المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ بَيَانِ الْوَسِيلَةِ، وَلَمْ تَخْلُ عَنْهَا - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ١

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌أَرْكَانُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوء]

- ‌فَرْضُ الْغُسْلِ)

- ‌[فُرُوعٌ فِي الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْلِ]

- ‌بَابُ الْمِيَاهِ

- ‌[الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ]

- ‌[فَرْعٌ] مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ

- ‌[فُرُوعٌ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ

- ‌[فَرْعٌ] وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا

- ‌[فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم وَشُرُوطه]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فُرُوعٌ] صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْذُورِ]

- ‌بَابُ الْأَنْجَاسِ

- ‌فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاء]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ الْأَذَانِ

- ‌[فَائِدَةٌ] التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي النِّيَّةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[فَرَائِض الصَّلَاة]

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ]

- ‌[وَاجِبَات الصَّلَاة]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَان تَأْلِيف الصَّلَاة إلَى انتهائها]

- ‌[فُرُوعٌ] كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ

- ‌[فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة]

- ‌فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا

- ‌بَابُ الْإِمَامَةِ

- ‌[فُرُوعٌ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً]

- ‌بَابُ الِاسْتِخْلَافِ

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا

- ‌[فُرُوعٌ سَمِعَ المصلي اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جل جلاله أَوْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته]

- ‌[فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ

- ‌فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ

- ‌[فُرُوعٌ اشْتِمَالُ الصَّلَاة عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[فُرُوعٌ]أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ بَيَانِ الْوَسِيلَةِ، وَلَمْ تَخْلُ عَنْهَا

‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

شُرُوعٌ فِي الْمَقْصُودِ بَعْدَ بَيَانِ الْوَسِيلَةِ، وَلَمْ تَخْلُ عَنْهَا شَرِيعَةُ مُرْسَلٍ. وَلَمَّا صَارَتْ قُرْبَةً بِوَاسِطَةِ الْكَعْبَةِ كَانَتْ دُونَ الْإِيمَانِ لَا مِنْهُ، بَلْ مِنْ فُرُوعِهِ. وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ، فَنُقِلَتْ شَرْعًا إلَى الْأَفْعَالِ الْمَعْلُومَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لِوُجُودِهَا بِدُونِ الدُّعَاءِ فِي الْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ (هِيَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ)

ــ

[رد المحتار]

قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ الصَّحِيحِ «إنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ» لِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ، وَالثَّانِي عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ.

فَإِنْ قِيلَ: أَيُّهُمَا يُقَدَّمُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ، وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقَعُ أَوَّلًا الْمُحَاسَبَةُ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْعَلْقَمِيِّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذِكْرِ الشَّارِحِ لِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِعَايَةِ التَّنَاسُبِ وَحُسْنِ الْخِتَامِ.

[كِتَابُ الصَّلَاةِ]

ِ (قَوْلُهُ شُرُوعٌ إلَخْ) بَيَانٌ لِوَجْهِ تَأْخِيرِهَا عَنْ الطَّهَارَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ وَجْهُ تَقْدِيمِهَا عَلَى غَيْرِهَا.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ تَخْلُ عَنْهَا شَرِيعَةُ مُرْسَلٍ) أَيْ عَنْ أَصْلِ الصَّلَاةِ. قِيلَ الصُّبْحُ صَلَاةُ آدَمَ، وَالظُّهْرُ لِدَاوُدَ، وَالْعَصْرُ لِسُلَيْمَانَ، وَالْمَغْرِبُ لِيَعْقُوبَ، وَالْعِشَاءُ لِيُونُسَ عليهم السلام، وَجُمِعَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: بِوَاسِطَةِ الْكَعْبَةِ) أَيْ بِوَاسِطَةِ اسْتِقْبَالِهَا، وَانْظُرْ لِمَاذَا خُصِّصَ هَذَا الشَّرْطُ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَصِرْ قُرْبَةً إلَّا بِاجْتِمَاعِ سَائِرِ شَرَائِطِهَا ط.

وَقَدْ يُقَالُ: الْمُرَادُ أَنَّهَا صَارَتْ قُرْبَةً بِوَاسِطَةِ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِاسْتِقْبَالِهَا تَعْظِيمًا لَهَا، وَفِي ذَلِكَ تَعْظِيمٌ لَهُ سُبْحَانَهُ بِوَاسِطَةِ تَعْظِيمِهَا، أَفَادَهُ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: دُونَ الْإِيمَانِ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ بِلَا وَاسِطَةٍ.

(قَوْلُهُ: لَا مِنْهُ بَلْ مِنْ فُرُوعِهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ، وَأَمَّا بِالنَّظَرِ لِحُكْمِهَا وَهُوَ الِافْتِرَاضُ فَهِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ مُتَعَلِّقِ التَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ط وَأَشَارَ الشَّارِحُ إلَى خِلَافِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْأَعْمَالَ مِنْ الْإِيمَانِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ) أَيْ حَقِيقَتُهَا ذَلِكَ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ الشَّائِعُ فِي كَلَامِهِمْ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ بِالْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ، وَقِيلَ إنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي تَحَرُّكِ الصَّلَوَيْنِ بِالسُّكُونِ: الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي أَعَالِي الْفَخِذَيْنِ اللَّذَانِ عَلَيْهِمَا الْأَلْيَتَانِ، مَجَازٌ لُغَوِيٌّ فِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُحَرِّكُهُمَا فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، اسْتِعَارَةٌ تَصْرِيحِيَّةٌ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي الدُّعَاءِ تَشْبِيهًا لِلدَّاعِي فِي تَخَشُّعِهِ بِالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: فَنُقِلَتْ إلَخْ) اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى مَعَانٍ شَرْعِيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، أَهِيَ مَنْقُولَةٌ عَنْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةِ إلَى حَقَائِقَ شَرْعِيَّةٍ: أَيْ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ مَرْعِيًّا، أَمْ مُغَيَّرَةٌ: أَيْ بِأَنْ يَبْقَى وَيُزَادَ عَلَيْهِ قُيُودٌ شَرْعِيَّةٌ قِيلَ بِالْأَوَّلِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْغَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا تُوجَدُ بِدُونِ الدُّعَاءِ فِي الْأُمِّيِّ وَقِيلَ بِالثَّانِي وَأَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ عَلَى الدُّعَاءِ بَاقِي الْأَرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ، وَأُطْلِقَ الْجُزْءُ عَلَى الْكُلِّ كَمَا فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) الضَّمِيرُ لِلنَّقْلِ الْمَفْهُومِ مِنْ نُقِلَتْ، وَقَوْلُهُ لِوُجُودِهَا عِلَّةُ الظُّهُورِ. اهـ. ح، وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الدُّعَاءَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَتِهَا شَرْعًا أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الْقِرَاءَةِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ مَمْنُوعٌ. قُلْت: فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي مِنْ حَقِيقَتِهَا قِرَاءَةُ آيَةٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دُعَاءً تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: هِيَ) أَيْ الصَّلَاةُ الْكَامِلَةُ، وَهِيَ الْخَمْسُ الْمَكْتُوبَةُ.

(قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ) أَيْ بِعَيْنِهِ؛ وَلِذَا سُمِّيَ فَرْضَ

ص: 351

بِالْإِجْمَاعِ. فُرِضَتْ فِي الْإِسْرَاءِ لَيْلَةَ السَّبْتِ سَابِعَ عَشَرَ رَمَضَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ صَلَاتَيْنِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا شُمُنِّيٌّ. (وَإِنْ وَجَبَ ضَرْبُ ابْنِ عَشْرٍ عَلَيْهَا بِيَدٍ لَا بِخَشَبَةٍ) لِحَدِيثِ «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ» قُلْت وَالصَّوْمُ كَالصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي صَوْمِ الْقُهُسْتَانِيِّ مَعْزِيًّا لِلزَّاهِدِيِّ وَفِي حَظْرِ الِاخْتِيَارِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَيُنْهَى عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ لِيَأْلَفَ الْخَيْرَ وَيَتْرُكَ الشَّرَّ (وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا) لِثُبُوتِهَا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ (وَتَارِكُهَا عَمْدًا مَجَانَةً) أَيْ تَكَاسُلًا فَاسِقٌ (يُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِأَنَّهُ يُحْبَسُ لِحَقِّ الْعَبْدِ فَحَقُّ الْحَقِّ أَحَقُّ، وَقِيلَ يُضْرَبُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْهُ الدَّمُ.

ــ

[رد المحتار]

عَيْنٍ، بِخِلَافِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى جُمْلَةِ الْمُكَلَّفِينَ كِفَايَةٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ قَامَ بِهِ بَعْضُهُمْ كَفَى عَنْ الْبَاقِينَ وَإِلَّا أَثِمُوا كُلُّهُمْ. ثُمَّ الْمُكَلَّفُ هُوَ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ وَلَوْ أُنْثَى أَوْ عَبْدًا.

(قَوْلُهُ: بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ وَبِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

(قَوْلُهُ: فُرِضَتْ فِي الْإِسْرَاءِ إلَخْ) نَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ فِي الْأَحْكَامِ شَرْحُ دُرَرِ الْحُكَّامِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْبَكْرِيُّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَاتِهِ فِي الرَّوْضَةِ الزَّهْرَاءِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ سَنَةٍ كَانَ الْإِسْرَاءُ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ. فَجَزَمَ جَمْعٌ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ بِخَمْسِ سِنِينَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَيِّ الشُّهُورِ كَانَ؟ فَجَزَمَ ابْنُ الْأَثِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَقِيلَ فِي رَبِيعِ الْآخَرِ، وَقِيلَ فِي رَجَبٍ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ، وَقِيلَ فِي شَوَّالٍ. وَجَزَمَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيَّ فِي سِيرَتِهِ بِأَنَّهُ لَيْلَةَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ وَجَبَ إلَخْ) هَذَا مُبَالَغَةٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: كُلِّ مُكَلَّفٍ، كَأَنَّهُ قَالَ وَلَا يُفْتَرَضُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَإِنْ وَجَبَ أَيْ عَلَى الْوَلِيِّ ضَرْبُ ابْنِ عَشْرٍ، وَذَلِكَ لِيَتَخَلَّقَ بِفِعْلِهَا وَيَعْتَادَهُ لَا لِافْتِرَاضِهَا ح. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَمْرَ لِابْنِ سَبْعٍ وَاجِبٌ كَالضَّرْبِ. وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ الْوُجُوبَ بِالْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ لَا بِمَعْنَى الِافْتِرَاضِ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ ظَنِّيٌّ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: بِيَدٍ) أَيْ وَلَا يُجَاوِزُ الثَّلَاثَ، وَكَذَلِكَ الْمُعَلِّمُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَهَا «قَالَ عليه الصلاة والسلام لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ إيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّك إذَا ضَرَبْت فَوْقَ الثَّلَاثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْك» اهـ إسْمَاعِيلُ عَنْ أَحْكَامِ الصِّغَارِ للأستروشني، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِالْعَصَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: لَا بِخَشَبَةٍ) أَيْ عَصًا، وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ بِيَدٍ أَنْ يُرَادَ بِالْخَشَبَةِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ مِنْهَا وَمِنْ السَّوْطِ أَفَادَهُ ط.

(قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) اسْتِدْلَالٌ عَلَى الضَّرْبِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَا بِخَشَبَةٍ فَلِأَنَّ الضَّرْبَ بِهَا وَرَدَ فِي جِنَايَةِ الْمُكَلَّفِ. اهـ. ح وَتَمَامُ الْحَدِيثِ «وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَلَفْظُهُ «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرٍ» وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ. اهـ. إسْمَاعِيلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوُجُوبَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ السَّبْعِ وَالْعَشْرِ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الثَّامِنَةِ وَالْحَادِيَةَ عَشَرَ كَمَا قَالُوا فِي مُدَّةِ الْحَضَانَةِ.

(قَوْلُهُ: قُلْت إلَخْ) مُرَادُهُ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ بَيَانُ أَنَّ الصَّبِيَّ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْمَرَ بِجَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ وَيُنْهَى عَنْ جَمِيعِ الْمَنْهِيَّاتِ. اهـ. ح.

أَقُولُ: وَقَدْ صَرَّحَ فِي أَحْكَامِ الصِّغَارِ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ إذَا جَامَعَ وَبِإِعَادَةِ مَا صَلَّاهُ بِلَا وُضُوءٍ لَا لَوْ أَفْسَدَ الصَّوْمَ لِمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: مَجَانَةً) بِالتَّخْفِيفِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: الْمَاجِنُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا صَنَعَ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَمَصْدَرُهُ الْمُجُونُ وَالْمَجَانَةُ اسْمٌ مِنْهُ وَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ طَلَبَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: أَيْ تَكَاسُلًا) تَفْسِيرٌ مُرَادٌ. اهـ. ح.

(قَوْلُهُ: فَحَقُّ الْحَقِّ أَحَقُّ) لَا يُقَالُ: إنَّ حَقَّهُ تَعَالَى مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَسَامُحَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ. اهـ. إسْمَاعِيلُ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُضْرَبُ) قَائِلُهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ ح عَنْ الْمِنَحِ. وَظَاهِرُ الْحِلْيَةِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقَالَ أَصْحَابُنَا فِي جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ لَا يُقْتَلُ

ص: 352

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ حَدًّا، وَقِيلَ كُفْرًا (وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا) بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ (مَعَ جَمَاعَةٍ) مُؤْتَمًّا مُتَمِّمًا وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ

ــ

[رد المحتار]

بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلُ) وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ، وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا، وَبُسِطَ ذَلِكَ فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِ فَاعِلِهَا إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا صَلَّى بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا لِوُجُودِهَا فِي سَائِرِ الْأُمَمِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَهُوَ مِنَّا» قَالُوا الْمُرَادُ صَلَاتُنَا بِالْجَمَاعَةِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ. اهـ. دُرَرٌ، وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ أَنَّهُ قَالَ فَهُوَ الْمُسْلِمُ إسْمَاعِيلُ.

(قَوْلُهُ: بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ) قَيَّدَ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ كَوْنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدٍ، وَعَلَيْهِ فَالشُّرُوطُ خَمْسَةٌ، لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْوَقْتِ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ الْكَامِلَةُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً لَا يَكْفِي لِعَدَمِ كَوْنِهَا فِي الْوَقْتِ، وَإِنْ كَانَتْ أَدَاءً فَهِيَ غَيْرُ كَامِلَةٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْوَقْتِ الْأَدَاءَ، بَلْ الْأَخَصُّ مِنْهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: مُؤْتَمًّا) تَقْيِيدٌ لِقَوْلِهِ مَعَ جَمَاعَةٍ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ إمَامًا قَالَ ط: لِأَنَّ الِائْتِمَامَ يَدُلُّ عَلَى اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ إمَامًا فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ نِيَّةَ الِانْفِرَادِ فَلَا جَمَاعَةَ. اهـ.

أَقُولُ: الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ مَوْجُودٌ فِي الْمُؤْتَمِّ أَيْضًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْإِمَامُ مَتْبُوعٌ غَيْرُ تَابِعٍ وَالْمُؤْتَمُّ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِهِ، وَمَا قَيَّدَ بِهِ الشَّارِحُ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّظْمِ الْآتِي تَبَعًا لِلْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ، وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِهِ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ فَقَالَ: صَلَّى إمَامًا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، نَقَلَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ.

(قَوْلُهُ: مُتَمِّمًا) فَلَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَفْسَدَ لَمْ يَكُنْ إسْلَامًا شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. مَطْلَبٌ فِيمَا يَصِيرُ الْكَافِرُ بِهِ مُسْلِمًا مِنْ الْأَفْعَالِ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ فِي الْوَقْتِ) لَمَّا ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ، أَرَادَ تَتْمِيمَ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْكَافِرُ مُسْلِمًا فَذَكَرَ أَنَّ مِنْهَا الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ دِينِنَا وَشِعَارِ شَرْعِنَا؛ وَلِذَا قَيَّدَهُ فِي الْمِنَحِ تَبَعًا لِلْبَحْرِ بِكَوْنِ الْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَيْسَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ لِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي ضِمْنِ الْأَذَانِ لِيَكُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْوَقْتِ أَوْ خَارِجَهُ بَلْ هُوَ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ؛ وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ عِيسَوِيًّا يُخَصِّصُ رِسَالَةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم إلَى الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ مَا يَصِيرُ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا قِسْمَانِ: قَوْلٌ وَفِعْلٌ، فَالْقَوْلُ مِثْلُ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَتَيْنِ، فَصَّلَ فِيهِ أَئِمَّتُنَا لِكَوْنِهِ مَحَلَّ اشْتِبَاهٍ وَاحْتِمَالٍ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالُوا لَا بُدَّ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ، فِي الْعِيسَوِيِّ مِنْ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَسُولُ اللَّهِ إلَى الْعَرَبِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّبَرِّي، وَأَمَّا الْفِعْلُ فَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِيسَوِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الطَّرَسُوسِيُّ أَيْضًا خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ؛ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ أَيْضًا: وَأَمَّا الْأَذَانُ خَارِجَ الْوَقْتِ فَلَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ الْعِيسَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ الْأَقْوَالِ، فَلَا بُدَّ فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ التَّبَرِّي مِنْ دِينِهِ. اهـ.

قُلْت: وَكَذَا لَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ غَيْرِ الْعِيسَوِيِّ أَيْضًا لِمَا نَقَلَهُ قَبْلَهُ عَنْ الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ أَذَّنَ

ص: 353

أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ أَوْ زَكَّى السَّائِمَةَ صَارَ مُسْلِمًا، لَا لَوْ صَلَّى فِي غَيْرِ الْوَقْتِ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا، أَوْ أَفْسَدَهَا أَوْ فَعَلَ بَقِيَّةَ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا، وَنَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ فَقَالَ

ــ

[رد المحتار]

فِي غَيْرِ الْوَقْتِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَهْزِئًا، فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَذَانَ فِي الْوَقْتِ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْفِعْلِ، فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَافِرٍ، وَالْأَذَانَ خَارِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِالْقَوْلِ، لَكِنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الِاسْتِهْزَاءَ لَمْ يَصِرْ بِهِ الْكَافِرُ مُسْلِمًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِيسَوِيًّا يَزِيدُ أَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَهُ وَهُوَ التَّبَرِّي، فَافْهَمْ وَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ. بَقِيَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ الْمُدَاوَمَةُ أَمْ يَكْفِي مَرَّةً؟ يَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ) أَيْ عِنْدَ سَمَاعِ آيَةِ سَجْدَةٍ بَزَّازِيَّةٌ: أَيْ لِأَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِنَا، فَإِنَّهُ سبحانه وتعالى أَخْبَرَ عَنْ الْكُفَّارِ بِأَنَّهُمْ {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] .

(قَوْلُهُ: أَوْ زَكَّى السَّائِمَةَ) قَيَّدَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي نَظْمِ الْفَوَائِدِ بِزَكَاةِ الْإِبِلِ. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ وَهْبَانَ بِأَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ صَامَ الْكَافِرُ أَوْ حَجَّ أَوْ أَدَّى الزَّكَاةَ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ وَصَاحِبُ النَّهْرِ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: لَا لَوْ صَلَّى إلَخْ) مُحْتَرَزُ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ.

(قَوْلُهُ: أَوْ مُنْفَرِدًا) لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِشَرِيعَتِنَا ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ الْمُنْتَقَى. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ نَفَى الْخِلَافَ بِحَمْلِ قَوْلِهِ عَلَى مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ اتِّفَاقًا، وَحُمِلَ قَوْلُهُمَا عَلَى مَا إذَا صَلَّى وَحْدَهُ وَأَتَى بِهِمَا فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِشَرِيعَتِنَا. اهـ.

قُلْت: لَكِنْ فِي هَذَا التَّوْفِيقِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْعِبَادَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ لِيَظْهَرَ الِاخْتِصَاصُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ اهـ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الِانْفِرَادَ نُقْصَانٌ.

(قَوْلُهُ: أَوْ إمَامًا) قَدَّمْنَا وَجْهَهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ فَعَلَ بَقِيَّةَ الْعِبَادَاتِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: الْأَصْلُ أَنَّ الْكَافِرَ مَتَى فَعَلَ عِبَادَةً، فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي سَائِرِ الْأَدْيَانِ لَا يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا كَالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ الَّذِي لَيْسَ بِكَامِلٍ وَالصَّدَقَةِ. وَمَتَى فَعَلَ مَا اخْتَصَّ بِشَرْعِنَا، فَلَوْ مِنْ الْوَسَائِلِ كَالتَّيَمُّمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ مِنْ الْمَقَاصِدِ أَوْ مِنْ الشَّعَائِرِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ وَالْحَجِّ الْكَامِلِ وَالْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَكُونُ بِهِ مُسْلِمًا إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. اهـ.

أَقُولُ: ذُكِرَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ بِالْحَجِّ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ ذُكِرَ أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ إنْ حَجَّ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ يَكُونُ مُسْلِمًا، وَإِنْ لَبَّى وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَنَاسِكَ أَوْ شَهِدَ الْمَنَاسِكَ وَلَمْ يُلَبِّ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَأَشَارَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ إلَى ضَعْفِهَا وَإِلَيْهِ يُشِيرُ إطْلَاقُ النَّظْمِ الْآتِي وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْحَجَّ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا حَتَّى إنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَحُجُّونَ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْحَجَّ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا فَصَارَ مِثْلَ الصَّلَاةِ إذَا وُجِدَتْ فِيهَا الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ خَوَاصِّ شَرِيعَتِنَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَكَذَا الْحَجُّ الْكَامِلُ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إذَا جُعِلَتْ الثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةً لِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْحَجُّ الْغَيْرُ الْكَامِلِ فَتَأَمَّلْ. وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ قَاسِمٍ عَنْ خُلَاصَةِ النَّوَازِلِ لِأَبِي اللَّيْثِ قَالَ: وَكَذَا لَوْ رَآهُ يَتَعَلَّمُ الْقُرْآنَ أَوْ يَقْرَؤُهُ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُسْلِمًا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا أَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ لَمَّا قَالُوا لَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ لَعَلَّهُ يَهْتَدِي فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَنَظَمَهَا صَاحِبُ النَّهْرِ إلَخْ) أَيْ قُبَيْلَ بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ.

