المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(وَسُنَنُهُ) كَسُنَنِ الْوُضُوءِ سِوَى التَّرْتِيبِ. وَآدَابُهُ كَآدَابِهِ سِوَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛ - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ١

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌أَرْكَانُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوء]

- ‌فَرْضُ الْغُسْلِ)

- ‌[فُرُوعٌ فِي الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْلِ]

- ‌بَابُ الْمِيَاهِ

- ‌[الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ]

- ‌[فَرْعٌ] مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ

- ‌[فُرُوعٌ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ

- ‌[فَرْعٌ] وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا

- ‌[فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم وَشُرُوطه]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فُرُوعٌ] صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْذُورِ]

- ‌بَابُ الْأَنْجَاسِ

- ‌فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاء]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ الْأَذَانِ

- ‌[فَائِدَةٌ] التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي النِّيَّةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[فَرَائِض الصَّلَاة]

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ]

- ‌[وَاجِبَات الصَّلَاة]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَان تَأْلِيف الصَّلَاة إلَى انتهائها]

- ‌[فُرُوعٌ] كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ

- ‌[فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة]

- ‌فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا

- ‌بَابُ الْإِمَامَةِ

- ‌[فُرُوعٌ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً]

- ‌بَابُ الِاسْتِخْلَافِ

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا

- ‌[فُرُوعٌ سَمِعَ المصلي اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جل جلاله أَوْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته]

- ‌[فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ

- ‌فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ

- ‌[فُرُوعٌ اشْتِمَالُ الصَّلَاة عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[فُرُوعٌ]أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ

الفصل: (وَسُنَنُهُ) كَسُنَنِ الْوُضُوءِ سِوَى التَّرْتِيبِ. وَآدَابُهُ كَآدَابِهِ سِوَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛

(وَسُنَنُهُ) كَسُنَنِ الْوُضُوءِ سِوَى التَّرْتِيبِ. وَآدَابُهُ كَآدَابِهِ سِوَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ عَوْرَةٍ وَقَالُوا: لَوْ مَكَثَ فِي مَاءٍ جَارٍ أَوْ حَوْضٍ كَبِيرٍ أَوْ مَطَرٍ قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ.

ــ

[رد المحتار]

مَعَ الْحَقِيقِيَّةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ، وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مَعَ الْحُكْمِيَّةِ رَأْسًا اهـ ح: زَادَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ الْغُسْلَ فَرْضٌ فَلَا يُتْرَكُ لِكَشْفِ الْعَوْرَةِ: بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَتَرْكُهَا أَوْلَى مِنْ الْكَشْفِ الْحَرَامِ. وَاعْتَرَضَ الْحَمَوِيُّ الْفَرْقَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْحُكْمِيَّةَ قَدْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهَا أَيْضًا، فَإِنَّ الْجَبِيرَةَ يَجُوزُ تَرْكُ الْمَسْحِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ الْمَسْحُ عِنْدَ الْإِمَامِ مَعَ أَنَّ تَحْتَهَا حَدَثًا اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَكُونُ غَسْلُ بَاقِي الْجَسَدِ رَافِعًا لِجَمِيعِ الْحَدَثِ وَصَارَ كَأَنَّهُ غَسَلَ مَا تَحْتَهَا حُكْمًا، نَعَمْ الْفَرْقُ الثَّانِي غَيْرُ مُؤَثِّرٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ وَمِنْ تَقْدِيمِ النَّهْيِ عَلَى الْأَمْرِ إذَا اجْتَمَعَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ ضَعِيفٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[سُنَنُ الْغُسْلِ]

مَطْلَبُ سُنَنِ الْغُسْلِ.

(قَوْلُهُ: وَسُنَنُهُ) أَفَادَ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ لَهُ ط. وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ فَهُمَا بِمَعْنَى الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِمَا، فَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ أَدْنَى نَوْعَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ.

(قَوْلُهُ: كَسُنَنِ الْوُضُوءِ) أَيْ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالنِّيَّةِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالسِّوَاكِ وَالتَّخْلِيلِ وَالدَّلْكِ وَالْوَلَاءِ إلَخْ وَأُخِذَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ.

(قَوْلُهُ: سِوَى التَّرْتِيبِ) أَيْ الْمَعْهُودِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِلَّا فَالْغُسْلُ لَهُ تَرْتِيبٌ آخَرُ بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَادِئًا إلَخْ ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ. أَقُولُ: وَيُسْتَثْنَى الدُّعَاءُ أَيْضًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ.

(قَوْلُهُ: وَآدَابُهُ كَآدَابِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ: قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مُطْلَقًا، أَمَّا كَلَامُ النَّاسِ فَلِكَرَاهَتِهِ حَالَ الْكَشْفِ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَلِأَنَّهُ فِي مَصَبِّ الْمُسْتَعْمَلِ وَمَحَلِّ الْأَقْذَارِ وَالْأَوْحَالِ اهـ.

أَقُولُ: قَدْ عَدَّ التَّسْمِيَةَ مِنْ سُنَنِ الْغُسْلِ فَيُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ. وَاسْتَشْكَلَ فِي الْحِلْيَةِ عُمُومَ ذَلِكَ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ دَعْ لِي» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ «يُبَادِرُنِي وَأُبَادِرُهُ حَتَّى يَقُولَ دَعِي لِي وَأَقُولُ أَنَا دَعْ لِي» " ثُمَّ أَجَابَ بِحَمْلِهِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ أَنَّ الْمَسْنُونَ تَرْكُهُ مَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ ظَاهِرَةٌ. اهـ. أَقُولُ: أَوْ الْمُرَادُ الْكَرَاهَةُ حَالَ الْكَشْفِ فَقَطْ كَمَا أَفَادَهُ التَّعْلِيلُ السَّابِقُ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ بِلَا سَاتِرٍ.

(قَوْلُهُ: مَعَ كَشْفِ عَوْرَةٍ) فَلَوْ كَانَ مُتَّزِرًا فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْإِمْدَادِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَوْضٍ كَبِيرٍ أَوْ مَطَرٍ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا قِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِلْيَةِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ، حَيْثُ قَالَ: إنَّ ظَاهِرَ التَّقْيِيدِ بِالْجَارِي أَنَّ الرَّاكِدَ وَلَوْ كَثِيرًا لَيْسَ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ جَرَيَانَ الْمَاءِ عَلَى بَدَنِهِ قَائِمٌ مَقَامَ التَّثْلِيثِ فِي الصَّبِّ وَلَا كَذَلِكَ الرَّاكِدُ، وَرُبَّمَا يُقَالُ إنْ انْتَقَلَ فِيهِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ مِقْدَارَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ اهـ وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِانْتِقَالَ غَيْرُ قَيْدٍ بَلْ التَّحَرُّكُ كَافٍ وَلَا يُقَالُ إنَّ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ فِي حُكْمِ الْجَارِي فَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ قَبُولِهِ النَّجَاسَةَ لَا مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: قَدْرَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) اُنْظُرْ هَلْ الْمُرَادُ قَدْرُ زَمَنِهِمَا لَوْ كَانَ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ مِقْدَارُ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ بِلَحَظَاتٍ يَسِيرَةٍ يَتَحَقَّقُ فِيهَا غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مُرَتَّبَةً ثَلَاثًا مَعَ غَسْلِ بَاقِي الْجَسَدِ كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا.

ص: 156

فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ (الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ وَفَرْجِهِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ خَبَثٌ اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ (وَخَبَثِ بَدَنِهِ إنْ كَانَ) عَلَيْهِ خَبَثٌ لِئَلَّا يَشِيعَ (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ) أَطْلَقَهُ فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ، فَلَا يُؤَخِّرُ قَدَمَيْهِ وَلَوْ فِي مَجْمَعِ الْمَاءِ لِمَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ طَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ كُلِّ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ فِي الْغُسْلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ،

ــ

[رد المحتار]

وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ الْمُوجِبُونَ تَرْتِيبَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ الْمُتَوَضِّئَ لَوْ غَطَسَ فِي مَاءٍ وَمَكَثَ قَدْرَ التَّرْتِيبِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ الصِّحَّةَ بِلَا مُكْثٍ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَحْصُلُ فِي لَحَظَاتٍ لَطِيفَةٍ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ فِي التُّحْفَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ سُنَنَ الْغُسْلِ: وَيَكْفِي فِي رَاكِدٍ تَحَرُّكُ جَمِيعِ الْبَدَنِ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْ قَدَمَهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَرَكَةٍ تُوجِبُ مُمَاسَّةَ مَاءٍ لِبَدَنِهِ غَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي قَبْلَهَا اهـ مُلَخَّصًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَاءٍ جَارٍ يَحْصُلُ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْوُضُوءِ بِلَا مُكْثٍ وَلَا تَحَرَّكَ وَلَوْ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحَرُّكِ، أَوْ الِانْتِقَالِ الْقَائِمِ مَقَامَ الصَّبِّ فَيَحْصُلُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَصُبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا. اهـ.

(قَوْلُهُ: الْبُدَاءَةُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ غَيْرُ الْغُسْلِ الَّذِي فِي الْوُضُوءِ.

(قَوْلُهُ: وَفَرْجِهِ) أَيْ ثُمَّ فَرْجِهِ، بِأَنْ يُفِيضَ الْمَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَيْهِ فَيَغْسِلَهُ بِالْيُسْرَى ثُمَّ يُنَقِّيَهُ، وَالْفَرْجُ قُبُلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الدُّبُرِ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ. اهـ. قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ فَيَشْمَلُ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ خَبَثٌ) رَدٌّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ وَابْنِ الْكَمَالِ.

(قَوْلُهُ: اتِّبَاعًا لِلْحَدِيثِ) وَهُوَ مَا رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ «مَيْمُونَةَ رضي الله عنها قَالَتْ وَضَعْت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَاءً يَغْتَسِلُ بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ دَلَكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: وَخَبَثِ بَدَنِهِ) أَيْ لَوْ قَلِيلًا كَمَا يَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ. وَأَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ نَفْسُ الْبُدَاءَةِ بِغُسْلِ النَّجَاسَةِ، وَأَمَّا نَفْسُ غَسْلِهَا فَلَا بُدَّ مِنْهُ وَلَوْ قَلِيلَةً فِيمَا يَظْهَرُ لِتَنَجُّسِ الْمَاءِ بِهَا، فَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَمَّا تَحْتَهَا مَا لَمْ تَزَلْ كَمَا بَحَثَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا. أَقُولُ: وَرَأَيْته فِي شَرْحِ وَالِدِهِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ ذَكَرَهُ جَازِمًا بِهِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: فَانْصَرَفَ إلَى الْكَامِلِ) أَيْ بِجَمِيعِ سُنَنِهِ وَمَنْدُوبَاتِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، قَالَ: وَيَمْسَحُ فِيهِ رَأْسَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي مَجْمَعِ الْمَاءِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ وَاقِفًا فِي مَحَلٍّ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ الْغُسْلُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمَتْنِ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ، وَقِيلَ يُؤَخَّرُ مُطْلَقًا، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَكْثَرِ وَإِطْلَاقِ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمُتَقَدِّمِ، وَقِيلَ بِالتَّفْصِيلِ إنْ كَانَ فِي مَجْمَعِ الْمَاءِ فَيُؤَخَّرُ وَإِلَّا فَلَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْكَافِي. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا فِي الْجَوَازِ.

(قَوْلُهُ: لِمَا أَنَّ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْمَشَايِخِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْخِيرِ إنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيمِ غَسْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَلَوَّثَانِ بِالْغَسَلَاتِ بَعْدُ فَيَحْتَاجُ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْمُفْتَى بِهِ طَهَارَةُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ الْهِنْدِيُّ: إنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَتِهِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ إلَخْ) تَرَقٍّ فِي الْجَوَابِ، وَحَاصِلُهُ مَنْعُ كَوْنِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَمَا دَامَتْ رِجْلَاهُ فِي الْمَاءِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الِانْفِصَالِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَاءِ حُكِمَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَلَمْ يُصِبْهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ خُرُوجِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ.

ص: 157

فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا إلَّا إذَا كَانَ بِبَدَنِهِ خَبَثٌ وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ بِتَأْخِيرِ غَسْلِهَا إنَّمَا اسْتَحَبُّوهُ لِيَكُونَ الْبَدْءُ وَالْخَتْمُ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَقَالُوا: لَوْ تَوَضَّأَ أَوَّلًا لَا يَأْتِي بِهِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وُضُوءَانِ لِلْغُسْلِ اتِّفَاقًا، أَمَّا لَوْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَوْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِصَلَاةٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ فَيُسْتَحَبُّ (ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ) عَلَى كُلِّ بَدَنِهِ ثَلَاثًا مُسْتَوْعِبًا مِنْ الْمَاءِ الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ لِلْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَقِيلَ: الْمَقْصُودُ عَدَمُ

ــ

[رد المحتار]

وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي تَجْزِيءِ الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهِ. وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ لَوْ تَمَضْمَضَ الْجُنُبُ أَوْ غَسَلَ يَدَيْهِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْقِرَاءَةُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ؟ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّجَزُّؤِ نَعَمْ، وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِهِ لَا وَهِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّ زَوَالَ الْجَنَابَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى غَسْلِ الْبَاقِي، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَيَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فَافْهَمْ. ثُمَّ اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَصِحُّ دَفْعًا لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيمِ غَسْلِهِمَا عَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا إذْ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ وَنَجَاسَتِهِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِصَالِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِمَا ثَانِيًا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، وَلِصَاحِبِ النَّهْرِ هُنَا كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ أَوْضَحْنَاهَا فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ غَسْلِهِمَا لِلنَّجَاسَةِ فَقَطْ.

(قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْقَائِلِينَ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا وَنَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَغْسِلُهُمَا ثَانِيًا مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَصَابَهُمَا طِينٌ أَوْ كَانَتَا فِي مَجْمَعِ الْمَاءِ أَوَّلًا وَلَا.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي: بَلْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَتِهِ. أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ الْغُسْلِ فَلَيْسَ مِنَّا» اهـ تَأَمَّلْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِحْبَابِهِ لَوْ بَقِيَ مُتَوَضِّئًا إلَى فَرَاغِ الْغُسْلِ، فَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَهُ يَنْبَغِي إعَادَتُهُ. وَلَمْ أَرَهُ، فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ الْمَجْلِسُ) كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَحْثِ الْوُضُوءِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ يُفِيضَنَّ) أَتَى بِثُمَّ لِلْإِشَارَةِ إلَى التَّرْتِيبِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يُفِيضُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ فِعْلَهُمَا فِي الْوُضُوءِ كَافٍ عَنْ فِعْلِهِمَا فِي الْغُسْلِ؛ فَالسُّنَّةُ نَابَتْ مَنَابَ الْفَرْضِ ط. وَمَعْنَى يُفِيضُ: يَصُبُّ. قَالَ فِي الدُّرَرِ: حَتَّى لَوْ لَمْ يَصُبَّ لَمْ يَكُنْ الْغُسْلُ مَسْنُونًا وَإِنْ زَالَ الْحَدَثُ اهـ وَهَذَا لَوْ كَانَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ، أَمَّا لَوْ مَكَثَ فِي مَاءٍ جَارٍ قَامَ الْجَرَيَانُ مَقَامَ الصَّبِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ بَدَنِهِ) زَادَ كُلَّ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ عَدَمِ إعَادَةِ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِرَفْعِ الْحَدَثِ عَنْهَا ط. أَقُولُ: لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُسَنُّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ إعَادَةُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ غَسْلِ الذِّرَاعَيْنِ.

(قَوْلُهُ: ثَلَاثًا) الْأُولَى فَرْضٌ وَالثِّنْتَانِ سُنَّتَانِ عَلَى الصَّحِيحِ سِرَاجٌ.

(قَوْلُهُ: مُسْتَوْعِبًا) أَيْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِتَحْصُلَ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ ط. مَطْلَبٌ فِي تَحْرِيرِ الصَّاعِ وَالْمُدِّ وَالرِّطْلِ

(قَوْلُهُ: وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) أَيْ بِالْبَغْدَادِيِّ، وَهِيَ صَاعٌ عِرَاقِيٌّ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، كُلُّ مُدٍّ رِطْلَانِ، وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَالصَّاعُ الْحِجَازِيُّ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ، وَبِهِ أَخَذَ الصَّاحِبَانِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، فَالْمُدُّ حِينَئِذٍ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، وَالرِّطْلُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. قُلْت: وَالصَّاعُ الْعِرَاقِيُّ نَحْوُ نِصْفِ مُدٍّ دِمَشْقِيٍّ، فَإِذَا تَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ بِهِ فَقَدْ حَصَّلَ السُّنَّةَ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ الْمَقْصُودُ إلَخْ) الْأَصْوَبُ حَذْفُ قِيلَ لِمَا فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَا يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِمِقْدَارٍ. وَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَدْنَى مَا يَكْفِي الْغُسْلَ صَاعٌ، وَفِي الْوُضُوءِ مُدٌّ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ

ص: 158

الْإِسْرَافِ. وَفِي الْجَوَاهِرِ لَا إسْرَافَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَيَّعٍ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ (بَادِئًا بِمَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ رَأْسِهِ) عَلَى (بَقِيَّةِ بَدَنِهِ مَعَ دَلْكِهِ) نَدْبًا، وَقِيلَ يُثَنِّي بِالرَّأْسِ، وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالْأَحَادِيثِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ وَبِهِ يَضْعُفُ تَصْحِيحُ الدُّرَرِ.

