُونُ أَدْنَى مِثْلُ - {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35]

ــ

[رد المحتار]

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَذْهَبِنَا لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ زَادَ فِي تَشَهُّدِهِ أَوْ نَقَصَ فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ زَائِدَةٌ عَلَى التَّشَهُّدِ لَيْسَتْ مِنْهُ، نَعَمْ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا عَدَمُ ذِكْرِهَا فِي " وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " وَأَنَّهُ يَأْتِي بِهَا مَعَ إبْرَاهِيمَ عليه السلام (قَوْلُهُ لَحْنٌ أَيْضًا) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ كَذِبًا (قَوْلُهُ وَالصَّوَابُ بِالْوَاوِ) لِأَنَّهُ وَاوِيُّ الْعَيْنِ مِنْ سَادَ يَسُودُ، قَالَ الشَّاعِرُ:

وَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ

أَبَى اللَّهُ أَنْ أَسْمُوَ بِأُمٍّ وَلَا أَبِ

مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ (قَوْلُهُ وَخُصَّ إبْرَاهِيمُ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ لِمَ خُصَّ التَّشْبِيهُ بِإِبْرَاهِيمَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الرُّسُلِ الْكِرَامِ عليه الصلاة والسلام؟ فَأَجَابَ بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ:

الْأَوَّلُ أَنَّهُ سَلَّمَ عَلَيْنَا لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ حَيْثُ قَالَ «أَبْلِغْ أُمَّتَك مِنِّي السَّلَامَ» وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمَّانَا الْمُسْلِمِينَ كَمَا أَخْبَرَنَا عَنْهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78]- أَيْ بِقَوْلِهِ - {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة: 128]- وَالْعَرَبُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَذُرِّيَّةِ إسْمَاعِيلَ عليهما السلام، فَقَصَدْنَا إظْهَارَ فَضْلِهِ مُجَازَاةً عَلَى هَذَيْنِ الْفِعْلَيْنِ مِنْهُ.

وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ صَلَاةٌ يَتَّخِذُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إبْرَاهِيمَ عليه السلام خَلِيلًا، وَقَدْ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَ عِبَادِهِ، فَاِتَّخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَلِيلًا أَيْضًا؛ فَفِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ» وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ: مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ لِأُبُوَّتِهِ، وَالتَّشْبِيهُ فِي الْفَضَائِلِ بِالْآبَاءِ مَرْغُوبٌ فِيهِ وَلِرِفْعَةِ شَأْنِهِ فِي الرُّسُلِ، وَكَوْنِهِ أَفْضَلَ بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ وَلِمُوَافَقَتِنَا إيَّاهُ فِي مَعَالِمِ الْمِلَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] وَلِدَوَامِ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] وَلِلْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123](قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَخِيرِ إلَخْ) أَيْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَهَذَا أَيْضًا جَوَابٌ عَنْ السُّؤَالِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يُورِدُهُ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. وَهُوَ: أَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِي الْغَالِبِ يَكُونُ أَعْلَى مِنْ الْمُشَبَّهِ فِي وَجْهِ الشَّبَهِ مَعَ أَنَّ الْقَدْرَ الْحَاصِلَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْبَرَكَةِ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَلِآلِهِ أَعْلَى مِنْ الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَآلِهِ بِدَلَالَةِ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» .

وَلَمْ يَرِدْ فِي حَقِّ إبْرَاهِيمَ أَوْ غَيْرِهِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةٌ خَاصَّةٌ يَكُونُ بِهَا نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم خَلِيلًا كَمَا اُتُّخِذَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلًا، أَوْ التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِنَا «وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ» أَوْ أَنَّ هَذَا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ فَإِنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ قَدْ يَكُونُ مُسَاوِيًا لِلْمُشَبَّهِ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ لَكِنَّهُ يَكُونُ أَوْضَحَ لِكَوْنِهِ حِسِّيًّا مُشَاهَدًا، أَوْ لِكَوْنِهِ مَشْهُورًا فِي وَجْهِ الشَّبَهِ، فَالْأَوَّلُ نَحْوُ {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35] وَأَيْنَ يَقَعُ نُورُ الْمِشْكَاةِ مِنْ نُورِهِ تَعَالَى؟ وَالثَّانِي كَمَا هُنَا، فَإِنَّ تَعْظِيمَ إبْرَاهِيمَ وَآلِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَاضِحٌ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَحَسُنَ التَّشْبِيهُ لِذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ خَتْمُ هَذَا الطَّلَبِ بِقَوْلِهِ:«فِي الْعَالَمِينَ» ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ: مِنْ أَحْسَنِهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ لَا فِي الْقَدْرِ كَمَا فِي

ص: 514

(وَهِيَ فَرْضٌ) عَمَلًا بِالْأَمْرِ فِي شَعْبَانَ ثَانِي الْهِجْرَةِ (مَرَّةً وَاحِدَةً) اتِّفَاقًا (فِي الْعُمْرِ) فَلَوْ بَلَغَ فِي صَلَاتِهِ نَابَتْ عَنْ الْفَرْضِ نَهْرٌ بَحْثًا.

وَفِي الْمُجْتَبَى: لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ

ــ

[رد المحتار]

قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ} [النساء: 163] وَ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] وَفَائِدَةُ التَّشْبِيهِ تَأْكِيدُ الطَّلَبِ: أَيْ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَقِيلَ الْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ

(قَوْلُهُ عَمَلًا) مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لَا تَمْيِيزٌ: أَيْ قُلْنَا بِفَرْضِيَّتِهَا لِأَجْلِ الْعَمَلِ بِالْأَمْرِ الْقَطْعِيِّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ، فَهِيَ فَرْضٌ عِلْمًا وَعَمَلًا لَا عَمَلًا فَقَطْ كَالْوِتْرِ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ، وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ (قَوْلُهُ ثَانِي الْهِجْرَةِ) وَقِيلَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ط (قَوْلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً اتِّفَاقًا) وَالْخِلَافُ فِيمَا زَادَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ كَمَا يَأْتِي أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ بَلَغَ فِي صَلَاتِهِ إلَخْ) أَيْ بَلَغَ بِالسِّنِّ وَإِلَّا بَطَلَتْ، عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ النَّهْرِ هَكَذَا: لَوْ صَلَّى فِي أَوَّلِ بُلُوغِهِ صَلَاةً أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ فِي تَشَهُّدِهِ عَنْ الْفَرْضِ وَوَقَعَتْ فَرْضًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الِابْتِدَاءِ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ. اهـ. أَيْ حَيْثُ يَنُوبُ الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَوْ الْوُضُوءِ.

أَقُولُ: وَرَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي الْمَنْبَعِ شَرْحِ الْمَجْمَعِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ فَرْضُ الْعُمْرِ إمَّا فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي خَارِجِهَا. . اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ وَالذَّخِيرَةِ.

قَالَ ح: بَقِيَ مَا إذَا صَلَّى فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَوْ فِي أَثْنَاءِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْقَعْدَةِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ وَإِنْ أَثِمَ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ. اهـ. لَكِنْ ذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ عَنْ الْعَلَّامَةِ النِّحْرِيرِيِّ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَخْرُجُ عَنْ الْفَرْضِ إلَّا بِنِيَّتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَلَّى بِنِيَّةِ أَدَائِهَا عَنْهُ لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ، كَمَا قَالُوا مِنْ شُرُوطِ النِّيَّةِ فِي الْفَرْضِ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لَهُ، حَتَّى لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ مَا لَمْ يَنْوِهِ. اهـ.

أَقُولُ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا فَرْضُ الْعُمْرِ: أَيْ يُفْتَرَضُ فِعْلُهَا فِي الْعُمْرِ مَرَّةً كَحَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَالشَّرْطُ الْقَصْدُ إلَى فِعْلِهِ، فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضِيَّةَ لِتَعَيُّنِهِ بِنَفْسِهِ كَالْحَجِّ الْفَرْضِ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْفَرْضِيَّةَ، وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَصِحُّ بِلَا نِيَّةٍ: أَيْ لِأَنَّهُ فَرِيضَةُ الْعُمْرِ فَالْقِيَاسُ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، فَتَدَبَّرْ. مَطْلَبٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ صلى الله عليه وسلم (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى نَفْسِهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِخِطَابِ صَلُّوا. وَلَا دَاخِلٌ تَحْتَ ضَمِيرِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تَرْكِيبِ {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَقَالَ فِي النَّهْرِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104]- لَا يَتَنَاوَلُ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ - {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21]{يَا عِبَادِيَ} [العنكبوت: 56] كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ اهـ. وَالْحِكْمَةُ فِيهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهَا دُعَاءٌ، وَكُلُّ شَخْصٍ مَجْبُولٌ عَلَى الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ وَطَلَبِ الْخَيْرِ لَهَا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كُلْفَةٌ، وَالْإِيجَابُ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ وَمُنَافَرَةٌ لِطَبْعِهَا لِيَتَحَقَّقَ الِابْتِلَاءُ كَمَا قُرِّرَ فِي الْأُصُولِ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]- وَنَحْوُهُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِيجَابَ وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته فَوْقَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ» ح مُلَخَّصًا.

ص: 515

(وَاخْتَلَفَ) الطَّحَاوِيُّ وَالْكَرْخِيُّ (فِي وُجُوبِهَا) عَلَى السَّامِعِ وَالذَّاكِرِ (كُلَّمَا ذُكِرَ) صلى الله عليه وسلم (وَالْمُخْتَارُ) عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ (تَكْرَارُهُ) أَيْ الْوُجُوبُ (كُلَّمَا ذُكِرَ) وَلَوْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فِي الْأَصَحِّ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كُلَّمَا ذُكِرَ عليه الصلاة والسلام

(قَوْلُهُ فِي وُجُوبِهَا) أَيْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَذْكُرْ السَّلَامَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56] أَيْ لِقَضَائِهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ: أَيْ فَالْمُرَادُ بِالسَّلَامِ الِانْقِيَادُ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْأَكْثَرِينَ (قَوْلُهُ وَالذَّاكِرِ) أَيْ ذَاكِرِ اسْمِهِ الشَّرِيفِ صلى الله عليه وسلم ابْتِدَاءً لَا فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ، وَفِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْمَذْهَبِ الِاسْتِحْبَابُ، وَتَبِعَ الطَّحَاوِيَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَلِيمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، وَحَكَى عَنْ اللَّخْمِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَابْنِ بَطَّةَ مِنْ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ: إنَّهُ الْأَحْوَطُ، كَذَا فِي شَرْحِ الْفَاسِيِّ عَلَى الدَّلَائِلِ، وَيَأْتِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ.

(قَوْلُهُ تَكْرَارُهُ أَيْ الْوُجُوبُ) قَيَّدَ الْقَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ أَبِي اللَّيْثِ وُجُوبَ التَّكْرَارِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ بِكَوْنِهِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ لَا الْعَيْنِ، وَقَالَ: فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ عَنْ الْبَاقِينَ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَعْظِيمُهُ وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِهِ صلى الله عليه وسلم. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْمُجْتَبَى، لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْكَافِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ مَرَّةً فِي كُلِّ مَجْلِسٍ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ التِّلَاوَةِ: وَهُوَ كَمَنْ سَمِعَ اسْمَهُ عليه الصلاة والسلام مِرَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّلَاةُ إلَّا مَرَّةً فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ تَكْرَارَ اسْمِهِ صلى الله عليه وسلم لِحِفْظِ سُنَّتِهِ الَّتِي بِهَا قِوَامُ الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ بِكُلِّ مَرَّةٍ لَأَفْضَى إلَى الْحَرَجِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُنْدَبُ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ السُّجُودِ وَالتَّشْمِيتِ كَالصَّلَاةِ، وَقِيلَ يَجِبُ التَّشْمِيتُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى الثَّلَاثِ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْوُجُوبَ يَتَدَاخَلُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَكْتَفِي بِمَرَّةٍ لِلْحَرَجِ كَمَا فِي السُّجُودِ إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، بِخِلَافِ السُّجُودِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ عَنْ شَرْحِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْجَامِعِ الْكَبِيرِ جَازِمًا بِهِ، لَكِنْ بِدُونِ لَفْظِ التَّصْحِيحِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ تَصْحِيحَ الزَّاهِدِيِّ لَا يُعَارِضُ تَصْحِيحَ النَّسَفِيِّ صَاحِبِ الْكَافِي، عَلَى أَنَّ الزَّاهِدِيَّ خَالَفَ نَفْسَهُ حَيْثُ قَالَ فِي كَرَاهِيَةِ الْقُنْيَةِ: وَقِيلَ يَكْفِي فِي الْمَجْلِسِ مَرَّةً كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَبِهِ يُفْتَى. اهـ. وَأَوْرَدَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْكَافِي مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ. اهـ. وَهَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْكَرْخِيُّ قَائِلًا بِوُجُوبِ التَّكْرَارِ كُلَّمَا ذُكِرَ إلَّا فِي الْمَجْلِسِ الْمُتَّحِدِ فَيَجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَنَّهُ لَا يَبْقَى الْخِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّحَاوِيِّ إلَّا فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ، وَالْمَنْقُولُ خِلَافُهُ. وَأَوْرَدَ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّ التَّدَاخُلَ يُوجَدُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَقُّهُ. اهـ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّ الْوُجُوبَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْوِي امْتِثَالَ الْأَمْرِ. مَطْلَبٌ هَلْ نَفْعُ الصَّلَاةِ عَائِدٌ لِلْمُصَلِّي أَمْ لَهُ وَلِلْمُصَلِّي عَلَيْهِ

عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ نَفْعَ الصَّلَاةِ غَيْرُ عَائِدٍ لَهُ صلى الله عليه وسلم بَلْ لِلْمُصَلِّي فَقَطْ، وَكَذَا قَالَ السَّنُوسِيُّ فِي شَرْحِ وُسْطَاهُ: إنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا كَسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا نَفْعُ الْمَدْعُوِّ لَهُ. اهـ. وَذَهَبَ الْقُشَيْرِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ إلَى أَنَّ النَّفْعَ لَهُمَا، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَهِيَ عِبَادَةٌ يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ حَقَّ عَبْدٍ؛ وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهَا حَقُّ عَبْدٍ فَيَسْقُطُ الْوُجُوبُ لِلْحَرَجِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْحَرَجَ سَاقِطٌ بِالنَّصِّ، وَلَا حَرَجَ فِي إبْقَاءِ النَّدْبِ. وَقَدْ جَزَمَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي

ص: 516

لَا لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، بَلْ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ وُجُوبُهَا بِسَبَبٍ مُتَكَرِّرٍ وَهُوَ الذِّكْرُ، فَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَتَصِيرُ دَيْنًا بِالتَّرْكِ، فَتُقْضَى لِأَنَّهَا حَقُّ عَبْدٍ كَالتَّشْمِيتِ بِخِلَافِ ذِكْرِهِ تَعَالَى (وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُهُ) أَيْ التَّكْرَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ، كَذَا ذَكَرَهُ الْبَاقَانِيُّ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَحَادِيثِ الْوَعِيدِ: كَرَغْمٍ وَإِبْعَادٍ وَشَقَاءٍ

ــ

[رد المحتار]

زَادِ الْفَقِيرِ فَقَالَ: مُقْتَضَى الدَّلِيلِ افْتِرَاضُهَا فِي الْعُمْرِ مَرَّةً، وَإِيجَابُهَا كُلَّمَا ذُكِرَ، إلَّا أَنْ يَتَّحِدَ الْمَجْلِسُ فَيُسْتَحَبُّ التَّكْرَارُ بِالتَّكْرَارِ، فَعَلَيْك بِهِ اتَّفَقَتْ الْأَقْوَالُ أَوْ اخْتَلَفَتْ. اهـ. فَقَدْ اتَّضَحَ لَك أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الْكَافِي. وَسَمِعْت قَوْلَ الْقُنْيَةِ إنَّهُ بِهِ يُفْتَى، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْفَتْوَى آكَدُ أَلْفَاظِ التَّصْحِيحِ.

[فَرْعٌ] السَّلَامُ يُجْزِئُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْغَرَائِبِ (قَوْلُهُ لَا لِأَنَّ الْأَمْرَ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ تَكْرَارُهُ إلَخْ. وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ. تَقْرِيرُهُ أَنَّهُ قَوْله تَعَالَى - {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56]- أَمْرٌ. وَالْأَصْلُ أَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَنَا لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَلَا يَحْتَمِلُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّكْرَارَ لَمْ يَجِبْ بِالْآيَةِ وَإِلَّا كَانَ فَرْضًا وَخَالَفَ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِأَحَادِيثِ الْوَعِيدِ الْآتِيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى سَبَبِيَّةِ الذِّكْرِ لِلْوُجُوبِ وَالْوُجُوبُ يَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِ سَبَبِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا حَقُّ عَبْدٍ) عَلِمْت آنِفًا مَا فِيهِ (قَوْلُهُ كَالتَّشْمِيتِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقْضِي كَالصَّلَاةِ وَحَرِّرْهُ نَقْلًا، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ يَجِبُ فِي الْمَجْلِسِ مَرَّةً، وَقِيلَ إلَى ثَلَاثٍ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ. وَفِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَا يُشَمِّتُهُ وَإِنَّمَا يَجِبُ التَّشْمِيتُ إذَا حَمِدَ الْعَاطِسُ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ بِخِلَافِ ذِكْرِهِ تَعَالَى) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى إذَا فَاتَ لِأَنَّهُ حَقُّ الرَّبِّ تَعَالَى كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّارِحِ فِي مُقَابِلِهِ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ حَقَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِدَلِيلِ الصَّوْمِ وَنَحْوِهِ ح. قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَفِي النَّظْمِ إذَا تَكَرَّرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ يَجِبُ لِكُلِّ مَجْلِسٍ ثَنَاءٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَا يَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنْ لَوْ تَرَكَهَا تَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ تَجَدُّدِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُوجِبَةِ لِلثَّنَاءِ فَلَا يَكُونُ وَقْتٌ لِلْقَضَاءِ كَقَضَاءِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اهـ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبًا كُلَّ وَقْتٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ مَا يَفْعَلُهُ ثَانِيًا قَضَاءً عَمَّا تَرَكَهُ أَوَّلًا لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي مَحَلِّهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُضَايِقَهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ، بِأَنَّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ وَإِنْ كَانَ وَقْتًا لِلْأَدَاءِ لَكِنْ لَيْسَ مُطَالَبًا بِالْأَدَاءِ لِأَنَّهُ رُخِّصَ لَهُ فِي التَّرْكِ. اهـ. أَيْ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِالْأَدَاءِ يُجْعَلُ مَا يَأْتِي بِهِ قَضَاءً لِأَجْلِ تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إذَا كَانَ التَّرْكُ رُخْصَةً يَكُونُ عَدَمُهُ عَزِيمَةً، وَإِذَا أَتَى بِالْعَزِيمَةِ يَكُونُ آتِيًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ أَدَاءً لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ يُرَخَّصُ لَهُ الْإِفْطَارُ، فَإِذَا صَامَ يَكُونُ آتِيًا بِالْعَزِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ وَمِثْلُهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَرْكِهَا، وَإِذَا قَرَأَهَا لَا تَقَعُ قَضَاءً عَمَّا فَاتَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) عَزَاهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ. وَفِي الْخَزَائِنِ وَرَجَّحَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَجَعَلَهُ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ قَوْلَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَصَحَّحَهُ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا، وَجَعَلَهُ فِي الْحَاوِي قَوْلَ الْأَكْثَرِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهُوَ مَذْهَبِي.

وَقَالَ الْبَاقَانِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ) أَيْ تَبَعًا لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ عَنْ التُّحْفَةِ وَالْمُحِيطِ الرَّضَوِيُّ ح (قَوْلُهُ كَرَغْمٍ وَإِبْعَادٍ وَشَقَاءٍ) أَخْرَجَ كَثِيرُونَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ صَحِيحُ

ص: 517

وَبُخْلٍ وَجَفَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: فَتَكُونُ فَرْضًا فِي الْعُمْرِ، وَوَاجِبًا كُلَّمَا ذُكِرَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَحَرَامًا عِنْدَ فَتْحِ التَّاجِرِ مَتَاعَهُ وَنَحْوِهِ، وَسُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَمُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ، وَمَكْرُوهَةٌ فِي صَلَاةِ غَيْرِ تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ

ــ

[رد المحتار]

الْإِسْنَادِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اُحْضُرُوا الْمِنْبَرَ فَحَضَرْنَا، فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ آمِينَ، ثُمَّ ارْتَقَى الثَّانِيَةَ وَقَالَ آمِينَ، ثُمَّ ارْتَقَى الثَّالِثَةَ وَقَالَ آمِينَ، فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْنَا مِنْك شَيْئًا مَا كُنَّا نَسْمَعُهُ، فَقَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ عَلَيَّ فَقَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَقُلْت آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيت أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ الثَّانِيَةِ قَالَ بَعُدَ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك، فَقُلْت آمِينَ، فَلَمَّا رَقِيت الثَّالِثَةَ، قَالَ: بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ، قُلْت آمِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ» وَفِي أُخْرَى صَحَّحَهَا الْحَاكِمُ «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ» وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا حَسَنٌ «شَقِيٌّ عَبْدٌ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْك» مِنْ الدُّرِّ الْمَنْضُودِ لِابْنِ حَجَرٍ (قَوْلُهُ وَبُخْلٍ وَجَفَاءٍ) أَيْ فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ أُذْكَرَ عِنْدَ الرَّجُلِ فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ» رَوَاهُ السُّيُوطِيّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.

(قَوْلُهُ وَحَرَامًا إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ، لِمَا فِي كَرَاهِيَةِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ إذَا فَتَحَ التَّاجِرُ الثَّوْبَ فَسَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ بِهِ إعْلَامَ الْمُشْتَرِي جَوْدَةَ ثَوْبِهِ فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَكَذَا الْحَارِسُ لَأَنْ يَأْخُذَ لِذَلِكَ ثَمَنًا، وَكَذَا الْفُقَّاعَيْ إذَا قَالَ ذَلِكَ عِنْدَ فَتْحِ فُقَّاعَةٍ عَلَى قَصْدِ تَرْوِيجِهِ وَتَحْسِينِهِ يَأْثَمُ، وَعَنْ هَذَا يُمْنَعُ إذَا قَدِمَ وَاحِدٌ مِنْ الْعُظَمَاءِ إلَى مَجْلِسٍ فَسَبَّحَ أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إعْلَامًا بِقُدُومِهِ حَتَّى يُفَرِّجَ لَهُ النَّاسُ أَوْ يَقُومُوا لَهُ يَأْثَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَسُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فِي قُعُودٍ أَخِيرٍ مُطْلَقًا، وَكَذَا فِي قُعُودٍ أَوَّلٍ فِي النَّوَافِلِ غَيْرِ الرَّوَاتِبِ تَأَمَّلْ وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ. مَطْلَبٌ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَوَاضِعَ

(قَوْلُهُ وَمُسْتَحَبَّةٌ فِي كُلِّ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ) أَيْ حَيْثُ لَا مَانِعَ. وَنَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا فِي مَوَاضِعَ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا، وَزِيدَ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَالْخَمِيسِ، لِمَا وَرَدَ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَعِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، وَعِنْدَ زِيَارَةِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا، وَعَقِبَ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، وَعِنْدَ الْإِقَامَةِ، وَأَوَّلُ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ، وَعَقِبَ دُعَاءِ الْقُنُوتِ، وَعِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّلْبِيَةِ، وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ، وَعِنْدَ طَنِينِ الْأُذُنِ، وَعِنْدَ نِسْيَانِ الشَّيْءِ، وَعِنْدَ الْوَعْظِ وَنَشْرِ الْعُلُومِ، وَعِنْدَ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، وَعِنْدَ كِتَابَةِ السُّؤَالِ وَالْفُتْيَا، وَلِكُلِّ مُصَنِّفٍ وَدَارِسٍ وَمُدَرِّسٍ وَخَطِيبٍ وَخَاطِبٍ وَمُتَزَوِّجٍ وَمُزَوِّجٍ. وَفِي الرَّسَائِلِ: وَبَيْنَ يَدَيْ سَائِرِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَعِنْدَ ذِكْرٍ أَوْ سَمَاعِ اسْمِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ كِتَابَتِهِ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهَا، كَذَا فِي شَرْحِ الْفَاسِيِّ عَلَى دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ مُلَخَّصًا، وَغَالِبُهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كُتُبِنَا (قَوْلُهُ وَمَكْرُوهَةٌ فِي صَلَاةِ غَيْرِ تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ) أَيْ وَغَيْرِ قُنُوتِ وِتْرٍ فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي آخِرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَالْأَوْلَى اسْتِثْنَاؤُهُ أَيْضًا ح وَكَذَا فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَتُسَنُّ فِيهَا.