(قَوْلُهُ: صَلَّى بِاقْتِدَاءٍ) أَيْ بِجَمَاعَةٍ مُقْتَدِيًا.

(قَوْلُهُ: وَأَذَّنَ أَيْضًا) بِإِسْقَاطِ هَمْزَةِ أَيْضًا لِلضَّرُورَةِ ح، ثُمَّ إنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي النَّهْرِ غَيْرُ هَذَا الْبَيْتِ، وَنَصُّهُ:

أَوْ بِالْأَذَانِ مُعْلِنًا فِيهِ أَتَى

أَوْ قَدْ سَجَدَ عِنْدَ سَمَاعِ مَا أَتَى

اهـ

ص: 354

وَكَافِرٌ فِي الْوَقْتِ صَلَّى بِاقْتِدَا

مُتَمِّمًا صَلَاتَهُ لَا مُفْسِدَا

وَأَذَّنَ أَيْضًا مُعْلِنًا أَوْ زَكَّى

سَوَائِمَا كَأَنْ سَجَدْ، تَزَكَّى

فَمُسْلِمٌ لَا بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدْ

وَلَا الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ الْحَجَّ زِدْ

(وَهِيَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ، فَلَا نِيَابَةَ فِيهَا أَصْلًا) أَيْ لَا بِالنَّفْسِ كَمَا صَحَّتْ فِي الصَّوْمِ بِالْفِدْيَةِ لِلْفَانِي؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا

ــ

[رد المحتار]

وَمَعْنَى أَتَى الثَّانِي وَرَدَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْبَيْتُ أَحْسَنُ لِمَا فِيهِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ فِيهِ عَائِدٌ عَلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَمِنْ أَنَّ الْمُرَادَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ، وَمِنْ إسْقَاطِ مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّ صَاحِبَ النَّهْرِ اعْتَرَضَ عَلَى الطَّرَسُوسِيِّ فِي ذِكْرِهَا وَقَالَ لَمْ أَرَهَا لِغَيْرِهِ بَلْ الْمَذْكُورُ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالزَّكَاةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

(قَوْلُهُ: مُعْلِنًا) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَسْمَعَهُ مَنْ تَصِحُّ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ لَا أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى صَوْمَعَةٍ أَوْ سَطْحٍ يَسْمَعُهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ؛ وَلِذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفَرِ صَحَّ كَمَا فِي سِيَرِ الْبَزَّازِيَّةِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الذِّمِّيِّ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ كَانَ مُسْلِمًا سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ وَإِنْ قَالُوا سَمِعْنَاهُ يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا حَتَّى يَقُولُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا. اهـ. وَعَزَاهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ إلَى مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَادَةً لَهُ، لَكِنْ قَالَ فِي أَذَانِ الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْعِيسَوِيَّةِ أَمَّا غَيْرُهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الْأَذَانِ اهـ.

قُلْت: لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْإِسْلَامَ بِالْأَفْعَالِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَافِرٍ وَكَافِرٍ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ ابْنُ وَهْبَانَ، فَإِمَّا أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ تَقْيِيدًا لِكَوْنِ الْأَذَانِ فِي الْوَقْتِ إسْلَامًا أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ فَقَطْ تَأَمَّلْ وَرَاجِعْ.

(قَوْلُهُ: كَأَنْ سَجَدْ) بِسُكُونِ الدَّالِ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِلْوَصْلِ بِنِيَّةِ الْوَقْفِ وَأَنْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ كَسُجُودِهِ، وَالْمُرَادُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ح.

(قَوْلُهُ: تَزَكَّى) تَكْمِلَةٌ لِلْوَزْنِ وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ سَجَدَ: أَيْ كَسُجُودِهِ لِلتِّلَاوَةِ حَالَ كَوْنِهِ مُتَطَهِّرًا عَنْ أَرْجَاسِ الْكُفْرِ ح.

(قَوْلُهُ: فَمُسْلِمٌ) خَبَرُ كَافِرٍ ح. وَزِيدَتْ الْفَاءُ لِوُقُوعِ الْمُبْتَدَأِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِفِعْلٍ أُرِيدَ بِهَا الْعُمُومُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَيُّ كَافِرٍ كَانَ عِيسَوِيًّا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا قَدَّمْنَا تَقْرِيرَهُ. وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا زِيَادَةُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ كَقَوْلِك: رَجُلٌ يَسْأَلُنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: مُنْفَرِدْ) بِالسُّكُونِ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ ح وَسَكَتَ عَنْ بَقِيَّةِ مُحْتَرَزَاتِ قُيُودِ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ: وَالزَّكَاةِ) أَيْ زَكَاةِ غَيْرِ السَّوَائِمِ وَعَلَى إنْشَاءِ الْبَيْتِ الثَّانِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنْ النَّهْرِ. فَالْمُرَادُ بِالزَّكَاةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْخَانِيَّةِ عَنْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

(قَوْلُهُ: الْحَجَّ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ زِدْ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

(قَوْلُهُ: بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ) أَيْ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا مَالِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَبِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْبَدَنِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا نِيَابَةَ فِيهَا أَصْلًا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ إتْعَابُ الْبَدَنِ وَقَهْرُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَلَا يَحْصُلُ بِفِعْلِ النَّائِبِ، بِخِلَافِ الْمَالِيَّةِ فَتَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ مُطْلَقًا: أَيْ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَالِاضْطِرَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ إغْنَاءِ الْفَقِيرِ وَتَنْقِيصِ الْمَالِ بِفِعْلِ النَّائِبِ، وَبِخِلَافِ الْمُرَكَّبَةِ فَتَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ حَالَةَ الْعَجْزِ نَظَرًا إلَى مَعْنَى الْمَشَقَّةِ بِتَنْقِيصِ الْمَالِ لِإِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ نَظَرًا إلَى إتْعَابِ الْبَدَنِ كَمَا قَرَّرُوهُ فِي بَابِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ لَا بِالنَّفْسِ إلَخْ) بَيَانٌ لِتَعْمِيمِ النَّفْيِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: فِي الْحَجِّ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ صَحَّتْ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الصَّوْمِ.

(قَوْلُهُ: بِالْفِدْيَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي صَحَّتْ لِرُجُوعِهِ إلَى النِّيَابَةِ الَّتِي هِيَ مَصْدَرٌ: أَيْ كَمَا صَحَّتْ النِّيَابَةُ بِالْفِدْيَةِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعَلُّقُ قَوْلِهِ بِالنَّفْسِ بِقَوْلِهِ نِيَابَةُ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ صِحَّةَ الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ لِلْفَانِي مَشْرُوطَةٌ بِاسْتِمْرَارِ عَجْزِهِ إلَى الْمَوْتِ. فَلَوْ قُدِّرَ قَبْلَهُ قَضَى كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّوْمِ. اهـ. ح.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا) أَيْ الْفِدْيَةَ. وَقَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ: أَيْ إذْنُ الشَّرْعِ بِالْفِدْيَةِ فِي الصَّلَاةِ ح وَهَذَا تَعْلِيلٌ

ص: 355

تَجُوزُ بِإِذْنِ الشَّرْعِ وَلَمْ يُوجَدْ (سَبَبُهَا) تَرَادُفُ النِّعَمِ ثُمَّ الْخِطَابِ ثُمَّ الْوَقْتِ أَيْ (الْجُزْءُ)(الْأَوَّلُ) مِنْهُ إنْ (اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ وَإِلَّا فَمَا) أَيْ جَزْءٌ مِنْ الْوَقْتِ (يَتَّصِلُ بِهِ) الْأَدَاءُ (وَإِلَّا) يَتَّصِلُ الْأَدَاءُ بِجُزْءٍ (فَالسَّبَبُ) هُوَ (الْجُزْءُ الْأَخِيرُ) وَلَوْ نَاقِصًا، حَتَّى تَجِبَ عَلَى مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَا، وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا

ــ

[رد المحتار]

لِعَدَمِ جَرَيَانِ النِّيَابَةِ فِي الصَّلَاةِ بِالْمَالِ. وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَقَدْ صَحَّتْ النِّيَابَةُ فِي الصَّوْمِ بِالْفِدْيَةِ لِلشَّيْخِ الْفَانِي دُونَ الصَّلَاةِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفِدْيَةَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا أَثْبَتْنَاهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ؛ وَلِذَا سَمَّاهَا الْأُصُولِيُّونَ قَضَاءً بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُولَ قَضَاءُ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ، وَلَمْ نُثْبِتْهَا فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ النَّصِّ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ أَوْجَبْتُمْ الْفِدْيَةَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِيصَاءِ بِهَا مِنْ الْعَاجِزِ عَنْهَا، فَقَدْ أَجْرَيْتُمْ فِيهَا النِّيَابَةَ بِالْمَالِ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ مَا خَالَفَ الْقِيَاسَ فَعَلَيْهِ غَيْرُهُ لَا يُقَاسُ. قُلْت: ثُبُوتُ الْفِدْيَةِ فِي الصَّوْمِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّلًا بِالْعَجْزِ وَأَنْ لَا يَكُونَ، فَبِاعْتِبَارِ تَعْلِيلِهِ بِهِ يَصِحُّ قِيَاسُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا، وَبِاعْتِبَارِ عَدَمِهِ لَا يَصِحُّ، فَلَمَّا حَصَلَ الشَّكُّ فِي الْعِلَّةِ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ فِي الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تُجْزِهِ تَكُونُ حَسَنَةً مَاحِيَةً لِسَيِّئَةٍ، فَالْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ أَحْوَطُ؛ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ تُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لَمَا عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالْقِيَاسِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ لِلشَّارِحِ.

(قَوْلُهُ: سَبَبُهَا تَرَادُفُ النِّعَمِ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ سَبَبَ الصَّلَاةِ الْحَقِيقِيَّ هُوَ تَرَادُفُ النِّعَمِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ شَرْعًا وَعَقْلًا. وَلَمَّا كَانَتْ النِّعَمُ وَاقِعَةً فِي الْوَقْتِ جُعِلَ الْوَقْتُ سَبَبًا بِجَعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَخِطَابِهِ حَيْثُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]- فَكَانَ الْوَقْتُ هُوَ السَّبَبُ الْمُتَأَخِّرُ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ الْأُصُولِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ إلَخْ) إذْ لَوْ كَانَ السَّبَبُ هُوَ الْكُلُّ لَزِمَ تَقَدُّمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ أَوْ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بَعْدَ وَقْتِهِ فَتَعَيَّنَ الْبَعْضُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ أَوَّلَ الْوَقْتِ عَيْنًا لِلُزُومِ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا يَسَعُهَا، وَلَا آخِرِ الْوَقْتِ عَيْنًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْأَدَاءُ فِي أَوَّلِهِ لِامْتِنَاعِ التَّقَدُّمِ عَلَى السَّبَبِ، فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْجُزْءَ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ وَيَلِيهِ الشُّرُوعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي السَّبَبِ هُوَ الِاتِّصَالُ بِالْمُسَبَّبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِابْنِ نُجَيْمٍ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمَا يَتَّصِلُ بِهِ) مَا هُنَا عَامَّةٌ شَامِلَةٌ لِلْجُزْءِ الْأَخِيرِ، فَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْجُزْءُ الْأَخِيرُ تَكْرَارٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ سَبَبُهَا جُزْءٌ أَوَّلٌ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ. وَالْأَخْصَرُ أَنْ يَقُولَ: سَبَبُهَا جُزْءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْأَدَاءُ مِنْ الْوَقْتِ وَإِلَّا فَجُمْلَتُهُ. اهـ. ح وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ.

(قَوْلُهُ: هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ) وَهُوَ مَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ عَقْدِ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ فِيهِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ خِيَارَ التَّأْخِيرِ إلَى أَنْ لَا يَسَعَ إلَّا جَمِيعَ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ يَأْثَمُ. اهـ. ابْنُ نُجَيْمٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ نَاقِصًا) أَيْ إذَا اتَّصَلَ الْأَدَاءُ بِآخِرِ الْوَقْتِ كَانَ هُوَ السَّبَبَ، وَلَوْ كَانَ نَاقِصًا كَوَقْتِ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ فَيَصِحُّ أَدَاءُ الْعَصْرِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ الْأَدَاءُ فِيهِ صَارَ هُوَ السَّبَبَ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَدَائِهِ فَيَكُونُ أَدَاؤُهُ كَمَا وَجَبَ بِخِلَافِ عَصْرِ أَمْسِهِ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: حَتَّى تَجِبُ) بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَالسَّبَبُ هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ.

(قَوْلُهُ: أَفَاقَا) أَيْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَوْ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا. الثَّلَاثَةِ، خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرٍ حَاجٍّ: أَيْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْجُنُونَ أَوْ الْإِغْمَاءَ يَنْقُضُهُ وَلَيْسَ فِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُهُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَفَاقَا وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ أَكْثَرَ مِنْ التَّحْرِيمَةِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا صَلَاتُهُ بِالْأَوْلَى، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمَا صَلَاتُهُ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ إذَا انْقَطَعَ لِلْعَشَرَةِ. قَالَ ح: وَهَذَا إذَا زَادَ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ عَلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِمَا صَلَاةُ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ بَلْ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ الصَّلَوَاتِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: طَهُرَتَا) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارَ مَا يَسَعُ

ص: 356

وَصَبِيٍّ بَلَغَ، وَمُرْتَدٍّ أَسْلَمَ وَإِنْ صَلَّيَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَبَعْدَ خُرُوجِهِ يُضَافُ) السَّبَبُ (إلَى جُمْلَتِهِ) لِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ وَإِنَّهُ الْأَصْلُ حَتَّى يَلْزَمَهُمْ الْقَضَاءُ فِي كَامِلٍ هُوَ الصَّحِيحُ.

(وَقْتُ) صَلَاةِ (الْفَجْرِ) قَدَّمَهُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي طَرَفَيْهِ، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّاهُ آدَم

ــ

[رد المحتار]

التَّحْرِيمَةَ إذَا كَانَ الِانْقِطَاعُ عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ الْأَرْبَعِينَ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ وَالْبَاقِي قَدْرَ الْغُسْلِ مَعَ مُقَدِّمَاتِهِ كَالِاسْتِقَاءِ وَخَلْعِ الثَّوْبِ وَالتَّسَتُّرِ عَنْ الْأَعْيُنِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. شَرْحُ التَّحْرِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَصَبِيٍّ بَلَغَ) أَيْ وَكَانَ بَيْنَ بُلُوغِهِ وَآخِرِ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْحَائِضِ الَّتِي طَهُرَتْ عَلَى الْعَشَرَةِ ح.

(قَوْلُهُ: وَمُرْتَدٍّ أَسْلَمَ) أَيْ إذَا كَانَ بَيْنَ إسْلَامِهِ وَآخِرِ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ كَمَا فِي الْحَائِضِ الْمَذْكُورَةِ، وَحُكْمُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ وَإِنْ صَلَّيَا أَوَّلَ الْوَقْتِ. وَصُورَتُهَا فِي الْمُرْتَدِّ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوَّلَ الْوَقْتِ فَيُصَلِّيَ الْفَرْضَ ثُمَّ يَرْتَدَّ ثُمَّ يُسْلِمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ ح.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ صَلَّيَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ) يَعْنِي أَنَّ صَلَاتَهُمَا فِي أَوَّلِهِ لَا تُسْقِطُ عَنْهُمَا الطَّلَبَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. أَمَّا فِي الصَّبِيِّ فَلِكَوْنِهَا نَفْلًا، وَأَمَّا فِي الْمُرْتَدِّ فَلِحُبُوطِهَا بِالِارْتِدَادِ ح. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: غُلَامٌ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ احْتَلَمَ وَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْعِشَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَإِنْ انْتَبَهَ قَبْلَهُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الْعِشَاءِ إجْمَاعًا، وَهِيَ وَاقِعَةُ مُحَمَّدٍ سَأَلَهَا أَبَا حَنِيفَةَ فَأَجَابَهُ بِمَا قُلْنَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَبَعْدَ خُرُوجِهِ) أَيْ خُرُوجِ الْوَقْتِ بِلَا صَلَاةٍ.

(قَوْلُهُ: لِيَثْبُتَ الْوَاجِبُ إلَخْ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُضَفْ إلَى جُمْلَةِ الْوَقْتِ وَقُلْنَا بِتَعَيُّنِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ لِلسَّبَبِيَّةِ لَزِمَ ثُبُوتُ الْوَاجِبِ بِصِفَةِ النَّقْصِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ الْأَصْلُ) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَهَمْزَةُ إنَّ مَكْسُورَةٌ ح وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى ثُبُوتِ الْوَاجِبِ بِصِفَةِ الْكَمَالِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى كَوْنِ السَّبَبِ هُوَ جُمْلَةُ الْوَقْتِ ط.

(قَوْلُهُ: حَتَّى يَلْزَمَهُمْ) أَيْ الْمَجْنُونَ وَمَنْ ذُكِرَ بَعْدَهُ، وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ خَرَجَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّ الْمَجْنُونَ وَنَحْوَهُ لَوْ أَفَاقَ أَوْ طَهُرَ أَوْ أَسْلَمَ فِي نَاقِصٍ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ النَّاقِصُ هُوَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِمْ، لِتَعَذُّرِ إضَافَةِ السَّبَبِ إلَى جُمْلَةِ الْوَقْتِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْوُجُوبِ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَيَجُوزُ لَهُمْ الْقَضَاءُ فِي نَاقِصٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ كَذَلِكَ وَجَبَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَدَاءِ فِيهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي التَّحْرِيرِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي طَرَفَيْهِ) أَيْ الطَّرَفَيْنِ الْآتِيَيْنِ: قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: نَعَمْ فِي كَوْنِ الْعِبْرَةِ بِأَوَّلِ طُلُوعِهِ أَوْ اسْتِطَارَتِهِ أَوْ انْتِشَارِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ عَنْ الْمُحِيطِ. وَفِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى عَنْ شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ عَلَى الْكَافِي وَذُكِرَ فِيهَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَحْوَطُ وَالثَّانِيَ أَوْسَعُ. اهـ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ الْأَخِيرُ لِتَعْرِيفِهِمْ الْفَجْرَ الصَّادِقَ بِهِ كَمَا يَأْتِي. وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْأَوَّلَ، لِمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْبَابِ «ثُمَّ صَلَّى بِي الْفَجْرَ» يَعْنِي فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ «حِينَ بَرَقَ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ» وَبَرَقَ: بِمَعْنَى بَزَغَ، وَهُوَ أَوَّلُ طُلُوعِهِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ. وَزَادَ: وَلَا يُنَافِيهِ التَّعْرِيفُ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ الِانْتِشَارَ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى انْتِشَارِهِ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُضِيِّ جَانِبٍ مِنْهُ بِدَلِيلِ لَفْظِ الْحَدِيثِ. قَالَ ح: وَأَظُنُّ أَنَّ الِاسْتِطَارَةَ وَالِانْتِشَارَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي فَهُمَا قَوْلَانِ لَا ثَلَاثَةٌ. اهـ.

وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ أَصْلُ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ مِنْ الطُّلُوعِ. وَأَمَّا عَدَمُ الْخِلَافِ فِي آخِرِهِ فَلَمَّا صَرَّحَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ، مِنْ أَنَّهُ إذَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ يَخْرُجُ الْوَقْتُ وَتَصِيرُ الصَّلَاةُ بَعْدَهُ إلَى الطُّلُوعِ قَضَاءً. اهـ.

وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْقُهُسْتَانِيِّ: إنَّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي الطَّرَفَيْنِ مِنْ عَدَمِ التَّتَبُّعِ.

(قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّاهُ آدَم) أَيْ حِينَ أُهْبِطَ مِنْ الْجَنَّةِ وَجَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَلَمْ يَكُنْ رَآهُ قَبْلُ فَخَافَ، فَلَمَّا انْشَقَّ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى

ص: 357

وَأَوَّلُ الْخَمْسِ وُجُوبًا، وَقَدَّمَ مُحَمَّدٌ الظُّهْرَ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا ظُهُورًا وَبَيَانًا، وَلَا يَخْفَى تَوَقُّفُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْعِلْمِ بِالْكَيْفِيَّةِ فَلِذَا لَمْ يَقْضِ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم الْفَجْرَ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ، ثُمَّ هَلْ كَانَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ أَحَدٍ؟ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا لَا، بَلْ كَانَ يَعْمَلُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ الْكَشْفِ الصَّادِقِ مِنْ شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ. وَصَحَّ تَعَبُّدُهُ فِي حِرَاءٍ بَحْرٌ

ــ

[رد المحتار]

فَلِذَا قَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ عِنَايَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَأَوَّلُ الْخَمْسِ وُجُوبًا) قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: الظَّاهِرُ أَنَّ أَوَّلَهَا وُجُوبًا الْعِشَاءُ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِآخِرِ الْوَقْتِ، وَالْإِسْرَاءُ كَانَ لَيْلًا.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَوَّلُهَا ظُهُورًا) أَيْ أَوَّلُ الْخَمْسِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ إمَامَةَ جِبْرِيلَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الظُّهْرِ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ: وَأَنَّ إمَامَتَهُ لَهُ فِي الصُّبْحِ كَانَتْ فِي غَيْرِ صَبِيحَتِهَا، وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا الْبُدَاءَةُ بِالظُّهْرِ كَمَا فِي أَبِي السُّعُودِ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ. حَاصِلُهُ أَنَّ الصُّبْحَ إذَا كَانَ أَوَّلُ الْخَمْسِ وُجُوبًا فَكَيْفَ تَرَكَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ مَعَ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ لَيْلًا.