(وَصَحَّ نَقْلُ بِلَّةِ عُضْوٍ إلَى) عُضْوٍ (آخَرَ فِيهِ) بِشَرْطِ التَّقَاطُرِ (لَا فِي الْوُضُوءِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ.

(وَفُرِضَ) الْغُسْلُ (عِنْدَ) خُرُوجِ (مَنِيٍّ) مِنْ الْعُضْوِ وَإِلَّا فَلَا يُفْرَضُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ (مُنْفَصِلٍ عَنْ مَقَرِّهِ) هُوَ صُلْبُ الرَّجُلِ وَتَرَائِبُ الْمَرْأَةِ، وَمَنِيُّهُ أَبْيَضُ وَمَنِيُّهَا أَصْفَرُ، فَلَوْ اغْتَسَلَتْ فَخَرَجَ مِنْهَا مَنِيٌّ، وَإِنْ مَنِيُّهَا

ــ

[رد المحتار]

«كَانَ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ، وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ» لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ هُوَ بَيَانُ أَدْنَى الْقَدْرِ الْمَسْنُونِ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْبَغَ بِدُونِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَأَحْوَالَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ اهـ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْجَوَاهِرِ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ مُسْتَوْفًى.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَيْسَرِ) أَيْ ثَلَاثًا أَيْضًا، وَقَوْلُهُ ثُمَّ بِرَأْسِهِ: أَيْ يَغْسِلُهُ مَعَ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ ثَلَاثًا أَيْضًا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا، خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ مِنْ غَسْلِهِ الرَّأْسَ وَحْدَهُ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ عَلَى بَقِيَّةِ بَدَنِهِ) أَيْ ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى بَقِيَّةِ بَدَنِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّرَ الشَّارِحُ لَفْظَةَ عَلَى وَلَمْ يُبْقِهِ مَعْطُوفًا عَلَى مَجْرُورِ الْبَاءِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِقَوْلِهِ بَادِئًا لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِتَامٌ.

(قَوْلُهُ: مَعَ دَلْكِهِ) قَيَّدَهُ فِي الْمُنْيَةِ بِالْمَرَّةِ الْأُولَى، وَعَلَّلَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِكَوْنِهَا سَابِقَةً فِي الْوُجُودِ فَهِيَ بِالدَّلْكِ أَوْلَى.

(قَوْلُهُ: نَدْبًا) عَدَّهُ فِي الْإِمْدَادِ مِنْ السُّنَنِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُثَنِّي بِالرَّأْسِ) أَيْ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَنِ ثَلَاثًا ثُمَّ بِالرَّأْسِ ثَلَاثًا ثُمَّ بِالْأَيْسَرِ ثَلَاثًا. حِلْيَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالرَّأْسِ) أَيْ ثُمَّ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ، دُرَرٌ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) كَذَا عَبَّرَ فِي النَّهْرِ، وَاَلَّذِي فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ التَّعْبِيرُ بِظَاهِرِ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَحَادِيثِ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِي شَرْحِ الْبُرْجَنْدِيِّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِعِدَّةِ أَحَادِيثَ أَوْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ اهـ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: تَصْحِيحُ الدُّرَرِ) هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَتْنِهِ هُنَا.

(قَوْلُهُ: وَصَحَّ نَقْلُ بَلَّةُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَبُو السُّعُودِ.

(قَوْلُهُ: إلَى عُضْوٍ آخَرَ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ اتَّحَدَ الْعُضْوُ صَحَّ فِي الْوُضُوءِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُهُسْتَانِيُّ.

(قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْغُسْلِ. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: فَلَوْ وَضَعَ الْجُنُبُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فِي الْغُسْلِ تَطْهُرُ السُّفْلَى بِمَاءِ الْعُلْيَا بِخِلَافِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ فِي الْجَنَابَةِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ التَّقَاطُرِ) صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْغُسْلِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ صَحَّ وَلِقَوْلِهِ لَا فِي الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ لَيْسَتْ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فَافْهَمْ. قَالَ ط: وَقَدَّمَ الشَّارِحُ أَنَّهُ يَجُوزُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِبَلَلٍ بَاقٍ بَعْدَ غُسْلٍ لَا مَسْحٍ وَهُوَ لَيْسَ بِنَقْلٍ.

(قَوْلُهُ: وَفُرِضَ الْغُسْلُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْفَرْضِ مَا يَعُمُّ الْعِلْمِيَّ وَالْعَمَلِيَّ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ بَلَلًا لَيْسَ مِمَّا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ؛ وَلِذَا خَالَفَ فِيهِ أَبُو يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ خُرُوجِ) لَمْ يَقُلْ بِخُرُوجِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَا لَا يَحِلُّ مَعَ الْجَنَابَةِ كَمَا اخْتَارَهُ فِي الْفَتْحِ وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي قَوْلِهِ وَعِنْدَ انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، وَلَوْ قَالَ وَبَعْدَ خُرُوجٍ لَكَانَ أَظْهَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبْلَ السَّبَبِ.

(قَوْلُهُ: مَنِيٍّ) أَيْ مَنِيِّ الْخَارِجِ مِنْهُ، الْخِلَافُ مَا لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَرْأَةِ مَنِيُّ الرَّجُلِ كَمَا يَأْتِي، وَشَمِلَ مَا يَكُونُ بِهِ بُلُوغُ الْمُرَاهِقِ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.

(قَوْلُهُ: مِنْ الْعُضْوِ) هُوَ ذَكَرُ الرَّجُلِ وَفَرْجُ الْمَرْأَةِ الدَّاخِلُ احْتِرَازًا عَنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَقَرِّهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْعُضْوِ بِأَنْ بَقِيَ فِي قَصَبَةِ الذَّكَرِ أَوْ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ، أَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ جُرْحٍ فِي الْخُصْيَةِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ مَقَرِّهِ بِشَهْوَةٍ فَالظَّاهِرُ افْتِرَاضُ الْغُسْلِ. وَلْيُرَاجَعْ.

(قَوْلُهُ: وَتَرَائِبُ الْمَرْأَةِ) أَيْ عِظَامُ صَدْرِهَا كَمَا فِي الْكَشَّافِ.

(قَوْلُهُ: وَمَنِيُّهُ أَبْيَضُ إلَخْ) وَأَيْضًا مَنِيُّهُ خَاثِرٌ وَمَنِيُّهَا رَقِيقٌ.

(قَوْلُهُ: إنْ مَنِيُّهَا) أَيْ

ص: 159

أَعَادَتْ الْغُسْلَ لَا الصَّلَاةَ وَإِلَّا لَا (بِشَهْوَةٍ) أَيْ لَذَّةٍ وَلَوْ حُكْمًا كَمُحْتَلِمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ لِيَشْمَلَ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الدَّفْقَ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَيْهِ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق: 6] الْآيَةَ، فَيَحْتَمِلُ التَّغْلِيبَ فَالْمُسْتَدِلُّ بِهَا كالقهستاني تَبَعًا لِأَخِي جَلَبِي غَيْرُ مُصِيبٍ تَأَمَّلْ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَلِذَا قَالَ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ (بِهَا) وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى فِي ضَيْفٍ خَافَ رِيبَةً أَوْ اسْتَحَى كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ والتتارخانية مَعْزِيًّا لِلنَّوَازِلِ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قُلْت

ــ

[رد المحتار]

يَقِينًا، فَلَوْ شَكَّتْ فِيهِ فَلَا تُعِيدُ الْغُسْلَ اتِّفَاقًا لِلِاحْتِمَالِ وَالْأَوْلَى الْإِعَادَةُ عَلَى قَوْلِهِمَا احْتِيَاطًا نُوحٌ أَفَنْدِي.

(قَوْلُهُ: لَا الصَّلَاةَ) كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعِيدُ مَا صَلَّى إذَا خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُبْتَغِي: بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، يَعْنِي أَنَّهَا تُعِيدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ، وَفِي نَظَرٍ ظَاهِرٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِ قَوْلِهِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ عَلَى أَنَّهَا لَا تُعِيدُ أَصْلًا أَيْ لَا الْغُسْلَ وَلَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاءُ الرَّجُلِ اهـ. أَقُولُ: أَيْ إذَا لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ مَاؤُهَا.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنِيَّهَا بَلْ مَنِيُّ الرَّجُلِ لَا تُعِيدُ شَيْئًا وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ رَمْلِيٌّ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ: بِشَهْوَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُنْفَصِلٍ، اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ انْفَصَلَ بِضَرْبٍ أَوْ حَمْلٍ ثَقِيلٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَلَا غُسْلَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ كَمَا فِي الدُّرَرِ.

(قَوْلُهُ: كَمُحْتَلِمٍ) فَإِنَّهُ لَا لَذَّةَ لَهُ يَقِينًا لِفَقْدِ إدْرَاكِهِ ط فَتَأَمَّلْ. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ: أَيْ إذَا رَأَى الْبَلَلَ وَلَمْ يُدْرِكْ اللَّذَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ أَدْرَكَهَا ثُمَّ ذَهِلَ عَنْهَا فَجُعِلَتْ اللَّذَّةُ حَاصِلَةً حُكْمًا.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّفْقَ) إشَارَةٌ إلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْكَنْزِ حَيْثُ ذَكَرَهُ، فَإِنَّهُ فِي الْبَحْرِ زَيَّفَ كَلَامَهُ وَجَعَلَهُ مُتَنَاقِضًا، وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الدَّفْقِ هُوَ سُرْعَةُ الصَّبِّ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ لَا مِنْ مَقَرِّهِ. وَأَمَّا مَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَنْزِ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ كَوْنُهُ دَافِقًا مِنْ مَقَرِّهِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ إنَّ الْمَاءَ يَكُونُ دَافِقًا أَيْ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَدْفُقُ بَعْضًا، فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ نَفْسُهُ: إنِّي لَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: غَيْرُ ظَاهِرٍ) أَيْ لِاتِّسَاعِ مَحَلِّهِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا إسْنَادُهُ إلَخْ) أَيْ إسْنَادُ الدَّفْقِ إلَى مَنِيِّ الْمَرْأَةِ أَيْضًا أَيْ كَإِسْنَادِهِ إلَى مَنِيِّ الرَّجُلِ.

(قَوْلُهُ: فَيَحْتَمِلُ التَّغْلِيبَ) أَيْ تَغْلِيبَ مَاءِ الرَّجُلِ لِأَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى مَاءِ الْمَرْأَةِ.

(قَوْلُهُ: فَالْمُسْتَدِلُّ بِهَا) أَيْ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ فِي مَنِيِّهَا دَفْقًا أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: تَأَمَّلْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى إمْكَانِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الدَّفْقِ مِنْهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ يُشْعِرُ بِأَنَّ فِيهِ دَفْقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالرَّجُلِ، أَفَادَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِيَشْمَلَ، وَالضَّمِيرُ لِلدَّفْقِ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَلِذَا قَالَ إلَخْ) أَيْ لِكَوْنِ الدَّفْقِ لَيْسَ شَرْطًا. قَالَ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهَا: أَيْ بِشَهْوَةٍ، فَإِنَّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْخُرُوجِ بِهَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الدَّفْقِ إذْ لَا يُوجَدُ الدَّفْقُ بِدُونِهَا.

(قَوْلُهُ: وَشَرَطَهُ أَبُو يُوسُفَ) أَيْ شَرَطَ الدَّفْقَ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ احْتَلَمَ أَوْ نَظَرَ بِشَهْوَةٍ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ حَتَّى سَكَنَتْ شَهْوَتُهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَأَنْزَلَ وَجَبَ عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ قَبْلَ النَّوْمِ أَوْ الْبَوْلِ أَوْ الْمَشْيِ الْكَثِيرِ نَهْرٌ أَيْ لَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ وَالْبَوْلَ وَالْمَشْيَ يَقْطَعُ مَادَّةَ الزَّائِلِ عَنْ مَكَانِهِ بِشَهْوَةٍ فَيَكُونُ الثَّانِي زَائِلًا عَنْ مَكَانِهِ بِلَا شَهْوَةٍ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا زَيْلَعِيٌّ، وَأَطْلَقَ الْمَشْيَ كَثِيرٌ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِالْكَثِيرِ وَهُوَ أَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْخُطْوَةَ وَالْخُطْوَتَيْنِ لَا يَكُونُ مِنْهُمَا ذَلِكَ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ. قَالَ الْمَقْدِسِيَّ: وَفِي خَاطِرِي أَنَّهُ عُيِّنَ لَهُ أَرْبَعُونَ خُطْوَةً فَلْيُنْظَرْ. اهـ.

(قَوْلُهُ: خَافَ رِيبَةً) أَيْ تُهْمَةً.

(قَوْلُهُ: وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ نَأْخُذُ) أَيْ فِي الضَّيْفِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْفَقِيهَ أَبَا اللَّيْثِ وَخَلَفَ بْنَ أَيُّوبَ أَخَذَا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ إسْمَاعِيلَ.

(قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) ظَاهِرُهُ الْمَيْلُ إلَى اخْتِيَارِ مَا فِي النَّوَازِلِ، وَلَكِنْ أَكْثَرُ الْكُتُبِ عَلَى خِلَافِهِ حَتَّى الْبَحْرُ وَالنَّهْرُ، وَلَا سِيَّمَا قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ قَوْلَهُ قِيَاسٌ وَقَوْلَهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَأَنَّهُ الْأَحْوَطُ، فَيَنْبَغِي الْإِفْتَاءُ بِقَوْلِهِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ فَقَطْ تَأَمَّلْ.

ص: 160

وَلَا سِيَّمَا فِي الشِّتَاءِ وَالسَّفَرِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ: خَرَجَ مَنِيٌّ بَعْدَ الْبَوْلِ وَذَكَرُهُ مُنْتَشِرٌ لَزِمَهُ الْغُسْلُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَحَلُّهُ إنْ وَجَدَ الشَّهْوَةَ، وَهُوَ تَقْيِيدُ قَوْلِهِمْ بِعَدَمِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهِ بَعْدِ الْبَوْلِ.

(وَ) عِنْدَ (إيلَاجِ حَشَفَةِ) هِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ (آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجِنِّيِّ يَعْنِي إذَا لَمْ تَنْزِلْ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا فِي صُورَةِ الْآدَمِيِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ (أَوْ) إيلَاجُ (قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا) وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ

ــ

[رد المحتار]

وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلِ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: يُؤْخَذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي صَلَوَاتٍ مَاضِيَةٍ فَلَا تُعَادُ، وَفِي مُسْتَقْبَلَةٍ لَا يُصَلِّي مَا لَمْ يَغْتَسِلْ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] إذَا لَمْ يَتَدَارَكْ مَسْكَ ذَكَرِهِ حَتَّى نَزَلَ الْمَنِيُّ صَارَ جُنُبًا بِالِاتِّفَاقِ، فَإِذَا خَشِيَ الرِّيبَةَ يَتَسَتَّرُ بِإِيهَامِ أَنَّهُ يُصَلِّي بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَنِيَّةٍ وَتَحْرِيمَةٍ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ وَيَرْكَعُ شِبْهَ الْمُصَلِّي إمْدَادٌ.

(قَوْلُهُ: وَمَحْمَلُهُ) أَيْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ فِي حَالَةِ الِانْتِشَارِ وَجَدَ الْخُرُوجَ وَالِانْفِصَالَ جَمِيعًا عَلَى وَجْهِ الدَّفْقِ وَالشَّهْوَةِ اهـ: وَعِبَارَةُ الْمُحِيطِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ: رَجُلٌ بَالَ فَخَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ مَنِيٌّ، إنْ كَانَ مُنْتَشِرًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلَالَةُ خُرُوجِهِ عَنْ شَهْوَةٍ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: تَقْيِيدُ قَوْلِهِمْ) أَيْ فَيُقَالُ إنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهِ بَعْدَ الْبَوْلِ اتِّفَاقًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا فَلَوْ مُنْتَشِرًا وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ جَدِيدٌ وُجِدَ مَعَهُ الدَّفْقُ وَالشَّهْوَةُ. أَقُولُ: وَكَذَا يُقَيَّدُ عَدَمُ وُجُوبِهِ بِعَدَمِ النَّوْمِ وَالْمَشْيِ الْكَثِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ إيلَاجِ) أَيْ إدْخَالِ، وَهَذَا أَعْلَمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لِشُمُولِهِ الدُّبُرَ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: هِيَ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ) كَذَا فِي الْقَامُوسِ، زَادَ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ: وَفِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي: هِيَ رَأْسُ الذَّكَرِ إلَى الْخِتَانِ، وَهُوَ: أَيْ الْخِتَانُ مَوْضِعُ قَطْعِ جِلْدِ الْقُلْفَةِ. اهـ. فَمَوْضِعُ الْقَطْعِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْحَشَفَةِ كَمَا شَرَحَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ، وَمِثْلُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْحَشَفَةُ الْكَمَرَةُ. أَقُولُ: هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَا فَوْقَ الْخِتَانِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمُرَادِ بِهَا مِنْ رَأْسِ الذَّكَرِ إلَى الْخِتَانِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَحْوُ نِصْفِ الذَّكَرِ، فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَجِبَ الْغُسْلُ حَتَّى يَغِيبَ نِصْفُ الذَّكَرِ.

