الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَافْتِرَاشُ) الرَّجُلِ (ذِرَاعَيْهِ) لِلنَّهْيِ
(وَصَلَاتُهُ إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ) كَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِهِ، فَالِاسْتِقْبَالُ لَوْ مِنْ الْمُصَلِّي فَالْكَرَاهَةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْتَقْبِلِ وَلَوْ بَعِيدًا وَلَا حَائِلَ (وَرَدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) أَوْ بِرَأْسِهِ كَمَا مَرَّ.
[فَرْعٌ]
لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ
كَمَا لَوْ طُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ أُرِيَ دِرْهَمًا وَقِيلَ أَجَيِّدٌ فَأَوْمَأَ بِنَعَمْ أَوْ لَا أَوْ قِيلَ كَمْ صَلَّيْتُمْ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ، أَمَّا لَوْ قِيلَ لَهُ تَقَدَّمْ فَتَقَدَّمَ أَوْ دَخَلَ أَحَدٌ الصَّفَّ فَوَسَّعَ لَهُ فَوْرًا فَسَدَتْ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ وَغَيْرُهُ، خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ.
(وَ) كُرِهَ (التَّرَبُّعُ) تَنْزِيهًا لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ (بِغَيْرِ عُذْرٍ) وَلَا يُكْرَهُ خَارِجَهَا «لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام
ــ
[رد المحتار]
النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَهُ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
(قَوْلُهُ وَافْتِرَاشُ الرَّجُلِ ذِرَاعَيْهِ إلَخْ) أَيْ بَسْطُهُمَا فِي حَالَةِ السُّجُودِ، وَقَيَّدَ بِالرَّجُلِ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ آنِفًا وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْتَرِشُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: قِيلَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الْكَسْلَانِ وَالتَّهَاوُنُ بِحَالِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالسِّبَاعِ وَالْكِلَابِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَيْرِ صَارِفٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ) فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: وَكَرِهَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضُ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي إلَى رَجُلٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ لِإِزَالَةِ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَيْسَ لِلْفَسَادِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، لِمَا ذُكِرَ، وَلِمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: إنْ كَانَ جَاهِلًا عَلَّمْته، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدَّبْته اهـ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ كَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِهِ) الضَّمِيرُ لِلْمُصَلِّي، وَهُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ ط (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعِيدًا وَلَا حَائِلَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَا يُكْرَهُ لِانْتِفَاءِ سَبَبِ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِعِبَادَةِ الصُّورَةِ اهـ. وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ كَانَتْ تَقَعُ الْمُوَاجَهَةُ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْحِلْيَةِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ الْقَاعِدَ يَكُونُ سُتْرَةً لِلْمُصَلِّي بِحَيْثُ لَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَرَاءَهُ فَكَذَا هُنَا يَكُونُ حَائِلًا.
قُلْت: لَكِنَّ فِي الذَّخِيرَةِ نُقِلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ: وَإِنْ شَاءَ الْإِمَامُ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ رَجُلٌ يُصَلِّي، ثُمَّ قَالَ: وَلَمْ يَفْصِلْ أَيْ مُحَمَّدٌ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَخِيرِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلٌ وَجْهَ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ وَلَوْ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ اهـ ثُمَّ رَأَيْت الْخَيْرَ الرَّمْلِيَّ أَجَابَ بِمَا لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ تَنْزِيهِيَّةٌ
[فَرْعٌ لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ]