مَطْلَبٌ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم[تَنْبِيهٌ]

تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَبْعَةِ مَوَاضِعَ: الْجِمَاعِ، وَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَشُهْرَةِ الْمَبِيعِ وَالْعَثْرَةِ، وَالتَّعَجُّبِ، وَالذَّبْحِ، وَالْعُطَاسِ عَلَى خِلَافٍ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ شَرْحُ الدَّلَائِلِ، وَنَصَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ عِنْدَنَا

ص: 518

فَلِذَا اسْتَثْنَى فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ مَا فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ وَضَمِنَ صَلَاةً عَلَيْهِ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ، بَلْ خَصَّهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ بِغَيْرِ الذَّاكِرِ لِحَدِيثِ «مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ فَلْيَحْفَظْ»

وَإِزْعَاجُ الْأَعْضَاءِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ جَهْلٌ وَإِنَّمَا هِيَ دُعَاءٌ لَهُ، وَالدُّعَاءُ يَكُونُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ.

كَذَا اعْتَمَدَهُ الْبَاجِيَّ فِي كَنْزِ الْعُفَاةِ، وَحَرَّرَ أَنَّهَا قَدْ تُرَدُّ كَكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مَعَ أَنَّهَا

ــ

[رد المحتار]

فِي الشِّرْعَةِ فَقَالَ: وَلَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ الْعُطَاسِ، وَلَا عِنْدَ ذَبْحِ الذَّبِيحَةِ، وَلَا عِنْدَ التَّعَجُّبِ (قَوْلُهُ فَلِذَا اسْتَثْنَى فِي النَّهْرِ إلَخْ) أَقُولُ: يُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا لَوْ ذَكَرَهُ أَوْ سَمِعَهُ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لِوُجُوبِ الْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ فِيهِمَا. وَفِي كَرَاهِيَةِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ لَا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقُرْآنِ فَهُوَ حَسَنٌ، كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَرَّ عَلَى اسْمِ نَبِيٍّ فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى تَأْلِيفِهِ وَنَظْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَإِنْ فَرَغَ فَفَعَلَ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ. اهـ. (قَوْلُهُ مَا فِي تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ) أَيْ فِي غَيْرِ النَّوَافِلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِ اسْمُهُ صلى الله عليه وسلم فَالصَّلَاةُ فِيهِ تُكْرَهُ تَحْرِيمًا فَضْلًا عَنْ الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ) عِلَّةً لِلثَّانِي: أَيْ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَا تَخْلُو مِنْ ذِكْرِهِ، فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا اسْتَدْعَتْ صَلَاةً أُخْرَى وَهَلُمَّ جَرَّا وَفِيهِ حَرَجٌ: أَمَّا عِلَّةُ الْأَوَّلِ فَهِيَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ وَلِهَذَا اسْتَثْنَى: أَيْ وَلِكَرَاهَتِهَا فِي تَشَهُّدٍ غَيْرِ أَخِيرٍ اسْتَثْنَى إلَخْ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَضِمْنِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى تَشَهُّدٍ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ عِلَّتِهِ بِدَلِيلِ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا لِلثَّانِي فَقَطْ، وَإِلَّا لَقَالَ وَلِئَلَّا يَتَسَلْسَلَ بِالْعَطْفِ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَبِدَلِيلِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأُولَى لَا تَصْلُحُ لِلْحُكْمِ الثَّانِي (قَوْلُهُ بَلْ خَصَّهُ فِي دُرَرِ الْبِحَارِ إلَخْ) أَيْ خُصَّ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ بِالْوُجُوبِ بِمَا عَدَا الذَّاكِرَ، دَفْعًا لِمَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الطَّحَاوِيِّ مِنْ اسْتِلْزَامِ التَّسَلْسُلِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ لَا تَخْلُو عَنْ ذِكْرِهِ.

وَحَاصِلُ الْجَوَابِ تَخْصِيصُ الْوُجُوبِ عَلَى السَّامِعِ فَقَطْ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْوَعِيدِ الْمَارَّةِ تُفِيدُ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَفْظَ «الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْت عِنْدَهُ» لَا يَشْمَلُ الذَّاكِرَ لِأَنَّ مَنْ الْمَوْصُولَةَ بِمَعْنَى الشَّخْصِ الَّذِي وَقَعَ الذِّكْرُ فِي حَضْرَتِهِ فَيَسْتَدْعِي أَنْ يَكُونَ الذَّاكِرُ غَيْرَهُ، وَإِلَّا لَقِيلَ مَنْ ذَكَرَنِي. وَأَجَابَ ح بِأَنَّ الذَّاكِرَ دَاخِلٌ بِدَلَالَةِ الْمُسَاوَاةِ، وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم تَعْظِيمُهُ وَالذَّاكِرُ لَهُ لَا يَذْكُرُهُ إلَّا فِي مَقَامِ التَّعْظِيمِ، فَلَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ، بَلْ تَلْزَمُ السَّامِعَ لِئَلَّا يُخِلَّ بِالتَّعْظِيمِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَأَمَّلْ، لَكِنَّ هَذَا يَشْمَلُ الذَّاكِرَ ابْتِدَاءً أَوْ فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ صَرَّحَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ، فَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ أَوَّلًا مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى الذَّاكِرِ وَالسَّامِعِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ السَّاعَاتِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَجْمَعِهِ، وَلِمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ عَلَى زَادِ الْفَقِيرِ مِنْ تَخْصِيصِهِ الْوُجُوبَ عَلَى الذَّاكِرِ بِالذَّاكِرِ ابْتِدَاءً لَا فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم.

وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ، وَلَا حَاجَةَ فِي دَفْعِ التَّسَلْسُلِ إلَى تَعْمِيمِ الذَّاكِرِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْرَارِ الْوُجُوبِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، وَقَدَّمْنَا تَرْجِيحَ التَّدَاخُلِ وَالِاكْتِفَاءِ بِمَرَّةٍ، وَعَلَيْهِ فَإِيرَادُ التَّسَلْسُلِ مِنْ أَصْلِهِ مَدْفُوعٌ

(قَوْلُهُ وَإِزْعَاجُ الْأَعْضَاءِ) قَالَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: رَفْعُ الصَّوْتِ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْوَعْظِ مَكْرُوهٌ، وَمَا يَفْعَلُهُ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْوَجْدَ وَالْمَحَبَّةَ لَا أَصْلَ لَهُ، وَيُمْنَعُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ وَتَخْرِيقِ الثِّيَابِ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحَرِّرْ أَنَّهَا قَدْ تُرَدُّ) أَيْ لَا تُقْبَلُ.

وَالْقَبُولُ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ كَتَرْتِيبِ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الطَّاعَةِ شُرُوطَهَا وَأَرْكَانَهَا الْقَبُولُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، قَالَ لِأَنَّ الْقَبُولَ لَهُ شَرْطٌ صَعْبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] أَيْ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَتَفَضَّلُ الْمَوْلَى تَعَالَى بِالثَّوَابِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِمَحْضِ فَضْلِهِ لَا بِإِيجَابٍ عَلَيْهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْعَبْدَ إنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ، نَعَمْ حَيْثُ وَعَدَ سبحانه وتعالى بِالثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَنَحْوِ الْأَلَمِ حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا بِمَحْضِ فَضْلِهِ تَعَالَى لَا بُدَّ مِنْ

ص: 519

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

وُجُودِهِ لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ. قَالَ تَعَالَى {أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ} [آل عمران: 195] وَعَلَى هَذَا فَعَدَمُ الْقَبُولِ لِبَعْضِ الْأَعْمَالِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِ الْقَبُولِ: كَعَدَمِ الْخُشُوعِ فِي نَحْوِ الصَّلَاةِ، أَوْ عَدَمِ حِفْظِ الْجَوَارِحِ فِي الصَّوْمِ، أَوْ عَدَمِ طِيبِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ، أَوْ عَدَمِ الْإِخْلَاصِ مُطْلَقًا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ. وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ تُرَدُّ عَدَمُ إثَابَةِ الْعَبْدِ عَلَيْهَا لِعَارِضٍ كَاسْتِعْمَالِهَا عَلَى مُحَرَّمٍ كَمَا مَرَّ، أَوْ لِإِتْيَانِهِ بِهَا مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ أَوْ لِرِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ؛ كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ مِنْهَا لَوْ أَتَى بِهَا نِفَاقًا أَوْ رِيَاءً لَا تُقْبَلُ: وَأَمَّا إذَا خَلَتْ مِنْ هَذِهِ الْعَوَارِضِ وَنَحْوِهَا فَالظَّاهِرُ الْقَبُولُ حَتْمًا إنْجَازًا لِلْوَعْدِ الصَّادِقِ كَغَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرِينَ مَا يَقْتَضِي الْقَبُولَ مُطْلَقًا؛ فَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الدُّعَاءِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لِمَا بَعْدَهَا مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنَّ الْكَرِيمَ لَا يَسْتَجِيبُ بَعْضَ الدُّعَاءِ وَيَرُدُّ بَعْضَهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ مَلَكٍ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِ الدَّلَائِلِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ: الصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُجَابَةٌ عَلَى الْقَطْعِ، فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهَا السُّؤَالُ شُفِعَتْ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَقُبِلَ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَذْكُورٌ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ.

وَاسْتَشْكَلَ كَلَامَهُ هَذَا الشَّيْخُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مُسْتَنِدًا، وَقَالُوا: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطْعٌ فَلَا مِرْيَةَ فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ وَقُوَّةِ الرَّجَاءِ. اهـ.

وَذُكِرَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ دَلَائِلِ الْخَيْرَاتِ قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ حَاجَتَهُ فَلْيُكْثِرْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَتَهُ، وَلْيَخْتِمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّلَاتَيْنِ، وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا بَيْنَهُمَا. اهـ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ تُرَدُّ أَمْ لَا

قَالَ الْفَاسِيُّ فِي شَرْحِهِ: وَمِنْ تَمَامِ كَلَامِ أَبِي سُلَيْمَانَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ: وَكُلُّ الْأَعْمَالِ فِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا مَقْبُولَةٌ غَيْرُ مَرْدُودَةٍ: وَرَوَى الْبَاجِيَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا دَعَوْت اللَّهَ عز وجل فَاجْعَلْ فِي دُعَائِك الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ مَقْبُولَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَقْبَلَ بَعْضًا وَيَرُدَّ بَعْضًا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي طَالِبٍ الْمَكِّيِّ وَحُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيِّ: وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ: وَمَنْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إلَى شَرْحِ الدَّلَائِلِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبُولِهَا قَطْعًا أَنَّهَا لَا تُرَدُّ أَصْلًا مَعَ أَنَّ كَلِمَةَ الشَّهَادَةِ قَدْ تُرَدُّ فَلِذَا اسْتَشْكَلَهُ السَّنُوسِيُّ وَغَيْرُهُ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ السَّلَفِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ دُعَاءً وَالدُّعَاءُ مِنْهُ الْمَقْبُولُ وَمِنْهُ الْمَرْدُودُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يُجِيبُ السَّائِلَ بِعَيْنِ مَا دَعَاهُ وَقَدْ يُجِيبُهُ بِغَيْرِهِ لِمُقْتَضَى حِكْمَتِهِ خَرَجَتْ الصَّلَاةُ مِنْ عُمُومِ الدُّعَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ مَعَ الِافْتِتَاحِ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّوْكِيدِ وَابْتِدَائِهَا بِإِنَّ لِزِيَادَةِ التَّوْكِيدِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَزَالُ مُصَلِّيًا عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ امْتَنَّ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ حَيْثُ أَمَرَهُمْ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا لِيَحْصُلَ لَهُمْ بِذَلِكَ زِيَادَةُ فَضْلٍ وَشَرَفٍ وَإِلَّا فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَغْنٍ بِصَلَاةِ رَبِّهِ سبحانه وتعالى عَلَيْهِ، فَيَكُونُ دُعَاءُ الْمُؤْمِنِ بِطَلَبِ الصَّلَاةِ مِنْ رَبِّهِ

ص: 520

أَعْظَمُ مِنْهَا وَأَفْضَلُ؛ لِحَدِيثِ الْأَصْبَهَانِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فَتُقُبِّلَتْ مِنْهُ مَحَا اللَّهُ عَنْهُ ذُنُوبَ ثَمَانِينَ سَنَةً» فَقَيَّدَ الْمَأْمُولَ بِالْقَبُولِ (وَدَعَا) بِالْعَرَبِيَّةِ، وَحَرُمَ بِغَيْرِهَا نَهْرٌ لِنَفْسِهِ وَأَبَوَيْهِ وَأُسْتَاذِهِ الْمُؤْمِنِينَ.

ــ

[رد المحتار]

تَعَالَى مَقْبُولًا قَطْعًا أَيْ مَجَّانًا لِإِخْبَارِهِ سبحانه وتعالى بِأَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ، بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُثَابُ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُثَابُ، بَلْ مَعْنَاهُ وَأَنَّ الطَّلَبَ وَالدُّعَاءَ مَقْبُولٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ.