(قَوْلُهُ: احْتِرَازٌ عَنْ الْجِنِّيِّ) فَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ قَالَتْ مَعِي جِنِّيٌّ يَأْتِينِي مِرَارًا وَأَجِدُ مَا أَجِدُ إذَا جَامَعَنِي زَوْجِي لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِانْعِدَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْإِيلَاجُ أَوْ الِاحْتِلَامُ دُرَرٌ: وَوَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِمَا يَأْتِينِي فِي النَّوْمِ مِرَارًا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رُؤْيَةُ مَنَامٍ، لَكِنْ ضَبَطَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ لَا بِالنُّونِ. أَقُولُ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ: هَذَا إذَا كَانَ وَاقِعًا فِي الْيَقَظَةِ، فَلَوْ فِي الْمَنَامِ فَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ مَا لِلِاحْتِلَامِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا لَمْ تَنْزِلْ) قَيَّدَ بِهِ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ تَرَ الْمَاءَ، فَإِنْ رَأَتْهُ صَرِيحًا وَجَبَ كَأَنَّهُ احْتِلَامٌ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ يَنْبَغِي وُجُوبُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ لِوُجُودِ الْإِيلَاجِ؛ لِأَنَّهَا تَعْرِفُ أَنَّهُ يُجَامِعُهَا كَمَا لَا يَخْفَى اهـ: أَقُولُ إنْ كَانَ هَذَا مَنَامًا فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِلَّا فَإِنْ ظَهَرَ لَهَا بِصُورَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ الْبَحْثُ الْآتِي وَإِلَّا فَهُوَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ، وَالْمَنْقُولُ فِيهَا عَدَمُ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ سَبَبِهِ كَمَا عَلِمْت، وَالْبَحْثُ فِي الْمَنْقُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهَا إلَخْ) وَهُوَ بَحْثٌ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ، لَكِنَّهُ تَرَدَّدَ فِيهِ فَقَالَ: أَمَّا إذَا ظَهَرَ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ وَكَذَا إذَا ظَهَرَ لِلرَّجُلِ جِنِّيَّةٌ فِي صُورَةِ آدَمِيَّةٍ فَوَطِئَهَا وَجَبَ الْغُسْلُ لِوُجُودِ الْمُجَانَسَةِ الصُّورِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِكَمَالِ السَّبَبِيَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ لَمْ تُوجَدْ بَيْنَهُمَا مُبَايَنَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ بِهِ بَعْضُهُمْ حُرْمَةَ التَّنَاكُحِ بَيْنَهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ الْغُسْلُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ كَمَا فِي الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا بَعْدَ الْوَطْءِ وَجَبَ الْغُسْلُ فِيمَا يَظْهَرُ لِانْتِفَاءِ مَا يُفِيدُ قُصُورَ السَّبَبِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: مِنْ مَقْطُوعِهَا) أَيْ مِنْ ذَكَرٍ مَقْطُوعِ الْحَشَفَةِ.

ص: 161

قَدْرُهَا. قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ: لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ، لَمْ أَرَهُ (فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ) حَيٍّ (يُجَامَعُ مِثْلُهُ) سَيَجِيءُ مُحْتَرَزُهُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ (لَوْ) كَانَ (مُكَلَّفَيْنِ) وَلَوْ أَحَدُهُمَا مُكَلَّفًا فَعَلَيْهِ فَقَطْ دُونَ الْمُرَاهِقِ، لَكِنْ يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْتَسِلَ، وَيُؤْمَرُ بِهِ ابْنُ عَشْرٍ تَأْدِيبًا (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يُنْزِلْ) مَنِيًّا بِالْإِجْمَاعِ، يَعْنِي لَوْ فِي دُبُرِ غَيْرِهِ، أَمَّا فِي دُبُرِ نَفْسِهِ فَرَجَّحَ فِي النَّهْرِ عَدَمَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْإِنْزَالِ: وَلَا يَرِدُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَإِنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ بِإِيلَاجِهِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ وَلَا عَلَى مَنْ جَامَعَهُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ؛

ــ

[رد المحتار]

بَقِيَ لَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْبَعْضِ مِنْهَا هَلْ يُنَاطُ الْحُكْمُ بِالْبَاقِي مِنْهَا أَمْ يُقَدِّرُ مِنْ الذَّكَرِ قَدْرَ مَا ذَهَبَ مِنْهَا كَمَا يُقَدِّرُ مِنْهُ لَوْ كَانَ الذَّاهِبُ كُلَّهَا لَمْ أَرَهُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) جَوَابُ لَوْ وَعِبَارَتُهُ فِي أَحْكَامِ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ مِنْ الْفَنِّ الثَّانِي: وَإِنْ لَمْ يَبْقَ قَدْرُهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ لِكَوْنِهَا كُلِّيَّةً وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ. اهـ. وَنَقَلَ ط عَنْ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِقَدْرِهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حُكْمٌ وَيُفْتَى بِهِ عِنْدَ السُّؤَالِ. اهـ. أَيْ لِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ مُعْتَبَرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: آدَمِيٍّ) احْتِرَازٌ عَنْ الْبَهِيمَةِ كَمَا يَأْتِي، وَعَنْ الْجِنِّيَّةِ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: سَيَجِيءُ مُحْتَرَزُهُ) أَيْ مُحْتَرَزُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقُيُودِ الثَّلَاثَةِ.

(قَوْلُهُ: مُكَلَّفَيْنِ) أَيْ عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحَدُهُمَا إلَخْ) لَكِنْ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُكَلَّفَةَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ مِمَّنْ يَشْتَهِي وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَيْضًا كَمَا يَأْتِي فِي الشَّرْحِ.

(قَوْلُهُ: تَأْدِيبًا) فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا يُؤْمَرُ بِهِ اعْتِيَادًا وَتَخَلُّقًا كَمَا يُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ. وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَطِئَ صَبِيَّةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَ جَبْرَهَا وَتَأْدِيبَهَا عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّازِيّ: تُضْرَبُ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَبِهِ نَقُولُ، وَكَذَا الْغُلَامُ الْمُرَاهِقُ يُضْرَبُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَمَنْسُوخٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَوُجُوبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ فِي الدُّبُرِ بِالْقِيَاسِ احْتِيَاطًا، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِدُبُرِ نَفْسِ الْمُولِجِ.

(قَوْلُهُ: فَرَجَّحَ فِي النَّهْرِ إلَخْ) هُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ عَدَمُ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْإِنْزَالِ؛ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْمَيْتَةِ فِي قُصُورِ الدَّاعِي، وَعُرِفَ بِهَذَا عَدَمُ الْوُجُوبِ بِإِيلَاجِ الْإِصْبَعِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُرَدُّ) أَيْ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ الْحَشَفَةُ وَأَحَدُ السَّبِيلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ إلَخْ) أَيْ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً، وَهَذَا الذَّكَرُ مِنْهُ زَائِدٌ فَيَكُونُ كَالْإِصْبَعِ وَأَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَفَرْجُهُ كَالْجُرْحِ فَلَا يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِهِ: قُلْت: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مُعَامَلَةُ الْخُنْثَى بِالْأَضَرِّ فِي أَحْوَالِهِ، وَعَلَيْهِ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ إمْدَادٌ. أَقُولُ: سَيَذْكُرُ الشَّارِحُ هَذَا الْإِشْكَالَ آخِرَ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْخُنْثَى وَسَنُوَضِّحُ الْجَوَابَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَكَرْنَاهُ هُنَا فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا عَلَى مَنْ جَامَعَهُ) أَيْ فِي قُبُلِهِ، فَلَوْ جَامَعَهُ رَجُلٌ فِي دُبُرِهِ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا كَمَا أَفَادَهُ ط أَيْ لِعَدَمِ الْإِشْكَالِ فِي الدُّبُرِ، وَكَذَا لَا إشْكَالَ فِيمَا لَوْ جَامَعَ وَجُومِعَ لِتَحَقُّقِ جَنَابَتِهِ بِأَحَدِ

ص: 162

لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حَشَفَةٍ وَسَبِيلَيْنِ مُحَقَّقَيْنِ.

(وَ) عِنْدَ (رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ) خَرَجَ رُؤْيَةُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمَذْيَ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا (وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ) إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ أَوْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قُبَيْلَ النَّوْمِ فَلَا غُسْلَ

ــ

[رد المحتار]

الْفِعْلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْكَلَامَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَلَا يُرَدُّ.

(قَوْلُهُ: وَسَبِيلَيْنِ) أَيْ وَأَحَدُ سَبِيلَيْنِ، فَهُوَ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَتْنِ السَّابِقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ مُحَقَّقَيْنِ أَيْ الْحَشَفَةِ وَأَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَافْهَمْ، وَالْأَحْسَنُ إبْدَالُ السَّبِيلَيْنِ بِالْقُبُلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ لِأَنَّ السَّبِيلَ يَشْمَلُ الدُّبُرَ، وَهُوَ مِنْ الْخُنْثَى مُحَقَّقٌ

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ رُؤْيَةِ مُسْتَيْقِظٍ) أَيْ بِفَخِذِهِ أَوْ ثَوْبِهِ بَحْرٌ، وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ لِيَشْمَلَ الْأَعْمَى، وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.

(قَوْلُهُ: خَرَجَ رُؤْيَةُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمَذْيَ) أَيْ بَعْدَ إفَاقَتِهِمَا بَحْرٌ. وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّوْمَ مَظِنَّةُ الِاحْتِلَامِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَنِيٌّ رَقَّ بِالْهَوَاءِ أَوْ لِلْغِذَاءِ فَاعْتَبَرْنَاهُ مَنِيًّا احْتِيَاطًا، وَلَا كَذَلِكَ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِمَا هَذَا السَّبَبُ بَحْرٌ، وَقَوْلُهُ الْمَذْيُ مَفْعُولُ رُؤْيَةٍ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا بُدَّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْمَنِيِّ يَجِبُ الْغُسْلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ ط: وَأَشَارَ بِهِ أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْمَذْيِ إلَى أَنَّ فِي مَفْهُومِ الْمُسْتَيْقِظِ تَفْصِيلًا، وَأَمَّا أَحْسَنُ مَا صُنِعَ وَلَا تَكَلُّفَ فِيهِ اهـ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا) اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ احْتِلَامًا أَوْ لَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ اتِّفَاقًا فِي سَبْعِ صُوَرٍ مِنْهَا وَهِيَ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ، أَوْ شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الْأَخِيرَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ مَعَ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ فِيهَا، أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنِيٌّ مُطْلَقًا، وَلَا يَجِبُ اتِّفَاقًا فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ وَدْيٌ مُطْلَقًا، وَفِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ شَكَّ فِي الْأَخِيرَيْنِ مَعَ عَدَمِ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ؛ وَيَجِبُ عِنْدَهُمَا فِيمَا إذَا شَكَّ فِي الْأَوَّلَيْنِ أَوْ فِي الطَّرَفَيْنِ أَوْ فِي الثَّلَاثَةِ احْتِيَاطًا، وَلَا يَجِبُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلشَّكِّ فِي وُجُودِ الْمُوجِبِ، وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ ذَكَرَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً وَزِدْت الشَّكَّ فِي الثَّلَاثَةِ تَذَكَّرْ أَوَّلًا أَخْذًا مِنْ عِبَارَتِهِ. اهـ. ح. أَقُولُ: إذَا عَرَفَتْ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الصُّوَرِ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَا سَكَتَ عَنْهُ مُخَالِفًا فِي الْحُكْمِ لِمَا ذَكَرَهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ، نَعَمْ قَوْلُهُ أَوْ مَذْيًا يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا يَجِبُ الْغُسْلُ وَقَدْ عَلِمْت خِلَافَهُ. وَعِبَارَةُ النُّقَايَةِ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَشَارَ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى الْجَوَابِ حَيْثُ فَسَّرَ قَوْلَهُ أَوْ مَذْيًا بِقَوْلِهِ أَيْ شَيْئًا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ؛ لِأَنَّا لَا نُوجِبُ الْغُسْلَ بِالْمَذْيِ أَصْلًا بَلْ بِالْمَنِيِّ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَرِقُّ بِإِطَالَةِ الزَّمَانِ، فَالْمُرَادُ مَا صُورَتُهُ صُورَةُ الْمَذْيِ لَا حَقِيقَتُهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ) مِنْ الْحُلْمِ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ الْجِمَاعِ نَهْرٌ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ، الْوَاوُ فِي نَظِيرِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَقِيلَ إنَّهَا لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ يَجِبُ الْغُسْلُ، وَيُفْهَمُ وُجُوبُهُ إذَا تَذَكَّرَ بِالْأَوْلَى، وَقِيلَ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ: أَيْ إنْ تَذَكَّرَ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا عَلِمَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَذْيًا مَعَ تَقْيِيدِهِ لِعَدَمِ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَنْطُوقُ، سَوَاءٌ جُعِلَتْ الْوَاوُ لِلْحَالِ أَوْ لِلْعَطْفِ، لَكِنْ عَلَى جَعْلِهَا لِلْحَالِ أَظْهَرُ، إذْ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، وَلَوْ جُعِلَتْ لِلْعَطْفِ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مَفْرُوضٌ عَلَى عَدَمِ التَّذَكُّرِ الْمَنْطُوقِ، وَمَعَ التَّذَكُّرِ الْمُقَدَّرِ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ الْآتِي اتِّفَاقًا. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ قَدْ أَصْلَحَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ أَوْ مَذْيًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ رَأَى مَذْيًا حَقِيقَةً بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَذْيٌ، أَوْ أَنَّهُ رَأَى مَذْيًا صُورَةً بِأَنْ رَأَى بَلَلًا وَشَكَّ فِي أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ وَدْيٌ، أَوْ شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ، فَاسْتَثْنَى مَا عَدَا الْأَخِيرَ وَصَارَ قَوْلُهُ أَوْ مَذْيًا مَفْرُوضًا فِيمَا إذَا شَكَّ أَنَّهُ مَذْيٌ أَوْ مَنِيٌّ فَقَطْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَهَذِهِ الصُّورَةُ

ص: 163

عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَالْوَدْيِ، لَكِنْ فِي الْجَوَاهِرِ إلَّا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ تَذَكَّرَ حُلْمًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (لَا) يُفْتَرَضُ (إنْ تَذَكَّرَ وَلَوْ مَعَ اللَّذَّةِ) وَالْإِنْزَالِ (وَلَمْ يَرَ) عَلَى رَأْسِ الذَّكَرِ (بَلَلًا) إجْمَاعًا (وَكَذَا الْمَرْأَةُ) مِثْلُ الرَّجُلِ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ وُجِدَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَاءٌ وَلَا مُمَيِّزَ وَلَا تَذَكُّرَ وَلَا نَامَ قَبْلَهُمَا غَيْرُهُمَا اغْتَسَلَا.