(قَوْلُهُ وَإِجَابَتُهُ بِرَأْسِهِ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَبِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَكَذَا فِي تَكْلِيمِ الرَّجُلِ الْمُصَلِّيَ، قَالَ تَعَالَى - {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]- وَهَلْ يُجِيبُ السَّلَامَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ؟ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ» كَذَا فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا لَوْ قِيلَ إلَخْ) هُوَ مَا وَعَدَ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَفَتْحِهِ عَلَى إمَامِهِ، وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ ضَعْفَهُ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ ح (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ) أَيْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ، فَرَاجِعْهُ
(قَوْلُهُ لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ) عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا إذْ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ لِيَكُونَ تَحْرِيمًا بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ) أَمَّا بِهِ فَلَا، لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُتْرَكُ مَعَ الْعُذْرِ فَالسُّنَّةُ أَوْلَى. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «مِنْ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام مُتَرَبِّعًا» أَوْ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إلَخْ) نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ صَاحِبِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَرَدَّ بِهِ عَلَى مَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ فِعْلُ الْجَبَابِرَةِ، نَعَمْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ تَأَمَّلْ
كَانَ جُلُّ جُلُوسِهِ مَعَ أَصْحَابِهِ التَّرَبُّعُ» وَكَذَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
(وَالتَّثَاؤُبُ) وَلَوْ خَارِجَهَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالْأَنْبِيَاءُ مَحْفُوظُونَ مِنْهُ
(وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِلنَّهْيِ إلَّا لِكَمَالِ الْخُشُوعِ
(وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ لَا سُجُودُهُ فِيهِ) وَقَدَّمَاهُ خَارِجَةً لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ (مُطْلَقًا) وَإِنْ لَمْ يَتَشَبَّهْ حَالُ الْإِمَامِ إنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ وَإِنْ بِالِاشْتِبَاهِ وَلَا اشْتِبَاهَ
ــ
[رد المحتار]
قَوْله وَالتَّثَاؤُبُ) فِي الْمِصْبَاحِ: التَّثَاؤُبُ بِالْمَدِّ وَبِالْوَاوِ عَامِّيٌّ. وَفِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ: تَثَاءَبْت بِالْمَدِّ وَلَا تَقُلْ تَثَاوَبْت، وَهُوَ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ: التَّنَفُّسُ الَّذِي يَنْفَتِحُ مِنْهُ الْفَمُ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ الْمُنَفَّخَةِ فِي عَضَلَاتِ الْفَكِّ، وَهُوَ يَنْشَأُ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَثِقَلِ الْبَدَنِ. اهـ.
قُلْت: وَلِهَذَا السَّبَبِ كَانَ مِنْ الشَّيْطَانِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَفِي رِوَايَة لِمُسْلِمٍ «فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُهُ» وَأُلْحِقَ بِالْيَدِ الْكُمُّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ كَظْمُهُ: أَيْ رَدُّهُ وَحَبْسُهُ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَأْخُذَ شَفَتَهُ بِسِنِّهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَغَطَّى فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ يُكْرَهُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَة. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَوَجْهُهُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْفَمِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ، ثُمَّ فِي الْمُجْتَبَى: يُغَطِّي فَاهُ بِيَمِينِهِ، وَقِيلَ بِيَمِينِهِ فِي الْقِيَامِ وَفِي غَيْرِهِ بِيَسَارِهِ اهـ.
قُلْت: وَوَجْهُ الْقِيلِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ الشَّيْطَانِ كَمَا مَرَّ، فَهُوَ كَإِزَالَةِ الْخَبَثِ وَهِيَ بِالْيَسَارِ أَوْلَى، لَكِنْ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ لَمَّا كَانَ يَلْزَمُ مِنْ دَفْعِهِ بِالْيَسَارِ كَثْرَةُ الْعَمَلِ بِتَحْرِيكِ الْيَدَيْنِ كَانَتْ الْيُمْنَى أَوْلَى وَقَدَّمْنَا فِي آدَابِ الصَّلَاةِ عَنْ الضِّيَاءِ أَنَّهُ بِظَهْرِ الْيُسْرَى. وَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ إنْ سَدَّ بِالْيُمْنَى يُخَيَّر فِيهِ بِظَاهِرِهَا أَوْ بَاطِنِهَا، وَإِنْ بِالْيُسْرَى فَبِظَاهِرِهَا. اهـ. وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْكَرَاهَةِ هُنَا هَلْ هِيَ تَحْرِيمِيَّةٌ أَوْ تَنْزِيهِيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي آدَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ يُنْدَبُ كَظْمُ فَمِهِ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ، وَحِينَئِذٍ فَتَرْكُ الْكَظْمِ مَنْدُوبٌ.
وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ نَفْسُهُ فَإِنْ نَشَأَ مِنْ طَبِيعَتِهِ بِلَا صُنْعِهِ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ تَعَمَّدْهُ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَحْرِيمًا لِأَنَّهُ عَبَثٌ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعَبَثَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا فِي الصَّلَاةِ تَنْزِيهًا خَارِجَهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ خَارِجَهَا) أَيْ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ، وَتَقْيِيدُهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِالصَّلَاةِ لِكَوْنِ الْكَرَاهَةِ فِيهَا أَشَدَّ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالْأَنْبِيَاءُ مَحْفُوظُونَ مِنْهُ) قَدَّمْنَا فِي آدَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ إخْطَارَ ذَلِكَ بِبَالِهِ مُجَرَّبٌ فِي دَفْعِ التَّثَاؤُبِ
(قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) أَيْ فِي حَدِيثِ «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ إلَّا أَنَّ فِي سَنَدِهِ مَنْ ضُعِّفَ وَعَلَّلَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَفِي التَّغْمِيضِ تَرْكُهَا. ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ، كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَهِيَ الصَّارِفُ لَهُ عَنْ التَّحْرِيمِ (قَوْلُهُ إلَّا لِكَمَالِ الْخُشُوعِ) بِأَنْ خَافَ فَوْتَ الْخُشُوعِ بِسَبَبِ رُؤْيَةِ مَا يُفَرِّقُ الْخَاطِرَ فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ الْأَوْلَى، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْقَدَمِ) وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ طَهَارَةُ مَكَانِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً، بِخِلَافِ مَكَانِ السُّجُودِ، إذْ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ يَحْنَثُ بِوَضْعِ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ كَانَ بَاقِي بَدَنِهِ خَارِجَهَا وَالصَّيْدُ إذَا كَانَ رِجْلَاهُ فِي الْحَرَمِ وَرَأْسُهُ خَارِجَهُ فَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الْمِحْرَابِ، وَفُسِّرَ الْإِطْلَاقُ بِمَا بَعْدَهُ وَكَذَا سَوَاءٌ كَانَ الْمِحْرَابُ مِنْ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ إلَخْ) قَيْدٌ لِلْكَرَاهَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِالْكَرَاهَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ؛ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي سَبَبِهَا، فَقِيلَ كَوْنُهُ يَصِيرُ مُمْتَازًا عَنْهُمْ فِي الْمَكَانِ لِأَنَّ الْمِحْرَابَ فِي مَعْنَى بَيْتٍ آخَرَ وَذَلِكَ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ
فَلَا اشْتِبَاهَ فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ.
(وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ) لِلنَّهْيِ، وَقُدِّرَ الِارْتِفَاعُ بِذِرَاعٍ، وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهُ، وَقِيلَ مَا يَقَعُ بِهِ الِامْتِيَازُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ وَغَيْرُهُ (وَكُرِهَ عَكْسُهُ) فِي الْأَصَحِّ وَهَذَا كُلُّهُ (عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ) كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ، فَلَوْ قَامُوا عَلَى الرُّفُوفِ وَالْإِمَامُ عَلَى الْأَرْضِ
ــ
[رد المحتار]
وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ، وَقِيلَ اشْتِبَاهُ حَالِهِ عَلَى مَنْ فِي يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُكْرَهُ مُطْلَقًا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يُكْرَهُ عِنْدَ عَدَمِ الِاشْتِبَاهِ، وَأَيَّدَ الثَّانِي فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ فِي الْمَكَانِ مَطْلُوبٌ، وَتَقَدُّمُهُ وَاجِبٌ وَغَايَتُهُ اتِّفَاقُ الْمِلَّتَيْنِ فِي ذَلِكَ، وَارْتَضَاهُ فِي الْحِلْيَةِ وَأَيَّدَهُ، لَكِنْ نَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا، وَبِأَنَّ امْتِيَازَ الْإِمَامِ الْمَطْلُوبِ حَاصِلٌ بِتَقَدُّمِهِ بِلَا وُقُوفٍ فِي مَكَان آخَرَ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يَضِقْ الْمَسْجِدُ بِمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ تَبَايُنَ الْمَكَانَيْنِ انْتَهَى. يَعْنِي: وَحَقِيقَةُ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ تَمْنَعُ الْجَوَازَ فَشُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ وَالْمِحْرَابُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَصُورَتُهُ وَهَيْئَتُهُ اقْتَضَتْ شُبْهَةَ الِاخْتِلَافِ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: أَيْ لِأَنَّ الْمِحْرَابَ إنَّمَا بُنِيَ عَلَامَةً لِمَحَلِّ قِيَامِ الْإِمَامِ لِيَكُونَ قِيَامُهُ وَسْطَ الصَّفِّ كَمَا هُوَ السُّنَّةُ، لَا لَأَنْ يَقُومَ فِي دَاخِلِهِ، فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ بِقَاعِ الْمَسْجِدِ لَكِنْ أَشْبَهَ مَكَانًا آخَرَ فَأَوْرَثَ الْكَرَاهَةَ، وَلَا يَخْفَى حُسْنُ هَذَا الْكَلَامِ فَافْهَمْ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّشَبُّهَ إنَّمَا يُكْرَهُ فِي الْمَذْمُومِ وَفِيمَا قُصِدَ بِهِ التَّشَبُّهُ لَا مُطْلَقًا، وَلَعَلَّ هَذَا مِنْ الْمَذْمُومِ تَأَمَّلَ. هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ تَأَمَّلْ اهـ[تَنْبِيهٌ]
فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ بَابِ الْإِمَامَةِ: الْأَصَحُّ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنٍ أَوْ زَاوِيَةٍ أَوْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى سَارِيَةٍ لِأَنَّهُ بِخِلَافِ عَمَلِ الْأُمَّةِ. اهـ. وَفِيهِ أَيْضًا: السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ إزَاءَ وَسْطِ الصَّفِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَحَارِيبَ مَا نُصِبَتْ إلَّا وَسْطَ الْمَسَاجِدِ وَهِيَ قَدْ عُيِّنَتْ لِمَقَامِ الْإِمَامِ. اهـ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ فِي غَيْرِ الْمِحْرَابِ إلَّا لِضَرُورَةٍ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ تَرَكَ الْمِحْرَابَ وَقَامَ فِي غَيْرِهِ يُكْرَهُ وَلَوْ كَانَ قِيَامُهُ وَسْطَ الصَّفِّ لِأَنَّهُ خِلَافُ عَمَلِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْإِمَامِ الرَّاتِبِ دُونَ غَيْرِهِ وَالْمُنْفَرِدِ، فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفَائِدَةَ فَإِنَّهُ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَلَمْ يُوجَدْ نَصٌّ فِيهَا
(قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقُ وَيَبْقَى النَّاسُ خَلْفَهُ» ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ لِإِمَامِهِمْ دُكَّانًا بَحْرٌ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ، وَالْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ، إلَّا أَنْ يُوجَدَ صَارِفٌ تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ.
قُلْت: لَعَلَّ الصَّارِفَ تَعْلِيلُ النَّهْيِ بِمَا ذُكِرَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّصْحِيحَ قَدْ اخْتَلَفَ وَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ اهـ وَكَذَا رَجَّحَهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لَكِنْ فِيهِ ازْدِرَاءٌ بِالْإِمَامِ حَيْثُ ارْتَفَعَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ فَوْقَهُ، أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ أَخَذَ التَّصْحِيحَ تَبَعًا لِلدُّرَرِ مِنْ قَوْلِ الْبَدَائِعِ: جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ قَائِلًا: وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالَ ط: وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ (قَوْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ الْكَرَاهَةُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ قَوْلِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَكُرِهَ عَكْسُهُ فَقَطْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ) مِثَالٌ لِلْعُذْرِ، وَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ كَزَحْمَةِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَامُوا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْعُذْرِ فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ. قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ: وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنَّمَا يُكْرَهُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عُذْرٍ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ إذَا كَانَ الْقَوْمُ عَلَى الرَّفِّ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ لِضِيقِ الْمَكَانِ. وَحَكَى
أَوْ فِي الْمِحْرَابِ لِضِيقِ الْمَكَانِ لَمْ يُكْرَهْ لَوْ كَانَ مَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِي الْأَصَحِّ، وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَوَامِعِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ الْعُذْرِ إرَادَةُ التَّعْلِيمِ أَوْ التَّبْلِيغِ كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا كَرَاهَةَ الْقِيَامِ فِي صَفٍّ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ فُرْجَةٌ لِلنَّهْيِ، وَكَذَا الْقِيَامُ مُنْفَرِدًا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً بَلْ يَجْذِبُ أَحَدًا مِنْ الصَّفِّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، لَكِنْ قَالُوا فِي زَمَانِنَا تَرْكُهُ أَوْلَى، فَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: يُكْرَهُ وَحْدَهُ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً
(وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ) ذِي رُوحٍ،
ــ
[رد المحتار]
الْحَلْوَانِيُّ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ: لَا يُكْرَهُ وَقِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ عَلَى الْقَوْمِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ وَمَعَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: قَيَّدَ بِالِانْفِرَادِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ مَعَ الْإِمَامِ، قِيلَ يُكْرَهُ وَالْأَصَحُّ لَا وَبِهِ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي جَوَامِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَغْلَبِ الْأَمْصَارِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ وَإِلَّا كَانَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْعُذْرِ إلَخْ) أَيْ فِي الِانْفِرَادِ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ، وَهَذَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ قِيلَ إنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
قُلْت: لَكِنَّ فِي الْمِعْرَاجِ مَا نَصُّهُ: وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَعْلِيمَ الْقَوْمِ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ أَوْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ تَبْلِيغَ الْقَوْمِ فَحِينَئِذٍ لَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا اهـ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ كَمَا يُكْرَهُ انْفِرَادُ الْإِمَامِ فِي مَكَان عَالٍ بِلَا عُذْرٍ يُكْرَهُ انْفِرَادُ الْمَأْمُومِ وَإِنْ وُجِدَتْ طَائِفَةٌ مَعَ الْإِمَامِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْنَا إلَخْ) أَيْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَيَصُفُّ الرِّجَالُ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ صَلَّى عَلَى رُفُوفِ الْمَسْجِدِ إنْ وَجَدَ فِي صَحْنِهِ مَكَانًا كُرِهَ كَقِيَامِهِ فِي صَفٍّ خَلْفَ صَفٍّ فِيهِ فُرْجَةٌ اهـ وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَوْلَا الْعُذْرُ الْمَذْكُورُ كَانَ انْفِرَادُ الْمَأْمُومِ مَكْرُوهًا (قَوْلُهُ لَكِنْ قَالُوا إلَخْ) الْقَائِلُ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ فَإِنَّهُ عَزَا إلَى بَعْضِ الْكُتُبِ أَتَى جَمَاعَةً وَلَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً قِيلَ يَقُومُ وَحْدَهُ وَيُعْذَرُ، وَقِيلَ يَجْذِبُ وَاحِدًا مِنْ الصَّفِّ إلَى نَفْسِهِ فَيَقِفُ بِجَنْبِهِ. وَالْأَصَحُّ مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ إلَى الرُّكُوعِ، فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ وَإِلَّا جَذَبَ إلَيْهِ رَجُلًا أَوْ دَخَلَ فِي الصَّفِّ، ثُمَّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَالْقِيَامُ وَحْدَهُ أَوْلَى فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَى الْعَوَامّ فَإِذَا جَرَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ قَالَ فِي الْخَزَائِنِ قُلْت: وَيَنْبَغِي التَّفْوِيضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى، فَإِنْ رَأَى مَنْ لَا يَتَأَذَّى لِدِينٍ أَوْ صَدَاقَةٍ زَاحَمَهُ أَوْ عَالِمًا جَذَبَهُ وَإِلَّا انْفَرَدَ. اهـ. قُلْت: وَهُوَ تَوْفِيقٌ حَسَنٌ اخْتَارَهُ ابْنُ وَهْبَانَ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ (قَوْلُهُ فَلِذَا قَالَ إلَخْ) أَيْ فَلَمْ يَذْكُرْ الْجَذْبَ لِمَا مَرَّ
(قَوْلُهُ وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ غَيْرِهِ تَصَاوِيرُ لِمَا فِي الْمُغْرِبِ: الصُّورَةُ عَامٌّ فِي ذِي الرُّوحِ وَغَيْرِهِ، وَالتِّمْثَالُ خَاصٌّ بِمِثَالِ ذِي الرُّوحِ وَيَأْتِي أَنَّ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ لَا يُكْرَهُ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ صُورَةُ الرَّأْسِ، وَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا فِي اتِّخَاذِهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخُلَاصَةِ وَتُكْرَهُ التَّصَاوِيرُ عَلَى الثَّوْبِ صَلَّى فِيهِ أَوْ لَا انْتَهَى، وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ. وَظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ: وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةَ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ وَإِنَاءٍ وَحَائِطٍ وَغَيْرِهَا اهـ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا لَا مَكْرُوهًا إنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ أَوْ قَطْعِيَّةُ الدَّلِيلِ بِتَوَاتُرِهِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْخُلَاصَةِ فِي تَسْمِيَتِهِ مَكْرُوهًا.