وَأَمَّا الثَّوَابُ فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْعَوَارِضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ، وَأَنَّ لَهُ سَنَدًا قَوِيًّا وَهُوَ إخْبَارُهُ تَعَالَى الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الْعَظِيمَ الَّذِي هُوَ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ فَقَيَّدَ الْمَأْمُولَ) أَيْ قَيَّدَ الثَّوَابَ الَّذِي يُؤَمِّلُهُ الْعَبْدُ وَيَرْجُوهُ، وَهُوَ هُنَا مَحْوُ الذُّنُوبِ بِالْقَبُولِ: أَيْ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ وَعَدَمِ الْمَوَانِعِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَ هَذَا الدُّعَاءِ مُجَابًا قَطْعًا. مَطْلَبٌ فِي الدُّعَاءِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَحَرُمَ بِغَيْرِهَا) أَقُولُ: نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الْإِمَامِ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ مُعَلِّلًا بِاحْتِمَالِهِ عَلَى مَا يُنَافِي التَّعْظِيمَ. ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ اللَّقَانِيَّ الْمَالِكِيَّ نَقَلَ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى مَنْظُومَتِهِ الْمُسَمَّاةِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ كَلَامَ الْقَرَافِيِّ، وَقَيَّدَ الْأَعْجَمِيَّةَ بِالْمَجْهُولَةِ الْمَدْلُولِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِ بِجَوَازِ اشْتِمَالِهَا عَلَى مَا يُنَافِي جَلَالَ الرُّبُوبِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَاحْتَرَزْنَا بِذَلِكَ عَمَّا إذَا عُلِمَ مَدْلُولُهَا، فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] . اهـ. لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عِنْدَنَا الْكَرَاهَةُ؛ فَقَدْ قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ: وَكُرِهَ الدُّعَاءُ بِالْعَجَمِيَّةِ، لِأَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ رَطَانَةِ الْأَعَاجِمِ. اهـ. وَالرَّطَانَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ: الْكَلَامُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ.

وَرَأَيْت فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي بَحْثِ التَّكْبِيرِ بِالْفَارِسِيَّةِ أَنَّ التَّكْبِيرَ عِبَادَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُحِبُّ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ، وَلِهَذَا كَانَ الدُّعَاءُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَقْرَبَ إلَى الْإِجَابَةِ، فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا مِنْ الْأَلْسُنِ فِي الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ لَهَا مَوْقِعَ كَلَامِ الْعَرَبِ. اهـ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الدُّعَاءَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ. هَذَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْفَصْلِ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمَا بِعَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ. وَأَمَّا صِحَّةُ الشُّرُوعِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَكَذَا جَمِيعُ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ فَهِيَ عَلَى الْخِلَافِ؛ فَعِنْدَهُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهَا مُطْلَقًا خِلَافًا لَهُمَا كَمَا حَقَّقَهُ الشَّارِحُ هُنَاكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصِّحَّةَ عِنْدَهُ لَا تَنْفِي الْكَرَاهَةَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِهَا فِي الشُّرُوعِ. وَأَمَّا بَقِيَّةُ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ فِيهَا بِالْكَرَاهَةِ سِوَى مَا تَقَدَّمَ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ بِالْفَارِسِيَّةِ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا فِي الصَّلَاةِ وَتَنْزِيهًا خَارِجَهَا، فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ لِنَفْسِهِ وَأَبَوَيْهِ وَأُسْتَاذِهِ الْمُؤْمِنِينَ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانُوا كُفَّارًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ كَمَا يَأْتِي، بِخِلَافِ مَا لَوْ دَعَا لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُنْيَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ التَّعْمِيمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وَلِلْحَدِيثِ «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَدْعُ فِيهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَهِيَ خِدَاجٌ» ، كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلِخَبَرِ الْمُسْتَغْفِرِيِّ «مَا مِنْ دُعَاءٍ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ قَوْلِ الْعَبْدِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مَغْفِرَةً عَامَّةً»

وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَقَالَ: وَيْحَك لَوْ عَمَّمْت لَاسْتُجِيبَ لَك» وَفِي أُخْرَى «أَنَّهُ ضَرَبَ مَنْكِبَ مَنْ قَالَ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، ثُمَّ قَالَ لَهُ: عَمِّمْ فِي دُعَائِك، فَإِنَّ بَيْنَ الدُّعَاءِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: مِنْ سُنَنِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ الدُّعَاءُ بِمَا شَاءَ مِنْ صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا لِنَفْسِهِ وَلِوَالِدَيْهِ

ص: 521

وَيَحْرُمُ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ مَدَى الدَّهْرِ، أَوْ خَيْرَ الدَّارَيْنِ وَدَفْعَ شَرِّهِمَا، أَوْ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةِ كَنُزُولِ الْمَائِدَةِ، قِيلَ وَالشَّرْعِيَّةِ. وَالْحَقُّ حُرْمَةُ

ــ

[رد المحتار]

وَأُسْتَاذِهِ وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. اهـ. قَالَ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَأُسْتَاذِي لَا يُفْسِدُ مَعَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، فَيُقْضَى عَدَمُ الْفَسَادِ فِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ

(قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ مَدَى الدَّهْرِ إلَى قَوْلِهِ وَالْحَقُّ) هُوَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ: الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةِ وَلَيْسَ نَبِيًّا وَلَا وَلِيًّا فِي الْحَالِ: كَسُؤَالِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاء لِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ، أَوْ الْعَافِيَةَ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَنْتَفِعَ بِقُوَاهُ وَحَوَاسِّهِ أَبَدًا. إذَا دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ، أَوْ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ ثِمَارًا مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّهُ مُحَالٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُرَادَ الْخُصُوصُ بِغَيْرِ مَنَازِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَرَاتِبِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَوَحْشَةِ الْقَبْرِ، فَكُلُّهُ حَرَامٌ.

الثَّالِثُ أَنْ يَطْلُبَ نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ، كَقَوْلِهِ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] إلَخْ مَعَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَهِيَ مَرْفُوعَةٌ، فَيَكُونُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ سُوءُ أَدَبٍ، مِثْلُ: أَوْجِبْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْخَطَإِ الْعَمْدَ وَبِمَا لَا يُطَاقُ لِلرَّزَايَا وَالْمِحَنِ فَيَجُوزُ. اهـ. مُلَخَّصًا. قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَرَدَّ هَذَا بَعْضُهُمْ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِمَا عَلِمْت السَّلَامَةَ مِنْهُ. اهـ. وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: قِيلَ وَالشَّرْعِيَّةُ أَيْ لِأَنَّ أَحْسَنَ الدُّعَاءِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْهُ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286] الْآيَةَ فَكَيْفَ يُنْهَى عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مَنْهِيًّا لَمَا سَاغَ الدُّعَاءُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا الدُّعَاءِ لَهُ بِالْوَسِيلَةِ، وَلَا بِقَوْلِ الْمُؤْمِنِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6] وَلَا بِلَعْنِ الشَّيَاطِينِ وَالْكَافِرِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ إظْهَارُ الْعَجْزِ وَالْعُبُودِيَّةِ، أَوْ الرَّغْبَةِ بِحُبِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ حُبِّ الدِّينِ، أَوْ النُّفْرَةِ عَنْ فِعْلِ الْكَافِرِينَ وَنَحْوِهِمْ؛ بِخِلَافِ قَوْلِ الرَّجُلِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي رَجُلًا وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، أَوْ مَا فِيهِ تَحَكُّمٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَطَلَبِ مَا لَيْسَ أَهْلًا لِنَيْلِهِ، أَوْ مَا كَانَ مُسْتَحِيلًا فَإِنَّهُ مِنْ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] .

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إذَا دَخَلْتهَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» . مَطْلَبٌ فِي الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ الْقَرَافِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ كُفْرٌ لِطَلَبِهِ تَكْذِيبَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ وَإِنَّ الدُّعَاءَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ حَرَامٌ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ بِذُنُوبِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَلَيْسَ بِكُفْرٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَكْذِيبِ خَبَرِ الْآحَادِ وَالْقَطْعِيِّ، وَوَافَقَهُ عَلَى الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَخَالَفَهُ فِي الثَّانِي وَحُقِّقَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ شَهِيرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي الْوَعِيدِ؟ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ أَنَّ الْأَشَاعِرَةَ قَائِلُونَ بِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَقْصًا بَلْ جُودًا وَكَرَمًا. وَصَرَّحَ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَصَرَّحَ النَّسَفِيُّ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: 28] {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29]

ص: 522

الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ لَا لِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ بَحْرٌ (بِالْأَدْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. لَا بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ) اضْطَرَبَ فِيهِ كَلَامُهُمْ وَلَا سِيَّمَا الْمُصَنِّفُ؛ وَالْمُخْتَارُ كَمَا قَالَهُ الْحَلَبِيُّ أَنَّ مَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْحَدِيثِ لَا يُفْسِدُ،

ــ

[رد المحتار]

وقَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47] أَيْ وَعِيدَهُ، وَإِنَّمَا يُمْدَحُ بِهِ الْعِبَادُ خَاصَّةً، فَهَذَا الدُّعَاءُ يَجُوزُ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي مَطْلَبٌ فِي خُلْفِ الْوَعِيدِ وَحُكْمِ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ وَلِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ

وَالْأَشْبَهُ تَرَجُّحُ جَوَازِ الْخُلْفِ فِي الْوَعِيدِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً دُونَ الْكُفَّارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ أَدِلَّةِ الْمَانِعِينَ الْمُتَقَدِّمَةِ وَأَدِلَّةِ الْمُثْبِتِينَ الَّتِي مِنْ نَصِّهَا قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48] وَقَوْلُهُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] وَأَمَرَ بِهِ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19] وَفَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام كَمَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهَا لِدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ» . وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ جَوَازُ التَّخْصِيصِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِوَضْعِهِ، اللُّغَوِيِّ مِنْ الْعُمُومِ فِي نُصُوصِ الْوَعِيدِ، وَلَا يُنَافِي النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ الْمُصَرِّحَةَ بِأَنَّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ وَيُعَاقَبُ فِيهَا عَلَى ذُنُوبِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ جَوَازُ مَغْفِرَةِ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لَا الْجَزْمُ بِوُقُوعِهَا لِلْجَمِيعِ، وَجَوَازُ الدُّعَاءِ بِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِهَا لَا عَلَى الْجَزْمِ بِوُقُوعِهَا، هَذَا خُلَاصَةُ مَا أَطَالَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا دَلَّ مِنْ النُّصُوصِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ خُلْفِ الْوَعِيدِ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ جَائِزٌ عَقْلًا فَيَجُوزُ الدُّعَاءُ بِشُمُولِ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَاقِعٍ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، وَجَوَازُ الدُّعَاءِ يُبْتَنَى عَلَى الْجَوَازِ عَقْلًا، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ لَا يَجُوزُ عَدَمُهُ شَرْعًا.

وَقَدْ نَقَلَ اللَّقَانِيُّ عَنْ الْأَبِيِّ وَالنَّوَوِيِّ انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نُفُوذِ الْوَعِيدِ فِي طَائِفَةٍ مِنْ الْعُصَاةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ الدُّعَاءُ بِهِ مِثْلَ قَوْلِنَا اللَّهُمَّ لَا تُوجِبْ عَلَيْنَا الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ، وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ مَاتَ كَافِرًا أَيْضًا؛ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّمَا جَازَ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ إظْهَارًا لِفَرْطِ الشَّفَقَةِ عَلَى إخْوَانِهِ، بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ، وَبِخِلَافِ لَا تُوجِبْ عَلَيْنَا الصَّوْمَ لِقُبْحِ الدُّعَاءِ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِظْهَارِ التَّضَجُّرِ مِنْ الطَّاعَةِ، فَيَكُونُ. عَاصِيًا بِذَلِكَ لَا كَافِرًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ، لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الشِّرْكِ عَقْلًا، وَعَلَيْهِ يُبْتَنَى الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْخُلْفِ فِي الْوَعِيدِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ؛ فَالدُّعَاءُ بِهِ كُفْرٌ لِعَدَمِ جَوَازِهِ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا وَلِتَكْذِيبِهِ النُّصُوصَ الْقَطْعِيَّةَ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا عَلِمْت، فَالْحَقُّ مَا فِي الْحِلْيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْهَا لَا عَلَى مَا نَقَلَهُ ح فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَدَعَا بِالْأَدْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ بِمَا يُشْبِهُ الْقُرْآنَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ.

وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ الْمُشَابَهَةَ لِإِرَادَتِهِ نَفْسَ الدُّعَاءِ لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ اهـ وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَنْوِي الْقِرَاءَةَ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَوَّلَ الْبَابِ: وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «نُهِيت أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. تَأَمَّلْ. هَذَا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْإِمْدَادِ فِي بَحْثِ السُّنَنِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ، فَيَكْفِي سُهُولَةُ مُرَاجَعَتِهَا عَنْ ذِكْرِهَا هُنَا. [تَتِمَّةٌ]

يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ فِي صَلَاتِهِ بِدُعَاءٍ مَحْفُوظٍ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يَحْضُرُهُ، وَلَا يَسْتَظْهِرُ الدُّعَاءَ لِأَنَّ حِفْظَهُ يُذْهِبُ بِرِقَّةِ الْقَلْبِ هِنْدِيَّةٌ عَنْ الْمُحِيطِ؛ وَاسْتِظْهَارُهُ حِفْظَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ (قَوْلُهُ لَا يُفْسِدُ) أَيْ مُطْلَقًا،

ص: 523

وَمَا لَيْسَ فِي أَحَدِهِمَا إنْ اسْتَحَالَ طَلَبُهُ مِنْ الْخَلْقِ لَا يُفْسِدُ وَإِلَّا يُفْسِدُ لَوْ قَبْلَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ، وَإِلَّا تَتِمُّ بِهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ سَجْدَةً فَلَا تَفْسُدُ بِسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ مُطْلَقًا وَلَوْ لِعَمِّي أَوْ لِعَمْرٍو، وَكَذَا الرِّزْقُ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَالٍ وَنَحْوِهِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْعِبَادِ مَجَازًا.

(ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ) حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ؛ وَلَوْ عَكَسَ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ، وَلَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أُخْرَى، وَلَوْ نَسِيَ الْيَسَارَ أَتَى بِهِ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ

ــ

[رد المحتار]

سَوَاءٌ اسْتَحَالَ طَلَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ كَاغْفِرْ لِي أَوْ لَا كَارْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا. وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْفَضْلِيِّ فِي اخْتِيَارِهِ الْفَسَادَ بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، وَعَلَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ تَقْيِيدِهِ عَدَمَ الْفَسَادِ بِالْمُسْتَحِيلِ مِنْ الْعِبَادِ بِمَا إذَا كَانَ مَأْثُورًا، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْفَضْلِيِّ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْمَذْهَبُ الْإِطْلَاقُ (قَوْلُهُ إنْ اسْتَحَالَ طَلَبُهُ مِنْ الْخَلْقِ) كَاغْفِرْ لِعَمِّي أَوْ لِعَمْرٍو فَلَا يُفْسِدُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْقُرْآنِ خِلَافًا لِلْفَضْلِيِّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا يُفْسِدْ) مِثْلُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي بَقْلًا وَقِثَّاءً وَعَدَسًا وَبَصَلًا، أَوْ اُرْزُقْنِي فُلَانَةَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَتِمَّ بِهِ) أَيْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ ط (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ سَجْدَةً) أَيْ صُلْبِيَّةً، فَتَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِوُجُودِ الْقَاطِعِ الْمَانِعِ مِنْ إعَادَتِهَا وَهُوَ الدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ، بِخِلَافِ التِّلَاوِيَّةِ وَالسَّهْوِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى سُجُودِهِمَا، فَتَتِمُّ الصَّلَاةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا لِأَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ وَالصُّلْبِيَّةُ رُكْنٌ، بَلْ لَوْ سَجَدَهُمَا فَهُوَ لَغْوٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ قَطْعِ الصَّلَاةِ، كَمَا لَوْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِسَجْدَةٍ تِلَاوِيَّةٍ أَوْ سَهْوِيَّةٍ تَمَّتْ صَلَاتُهُ لِخُرُوجِهِ مِنْهَا بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ التِّلَاوِيَّةَ كَالصُّلْبِيَّةِ فِي أَنَّهَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ وَالتَّشَهُّدَ، فَذَاكَ فِيمَا إذَا فَعَلَهُمَا قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَذِكْرُ التِّلَاوِيَّةِ هُنَا خَطَأٌ صَرِيحٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الرَّحْمَتِيُّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا تَفْسُدُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقُرْآنِ كَاغْفِرْ لِي أَوْ لَا كَاغْفِرْ لِعَمِّي أَوْ لِعَمْرٍو لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ يَسْتَحِيلُ طَلَبُهَا مِنْ الْعِبَادِ {وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: 135] وَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الْفَسَادِ بِهِ اتِّفَاقًا مُؤَوَّلٌ بِاتِّفَاقِ مَنْ اخْتَارَ قَوْلَ الْفَضْلِيِّ، أَوْ مَمْنُوعٌ بِدَلِيلِ مَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي أَقْرِبَائِي وَأَعْمَامِي اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الرِّزْقُ) أَيْ لَا يُفْسِدُ إذَا قَيَّدَهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْ الْعِبَادِ كَارْزُقْنِي الْحَجَّ أَوْ رُؤْيَتَك بِخِلَافِ فُلَانَةَ، وَجَعَلَ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي النَّهْرِ: وَهَذَا التَّخْرِيجُ يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ اهـ. قُلْت: وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَهُ لِأَنَّهُ فِي الْقُرْآنِ {وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة: 114] وَجَعَلَ فِي الْهِدَايَةِ اُرْزُقْنِي مُفْسِدًا لِقَوْلِهِمْ رَزَقَ الْأَمِيرُ الْجُنْدَ، قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَرُجِّحَ عَدَمُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الرَّازِقَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَنِسْبَتُهُ إلَى الْأَمِيرِ مَجَازٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لِأَنَّ الرِّزْقَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا يَكُونُ غِذَاءً لِلْحَيَوَانِ وَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْمَخْلُوقِ إلَّا إيصَالَ سَبَبِهِ كَالْمَالِ، وَلِذَا لَوْ قَيَّدَهُ بِهِ فَقَالَ اُرْزُقْنِي مَالًا تَفْسُدُ بِلَا خِلَافٍ، وَعَلَيْهِ فَأَكْرِمْنِي أَوْ أَنْعِمْ عَلَيَّ يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ، إذْ يُقَالُ أَكْرَمَ فُلَانٌ فُلَانًا وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْمُحِيطِ ذُكِرَ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآنِ:{إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ} [الفجر: 15] وَكَذَا لَوْ قَالَ أَمْدِدْنِي بِمَالٍ لَا يُفْسِدُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَصْلِحْ أَمْرِي فَبِالنَّظَرِ إلَى إطْلَاقِ الْأَمْرِ يَسْتَحِيلُ طَلَبُهُ مِنْ الْعِبَادِ. اهـ. مُلَخَّصًا. [تَنْبِيهٌ]

فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ: لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ الْعَنْ الظَّالِمِينَ لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا يَعْنِي ظَالِمَهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ. اهـ. أَيْ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِمُحَرَّمٍ وَإِنْ اسْتَحَالَ مِنْ الْعِبَادِ فَصَارَ كَلَامًا، أَوْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِيلٍ بِدَلِيلِ - {أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [آل عمران: 87]- وَأَمَّا اللَّعْنَةُ عَلَى الظَّالِمِينَ فَهِيَ فِي الْقُرْآنِ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ) أَيْ حَتَّى يَرَاهُ مَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ أَفَادَهُ ح. وَفِي الْبَدَائِعِ: يُسَنُّ أَنْ يُبَالِغَ فِي تَحْوِيلِ الْوَجْهِ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ، وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ) بِأَنْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ فَقَطْ) أَيْ فَلَا يُعِيدُ التَّسْلِيمَ عَنْ يَسَارِهِ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ)

ص: 524

فِي الْأَصَحِّ، وَتَنْقَطِعُ بِهِ التَّحْرِيمَةُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ بُرْهَانٌ وَقَدْ مَرَّ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَا شُرِعَ فِي الصَّلَاةِ مَثْنًى فَلِلْوَاحِدِ حُكْمُ الْمَثْنَى، فَيَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ كَمَا يَحْصُلُ بِالْمَثْنَى وَتَتَقَيَّدُ الرَّكْعَةُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا تَتَقَيَّدُ بِسَجْدَتَيْنِ (مَعَ الْإِمَامِ) إنْ أَتَمَّ التَّشَهُّدَ كَمَا مَرَّ. وَلَا يَخْرُجُ الْمُؤْتَمُّ بِنَحْوِ سَلَامِ الْإِمَامِ بَلْ بِقَهْقَهَتِهِ وَحَدَثِهِ عَمْدًا لِانْتِفَاءِ حُرْمَتِهَا فَلَا يُسَلِّمُ؛ وَلَوْ أَتَمَّهُ قَبْلَ إمَامِهِ فَتَكَلَّمَ جَازَ وَكُرِهَ، فَلَوْ عَرَضَ مُنَافٍ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ (كَتَحْرِيمَةٍ) مَعَ الْإِمَامِ. وَقَالَا: الْأَفْضَلُ فِيهِمَا بَعْدَهُ

ــ

[رد المحتار]

أَيْ أَوْ يَتَكَلَّمُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ: أَيْ وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ. وَعَدَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلُ، وَعَبَّرَ الشَّارِحُ بِالْأَصَحِّ بَدَلَ الصَّحِيحِ وَالْخَطْبُ فِيهِ سَهْلٌ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَرَّ) أَيْ فِي الْوَاجِبَاتِ، حَيْثُ قَالَ: وَتَنْقَضِي قُدْوَةٌ بِالْأَوَّلِ قَبْلَ عَلَيْكُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلتَّكْمِلَةِ. اهـ. أَيْ فَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بَعْدَهَا لِانْقِضَاءِ حُكْمِ الصَّلَاةِ.

وَهَذَا فِي غَيْرِ السَّاهِي أَمَّا هُوَ إذَا سَجَدَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ يَعُودُ إلَى حُرْمَتِهَا ط (قَوْلُهُ مَثْنَى) أَيْ اثْنَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى هَذَا كَثِيرًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: - {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} [النساء: 3]- أَوْ يُرَادُ التَّكْرَارُ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ الَّذِي شُرِعَ فِيهَا مَثْنَى مَعَ الْمُوَالَاةِ السَّلَامُ وَالسُّجُودُ ط. وَأَمَّا الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَكَرَّرَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْفَاصِلِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا (قَوْلُهُ وَتَتَقَيَّدُ الرَّكْعَةُ بِالسَّجْدَةِ) حَتَّى لَوْ سَهَا فِي الْفَرْضِ فَقَامَ قَبْلَ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ يَبْطُلُ فَرْضُهُ إذَا قَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ (قَوْلُهُ إنْ أَتَمَّ) أَيْ الْمُؤْتَمُّ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَلَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ تَمَامِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ فِيهِ ح. وَهَلْ إتْمَامُ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ أَوْ أَوْلَى قَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فِيمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّسْبِيحَاتِ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ الْمُؤْتَمُّ) أَيْ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ، حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ قَبْلَهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ بِنَحْوِ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَخْ) أَيْ مِمَّا هُوَ مُتَمِّمٌ لَهَا لَا مُفْسِدٌ، فَإِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ أَوْ تَكَلَّمَ انْتَهَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ تَفْسُدْ، بِخِلَافِ الْقَهْقَهَةِ أَوْ الْحَدَثِ الْعَمْدِ لِانْتِفَاءِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِهِ لِأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْجُزْءِ الْمُلَاقِي لَهُ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَفْسُدُ مُقَابِلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْمُؤْتَمِّ، لَكِنَّهُ إنْ كَانَ مُدْرِكًا فَقَدْ حَصَلَ الْمُفْسِدُ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ فَلَا يَضُرُّهُ كَالْإِمَامِ، بِخِلَافِ اللَّاحِقِ أَوْ الْمَسْبُوقِ.