(أَوْلَجَ حَشَفَتَهُ) أَوْ قَدْرَهَا

ــ

[رد المحتار]

يَجِبُ فِيهَا الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الِاحْتِلَامَ لَكِنْ بَقِيَتْ هَذِهِ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ أَوْ لَا، مَعَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْتَشِرًا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ فَاسْتَثْنَاهُ أَيْضًا، فَصَارَ جُمْلَةُ الْمُسْتَثْنَيَاتِ ثَلَاثَ صُوَرٍ لَا يَجِبُ فِيهَا الْغُسْلُ اتِّفَاقًا مَعَ عَدَمِ تَذَكُّرِ الِاحْتِلَامِ كَمَا قُلْنَا، وَبِهَذَا الْحَلِّ الَّذِي هُوَ مِنْ فَيْضِ الْفَتَّاحِ الْعَلِيمِ ظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْمُتَعَاطِفَاتِ مُرْتَبِطَةٌ بِبَعْضِهَا وَأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهَا كُلِّهَا مُتَّصِلٌ، وَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ الْفَاضِلِ، فَكَثِيرًا مَا تَخْفَى إشَارَتُهُ عَلَى الْمُعْتَرِضِينَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْمَاهِرِينَ، فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: كَالْوَدْيِ) فَإِنَّهُ لَا غُسْلَ فِيهِ اتِّفَاقًا وَإِنْ تَذَكَّرَ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْجَوَاهِرِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ أَطْلَقَ عَدَمَ الْغُسْلِ فِيهَا تَبَعًا لِكَثِيرٍ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ: أَنْ يَكُونَ نَوْمُهُ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، أَوْ أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ، وَأَنْ لَا يَتَذَكَّرَ حُلْمًا، فَإِذَا فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا بِأَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ تَيَقَّنَ أَوْ تَذَكَّرَ وَجَبَ الْغُسْلُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ: وَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ فِي إحْلِيلِهِ بَلَلًا وَلَمْ يَتَذَكَّرْ حُلْمًا، إنْ كَانَ ذَكَرُهُ مُنْتَشِرًا قَبْلَ النَّوْمِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، هَذَا إذَا نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، أَمَّا إذْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَهَذَا مَذْكُورٌ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْتِشَارَ قَبْلَ النَّوْمِ سَبَبٌ لِخُرُوجِ الْمَذْيِ، فَمَا يَرَاهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَذَكَّرْ حُلْمًا وَيَعْلَمْ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ يَكُنْ نَامَ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلِاسْتِرْخَاءِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّوْمِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الِاحْتِلَامِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ رَاجَعَ الذَّخِيرَةَ وَالْمُحِيطَ الْبُرْهَانِيَّ فَلَمْ يَرَ تَقْيِيدَ عَدَمِ الْغُسْلِ بِمَا إذَا نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا، ثُمَّ بَحَثَ وَقَالَ إنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا غَيْرُ ظَاهِرٍ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَيَقَّنَ) عَبَّرَ بِهِ تَبَعًا لِلْمُنْيَةِ؛ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعِلْمِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَالْعِلْمُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا. وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَنِيٌّ فَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَعَ اللَّذَّةِ وَالْإِنْزَالِ) أَيْ مَعَ تَذَكُّرِهِمَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَنْزَلَ؛ لِأَنَّ الْمَوْضُوعَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَلَلًا ط.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْمَرْأَةُ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: لَوْ احْتَلَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ إلَى ظَهْرِ فَرْجِهَا عَنْ مُحَمَّدٍ يَجِبُ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّهَا إلَى فَرْجِهَا الْخَارِجِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وُجِدَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الزَّوْجَانِ فِي فِرَاشِهِمَا مَنِيًّا وَلَمْ يَتَذَكَّرَا احْتِلَامًا، فَقِيلَ إنْ كَانَ أَبْيَضَ غَلِيظًا فَمَنِيُّ الرَّجُلِ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ رَقِيقًا فَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا، وَعَزَا هَذَا الثَّانِيَ فِي الْحِلْيَةِ إلَى ابْنِ الْفَضْلِ، وَقَالَ: وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ، وَاسْتَظْهَرَ فِي الْفَتْحِ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، فَقَيَّدَ الْوُجُوبَ عَلَيْهِمَا بِعَدَمِ التَّذَكُّرِ وَعَدَمِ الْمُمَيِّزِ مِنْ غِلَظٍ وَرِقَّةٍ أَوْ بَيَاضٍ وَصُفْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: فَلَا خِلَافَ إذَنْ، وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْمُمَيِّزَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمِزَاجِ وَالْأَغْذِيَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَالِاحْتِيَاطُ هُوَ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا نَامَ قَبْلَهُمَا غَيْرُهُمَا) ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ بَحْثًا وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ: فَلَوْ كَانَ قَدْ نَامَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمَا وَكَانَ الْمَنِيُّ الْمَرْئِيُّ يَابِسًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

ص: 164

(مَلْفُوفَةً بِخِرْقَةٍ، إنْ وَجَدَ لَذَّةَ) الْجِمَاعِ (وَجَبَ) الْغُسْلُ (وَإِلَّا لَا) عَلَى الْأَصَحِّ وَالْأَحْوَطُ الْوُجُوبُ.

(وَ) عِنْدَ (انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ) هَذَا وَمَا قَبْلَهُ الْحُكْمُ إلَى الشَّرْطِ: أَيْ يَجِبُ عِنْدَهُ لَا بِهِ، بَلْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ أَوْ إرَادَةِ مَا لَا يَحِلُّ كَمَا مَرَّ.

(لَا) عِنْدَ (مَذْيٍ أَوْ وَدْيٍ) بَلْ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَمِنْ الْبَوْلِ جَمِيعًا عَلَى الظَّاهِرِ

ــ

[رد المحتار]

تَنْبِيهٌ]

التَّقْيِيدُ بِالزَّوْجَيْنِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَمْلِيٌّ عَلَى الْبَحْرِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ اتِّفَاقِيٌّ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ وَلِذَا قَالَ ط: الْأَجْنَبِيُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ كَذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ كَانَا رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ، فَالظَّاهِرُ اتِّحَادُ الْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَ لَذَّةَ الْجِمَاعِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ رَقِيقَةً بِحَيْثُ يَجِدُ حَرَارَةَ الْفَرْجِ وَاللَّذَّةَ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ مَا لَمْ يُنْزِلْ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجِبُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُولِجًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ بَحْرٌ، وَظَاهِرُ الْقَوْلَيْنِ الْإِطْلَاقُ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَحْوَطُ الْوُجُوبُ) أَيْ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْوَجْهَيْنِ بَحْرٌ وَسِرَاجٌ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلِ عَنْ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ «إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَغَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الْغُسْلُ»

(قَوْلُهُ: هَذَا إلَخْ) الْإِشَارَةُ إلَى إسْنَادِ فَرْضِيَّةِ الْغُسْلِ إلَى الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَفَرْضٌ عِنْدَ انْقِطَاعِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَأَرَادَ بِمَا قَبْلَهُ إسْنَادُ الْفَرْضِيَّةِ إلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْإِيلَاجِ وَرُؤْيَةِ الْمُسْتَيْقِظِ، وَأَرَادَ بِالْإِضَافَةِ الْإِسْنَادَ وَالتَّعْلِيقَ: أَيْ إسْنَادَ فَرْضِيَّةِ الْغُسْلِ إلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَتَعْلِيقُهَا عَلَيْهَا مَجَازٌ مِنْ إسْنَادِ الْحُكْمِ، وَهُوَ هُنَا الْفَرْضِيَّةُ إلَى الشَّرْطِ، وَهُوَ هُنَا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَلَيْسَ مِنْ إسْنَادِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ.

(قَوْلُهُ: أَيْ يَجِبُ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ تَحَقُّقِ الِانْقِطَاعِ وَنَحْوِهِ، وَالْمُرَادُ بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: بَلْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ) أَيْ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ، وَقَوْلُهُ أَوْ إرَادَةِ مَا لَا يَحِلُّ: أَيْ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ وُجُوبِ الْغُسْلِ. وَعِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَقِيلَ وُجُوبُ مَا لَا يَحِلُّ مَعَهَا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إرَادَةُ فِعْلِ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهِ عِنْدَ عَدَمِ ضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ عِنْدَ وُجُوبِ مَا لَا يَصِحُّ مَعَهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ ضِيقٍ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الْغُسْلِ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ مَعَ الْجَنَابَةِ وَالْإِنْزَالِ وَالِالْتِقَاءُ شَرْطٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي الْوُضُوءِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ.

(قَوْلُهُ: لَا عِنْدَ مَذْيٍ) أَيْ لَا يُفْرَضُ الْغُسْلُ عِنْدَ خُرُوجِ مَذْيٍ كَظَبْيٍ بِمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَاءٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْأَفْصَحِ، وَفِيهِ الْكَسْرُ مَعَ التَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَقِيلَ هُمَا لَحْنُ مَاءٌ رَقِيقٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ لَا بِهَا، وَهُوَ فِي النِّسَاءِ أَغْلَبُ، قِيلَ هُوَ مِنْهُنَّ يُسَمَّى الْقَذَى بِمَفْتُوحَتَيْنِ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: أَوْ وَدْيٌ) بِمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَاءٍ مُخَفَّفَةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ كَسْرَ الدَّالِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ. قَالَ ابْنُ مَكِّيٍّ: لَيْسَ بِصَوَابٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إنَّهُ الصَّوَابُ وَإِعْجَامُ الدَّالِ شَاذٌّ: مَاءٌ ثَخِينٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: بَلْ الْوُضُوءُ مِنْهُ إلَخْ) أَيْ بَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْوَدْيِ وَمِنْ الْبَوْلِ جَمِيعًا، وَهَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْوُجُوبَ بِالْبَوْلِ السَّابِقِ عَلَى الْوَدْيِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِهِ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ أَنَّ وُجُوبَهُ بِالْبَوْلِ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ بِالْوَدْيِ بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ فَرَعَفَ ثُمَّ بَالَ أَوْ بِالْعَكْسِ فَتَوَضَّأَ فَالْوُضُوءُ مِنْهُمَا فَيَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَتْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ فَجُومِعَتْ وَحَاضَتْ فَاغْتَسَلَتْ فَهُوَ مِنْهُمَا، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ. وَذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَجْوِبَةٍ أُخَرَ: مِنْهَا أَنَّ الْوَدْيَ مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجِمَاعِ وَبَعْدَ الْبَوْلِ، وَهُوَ شَيْءٌ لَزِجٌ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْخِزَانَةِ وَالتَّبْيِينِ فَالْإِشْكَالُ إنَّمَا يُرَى عَلَى مَنْ اقْتَصَرَ فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى مَا يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ إنْ قُلْنَا إنَّ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَمِنْ الْبَوْلِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الْيَمِينِ السَّابِقَيْنِ وَذَكَرَ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ الْحَدَثِ السَّابِقِ وَأَنَّ السَّبَبَ الثَّانِيَ لَمْ يُوجِبْ شَيْئًا لِاسْتِحَالَةِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ إلَّا إذَا وَقَعَا مَعًا كَأَنْ رَعَفَ وَبَالَ مَعًا قَرَّرَهُ الْآمِدِيُّ، قَالَ وَهُوَ مَعْقُولٌ يَجِبُ قَبُولُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ مِنْ مَشَايِخِنَا.

ص: 165

(وَ) لَا عِنْدَ (إدْخَالِ إصْبَعٍ وَنَحْوِهِ) كَذَكَرِ غَيْرِ آدَمِيٍّ وَذَكَرِ خُنْثَى وَمَيِّتٍ وَصَبِيٍّ لَا يَشْتَهِي وَمَا يُصْنَعُ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ (فِي الدُّبُرِ أَوْ الْقُبُلِ) عَلَى الْمُخْتَارِ (وَ) لَا عِنْدَ (وَطْءِ بَهِيمَةٍ أَوْ مَيْتَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ غَيْرِ مُشْتَهَاةٍ) بِأَنْ تَصِيرَ مُفْضَاةً بِالْوَطْءِ وَإِنْ غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ، فَلَا يَلْزَمُ إلَّا غَسْلُ الذَّكَرِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ النَّظْمِ، وَسَيَجِيءُ أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ عِنْدَهُ فَتَنَبَّهْ (بِلَا إنْزَالٍ) لِقُصُورِ الشَّهْوَةِ

ــ

[رد المحتار]

وَالْحَقُّ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ كَوْنِ الْحَدَثِ بِالْأَوَّلِ فَقَطْ وَبَيْنَ الْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِنَاؤُهُ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَدَثِ بَلْ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَ بَوْلٍ وَرُعَافٍ تَوَضَّأَ مِنْهُمَا.

(قَوْلُهُ: غَيْرِ آدَمِيٍّ) كَجِنِّيٍّ وَقِرْدٍ وَحِمَارٍ.

(قَوْلُهُ: خُنْثَى) أَيْ مُشْكِلٍ.

(قَوْلُهُ: وَمَا يُصْنَعُ) أَيْ عَلَى صُورَةِ الذَّكَرِ.

(قَوْلُهُ: فِي الدُّبُرِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِدْخَالٍ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: رَجُلٌ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ وَهُوَ صَائِمٌ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْقَضَاءِ. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ الْإِصْبَعَ لَيْسَ آلَةً لِلْجِمَاعِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبَةِ ذَكَرَهُ فِي الصَّوْمِ، وَقَيَّدَ بِالدُّبُرِ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ وُجُوبُ الْغُسْلِ فِي الْقُبُلِ إذَا قَصَدَتْ الِاسْتِمْتَاعَ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِنَّ غَالِبَةٌ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ دُونَ الدُّبُرِ لِعَدَمِهَا نُوحٌ أَفَنْدِي. أَقُولُ: آخِرُ عِبَارَةِ التَّجْنِيسِ عِنْدَ قَوْلِهِ بِمَنْزِلَةِ الْخَشَبَةِ، وَقَدْ رَاجَعْتهَا مِنْهُ فَرَأَيْتهَا كَذَلِكَ، فَقَوْلُهُ وَقَيَّدَ إلَخْ مِنْ كَلَامِ نُوحٍ أَفَنْدِي، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُخْتَارَ وُجُوبُ الْغُسْلِ إلَخْ بَحْثٌ مِنْهُ سَبَقَهُ إلَيْهِ شَارِحُ الْمُنْيَةِ، حَيْثُ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ فِي الْقُبُلِ إلَخْ، وَقَدْ نَبَّهَ فِي الْإِمْدَادِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ بَحْثٌ مِنْ شَارِحِ الْمُنْيَةِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا عِنْدَ وَطْءِ بَهِيمَةٍ إلَخْ) مُحْتَرِزَاتُ قَوْلِهِ فِي أَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ حَيٍّ يُجَامَعُ مِثْلُهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ بِرَمْزِ أَجْنَاسِ النَّاطِفِيِّ فَرَجُ الْبَهِيمَةِ كَفِيهَا لَا غُسْلَ فِيهِ بِغَيْرِ إنْزَالٍ وَيُعَزَّرُ، وَتُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ، وَلَا يَحْرُمُ أَكْلُ لَحْمِهَا بِهِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي الْحُدُودِ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ تَصِيرَ مُفْضَاةً) أَيْ مُخْتَلِطَةَ السَّبِيلَيْنِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ، فَقِيلَ يَجِبُ الْغُسْلُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ لَا مُطْلَقًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِيلَاجُ فِي مَحَلِّ الْجِمَاعِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَلَمْ يَفُضَّهَا فَهِيَ مِمَّنْ تُجَامَعُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ سِرَاجٌ. أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْوُجُوبَ مَشْرُوطٌ بِمَا إذَا زَالَتْ الْبَكَارَةُ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ فِي الْكَبِيرَةِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فَفِيهَا بِالْأَوْلَى، فَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ قَدْ يُقَالُ إنَّ بَقَاءَ الْبَكَارَةِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْإِيلَاجِ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ كَمَا اخْتَارَهُ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ، فَتَدَبَّرْ.

(قَوْلُهُ: قُهُسْتَانِيٌّ) أَقُولُ: عِبَارَتُهُ وَطْءُ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ غَيْرُ نَاقِضٍ لِلْوُضُوءِ بِلَا إنْزَالٍ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا غَسْلُ الذَّكَرِ كَمَا فِي صَوْمِ النَّظْمِ. اهـ. وَكَأَنَّ الشَّارِحَ قَاسَ الصَّغِيرَةَ عَلَيْهِمَا تَأَمَّلْ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ النَّاقِضَةَ لِلْوُضُوءِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ مُشْتَهِيَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ. مَطْلَبٌ فِي رُطُوبَةِ الْفَرْجِ

(قَوْلُهُ: الْفَرْجِ) أَيْ الدَّاخِلِ، أَمَّا الْخَارِجُ فَرُطُوبَتُهُ طَاهِرَةٌ بِاتِّفَاقٍ بِدَلِيلِ جَعْلِهِمْ غَسْلَهُ سُنَّةً فِي الْوُضُوءِ، وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً عِنْدَهُمَا لَفُرِضَ غَسْلُهُ. اهـ. ح. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ النَّجَاسَةَ مَا دَامَتْ فِي مَحَلِّهَا لَا عِبْرَةَ لَهَا؛ وَلِذَا كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ سُنَّةً لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي غَيْرِ الْغُسْلِ مَعَ أَنَّ الْخَارِجَ نَجِسٌ بِاتِّفَاقٍ، فَلَا تَدُلُّ سُنِّيَّةُ الْغُسْلِ عَلَى الطَّهَارَةِ فَتَدَبَّرْ، نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى الِاتِّفَاقِ كَوْنُهُ لَهُ حُكْمٌ خَارِجَ الْبَدَنِ، فَرُطُوبَتُهُ كَرُطُوبَةِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْعَرَقِ الْخَارِجِ مِنْ الْبَدَنِ.

(قَوْلُهُ: فَتَنَبَّهْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ مَا فِي النَّظْمِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِمَا، فَلَا تَغْفُلْ وَتَظُنَّ مِنْ جَزْمِهِ بِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: لِقُصُورِ الشَّهْوَةِ) أَيْ الَّتِي أُقِيمَتْ مَقَامَ الْإِنْزَالِ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عِنْدَ الْإِيلَاجِ، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ لَوْ جَامَعَ عَجُوزًا شَوْهَاءَ لَا تُشْتَهَى أَصْلًا، وَيَظْهَرُ لِي الْجَوَابُ

ص: 166

أَمَّا بِهِ فَيُحَالُ عَلَيْهِ.

(كَمَا) لَا غُسْلَ (لَوْ أَتَى عَذْرَاءَ وَلَمْ يُزِلْ عُذْرَتَهَا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ الْبَكَارَةُ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ إلَّا إذَا حَبِلَتْ لِإِنْزَالِهَا، وَتُعِيدُ مَا صَلَّتْ قَبْلَ الْغُسْلِ كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّهَا مِنْ فَرْجِهَا الدَّاخِلِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ.

(وَيَجِبُ) أَيْ يُفْرَضُ (عَلَى الْأَحْيَاءِ) الْمُسْلِمِينَ (كِفَايَةً) إجْمَاعًا (أَنْ يَغْسِلُوا) بِالتَّخْفِيفِ (الْمَيِّتَ) الْمُسْلِمَ إلَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ فَيُيَمَّمُ.

(كَمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا) أَوْ نُفَسَاءَ وَلَوْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ بِبَقَاءِ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ

ــ

[رد المحتار]

بِأَنَّهَا قَدْ ثَبَتَ لَهَا وَصْفُ الِاشْتِهَاءِ فِيمَا مَضَى فَيَبْقَى حُكْمُهُ الْآنَ مَا دَامَتْ حَيَّةً كَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحَاذَاةِ فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْبَهِيمَةِ وَالْمَيْتَةِ وَالصَّغِيرَةِ تَأَمَّلْ، وَهَذَا عِلَّةٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْغُسْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا بِهِ) أَيْ أَمَّا فِعْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمُصَاحِبُ لِلْإِنْزَالِ فَيُحَالُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَى الْإِنْزَالِ ط.