قُلْت: لَكِنَّ مُرَادَ الْخُلَاصَةِ اللُّبْسُ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْمُتُونِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ مَا مَرَّ: أَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي لَا يُكْرَهُ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فِعْلِ التَّصْوِيرِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُرْمَتِهِ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ فِيهِ بِدَلِيلِ أَنَّ التَّصْوِيرَ يَحْرُمُ؛ وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ صَغِيرَةً كَالَّتِي عَلَى الدِّرْهَمِ أَوْ كَانَتْ فِي الْيَدِ أَوْ مُسْتَتِرَةً أَوْ مُهَانَةً مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ بِذَلِكَ لَا تَحْرُمُ، بَلْ وَلَا تُكْرَهُ لِأَنَّ عِلَّةَ حُرْمَةِ التَّصْوِيرِ الْمُضَاهَاةُ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ. وَعِلَّةُ كَرَاهَةِ
وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ (بِحِذَائِهِ) يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ مَحَلَّ سُجُودِهِ (تِمْثَالٌ) وَلَوْ فِي وِسَادَةٍ مَنْصُوبَةٍ لَا مَفْرُوشَةٍ (وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا كَانَ) التِّمْثَالُ (خَلْفَهُ وَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ و) لَا يُكْرَهُ (لَوْ كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ) أَوْ مَحَلَّ جُلُوسِهِ لِأَنَّهَا مُهَانَةٌ (أَوْ فِي يَدِهِ) عِبَارَةُ الشُّمُنِّيِّ بَدَنِهِ لِأَنَّهَا مَسْتُورَةٌ بِثِيَابِهِ (أَوْ عَلَى خَاتَمِهِ) بِنَقْشٍ غَيْرِ مُسْتَبِينٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَمُفَادُهُ كَرَاهَةُ الْمُسْتَبِينِ لَا الْمُسْتَتِرِ بِكِيسٍ أَوْ صُرَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ آخَرَ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ (أَوْ كَانَتْ صَغِيرَةً) لَا تَتَبَيَّنُ تَفَاصِيلُ أَعْضَائِهَا لِلنَّاظِرِ قَائِمًا وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ (أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ)
ــ
[رد المحتار]
الصَّلَاةِ بِهَا التَّشَبُّهُ وَهِيَ مَفْقُودَةٌ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا يَأْتِي، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ (قَوْلُهُ فَوْقَ رَأْسِهِ) أَيْ فِي السَّقْفِ مِعْرَاجٌ (قَوْلُهُ تِمْثَالٌ) أَيْ مَرْسُومٌ فِي جِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَوْضُوعٌ أَوْ مُعَلَّقٌ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا،
أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الصَّلِيبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تِمْثَالَ ذِي رَوْحٍ لِأَنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالنَّصَارَى. وَيُكْرَهُ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِي الْمَذْمُومِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ مَنْصُوبَةٍ) أَيْ بِحَيْثُ لَا تُوطَأُ وَلَا يُتَّكَأُ عَلَيْهَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ عَلَى السِّتْرِ لِأَنَّهَا تَعْظِيمٌ لَهَا (قَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ) لَكِنَّهَا فِيهِ أَيْسَرُ لِأَنَّهُ لَا تَعْظِيمَ فِيهِ وَلَا تَشَبُّهَ مِعْرَاجٌ، وَفِي الْبَحْرِ قَالُوا: وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً مَا يَكُونُ عَلَى الْقِبْلَةِ أَمَامَ الْمُصَلِّي، ثُمَّ مَا يَكُونُ فَوْقَ رَأْسِهِ ثُمَّ مَا يَكُونُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ عَلَى الْحَائِطِ، ثُمَّ مَا يَكُونُ خَلْفَهُ عَلَى الْحَائِطِ أَوْ السِّتْرِ. اهـ.
قُلْت: وَكَأَنَّ عَدَمَ التَّعْظِيمِ فِي الَّتِي خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى حَائِطٍ أَوْ سِتْرٍ أَنَّ فِي اسْتِدْبَارِهَا اسْتِهَانَةً لَهَا، فَيُعَارِضُ مَا فِي تَعْلِيقِهَا مِنْ التَّعْظِيمِ، بِخِلَافِ مَا عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ وَلَمْ يَسْجُدْ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مُسْتَهَانَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إمَّا التَّعْظِيمُ أَوْ التَّشَبُّهُ عَلَى خِلَافِ مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ) قَدَّرَ لَا يُكْرَهُ مَعَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي لَا لِطُولِ الْفَصْلِ فَيَكُونُ الْآتِي تَأْكِيدًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ يُوطَأُ أَوْ مُرْفَقَةٍ يُتَّكَأُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْمُرْفَقَةُ وِسَادَةٌ الِاتِّكَاءِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ عِبَارَةُ الشُّمُنِّيِّ إلَخْ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَا فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى مِنْ الْإِشْكَالِ، وَهُوَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِهِ تَمْنَعُهُ عَنْ سُنَّةِ الْوَضْعِ هُوَ مَكْرُوهٌ بِغَيْرِ الصُّورَةِ فَكَيْفَ بِهَا؟ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ أَنْ لَا يُمْسِكَهَا بَلْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً بِيَدِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَأَرَادَ بِنَحْوِ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ مَرْسُومَةً فِي يَدِهِ وَفِي الْمِعْرَاجِ لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ مَنْ فِي يَدِهِ تَصَاوِيرُ لِأَنَّهَا مَسْتُورَةُ بِالثِّيَابِ لَا تَسْتَبِينُ فَصَارَتْ كَصُورَةِ نَقْشِ خَاتَمٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَوْ كَانَتْ بِالْوَشْمِ وَيُفِيدُ عَدَمُ نَجَاسَتِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَنْجَاسِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ غَيْرِ مُسْتَبِينٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَأْتِي فِي تَفْسِيرِ الصَّغِيرِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ) أَيْ مُفَادُ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهَا مَسْتُورَةٌ (قَوْلُهُ لَا الْمُسْتَتِرُ بِكِيسٍ أَوْ صُرَّةٍ) بِأَنْ صَلَّى وَمَعَهُ صُرَّةٌ أَوْ كِيسٌ فِيهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ فِيهَا صُوَرٌ صِغَارٌ فَلَا تُكْرَهُ لِاسْتِتَارِهَا بَحْرٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَهَا كَمَا يَأْتِي، لَكِنْ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ جَعْلُ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ ثَوْبٍ آخَرَ) بِأَنْ كَانَ فَوْقَ الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ صُورَةٌ ثَوْبٌ سَاتِرٌ لَهُ فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِاسْتِتَارِهَا بِالثَّوْبِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَا تَتَبَيَّنُ إلَخْ) هَذَا أَضْبَطُ مِمَّا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إلَّا بِتَبَصُّرٍ بَلِيغٍ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ، أَوْ لَا تَبْدُو لَهُ مِنْ بَعِيدٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّ فِي الْخِزَانَةِ: إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ مِقْدَارَ طَيْرٍ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَصْغَرَ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ لَهَا رَأْسٌ وَمُحِيَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ بِخَيْطِ خِيطَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ، أَوْ بَطَلَيْهِ بِمَغْرَةٍ أَوْ بِنَحْتِهِ، أَوْ بِغَسْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ عَادَةً وَأَمَّا قَطْعُ الرَّأْسِ عَنْ الْجَسَدِ بِخَيْطٍ مَعَ بَقَاءِ الرَّأْسِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَنْفِي الْكَرَاهَةَ لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالرَّأْسِ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِزَالَةِ الْحَاجِبِينَ أَوْ الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ بِدُونِهَا وَكَذَا لَا اعْتِبَارَ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ
أَوْ مَمْحُوَّةَ عُضْوٍ لَا تَعِيشُ بِدُونِهِ (أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ لَا) يُكْرَهُ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ وَخَبَرُ جِبْرِيلَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمُهَانَةِ كَمَا بَسَطَهُ ابْنُ الْكَمَالِ: وَاخْتَلَفَ الْمُحَدِّثُونَ فِي امْتِنَاعِ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ بِمَا عَلَى النَّقْدَيْنِ، فَنَفَاهُ عِيَاضٌ، وَأَثْبَتَهُ النَّوَوِيُّ.
(وَ) كُرِهَ تَنْزِيهًا (عَدُّ الْآيِ وَالسُّوَرِ وَالتَّسْبِيحِ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا) وَلَوْ نَفْلًا، أَمَّا خَارِجَهَا فَلَا يُكْرَهُ كَعَدِّهِ بِقَلْبِهِ أَوْ بِغَمْزِهِ أَنَامِلَهُ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا جَاءَ مِنْ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ.
ــ
[رد المحتار]
أَوْ الرِّجْلَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَمْحُوَّةَ عُضْوٍ إلَخْ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ، وَهَلْ مِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ مَثْقُوبَةَ الْبَطْنِ مَثَلًا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّقْبُ كَبِيرًا يَظْهَرُ بِهِ نَقْصُهَا فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا؛ كَمَا لَوْ كَانَ الثَّقْبُ لِوَضْعِ عَصَا تُمْسَكُ بِهَا كَمِثْلِ صُوَرِ الْخَيَّالِ الَّتِي يُلْعَبُ بِهَا لِأَنَّهَا تَبْقَى مَعَهُ صُورَةً تَامَّةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلسَّائِلِ " فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَلَا فَرْقَ فِي الشَّجَرِ بَيْنَ الْمُثْمِرِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمُجَاهِدٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ) أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَحْصُلُ التَّشَبُّهُ.