وَبَيَانُ الْجَوَابِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْكَيْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْمُجْمَلِ قَبْلَ الْبَيَانِ يُفِيدُ الِابْتِلَاءَ بِاعْتِقَادِ الْحَقِّيَّةِ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ بَعْدَ الْبَيَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْوُجُوبِ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، وَنَظِيرُهُ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَعْذُورِ بِلَا وُجُوبِ أَدَاءً. وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ نَائِمًا وَلَا وُجُوبَ عَلَى النَّائِمِ، فَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْمَعْذُورَ بِنَوْمٍ وَنَحْوِهِ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ. اهـ.

[فَرْعٌ] لَا يَجِبُ انْتِبَاهُ النَّائِمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَيَجِبُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، نَقَلَهُ الْبِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ، وَقَالَ: وَلَمْ نَرَهُ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ فَاغْتَنِمْهُ اهـ.

قُلْت: لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَلَى النَّائِمِ اتِّفَاقًا فَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِبَاهُ: رَوَى مُسْلِمٌ فِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ تُؤَخَّرَ صَلَاةٌ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى» " وَأَصْلُ النُّسْخَةِ التَّنْبِيهُ بَدَلَ الِانْتِبَاهِ، وَسَنَذْكُرُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنَّهُ مَا أَخَّرَ صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا وَقَدْ نَامَ فَقَضَاهَا، قِيلَ لَا يَحْنَثُ وَاسْتَظْهَرَهُ الْبَاقَانِيُّ، لَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ نَامَ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَانْتَبَهَ بَعْدَهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ نَامَ بَعْدَ دُخُولِهِ حَنِثَ اهـ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بِنَوْمِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ لَا يَكُونُ مُؤَخِّرًا وَعَلَيْهِ فَلَا يَأْثَمُ وَإِذَا لَمْ يَأْثَمْ لَا يَجِبُ انْتِبَاهُهُ إذْ لَوْ وَجَبَ لَكَانَ مُؤَخِّرًا لَهَا وَآثِمًا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَامَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا فِي الْبِيرِيِّ عَلَيْهِ. مَطْلَبٌ فِي تَعَبُّدِهِ عليه الصلاة والسلام قَبْلَ الْبَعْثَةِ.

(قَوْلُهُ: مُتَعَبِّدًا) بِكَسْرِ الْبَاءِ. فِي الْقَامُوسِ: تَعَبَّدَ تَنَسَّكَ. اهـ. ح. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ أَيْ مُكَلَّفًا أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لَكِنَّ الْأَظْهَرَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بِالْفَتْحِ يَقْتَضِي الْأَمْرَ، وَالْكَلَامُ فِيمَا قَبْلَ الْبَعْثَةِ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا لَا) نَسَبَهُ فِي التَّقْرِيرِ الْأَكْمَلِيِّ إلَى مُحَقِّقِي أَصْحَابِنَا قَالَ: لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَبْلَ الرِّسَالَةِ فِي مَقَامِ النُّبُوَّةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أُمَّةِ نَبِيٍّ قَطُّ إلَخْ، وَعَزَاهُ فِي النَّهْرِ أَيْضًا إلَى الْجُمْهُورِ وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ يَعْنِي لَا عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَقَدَّمْنَا تَمَامَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ.

(قَوْلُهُ: وَصَحَّ تَعَبُّدُهُ فِي حِرَاءٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ يُصْرَفُ وَيُمْنَعُ مِنْ الصَّرْفِ، وَحُكِيَ فِيهِ الْفَتْحُ وَالْقَصْرُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ قُبَاءَ وَنَظَمَهُ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:

حِرَا وَقُبَا ذَكِّرْ وَأَنِّثْهُمَا مَعًا

وَمُدَّ أَوْ اقْصِرْ وَاصْرِفَنَّ وَامْنَعْ الصَّرْفَا

. وَهُوَ جَبَلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ. قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ: وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ " أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام -

ص: 358

(مِنْ) أَوَّلِ (طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُنْتَشِرُ الْمُسْتَطِيرُ لَا الْمُسْتَطِيلُ (إلَى) قُبَيْلِ (طُلُوعِ ذُكَاءَ) بِالضَّمِّ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ اسْمُ الشَّمْسِ.

(وَوَقْتُ الظُّهْرِ مِنْ زَوَالِهِ) أَيْ مَيْلِ ذُكَاءَ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ (إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ) وَعَنْهُ مِثْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَزُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ: وَبِهِ نَأْخُذُ. وَفِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ: وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ. وَفِي الْبُرْهَانِ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ. لِبَيَانِ جِبْرِيلَ. وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ. وَفِي الْفَيْضِ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَبِهِ يُفْتَى (سِوَى فَيْءٍ)

ــ

[رد المحتار]

كَانَ يَخْرُجُ إلَى حِرَاءٍ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا يَتَنَسَّكُ فِيهِ " قَالَ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا التَّعَبُّدَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الِانْعِزَالِ عَنْ النَّاسِ وَالِانْقِطَاعِ إلَى اللَّهِ وَالْأَفْكَارِ. وَعَنْ بَعْضِهِمْ: كَانَتْ عِبَادَتُهُ عليه الصلاة والسلام فِي حِرَاءٍ التَّفْكِيرَ، اهـ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ إلَخْ) زَادَ لَفْظَ أَوَّلِ اخْتِيَارًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَيَاضُ إلَخْ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ وَلَكِنْ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ» " فَالْمُعْتَبَرُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ وَهُوَ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ: أَيْ الَّذِي يَنْتَشِرُ ضَوْءُهُ فِي أَطْرَافِ السَّمَاءِ لَا الْكَاذِبُ وَهُوَ الْمُسْتَطِيلُ الَّذِي يَبْدُو طَوِيلًا فِي السَّمَاءِ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ أَيْ الذِّئْبِ ثُمَّ يَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ.

[فَائِدَةٌ] ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ الْكَامِلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى رِسَالَةِ الأسطرلاب لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةِ الْمُحَقِّقِ عَلِيٍّ أَفَنْدِي الدَّاغِسْتَانِيِّ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ وَكَذَا بَيْنَ الشَّفَقَيْنِ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ إنَّمَا هُوَ بِثَلَاثِ دُرَجٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَى قُبَيْلِ) كَذَا أَقْحَمَهُ فِي النَّهْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى دُخُولِ الْغَايَةِ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ عَدَمُهُ لِكَوْنِهَا غَايَةَ مَدٍّ كَمَا سَبَقَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ. اهـ. إسْمَاعِيلُ.

(قَوْلُهُ: بِالضَّمِّ) أَيْ وَبِالْمَدِّ كَمَا فِي الْقَامُوسِ ح.

(قَوْلُهُ مِنْ زَوَالِهِ) الْأَوْلَى مِنْ زَوَالِهَا ط.

(قَوْلُهُ: عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ) أَيْ وَسَطِهَا بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ لَنَا ط.

(قَوْلُهُ: إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ نِهَايَةٌ، وَهُوَ الصَّحِيحُ بَدَائِعُ وَمُحِيطٌ وَيَنَابِيعُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ غِيَاثِيَّةٌ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ تَصْحِيحَ قَاسِمٍ وَاخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ، وَارْتَضَاهُ الشَّارِحُونَ، فَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ وَبِقَوْلِهِمَا نَأْخُذُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَمَا فِي الْفَيْضِ مِنْ أَنَّهُ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ مُسَلَّمٌ فِي الْعِشَاءِ فَقَطْ عَلَى مَا فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ ح. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ بِالْمِثْلِ يَخْرُجُ وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ إلَّا بِالْمِثْلَيْنِ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهَا فَمَا بَيْنَ الْمِثْلِ وَالْمِثْلَيْنِ وَقْتٌ مُهْمَلٌ.

(قَوْلُهُ: مِثْلَهُ) مَنْصُوبٌ بِبُلُوغِ الْمُقَدَّرِ وَالتَّقْدِيرُ وَعَنْ الْإِمَامِ إلَى بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَهُ ح.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ نَصٌّ فِي الْبَابِ) فِيهِ أَنَّ الْأَدِلَّةَ تَكَافَأَتْ وَلَمْ يَظْهَرْ ضَعْفُ دَلِيلِ الْإِمَامِ، بَلْ أَدِلَّتُهُ قَوِيَّةٌ أَيْضًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْمُطَوَّلَاتِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَقَدْ قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَا يُعْدَلُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِهِمَا أَوْ قَوْلِ أَحَدِهِمَا إلَّا لِضَرُورَةٍ مِنْ ضَعْفِ دَلِيلٍ أَوْ تَعَامُلٍ، بِخِلَافِهِ كَالْمُزَارَعَةِ وَإِنْ صَرَّحَ الْمَشَايِخُ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَمَا هُنَا.

(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ) أَيْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ، وَالْأَحْسَنُ مَا فِي السِّرَاجِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إلَى الْمِثْلِ، وَأَنْ لَا يُصَلِّيَ الْعَصْرَ حَتَّى يَبْلُغَ الْمِثْلَيْنِ لِيَكُونَ مُؤَدِّيًا لِلصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِهِمَا بِالْإِجْمَاعِ، وَانْظُرْ هَلْ إذَا لَزِمَ مِنْ تَأْخِيرِهِ الْعَصْرَ إلَى الْمِثْلَيْنِ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ يَكُونُ الْأَوْلَى التَّأْخِيرَ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ بَلْ يَلْزَمُ لِمَنْ اعْتَقَدَ رُجْحَانَ قَوْلِ الْإِمَامِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ نَاقِلًا عَنْ بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُ مَحَلَّتِهِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ قَبْلَ غِيَابِ الشَّفَقِ الْأَبْيَضِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَحْدَهُ بَعْدَ الْبَيَاضِ.

(قَوْلُهُ: سِوَى فَيْءٍ) بِوَزْنِ شَيْءٍ: وَهُوَ الظِّلُّ بَعْدَ الزَّوَالِ، سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاءَ أَيْ رَجَعَ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ إلَى الْمَشْرِقِ، وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ إنَّمَا يُسَمَّى ظِلًّا، وَقَدْ يُسَمَّى بِهِ مَا بَعْدَهُ أَيْضًا وَلَا يُسَمَّى

ص: 359

يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ قُبَيْلَ (الزَّوَالِ) وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُغْرَزُ اعْتَبَرَ بِقَامَتِهِ وَهِيَ سِتَّةُ أَقْدَامٍ بِقَدَمِهِ مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهِ.

(وَوَقْتُ الْعَصْرِ مِنْهُ إلَى) قُبَيْلِ (الْغُرُوبِ) فَلَوْ غَرَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ هَلْ يَعُودُ الْوَقْتُ بِالظَّاهِرِ، نَعَمْ

ــ

[رد المحتار]

مَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيْئًا أَصْلًا سِرَاجٌ وَنَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: يَكُونُ لِلْأَشْيَاءِ قُبَيْلَ الزَّوَالِ) أَشَارَ إلَى أَنَّ إضَافَةَ الْفَيْءِ إلَى الزَّوَالِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ لِحُصُولِهِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَلَا تُعَدُّ إضَافَتُهُ إلَيْهِ تَسَامُحًا دُرَرٌ، أَيْ خِلَافًا لِشَرْحِ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّهَا تَسَامُحٌ، وَتَبِعَهُ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّ التَّسَامُحَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لَا لِعَلَاقَةٍ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ مَجَازٌ فِي الْإِسْنَادِ؛ لِأَنَّ الْفَيْءَ إنَّمَا يُسْنَدُ حَقِيقَةً لِلْأَشْيَاءِ كَالشَّاخِصِ وَنَحْوِهِ لَا لِلزَّوَالِ.

قُلْت: لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ الظِّلَّ لَا يُسَمَّى فَيْئًا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ كَمَا عَلِمْت، وَبِهِ اعْتَرَضَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى التَّعْبِيرِ بِفَيْءِ الزَّوَالِ أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ عَنْ الظِّلِّ، وَإِسْنَادُهُ إلَى الزَّوَالِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ كَمَا عَلِمْت لَا لُغَوِيٌّ أَيْضًا. وَلَا تَسَامُحَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةٍ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُرَادُ الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ جَعَلَ فِي الْكَلَامِ مَجَازَيْنِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) أَيْ طُولًا وَقِصَرًا وَانْعِدَامًا بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا أَوْضَحَهُ ح.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُغْرَزُ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ وَجَدَ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي الْأَرْضِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَيَنْتَظِرُ الظِّلَّ مَا دَامَ مُتَرَاجِعًا إلَى الْخَشَبَةِ فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ حِفْظَ الظِّلِّ الَّذِي قَبْلَهَا فَهُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ ح: وَعَنْ مُحَمَّدٍ: يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَمَا دَامَتْ الشَّمْسُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْسَرِ فَالشَّمْسُ لَمْ تَزُلْ وَإِنْ صَارَتْ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ فَقَدْ زَالَتْ، وَعَزَاهُ فِي الْمِفْتَاحِ إلَى الْإِيضَاحِ قَائِلًا إنَّهُ أَيْسَرُ مِمَّا سَبَقَ عَنْ الْمَبْسُوطِ مِنْ غَرْزِ الْخَشَبَةِ إسْمَاعِيلُ.

(قَوْلُهُ: اعْتَبَرَ بِقَامَتِهِ) أَيْ بِأَنْ يَقِفَ مُعْتَدِلًا فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ حَاسِرًا عَنْ رَأْسِهِ خَالِعًا نَعْلَيْهِ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ أَوْ لِظِلِّهِ وَيَحْفَظُ ظِلَّ الزَّوَالِ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ يَقِفُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَيَأْمُرُ مَنْ يُعَلِّمُ لَهُ عَلَى مُنْتَهَى ظِلِّهِ عَلَامَةً، فَإِذَا بَلَغَ الظِّلُّ طُولَ الْقَامَةِ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً سِوَى ظِلِّ الزَّوَالِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّمْ عَلَامَةً يَكِيلُ بَدَلَهَا سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفًا بِقَدَمِهِ وَقِيلَ سَبْعَةً.

(قَوْلُهُ: مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهِ) حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ بِقَدَمِهِ، أَشَارَ بِهِ إلَى الْجَمِيعِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّ قَامَةَ كُلِّ إنْسَانٍ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ: سَبْعَةُ أَقْدَامٍ: قَالَ الزَّاهِدِيُّ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُعْتَبَرَ سَبْعَةُ أَقْدَامٍ مِنْ طَرَفِ سَمْتِ السَّاقِ وَسِتَّةٌ وَنِصْفٌ مِنْ طَرَفِ الْإِبْهَامِ، وَإلَيْهِ أَشَارَ الْبَقَّالِيُّ. اهـ. حِلْيَةٌ:

أَقُولُ: بَيَانُهُ إذَا وَقَفَ الْوَاقِفُ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ نَقَلَ الْيُمْنَى وَوَضَعَ عَقِبَهَا عِنْدَ طَرَفِ إبْهَامِ الْيُسْرَى ثُمَّ نَقَلَ الْيُسْرَى كَذَلِكَ وَهَكَذَا سِتَّ مَرَّاتٍ، فَإِنْ بَدَأَ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ طَرَفِ سَمْتِ السَّاقِ، يَعْنِي مِنْ طَرَفِ عَقِبِ الْيُسْرَى الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا أَوَّلًا كَانَ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ، وَإِنْ بَدَأَ بِالِاعْتِبَارِ مِنْ طَرَفِ إبْهَامِهَا كَانَ سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفَ قَدَمٍ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَخْذُ طُولِ ارْتِفَاعِ الْقَامَةِ، وَمَبْدَأُ ارْتِفَاعِهَا مِنْ جِهَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ نِصْفِ الْقَدَمِ وَمِنْ جِهَةِ الْقَفَا عِنْدَ طَرَفِ الْعَقِبِ، فَمَنْ لَاحَظَ الْأَوَّلَ اعْتَبَرَ نِصْفَ الْقَدَمِ الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا وَقَدْرَ الْقَامَةِ بِسِتَّةِ أَقْدَامٍ وَنِصْفٍ وَمَنْ لَاحَظَ الثَّانِيَ اعْتَبَرَ الْقَدَمَ الْمَذْكُورَةَ بِتَمَامِهَا وَقَدَّرَ بِسَبْعَةٍ، وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ وَاحِدٌ، وَهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمِيقَاتِ. وَحَاصِلُهُ إنْ حَسَبَ كُلَّ الْقَدَمِ الَّتِي كَانَ وَاقِفًا عَلَيْهَا كَانَ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ، وَإِنْ حَسَبَ نِصْفَهَا كَانَ سِتَّةَ أَقْدَامٍ وَنِصْفًا فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ بُلُوغِ الظِّلِّ مِثْلَيْهِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَتْنِ. مَطْلَبُ لَوْ رُدَّتْ الشَّمْسُ بَعْدَ غُرُوبِهَا.

(قَوْلُهُ: الظَّاهِرُ نَعَمْ) بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْوَقْتَ يَعُودُ «؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَامَ فِي حِجْرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك فَارْدُدْهَا عَلَيْهِ، فَرُدَّتْ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ» وَكَانَ ذَلِكَ بِخَيْبَرَ، وَالْحَدِيثُ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ

ص: 360

وَهِيَ الْوُسْطَى عَلَى الْمَذْهَبِ

(وَ) وَقْتُ (الْمَغْرِبِ مِنْهُ إلَى) غُرُوبِ (الشَّفَقِ وَهُوَ الْحُمْرَةُ) عِنْدَهُمَا، وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ كَمَا فِي شُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا، فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ.

(وَ) وَقْتُ (الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ مِنْهُ إلَى الصُّبْحِ، وَ) لَكِنْ

ــ

[رد المحتار]

وَعِيَاضٌ، وَأَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ، وَأَخْطَأَ مَنْ جَعَلَهُ مَوْضُوعًا كَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ اهـ قَالَ ح: كَأَنَّهُ نَظِيرُ الْمَيِّتِ إذَا أَحْيَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فِي أَيْدِي وَرَثَتِهِ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْأَحْيَاءِ، وَانْظُرْ هَلْ هَذَا شَامِلٌ لِطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا الَّذِي هُوَ مِنْ الْعَلَامَاتِ الْكُبْرَى لِلسَّاعَةِ؟ . اهـ. قَالَ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى هَذَا الْحُكْمَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا أُعِيدَتْ فِي آنِ غُرُوبِهَا كَمَا هُوَ وَاقِعَةُ الْحَدِيثِ، أَمَّا طُلُوعُهَا مِنْ مَغْرِبِهَا فَهُوَ بَعْدَ مُضِيِّ اللَّيْلِ بِتَمَامِهِ. اهـ.

قُلْت: عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ إسْمَاعِيلَ رَدَّ مَا بَحَثَهُ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيَّةِ، بِأَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ تَصِيرُ قَضَاءً وَرُجُوعُهَا لَا يُعِيدُهَا أَدَاءً، وَمَا فِي الْحَدِيثِ خُصُوصِيَّةٌ لِعَلِيٍّ كَمَا يُعْطِيهِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك» . اهـ.

قُلْت: وَيَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ بُطْلَانُ صَوْمِ مَنْ أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّهَا وَبُطْلَانُ صَلَاتِهِ الْمَغْرِبَ لَوْ سَلَّمْنَا عَوْدَ الْوَقْتِ بِعَوْدِهَا لِلْكُلِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. مَطْلَبٌ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ الْوُسْطَى عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ الْمَنْقُولُ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ، وَسُمِّيَتْ وُسْطَى؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَبْسُوطٌ فِي أَوَّلِ الْحِلْيَةِ، قَالَ ح: وَهَذَا قَوْلٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ قَوْلًا مَذْكُورَةً فِي الْوَهْبَانِيَّةِ وَشَرْحِهَا.