. (قَوْلُهُ: تَمْنَعُ الْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ) أَيْ خِتَانِ الرَّجُلِ: وَهُوَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ، وَخِتَانِ الْمَرْأَةِ: وَهُوَ مَوْضِعُ قَطْعِ جِلْدَةٍ مِنْهَا كَعُرْفِ الدِّيكِ فَوْقَ الْفَرْجِ، فَإِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ حَاذَى خِتَانُهُ خِتَانَهَا، وَتَمَامُ بَيَانِهِ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا حَبِلَتْ) فَيَكُونُ دَلِيلَ إنْزَالِهَا فَيَلْزَمُهَا الْغُسْلُ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَكَذَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ إنْزَالِهِ أَيْضًا وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الْغُسْلِ) أَيْ لَوْ لَمْ تَكُنْ اغْتَسَلَتْ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا صَلَّتْ بِلَا طَهَارَةٍ.

(قَوْلُهُ: قَالَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ فِي الْكَبِيرِ: وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا بِمُجَرَّدِ انْفِصَالِ مَنِيِّهَا إلَى رَحِمِهَا، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصَحِّ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ

(قَوْلُهُ: أَيْ يُفْرَضُ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوُجُوبِ هُنَا الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فَكَانَ الْأَوْلَى فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ التَّعْبِيرَ بِيُفْرَضُ. اهـ. ح وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْفَرْضِيَّةِ هُنَا صَاحِبُ الْوَافِي وَالسُّرُوجُ وَابْنُ الْهُمَامِ مَعَ نَقْلِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، لَكِنْ عَلَّلَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ: قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ لَا اعْتِقَادِيٌّ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَلَا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، فَلَعَلَّهُمْ عَبَّرُوا بِالْوَاجِبِ لِلْإِشْعَارِ بِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ هَذَا عَنْ ذَاكَ فَتَأَمَّلْ اهـ قُلْت: لَكِنْ هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا عَدَا غُسْلَ الْمَيِّتِ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: كِفَايَةً) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ سَقَطَ عَنْ بَاقِيهِمْ وَإِلَّا أَثِمُوا كُلُّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِسُقُوطِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ النِّيَّةُ اسْتَظْهَرَ فِي جَنَائِزِ الْفَتْحِ نَعَمْ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا خِلَافَهُ.

(قَوْلُهُ: إجْمَاعًا) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ يُفْرَضُ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمَا نَقَلَهُ مِسْكِينٌ مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ غُسْلُ الْمَيِّتِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَفِيهِ نَظَرٌ بَعْدَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ.

(قَوْلُهُ: بِالْخَفِيفِ) أَيْ تَخْفِيفِ السِّينِ، وَهُوَ مِنْ الْغَسْلِ بِالْفَتْحِ. قَالَ فِي السِّرَاجِ: يُقَالُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَغَسْلُ الْمَيِّتِ وَغَسْلُ الثَّوْبِ بِفَتْحِهَا. وَضَابِطُهُ أَنَّك إذَا أَضَفْت إلَى الْمَغْسُولِ فَتَحْت، وَإِذَا أَضَفْت إلَى غَيْرِ الْمَغْسُولِ ضَمَمْت. اهـ.

(قَوْلُهُ: الْمَيِّتَ) بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّشْدِيدِ ضِدُّ الْحَيِّ، أَوْ الْمُخَفَّفِ الَّذِي مَاتَ وَالْمُشَدَّدُ الَّذِي لَمْ يَمُتْ بَعْدُ، أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ.

(قَوْلُهُ: الْمُسْلِمَ) أَمَّا الْكَافِرُ إذَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ إلَّا وَلِيُّهُ الْمُسْلِمُ فَيُسِيلُ عَلَيْهِ الْمَاءَ كَالْخِرْقَةِ النَّجِسَةِ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ السُّنَّةِ ط.

(قَوْلُهُ: فَيُيَمَّمُ) وَقِيلَ يُغْسَلُ بِثِيَابِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بَحْرٌ وَنَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: كَمَا يَجِبُ) أَيْ يُفْرَضُ بَحْرٌ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ) أَيْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ، لَكِنْ فِي دُخُولِ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ مَنْ اتَّصَفَتْ بِالْحَيْضِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِ لَا تُسَمَّى حَائِضًا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ إنَّ فِيهِ إشَارَةً إلَى أَنَّهَا لَوْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهَا لَوْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَكَأَنَّهُ أَجْنَبَ بَعْدَهُ، وَالِانْقِطَاعُ فِي الْحَيْضِ هُوَ السَّبَبُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بَعْدُ، فَلِذَا لَوْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ لَزِمَهَا.

(قَوْلُهُ: وَعَلَّلَهُ) أَيْ عَلَّلَ الْأَصَحَّ.

(قَوْلُهُ: بِبَقَاءِ الْحَدَثِ الْحُكْمِيِّ) حَاصِلُهُ مَنْعُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الِانْقِطَاعَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ لَا سَبَبٌ.

ص: 167

(أَوْ بَلَغَ لَا بِسِنٍّ) بَلْ بِإِنْزَالٍ أَوْ حَيْضٍ، أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَوْ أَصَابَ كُلَّ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بَعْضُهُ وَخَفِيَ مَكَانُهَا (فِي الْأَصَحِّ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا لِلْعَتَّابِيَّةِ وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ عَلَى مَجْنُونٍ أَفَاقَ.

قُلْت: وَهُوَ يُخَالِفُ مَا يَأْتِي مَتْنًا، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّهُ رَأَى مَنِيًّا وَهَلْ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ؟ يُرَاجَعُ (وَإِلَّا) بِأَنْ أَسْلَمَ طَاهِرًا أَوْ بَلَغَ بِالسِّنِّ (فَمَنْدُوبٌ) .

(وَسُنَّ لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ وَ) لِصَلَاةِ (عِيدٍ)

ــ

[رد المحتار]

وَمَبْنَى الْفَرْقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ حَدَثٌ حُكْمِيٌّ يَسْتَمِرُّ مِثْلُ الْجَنَابَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسَافِرَةَ لَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ، فَإِذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْجُنُبِ فَقَدْ ثَبَتَ لَهَا حَدَثٌ حُكْمِيٌّ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَقَّقَهُ ابْنُ الْكَمَالِ، وَقَدْ حَقَّقَ فِي الْحِلْيَةِ هَذَا الْمَقَامَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بَلْ بِإِنْزَالٍ) عَامٌّ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَالْحَيْضُ قَاصِرٌ عَلَيْهَا كَالْوِلَادَةِ ط، وَقِيلَ لَوْ بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَغَتْ بِالْحَيْضِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ وَلَدَتْ لَمْ تَرَ دَمًا) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ، وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الدَّمِ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ؛ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ أَنَّ الْمُخْتَارَ الْوُجُوبُ احْتِيَاطًا، وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَصَابَ إلَخْ) كَذَا عَدَّهُ بَعْضُهُمْ هُنَا مِنْ الِاغْتِسَالَاتِ الْمَفْرُوضَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَعَدَّهُ مِنْ ذَلِكَ سَهْوًا اهـ أَيْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ لَا الْحَقِيقِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ) فِيهِ نَظَرٌ، فَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي الِاتِّفَاقَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَتْ حَائِضًا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَعَلَى مَنْ بَلَغَتْ بِالْحَيْضِ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَوْ أَخْفَى مَحَلَّ النَّجَاسَةِ يَكْفِي غَسْلُ طَرَفِ الثَّوْبِ أَوْ الْبَدَنِ. هَذَا، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هُنَا مَا نَصُّهُ: وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا لِلْعَتَّابِيَّةِ: وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ عَلَى مَجْنُونٍ أَفَاقَ. قُلْت: وَهُوَ يُخَالِفُ مَا يَأْتِي مَتْنًا، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ أَنَّهُ رَأَى مَنِيًّا، وَهَلْ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ يُرَاجَعُ اهـ قِيلَ وَهَذَا ثَابِتٌ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ الْأَصْلِيَّةِ سَاقِطٌ مِنْ النُّسْخَةِ الْمُصَحَّحَةِ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا عَنْ السِّرَاجِيَّةِ: الْمَجْنُونُ إذَا أَجْنَبَ ثُمَّ أَفَاقَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ اهـ وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْغُسْلِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ جُنُبًا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَقْتَ الْجَنَابَةِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت فَلِذَا كَانَ الْمَجْنُونُ كَذَلِكَ، وَقَوْلُهُ وَهَلْ السَّكْرَانُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَيْ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيهِمَا لَوْ رَأَيَا مَنِيًّا لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَقَالَ يُرَاجَعُ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ ذَلِكَ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: أُغْشِيَ عَلَيْهِ فَأَفَاقَ وَوَجَدَ مَذْيًا أَوْ مَنِيًّا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَأَى بَلَلًا شَكَّ أَنَّهُ مَنِيٌّ أَوْ مَذْيٌ، وَقَدَّمَ الشَّارِحُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَرُؤْيَةُ مُسْتَيْقِظٍ أَنَّهُ خَرَجَ رُؤْيَةُ السَّكْرَانِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ الْمَذْيَ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ بِرُؤْيَةِ الْمَنِيِّ يَجِبُ الْغُسْلُ.

(قَوْلُهُ: بِأَنْ أَسْلَمَ طَاهِرًا) أَيْ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ: أَيْ بِأَنْ كَانَ اغْتَسَلَ أَوْ أَسْلَمَ صَغِيرًا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بَلَغَ بِالسِّنِّ) أَيْ بِلَا رُؤْيَةِ شَيْءٍ، وَسِنُّ الْبُلُوغِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ

(قَوْلُهُ: وَسُنَّ إلَخْ) هُوَ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ، فَلَا عِتَابَ بِتَرْكِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَذَهَبَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إلَى أَنَّ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ الْأَرْبَعَةَ مُسْتَحَبَّةٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ إنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ حَسَنٌ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَقَوَّاهُ فِي الْفَتْحِ، لَكِنْ اسْتَظْهَرَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ اسْتِنَانُهُ لِلْجُمُعَةِ لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ، وَبَسَطَ ذَلِكَ

ص: 168

هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ وَغَيْرِهِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا؛ وَيَكْفِي غُسْلٌ وَاحِدٌ لِعِيدٍ وَجُمُعَةٍ اجْتَمَعَا مَعَ جَنَابَةٍ كَمَا لِفَرْضَيْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ (وَ) لِأَجْلِ (إحْرَامٍ وَ) فِي جَبَلِ (عَرَفَةَ) بَعْدَ الزَّوَالِ.

(وَنُدِبَ لِمَجْنُونٍ أَفَاقَ) وَكَذَا الْمُغْمَى عَلَيْهِ، كَذَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ، وَهَلْ السَّكْرَانُ كَذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ (وَعِنْدَ حِجَامَةٍ وَفِي لَيْلَةِ بَرَاءَةٍ) وَعَرَفَةَ (وَقَدَرَ) إذَا رَآهَا (وَعِنْدَ الْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةُ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ) لِلْوُقُوفِ (وَعِنْدَ دُخُولِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ) لِرَمْيِ الْجَمْرَةِ (وَ) كَذَا لِبَقِيَّةِ الرَّمْيِ، وَ (عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَلِصَلَاةِ كُسُوفٍ) وَخُسُوفٍ (وَاسْتِسْقَاءٍ وَفَزَعٍ وَظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدٍ) وَكَذَا لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ، وَلِحُضُورِ مَجْمَعِ النَّاسِ، وَلِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَوْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَوْ يُرَادُ قَتْلُهُ وَلِتَائِبٍ مِنْ ذَنْبٍ، وَلِقَادِمٍ مِنْ سَفَرٍ، وَلِمُسْتَحَاضَةٍ انْقَطَعَ دَمُهَا

ــ

[رد المحتار]

مَعَ بَيَانِ دَلَائِلِ عَدَمِ الْوُجُوبِ. وَالْجَوَابُ عَمَّا يُخَالِفُهَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ كَوْنُهُ لِلصَّلَاةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. ابْنُ كَمَالٍ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: إنَّهُ لِلْيَوْمِ، وَنُسِبَ إلَى مُحَمَّدٍ وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ جَارٍ فِي غُسْلِ الْعِيدِ أَيْضًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّحْفَةِ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ لَوْ اغْتَسَلَ وَفِيمَنْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَصَلَّى بِالْوُضُوءِ نَالَ الْفَضْلَ عِنْدَ الْحَسَنِ لَا عِنْدَ الثَّانِي. قَالَ فِي الْكَافِي: وَكَذَا فِيمَنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَصَلَّى بِهِ يَنَالُ عِنْدَ الثَّانِي لَا عِنْدَ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ اشْتِرَاطُ إيقَاعِهِ فِيهِ إظْهَارًا لِشَرَفِهِ وَمَزِيدِ اخْتِصَاصِهِ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ، قِيلَ وَفِيمَنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ. وَاسْتَظْهَرَ فِي الْبَحْرِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ مَشْرُوعِيَّتِهِ دَفْعُ حُصُولِ الْأَذَى مِنْ الرَّائِحَةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَالْحَسَنُ وَإِنْ قَالَ هُوَ لِلْيَوْمِ، لَكِنْ بِشَرْطِ تَقَدُّمِهِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ الْحَدَثِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَضُرُّ. اهـ. وَلِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيِّ هُنَا بَحْثٌ نَفِيسٌ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ هِدَايَةِ ابْنِ الْعِمَادِ. حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هَذِهِ الِاغْتِسَالَاتِ الْأَرْبَعَةَ لِلنَّظَافَةِ لَا لِلطَّهَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَخَلَّلَ الْحَدَثُ تَزْدَادُ النَّظَافَةُ بِالْوُضُوءِ ثَانِيًا، وَلَئِنْ كَانَتْ لِلطَّهَارَةِ أَيْضًا فَهِيَ حَاصِلَةٌ بِالْوُضُوءِ ثَانِيًا مَعَ بَقَاءِ النَّظَافَةِ فَالْأَوْلَى عِنْدِي الْإِجْزَاءُ وَإِنْ تَخَلَّلَ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ طَلَبُ حُصُولِ النَّظَافَةِ فَقَطْ. اهـ. أَقُولُ: وَيُؤَيِّدُهُ طَلَبُ التَّبْكِيرِ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى أَفْضَلُ وَهِيَ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَرُبَّمَا يَعْسُرُ مَعَ ذَلِكَ بَقَاءُ الْوُضُوءِ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَا سِيَّمَا فِي أَطْوَلِ الْأَيَّامِ، وَإِعَادَةُ الْغُسْلِ أَعْسَرُ - {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]- وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ حَاقِنًا وَهُوَ حَرَامٌ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي الْمِعْرَاجِ: لَوْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ اسْتَنَّ بِالسُّنَّةِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَطْعُ الرَّائِحَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ) هُوَ شَرْحُ دُرَرِ الْبِحَارِ الْمُؤَلَّفُ فِي مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْكِبَارِ وَمَذَاهِبِ الصَّاحِبَيْنِ عَلَى طَرِيقَةِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مَعَ غَايَةِ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ لِلْعَلَّامَةِ الْقُونَوِيِّ الْحَنَفِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِهِ، أَنَّهُ أَلَّفَهُ فِي نَحْوِ شَهْرٍ وَنِصْفٍ سَنَةَ (746) وَعِنْدِي شَرْحٌ عَلَيْهِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ الشَّهِيرِ بِالشَّيْخِ الْبُخَارِيِّ سَمَّاهُ غُرَرَ الْأَفْكَارِ، وَعَلَيْهِ شَرْحٌ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٌ قُطْلُوبُغَا تِلْمِيذِ ابْنِ الْهُمَامِ وَلَعَلَّهُ الَّذِي نَقَلَ عَنْهُ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَغَيْرِهِ) كَالْهِدَايَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالدُّرَرِ وَشُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَالزَّيْلَعِيِّ.

(قَوْلُهُ: اجْتَمَعَا مَعَ جَنَابَةٍ) أَقُولُ: وَكَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا كُسُوفٌ وَاسْتِسْقَاءٌ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى ذَلِكَ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الْكُلِّ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَجْلِ إحْرَامٍ) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا إمْدَادٌ، وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا قَالَ إنَّهُ لِلْيَوْمِ فَقَطْ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَفِي جَبَلِ عَرَفَةَ إلَخْ) أَرَادَ بِالْجَبَلِ مَا يَشْمَلُ السَّهْلَ مِنْ كُلِّ مَا يَصِحُّ الْوُقُوفُ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَقْحَمَ لَفْظَ جَبَلٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْغُسْلَ لِلْوُقُوفِ نَفْسِهِ لَا لِدُخُولِ عَرَفَاتٍ وَلَا لِلْيَوْمِ. مَطْلَبٌ يَوْمُ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ

وَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ أَيْضًا: أَيْ أَنْ يَكُونَ لِلْوُقُوفِ أَوْ لِلْيَوْمِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، رَدَّهُ فِي الْحِلْيَةِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لِلْوُقُوفِ. قَالَ: وَمَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا ذَهَبَ إلَى اسْتِنَانِهِ لِيَوْمِ عَرَفَةَ بِلَا حُضُورِ عَرَفَاتٍ اهـ

ص: 169

(ثَمَنُ مَاءِ اغْتِسَالِهَا وَوُضُوئِهَا عَلَيْهِ) أَيْ الزَّوْجِ لَوْ غَنِيَّةً

ــ

[رد المحتار]

وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لَكِنْ قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى نَظْمِ الْكَنْزِ أَقُولُ: لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ بِسُنِّيَّتِهِ لِلْيَوْمِ لِفَضِيلَتِهِ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فِي أَفْضَلِ أَيَّامِ الْعَامِ تَطْلُقُ يَوْمَ عَرَفَةَ، ذَكَرَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ. وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَدَارَ بَيْنَ الْأَقْوَامِ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ بِأَفْضَلِيَّةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالنَّقْلُ بِخِلَافِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَهَلْ السَّكْرَانُ كَذَلِكَ) الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيمَا إذَا رَأَى مَنِيًّا، أَمَّا هُنَا فَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَرَ مَنِيًّا كَمَا فِي الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَا تَكْرَارَ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ حِجَامَةٍ) أَيْ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا إمْدَادٌ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَفِي لَيْلَةِ بَرَاءَةٍ) هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ.