(قَوْلُهُ عَمْدًا) أَمَّا لَوْ كَانَ بِلَا صُنْعِهِ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ فَيَتَوَضَّأَ ثُمَّ يُسَلِّمَ وَيَتْبَعَهُ الْمُؤْتَمُّ (قَوْلُهُ فَلَا يُسَلِّمُ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ الْمُؤْتَمُّ بِهِ لِخُرُوجِهِ مِنْهَا اتِّفَاقًا؛ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ الْمُؤْتَمُّ لَا تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ (قَوْلُهُ لَوْ أَتَمَّهُ إلَخْ) أَيْ لَوْ أَتَمَّ الْمُؤْتَمُّ التَّشَهُّدَ، بِأَنْ أَسْرَعَ فِيهِ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ إتْمَامِ إمَامَهُ فَأَتَى بِمَا يُخْرِجُهُ مِنْ الصَّلَاةِ كَسَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ قِيَامٍ جَازَ: أَيْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِحُصُولِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّ التَّشَهُّدَ لَكِنَّهُ قَعَدَ قَدْرَهُ لِأَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ الْقَعْدَةِ قَدْرُ أَسْرَعَ مَا يَكُونُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَقَدْ حَصَلَ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلْمُؤْتَمِّ ذَلِكَ لِتَرْكِهِ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ بِلَا عُذْرٍ، فَلَوْ بِهِ كَخَوْفِ حَدَثٍ أَوْ خُرُوجِ وَقْتِ جُمُعَةٍ أَوْ مُرُورِ مَارٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الِاسْتِخْلَافِ (قَوْلُهُ فَلَوْ عَرَضَ مُنَافٍ) أَيْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَالْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ وَإِلَّا بِأَنْ قَهْقَهَ أَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا فَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَقَطْ) أَيْ لَا صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَكَلَّمَ خَرَجَ عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ قَبْلَ عُرُوضِ الْمُنَافِي لَهَا (قَوْلُهُ مَعَ الْإِمَامِ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّحْرِيمَةِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا الْمَصْدَرُ أَيْ كَمَا يَحْرُمُ مَعَ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ التَّحْرِيمَةَ مُشَبَّهًا بِهَا لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ فِيهَا رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ السَّلَامِ فَإِنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَصَحُّهُمَا الْمَعِيَّةُ ح (قَوْلُهُ وَقَالَا الْأَفْضَلُ فِيهِمَا بَعْدَهُ) أَفَادَ أَنَّ خِلَافَ الصَّاحِبَيْنِ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَهْرٌ.

وَقِيلَ فِي الْجَوَازِ حَتَّى لَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِالْمُقَارَنَةِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَيَكُونُ مُسِيئًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ قَوْلَهُ أَدَقُّ وَأَجْوَدُ

ص: 525

(قَائِلًا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) هُوَ السُّنَّةُ، وَصَرَّحَ الْحَدَّادِيُّ بِكَرَاهَةِ: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ (وَ) أَنَّهُ (لَا يَقُولُ) هُنَا (وَبَرَكَاتُهُ) وَجَعَلَهُ النَّوَوِيُّ بِدْعَةً، وَرَدَّهُ الْحَلَبِيُّ. وَفِي الْحَاوِي أَنَّهُ حَسَنٌ. (وَسُنَّ جَعْلُ الثَّانِي أَخْفَضَ مِنْ الْأَوَّلِ) خَصَّهُ فِي الْمُنْيَةِ بِالْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ

(وَيَنْوِي) الْإِمَامُ بِخِطَابِهِ (السَّلَامَ عَلَى مَنْ فِي يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ) مِمَّنْ مَعَهُ فِي صَلَاتِهِ، وَلَوْ جِنًّا

ــ

[رد المحتار]

وَقَوْلَهُمَا أَرْفَقُ وَأَحْوَطُ. وَفِي عَوْنِ الْمَرْوَزِيِّ: الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى فِي صِحَّةِ الشُّرُوعِ قَوْلُهُ وَفِي الْأَفْضَلِيَّةِ قَوْلُهُمَا. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى الْمُقَارَنَةُ عَلَى قَوْلِهِ كَمُقَارَنَةِ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ وَالْأُصْبُعِ. وَالْبَعْدِيَّةِ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ يُوصِلَ الْمُقْتَدِي هَمْزَةَ اللَّهُ بِرَاءِ أَكْبَرُ. مَطْلَبٌ فِي وَقْتِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي وَقْتِ إدْرَاكِ فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ؛ فَعِنْدَهُ بِالْمُقَارَنَةِ، وَعِنْدَهُمَا إذَا كَبَّرَ فِي وَقْتِ الثَّنَاءِ، وَقِيلَ بِالشُّرُوعِ قَبْلَ قِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ لَوْ كَانَ الْمُقْتَدِي حَاضِرًا، وَقِيلَ سَبْعٌ لَوْ غَائِبًا، وَقِيلَ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَهَذَا أَوْسَعُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. وَقِيلَ بِإِدْرَاكِ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ خُلَاصَةٌ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ التَّحْرِيمَةِ وَالسَّلَامِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمُقَارَنَةَ فِي الْأَفْعَالِ أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقِيلَ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْحَقَائِقِ (قَوْلُهُ هُوَ السُّنَّةُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ عَلَى وَجْهِ الْأَكْمَلِ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ، وَصَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِكَرَاهَةِ الْأَخِيرِ. اهـ. قُلْت: تَصْرِيحُهُ بِذَلِكَ لَا يُنَافِي كَرَاهَةَ غَيْرِهِ أَيْضًا مِمَّا خَالَفَ السُّنَّةَ (قَوْلُهُ وَأَنَّهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِكَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِهِ الْحَدَّادِيُّ أَيْضًا (قَوْلُهُ هُنَا) أَيْ فِي سَلَامِ التَّحَلُّلِ، بِخِلَافِ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَرَدَّهُ الْحَلَبِيُّ) يَعْنِي الْمُحَقِّقَ ابْنَ أَمِيرِ حَاجٍّ حَيْثُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ النَّوَوِيِّ إنَّهَا بِدْعَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهَا حَدِيثٌ بَلْ صَحَّ فِي تَرْكِهَا غَيْرُ مَا حَدِيثٍ مَا نَصُّهُ: لَكِنَّهُ مُتَعَقَّبٌ فِي هَذَا فَإِنَّهَا جَاءَتْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِشُذُوذِهَا وَإِنْ صَحَّ مَخْرَجُهَا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْحَاوِي أَنَّهُ حَسَنٌ) أَيْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. وَعِبَارَتُهُ: وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَبَرَكَاتُهُ وَهُوَ حَسَنٌ اهـ.

وَقَالَ أَيْضًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ: وَرُوِيَ وَبَرَكَاتُهُ (قَوْلُهُ أَخْفَضُ مِنْ الْأَوَّلِ) أَفَادَ أَنَّهُ يَخْفِضُ صَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَيْضًا أَيْ عَنْ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فِي الْإِعْلَامِ فَهُوَ خَفْضٌ نِسْبِيٌّ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ جَهْرٌ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِمَا إلَّا أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَخْفِضُ الثَّانِي: أَيْ لَا يَجْهَرُ بِهِ أَصْلًا. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِحَاجَةِ الْمُقْتَدِي إلَى سَمَاعِ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدَ الْأَوَّلِ يَأْتِي بِهِ أَوْ يَسْجُدُ قَبْلَهُ لِسَهْوٍ حَصَلَ لَهُ، أَفَادَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا أَيْ السُّنَنِ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْلِيمِ لَوْ إمَامًا لِأَنَّهُ لِلْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِعْلَامِ. اهـ. فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ وَيَنْوِي إلَخْ) أَيْ لِيَكُونَ مُقِيمًا لِلسُّنَّةِ، فَيَنْوِي ذَلِكَ كَسَائِرِ السُّنَنِ، وَلِذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ يَنْوِي السُّنَّةَ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْإِمَامِ إلَى النِّيَّةِ لِأَنَّهُ يَجْهَرُ وَيُشِيرُ إلَيْهِمْ فَهُوَ فَوْقَ مُنْيَةٌ. اهـ. بَحْرٌ مُلَخَّصًا. وَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِمْ بِالْخِطَابِ حُصُولُ النِّيَّةِ بِإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهَا.

أَقُولُ: وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الصَّلَاةِ لِمَا وَجَبَ بِالسَّلَامِ كَانَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ التَّحَلُّلَ لَا خِطَابَ الْمُصَلِّينَ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ الْخِطَابُ مَقْصُودًا أَصَالَةً لَزِمَتْ النِّيَّةُ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى التَّحَلُّلِ الْوَاجِبِ، إذْ لَوْلَاهَا لَبَقِيَ السَّلَامُ لِمُجَرَّدِ التَّحَلُّلِ دُونَ التَّحِيَّةِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ السَّلَامَ) مَفْعُولُ يَنْوِي وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ (قَوْلُهُ مِمَّنْ مَعَهُ فِي صَلَاتِهِ)

ص: 526

أَوْ نِسَاءً، أَمَّا سَلَامُ التَّشَهُّدِ فَيَعُمُّ لِعَدَمِ الْخِطَابِ (وَالْحَفَظَةُ فِيهِمَا) بِلَا نِيَّةِ عَدَدٍ كَالْإِيمَانِ بِالْأَنْبِيَاءِ.

وَقَدَّمَ الْقَوْلَ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ الْمَلَائِكَةِ.؛ وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْأَتْقِيَاءُ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ؛ وَالْمُرَادُ بِالْأَتْقِيَاءِ مَنْ اتَّقَى الشِّرْكَ فَقَطْ كَالْفَسَقَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الرَّوْضَةِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ قُلْت: وَفِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ تَبَعًا لِلْقُهُسْتَانِيِّ: خَوَاصُّ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطُهُ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَأَوْسَاطِهِ عِنْدَ

ــ

[رد المحتار]

هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ مَنْ مَعَهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَعُمُّ كَسَلَامِ التَّشَهُّدِ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ نِسَاءً) صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ، وَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْوِيهِنَّ فِي زَمَانِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ، فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْحُضُورِ وَعَدَمِهِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ خَنَاثَى أَوْ صِبْيَانٌ نَوَاهُمْ أَيْضًا حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ لَا يَنْوِي النِّسَاءَ وَإِنْ حَضَرْنَ لِكَرَاهَةِ حُضُورِهِنَّ (قَوْلُهُ فَيَعُمُّ إلَخْ) وَلِذَا وَرَدَ «إذَا قَالَ الْعَبْدُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» (قَوْلُهُ وَالْحَفَظَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَنْ، وَلَمْ يَقُلْ الْكَتَبَةَ لِيَشْمَلَ مَنْ يَحْفَظُ أَعْمَالَ الْمُكَلَّفِ وَهُمْ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ، وَمَنْ يَحْفَظُهُ مِنْ الْجِنِّ وَهُمْ الْمُعَقِّبَاتُ، وَيَشْمَلُ كُلَّ مُصَلٍّ فَإِنَّ الْمُمَيِّزَ لَا كَتَبَةَ لَهُ، أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَفِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الْإِمَامِ وَلَا يَكُونُ صَبِيًّا (قَوْلُهُ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةِ عَدَدٍ) أَيْ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، فَقِيلَ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ اثْنَانِ، وَقِيلَ أَرْبَعَةٌ، وَقِيلَ خَمْسَةٌ، وَقِيلَ عَشْرَةٌ، وَقِيلَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَتَمَامُهُ فِي شُرُوحِ الْمُنْيَةِ.

مَطْلَبٌ فِي عَدَدِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - (قَوْلُهُ كَالْإِيمَانِ بِالْأَنْبِيَاءِ) لِأَنَّ عَدَدَهُمْ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ قَطْعًا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ آمَنْت بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَوَّلُهُمْ آدَم وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِعْرَاجٌ؛ فَلَا يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَأَنَّ الرُّسُلَ مِنْهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ (قَوْلُهُ وَقَدَّمَ الْقَوْلَ) أَيْ الْمُعَبَّرَ عَنْهُمْ بِمَنْ بِدَلِيلِ عَطْفِ الْحَفَظَةِ عَلَيْهِمْ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ وَعَبَّرَ بِالْقَوْمِ لِيَخْرُجَ الْجِنُّ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا أَفْضَلَ مِنْ الْمَلَكِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ لِلْبُدَاءَةِ أَثَرًا فِي الِاهْتِمَامِ وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَصَايَا بِالنَّوَافِلِ: إنَّهُ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ (قَوْلُهُ مَنْ اتَّقَى الشِّرْكَ فَقَطْ) الْأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ لَفْظُ فَقَطْ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى مَنْ اتَّقَى الشِّرْكَ سَوَاءٌ اتَّقَى الْمَعَاصِي أَيْضًا أَوْ لَا. ح (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الرَّوْضَةِ) أَيْ رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ للزندوستي حَيْثُ قَالَ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ الْخَلِيقَةِ وَأَنَّ نَبِيَّنَا عليه الصلاة والسلام أَفْضَلُهُمْ وَأَنَّ أَفْضَلَ الْخَلَائِقِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ الْمَلَائِكَةُ الْأَرْبَعَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَالرُّوحَانِيُّونَ وَرَضْوَانُ وَمَالِكٌ؛ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ. وَاخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ الْإِمَامُ: سَائِرُ النَّاسِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْمَلَائِكَةِ وَقَالَا: سَائِرُ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ. اهـ. مُلَخَّصًا. مَطْلَبٌ فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ قَسَّمَ الْبَشَرَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: خَوَاصُّ كَالْأَنْبِيَاءِ وَأَوْسَاطٌ كَالصَّالِحِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَعَوَامُّ كَبَاقِي النَّاسِ.