(قَوْلُهُ: وإلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ) أَيْ إلَى قَوْلِهِمَا الَّذِي هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ أَيْضًا، وَصَرَّحَ فِي الْمَجْمَعِ بِأَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى، وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ رِوَايَةٌ وَلَا دِرَايَةٌ إلَخْ. وَقَالَ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: إنَّ رُجُوعَهُ لَمْ يَثْبُتْ، لِمَا نَقَلَهُ الْكَافَّةُ مِنْ لَدُنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إلَى الْيَوْمِ مِنْ حِكَايَةِ الْقَوْلَيْنِ، وَدَعْوَى عَمَلِ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ. قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: الشَّفَقُ الْبَيَاضُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم. قُلْت: وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَلَمْ يَرْوِ الْبَيْهَقِيُّ الشَّفَقَ الْأَحْمَرَ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ فَلَا يَخْرُجُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ بِالشَّكِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ: فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ هُوَ الْأَصَحُّ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ مُؤَيِّدًا لَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْدَلُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ إلَّا لِضَرُورَةٍ مِنْ ضَعْفِ دَلِيلٍ أَوْ تَعَامُلٍ بِخِلَافِهِ كَالْمُزَارَعَةِ، لَكِنَّ تَعَامُلَ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي عَامَّةِ الْبِلَادِ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَدْ أَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ تَبَعًا لِلنُّقَايَةِ وَالْوِقَايَةِ وَالدُّرَرِ وَالْإِصْلَاحِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَالْإِمْدَادِ وَالْمَوَاهِبِ وَشَرْحِهِ الْبُرْهَانَ وَغَيْرِهِمْ مُصَرِّحِينَ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي السِّرَاجِ: قَوْلُهُمَا أَوْسَعُ وَقَوْلُهُ أَحْوَطُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[تَنْبِيهٌ] قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الشَّفَقَيْنِ بِثَلَاثِ دُرَجٍ كَمَا بَيْنَ الْفَجْرَيْنِ فَلْيُحْفَظْ

(قَوْلُهُ: مِنْهُ) أَيْ مِنْ غُرُوبِ الشَّفَقِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَكِنْ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ لِمَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ. أَجَابَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِلتَّرْتِيبِ لَا لِكَوْنِ الْوَقْتِ لَمْ يَدْخُلْ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْعِشَاءِ، وَأَثَرُ الْخِلَافِ يَظْهَرُ فِيمَا لَوْ قَدَّمَ الْوِتْرَ عَلَيْهَا نَاسِيًا أَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ صَلَّاهَا فَقَطْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَا يُعِيدُهُ عِنْدَهُ،

ص: 361

(لَا) يَصِحُّ أَنْ (يُقَدِّمَ عَلَيْهَا الْوِتْرَ) إلَّا نَاسِيًا (لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ) لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ.

(وَفَاقِدُ وَقْتِهِمَا) كَبُلْغَارَ، فَإِنَّ فِيهَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ فِي أَرْبَعِينِيَّةِ الشِّتَاءِ (مُكَلَّفٌ بِهِمَا فَيُقَدِّرُ لَهُمَا)

ــ

[رد المحتار]

وَعِنْدَهُمَا يُعِيدُ نَهْرٌ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُسْقِطِ الثَّالِثِ وَهُوَ كَوْنُ الْفَوَائِتِ سِتًّا فَلْيُرَاجَعْ رَحْمَتِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ) أَيْ لُزُومِهِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ ط.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ) لَكِنَّ الْعِشَاءَ قَطْعِيٌّ وَالْوِتْرَ عَمَلِيٌّ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِلْحُكْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَتْنِ:

الْأَوَّلُ كَوْنُ مَا بَيْنَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ وَالْفَجْرِ وَقْتًا لَهُمَا مَعًا.

الثَّانِي لَوْ صَلَّاهُ قَبْلَهَا، فَإِنْ نَاسِيًا سَقَطَ التَّرْتِيبُ، وَإِنْ عَامِدًا فَهُوَ بَاطِلٌ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ح.

مَطْلَبٌ فِي فَاقِدِ وَقْتِ الْعِشَاءِ كَأَهْلِ بُلْغَارَ.

(قَوْلُهُ: كَبُلْغَارَ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَسُكُونِ اللَّامِ وَأَلِفٍ بَيْنَ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ، لَكِنَّ ضَبْطَهُ فِي الْقَامُوسِ بِلَا أَلِفٍ. وَقَالَ: وَالْعَامَّةُ تَقُولُ بُلْغَارُ: وَهِيَ مَدِينَةُ الصَّقَالِبَةِ ضَارِبَةٌ فِي الشَّمَالِ شَدِيدَةُ الْبَرْدِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّ فِيهَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ فُقِدَ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ فُقِدَ وَقْتُ الْفَجْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ الصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَطُلُوعُ الْفَجْرِ يَسْتَدْعِي سَبْقَ الظَّلَامِ وَلَا ظَلَامَ مَعَ بَقَاءِ الشَّفَقِ أَفَادَهُ ح.

أَقُولُ: الْخِلَافُ الْمَنْقُولُ بَيْنَ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ فَقَطْ، وَلَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ تَعَرَّضَ لِقَضَاءِ الْفَجْرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَإِنَّمَا الْوَاقِعُ فِي كَلَامِهِمْ تَسْمِيَتُهُ فَجْرًا؛ لِأَنَّ الْفَجْرَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِلْبَيَاضِ الْمُنْتَشِرِ فِي الْأُفُقِ مُوَافِقًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَمَا مَرَّ بِلَا تَقْيِيدٍ بِسَبْقِ ظَلَامٍ. عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الظَّلَامِ هُنَا، ثُمَّ رَأَيْت ط ذَكَرَ نَحْوَهُ.

(قَوْلُهُ: فِي أَرْبَعِينِيَّةِ الشِّتَاءِ) صَوَابُهُ فِي أَرْبَعِينِيَّةِ الصَّيْفِ كَمَا فِي الْبَاقَانِيِّ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: فِي أَقْصَرِ لَيَالِيِ السَّنَةِ وَتَمَامُهُ فِي ح. وَقَوْلُ النَّهْرِ: فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ سَبْقُ قَلَمٍ، وَهُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الشَّارِحَ.

(قَوْلُهُ: فَيُقَدِّرُ لَهُمَا) هَذَا مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ الْمُجَرَّدَةِ سَاقِطٌ مِنْ الْمِنَحِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ سِوَى صَاحِبِ الْفَيْضِ، حَيْثُ قَالَ: وَلَوْ كَانُوا فِي بَلْدَةٍ يَطْلُعُ فِيهَا الْفَجْرُ قَبْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ لِعَدَمِ السَّبَبِ، وَقِيلَ يَجِبُ وَيُقَدَّرُ الْوَقْتُ. اهـ.

بَقِيَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْفَيْضِ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الْعِشَاءِ، بِأَنْ يُقَدِّرَ أَنَّ الْوَقْتَ أَعْنِي سَبَبَ الْوُجُوبِ قَدْ وُجِدَ كَمَا يُقَدَّرُ وُجُودُهُ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ عَلَى مَا يَأْتِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِدُونِ السَّبَبِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَيُقَدَّرُ الْوَقْتُ جَوَابًا عَنْ قَوْلِهِ فِي الْأَوَّلِ لِعَدَمِ السَّبَبِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ وُجُودِ السَّبَبِ حَقِيقَةً بَلْ يَكْفِي تَقْدِيرُهُ كَمَا فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ وَقْتَ الْعِشَاءِ فِي حَقِّهِمْ بِقَدْرِ مَا يَغِيبُ فِيهِ الشَّفَقُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، كَمَا يَظْهَرُ لَك مِنْ كَلَامِ الْفَتْحِ الْآتِي حَيْثُ أَلْحَقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِمَسْأَلَةِ أَيَّامِ الدَّجَّالِ؛ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ نَقَلُوا فِيهَا الِاخْتِلَافَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ مِنْ مَشَايِخِنَا وَهُمْ الْبَقَّالِيُّ وَالْحَلْوَانِيُّ وَالْبُرْهَانُ الْكَبِيرُ فَأَفْتَى الْبَقَّالِيُّ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ ثُمَّ وَافَقَ الْبَقَّالِيَّ لَمَّا أَرْسَلَ إلَيْهِ الْحَلْوَانِيُّ مَنْ يَسْأَلُهُ عَمَّنْ أَسْقَطَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ أَيُكَفِّرُ؟ فَأَجَابَ السَّائِلَ بِقَوْلِهِ: مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ كَمْ فُرُوضُ وُضُوئِهِ؟ فَقَالَ لَهُ: ثَلَاثٌ، لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، قَالَ فَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ، فَبَلَغَ الْحَلْوَانِيُّ ذَلِكَ فَاسْتَحْسَنَهُ وَرَجَعَ إلَى قَوْلِ الْبَقَّالِيِّ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ. وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الْكَبِيرُ فَقَالَ بِالْوُجُوبِ، لَكِنْ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا: لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ فِي الصَّحِيحِ لِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ. وَاعْتَرَضَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْوُجُوبَ بِدُونِ السَّبَبِ لَا يُعْقَلُ، وَبِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْقَضَاءَ يَكُونُ أَدَاءً ضَرُورَةً، وَهُوَ

ص: 362

وَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ لِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ بِهِ أَفْتَى الْبُرْهَانُ الْكَبِيرُ وَاخْتَارَهُ الْكَمَالُ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي أَلْغَازِهِ فَصَحَّحَهُ، فَزَعَمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ (وَقِيلَ لَا) يُكَلَّفُ بِهِمَا لِعَدَمِ سَبَبِهِمَا، وَبِهِ جَزَمَ فِي الْكَنْزِ وَالدُّرَرِ وَالْمُلْتَقَى وَبِهِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ، وَوَافَقَهُ الْحَلْوَانِيُّ والمرغيناني وَرَجَّحَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْحَلَبِيُّ، وَأَوْسَعَا الْمَقَالَ وَمَنَعَا مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ

ــ

[رد المحتار]

أَيْ الْأَدَاءُ فَرْضُ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، إذْ لَا يَبْقَى وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إجْمَاعًا. اهـ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ بِلَادِهِمْ مَا يَطْلُعُ فِيهَا الْفَجْرُ كَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يُوجَدْ وَقْتٌ قَبْلَ الْفَجْرِ يُمْكِنُ فِيهِ الْأَدَاءُ.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ يَقُولُ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ لَا الْأَدَاءِ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِبَارُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْتُ الَّذِي اعْتَبَرْنَاهُ لَهُمْ وَقْتًا لِلْعِشَاءِ حَقِيقَةً بِحَيْثُ تَكُونُ الْعِشَاءُ فِيهِ أَدَاءً مَعَ أَنَّ الْقَائِلِينَ عِنْدَنَا بِالْوُجُوبِ صَرَّحُوا بِأَنَّهَا قَضَاءٌ وَبِفَقْدِ وَقْتِ الْأَدَاءِ: وَأَيْضًا لَوْ فُرِضَ أَنَّ فَجْرَهُمْ يَطْلُعُ بِقَدْرِ مَا يَغِيبُ الشَّفَقُ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ لَزِمَ اتِّحَادُ وَقْتَيْ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي حَقِّهِمْ، أَوْ أَنَّ الصُّبْحَ لَا يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ.

إنْ قُلْنَا: إنَّ الْوَقْتَ لِلْعِشَاءِ فَقَطْ وَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْعِشَاءُ نَهَارِيَّةً لَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا إلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَقَدْ يُؤَدِّي أَيْضًا إلَى أَنَّ الصُّبْحَ إنَّمَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُعْقَلُ، فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى التَّقْدِيرِ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ. وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فَلَا يَقْضِي عَلَى مَذْهَبِنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي الْحِلْيَةِ ذِكْرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ الدَّجَّالِ يُفِيدُ التَّقْدِيرَ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قُلْنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يَنْوِي الْقَضَاءَ إلَخْ) قَدْ عَلِمْت مَا أَوْرَدَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ أَدَاءً ضَرُورَةً إلَخْ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْبُرْهَانِ الْكَبِيرِ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ كَمَا كَانَ يَقُولُ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ.

وَقَدْ يُقَالُ: لَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهَا لَا أَدَاءً وَلَا قَضَاءً كَمَا سَمَّى بَعْضُهُمْ مَا وَقَعَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءً وَقَضَاءً، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاقِعَ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْضَهَا خَارِجَهُ يُسَمَّى مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءً، وَمَا وَقَعَ خَارِجَهُ يُسَمَّى قَضَاءً اعْتِبَارًا لِكُلِّ جُزْءٍ بِزَمَانِهِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: فَزَعَمَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ جَزَمَ بِهِ، وَعَبَّرَ عَنْ مُقَابِلِهِ بِقِيلِ؛ وَلِذَا نَسَبَهُ فِي الْإِمْدَادِ إلَى الْوَهْمِ.

(قَوْلُهُ: وَأَوْسَعَا الْمَقَالَ) أَيْ كُلٌّ مِنْ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ لَكِنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ نَقَلَ كَلَامَ الْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ بِرُمَّتِهِ فَلِذَا نُسِبَ إلَيْهِ الْإِيسَاعُ.

(قَوْلُهُ: وَمَنَعَا مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ) أَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فَهُوَ قَوْلُهُ وَمَنْ لَا يُوجَدُ عِنْدَهُمْ وَقْتُ الْعِشَاءِ أَفْتَى الْبَقَّالِيُّ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ السَّبَبِ كَمَا يَسْقُطُ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مِنْ الْوُضُوءِ عَنْ مَقْطُوعِهِمَا مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ، وَلَا يَرْتَابُ مُتَأَمِّلٌ فِي ثُبُوتِ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَبَيْنَ عَدَمِ سَبَبِهِ الْجَعْلِيِّ الَّذِي جُعِلَ عَلَامَةً عَلَى الْوُجُوبِ الْخَفِيِّ الثَّابِتِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَجَوَازِ تَعَدُّدِ الْمُعَرَّفَاتِ لِلشَّيْءِ فَانْتِفَاءُ الْوَقْتِ الْمُعَرَّفِ، وَانْتِفَاءُ الدَّلِيلِ عَلَى الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَهُ لِجَوَازِ دَلِيلٍ آخَرَ وَقَدْ وُجِدَ، وَهُوَ مَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ مِنْ فَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى الصَّلَوَاتِ خَمْسًا بَعْدَ مَا أَمَرَ أَوَّلًا بِخَمْسِينَ، ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى

ص: 363

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

الْخَمْسِ شَرْعًا عَامًّا لِأَهْلِ الْآفَاقِ لَا تَفْصِيلَ بَيْنَ قُطْرٍ وَقُطْرٍ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الدَّجَّالَ، قُلْنَا: مَا لُبْثُهُ فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: لَا، اُقْدُرُوا لَهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، فَقَدْ أَوْجَبَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ وَقِسْ عَلَيْهِ، فَاسْتَفَدْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَمْسٌ عَلَى الْعُمُومِ، غَيْرَ أَنَّ تَوْزِيعَهَا عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَاتِ عِنْدَ وُجُودِهَا وَلَا يَسْقُطُ بِعَدَمِهَا الْوُجُوبُ، وَكَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ» . اهـ. وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: كَمَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ، فَكَذَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّ لِلْوُجُوبِ أَسْبَابًا وَشُرُوطًا لَا يُوجَدُ بِدُونِهَا، وَقَوْلُك شَرْعًا عَامًّا إلَخْ إنْ أَرَدْت أَنَّهُ عَامٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ وُجِدَ فِي حَقِّهِ شُرُوطُ الْوُجُوبِ وَأَسْبَابُهُ سَلَّمْنَاهُ وَلَا يُفِيدُك لِعَدَمِ بَعْضِ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ ذُكِرَ، وَإِنْ أَرَدْت أَنَّهُ عَامٌّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُكَلَّفِينَ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْأَيَّامِ مُطْلَقًا فَهُوَ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ لَوْ طَهُرَتْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يَكُنْ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ، وَبَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا ثَلَاثُ صَلَوَاتٍ وَهَكَذَا، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ إذَا طَهُرَتْ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ أَوْ فِي أَكْثَرِهِ مَثَلًا يَجِبُ عَلَيْهَا تَمَامُ صَلَوَاتِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ لِأَجْلِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ فُرِضَتْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ.

فَإِنْ قُلْت: تَخَلَّفَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّهَا لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَيْضِ. قُلْنَا لَك: كَذَلِكَ تَخَلَّفَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَسَبَبِهِ وَهُوَ الْوَقْتُ، وَأَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ فَوَاتِ وَقْتٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْيَوْمِ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ مُضَافٌ إلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَمَامُ صَلَوَاتِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِافْتِرَاضِ الصَّلَوَاتِ خَمْسًا عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَالْقِيَاسُ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ فِي وَضْعِ الْأَسْبَابِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَكُونُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الزَّمَانِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَوْ وُكِّلْنَا فِيهِ لِاجْتِهَادِنَا لَكَانَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ وَاكْتَفَيْنَا بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. اهـ.

وَلَئِنْ سَلِمَ الْقِيَاسُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُسَاوَاةِ وَلَا مُسَاوَاةَ، فَإِنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ زَمَانٌ يُقَدَّرُ لِلْعِشَاءِ فِيهِ وَقْتٌ خَاصٌّ. وَالْمُفَادُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُقَدَّرُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتٌ خَاصٌّ بِهَا لَيْسَ هُوَ وَقْتًا لِصَلَاةٍ أُخْرَى، بَلْ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ مَا بَعْدَهَا قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا، وَإِذَا مَضَى صَارَتْ قَضَاءً كَمَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَكَأَنَّ الزَّوَالَ وَصَيْرُورَةَ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ وَغُرُوبَ الشَّمْسِ وَغَيْبُوبَةَ الشَّفَقِ وَطُلُوعَ الْفَجْرِ مَوْجُودَةٌ فِي أَجْزَاءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ تَقْدِيرًا بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا إذْ الزَّمَانُ الْمَوْجُودُ إمَّا وَقْتٌ لِلْمَغْرِبِ فِي حَقِّهِمْ أَوْ وَقْتٌ لِلْفَجْرِ بِالْإِجْمَاعِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَعُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ أَوْ رِجْلَاهُ مِنْ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَقَّالِيُّ.

وَلِذَا سَلَّمَهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ وَرَجَعَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ الْخَصْمُ فِيهِ - إنْصَافًا مِنْهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغُسْلَ سَقَطَ ثُمَّ لِعَدَمِ شَرْطِهِ لِأَنَّ الْمَحَالَّ شُرُوطٌ، فَكَذَا هُنَا سَقَطَتْ الصَّلَاةُ لِعَدَمِ شَرْطِهَا بَلْ وَسَبَبِهَا أَيْضًا، وَكَمَا لَمْ يَقُمْ هُنَاكَ دَلِيلٌ بِجَعْلِ مَا وَرَاءِ الْمِرْفَقِ إلَى الْإِبْطِ وَمَا فَوْقَ الْكَعْبِ بِمِقْدَارِ الْقَدَمِ خَلَفًا عَنْهُ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ، كَذَلِكَ لَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ يَجْعَلُ جُزْءًا مِنْ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الْفَجْرِ أَوْ مِنْهُمَا خَلَفًا عَنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَكَمَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ كَذَا فَرَائِضُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لَا تَنْقُصُ عَنْ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ جَمِيعِ أَسْبَابِ

ص: 364

قُلْت: وَلَا يُسَاعِدُهُ حَدِيثُ الدَّجَّالِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ ظُهْرٍ

ــ

[رد المحتار]

الْوُجُوبِ وَشَرَائِطِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، فَلْيَتَأَمَّلْ الْمُنْصِفُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى الْمُوَفِّقُ اهـ كَلَامُ الْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ.

وَقَدْ كَرَّ عَلَيْهِ الْفَاضِلُ الْمُحَشِّيُّ بِالنَّقْصِ، وَانْتَصَرَ لِلْمُحَقِّقِ بِمَا يَطُولُ، فَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ مَا فَعَلْنَاهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ بَلْ الْإِلْحَاقِ دَلَالَةً، وَقَوْلُ الْبُرْهَانِ الْحَلَبِيِّ إنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يُوجَدْ زَمَانٌ يُقَدَّرُ لِلْعِشَاءِ فِيهِ وَقْتٌ خَاصٌّ مَمْنُوعٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ يُقَدِّرُ يَجْعَلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتًا يَخْتَصُّ بِهَا لَا يُشَارِكُهَا فِيهِ غَيْرُهَا. اهـ.

أَقُولُ: لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَائِلِينَ بِالْوُجُوبِ عِنْدَنَا لَمْ يَجْعَلُوا لِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَقْتًا خَاصًّا بِهَا بِحَيْثُ يَكُونُ فِعْلُهَا فِيهِ أَدَاءً وَخَارِجَهَا قَضَاءً كَمَا هُوَ فِي أَيَّامِ الدَّجَّالِ؛ لِأَنَّ الْحَلْوَانِيَّ قَالَ بِوُجُوبِهَا قَضَاءً وَالْبُرْهَانُ الْكَبِيرُ قَالَ: لَا يَنْوِي الْقَضَاءَ لِعَدَمِ وَقْتِ الْأَدَاءِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا، فَأَيْنَ الْإِلْحَاقُ دَلَالَةً مَعَ عَدَمِ الْمُسَاوَاةِ؟ فَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ أَوْ الْقِيَاسِ لَجَعَلُوا لَهَا وَقْتًا خَاصًّا بِهَا تَكُونُ فِيهِ أَدَاءً، وَإِنَّمَا قَدَّرُوهُ مَوْجُودًا لِإِيجَابِ فِعْلِهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَلَيْسَ مَعْنَى التَّقْدِيرِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ كَمَا عَلِمْت وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُهَا فِيهِ أَدَاءً وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ إنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ: أَيْ بِكَوْنِهَا أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى وَقْتُ الْعِشَاءِ بَعْدَ الْفَجْرِ.

وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حَدِيثَ الدَّجَّالِ لِيَقِيسَ عَلَيْهِ مَسْأَلَتَنَا أَوْ يُلْحِقَهَا بِهِ دَلَالَةً، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ دَلِيلًا عَلَى افْتِرَاضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ افْتِرَاضًا عَامًّا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَا رُوِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ أَخْبَارُ الْإِسْرَاءِ، وَمَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الِافْتِرَاضِ عَلَى الْحَائِضِ وَالْكَافِرِ يُجَابُ عَنْهُ بِمَا قَالَهُ الْمُحَشِّيُّ مِنْ وُرُودِ النَّصِّ بِإِخْرَاجِهِمَا مِنْ الْعُمُومِ.

هَذَا وَقَدْ أَقَرَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُ تِلْمِيذَاهُ الْعَلَّامَتَانِ الْمُحَقِّقَانِ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ وَالشَّيْخُ قَاسِمٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ، وَيَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّهُ قَالَ بِهِ إمَامٌ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُسَاعِدُهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ح.