(قَوْلُهُ: وَعَرَفَةَ) أَيْ فِي لَيْلَتِهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ وَقُهُسْتَانِيٌّ، وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ شُمُولُهُ لِلْحَاجِّ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: إذَا رَآهَا) أَيْ يَقِينًا أَوْ عَمَلًا بِاتِّبَاعِ مَا وَرَدَ فِي وَقْتِهَا لِإِحْيَائِهَا إمْدَادٌ.

(قَوْلُهُ: غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيْ صَبِيحَتَهَا.

(قَوْلُهُ: لِرَمْيِ الْجَمْرَةِ) مُفَادُهُ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِنَفْسِ دُخُولِ مِنًى، فَلَوْ أَخَّرَ الرَّمْيَ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يُنْدَبْ لِأَجْلِ الدُّخُولِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْ الْمَتْنِ وَمُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ حَيْثُ جَعَلَ غُسْلَ الرَّمْيِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ غَيْرَ غُسْلِ دُخُولِ مِنًى يَوْم النَّحْر.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ) اسْتَظْهَرَ فِي الْحِلْيَةِ سُنِّيَّتَهُ لِنَقْلِ الْمُوَاظَبَةِ.

(قَوْلُهُ: لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ) لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ، بَلْ جَعَلَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ كُلًّا مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ وَالطَّوَافِ قِسْمًا بِرَأْسِهِ، وَنَصُّهُ: وَجَبَ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ، وَدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالطَّوَافِ. [تَنْبِيهٌ]

ظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَغْسَالَ يَوْمَ النَّحْرِ خَمْسَةٌ، وَهِيَ: الْوُقُوفُ بِمُزْدَلِفَةَ، وَدُخُولُ مِنًى، وَرَمْيُ الْجَمْرَةِ، وَدُخُولُ مَكَّةَ وَالطَّوَافُ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَنُوبُ عَنْهَا غُسْلٌ وَاحِدٌ بِنِيَّتِهِ لَهَا كَمَا يَنُوبُ عَنْ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَتَعْدَادُهَا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ ذَلِكَ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَظُلْمَةٍ) أَيْ نَهَارًا إمْدَادٌ.

(قَوْلُهُ: وَلِحُضُورِ مَجْمَعِ النَّاسِ) عَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى النَّوَوِيِّ وَقَالَ لَمْ أَجِدْهُ لِأَئِمَّتِنَا. أَقُولُ: وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قِيلَ يُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ وَفِي كُلِّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَاجْتِمَاعِ النَّاسِ.

(قَوْلُهُ: وَلِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا) عَزَاهُ فِي الْخَزَائِنِ إلَى النُّتَفِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ غَسَّلَ مَيِّتًا) لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ يُرَادُ قَتْلُهُ إلَخْ) عَزَا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْخَزَائِنِ إلَى الْحَلَبِيِّ مِنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.

(قَوْلُهُ: وَلِمُسْتَحَاضَةٍ انْقَطَعَ دَمُهَا) وَكَذَا لِمُحْتَلِمٍ أَرَادَ مُعَاوَدَةَ أَهْلِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَذَا لِمَنْ بَلَغَ بِسِنٍّ أَوْ أَسْلَمَ طَاهِرًا كَمَا مَرَّ، فَقَدْ بَلَغَتْ نَيِّفًا وَثَلَاثِينَ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَيُنْدَبُ غَسْلُ جَمِيعِ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ وَخَفِيَ مَكَانُهَا اهـ، وَفِيهِ مَا مَرَّ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّارِحَ سَيَذْكُرُ فِي الْأَنْجَاسِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلَ طَرَفِ الثَّوْبِ، فَمَا فِي الْإِمْدَادِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَتَدَبَّرْ

(قَوْلُهُ: ثَمَنُ مَاءِ اغْتِسَالِهَا) أَيْ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ انْقَطَعَ لِعَشَرَةٍ أَوْ أَقَلَّ. وَفَصَلَ فِي السِّرَاجِ بَيْنَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ لِعَشَرَةٍ فَعَلَيْهَا لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الصَّلَاةِ، وَلِأَقَلَّ فَعَلَيْهِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْوَطْءِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِمَّا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ أَوْ لَا فَالْأَوْجَهُ الْإِطْلَاقُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ غَنِيَّةً) وَبِهِ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ ثَمَنَ مَاءِ الْوُضُوءِ عَلَيْهَا لَوْ غَنِيَّةً

ص: 170

كَمَا فِي الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَصَارَ كَالشُّرْبِ، فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ. وَلَوْ كَانَ الِاغْتِسَالُ لَا عَنْ جَنَابَةٍ وَحَيْضٍ بَلْ لِإِزَالَةِ الشَّعَثِ وَالتَّفَثِ قَالَ شَيْخُنَا الظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ.

(وَيَحْرُمُ بِالْحَدَثِ)(الْأَكْبَرِ دُخُولُ مَسْجِدٍ) لَا مُصَلَّى عِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ، ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي الْحَيْضِ وَقُبَيْلِ الْوِتْرِ، لَكِنْ فِي وَقْفِ الْقُنْيَةِ: الْمَدْرَسَةُ إذَا لَمْ يَمْنَعْ أَهْلُهَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَهِيَ مَسْجِدٌ (وَلَوْ لِلْعُبُورِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (إلَّا لِضَرُورَةٍ) حَيْثُ لَا

ــ

[رد المحتار]

وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ إلَيْهَا أَوْ يَدَعَهَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا بَحْرٌ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ.

(قَوْلُهُ: فَأُجْرَةُ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ) ذَكَرَهُ فِي نَفَقَةِ الْبَحْرِ بَحْثًا، قَالَ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ، لَكِنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ اهـ وَمَا بَحَثَهُ نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلِذَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: الشَّعَثِ وَالتَّفَثِ) مُحَرَّكَانِ، وَالْأَوَّلُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَاغْبِرَارُهُ لِقِلَّةِ التَّعَهُّدِ، وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْوَسَخِ وَالدَّرَنِ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْقَامُوسِ، وَاعْتَرَضَهُ الشَّاهِينِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ.

(قَوْلُهُ: قَالَ شَيْخُنَا) أَيْ الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ.

(قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ لَا يَلْزَمُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَمَاءِ الشُّرْبِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ حُكْمُ النَّفَقَةِ بَلْ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ فَيَكُونُ كَالطِّيبِ رَحْمَتِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهَا بِإِزَالَتِهِ لَا يَلْزَمُهَا إلَّا إذَا دَفَعَ لَهَا مِنْ مَالِهِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: لَا مُصَلَّى عِيدٍ وَجِنَازَةٍ) فَلَيْسَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا حُكْمُهُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ، وَمِثْلُهُمَا فِنَاءُ الْمَسْجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَرِبَاطٍ) هُوَ خَانْكَاةُ الصُّوفِيَّةُ ح وَهُوَ مُتَعَبَّدُهُمْ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ وَفَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ مَا يُفِيدُ أَنَّهَا بِالْقَافِ فَإِنَّهُ قَالَ الْخَنْقُ فِي اللُّغَةِ: التَّضْيِيقُ، وَالْخَانِقُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الزَّاوِيَةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا صُوفِيَّةُ الرُّومِ الْخَانْقَاهْ لِتَضْيِيقِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالشُّرُوطِ الَّتِي يَلْتَزِمُونَهَا فِي مُلَازَمَتِهَا وَيَقُولُونَ فِيهَا أَيْضًا مَنْ غَابَ عَنْ الْحُضُورِ غَابَ نَصِيبُهُ إلَّا أَهْلَ الْخَوَانِقِ وَهِيَ مَضَايِقُ اهـ ط. وَوَجْهُ تَسْمِيَتِهَا رِبَاطًا أَنَّهَا مِنْ الرَّبْطِ: أَيْ الْمُلَازَمَةِ عَلَى الْأَمْرِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَقَامُ فِي ثَغْرِ الْعَدُوِّ رِبَاطًا، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران: 200] وَمَعْنَاهُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» أَفَادَهُ فِي الْقَامُوسِ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) فِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ فِي مَسْجِدِ الْمَدْرَسَةِ لَا فِي الْمَدْرَسَةِ نَفْسِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي الْمَدَارِسِ مَسَاجِدُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، وَإِذَا غُلِقَتْ يَكُونُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهَا. اهـ. وَفِي الْخَانِيَّةِ دَارٌ فِيهَا مَسْجِدٌ لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَوْ أُغْلِقَتْ كَانَ لَهُ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ فِيهَا فَهُوَ مَسْجِدُ جَمَاعَةٍ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ مِنْ حُرْمَةِ الْبَيْعِ وَالدُّخُولِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانُوا لَا يَمْنَعُونَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِلْعُبُورِ) أَيْ الْمُرُورِ، لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبُيُوتُ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ، فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَالْمُرَادُ بِعَابِرِي سَبِيلٍ فِي الْآيَةِ الْمُسَافِرُونَ كَمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، فَالْمُسَافِرُ مُسْتَثْنًى مِنْ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بِلَا اغْتِسَالٍ، ثُمَّ بَيَّنَ فِي الْآيَةِ أَنَّ حُكْمَهُ التَّيَمُّمُ، وَتَمَامُ الْأَدِلَّةِ مِنْ السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا مَبْسُوطٌ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ: وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ دُخُولَهُ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ جُنُبًا وَمُكْثَهُ فِيهِ مِنْ خَوَاصِّهِ، وَكَذَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ عَلِيٍّ رضي الله عنه كَمَا وَرَدَ مِنْ طُرُقِ ثِقَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِجَوَازِهِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ وَكَلُبْسِ الْحَرِيرِ لَهُمْ فَهُوَ اخْتِلَاقٌ مِنْ الشِّيعَةِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا لِضَرُورَةٍ) قَيَّدَ بِهِ فِي الدُّرَرِ وَكَذَا فِي عُيُونِ الْمَذَاهِبِ لِلْكَاكِيِّ شَارِحِ الْهِدَايَةِ وَكَذَا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ غَيْرُهُ) كَأَنْ يَكُونَ بَابُ بَيْتِهِ إلَى الْمَسْجِدِ دُرَرٌ أَيْ وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى السُّكْنَى فِي غَيْرِهِ بَحْرٌ.

ص: 171

تَيَمَّمَ نَدْبًا، وَإِنْ مَكَثَ لِخَوْفٍ فَوُجُوبًا، وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ.

(وَ) يَحْرُمُ بِهِ (تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ) وَلَوْ دُونَ آيَةٍ عَلَى الْمُخْتَارِ (بِقَصْدِهِ) فَلَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ أَوْ الثَّنَاءَ أَوْ افْتِتَاحَ أَمْرٍ أَوْ التَّعْلِيمِ وَلَقَّنَ كَلِمَةً كَلِمَةً

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَارُّ، وَمِنْ صُوَرِهِ مَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ: مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: تَيَمَّمَ نَدْبًا إلَخْ) أَفَادَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ تَوْفِيقًا بَيْنَ إطْلَاقِ مَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ وَمَا يُفِيدُ النَّدْبَ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا فِي الْخُرُوجِ، وَأَمَّا فِي الدُّخُولِ فَيَجِبُ كَمَا يُفِيدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْعِنَايَةِ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي دُرَرِ الْبِحَارِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا نُجِيزُ الْعُبُورَ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا تَيَمُّمٍ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، قِيلَ لَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ تَيَمُّمٍ اعْتِبَارًا بِالدُّخُولِ، وَقِيلَ يُبَاحُ. اهـ. فَجَعَلَ الْخِلَافَ فِي الْخُرُوجِ دُونَ الدُّخُولِ، وَالْوَجْهُ فِيهِ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْمَاهِرِ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ كَانَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ الْمُرُورَ، فِيهِ تَأَمُّلٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، وَهَذَا دَفْعٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْحِلْيَةِ. [تَتِمَّةٌ]

ذَكَرَ فِي الدُّرَرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ يُكْرَهُ دُخُولُ الْمُحْدِثِ مَسْجِدًا مِنْ الْمَسْجِدِ وَطَوَافُهُ بِالْكَعْبَةِ. اهـ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا يَدْخُلُهُ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْخِزَانَةِ: وَإِذَا فَسَا فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بِهِ بَأْسًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ يَخْرُجُ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ.

(قَوْلُهُ: تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ كَمَا يَأْتِي، وَفِي حُكْمِهِ مَنْسُوخُ التِّلَاوَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ دُونَ آيَةٍ) أَيْ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ لَا الْمُفْرَدَاتِ؛ لِأَنَّهُ جَوَّزَ لِلْحَائِضٍ الْمُعَلِّمَةِ تَعْلِيمَهُ كَلِمَةً كَلِمَةً يَعْقُوبُ بَاشَا.

(قَوْلُهُ: عَلَى الْمُخْتَارِ) أَيْ مِنْ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَا دُونَ آيَةٍ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ قَارِئًا بِمَا دُونَ آيَةٍ فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَكَذَا هُنَا وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَالتَّعْلِيلُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ. اهـ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، وَالثَّانِي قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ. أَقُولُ: وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ طَوِيلَةً، فَلَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً كَانَ بَعْضُهَا كَآيَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ شَرْحِ الْجَامِعِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ قَصَدَ الدُّعَاءَ) قَالَ فِي الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ: قَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَمْ يُرِدْ الْقِرَاءَةَ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي الْغَايَةِ: أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَاخْتَارَهُ الْحَلْوَانِيُّ، لَكِنْ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ: لَا أُفْتِي بِهِ وَإِنْ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ فِي نَحْوِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ قُرْآنًا لَفْظًا وَمَعْنًى مُعْجِزًا مُتَحَدًّى بِهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ - الْحَمْدُ لِلَّهِ - وَنَازَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ كَوْنَهُ قُرْآنًا فِي الْأَصْلِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِالْقَصْدِ، نَعَمْ ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ يُفْهَمُ أَنَّ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَسُورَةِ أَبِي لَهَبٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا قَصْدُ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ، لَكِنْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ. اهـ. مَطْلَبُ يُطْلَقُ الدُّعَاءُ عَلَى مَا يَشْمَلُ الثَّنَاءَ أَقُولُ: وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَفَاهِيمَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّعَاءِ مَا يَشْمَلُ الثَّنَاءَ؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ نِصْفُهَا ثَنَاءٌ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ دُعَاءٌ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ الثَّنَاءَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.

(قَوْلُهُ: أَوْ افْتِتَاحَ أَمْرٍ) كَقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ لِافْتِتَاحِ الْعَمَلِ تَبَرُّكًا بَدَائِعُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ التَّعْلِيمَ) فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِأَنَّ الْحَائِضَ مُضْطَرَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى رَفْعِ حَدَثِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ نُوحٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَقَّنَ كَلِمَةً كَلِمَةً) هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْمُنْيَةِ

ص: 172

حَلَّ فِي الْأَصَحِّ، حَتَّى لَوْ قَصَدَ بِالْفَاتِحَةِ الثَّنَاءَ فِي الْجِنَازَةِ لَمْ يُكْرَهْ إلَّا إذَا قَرَأَ الْمُصَلِّي قَاصِدًا الثَّنَاءَ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّهَا، فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا بِقَصْدِهِ (وَمَسُّهُ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ وَمَا قَبْلَهُ سَاقِطٌ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ، وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْحَيْضِ.