فَإِنْ قِيلَ عُبِدَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ وَالشَّجَرَةُ الْخَضْرَاءُ. قُلْنَا عُبِدَ عَيْنُهُ لَا تِمْثَالُهُ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ اسْتِقْبَالُ عَيْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِعْرَاجٌ: أَيْ لِأَنَّهَا عَيْنُ مَا عُبِدَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَوَّرَهَا وَاسْتَقْبَلَ صُورَتَهَا (قَوْلُهُ وَخَبَرُ جِبْرِيلَ إلَخْ) هُوَ قَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إنَّا لَا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَمَّا يُقَالُ: إنْ كَانَتْ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا مَرَّ كَوْنَ الْمَحَلِّ الَّذِي تَقَعُ فِيهِ الصَّلَاةُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ لِأَنَّ شَرَّ الْبِقَاعِ بُقْعَةٌ لَا تَدْخُلُهَا الْمَلَائِكَةُ يَنْبَغِي أَنْ تُكْرَهَ وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ مُهَانَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا صُورَةٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ التَّشَبُّهَ بِعِبَادَتِهَا فَلَا تُكْرَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ أَمَامَهُ أَوْ فَوْقَ رَأْسِهِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ؛ وَأَمَّا الثَّانِي فَيُفِيدُ أَشَدِّيَّةَ الْكَرَاهَةِ غَيْرَ أَنَّ عُمُومَ النَّصِّ الْمَذْكُورِ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمُهَانَةِ، لِمَا رَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالنَّسَائِيُّ «اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اُدْخُلْ فَقَالَ: كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِك سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ؟ فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا» نَعَمْ يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا إذَا كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ مَعَ أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسَ فِيهَا تَشَبُّهٌ لِأَنَّ عَبَدَةَ الْأَصْنَامِ لَا يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا، بَلْ يَنْصِبُونَهَا وَيَتَوَجَّهُونَ إلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ فِيهَا صُورَةُ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَتِهَا حَالَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَتَعْظِيمٌ لَهَا إنْ سَجَدَ عَلَيْهَا اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ،
أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْعِلَّةَ إمَّا التَّعْظِيمُ أَوْ التَّشَبُّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالتَّعْظِيمُ أَعَمُّ؛ كَمَا لَوْ كَانَتْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا تَشَبُّهَ فِيهَا بَلْ فِيهَا تَعْظِيمٌ، وَمَا كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ وَتَشَبُّهٌ فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً، وَلِهَذَا تَفَاوَتَتْ رُتْبَتُهَا كَمَا مَرَّ وَخَبَرُ جِبْرِيلَ عليه السلام مَعْلُولٌ بِالتَّعْظِيمِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَغَيْرِهِ، فَعَدَمُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَتْ الصُّورَةُ مُعَظَّمَةٌ، وَتَعْلِيلُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بِالتَّعْظِيمِ أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ الدُّخُولِ لِأَنَّ التَّعْظِيمَ قَدْ يَكُونُ عَارِضًا لِأَنَّ الصُّورَةَ إذَا كَانَتْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ تَكُونُ مُهَانَةً لَا تَمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى ذَلِكَ الْبِسَاطِ وَسَجَدَ عَلَيْهَا تُكْرَهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لَهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ الدُّخُولِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ الْعَارِضِ؛ وَأَمَّا مَا فِي الْفَتْحِ عَنْ شَرْحِ عَتَّابٍ مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ خَلْفَهُ أَوْ تَحْتَ رِجْلَيْهِ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ، وَلَكِنْ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ جَعْلِ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ لِلْحَدِيثِ، فَظَاهِرُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ وَلَوْ مُهَانَةً، وَكَرَاهَةُ جَعْلِهَا فِي بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ الْمُخَصِّصِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ فِي امْتِنَاعِ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ) قَيَّدَ بِهِمْ إذْ الْحَفَظَةُ لَا يُفَارِقُونَ الْإِنْسَانَ إلَّا عِنْدَ الْجِمَاعِ وَالْخَلَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالْحَفَظَةِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ وَاَلَّذِينَ يَحْفَظُونَهُ مِنْ الْجِنِّ نَهْرٌ، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ قَبْلَ فَصْلِ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ فَنَفَاهُ عِيَاضٌ) أَيْ وَقَالَ: إنَّ الْأَحَادِيثَ مُخَصَّصَةٌ بَحْرٌ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ مَا لَا يُؤْثَرُ كَرَاهَةً فِي الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ إبْقَاؤُهُ، وَقَدْ