(قَوْلُهُ: حَدِيثُ الدَّجَّالِ) هُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامِ الْكَمَالِ.

قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: فَيُسْتَثْنَى هَذَا الْيَوْمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَوَاقِيتِ، وَيُقَاسُ الْيَوْمَانِ التَّالِيَانِ لَهُ. قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ مَكَثَتْ الشَّمْسُ عِنْدَ قَوْمٍ مُدَّةً. اهـ. ح. قَالَ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ قُلْت: وَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ لِجَمِيعِ الْآجَالِ كَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعِدَّةِ وَآجَالِ الْبَيْعِ وَالسَّلَمِ وَالْإِجَارَةِ، وَيُنْظَرُ ابْتِدَاءُ الْيَوْمِ فَيُقَدَّرُ كُلُّ فَصْلٍ مِنْ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ بِحَسَبِ مَا يَكُونُ كُلُّ يَوْمٍ مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ كَذَا فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِمِثْلِهِ إذْ أَصْلُ التَّقْدِيرِ مَقُولٌ بِهِ إجْمَاعًا فِي الصَّلَوَاتِ اهـ. مَطْلَبٌ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

[تَنْبِيهٌ] وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «أَنَّ الشَّمْسَ إذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا تَسِيرُ إلَى وَسَطِ السَّمَاءِ ثُمَّ تَرْجِعُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَطْلُعُ مِنْ الْمَشْرِقِ كَعَادَتِهَا» . قَالَ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الظُّهْرِ بِرُجُوعِهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ زَوَالِهَا، وَوَقْتُ الْعَصْرِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبِ بِغُرُوبِهَا. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ لَيْلَةَ طُلُوعِهَا مِنْ مَغْرِبِهَا تَطُولُ بِقَدْرِ ثَلَاثِ لَيَالٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّهَا لِانْبِهَامِهَا عَلَى النَّاسِ، فَحِينَئِذٍ قِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ قَضَاءُ الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ لَيْلَتَانِ فَيُقَدَّرَانِ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَوَاجِبُهُمَا الْخَمْسُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَإِنْ وَجَبَ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْمُسَاعَدَةِ ح.

(قَوْلُهُ: أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ ظُهْرٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوَارِدَ أَنَّ الْيَوْمَ كَسَنَةٍ فَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ نَحْوُ نِصْفِ سَنَةٍ وَلَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ الظُّهْرُ هَذَا الْعَدَدَ، فَالْمُنَاسِبُ تَعْبِيرُ الْكَمَالِ بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ فَقَدْ وَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ عَصْرٍ قَبْلَ صَيْرُورَةِ الظِّلِّ مِثْلًا أَوْ مِثْلَيْنِ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمِثْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ النَّهَارِ بِخِلَافِ الْمِثْلِ، وَالْأَظْهَرُ قَوْلُهُ

ص: 365

مَثَلًا قَبْلَ الزَّوَالِ لَيْسَ كَمَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْمَفْقُودَ فِيهِ الْعَلَامَةُ لَا الزَّمَانُ، وَأَمَّا فِيهَا فَقَدْ فُقِدَ الْأَمْرَانِ.

(وَالْمُسْتَحَبُّ) لِلرَّجُلِ (الِابْتِدَاءُ) فِي الْفَجْرِ (بِإِسْفَارٍ وَالْخَتْمُ بِهِ) هُوَ الْمُخْتَارُ بِحَيْثُ يُرَتِّلُ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ يُعِيدُهُ بِطَهَارَةٍ لَوْ فَسَدَ. وَقِيلَ يُؤَخِّرُ حَدًّا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ مَوْهُومٌ (إلَّا لِحَاجٍّ بِمُزْدَلِفَةَ) فَالتَّغْلِيسُ أَفْضَلُ كَمَرْأَةٍ مُطْلَقًا. وَفِي غَيْرِ الْفَجْرِ الْأَفْضَلُ لَهَا انْتِظَارُ فَرَاغِ الْجَمَاعَةِ (وَتَأْخِيرُ ظُهْرِ الصَّيْفِ) بِحَيْثُ يَمْشِي فِي الظِّلِّ (مُطْلَقًا) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ: أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ

ــ

[رد المحتار]

فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ وَإِنْ وَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَثِمِائَةِ عِشَاءٍ مَثَلًا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.

(قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ أَنَّ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْوِتْرَ كَذَلِكَ ح.

(قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا فِيهَا) أَيْ فِي مَسْأَلَتِنَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِيهِمَا: أَيْ فِي الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ.

(قَوْلُهُ: فَقَدْ فُقِدَ الْأَمْرَانِ) أَيْ الْعَلَامَةُ، وَهِيَ غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالزَّمَانُ الْمُعَلَّمُ وَهُوَ مَا تَقَعُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَدَاءً ضَرُورَةَ أَنَّ الزَّمَانَ الْمَوْجُودَ قَبْلَ الْفَجْرِ هُوَ زَمَانُ الْمَغْرِبِ وَبَعْدَهُ هُوَ زَمَانُ الصُّبْحِ فَلَمْ يُوجَدْ الزَّمَانُ الْخَاصُّ بِالْعِشَاءِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ فَقْدَ أَصْلِ الزَّمَانِ كَمَا لَا يَخْفَى، نَعَمْ إذَا قُلْنَا بِالتَّقْدِيرِ هُنَا يَكُونُ الزَّمَانُ مَوْجُودًا تَقْدِيرًا كَمَا فِي يَوْمِ الدَّجَّالِ، فَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمُحَقِّقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[تَتِمَّةٌ] لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ عِنْدَنَا لِحُكْمِ صَوْمِهِمْ فِيمَا إذَا كَانَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ عِنْدَهُمْ كَمَا تَغِيبُ الشَّمْسُ أَوْ بَعْدَهُ بِزَمَانٍ لَا يَقْدِرُ فِيهِ الصَّائِمُ عَلَى أَكْلِ مَا يُقِيمُ بِنْيَتَهُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِ مُوَالَاةِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ. فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الصَّوْمِ يَلْزَمُ الْقَوْلُ بِالتَّقْدِيرِ، وَهَلْ يُقَدَّرُ لَيْلُهُمْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا أَيْضًا، أَمْ يُقَدَّرُ لَهُمْ بِمَا يَسَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ، أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ فَقَطْ دُونَ الْأَدَاءِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، فَلْيُتَأَمَّلْ. وَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ هُنَا بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَصْلًا كَالْعِشَاءِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِيهَا عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ عَدَمُ السَّبَبِ، وَفِي الصَّوْمِ قَدْ وُجِدَ السَّبَبُ وَهُوَ شُهُودُ جُزْءٍ مِنْ الشَّهْرِ وَطُلُوعُ فَجْرِ كُلِّ يَوْمٍ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: لِلرَّجُلِ) يَأْتِي مُحْتَرَزُهُ. (قَوْلُهُ فِي الْفَجْرِ) أَيْ صَلَاةِ الْفَرْضِ. وَفِي صَلَاةِ السُّنَّةِ قَوْلَانِ كَمَا يَأْتِي لِلشَّارِحِ ط.

(قَوْلُهُ: بِإِسْفَارِهِ) أَيْ فِي وَقْتِ ظُهُورِ النُّورِ وَانْكِشَافِ الظُّلْمَةِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسْفِرُ: أَيْ يَكْشِفُ عَنْ الْأَشْيَاءِ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ بِالْفَجْرِ " وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهَا.

(قَوْلُهُ: أَرْبَعِينَ آيَةً) أَيْ إلَى سِتِّينَ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ يُعِيدُهُ بِطَهَارَةٍ) أَيْ يُعِيدُ الْفَجْرَ: أَيْ صَلَاتَهُ مَعَ تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُعِيدُ الطَّهَارَةَ لَوْ فَسَدَ بِفَسَادِهَا أَوْ ظَهَرَ فَسَادُهُ بِعَدَمِهَا نَاسِيًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِسْفَارَ أَنْ يُمْكِنَهُ إعَادَةُ الطَّهَارَةِ وَلَوْ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى قَبْلَ الشَّمْسِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ يُؤَخِّرُ جِدًّا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ أَيْ الْكَنْزِ، لَكِنْ لَا يُؤَخِّرُهَا بِحَيْثُ يَقَعُ الشَّكُّ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ ح.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ وَلَوْ فِي غَيْرِ مُزْدَلِفَةَ لِبِنَاءِ حَالِهِنَّ عَلَى السَّتْرِ وَهُوَ فِي الظَّلَامِ أَتَمُّ.

(قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ ظُهْرِ الصَّيْفِ) سَيَذْكُرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ الْخَرِيفُ، وَسَنَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ.

(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَمْشِي فِي الظِّلِّ) عِبَارَةُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا: وَحَدُّهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْمِثْلِ وَهِيَ أَوْلَى لِمَا أَنَّ مِثْلَ حِيطَانِ مِصْرَ يَحْدُثُ الظِّلُّ فِيهَا سَرِيعًا لِعُلُوِّهَا ح. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ اعْتِبَارَ الْمَشْيِ فِي الظِّلِّ بَيَانٌ لِأَوَّلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ بَيَانٌ لِمُنْتَهَاهُ وَفِي ط عَنْ الْحَمَوِيِّ عَنْ الْخِزَانَةِ: الْوَقْتُ الْمَكْرُوهُ فِي الظُّهْرِ أَنْ يَدْخُلَ فِي حَدِّ الِاخْتِلَافِ، وَإِذَا أَخَّرَهُ حَتَّى صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَقَدْ دَخَلَ فِي حَدِّ الِاخْتِلَافِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ بِلَا اشْتِرَاطِ إلَخْ) تَفْسِيرٌ لِلْإِطْلَاقِ. وَعِبَارَةُ ابْنِ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَحْدَهُ

ص: 366

شِدَّةِ حَرٍّ وَحَرَارَةِ بَلَدٍ وَقَصْدِ جَمَاعَةٍ، وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مَنْظُورٌ فِيهِ (وَجُمُعَةٍ كَظُهْرٍ أَصْلًا وَاسْتِحْبَابًا) فِي الزَّمَانَيْنِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ

(وَ) تَأْخِيرُ (عَصْرٍ) صَيْفًا وَشِتَاءً تَوْسِعَةً لِلنَّوَافِلِ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ ذُكَاءُ) بِأَنْ لَا تَحَارَ الْعَيْنُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ

(وَ) تَأْخِيرُ (عِشَاءٍ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالشِّتَاءِ، أَمَّا الصَّيْفُ فَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهَا (فَإِنْ أَخَّرَهَا إلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ) كُرِهَ لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ، أَمَّا إلَيْهِ فَمُبَاحٌ.

(وَ) أَخَّرَ (الْعَصْرَ إلَى اصْفِرَارِ ذُكَاءَ) فَلَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ فَمَدَّهُ إلَيْهِ لَا يُكْرَهُ.

ــ

[رد المحتار]

أَوْ بِجَمَاعَةٍ اهـ أَيْ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ» " وَالْمُرَادُ الظُّهْرُ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا) كَالسِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ: أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَدَّمَهَا، وَإِنْ فِي الْمَسْجِدِ بِجَمَاعَةٍ أَخَّرَهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ: مَنْظُورٌ فِيهِ) تَبِعَ فِي التَّنْظِيرِ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ اعْتِمَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَوْرَدَ الْمُحَشِّيُّ عَلَيْهِ: مَا لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَوْ قُلْنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ يَلْزَمُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الَّتِي يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَجْلِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْقَوَاعِدُ تَأْبَاهُ، وَيَدُلُّ لَهُ كَرَاهَتُهُمْ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ إلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَعَلَّلُوهُ بِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ حَرَامًا حَيْثُ تَحَقَّقَ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ. اهـ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ مِثْلَهُ عَنْ شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلشَّيْخِ مُوسَى الطَّرَابُلُسِيِّ وَقَالَ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ نَجَاسَةِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَخَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ اهـ أَيْ مَعَ أَنَّ إزَالَتَهَا مَسْنُونَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ وَلَمْ تُتْرَكْ الْجَمَاعَةُ لِأَجْلِهَا. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا، مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ سَوَاءٌ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا بِأَنْ كَانَ لَا تَتَيَسَّرُ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُؤَخِّرُ وَإِنْ لَزِمَ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالتَّنْظِيرُ فِي كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ وَالسِّرَاجِ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ هِيَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، صَرَّحُوا بِهَا فِي كُتُبِهِمْ، نَعَمْ ذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَوْلَى لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي مَبْسُوطَيْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ هُنَا، إذْ لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةٌ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُمْ هُنَاكَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ أَئِمَّتَنَا صَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ بِلَا اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ وَأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مَفْهُومٌ وَالصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ ثَمَّ فَرَاجِعْهُ.

(قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ وَقْتِ الْجَوَازِ، وَمَا وَقَعَ فِي آخِرِهِ مِنْ الْخِلَافِ.

(قَوْلُهُ: وَاسْتِحْبَابًا فِي الزَّمَانَيْنِ) أَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ح، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ فَنِّ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهَا الْإِبْرَادُ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لِقَارِئِ الْهِدَايَةِ: قِيلَ إنَّهُ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَتَقُومُ مَقَامَهُ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، فَتَأْخِيرُهَا مُفْضٍ إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الظُّهْرُ وَمُوَافَقَةُ الْخَلَفِ لِأَصْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا خَلَفُهُ) عَلِمْت جَوَابَهُ. عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ

(قَوْلُهُ: تَوْسِعَةً لِلنَّوَافِلِ) أَيْ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا رُوِيَ فِي التَّأْخِيرِ وَالتَّعْجِيلِ: لَمْ نَجِدْ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِمَّا صَحَّحْت إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْعَصْرِ: وَلَمْ نَجِدْ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى التَّعْجِيلِ إلَّا مَا عَارَضَهُ غَيْرُهُ فَاسْتَحْبَبْنَا التَّأْخِيرَ. وَلَوْ خَلَّيْنَا النَّظَرَ لَكَانَ تَعْجِيلُ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا أَفْضَلَ وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ أَوْلَى، وَقَدْ رَوَى عَنْ أَصْحَابِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ. وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إنْ أَمْكَنَهُ إطَالَةُ النَّظَرِ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ وَعَلَيْهِ

ص: 367

(وَ) أَخَّرَ (الْمَغْرِبَ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ) أَيْ كَثْرَتِهَا (كُرِهَ)

ــ

[رد المحتار]

الْفَتْوَى. وَفِي النِّصَابِ وَغَيْرِهِ: وَبِهِ نَأْخُذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَمَشَايِخِ بَلْخٍ وَغَيْرِهِمْ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّوفِيَّةِ وَفِيهَا: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُؤَخِّرَ تَأْخِيرًا لَا يُمْكِنُ الْمَسْبُوقَ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ اهـ. وَقِيلَ حَدُّ التَّغَيُّرِ أَنْ يَبْقَى لِلْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنْ رُمْحٍ، وَقِيلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ الشُّعَاعُ عَلَى الْحِيطَانِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ

(قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ عِشَاءٍ) أَطْلَقَهُ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ التَّقْيِيدُ بِعَدَمِ فَوْتِ الْجَمَاعَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي مَسْأَلَةِ يَوْمِ الْغَيْمِ شُرُنْبُلَالِيَّةٌ.

(قَوْلُهُ: إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُخْتَارِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا. وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ إلَى مَا قَبْلِ ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّوْفِيقِ بِمَا فِي الْبَحْرِ وَلَا بِمَا فِي الدُّرَرِ.

(قَوْلُهُ: قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَخْ) وَفِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ فِي الصَّيْفِ يُعَجِّلُ كَيْ لَا تَتَقَلَّلَ الْجَمَاعَةُ.

(قَوْلُهُ: كُرِهَ) أَيْ تَحْرِيمًا كَمَا يَأْتِي تَقْيِيدُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ تَنْزِيهًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا نَذْكُرُهُ عَنْ الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ يُؤَخِّرُهَا لِعَدَمِ الْجَمَاعَةِ فِي حَقِّهِ، تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ: أَيْ لَوْ أَخَّرَهَا لَا يُكْرَهُ.

(قَوْلُهُ: أَمَّا إلَيْهِ فَمُبَاحٌ) أَيْ أَمَّا تَأْخِيرُهَا إلَى النِّصْفِ فَمُبَاحٌ لِتَعَارُضِ دَلِيلِ النَّدْبِ وَهُوَ قَطْعُ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْجَمَاعَةِ فَثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. قُلْت لَكِنْ نَقْلُ الْحِلْيَةِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ إلَى النِّصْفِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ دَلِيلًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَسَاقَهَا، وَقَالَ: اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ. اهـ.

[تَنْبِيهٌ] أَشَرْنَا إلَى أَنَّ عِلَّةَ اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ فِي الْعِشَاءِ هِيَ قَطْعُ السَّمَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهُوَ الْكَلَامُ بَعْدَهَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ: وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمَا إلَّا حَدِيثًا فِي خَيْرٍ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا سَمَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ» يَعْنِي الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ (إلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ) وَفِي رِوَايَةٍ (أَوْ عِرْسٍ) . اهـ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: إنَّمَا كُرِهَ النَّوْمُ قَبْلَهَا لِمَنْ خُشِيَ عَلَيْهِ فَوْتُ وَقْتِهَا أَوْ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا، وَأَمَّا مَنْ وَكَّلَ نَفْسَهُ إلَى مَنْ يُوقِظُهُ فَيُبَاحُ لَهُ النَّوْمُ. اهـ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَإِنَّمَا كُرِهَ الْحَدِيثُ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى اللَّغْوِ أَوْ إلَى تَفْوِيتِ الصُّبْحِ أَوْ قِيَامِ اللَّيْلِ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ بِهِ، وَإِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَلَا بَأْسَ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثُ مَعَ الضَّيْفِ. اهـ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنْ يَكُونَ اخْتِتَامُ الصَّحِيفَةِ بِالْعِبَادَةِ، كَمَا جُعِلَ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا لِيُمْحَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الزَّلَّاتِ، وَلِذَاكِرِهِ الْكَلَامُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ وَإِنْ خَشِيَ فَوْتَ الصُّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ، نَعَمْ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَفْوِيتُ الصُّبْحِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَفْرِيطًا تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَأَخَّرَ الْعَصْرَ) مَعْطُوفٌ عَلَى فِعْلِ الشَّرْطِ، وَالْمُرَادُ بِاصْفِرَارِ ذُكَاءَ تَغَيُّرُهَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ.

(قَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ فِي الْعَصْرِ بِمَعْنَى صَلَاتِهِ.

(قَوْلُهُ: لَا يُكْرَهُ) لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْكَرَاهَةِ مَعَ الْإِقْبَالِ عَلَى الصَّلَاةِ مُتَعَذِّرٌ فَجُعِلَ عَفْوًا بَحْرٌ

(قَوْلُهُ: إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ) هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ بَحْرٌ أَيْ الشَّفَقُ الْأَحْمَرُ؛ لِأَنَّهُ وَقْتٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَيَقَعُ الشَّكُّ. وَفِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّنَّةَ فِعْلُ الْمَغْرِبِ فَوْرًا وَبَعْدَهُ مُبَاحٌ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ فَيُكْرَهُ بِلَا عُذْرٍ اهـ قُلْت أَيْ يُكْرَهُ تَحْرِيمًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَاحَ مَا لَا يَمْنَعُ فَلَا يُنَافِي كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ وَيَأْتِي تَمَامُهُ قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ: أَيْ كَثْرَتِهَا) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَاشْتِبَاكُهَا أَنْ يَظْهَرَ صِغَارُهَا وَكِبَارُهَا حَتَّى لَا يَخْفَى مِنْهَا شَيْءٌ، فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَثْرَتِهَا وَانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ: كُرِهَ) يَرْجِعُ إلَى الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ ط.

ص: 368

أَيْ التَّأْخِيرُ لَا الْفِعْلُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ (تَحْرِيمًا) إلَّا بِعُذْرٍ كَسَفَرٍ، وَكَوْنِهِ عَلَى أَكْلٍ.

(وَ) تَأْخِيرُ (الْوِتْرِ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ لِوَاثِقٍ بِالِانْتِبَاهِ) وَإِلَّا فَقَبْلَ النَّوْمِ، فَإِنْ فَاقَ وَصَلَّى نَوَافِلَ وَالْحَالُ أَنَّهُ صَلَّى الْوِتْرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ الْأَفْضَلُ.

(وَالْمُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ ظُهْرِ شِتَاءٍ) يَلْحَقُ بِهِ الرَّبِيعُ، وَبِالصَّيْفِ الْخَرِيفُ (وَ) تَعْجِيلُ (عَصْرِ وَعِشَاءِ يَوْمِ غَيْمٍ، وَ) تَعْجِيلُ (مَغْرِبٍ مُطْلَقًا) وَتَأْخِيرُهُ قَدْرَ رَكْعَتَيْنِ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ: أَيْ التَّأْخِيرُ لَا الْفِعْلُ) فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا) كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ، لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ تَنْزِيهِيًّا وَهُوَ الْأَظْهَرُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: إلَّا بِعُذْرٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ رُجُوعُهُ إلَى الثَّلَاثَةِ أَيْضًا لَكِنْ ذُكِرَ فِي الْإِمْدَادِ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إلَى الِاصْفِرَارِ عَنْ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ التَّأْخِيرُ لِمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَاقْتَصَرَ فِي الْإِمْدَادِ وَغَيْرِهِ عَلَى ذِكْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمَغْرِبِ، وَعِبَارَتُهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَحُضُورِ مَائِدَةٍ أَوْ غَيْمٍ. اهـ.