(وَ) يَحْرُمُ بِهِ (طَوَافٌ) لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِيهِ

(وَ) يَحْرُمُ (بِهِ) أَيْ بِالْأَكْبَرِ (وَبِالْأَصْغَرِ) مَسُّ مُصْحَفٍ: أَيْ مَا فِيهِ آيَةٌ كَدِرْهَمٍ وَجِدَارٍ، وَهَلْ مَسُّ نَحْوِ التَّوْرَاةِ كَذَلِكَ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا (إلَّا بِغِلَافٍ مُتَجَافٍ) غَيْرِ مُشَرَّزٍ

ــ

[رد المحتار]

حَرْفًا حَرْفًا كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِي شَرْحِهَا، وَالْمُرَادُ مَعَ الْقَطْعِ بَيْنَ كُلِّ كَلِمَتَيْنِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ، وَعَلَى قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ تَعَلَّمَ نِصْفَ آيَةٍ نِهَايَةٌ وَغَيْرُهَا. وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْكَرْخِيَّ قَائِلٌ بِاسْتِوَاءِ الْآيَةِ وَمَا دُونَهَا فِي الْمَنْعِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِمَا دُونَهَا مَا بِهِ يُسَمَّى قَارِئًا وَبِالتَّعْلِيمِ كَلِمَةً كَلِمَةً لَا يُعَدُّ قَارِئًا اهـ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْيَعْقُوبِيَّةِ. بَقِيَ مَا لَوْ كَانَتْ الْكَلِمَةُ آيَةً ك - ص - و - ق - نَقَلَ نُوحٌ أَفَنْدِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْجَوَازُ. أَقُولُ: وَيَنْبَغِي عَدَمُهُ فِي - {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]- تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَصَدَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَضْمُونِ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِقَصْدِ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَصَدَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمَضْمُونِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، وَالْمُرَادُ الْمُصَلِّي الصَّلَاةَ الْكَامِلَةَ ذَاتَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ تُجْزِيهِ) الضَّمَائِرُ تَرْجِعُ إلَى الْقِرَاءَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ الْمَقَامِ أَوْ إلَى الْفَاتِحَةِ ط.

(قَوْلُهُ: فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهَا) وَهُوَ سُقُوطُ وَاجِبِ الْقِرَاءَةِ بِهَا.

(قَوْلُهُ: بِقَصْدِهِ) أَيْ الثَّنَاءِ.

(قَوْلُهُ: وَمَسُّهُ) أَيْ مَسُّ الْقُرْآنِ وَكَذَا سَائِرُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ: وَفِي الْمُبْتَغَى: وَلَا يَجُوزُ مَسُّ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَةً وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ قُرْآنًا مُتَعَبَّدًا بِتِلَاوَتِهِ، خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّمْلِيُّ، فَإِنَّ التَّوْرَاةَ وَنَحْوَهَا مِمَّا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ مَعًا فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: مُسْتَدْرَكٌ) أَيْ مُدْرَكٌ بِالِاعْتِرَاضِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مُعْتَرَضٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ وَبِالْأَصْغَرِ مَسُّ مُصْحَفٍ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ بِالْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ لِوُقُوعِهِ فِي مَرْكَزِهِ ط: أَيْ بَلْ بِالْعَكْسِ.

(قَوْلُهُ: سَاقِطٌ) لَمْ يَسْقُطْ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِ الشَّرْحِ إلَّا قَوْلَهُ وَمَسُّهُ ح.

(قَوْلُهُ لِوُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِيهِ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَسْجِدٌ لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ بِدُونِهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ: أَيْ الطَّوَافَ مَعَ مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ فِيهِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ تَجِبُ مِنْ الْأَصْغَرِ كَمَا سَيَأْتِي، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ فِي عَدِّ الْوَاجِبَاتِ. قَالَ وَالطَّهَارَةُ فِيهِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ اهـ.

(قَوْلُهُ مَسُّ مُصْحَفٍ) الْمُصْحَفُ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَالضَّمُّ فِيهِ أَشْهَرُ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أُصْحِفَ: أَيْ جُمِعَ فِيهِ الصَّحَائِفُ حِلْيَةٌ.

(قَوْلُهُ: أَيْ مَا فِيهِ آيَةٌ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ مُطْلَقُ مَا كُتِبَ فِيهِ قُرْآنٌ مَجَازًا، مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، أَوْ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ. قَالَ ح: لَكِنْ لَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ إلَّا بِالْمَكْتُوبِ: أَيْ مَوْضِعُ الْكِتَابَةِ كَذَا فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ الْبَحْرِ، وَقَيَّدَ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ مَا دُونَهَا لَا يُكْرَهُ مَسُّهُ كَمَا فِي حَيْضِ الْقُهُسْتَانِيِّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ هُنَا مَا جَرَى فِي قِرَاءَةِ مَا دُونَ آيَةٍ مِنْ الْخِلَافِ، وَالتَّفْصِيلِ الْمَارَّيْنِ هُنَاكَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَسَّ يَحْرُمُ بِالْحَدَثِ وَلَوْ أَصْغَرَ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فَكَانَتْ دُونَهُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَظَاهِرُ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ صِفَةٌ لِلْقُرْآنِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ الْمَنْعِ بِهِ اهـ لَكِنْ قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْمُبْتَغَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا نَقَلَهُ ح عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ بَعْدَ النَّقْلِ إلَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ لَا يَنْفِيهِ بَلْ رُبَّمَا تَلْحَقُ سَائِرُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ بِالْقُرْآنِ دَلَالَةً لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي وُجُوبِ التَّعْظِيمِ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّ بِمَا لَمْ يُبْدَلْ كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: غَيْرُ مُشَرَّزٍ) أَيْ غَيْرُ مَخِيطٍ بِهِ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُتَجَافِي قَالَ فِي. الْمُغْرِبِ

ص: 173

أَوْ بِصُرَّةٍ بِهِ يُفْتَى، وَحَلَّ قَلْبُهُ بِعُودٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَسِّهِ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ وَبِمَا غُسِلَ مِنْهَا وَفِي الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ، وَالْمَنْعُ أَصَحُّ.

(وَلَا يُكْرَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَحِلُّ الْعَيْنَ (كَ) مَا لَا تُكْرَهُ (أَدْعِيَةٍ) أَيْ تَحْرِيمًا، وَإِلَّا فَالْوُضُوءُ لِمُطْلَقِ الذَّكَرِ مَنْدُوبٌ، وَتَرْكُهُ خِلَافُ الْأَوْلَى، وَهُوَ مَرْجِعُ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ.

(وَلَا) يُكْرَهُ (مَسُّ صَبِيٍّ لِمُصْحَفٍ وَلَوْحٍ) وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَطَلَبِهِ مِنْهُ لِلضَّرُورَةِ إذْ الْحِفْظُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ.

(وَ) لَا تُكْرَهُ (كِتَابَةُ قُرْآنٍ وَالصَّحِيفَةُ أَوْ اللَّوْحُ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الثَّانِي) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وُضِعَ عَلَى الصَّحِيفَةِ مَا يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ يَدِهِ يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الثَّانِي وَإِلَّا فَبِقَوْلِ الثَّالِثِ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ.

ــ

[رد المحتار]

مُصْحَفٌ مُشَرَّزٌ أَجْزَاؤُهُ مَشْدُودٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ مِنْ الشِّيرَازَةِ وَلَيْسَتْ بِعَرَبِيَّةٍ اهـ فَالْمُرَادُ بِالْغِلَافِ مَا كَانَ مُنْفَصِلًا كَالْخَرِيطَةِ وَهِيَ الْكِيسُ وَنَحْوُهَا؛ لِأَنَّ الْمُتَّصِلَ بِالْمُصْحَفِ مِنْهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهِ بِلَا ذِكْرٍ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْجِلْدُ الْمُشَرَّزُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي، وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَزَادَ فِي السِّرَاجِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ. قَالَ: وَالْخِلَافُ فِيهِ جَارٍ فِي الْكُمِّ أَيْضًا. فَفِي الْمُحِيطِ لَا يُكْرَهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْكَافِي مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْمَسَّ اسْمٌ لِلْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدِ بِلَا حَائِلٍ. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ، وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، فَهُوَ مُعَارِضٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى. اهـ. أَقُولُ: بَلْ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْكُمِّ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّهُ بِبَعْضِ ثِيَابِ الْبَدَنِ غَيْرِ الْكُمِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْفَتَاوَى. وَفِيهِ قَالَ لِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ: أَيَجُوزُ بِالْمِنْدِيلِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الْعُنُقِ؟ قُلْت: لَا أَعْلَمُ فِيهِ نَقْلًا. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّكَ طَرَفُهُ بِحَرَكَتِهِ لَا يَجُوزُ وَإِلَّا جَازَ، لِاعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ تَبَعًا لَهُ كَبَدَنِهِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي فِيمَا لَوْ صَلَّى وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ بِطَرَفِهَا الْمُلْقَى نَجَاسَةٌ مَانِعَةٌ، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِصُرَّةٍ) رَاجِعٌ لِلدِّرْهَمِ، وَالْمُرَادُ بِالصُّرَّةِ مَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ ثِيَابِهِ التَّابِعَةِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: وَحَلَّ قَلْبُهُ بِعُودٍ) أَيْ تَقْلِيبُ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ لِعَدَمِ صِدْقِ الْمَسِّ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ) هَذَا لَا يَظْهَرُ إلَّا فِي الْأَصْغَرِ، وَأَمَّا فِي الْأَكْبَرِ فَالْأَعْضَاءُ كُلُّهَا أَعْضَاءُ طَهَارَةٍ ط أَيْ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُحْدِثِ لَا فِي الْجُنُبِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يَحِلُّ جَمِيعَ أَعْضَائِهِ.

(قَوْلُهُ: وَبِمَا غُسِلَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي تَجَزِّي الطَّهَارَةِ وَعَدَمِهِ فِي حَقِّ غَيْرِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَنْعُ أَصَحُّ) كَذَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُقَابِلَ صَحِيحٌ يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهِ ط، لَكِنْ فِي السِّرَاجِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ لَا تَرْتَفِعُ جَنَابَتُهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ فَلَيْسَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ عَلَى بَابِهِ

. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَحِلُّ الْعَيْنَ) تَقَدَّمَ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْجَنَابَةَ تَحِلُّهَا وَسَقَطَ غُسْلُهَا لِلْحَرَجِ ط وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِعَدَمِ الْمَسِّ كَمَا قَالَ ح؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي النَّظَرِ إلَّا الْمُحَاذَاةُ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْفِيَّةِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ لَا مُطْلَقَ الْكَرَاهَةِ.

(قَوْلُهُ: مَنْدُوبٌ) فَقَدْ نَصَّ فِي أَذَانِ الْهِدَايَةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْجِعُ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ) أَيْ فَلِذَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَيْ تَحْرِيمًا، وَقَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدَّ عَلَى قَوْلِ الْبَحْرِ، وَتَرْكُ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ كَرَاهَةً وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي مَنْدُوبَاتِ الْوُضُوءِ

. (قَوْلُهُ: وَلَا يُكْرَهُ مَسُّ صَبِيٍّ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يُكْرَهُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَتْرُكَهُ يَمَسُّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَآهُ يَشْرَبُ خَمْرًا مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ) أَيْ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الْبَالِغُ الْمُتَطَهِّرُ الْمُصْحَفَ إلَى الصَّبِيِّ، وَلَا يُتَوَهَّمُ جَوَازُهُ مَعَ وُجُودِ حَدَثِ الْبَالِغِ ح.

(قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِ الصِّبْيَانِ وَأَمْرِهِمْ بِالْوُضُوءِ حَرَجًا بِهِمْ، وَفِي تَأْخِيرِهِ إلَى الْبُلُوغِ تَقْلِيلُ حِفْظِ الْقُرْآنِ دُرَرٌ قَالَ ط وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي مَنْعَ الدَّفْعِ وَالطَّلَبِ مِنْ الصَّبِيِّ إذْ لَمْ يَكُنْ مُعَلِّمًا.

(قَوْلُهُ: إذْ الْحِفْظُ إلَخْ)

ص: 174

(وَيُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَةُ تَوْرَاةٍ وَإِنْجِيلٍ وَزَبُورٍ) لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ وَمَا بُدِّلَ مِنْهَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ. وَجَزَمَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِالْحُرْمَةِ وَخَصَّهَا فِي النَّهْرِ بِمَا لَمْ يُبْدَلْ (لَا) قِرَاءَةَ (قُنُوتٍ) وَلَا أَكْلَهُ وَشُرْبَهُ بَعْدَ غَسْلِ يَدٍ وَفَمٍ، وَلَا مُعَاوَدَةَ

ــ

[رد المحتار]

تَنْوِيرٌ عَلَى دَعْوَى الضَّرُورَةِ الْمُبِيحَةِ لِتَعْجِيلِ الدَّفْعِ قَبْلَ الْكِبَرِ، وَقَوْلُهُ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ: أَيْ مِنْ حَيْثُ الثَّبَاتُ وَالْبَقَاءُ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ وَهَذَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ، لَكِنْ بِلَفْظِ «الْعِلْمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرِ» وَمِمَّا أَنْشَدَ نِفْطَوَيْهِ لِنَفْسِهِ:

أَرَانِي أَنْسَى مَا تَعَلَّمْت فِي الْكِبَرْ

وَلَسْت بِنَاسٍ مَا تَعَلَّمْت فِي الصِّغَرْ

وَمَا الْعِلْمُ إلَّا بِالتَّعَلُّمِ فِي الصِّبَا

وَمَا الْحِلْمُ إلَّا بِالتَّحَلُّمِ فِي الْكِبَرْ

وَمَا الْعِلْمُ بَعْدَ الشَّيْبِ إلَّا تَعَسُّفٌ

إذَا كَلَّ قَلْبُ الْمَرْءِ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرْ

وَلَوْ فَلَقَ الْقَلْبَ الْمُعَلِّمُ فِي الصِّبَا

لَأَبْصَرَ فِيهِ الْعِلْمَ كَالنَّقْشِ فِي الْحَجَرْ

اهـ فَتَّالٍ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) حَيْثُ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَكْتُبَ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَاسِّ لِلْقُرْآنِ حِلْيَةٌ عَنْ الْمُحِيطِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَاسٌّ بِالْقَلَمِ وَهُوَ وَاسِطَةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَكَانَ كَثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ إلَّا أَنْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي إلَخْ) يُؤْخَذُ هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ، وَوَفَّقَ ط بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِمَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ مِنْ أَصْلِهِ بِحَمْلِ قَوْلِ الثَّانِي عَلَى الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ، وَقَوْلُ الثَّالِثِ عَلَى التَّنْزِيهِيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيفَةِ) قَيَّدَ بِهَا؛ لِأَنَّ نَحْوَ اللَّوْحِ لَا يُعْطَى حُكْمُ الصَّحِيفَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ إلَّا مَسُّ الْمَكْتُوبِ مِنْهُ ط.

(قَوْلُهُ: قَالَهُ الْحَلَبِيُّ) هُوَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ صَاحِبُ مَتْنِ الْمُلْتَقَى وَشَارِحُ الْمُنْيَةِ

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ لَهُ إلَخْ) الْأَوْلَى لَهُمْ أَيْ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ. هَذَا، وَصَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ مَا بُدِّلَ مِنْهُ بَعْضٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ وَمَا لَمْ يُبْدَلْ غَالِبٌ وَهُوَ وَاجِبُ التَّعْظِيمِ وَالصَّوْنِ. وَإِذَا اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ غَلَبَ الْمُحَرِّمُ. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَبِهَذَا ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّهُ مُجَازَفَةٌ عَظِيمَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُخْبِرْنَا بِأَنَّهُمْ بَدَّلُوهَا عَنْ آخِرِهَا وَكَوْنُهُ مَنْسُوخًا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى كَالْآيَاتِ الْمَنْسُوخَةِ مِنْ الْقُرْآنِ. اهـ. وَاخْتَارَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ نُهِينَا عَنْ النَّظَرِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا سَوَاءٌ نَقَلَهَا إلَيْنَا الْكُفَّارُ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ.

(قَوْلُهُ: بِمَا لَمْ يُبْدَلْ) أَمَّا مَا عُلِمَ أَنَّهُ مُبْدَلٌ لَوْ كَتَبَ وَحْدَهُ يَجُوزُ مَسُّهُ كَزَعْمِهِمْ أَنَّ مِنْ التَّوْرَاةِ هَذِهِ شَرِيعَةٌ مُؤَبَّدَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ قِيلَ أَوَّلُ مَنْ اخْتَلَقَهُ لِلْيَهُودِ ابْنُ الرَّاوَنْدِيِّ لِيُعَارِضَ بِهِ دَعْوَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

(قَوْلُهُ: لَا قِرَاءَةَ قُنُوتٍ) هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةَ الْقُرْآنِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ؛ لِأَنَّ أُبَيًّا جَعَلَهُ سُورَتَيْنِ مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ سُورَةً، وَمِنْ هُنَا إلَى آخِرِهِ أُخْرَى لَكِنْ الْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ قَطْعًا وَيَقِينًا بِالْإِجْمَاعِ فَلَا شُبْهَةَ تُوجِبُ الِاحْتِيَاطَ الْمَذْكُورَ، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ غَسْلِ يَدٍ وَفَمٍ) أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَارِبًا لِلْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَيَدُهُ لَا تَخْلُو مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَنْبَغِي غَسْلُهَا ثُمَّ يَأْكُلُ، بَدَائِعُ

ص: 175

أَهْلِهِ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ. قَالَ الْحَلَبِيُّ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ إنَّمَا يُفِيدُ النَّدْبَ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ الْمُفَادِ مِنْ كَلَامِهِ. (وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ لَا الْكُتُبُ الشَّرْعِيَّةُ) فَإِنَّهُ رَخَّصَ مَسَّهَا بِالْيَدِ لَا التَّفْسِيرِ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ مَجْمَعِ الْفَتَاوَى. وَفِي السِّرَاجِ: الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَأْخُذَ الْكُتُبَ الشَّرْعِيَّةَ بِالْكُمِّ أَيْضًا تَعْظِيمًا، لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ قَاعِدَةِ: إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ رُجِّحَ الْحَرَامُ.