وَقَسَّمَ الْمَلَائِكَةَ إلَى قِسْمَيْنِ: خَوَاصُّ كَالْمَلَائِكَةِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ كَبَاقِي الْمَلَائِكَةِ. وَجَعَلَ خَوَاصَّ الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ خَاصِّهِمْ وَعَامِّهِمْ، وَبَعْدَهُمْ فِي الْفَضْلِ خَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ فَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَاقِي الْبَشَرِ أَوْسَاطِهِمْ وَعَوَامِّهِمْ وَبَعْدَهُمْ أَوْسَاطُ الْبَشَرِ فَهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ عَدَا خَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ؛ وَكَذَلِكَ عَوَامُّ الْبَشَرِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَأَوْسَاطِهِمْ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُ خَوَاصُّ الْبَشَرِ، ثُمَّ خَوَاصُّ الْمَلَكِ، ثُمَّ بَاقِي الْبَشَرِ. وَعِنْدَهُمَا خَوَاصُّ الْبَشَرِ ثُمَّ خَوَاصُّ الْمَلَكِ، ثُمَّ أَوْسَاطُ الْبَشَرِ، ثُمَّ بَاقِي الْمَلَكِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ جَعَلَ كُلًّا مِنْ الْبَشَرِ وَالْمَلَكِ قِسْمَيْنِ: خَوَاصُّ وَأَوْسَاطٌ، وَجَعَلَ خَوَاصَّ

ص: 527

أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ. وَهَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ؟ قَوْلَانِ، وَيُفَارِقُهُ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عِنْدَ جِمَاعٍ وَخَلَاءٍ وَصَلَاةٍ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْكِتَابَةِ وَالْمَكْتُوبِ فِيهِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، نَعَمْ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ بِلَا حَرْفٍ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ؛

ــ

[رد المحتار]

الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَكِ، وَأَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلَ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَلَكِ، فَفِي كَلَامِهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، وَسَكَتَ عَنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ لِلْخِلَافِ السَّابِقِ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ، نَعَمْ قَوْلُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ، وَمَا هُنَا أَوْلَى، إذْ الْمَسْأَلَةُ خِلَافِيَّةٌ، وَهِيَ ظَنِّيَّةٌ أَيْضًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ النَّسَفِيَّةِ، بَلْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقَدْ رُوِيَ التَّوَقُّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْ مَسْأَلَةِ تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَكِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ، وَتَفْوِيضِ عِلْمِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لَنَا الْجَزْمُ بِعِلْمِهِ إلَى عَالِمِهِ أَسْلَمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. مَطْلَبٌ هَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ

(قَوْلُهُ هَلْ تَتَغَيَّرُ الْحَفَظَةُ قَوْلَانِ) فَقِيلَ نَعَمْ. لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، فَيَصْعَدُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ» فَنَقَلَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ أَيْ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ. وَاسْتَظْهَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ، وَقِيلَ لَا يَتَغَيَّرَانِ مَا دَامَ حَيًّا، لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى وَكَّلَ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ عَمَلَهُ. فَإِذَا مَاتَ قَالَا رَبَّنَا قَدْ مَاتَ فُلَانٌ فَتَأْذَنُ لَنَا فَنَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: سَمَائِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَلَائِكَتِي يُسَبِّحُونِي؛ فَيَقُولَانِ: فَنُقِيمُ فِي الْأَرْضِ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى. أَرْضِي مَمْلُوءَةٌ مِنْ خَلْقِي يُسَبِّحُونِي، فَيَقُولَانِ: فَأَيْنَ نَكُونُ؟ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قُومَا عَلَى قَبْرِ عَبْدِي فَكَبِّرَانِي وَهَلِّلَانِي وَاذْكُرَانِي وَاكْتُبَا ذَلِكَ لِعَبْدِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَيُفَارِقُهُ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ عِنْدَ جِمَاعٍ وَخَلَاءٍ) تَبِعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَ الْبَحْرِ. وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شَرْحِ الْجَوْهَرَةِ الْكَبِيرِ لِلَّقَانِيِّ أَنَّ الْمُفَارِقَ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَلَكَانِ؛ وَزَادَ أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ مَا حَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِعَلَامَةٍ يَجْعَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إلَى دَلِيلٍ. وَذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الْجَزْمَ بِهِ يَحْتَاجُ إلَى ثُبُوتٍ سَمْعِيٍّ يُفِيدُهُ.

وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْخَلَاءِ يَبْسُطُ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: أَيُّهَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ عَلَيَّ اجْلِسَا هَاهُنَا فَإِنِّي عَاهَدْت اللَّهَ تَعَالَى أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ فِي الْخَلَاءِ، فَذَكَرَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ. اهـ. ح مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَصَلَاةٍ) يَعْنِي أَنَّ كَاتِبَ السَّيِّئَاتِ يُفَارِقُ الْإِنْسَانَ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَكْتُبُهُ، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَرَدَّهُ فِي الْحِلْيَةِ كَمَا نَقَلَهُ ح (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ) مُقَابِلُهُ مَا يَأْتِي عَنْ حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ وَكَذَا مَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْقَلَمَ اللِّسَانُ، وَالْمِدَادُ الرِّيقُ (قَوْلُهُ اسْتَأْثَرَ) أَيْ اخْتَصَّ (قَوْلُهُ نَعَمْ إلَخْ) لَا يَحْسُنُ الِاسْتِدْرَاكُ بِهِ بَعْدَ تَصْرِيحِهِ بِاخْتِيَارِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ قِيلَ إنَّ الَّذِي يَكْتُبُ فِيهِ الْحَفَظَةُ دَوَاوِينُ مِنْ رَقٍّ، كَمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى - {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 2] {فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 3]- فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ، لَكِنَّ الْمَأْثُورَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه " إنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَنْزِلُونَ بِشَيْءٍ يَكْتُبُونَ فِيهِ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ " فَلَمْ يُعَيِّنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِلَا حَرْفٍ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ) يُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الْغَزَّالُ فِي الْمَكْتُوبِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَيْضًا إنَّهُ لَيْسَ حُرُوفًا، وَإِنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ الْمَعْلُومَاتِ فِيهِ كَثُبُوتِهَا فِي الْعَقْلِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَكِنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ يَحْتَاجُ إلَى وُجُودِ صَارِفٍ مَعَ كَثْرَةِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّا يُؤَيِّدُ الظَّاهِرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29]- {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]-.

وَكَذَا مَا ثَبَتَ فِي الْإِسْرَاءِ مِنْ سَمَاعِهِ عليه الصلاة والسلام صَرِيفَ الْأَقْلَامِ: أَيْ تَصْوِيتَهَا فَيُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَكِنْ كَيْفَ ذَلِكَ وَصُورَتُهُ وَجِنْسُهُ

ص: 528

وَهُوَ أَحَدُ مَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَالطُّورِ} [الطور: 1]{وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: 2]{فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} [الطور: 3]- وَصَحَّحَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ. قُلْت: وَفِي تَفْسِيرِ الدِّمْيَاطِيِّ يَكْتُبُ الْمُبَاحَ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ وَيُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَفِي تَفْسِيرِ الْكَازَرُونِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْأَخَوَيْنِ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَافِرَ أَيْضًا تُكْتَبُ أَعْمَالُهُ إلَّا أَنَّ كَاتِبَ الْيَمِينِ كَالشَّاهِدِ عَلَى كَاتِبِ الْيَسَارِ. وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ مَلَائِكَةِ النَّهَارِ، وَأَنَّ إبْلِيسَ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ وَوَلَدَهُ بِاللَّيْلِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا قَدْ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ قَرِينَهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَرِينَهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِيَّايَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ» رُوِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا (وَيَزِيدُ) الْمُؤْتَمُّ (السَّلَامَ عَلَى إمَامِهِ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى إنْ كَانَ) الْإِمَامُ (فِيهَا وَإِلَّا فَفِي الثَّانِيَةِ، وَنَوَاهُ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ الْحَفَظَةَ فَقَطْ) .

لَمْ يَقُلْ الْكَتَبَةُ لِيَعُمَّ الْمُمَيِّزَ، إذْ لَا كَتَبَةَ مَعَهُ؛

ــ

[رد المحتار]

مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ مَنْ أَطْلَعَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. مُلَخَّصًا، وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحَدُ مَا قِيلَ إلَخْ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ تُكْتَبُ فِي رَقٍّ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ ح، فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصَحَّحَ النَّيْسَابُورِيُّ) نَقْلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِهِمْ. وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَوَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: الْمَلَائِكَةُ لَا تَكْتُبُ إلَّا مَا فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ (قَوْلُهُ حَتَّى أَنِينَهُ) هُوَ الصَّوْتُ الصَّادِرُ عَنْ طَبِيعَةِ الشَّخْصِ فِي مَرَضِهِ لِعُسْرِهِ أَوْ لِضَجِرِهِ أَوْ لِتَأَسُّفِهِ عَلَى مَا فَرَّطَ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْغَايَةِ إلَى أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ جَمِيعَ الضَّرُورِيَّاتِ أَيْضًا كَالتَّنَفُّسِ وَحَرَكَةِ النَّبْضِ وَسَائِرِ الْعُرُوقِ وَالْأَعْضَاءِ، أَفَادَهُ ح عَنْ اللَّقَانِيِّ (قَوْلُهُ يَكْتُبُ الْمُبَاحَ كَاتِبُ السَّيِّئَاتِ) تَفْسِيرٌ لِمَا أُجْمِلَ فِي الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ حَيْثُ نَسَبَ فِيهَا كِتَابَةَ كُلِّ شَيْءٍ إلَيْهِمَا، فَأَشَارَ هُنَا إلَى تَفْصِيلِهِ وَبَيَانِهِ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: مَا فِيهِ أَجْرٌ، وَمَا فِيهِ وِزْرٌ، وَمَا لَا وَلَا فَمَا فِيهِ أَجْرٌ لِكَاتِبِ الْحَسَنَاتِ، وَالْبَاقِي لِكَاتِبِ السَّيِّئَاتِ (قَوْلُهُ وَيُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَقِيلَ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْكَلْبِيِّ وَذُكِرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ.

وَعَنْ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَلِذَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَافِرَ أَيْضًا تُكْتَبُ أَعْمَالُهُ إلَخْ) أَيْ السَّيِّئَةُ، إذْ لَا حَسَنَةَ لَهُ، وَهُوَ مُكَلَّفٌ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْعُقُوبَاتِ اتِّفَاقًا، وَبِالْعِبَادَاتِ أَدَاءً وَاعْتِقَادًا، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا، فَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي ح. وَنُقِلَ عَنْ اللَّقَانِيِّ أَنَّ أَعْمَالَ الْكَافِرِ الَّتِي يَظُنُّ هُوَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ لَا تُكْتَبُ لَهُ إلَّا إذَا أَسْلَمَ فَيُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُهُ مِنْ الْكُفْرِ انْتَهَى. وَفِي حِفْظِي أَنَّ مَذْهَبَنَا خِلَافُهُ فَلْيُرَاجَعْ. مَطْلَبٌ هَلْ يُفَارِقُهُ الْمَلَكَانِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبُرْهَانِ إلَخْ) لِحَدِيثِ " يَتَعَاقَبُونَ " الْمُتَقَدِّمِ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ الْحَفَظَةُ الَّذِينَ هُمْ الْمُعَقِّبَاتُ لَا الْحَفَظَةُ الَّذِينَ هُمْ الْكَتَبَةُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ ح (قَوْلُهُ وَأَنَّ إبْلِيسَ مَعَ ابْنِ آدَمَ بِالنَّهَارِ) أَيْ مَعَ جَمِيعِهِمْ إلَّا مَنْ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَقْدَرَهُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَقْدَرَ مَلَكَ الْمَوْتِ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ الْقَرِينِ الْآتِي لِأَنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْآدَمِيَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ رُوِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ) بِمَعْنَى آمَنَ الْقَرِينُ فَصَارَ لَا يَأْمُرُ إلَّا بِخَيْرٍ كَالْقَرِينِ الْمَلَكِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ وَضَمُّهَا) فَيَكُونُ فِعْلًا مُضَارِعًا مُفِيدًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ الْقَرِينِ الْكَافِرِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ ح. وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَرَجَّحَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ " فَاسْتَسْلَمَ " كَمَا فِي الشِّفَاءِ (قَوْلُهُ وَيَزِيدُ الْمُؤْتَمُّ إلَخْ) أَيْ يَزِيدُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ نِيَّةِ الْقَوْمِ وَالْحَفَظَةِ نِيَّةَ إمَامِهِ.

(قَوْلُهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِيهَا) أَيْ فِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى: أَيْ فِي جِهَتِهَا (قَوْلُهُ وَإِلَّا) صَادَقَ بِالْمُحَاذَاةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً لِذِكْرِهَا بَعْدُ ح (قَوْلُهُ إذْ لَا كَتَبَةَ مَعَهُ) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَفَظَةِ حَفَظَةُ ذَاتِهِ مِنْ الْأَسْوَاءِ لَا حَفَظَةُ الْأَعْمَالِ، وَهُمَا قَوْلَانِ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ حَسَنَاتِ الصَّبِيِّ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ ثَوَابُ التَّعْلِيمِ، وَلِذَا ذَكَرَ

ص: 529

وَلَعَمْرِي لَقَدْ صَارَ هَذَا كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ لَا يَكَادُ يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا إلَّا الْفُقَهَاءُ، وَفِيهِمْ نَظَرٌ.

وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ السُّنَّةِ إلَّا بِقَدْرِ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ. قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: لَا بَأْسَ بِالْفَصْلِ بِالْأَوْرَادِ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: إنْ أُرِيدَ بِالْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ قُلْت: وَفِي حِفْظِي حَمَلَهُ عَلَى الْقَلِيلَةِ؛ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَغْفِرَ ثَلَاثًا وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْمُعَوِّذَاتِ وَيُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ؛ وَيُهَلِّلُ تَمَامَ الْمِائَةِ وَيَدْعُو وَيَخْتِمُ بِسُبْحَانَ رَبِّك.

ــ

[رد المحتار]

اللَّقَانِيُّ أَنَّهُ تُكْتَبُ حَسَنَاتُهُ، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لَهُ كَاتِبَ حَسَنَاتٍ (قَوْلُهُ وَلَعَمْرِي) قَسَمٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النِّيَّةِ. وَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ: هَذَا شَيْءٌ تَرَكَهُ جَمِيعُ النَّاسِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَنْوِي أَحَدٌ شَيْئًا. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَهَذَا حَقٌّ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ صَارَتْ كَالشَّرِيعَةِ الْمَنْسُوخَةِ، وَلِهَذَا لَوْ سَأَلْت أُلُوفَ أُلُوفٍ مِنْ النَّاسِ: أَيُّ شَيْءٍ نَوَيْت بِسَلَامِك لَا يَكَادُ يُجِيبُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمَا فِيهِ طَائِلٌ إلَّا الْفُقَهَاءُ؛ وَفِيهِمْ نَظَرٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ إلَّا بِقَدْرِ اللَّهُمَّ إلَخْ) لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْعُدُ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي الْأَذْكَارِ عَقِيبَ الصَّلَاةِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا قَبْلَ السُّنَّةِ، بَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ مِنْ لَوَاحِقِ الْفَرِيضَةِ وَتَوَابِعِهَا وَمُكَمِّلَاتِهَا فَلَمْ تَكُنْ أَجْنَبِيَّةً عَنْهَا، فَمَا يُفْعَلُ بَعْدَهَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَقِيبَ الْفَرِيضَةِ.

وَقَوْلُ عَائِشَةَ بِمِقْدَارٍ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، بَلْ كَانَ يَقْعُدُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُهُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْقَوْلِ تَقْرِيبًا، فَلَا يُنَافِي مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ مِنْ بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ) فِيهِ أَنَّ الَّذِي اخْتَارَهُ الْكَمَالُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَقَّالِيُّ. وَرُدَّ مَا فِي شَرْحِ الشَّهِيدِ مِنْ أَنَّ الْقِيَامَ إلَى السُّنَّةِ مُتَّصِلًا بِالْفَرْضِ مَسْنُونٌ، ثُمَّ قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ لَا بَأْسَ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ كَوْنُ خِلَافِهِ أَوْلَى، فَكَانَ مَعْنَاهَا أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْرَأَ قَبْلَ السُّنَّةِ، وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ، فَأَفَادَ عَدَمَ سُقُوطِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ، حَتَّى إذَا صَلَّى بَعْد الْأَوْرَادِ تَقَعُ سُنَّةً لَا عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا تَسْقُطُ لَكِنَّ ثَوَابَهَا أَقَلُّ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِ قِرَاءَةِ الْأَوْرَادِ لَا تُسْقِطُهَا اهـ.

وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَقَالَ: فَتُحْمَلُ الْكَرَاهَةُ فِي قَوْلِ الْبَقَّالِيِّ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ لِعَدَمِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِيَّةِ، حَتَّى لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْأَوْرَادِ تَقَعُ سُنَّةً مُؤَدَّاةً، لَكِنْ لَا فِي وَقْتِهَا الْمَسْنُونِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَفَادَ شَيْخُنَا أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا صَلَّى السُّنَّةَ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ لِاتِّفَاقِ كَلِمَةِ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي السُّنَنِ حَتَّى سُنَّةَ الْمَغْرِبِ الْمُنَزَّلُ أَيْ فَلَا يُكْرَهُ الْفَصْلُ بِمَسَافَةِ الطَّرِيقِ (قَوْلُهُ قَالَ الْحَلَبِيُّ إلَخْ) هُوَ عَيْنُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي كَلَامِ الْحَلْوَانِيِّ مِنْ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ ط (قَوْلُهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَكْرُوهَةً تَنْزِيهًا كَانَتْ خِلَافَ الْأَوْلَى الَّذِي هُوَ مَعْنَى لَا بَأْسَ (قَوْلُهُ وَفِي حِفْظِي إلَخْ) تَوْفِيقٌ آخَرُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، الْمَذْكُورَيْنِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ فِي قَوْلِ الْحَلْوَانِيِّ لَا بَأْسَ بِالْفَصْلِ بِالْأَوْرَادِ: أَيْ الْقَلِيلَةِ الَّتِي بِمِقْدَارِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَخْ " لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ أَوْ مَا قَارَبَهُ فِي الْمِقْدَارِ بِلَا زِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ فَتَأَمَّلْ. وَعَلَيْهِ فَالْكَرَاهَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ تَنْزِيهِيَّةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ عَدَمِ دَلِيلِ التَّحْرِيمِيَّةِ فَافْهَمْ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ مَا لَوْ تَكَلَّمَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، وَأَنَّهُ لَا يُسَنُّ عِنْدَنَا الْفَصْلُ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرْضِهِ بِالضَّجْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الشَّافِعِيَّةُ (قَوْلُهُ وَالْمُعَوِّذَاتِ) فِيهِ تَغْلِيبٌ، فَإِنَّ الْمُرَادَ الْإِخْلَاصُ وَالْمُعَوِّذَتَانِ ط (قَوْلُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَنَازَعَ فِيهِ كُلٌّ مِنْ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ قَبْلُ.

ص: 530

وَفِي الْجَوْهَرَةِ: وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ التَّنَفُّلُ فِي مَكَانِهِ لَا لِلْمُؤْتَمِّ، وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ كَسْرُ الصُّفُوفِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ التَّحَوُّلُ لِيَمِينِ الْقِبْلَةِ يَعْنِي يَسَارَ الْمُصَلِّي لِتَنَفُّلٍ أَوْ وِرْدٍ. وَخَيَّرَهُ فِي الْمُنْيَةِ بَيْنَ تَحْوِيلِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا وَخَلْفًا وَذَهَابِهِ لِبَيْتِهِ، وَاسْتِقْبَالِهِ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَلَوْ دُونَ عَشَرَةٍ،

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ الْوَارِدِ فِي التَّسْبِيحِ عَقِبَ الصَّلَاةِ [تَنْبِيهٌ]

لَوْ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ، قِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَأُيِّدَ بِأَنَّهُ كَدَوَاءِ زَيْدٍ عَلَى قَانُونِهِ أَوْ مِفْتَاحُ زَيْدِ عَلَى أَسْنَانِهِ، وَقِيلَ لَا بَلْ يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ مَعَ الزِّيَادَةِ، بَلْ قِيلَ لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُ الْكَرَاهَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]- وَالْأَوْجَهُ إنْ زَادَ لِنَحْوِ شَكِّ عُذْرٍ أَوْ لِتَعَبُّدٍ فَلَا لِاسْتِدْرَاكِهِ عَلَى الشَّارِعِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. اهـ. مُلَخَّصًا مِنْ تُحْفَةِ ابْنِ حَجَرٍ

(قَوْلُهُ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ التَّنَفُّلُ فِي مَكَانِهِ) بَلْ يَتَحَوَّلُ مُخَيَّرًا كَمَا يَأْتِي عَنْ الْمُنْيَةِ، وَكَذَا يُكْرَهُ مُكْثُهُ قَاعِدًا فِي مَكَانِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي صَلَاةٍ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ لَا لِلْمُؤْتَمِّ) وَمِثْلُهُ الْمُنْفَرِدُ، لِمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا: أَمَّا الْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدُ فَإِنَّهُمَا إنْ لَبِثَا أَوْ قَامَا إلَى التَّطَوُّعِ فِي مَكَانِهِمَا الَّذِي صَلَّيَا فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ جَازَ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَتَطَوَّعَا فِي مَكَان آخَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ كَسْرُ الصُّفُوفِ) لِيَزُولَ الِاشْتِبَاهُ عَنْ الدَّاخِلِ الْمُعَايِنِ لِلْكُلِّ فِي الصَّلَاةِ الْبَعِيدِ عَنْ الْإِمَامِ، وَذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالذَّخِيرَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ عَلَى أَنَّهُ السُّنَّةُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُنْيَةِ: وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَتَطَوَّعَا فِي مَكَان آخَرَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ. وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَتَطَوَّعَ فِي مَنْزِلِهِ إنْ لَمْ يَخَفْ مَانِعًا (قَوْلُهُ لِتَنَفُّلٍ أَوْ وِرْدٍ) أَقُولُ: عِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لِأَجْلِ التَّنَفُّلِ أَوْ الْوَرْدِ. اهـ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ. وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْخَانِيَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لِلتَّنَفُّلِ (قَوْلُهُ وَخَيَّرَهُ إلَخْ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلْإِمَامِ، لَكِنَّ التَّخْيِيرَ الَّذِي فِي الْمُنْيَةِ هُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا، فَإِنْ شَاءَ انْحَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ ذَهَبَ إلَى حَوَائِجِهِ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ وَقَامَ يُصَلِّيهِ يَتَقَدَّمُ أَوْ يَتَأَخَّرُ أَوْ يَنْحَرِفُ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا أَوْ يَذْهَبُ إلَى بَيْتِهِ فَيَتَطَوَّعُ ثَمَّةَ. اهـ.

وَهَذَا التَّخْيِيرُ لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَذَاكَ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ، وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ لِلْيَمِينِ فَضْلًا عَلَى الْيَسَارِ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَخُصُّ يَمِينَ الْقِبْلَةِ، بَلْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي يَمِينِ الْمُصَلِّي، بَلْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ انْحِرَافَهُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْلَى، وَأَيَّدَهُ بِحَدِيثٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَصُحِّحَ فِي الْبَدَائِعِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِانْحِرَافِ وَهُوَ زَوَالُ الِاشْتِبَاهِ أَيْ اشْتِبَاهِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْحِلْيَةِ أَنَّ الْأَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ تَطَوُّعُهُ فِي مَنْزِلِهِ، لِمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» قُلْت: وَإِلَّا التَّرَاوِيحَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ مَعَ زِيَادَاتٍ أُخَرَ، ثُمَّ إذَا شَاءَ الذَّهَابَ انْصَرَفَ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ، فَقَدْ صَحَّ الْأَمْرَانِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الْجِهَتَيْنِ فِي الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا، فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَضْلِ الْيَمِينِ فِي بَابِ الْمَكَارِمِ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ دُونَ عَشْرَةٍ) أَيْ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ مُطْلَقٌ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ بَيْنَ عَدَدٍ وَعَدَدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمُقَدِّمَةِ، مِنْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ إنْ كَانُوا عَشْرَةً يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ لِتَرَجُّحِ حُرْمَتِهِمْ عَلَى حُرْمَةِ الْقِبْلَةِ، وَإِلَّا فَلَا لِتَرَجُّحِ حُرْمَةِ الْقِبْلَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْفِقْهِ، وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا تُشْبِهُ أَلْفَاظُهُ أَلْفَاظَ أَهْلِ الْفِقْهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَلَّدَ فِيمَا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ. وَاَلَّذِي رَوَاهُ مَوْضِعُ كَذِبٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَلْ حُرْمَةُ الْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ أَرْجَحُ مِنْ حُرْمَةِ الْقِبْلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى يُلْتَفَتَ إلَيْهِ، بَلْ هُوَ عَنْ يَمِينِهِ.

ص: 531