قُلْت وَيَنْبَغِي عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ لِمَنْ هُوَ فِي رَكْبِ الْحُجَّاجِ، ثُمَّ إنَّ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ فِعْلًا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا: أَيْ بِأَنْ تُصَلَّى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالْعِشَاءُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ جَمْعِهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا سَفَرًا كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: وَكَوْنِهِ عَلَى أَكْلٍ) أَيْ لِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَعَ حُضُورِ طَعَامٍ تَمِيلُ إلَيْهِ نَفْسُهُ وَلِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَحَضَرَ الْعِشَاءُ فَابْدَءُوا بِالْعِشَاءِ» ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.

(قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ الْوِتْرِ إلَخْ) أَيْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ خَافَ أَنْ لَا يُوتِرَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا» وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهُ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ فَاقَ إلَخْ) أَيْ إذَا أَوْتَرَ قَبْلَ النَّوْمِ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ، وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ، لَكِنْ فَاتَهُ الْأَفْضَلُ الْمُفَادُ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ إمْدَادٌ.

وَلَا يُقَالُ: إنَّ مَنْ لَا يَثِقُ بِالِانْتِبَاهِ فَالتَّعْجِيلُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، فَإِذَا انْتَبَهَ بَعْدَمَا عَجَّلَ يَتَنَفَّلُ وَلَا تَفُوتُهُ الْأَفْضَلِيَّةُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ هِيَ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى خَتْمِ الصَّلَاةِ بِالْوِتْرِ وَقَدْ فَاتَتْ، وَاَلَّتِي حَصَّلَهَا هِيَ أَفْضَلِيَّةُ التَّعْجِيلِ عِنْدَ خَوْفِ الْفَوَاتِ عَلَى التَّأْخِيرِ فَافْهَمْ وَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: يَلْحَقُ بِهِ الرَّبِيعُ إلَخْ) قَالَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا، وَقَالَ لَمْ أَرَهُ. وَتَعَقَّبَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِمَا فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ، يُعَجِّلُ بِهَا إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، فَبَحْثُ الْبَحْرِ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ.

(قَوْلُهُ: يَوْمِ غَيْمٍ) أَيْ لِئَلَّا يَقَعَ الْعَصْرُ فِي التَّغَيُّرِ وَتَقِلَّ الْجَمَاعَةُ فِي الْعِشَاءِ عَلَى احْتِمَالِ الْمَطَرِ وَالطِّينِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّأْخِيرُ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَاخْتَارَهُ الْأَتْقَانِيُّ. وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَالضِّيَاءِ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ لِجَوَازِ الْأَدَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ: أَيْ وَفِي تَعْجِيلِهِ احْتِمَالُ وُقُوعِهِ قَبْلَهُ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْجِيلِ تَأْخِيرُهُمَا قَلِيلًا بَعْدَ الْعِلْمِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: الْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُمَا يَوْمَ غَيْمٍ عَلَى وَقْتِهِمَا الْمُسْتَحَبِّ يَوْمَ غَيْرِهِ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ شِتَاءً وَصَيْفًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِطْلَاقِ يَوْمَ غَيْمٍ أَمْ لَا وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ط.

(قَوْلُهُ: يُكْرَهُ تَنْزِيهًا) أَفَادَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْجِيلِ أَنْ لَا يُفْصَلَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ بِغَيْرِ جَلْسَةٍ أَوْ سَكْتَةٍ عَلَى الْخِلَافِ. وَأَنَّ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ اسْتِثْنَاءِ التَّأْخِيرِ الْقَلِيلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دُونَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْقَلِيلِ إلَى اشْتِبَاكِ النُّجُومِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَمَا بَعْدَهُ تَحْرِيمًا إلَّا بِعُذْرٍ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَاَلَّذِي اقْتَضَتْهُ الْأَخْبَارُ كَرَاهَةُ التَّأْخِيرِ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ وَمَا قَبْلَهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ،

ص: 369

(وَتَأْخِيرُ غَيْرِهِمَا فِيهِ) هَذَا فِي دِيَارٍ يَكْثُرُ شِتَاؤُهَا وَيَقِلُّ رِعَايَةُ أَوْقَاتِهَا، أَمَّا فِي دِيَارِنَا فَيُرَاعَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَحُكْمُ الْأَذَانِ كَالصَّلَاةِ تَعْجِيلًا وَتَأْخِيرًا.

(وَكُرِهَ) تَحْرِيمًا، وَكُلُّ مَا لَا يَجُوزُ مَكْرُوهٌ (صَلَاةٌ) مُطْلَقًا (وَلَوْ) قَضَاءً أَوْ وَاجِبَةً أَوْ نَفْلًا أَوْ (عَلَى جِنَازَةٍ وَسَجْدَةَ تِلَاوَةٍ

ــ

[رد المحتار]

فَهُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَبُّ التَّعْجِيلَ. اهـ. وَنَحْوُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحِلْيَةِ وَمَا فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّ مَا فِي الْحِلْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَصَحِّ: أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْمُبْتَغَى بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ فِي رِوَايَةٍ. وَفِي أُخْرَى: لَا، مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ. وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ إلَّا لِعُذْرٍ اهـ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصَحِّ التَّأْخِيرُ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ أَوْ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ إلَى مَا قَبْلَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا لِتَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ التَّعْجِيلُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَتَأْخِيرُ غَيْرِهِمَا فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ غَيْمٍ يُؤَخَّرُ الْفَجْرُ كَبَاقِي الْأَيَّامِ، وَيُؤَخَّرُ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ بِحَيْثُ يُتَيَقَّنُ وُقُوعُهُمَا بَعْدَ الْوَقْتِ قَبْلَ مَجِيءِ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَمَّا الْفَجْرُ فَلِتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِمَخَافَةِ الْوُقُوعِ قَبْلَ الْوَقْتِ.

(قَوْلُهُ: هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّعْجِيلِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: وَيَقِلُّ رِعَايَةُ أَوْقَاتِهَا) أَيْ بِعَدَمِ ظُهُورِ الشَّمْسِ أَوْ التَّوْقِيتِ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ط.

(قَوْلُهُ: فَيُرَاعَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ) أَيْ الْمُتَقَدِّمُ، وَهُوَ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ مُطْلَقًا وَالْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَتَعْجِيلُ ظُهْرِ الشِّتَاءِ إلَخْ. قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَهَذَا الْبَحْثُ لِلْعَيْنِيِّ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ النَّهْرِ ط. مَطْلَبُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ

[تَتِمَّةٌ] يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دُخُولُ الْوَقْتِ وَاعْتِمَادُ دُخُولِهِ كَمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ وَغَيْرِهِ، فَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ فَأَتَى بِهَا فَبَانَ أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يَجْزِهِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ، وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَذَانُ الْوَاحِدِ لَوْ عَدْلًا، وَإِلَّا تَحَرَّى وَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، لِمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا مِنْ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الْعَدْلِ فِي الدِّيَانَاتِ، كَالْإِخْبَارِ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، حَتَّى لَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ، أَوْ حِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ قُبِلَ وَلَوْ فَاسِقًا، أَوْ مَسْتُورًا يُحَكِّمُ رَأْيَهُ فِي صِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ، بِخِلَافِ خَبَرِ الذِّمِّيِّ حَيْثُ لَا يُقْبَلُ اهـ وَمِثْلُهُ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ الْعَاقِلَانِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ دُخُولِ الْوَقْتِ مِنْ الْعِبَادَاتِ، فَيَجْرِي فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كِتَابِ الْقَوْلِ لِمَنْ عَنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ مَا نَصُّهُ: الْمُؤَذِّنُ يَكْفِي إخْبَارُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا عَالِمًا بِالْأَوْقَاتِ مُسْلِمًا ذَكَرًا وَيُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِهِ. اهـ. وَفِي صِيَامِ الْقُهُسْتَانِيِّ: وَأَمَّا الْإِفْطَارُ فَلَا يَجُوزُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ بَلْ بِالْمُثَنَّى. وَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا صَدَّقَهُ إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَحُكْمُ الْأَذَانِ كَالصَّلَاةِ إلَخْ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَهَا فَيَتْبَعُهَا

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ إلَخْ) أُورِدَ أَنَّ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ لَا تَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّعْبِيرُ بِالْكَرَاهَةِ. وَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ بِجَوَابَيْنِ، حَيْثُ قَالَ: اسْتَعْمَلَ الْكَرَاهَةَ هُنَا بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَيَشْمَلُ عَدَمَ الْجَوَازِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبُ الْعَدَمِ، أَوْ هُوَ بِالْمَعْنَى الْعُرْفِيِّ وَالْمُرَادُ كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ الظَّنِّيَّ الثُّبُوتِ غَيْرَ الْمَصْرُوفِ عَنْ مُقْتَضَاهُ يُفِيدُ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ. وَإِنْ كَانَ قَطْعِيَّ الثُّبُوتِ فَالتَّحْرِيمُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْفَرْضِ فِي الرُّتْبَةِ وَكَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ وَالتَّنْزِيهُ فِي رُتْبَةِ الْمَنْدُوبِ، وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ هُنَا مِنْ الْأَوَّلِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِهِ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَهِيَ إنْ كَانَتْ لِنُقْصَانٍ فِي الْوَقْتِ مَنَعَتْ الصِّحَّةَ فِيمَا سَبَبُهُ كَامِلٌ وَإِلَّا أَفَادَتْ الصِّحَّةَ مَعَ الْإِسَاءَةِ اهـ وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى الْجَوَابَيْنِ مُقَدِّمًا الثَّانِيَ مِنْهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) فَسَّرَهُ بِمَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى جِنَازَةٍ) أَيْ إذَا حَضَرَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَسَجْدَةَ تِلَاوَةٍ أَيْ إذَا تُلِيَتْ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَسَجْدَةَ تِلَاوَةٍ) مَنْصُوبٌ

ص: 370

وَسَهْوٍ) لَا شُكْرٍ قُنْيَةٌ (مَعَ شُرُوقٍ) إلَّا الْعَوَّامَ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ فِعْلِهَا؛ لِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا، وَالْأَدَاءُ الْجَائِزُ عِنْدَ الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ التَّرْكِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا (وَاسْتِوَاءٍ) إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي

ــ

[رد المحتار]

عَطْفًا عَلَى الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ الَّذِي هُوَ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ ح. وَالْأَحْسَنُ رَفْعُهُ عَطْفًا عَلَى صَلَاةِ نَائِبِ فَاعِلِ كُرِهَ لِيَكُونَ مُقَابِلًا لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَيْسَتْ صَلَاةً حَقِيقِيَّةً فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَسَهْوٍ) حَتَّى لَوْ سَهَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ فِي قَضَاءِ فَائِتَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ احْمَرَّتْ عَقِبَ السَّلَامِ سَقَطَ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ لِجَبْرِ النُّقْصَانِ الْمُتَمَكِّنِ فِي الصَّلَاةِ فَجَرَى مَجْرَى الْقَضَاءِ وَقَدْ وَجَبَ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى فِي نَاقِصٍ حِلْيَةٌ.

(قَوْلُهُ: لَا شُكْرٍ قُنْيَةٌ) هَذَا مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. وَالْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عَقِبَ قَوْلِهِ الْآتِي وَسَجْدَةَ تِلَاوَةٍ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْقُنْيَةِ يُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ شُكْرًا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ النَّفَلُ وَلَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ. اهـ. وَفِي النَّهْرِ أَنَّ سَجْدَةَ الشُّكْرِ لِنِعْمَةٍ سَابِقَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً وَهَذِهِ لَمْ تَجِبْ اهـ فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ النَّهْرِ مَعَ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ: أَيْ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ النَّافِلَةِ، ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ عَنْ الْمِعْرَاجِ: وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ عَقِبَ الصَّلَاةِ مِنْ السَّجْدَةِ فَمَكْرُوهٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ اهـ أَيْ وَكُلُّ جَائِزٍ أَدَّى إلَى اعْتِقَادِهِ ذَلِكَ كُرِهَ.

(قَوْلُهُ: مَعَ شُرُوقٍ) وَمَا دَامَتْ الْعَيْنُ لَا تَحَارُ فِيهَا فِي حُكْمِ الشُّرُوقِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُرُوبِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ ح. أَقُولُ: يَنْبَغِي تَصْحِيحُ مَا نَقَلُوهُ عَنْ الْأَصْلِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ مَا لَمْ تَرْتَفِعْ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ فَهِيَ فِي حُكْمِ الطُّلُوعِ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ مَشَوْا عَلَيْهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ حَيْثُ جَعَلُوا أَوَّلَ أَوْقَاتِهَا مِنْ الِارْتِفَاعِ وَلِذَا جَزَمَ بِهِ هُنَا فِي الْفَيْضِ وَنُورِ الْإِيضَاحِ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ فِعْلِهَا) أَفَادَ أَنَّ الْمُسْتَثْنَى الْمَنْعُ لَا الْحُكْمُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عِنْدَنَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ وَالضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ بِهَا صَلَاةُ الصُّبْحِ.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ كَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ هُنَا.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا) وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْمُصَفَّى إلَى الْإِمَامِ حَمِيدِ الدِّينِ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ وَإِلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ، وَعَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَى الْحَلْوَانِيِّ وَالنَّسَفِيِّ فَسَقَطَ مَا قِيلَ إنَّ صَاحِبَ الْقُنْيَةِ بَنَاهُ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ الْعَامِّيَّ لَهُ الْخِيَارُ مِنْ كُلِّ مَذْهَبٍ مَا يَهْوَاهُ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ، وَأَنَّ تَتَبُّعَ الرُّخَصِ فِسْقٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَاسْتِوَاءٍ) التَّعْبِيرُ بِهِ أَوْلَى مِنْ التَّعْبِيرِ بِوَقْتِ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الزَّوَالِ لَا تُكْرَهُ فِيهِ الصَّلَاةُ إجْمَاعًا بَحْرٌ عَنْ الْحِلْيَةِ: أَيْ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِهِ وَقْتُ الظُّهْرِ كَمَا مَرَّ. وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ: وَقَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ هُوَ عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ زَوَالَ الشَّمْسِ إنَّمَا هُوَ عَقِيبَ انْتِصَافِ النَّهَارِ بِلَا فَصْلٍ، وَفِي هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الزَّمَانِ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ فِيهِ، فَلَعَلَّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِحَيْثُ يَقَعُ جُزْءٌ مِنْهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، أَوْ الْمُرَادُ بِالنَّهَارِ هُوَ النَّهَارُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الصُّبْحِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ نِصْفُ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِزَمَانٍ يُعْتَدُّ بِهِ. اهـ. إسْمَاعِيلُ وَنُوحٌ وَحَمَوِيٌّ.

وَفِي الْقُنْيَةِ: وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الزَّوَالِ، فَقِيلَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ لِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ» ) قَالَ رُكْنُ الدِّينِ الصَّبَّاغِيُّ: وَمَا أَحْسَنَ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهِ يُعْتَمَدُ تَصَوُّرُهَا فِيهِ اهـ وَعَزَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْمُرَادَ انْتِصَافُ النَّهَارِ الْعُرْفِيِّ إلَى أَئِمَّةِ مَا رَوَاهُ النَّهْرُ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ انْتِصَافُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى إلَى الزَّوَالِ إلَى أَئِمَّةِ جُوَارِزْمَ.

(قَوْلُهُ: إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) لِمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ «نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ»

ص: 371

الْمُصَحَّحِ الْمُعْتَمَدِ، كَذَا فِي الْأَشْبَاهِ.

وَنَقَلَ الْحَلَبِيُّ عَنْ الْحَاوِي أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَغُرُوبٍ، إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ لِأَدَائِهِ كَمَا وَجَبَ

ــ

[رد المحتار]

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: فِي إسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ، وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ لَهُ شَوَاهِدَ ضَعِيفَةً إذَا ضُمَّتْ قَوِيَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: الْمُصَحَّحِ الْمُعْتَمَدِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمُتُونَ وَالشُّرُوحَ عَلَى خِلَافِهِ.

(قَوْلُهُ: وَنَقَلَ الْحَلَبِيُّ) أَيْ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرٍ حَاجٍّ عَنْ الْحَاوِي: أَيْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ كَمَا رَأَيْته فِيهِ، لَكِنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ انْتَصَرُوا لِقَوْلِ الْإِمَامِ. وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَوَافَقَهُ فِي الْحِلْيَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْإِمْدَادِ، عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فَيُقَدَّمُ بِصِحَّتِهِ، وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَكَوْنِهِ حَاظِرًا، وَلِذَا مَنَعَ عُلَمَاؤُنَا عَنْ سُنَّةِ الْوُضُوءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْحَاظِرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ.

[تَنْبِيهٌ] عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ الْمَنْعُ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فِي حَرَمِ مَكَّةَ اسْتِدْلَالًا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» ) فَهُوَ مُقَيَّدٌ عِنْدَنَا بِغَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ، لِمَا عَلِمْته مِنْ مَنْعِ عُلَمَائِنَا عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِيهَا وَإِنْ جَوَّزُوا نَفْسَ الطَّوَافِ فِيهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِهِ اللُّبَابَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَةَ عِنْدَنَا قَالَ فِي الضِّيَاءِ مَا نَصُّهُ: وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَمْنُوعٌ مِنْهَا بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا اهـ. وَرَأَيْت فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ: مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ إلَّا بِمَكَّةَ شَاذٌّ لَا يُقْبَلُ فِي مُعَارِضِهِ الْمَشْهُورِ، وَكَذَا رِوَايَةُ اسْتِثْنَاءِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ غَرِيبٌ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ الْمَشْهُورِ بِهِ اهـ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

(قَوْلُهُ: وَغُرُوبٍ) أَرَادَ بِهِ التَّغَيُّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ عِنْدَ احْمِرَارِ الشَّمْسِ إلَى أَنْ تَغِيبَ بَحْرٌ وَقُهُسْتَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ عَصْرَ أَمْسِهِ لَا يَجُوزُ وَقْتَ التَّغَيُّرِ لِثُبُوتِهِ فِي الذِّمَّةِ كَامِلًا، لِاسْتِنَادِ السَّبَبِيَّةِ فِيهِ إلَى جَمِيعِ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ إثْبَاتُ الْكَرَاهَةِ لِلشَّيْءِ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ، وَقِيلَ الْأَدَاءُ أَيْضًا مَكْرُوهٌ. اهـ. كَافِي النَّسَفِيِّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْكَرَاهَةِ فِي التَّأْخِيرِ فَقَطْ دُونَ الْأَدَاءِ أَوْ فِيهِمَا، فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ وَنَسَبَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالْإِيضَاحِ إلَى مَشَايِخِنَا، وَقِيلَ بِالثَّانِي وَعَلَيْهِ مَشَى فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالتُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ يَنْقُرُ أَرْبَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» اهـ حِلْيَةٌ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ مَاشٍ عَلَى الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، فَافْهَمْ، قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَيَسْتَوْفِي سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي التَّأْخِيرِ لَا فِي الْوَقْتِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَدَائِهِ كَمَا وَجَبَ) لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ الْأَدَاءُ، وَهُوَ هُنَا نَاقِصٌ فَقَدْ وَجَبَ نَاقِصًا فَيُؤَدَّى كَذَلِكَ. وَأَمَّا عَصْرُ أَمْسِهِ فَقَدْ وَجَبَ كَامِلًا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ جَمِيعُ الْوَقْتِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ الْأَدَاءُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ، لَكِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ لَا نُقْصَانَ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ نَفْسِهِ بَلْ فِي الْأَدَاءِ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِعَبَدَةِ الشَّمْسِ، وَلَمَّا كَانَ الْأَدَاءُ وَاجِبًا فِيهِ تَحَمَّلَ ذَلِكَ النُّقْصَانَ، أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَدِّ فِيهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا نَقْصَ فِي الْوَقْتِ أَصْلًا وَجَبَ الْكَامِلُ، وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فِي كَامِلٍ عَلَى مَنْ بَلَغَ وَأَسْلَمَ فِي نَاقِصٍ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ مَعْنَى نُقْصَانِ الْوَقْتِ نُقْصَانُ مَا اتَّصَلَ بِهِ فِعْلُ الْأَرْكَانِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ،

ص: 372

بِخِلَافِ الْفَجْرِ، وَالْأَحَادِيثُ تَعَارَضَتْ فَتَسَاقَطَتْ كَمَا بَسَطَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ.

(وَيَنْعَقِدُ نَفْلٌ بِشُرُوعٍ فِيهَا) بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ (لَا) يَنْعَقِدُ (الْفَرْضُ) وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهِ كَوَاجِبٍ

ــ

[رد المحتار]

فَالْوَقْتُ لَا نَقْصَ فِيهِ، بَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا النَّقْصُ فِي الْأَرْكَانِ فَلَا يَتَأَدَّى بِهَا مَا وَجَبَ كَامِلًا، وَهَذَا أَيْضًا مُؤَيِّدٌ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي التَّأْخِيرِ وَالْأَدَاءِ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا لِبَعْضِ الطَّلَبَةِ مَذْكُورٌ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ، وَأَوْضَحْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْفَجْرِ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُؤَدِّي فَجْرَ يَوْمِهِ وَقْتَ الطُّلُوعِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ كُلَّهُ كَامِلٌ فَوَجَبَتْ كَامِلَةً، فَتَبْطُلُ بِطُرُوِّ الطُّلُوعِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ فَسَادٍ.

قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنْ قِيلَ: رَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ» " أُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ لَمَّا وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ حُكْمُ التَّعَارُضِ، فَرَجَّحْنَا حُكْمَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحُكْمَ النَّهْيِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، كَذَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ. اهـ.

عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ الطَّحَاوِيَّ قَالَ: إنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِالنُّصُوصِ النَّاهِيَةِ، وَادَّعَى أَنَّ الْعَصْرَ يَبْطُلُ أَيْضًا كَالْفَجْرِ وَإِلَّا لَزِمَ الْعَمَلُ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَتَرْكُ بَعْضِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِنَا طَرَأَ نَاقِصٌ عَلَى كَامِلٍ فِي الْفَجْرِ، بِخِلَافِ عَصْرِ يَوْمِهِ مَعَ أَنَّ النَّقْصَ قَارَنَ الْعَصْرَ ابْتِدَاءً وَالْفَجْرَ بَقَاءً فَيَبْطُلُ فِيهِمَا. وَأَجَابَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْعَصْرِ حَتَّى يَجِبَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ أَوْ بَلَغَ فِيهِ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَلَا يَصِحُّ الْأَدَاءُ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ

(قَوْلُهُ: وَيَنْعَقِدُ نَفْلٌ إلَخْ) لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ وَكُرِهَ شَامِلًا لِلْمَكْرُوهِ حَقِيقَةً وَالْمَمْنُوعِ أَتَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيَانًا لِمَا أَجْمَلَهُ ط.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يُسَمَّى صَلَاةً وَلَوْ تَوَسُّعًا إمَّا فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ نَفْلٌ، وَالْأَوَّلُ عَمَلِيٌّ وَقَطْعِيٌّ، فَالْعَمَلِيُّ الْوِتْرُ، وَالْقَطْعِيُّ كِفَايَةٌ وَعَيْنٌ، فَالْكِفَايَةُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَالْعَيْنُ الْمَكْتُوبَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ وَالسَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ، وَالْوَاجِبُ إمَّا لِعَيْنِهِ، وَهُوَ مَا لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى فِعْلِ الْعَبْدِ، أَوْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ؛ فَالْأَوَّلُ الْوِتْرُ فَإِنَّهُ يُسَمَّى وَاجِبًا كَمَا يُسَمَّى فَرْضًا عَمَلِيًّا وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ، وَالثَّانِي سَجْدَتَا السَّهْوِ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ وَقَضَاءُ نَفْلٍ أَفْسَدَهُ وَالْمَنْذُورُ، وَالنَّفَلُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَغَيْرُ مُؤَكَّدَةٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْقَاتَ الْمَكْرُوهَةَ نَوْعَانِ:

الْأَوَّلُ الشُّرُوقُ وَالِاسْتِوَاءُ وَالْغُرُوبُ.

وَالثَّانِي مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ، وَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى الِاصْفِرَارِ، فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ لَا يَنْعَقِدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إذَا شَرَعَ بِهَا فِيهِ، وَتَبْطُلُ إنْ طَرَأَ عَلَيْهَا إلَّا صَلَاةَ جِنَازَةٍ حَضَرَتْ فِيهَا وَسَجْدَةٌ تُلِيَتْ آيَتُهَا فِيهَا وَعَصْرُ يَوْمِهِ وَالنَّفَلُ وَالنَّذْرُ الْمُقَيَّدُ بِهَا وَقَضَاءُ مَا شَرَعَ بِهِ فِيهَا ثُمَّ أَفْسَدَهُ، فَتَنْعَقِدُ هَذِهِ السِّتَّةُ بِلَا كَرَاهَةٍ أَصْلًا فِي الْأُولَى مِنْهَا، وَمَعَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ فِي الثَّانِيَةِ والتحريمية فِي الثَّالِثَةِ، وَكَذَا فِي الْبَوَاقِي، لَكِنْ مَعَ وُجُوبِ الْقَطْعِ وَالْقَضَاءِ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ:

وَالنَّوْعُ الثَّانِي يَنْعَقِدُ فِيهِ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، إلَّا النَّفَلَ وَالْوَاجِبَ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، فَيَجِبُ الْقَطْعُ وَالْقَضَاءُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ اهـ ح مَعَ بَعْضِ تَغْيِيرٍ.

(قَوْلُهُ: لَا يَنْعَقِدُ الْفَرْضُ) أَشَارَ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ حَيْثُ قَالَ: لَوْ شَرَعَ فِي فَرِيضَةٍ عِنْدَ الطُّلُوعِ أَوْ الْغُرُوبِ سِوَى عَصْرِ يَوْمِهِ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ، فَلَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِالْقَهْقَهَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: كَوَاجِبٍ) عِبَارَةُ الْقُهُسْتَانِيِّ: كَالْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْفَائِتَةِ، فَقُيِّدَ بِالْفَائِتَةِ احْتِرَازًا عَمَّا وَجَبَ فِيهَا كَالتِّلَاوَةِ وَالْجِنَازَةِ. بَقِيَ لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يَكُونُ

ص: 373

لِعَيْنِهِ كَوِتْرٍ (وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ، وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ تُلِيَتْ) الْآيَةُ (فِي كَامِلٍ وَحَضَرَتْ) الْجِنَازَةُ (قَبْلُ) لِوُجُوبِهِ كَامِلًا فَلَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا، فَلَوْ وَجَبَتَا فِيهَا لَمْ يُكْرَهْ فِعْلُهُمَا: أَيْ تَحْرِيمًا. وَفِي التُّحْفَةِ: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ الْجِنَازَةُ.

(وَصَحَّ) مَعَ الْكَرَاهَةِ (تَطَوُّعٌ بَدَأَ بِهِ فِيهَا وَنَذَرَ أَدَاءَ فِيهَا) وَقَدْ نَذَرَهُ فِيهَا (وَقَضَاءُ تَطَوُّعٍ بَدَأَ بِهِ فِيهَا فَأَفْسَدَهُ لِوُجُوبِهِ نَاقِصًا) ثُمَّ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَالْقَضَاءِ فِي كَامِلٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ عَنْ الْبُغْيَةِ: الصَّلَاةُ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَكَأَنَّهُ لِأَنَّهَا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، فَالْأَوْلَى تَرْكُ مَا كَانَ رُكْنًا لَهَا. .

(وَكُرِهَ نَفْلٌ) قَصْدًا

ــ

[رد المحتار]

دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ نَفْلًا أَمْ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا؟ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَسَيُصَرَّحُ بِهِ فِي بَابِهَا؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ فَقَبْلَ وَقْتِهَا لَمْ تَجِبْ فَتَكُونُ نَفْلًا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لِعَيْنِهِ) هَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ لِغَيْرِهِ يَنْعَقِدُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَالْقُهُسْتَانِيِّ وَالنَّهْرِ خِلَافًا لِمَا فِي نُورِ الْإِيضَاحِ، أَفَادَهُ ح.

(قَوْلُهُ: وَسَجْدَةِ تِلَاوَةٍ إلَخْ) مَعْطُوفٌ عَلَى وِتْرٍ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَأَصْلُهُ الرَّفْعُ فِي عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَطْفًا عَلَى الْفَرْضِ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْخَزَائِنِ: وَسُجُودُ السَّهْوِ كَالتِّلَاوَةِ، فَيَتْرُكُهُ لَوْ دَخَلَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ اهـ وَقَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ) فِيهِ أَنَّهَا تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. اهـ. ح.

قُلْت: لَكِنْ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ح فِي الضَّابِطِ وَلِلتَّعْلِيلِ الْآتِي وَهُوَ ظَاهِرُ الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَالزَّيْلَعِيِّ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْوَافِي وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ وَجَبَتَا فِيهَا) أَيْ بِأَنْ تُلِيَتْ الْآيَةُ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ أَوْ حَضَرَتْ فِيهَا الْجِنَازَةُ.

(قَوْلُهُ: أَوْ تَحْرِيمًا) أَفَادَ ثُبُوتَ الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي التُّحْفَةِ إلَخْ) هُوَ كَالِاسْتِدْرَاكِ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ أَيْ تَحْرِيمًا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْأَفْضَلُ عَدَمَ التَّأْخِيرِ فِي الْجِنَازَةِ فَلَا كَرَاهَةَ أَصْلًا، وَمَا فِي التُّحْفَةِ أَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْفَتْحِ وَالْمِعْرَاجِ حَضَرَتْ " وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ تَّعْجِيلَ فِيهَا مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا إلَّا لِمَانِعٍ، وَحُضُورُهَا فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ، بِخِلَافِ حُضُورِهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَبِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا مُطْلَقًا اهـ أَيْ بَلْ يُسْتَحَبُّ فِي وَقْتٍ مُبَاحٍ فَقَطْ فَثَبَتَتْ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ دُونَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

(قَوْلُهُ: وَصَحَّ تَطَوُّعٌ بَدَأَ بِهِ فِيهَا) تَكْرَارٌ مَحْضٌ مَعَ قَوْلِهِ وَيَنْعَقِدُ نَفْلٌ بِشُرُوعٍ. اهـ. ح. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ أَدَاؤُهُ فِيهَا وَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَمَا مَرَّ بَيَانٌ لِأَصْلِ الِانْعِقَادِ وَصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهِ بِحَيْثُ لَوْ قَهْقَهَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِخِلَافِ الْفَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ نَذَرَهُ فِيهَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ نَذَرَ إيقَاعَهُ فِيهَا: أَيْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ: أَيْ فِي أَحَدِهَا، أَمَّا لَوْ نَذَرَهُ مُطْلَقًا فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهُ فِيهَا.

(قَوْلُهُ: لِوُجُوبِهِ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ.

(قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْبَحْرِ) وَقَالَ أَيْضًا: وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي غَيْرِهِ ضَعِيفٌ.

(قَوْلُهُ: عَنْ الْبُغْيَةِ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا: الشَّيْءُ الْمُبْتَغَى: أَيْ الْمَطْلُوبُ، وَهُوَ هُنَا عِلْمُ كِتَابٍ هُوَ مُخْتَصَرُ الْقُنْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ح.

(قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَكَالصَّلَاةِ الدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ كَمَا هُوَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبُغْيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَكَأَنَّهُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: فَالْأَوْلَى) أَيْ فَالْأَفْضَلُ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْبُغْيَةِ فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ أَصْلًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفَاضِلِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ نَفْلٌ إلَخْ) شُرُوعٌ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ نَوْعَيْ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَفِيمَا يُكْرَهُ فِيهَا، وَالْكَرَاهَةُ هُنَا تَحْرِيمِيَّةٌ أَيْضًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَلِذَا عُبِّرَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَالْمُرَادُ عَدَمُ الْحِلِّ لَا عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ: قَصْدًا) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ صَلَّى تَطَوُّعًا فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ إتْمَامُهَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا عَنْ قَصْدٍ

ص: 374

وَلَوْ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ (وَكُلُّ مَا كَانَ وَاجِبًا) لَا لِعَيْنِهِ بَلْ (لِغَيْرِهِ) وَهُوَ مَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى فِعْلِهِ (كَمَنْذُورٍ، وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ) وَسَجْدَتَيْ سَهْوٍ (وَاَلَّذِي شَرَعَ فِيهِ) فِي وَقْتٍ مُسْتَحَبٍّ أَوْ مَكْرُوهٍ (ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَ) لَوْ سُنَّةَ الْفَجْرِ (بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرٍ وَ) صَلَاةِ (عَصْرٍ) وَلَوْ الْمَجْمُوعَةُ بِعَرَفَةَ (لَا) يُكْرَهُ (قَضَاءُ فَائِتَةٍ وَ) لَوْ وِتْرًا أَوْ (سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ وَكَذَا) الْحُكْمُ مِنْ كَرَاهَةِ نَفْلٍ وَوَاجِبٍ لِغَيْرِهِ لَا فَرْضٍ وَوَاجِبٍ لِعَيْنِهِ (بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرٍ سِوَى سُنَّتِهِ) لِشَغْلِ الْوَقْتِ بِهِ

ــ

[رد المحتار]

وَلَا يَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى الْأَصَحِّ (لِقَوْلِهِ وَلَوْ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا لَهُ سَبَبٌ أَوْ لَا كَمَا فِي الْبَحْرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا لَهُ سَبَبٌ كَالرَّوَاتِبِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ط.

(قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَا كَانَ وَاجِبًا إلَخْ) أَيْ مَا كَانَ مُلْحَقًا بِالنَّفْلِ، بِأَنْ ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ بَعْدَ مَا كَانَ نَفْلًا.

(قَوْلُهُ: عَلَى فِعْلِهِ) أَيْ فِعْلِ الْعَبْدِ، وَالْأَوْلَى إظْهَارُهُ مَثَلًا الْمَنْذُورُ يُوقَفُ عَلَى النَّذْرِ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ عَلَى الطَّوَافِ وَسَجْدَتَا السَّهْوِ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِهَتِهِ. اهـ. ط.

وَيَرِدُ عَلَيْهِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى التِّلَاوَةِ. وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ وُجُوبَهُ فِي التَّحْقِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِالسَّمَاعِ لَا بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا بِالتِّلَاوَةِ وَذَلِكَ لَيْسَ فِعْلًا مِنْ الْمُكَلَّفِ بَلْ وَصْفٌ خُلُقِيٌّ فِيهِ، بِخِلَافِ النَّذْرِ وَالطَّوَافِ وَالشُّرُوعِ فَإِنَّهَا فِعْلُهُ وَلَوْلَاهُ لَكَانَتْ الصَّلَاةُ نَفْلًا. اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ التَّالِي التِّلَاوَةُ دُونَ السَّمَاعِ وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى الْأَصَمِّ بِتِلَاوَتِهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْبَحْرِ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ أَصْلُهُ نَفْلًا؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالسَّجْدَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَكَانَتْ وَاجِبَةً بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِالْتِزَامِ الْعَبْدِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَرَكْعَتَيْ طَوَافٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ مُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ " أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلَمْ يُصَلِّ، فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَلَاةٍ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنْ صَلَاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ» " ثُمَّ رَأَيْته مُصَرِّحًا بِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَشَرْحِ اللُّبَابِ.

(قَوْلُهُ: وَسَجْدَتَيْ سَهْوٍ) أَقُولُ: تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْمُجْتَبَى، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَاهُ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ أَوْ مُقَيَّدٌ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِكَرَاهَةِ سُجُودِ السَّهْوِ فِيمَا لَوْ صَلَّى الْفَجْرَ أَوْ الْعَصْرَ وَسَهَا فِيهِمَا، وَكَذَا لَوْ قَضَى بَعْدَهُمَا فَائِتَةً وَسَهَا فِيهَا فَإِنَّهُ إذَا حَلَّ لَهُ أَدَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ كَيْفَ لَا يَحِلُّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ الْوَاجِبِ فِيهَا؟ وَلَعَلَّهُ اشْتَبَهَ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْأَوْقَاتِ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ ذِكْرَ سُجُودِ السَّهْوِ نَحْوَ النَّوْعِ الْأَوَّلِ صَحِيحٌ وَقَدْ مَرَّ، بِخِلَافِ ذِكْرِهِ هُنَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مُقَيَّدٌ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ وَهِيَ الَّتِي تُكْرَهُ فِي هَذَا النَّوْعِ كَالنَّفْلِ وَالْوَاجِبِ لِغَيْرِهِ، فَكَمَا يُكْرَهُ فِعْلُهَا يُكْرَهُ سُجُودُ السَّهْوِ فِيهَا، ثُمَّ رَأَيْت الرَّحْمَتِيَّ جَزَمَ بِأَنَّ ذَلِكَ سَهْوٌ، فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ سُنَّةَ الْفَجْرِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الَّذِي شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ سُنَّةَ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا قِيلَ مِنْ الْحِيَلِ مَرْدُودٌ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرٍ وَعَصْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَكُرِهَ أَيْ وَكُرِهَ نَفْلٌ إلَخْ بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرٍ وَعَصْرٍ: أَيْ إلَى مَا قُبَيْلَ الطُّلُوعِ وَالتَّغَيُّرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ السَّابِقِ لَا يَنْعَقِدُ الْفَرْضُ إلَخْ، وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُنَا: الْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ قَبْلَ تَغَيُّرِ الشَّمْسِ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْقَضَاءُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ لِمَجْمُوعَةٍ بِعَرَفَةَ) عَزَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ إلَى الْمُجْتَبَى. وَفِي الْقُنْيَةِ إلَى مَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ وَظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ بَحْثًا، وَقَالَ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وِتْرًا) لِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِ وَاجِبٌ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ، وَهُوَ مَعْنَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا سُنَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا مِنْ السُّنَنِ وَلِذَا قَالَا لَا تَصِحُّ مِنْ قَعُودٍ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: الْوِتْرُ يُقْضَى بَعْدَ الْفَجْرِ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ سَائِرِ السُّنَنِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَجْدَةِ تِلَاوَةٍ) لِوُجُوبِهَا بِإِيجَابِهِ تَعَالَى لَا بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَمَا عَلِمْته فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى النَّفْلِ.

(قَوْلُهُ: لِشَغْلِ الْوَقْتِ بِهِ) أَيْ بِالْفَجْرِ أَيْ بِصَلَاتِهِ، فَفِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامٌ ط أَيْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَجْرِ الزَّمَنُ لَا الصَّلَاةُ،

ص: 375

تَقْدِيرًا، حَتَّى لَوْ نَوَى تَطَوُّعًا كَانَ سُنَّةَ الْفَجْرِ بِلَا تَعْيِينٍ (وَقَبْلَ) صَلَاةِ (مَغْرِبٍ) لِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِهِ إلَّا يَسِيرًا (وَعِنْدَ خُرُوجِ إمَامٍ)

ــ

[رد المحتار]

ثُمَّ هَذَا عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ وَكُرِهَ. وَفِيهِ جَوَابٌ عَمَّا أُورِدَ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ يَعُمُّ النَّفَلَ وَغَيْرَهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ النَّهْيَ هُنَا لَا لِنُقْصَانٍ فِي الْوَقْتِ بَلْ لِيَصِيرَ الْوَقْتُ كَالْمَشْغُولِ بِالْفَرْضِ فَلَمْ يَجُزْ النَّفَلُ، وَلَا مَا أُلْحِقَ بِهِ مِمَّا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِعَارِضٍ بَعْدَ مَا كَانَ نَفْلًا دُونَ الْفَرَائِضِ. وَمَا فِي مَعْنَاهَا، بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَنْسُوبًا لِلشَّيْطَانِ فَيُؤَثِّرُ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَتَمَامُهُ فِي شُرُوعِ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ نَوَى إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْلِيلِ: أَيْ وَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ كَوْنَ الْوَقْتِ مَشْغُولًا بِالْفَرْضِ تَقْدِيرًا وَسُنَّتُهُ تَابِعَةٌ لَهُ، فَإِذَا تَطَوَّعَ انْصَرَفَ تَطَوُّعُهُ إلَى سُنَّتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آتِيًا بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بِلَا تَعْيِينٍ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ، وَأَنَّهَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ، فَلَوْ تَهَجَّدَ بِرَكْعَتَيْنِ يَظُنُّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُمَا بَعْدَ الْفَجْرِ كَانَتَا عَنْ السُّنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِلْكَرَاهَةِ أَشْبَاهٌ.

(قَوْلُهُ: وَقَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ، لَمَّا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُفِيدُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأَصْحَابِهِ عَقِبَ الْغُرُوبِ» ، «وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَا رَأَيْت أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيهِمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَنْهُ وَالْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ أَنَّهُ سَأَلَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، قَالَ: فَنَهَى عَنْهَا، وَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ بَعْدَهُمْ، فَهَذَا يُعَارِضُ مَا رُوِيَ مِنْ فِعْلِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ أَمَرَهُ صلى الله عليه وسلم بِصَلَاتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلُ ضَعْفِهِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُشْتَهِرًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ لَمَا خَفِيَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ، أَوْ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِتَعْجِيلِ الْمَغْرِبِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحَيْ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا.

(قَوْلُهُ: لِكَرَاهَةِ تَأْخِيرِهِ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهَا أَيْ الصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ إلَّا يَسِيرًا أَفَادَ أَنَّهُ مَا دُونَ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ بِقَدْرِ جَلْسَةٍ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الزَّائِدَ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا مَا لَمْ تَشْتَبِكْ النُّجُومُ، وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ وَأَقَرَّهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ إذًا تَجُوزُ فِيهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْيَسِيرِ فَيُبَاحُ فِعْلُهُمَا، وَقَدْ أَطَالَ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ.

[تَنْبِيهٌ] يَجُوزُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَيَبْدَأُ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ بِالْجِنَازَةِ ثُمَّ بِالسُّنَّةِ، وَلَعَلَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِيَّةِ. وَفِي الْحِلْيَةِ: الْفَتْوَى عَلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَنْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ، فَعَلَى هَذَا تُؤَخَّرُ عَنْ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا آكَدُ. اهـ. بَحْرٌ. وَصَرَّحَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِكَرَاهَةِ الْمَنْذُورَةِ وَقَضَاءِ مَا أَفْسَدَهُ وَالْفَائِتَةِ لِغَيْرِ صَاحِبِ تَرْتِيبٍ، وَهُوَ تَقْيِيدٌ حَسَنٌ وَبَقِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَتُكْرَهُ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَقِيلَ صَلَاةُ مَغْرِبٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرٍ، فَيُكْرَهُ فِي الثَّانِي جَمِيعُ مَا يُكْرَهُ فِي الْأَوَّلِ، نَعَمْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ قَبْلَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ كَالْجِنَازَةِ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ خُرُوجِ إمَامٍ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «إذَا قُلْت لِصَاحِبِك أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْت» " فَإِذَا نُهِيَ عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ فَرْضٌ فَمَا ظَنُّك بِالنَّفْلِ؟ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ، فَمَا رُوِيَ مِمَّا

ص: 376

مِنْ الْحُجْرَةِ أَوْ قِيَامِهِ لِلصُّعُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجْرَةٌ (لِخُطْبَةٍ) مَا وَسَيَجِيءُ أَنَّهَا عَشْرٌ (إلَى تَمَامِ صَلَاتِهِ) بِخِلَافِ فَائِتَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ، وَقَيَّدَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْجُمُعَةِ بِوَاجِبَةِ التَّرْتِيبِ وَإِلَّا فَيُكْرَهُ، وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ النِّهَايَةِ وَالصَّدْرِ

(وَكَذَا يُكْرَهُ تَطَوُّعٌ عِنْدَ إقَامَةِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ) أَيْ إقَامَةِ إمَامِ مَذْهَبِهِ

ــ

[رد المحتار]

يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ كَانَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ فَلَا يُعَارِضُ أَدِلَّةَ الْمَنْعِ، وَتَمَامُ الْأَدِلَّةِ فِي شَرْحَيْ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ فَيُكْرَهُ فِيهِ مَا يُكْرَهُ فِيهِ كَمَا بَيَّنَّا.