ــ

[رد المحتار]

وَفِي الْخِزَانَةِ وَإِنْ تَرَكَ لَا يَضُرُّهُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِيهَا، وَاخْتُلِفَ فِي الْحَائِضِ، قِيلَ كَالْجُنُبِ، وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ لَهَا؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يُزِيلُ نَجَاسَةَ الْحَيْضِ عَنْ الْفَمِ وَالْيَدِ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ) أَيْ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ لِئَلَّا يُشَارِكَهُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَفَادَهُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ. وَفِي الْبُسْتَانِ قَالَ ابْنُ الْمُقَنَّعِ، يَأْتِي الْوَلَدُ مَجْنُونًا أَوْ بَخِيلًا إسْمَاعِيلُ.

(قَوْلُهُ: قَالَ الْحَلَبِيُّ إلَخْ) هُوَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ الْحَلَبِيُّ شَارِحُ الْمُنْيَةِ وَالتَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ.

(قَوْلُهُ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ إلَخْ) يُشْعِرُ بِأَنَّهُ وَرَدَتْ فِي الِاحْتِلَامِ أَحَادِيثُ وَالْحَالُ أَنَّا لَمْ نَقِفْ فِيهِ عَلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ. وَاَلَّذِي وَرَدَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ» وَوَرَدَ «أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ وَاغْتَسَلَ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ» فَقُلْنَا بِاسْتِحْبَابِهِ. وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ مَعْصُومُونَ عَنْهُ، غَايَةُ مَا يُقَالُ إنَّهُ لَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ لِمَنْ أَرَادَ الْمُعَاوَدَةَ عُلِمَ اسْتِحْبَابُهُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَنَابَةُ مِنْ الْجِمَاعِ أَوْ الِاحْتِلَامِ. اهـ. نُوحٌ أَفَنْدِي وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ، إلَّا أَنَّ عِبَارَةَ الْحَلَبِيِّ لَيْسَ فِيهَا اسْتِدْلَالٌ بِالْأَحَادِيثِ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنَّمَا نَفْيُ الدَّلِيلِ عَلَى الْوُجُوبِ وَالشَّارِحُ تَابَعَ صَاحِبَ الْبَحْرِ فِي عَزْوِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إلَيْهِ، وَنَصُّ عِبَارَةِ الْحَلَبِيِّ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ جُمْلَةَ أَحَادِيثَ: فَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمُعَاوَدَةَ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ بَيْنَ الْجِمَاعَيْنِ أَمْرٌ جَائِزٌ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَتَخَلَّلَهَا الْغُسْلُ أَوْ الْوُضُوءُ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إلَّا إذَا احْتَلَمَ لَمْ يَأْتِ أَهْلَهُ، هَذَا إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّدْبِ غَرِيبٌ ثُمَّ لَا دَلِيلَ فِيمَا يَظْهَرُ يَدُلُّ عَلَى الْحُرْمَةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: مِنْ كَلَامِهِ) أَيْ كَلَامِ الْمُبْتَغَى وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ هَذَا الضَّمِيرُ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ) ظَاهِرَةُ حُرْمَةُ الْمَسِّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ لَا نَصَّ فِيهِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ، فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ كَمَا عَبَّرَ غَيْرُهُ.

(قَوْلُهُ: لَا الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَيُكْرَهُ مَسُّ الْمُحْدِثِ الْمُصْحَفَ كَمَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ، وَكَذَا كُتُبُ الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ عِنْدَهُمَا. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَهُ. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَجْهُ قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يُسَمَّى مَاسًّا لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ التَّابِعِ اهـ وَمَشَى فِي الْفَتْحِ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَالَ: قَالُوا: يُكْرَهُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ مِنْ شُرُوحِ النَّحْوِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْأَشْبَاهِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَالتَّفْسِيرُ كَمُصْحَفٍ، فَإِنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ مَسِّ التَّفْسِيرِ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ، بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهِ أَيْضًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ. وَفِي السِّرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ أَنَّ كُتُبَ التَّفْسِيرِ لَا يَجُوزُ مَسُّ مَوْضِعِ الْقُرْآنِ مِنْهَا، وَلَهُ أَنْ يَمَسَّ غَيْرَهُ وَكَذَا كُتُبُ الْفِقْهِ إذَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الْكُلَّ فِيهِ تَبَعٌ لِلْقُرْآنِ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ مُقْتَضَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَهَا حَتَّى فِي التَّفْسِيرِ نَظَرَ إلَى مَا فِيهَا مِنْ الْآيَاتِ، وَمَنْ نَفَاهَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْأَكْثَرَ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَهَذَا يَعُمُّ التَّفْسِيرَ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقُرْآنَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ اهـ

ص: 176

وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا مَسَّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ لِلْمُحْدِثِ، وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ كَوْنِ الْأَكْثَرِ تَفْسِيرًا أَوْ قُرْآنًا، وَلَوْ قِيلَ بِهِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لَكَانَ حَسَنًا قُلْت: لَكِنَّهُ يُخَالِفُ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ.

[فُرُوعٌ]

الْمُصْحَفُ إذَا صَارَ بِحَالٍ لَا يُقْرَأُ فِيهِ يُدْفَنُ كَالْمُسْلِمِ، وَيُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ مِنْ مَسِّهِ، وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ إذَا اغْتَسَلَ وَلَا بَأْسَ بِتَعْلِيمِهِ الْقُرْآنَ وَالْفِقْهَ عَسَى يَهْتَدِي. وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ تَحْتَ رَأْسِهِ إلَّا لِلْحِفْظِ وَالْمِقْلَمَةِ عَلَى الْكِتَابِ إلَّا لِلْكِتَابَةِ. وَيُوضَعُ النَّحْوُ ثُمَّ التَّعْبِيرُ

ــ

[رد المحتار]

أَيْ فَيُكْرَهُ مَسُّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ، كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلدُّرَرِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ وَالتُّحْفَةِ فَتَلَخَّصَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ - قَالَ ط: وَمَا فِي السِّرَاجِ أَوْفَقُ بِالْقَوَاعِدِ. اهـ. أَقُولُ: الْأَظْهَرُ وَالْأَحْوَطُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَيْ كَرَاهَتُهُ فِي التَّفْسِيرِ دُونَ غَيْرِهِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ فِي التَّفْسِيرِ أَكْثَرُ مِنْهُ فَيُغَيِّرُهُ، وَذِكْرُهُ فِيهِ مَقْصُودٌ اسْتِقْلَالًا لَا تَبَعًا، فَشَبَهُهُ بِالْمُصْحَفِ أَقْرَبُ مِنْ شَبَهِهِ بِبَقِيَّةِ الْكُتُبِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي التَّفْسِيرِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْقُرْآنُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَبَعْضِ نُسَخِ الْكَشَّافِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قِيلَ بِهِ) أَيْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ، بِأَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ لَا يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ يُكْرَهُ. وَالْأَوْلَى إلْحَاقُ الْمُسَاوَاةِ بِالثَّانِي، وَهَذَا التَّفْصِيلُ رُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.

(قَوْلُهُ: قُلْت لَكِنَّهُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ قِيلَ بِهِ إلَخْ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ مَا مَرَّ فِي الْمَتْنِ مُطْلَقٌ، فَتَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا إذَا كَانَ الْقُرْآنُ أَكْثَرَ مُخَالِفٍ لَهُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْرَاكَ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ كَانَ عَلَى كَرَاهَةِ مَسِّ التَّفْسِيرِ وَهَذَا عَلَى تَقْيِيدِ الْكَرَاهَةِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: فَتَدَبَّرْ) لَعَلَّهُ يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ ادِّعَاءُ تَقْيِيدِ إطْلَاقِ الْمَتْنِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ، فَلَا يُنَافِي دَعْوَى التَّفْصِيلِ.

(قَوْلُهُ: يُدْفَنُ) أَيْ يُجْعَلُ فِي خِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ وَيُدْفَنُ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مُمْتَهَنٍ لَا يُوطَأُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَدَ لَهُ وَلَا يُشَقُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ، وَفِي ذَلِكَ نَوْعُ تَحْقِيرٍ إلَّا إذَا جُعِلَ فَوْقَهُ سَقْفٌ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ التُّرَابُ إلَيْهِ فَهُوَ حَسَنٌ أَيْضًا اهـ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْكُتُبِ فَسَيَأْتِي فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يُمْحَى عَنْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَيُحْرَقُ الْبَاقِي وَلَا بَأْسَ بِأَنْ تُلْقَى فِي مَاءٍ جَارٍ كَمَا هِيَ أَوْ تُدْفَنُ وَهُوَ أَحْسَنُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كَالْمُسْلِمِ) فَإِنَّهُ مُكْرَمٌ، وَإِذَا مَاتَ وَعُدِمَ نَفْعُهُ يُدْفَنُ وَكَذَلِكَ الْمُصْحَفُ، فَلَيْسَ فِي دَفْنِهِ إهَانَةٌ لَهُ، بَلْ ذَلِكَ إكْرَامٌ خَوْفًا مِنْ الِامْتِهَانِ.

(قَوْلُهُ: وَيُمْنَعُ النَّصْرَانِيُّ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْكَافِرُ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْحَرْبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ.

(قَوْلُهُ: مِنْ مَسِّهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ بِلَا قَيْدِهِ السَّابِقِ.

(قَوْلُهُ: وَجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ إذَا اغْتَسَلَ) جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعِنْدَهُمَا يُمْنَعُ مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ وَضْعُ الْمُصْحَفِ إلَخْ) وَهَلْ التَّفْسِيرُ وَالْكُتُبُ الشَّرْعِيَّةُ كَذَلِكَ؟ يُحَرَّرُ ط. أَقُولُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ كَمَا تُفِيدُهُ الْمَسْأَلَةُ التَّالِيَةُ، ثُمَّ رَأَيْته فِي كَرَاهِيَةِ الْعَلَامِيِّ.

(قَوْلُهُ: إلَّا لِلْحِفْظِ) أَيْ حِفْظِهِ مِنْ سَارِقٍ وَنَحْوِهِ. [تَنْبِيهٌ]

سُئِلَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَمَّنْ اُضْطُرَّ إلَى مَأْكُولٍ وَلَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِوَضْعِ الْمُصْحَفِ تَحْتَ رِجْلِهِ. فَأَجَابَ: الظَّاهِرُ الْجَوَازُ لِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ مُقَدَّمٌ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ؛ وَلِذَا لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى الْغَرَقِ وَاحْتِيجَ إلَى الْإِلْقَاءِ أُلْقِيَ الْمُصْحَفُ حِفْظًا لِلرُّوحِ وَالضَّرُورَةُ تَمْنَعُ كَوْنَهُ امْتِهَانًا كَمَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى السُّجُودِ لِصَنَمٍ حِفْظًا لِرُوحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمِقْلَمَةِ) أَيْ الدَّوَاةِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا لِلْكِتَابَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْوَضْعِ.

(قَوْلُهُ: وَيُوضَعُ إلَخْ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ رِعَايَةً لِلتَّعْظِيمِ.

(قَوْلُهُ: النَّحْوُ) أَيْ كُتُبُهُ وَاللُّغَةُ مِثْلُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ التَّعْبِيرُ) أَيْ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا كَابْنِ سِيرِينَ

ص: 177

ثُمَّ الْكَلَامُ ثُمَّ الْفِقْهُ ثُمَّ الْأَخْبَارُ وَالْمَوَاعِظُ ثُمَّ التَّفْسِيرُ. تُكْرَهُ إذَابَةُ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ آيَةٌ إلَّا إذَا كَسَرَهُ رُقْيَةً فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ، وَالِاحْتِرَازُ أَفْضَلُ. يَجُوزُ رَمْيُ بُرَايَةِ الْقَلَمِ الْجَدِيدِ، وَلَا تُرْمَى بُرَايَةُ الْقَلَمِ الْمُسْتَعْمَلِ لِاحْتِرَامِهِ كَحَشِيشِ الْمَسْجِدِ وَكُنَاسَتِهِ لَا يُلْقَى فِي مَوْضِعٍ يُخِلُّ بِالتَّعْظِيمِ. وَلَا يَجُوزُ لَفُّ شَيْءٍ فِي كَاغَدٍ فِيهِ فِقْهٌ، وَفِي كُتُبِ الطِّبِّ يَجُوزُ، وَلَوْ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ أَوْ الرَّسُولِ فَيَجُوزُ مَحْوُهُ لِيُلَفَّ فِيهِ شَيْءٌ، وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ بِالرِّيقِ يَجُوزُ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ فِي مَحْوِ اسْمِ اللَّهِ بِالْبُزَاقِ، وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام «الْقُرْآنُ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ» . يَجُوزُ قُرْبَانُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ مَسْتُورٌ. بِسَاطٌ أَوْ غَيْرُهُ كُتِبَ عَلَيْهِ الْمُلْكُ لِلَّهِ يُكْرَهُ بَسْطُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ لَا تَعْلِيقُهُ لِلزِّينَةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ كَلَامُ النَّاسِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يُكْرَهُ مُجَرَّدُ الْحُرُوفِ وَالْأَوَّلُ أَوْسَعُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَرَاهِيَةُ الْقُنْيَةِ.

ــ

[رد المحتار]

وَابْنِ شَاهِينَ لِأَفْضَلِيَّتِهِ لِكَوْنِهِ تَفْسِيرًا لِمَا هُوَ جَزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَهُوَ الرُّؤْيَا ط.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْفِقْهُ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مُعْظَمَ أَدِلَّتِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَيَكْثُرُ فِيهِ ذِكْرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، بِخِلَافِ عِلْمِ الْكَلَامِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالسَّمْعِيَّاتِ مِنْهُ فَقَطْ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَخْبَارُ وَالْمَوَاعِظُ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: الْأَخْبَارُ وَالْمَوَاعِظُ وَالدَّعَوَاتُ الْمَرْوِيَّةُ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَرْوِيَّةَ صِفَةٌ لِلْكُلِّ أَيْ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ التَّفْسِيرُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالتَّفْسِيرُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَالتَّفْسِيرُ الَّذِي فِيهِ آيَاتٌ مَكْتُوبَةٌ فَوْقَ كُتُبِ الْقِرَاءَةِ. زَادَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْحَاوِي وَالْمُصْحَفُ فَوْقَ الْجَمِيعِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَسَرَهُ) فَحِينَئِذٍ لَا يُكْرَهُ، كَمَا لَا يُكْرَهُ مَسُّهُ لِتَفَرُّقِ الْحُرُوفِ أَوْ لِأَنَّ الْبَاقِيَ دُونَ آيَةٍ.

(قَوْلُهُ: رُقْيَةٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا يُسَمُّونَهُ الْآنَ بِالْهَيْكَلِ وَالْحَمَائِلِيِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، فَإِذَا كَانَ غِلَافُهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ كَالْمُشَمَّعِ وَنَحْوِهِ جَازَ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ وَمَسُّهُ وَحَمْلُهُ لِلْجُنُبِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَا كُتِبَ مِنْ الْآيَاتِ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا، بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَالنِّيَّةُ تَعْمَلُ فِي تَغْيِيرِ الْمَنْطُوقِ لَا الْمَكْتُوبِ اهـ مِنْ شَرْحِ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ.

(قَوْلُهُ: لِاحْتِرَامِهِ) أَيْ بِسَبَبِ مَا كُتِبَ بِهِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِهَا، عَلَى أَنَّ الْحُرُوفَ فِي ذَاتِهَا لَهَا احْتِرَامٌ.

(قَوْلُهُ: لَا يُلْقَى) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْكُنَاسَةِ.

(قَوْلُهُ: فِي كَاغَدٍ) هُوَ الْقِرْطَاسِ مُعَرَّبًا قَامُوسٌ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ.

(قَوْلُهُ: فَيَجُوزُ مَحْوُهُ) الْمَحْوُ: إذْهَابُ الْأَثَرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ. قَالَ ط: وَهَلْ إذَا طَمَسَ الْحُرُوفَ بِنَحْوِ حِبْرٍ يُعَدُّ مَحْوًا يُحَرَّرُ.

(قَوْلُهُ: وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ قُرْآنًا، وَقَيَّدَ بِالْبَعْضِ لِإِخْرَاجِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ط.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ إلَخْ) فَهُوَ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا؛ وَأَمَّا لَعْقُهُ بِلِسَانِهِ وَابْتِلَاعُهُ فَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ ط.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ فِيهِنَّ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ خِلَافٍ وَالْأَحْوَطُ الْوَقْفُ، وَعَبَّرَ بِمَنْ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعَاقِلِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ تَبَعٌ لَهُ، وَلَعَلَّ ذِكْرَ هَذَا الْحَدِيثِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ يُلْحَقُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي النَّهْيِ عَنْ مَحْوِهِ بِالْبُزَاقِ، فَيُخَصُّ قَوْلُهُ وَمَحْوُ بَعْضِ الْكِتَابَةِ إلَخْ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ أَيْضًا، فَلْيُتَأَمَّلْ ط.

(قَوْلُهُ: مَسْتُورٌ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِهِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطُ. أَقُولُ: وَعِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ: وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ وَالْمُجَامَعَةِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مُصْحَفٌ؛ لِأَنَّ بُيُوتَ الْمُسْلِمِينَ لَا تَخْلُو مِنْ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ اُسْتُعْمِلَ أَوْ عُلِّقَ.

(قَوْلُهُ: وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ) حَيْثُ قَالَ وَقِيلَ يُكْرَهُ حَتَّى الْحُرُوفُ

ص: 178