(قَوْلُهُ: لِخُطْبَةٍ مَا) أَتَى بِمَا لِتَعْمِيمِ الْخُطْبَةِ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا، سَوَاءٌ أَمْسَكَ الْخَطِيبُ عَنْهَا أَمْ لَا بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَسَيَجِيءُ أَنَّهَا عَشْرٌ) أَيْ فِي بَابِ الْعِيدَيْنِ، وَهِيَ: خُطْبَةُ جُمُعَةٍ وَفِطْرٍ وَأَضْحَى، وَثَلَاثُ خُطَبِ الْحَجِّ، وَخَتْمٌ وَنِكَاحٌ، وَاسْتِسْقَاءٌ وَكُسُوفٌ، وَالْمُرَادُ تَعْدَادُ الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِلَّا فَخُطْبَةُ الْكُسُوفِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَالظَّاهِرُ عَدَمُ كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ فِيهَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا عِنْدَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ مَذْهَبُ الصَّاحِبَيْنِ، فَيُقَالُ فِيهَا كَذَلِكَ. وَقَدْ يُجَابُ بِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ نَقَلَ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ بِمَشْرُوعِيَّةِ خُطْبَةِ الْكُسُوفِ، وَلَعَلَّ مَنْ ذَكَرَهَا كَالْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا جَنَحَ إلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، فَصَحَّ كَوْنُهَا عَشْرًا عِنْدَنَا. وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ: خُرُوجِ إمَامٍ مِنْ الْحُجْرَةِ وَقِيَامِهِ لِلصَّلَاةِ قَيْدٌ فِيمَا يُنَاسِبُهُ مِنْهَا وَهُوَ مَا عَدَا خُطْبَةَ النِّكَاحِ وَخُطْبَةَ خَتْمِ الْقُرْآنِ فَافْهَمْ. وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ فِي الْجَمِيعِ تَفْوِيتُ الِاسْتِمَاعِ الْوَاجِبِ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى.

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدَهَا) أَيْ قَيَّدَ الْفَائِتَةَ الَّتِي لَا تُكْرَهُ حَالَ الْخُطْبَةِ ط.

(قَوْلُهُ: بَيْنَ كَلَامَيْ النِّهَايَةِ وَالصَّدْرِ) فَإِنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ يَقُولُ تُكْرَهُ الْفَائِتَةُ، وَصَاحِبَ النِّهَايَةِ يَقُولُ لَا تُكْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ ح

(قَوْلُهُ: عِنْدَ إقَامَةِ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ) أَطْلَقَهَا مَعَ أَنَّهُ قَيَّدَهَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرَّاحِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَتَبِعَهُمْ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَالَ: وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَلَا يُكْرَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَخْذِ بِالْإِقَامَةِ مَا لَمْ يَشْرَعْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَيَعْلَمْ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَكَانَ غَيْرَ مُخَالِطٍ لِلصَّفِّ بِلَا حَائِلٍ: وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْجُمُعَةِ لِكَثْرَةِ الِاجْتِمَاعِ لَا يُمْكِنُ غَالِبًا بِلَا مُخَالَطَةٍ لِلصَّفِّ اهـ مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ. مَطْلَبٌ فِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ.

(قَوْلُهُ: أَيْ إقَامَةِ إمَامِ مَذْهَبِهِ) قَالَ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ: نَصَّ عَلَى هَذَا مَوْلَانَا مُنْلَا عَلِيٌّ شَيْخُ الْقُرَّاءِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ اهـ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وَسَيُذْكَرُ فِي الْأَذَانِ، وَكَذَا فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مَا يُخَالِفُهُ. وَقَدْ أَلَّفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ رَسَائِلَ فِي كَرَاهَةِ مَا يُفْعَلُ فِي الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ تَعْدَادِ الْأَئِمَّةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ أَوَّلِ إمَامٍ أَفْضَلُ، وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْمَنْسَكِ الْمَشْهُورِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ رحمه الله السِّنْدِيُّ تِلْمِيذُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ. فَقَدْ نَقَلَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا سَنَةَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ الشَّرِيفُ الْغَزْنَوِيُّ، وَأَنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ أَفْتَى بِمَنْعِ ذَلِكَ عَلَى الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ إنْكَارُ ذَلِكَ أَيْضًا اهـ لَكِنْ أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْبِيرِيُّ شَارِحُ الْأَشْبَاهِ رِسَالَةً سَمَّاهَا الْأَقْوَالُ الْمَرْضِيَّةُ أَثْبَتَ فِيهَا الْجَوَازَ وَكَرَاهَةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ رَاعَى مَوَاضِعَ الْخِلَافِ لَا يَتْرُكُ مَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِ مَكْرُوهَ مَذْهَبِهِ: كَالْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ، وَالتَّأْمِينِ، وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى، وَرُؤْيَتِهِ السَّلَامَ الثَّانِيَ سُنَّةً، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الْإِعَادَةُ عِنْدَنَا أَوْ تُسْتَحَبُّ، وَكَذَا أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيُّ الْقَارِي رِسَالَةً سَمَّاهَا الِاهْتِدَاءُ فِي الِاقْتِدَاءِ أَثْبَتَ فِيهَا الْجَوَازَ، لَكِنْ

ص: 377

لِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ» (إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ جَمَاعَتِهَا) وَلَوْ بِإِدْرَاكِ تَشَهُّدِهَا، فَإِنْ خَافَ تَرَكَهَا أَصْلًا، وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِيَلِ مَرْدُودٌ، وَكَذَا يُكْرَهُ غَيْرُ الْمَكْتُوبَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ (وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مُطْلَقًا، وَبَعْدَهَا بِمَسْجِدٍ لَا بِبَيْتٍ) فِي الْأَصَحِّ (وَبَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) وَكَذَا بَعْدَهُمَا كَمَا مَرَّ (وَعِنْدَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ الرِّيحِ (وَوَقْتَ حُضُورِ طَعَامٍ تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ، وَ) كَذَا كُلُّ (مَا يَشْغَلُ بَالَهُ

ــ

[رد المحتار]

نَفَى فِيهَا كَرَاهَةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ إذَا رَاعَى فِي الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ فَقَطْ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْإِمَامَةِ.

(قَوْلُهُ: لِحَدِيثِ إلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. قَالَ ط: وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِهِ الْفَائِتَةُ وَاجِبَةُ التَّرْتِيبِ فَإِنَّهَا تُصَلَّى مَعَ الْإِقَامَةِ.

(قَوْلُهُ: إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ) لِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي الْمَسْجِدِ إلَى أُسْطُوَانَةٍ وَذَلِكَ بِمَحْضَرِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى، وَمِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ كَمَا أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ، وَمِثْلُهُ عَنْ الْحَسَنِ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِإِدْرَاكِ تَشَهُّدِهَا) مَشَى فِي هَذَا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشُّرُنْبُلالي تَبَعًا لِلْبَحْرِ، لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي النَّهْرِ، وَاخْتَارَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي السُّنَّةَ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ رَكْعَةً وَسَيَأْتِي فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ ح. قُلْت: وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ تَقْوِيَةَ مَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: تَرَكَهَا أَصْلًا) أَيْ لَا يَقْضِيهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ وَلَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى إلَّا مَعَ الْفَرْضِ إذَا فَاتَ، وَقَضَى قَبْلَ زَوَالِ يَوْمِهَا ح.

(قَوْلُهُ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْحِيَلِ) وَهِيَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا فَيَقْطَعَهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ أَوْ يَشْرَعَ فِيهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِهَا ثُمَّ يَقْضِيَهَا قَبْلَ الطُّلُوعِ.

وَرَدَّهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالشُّرُوعِ لِلْقَطْعِ قَبِيحٌ شَرْعًا وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَطْعٌ.

وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ فِعْلَ الْوَاجِبِ لِغَيْرِهِ فِي وَقْتِ الْفَجْرِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَدَّمَ ح.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا يُكْرَهُ غَيْرُ الْمَكْتُوبَةِ) أَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْمَكْتُوبَةِ الْوَقْتِيَّةِ، فَشَمِلَتْ الْكَرَاهَةُ النَّفَلَ وَالْوَاجِبَ وَالْفَائِتَةَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْتِيَّةِ تَرْتِيبٌ، وَكَذَلِكَ أَلْ فِي الْوَقْتِ لِلْعَهْدِ: أَيْ الْوَقْتِ الْمَعْهُودِ الْكَامِلِ وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ، لِمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَلَوْ قَالَ وَكَذَا يُكْرَهُ غَيْرُ الْوَقْتِيَّةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ لَكَانَ أَوْلَى، أَفَادَهُ ح.

[تَنْبِيهٌ] رَأَيْت بِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ: وَلَوْ تَنَفَّلَ ظَانًّا سَعَةَ الْوَقْتِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ إنْ أَتَمَّ شَفْعًا يُفَوِّتُ الْفَرْضَ لَا يَقْطَعُ كَمَا لَوْ تَنَفَّلَ ثُمَّ خَرَجَ الْخَطِيبُ، كَذَا فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ اهـ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْبَيْتِ بِقَرِينَةِ التَّفْصِيلِ فِي مُقَابِلِهِ ح.

(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا يُكْرَهُ فِي الْبَيْتِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَعَلَى مَنْ يَقُولُ لَا يُكْرَهُ بَعْدَهَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي الْبَيْتِ ح.

(قَوْلُهُ: وَبَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ) أَيْ جَمْعِ الْعَصْرِ مَعَ الظُّهْرِ تَقْدِيمًا فِي عَرَفَةَ، وَجَمْعِ الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ تَأْخِيرًا فِي مُزْدَلِفَةَ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا بَعْدَهُمَا) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعٌ إلَى صَلَاتَيْ الْجَمْعِ الْكَائِنِ بِعَرَفَةَ فَقَطْ لَا بِمُزْدَلِفَةَ أَيْضًا وَإِنْ أَوْهَمَهُ كَلَامُهُ لِعَدَمِ كَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ: أَيْ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ وَلَوْ الْمَجْمُوعَةُ بِعَرَفَةَ، فَلَوْ قُدِّمَ قَوْلُهُ وَكَذَا بَعْدَهُمَا كَمَا مَرَّ عَلَى قَوْلِهِ وَمُزْدَلِفَةَ لَسَلِمَ مِنْ الْإِيهَامِ، وَلَوْ أُسْقِطَ أَصْلًا لَسَلِمَ مِنْ التَّكْرَارِ ح. وَذَكَرَ الرَّحْمَتِيُّ مَا يُفِيدُ ثُبُوتَ الْخِلَافِ عِنْدَنَا فِي كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ، لَكِنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ بَعْدَهُمَا وَقَالَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مَوْلَانَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْجَامِيُّ فِي مَنْسَكِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: تَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ) أَيْ اشْتَاقَتْ ح عَنْ الْقَامُوسِ، وَأَفْهَمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَشْتَقْ إلَيْهِ لَا كَرَاهَةَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ط.

(قَوْلُهُ: وَمَا يَشْغَلُ بَالَهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. وَالْبَالُ: الْقَلْبُ، وَهَذَا مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ

ص: 378

عَنْ أَفْعَالِهَا وَيُخِلُّ بِخُشُوعِهَا) كَائِنًا مَا كَانَ. فَهَذِهِ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا، وَكَذَا تُكْرَهُ فِي أَمَاكِنَ كَفَوْقِ كَعْبَةٍ وَفِي طَرِيقٍ وَمَزْبَلَةٍ وَمَجْزَرَةٍ

ــ

[رد المحتار]

لِشُمُولِهِ لِلْمُدَافَعَةِ وَحُضُورِ الطَّعَامِ، وَإِنَّمَا نُصَّ عَلَيْهِمَا لِوُقُوعِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِمَا بِخُصُوصِهِمَا فِي الْأَحَادِيثِ، أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَيُخِلُّ بِخُشُوعِهِمَا) عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ فَافْهَمْ. قَالَ ط: وَمَحَلُّ الْخُشُوعِ الْقَلْبُ، وَهُوَ فَرْضٌ عِنْدَ أَهْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَحْضَرَ فِيهَا، فَتَارَةً يَكُونُ لَهُ عُشْرُهَا أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ. مَطْلَبٌ فِي إعْرَابِ كَائِنًا مَا كَانَ.

(قَوْلُهُ: كَائِنًا مَا كَانَ) فِي هَذَا التَّرْكِيبِ أَعَارِيبُ ذَكَرْتُهَا فِي رِسَالَتِي الْمُسَمَّاةِ بِالْفَوَائِدِ الْعَجِيبَةِ فِي إعْرَابِ الْكَلِمَاتِ الْغَرِيبَةِ أَظْهَرُهَا أَنَّ كَائِنًا مَصْدَرُ النَّاقِصَةِ حَالٌ وَفِيهِ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّاغِلِ هُوَ اسْمُهَا وَمَا خَبَرُهَا وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ بِكَانَ التَّامَّةِ: أَيْ حَالَ كَوْنِ الشَّاغِلِ شَيْئًا مُتَّصِفًا بِصِفَةِ الْوُجُودِ، وَالْمَعْنَى تَعْلِيقُ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَيِّ شَاغِلٍ وُجِدَ، لَا بِقَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى قَيْدِ الْوُجُودِ.

(قَوْلُهُ: فَهَذِهِ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ وَقْتًا) النَّيِّفُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً وَقَدْ تُخَفَّفُ وَفِي آخِرِهِ فَاءٌ: مَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَالْمُرَادُ هُنَا ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ عَلَى مَا يَظْهَرُ، وَهِيَ: الشُّرُوقُ، الِاسْتِوَاءُ، الْغُرُوبُ، بَعْدَ صَلَاةِ فَجْرٍ أَوْ عَصْرٍ، قَبْلَ صَلَاةِ فَجْرٍ أَوْ مَغْرِبٍ، عِنْدَ الْخُطَبِ الْعَشَرَةِ، عِنْدَ إقَامَةِ مَكْتُوبَةٍ وَضِيقِ وَقْتِهَا، قَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ فِطْرٍ وَبَعْدَهَا فِي مَسْجِدٍ، وَقَبْلَ صَلَاةِ عِيدِ أَضْحَى، وَبَعْدَهَا فِي مَسْجِدٍ بَيْنَ صَلَاتَيْ جَمْعِ عَرَفَةَ وَبَعْدَهُمَا بَيْنَ جَمْعِ مُزْدَلِفَةَ، عِنْدَ مُدَافَعَةِ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ رِيحٍ، عِنْدَ طَعَامٍ يَتُوقُهُ، عِنْدَ كُلِّ مَا يَشْغَلُ الْبَالَ وَمَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَدَاءِ الْعِشَاءِ لَا غَيْرُ، عِنْدَ اشْتِبَاكِ نُجُومٍ لِأَدَاءِ الْمَغْرِبِ فَقَطْ

وَاعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ النَّهْيَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لِمَعْنًى فِي الْوَقْتِ، وَلِهَذَا أَثَرٌ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَفِي الْبَوَاقِي لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ، وَلِهَذَا أَثَرٌ فِي النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ كَوْنَ النَّهْيِ فِي الْبَوَاقِي مُؤَثِّرًا فِي النَّوَافِلِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِخُصُوصِ صَلَاةِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْأَخِيرَيْنِ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ فِيهِمَا الصَّلَاةُ الْوَقْتِيَّةُ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهَا، فَإِنَّ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إلَى مَا بَعْدَ النِّصْفِ تَقْلِيلَ الْجَمَاعَةِ، وَفِي تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ إلَى الِاشْتِبَاكِ تَشَبُّهًا بِالْيَهُودِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَذَلِكَ خَاصٌّ بِهِمَا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ كَوْنُ الْكَرَاهَةِ فِي كُلٍّ مِنْ التَّأْخِيرِ وَالْأَدَاءِ لَا فِي التَّأْخِيرِ فَقَطْ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا تُكْرَهُ إلَخْ) لَمَّا ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ فِي الزَّمَانِ اسْتَطْرَدَ ذِكْرَ الْكَرَاهَةِ فِي الْمَكَانِ، وَإِلَّا فَمَحَلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهَاتُ الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ: كَفَوْقِ كَعْبَةٍ إلَخْ) أَيْ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ تَعْظِيمِهَا الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقَوْلُهُ وَفِي طَرِيقٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ النَّاسِ مِنْ الْمُرُورِ وَشَغْلَهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ الْعَامَّةِ لِلْمُرُورِ، وَلِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ: وَفِي الْمَزْبَلَةِ، وَالْمَجْزَرَةِ، وَالْمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْحَمَّامِ،

ص: 379

وَمَقْبَرَةٍ وَمُغْتَسَلٍ وَحَمَّامٍ وَبَطْنِ وَادٍ وَمَعَاطِنِ إبِلٍ وَغَنَمٍ

ــ

[رد المحتار]

وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ» " اهـ. وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ: مَبَارِكُهَا جَمْعُ مَعْطِنٍ: اسْمُ مَكَان وَالْمَزْبَلَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا: مَلْقَى الزِّبْلِ وَالْمَجْزَرَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَعَ فَتْحِ الزَّايِ وَضَمِّهَا أَيْضًا: مَوْضِعُ الْجِزَارَةِ أَيْ فِعْلِ الْجَزَّارِ أَيْ الْقَصَّابِ إمْدَادٌ.

(قَوْلُهُ: وَمَقْبَرَةٍ) مُثَلَّثُ الْبَاءِ ح. وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّتِهِ، فَقِيلَ لِأَنَّ فِيهَا عِظَامَ الْمَوْتَى وَصَدِيدَهُمْ وَهُوَ نَجِسٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقِيلَ لِأَنَّ أَصْلَ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ اتِّخَاذُ قُبُورِ الصَّالِحِينَ مَسَاجِدَ، وَقِيلَ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا إذَا كَانَ فِيهَا مَوْضِعٌ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ قَبْرٌ وَلَا نَجَاسَةٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا قِبْلَتُهُ إلَى قَبْرٍ حِلْيَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَمُغْتَسَلٍ) أَيْ مَوْضِعِ الِاغْتِسَالِ فِي بَيْتِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَحَمَّامٍ) لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَصَبُّ الْغُسَالَاتِ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ بَيْتُ الشَّيَاطِينِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا غَسَلَ مِنْهُ مَوْضِعًا لَا تُكْرَهُ، وَعَلَى الثَّانِي تُكْرَهُ، وَهُوَ الْأَوْلَى لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ إلَّا لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ وَنَحْوِهِ إمْدَادٌ، لَكِنْ فِي الْفَيْضِ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ خَارِجَهُ أَيْ مَوْضِعِ جُلُوسِ الْحَمَّامِيِّ، فَفِي الْخَانِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهَا. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي الْكَرَاهَةُ خَارِجَهُ أَيْضًا، وَفِيهَا أَيْضًا: لَوْ هُجِرَ الْحَمَّامُ، قِيلَ يَحْتَمِلُ بَقَاءَ الْكَرَاهَةِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ، وَيَحْتَمِلُ زَوَالَهَا؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ يَأْلَفُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ، وَلَوْ لَمْ يُسَقْ إلَيْهِ الْمَاءُ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فَالْأَشْبَهُ عَدَمُهَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ: وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ. وَعَلَيْهِ لَوْ اتَّخَذَ دَارًا لِلسَّكَنِ كَهَيْئَةِ الْحَمَّامِ لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ أَيْضًا. اهـ. مَطْلَبُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْكَنِيسَةِ

[تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ مَحَلُّ الشَّيَاطِينِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فِي مَعَابِدِ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهَا مَأْوَى الشَّيَاطِينِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذَكَرُوهُ عِنْدَنَا، فَفِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ: وَلَا يَحْلِفُونَ فِي بَيْتِ عِبَادَاتِهِمْ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ الدُّخُولُ فِي الْبِيعَةِ وَالْكَنِيسَةِ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ اهـ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَحْرِيمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ، وَقَدْ أَفْتَيْت بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُودِ اهـ فَإِذَا حَرُمَ الدُّخُولُ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى، وَبِهِ ظَهَرَ جَهْلُ مَنْ يَدْخُلُهَا لِأَجْلِ الصَّلَاةِ فِيهَا.

(قَوْلُهُ: وَبَطْنِ وَادٍ) أَيْ مَا انْخَفَضَ مِنْ الْأَرْضِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ احْتِوَاؤُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ السَّيْلُ أَوْ تُلْقَى فِيهِ ط.

(قَوْلُهُ: وَمَعَاطِنِ إبِلٍ وَغَنَمٍ) كَذَا فِي الْأَحْكَامِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْخِزَانَةِ السَّمَرْقَنْدِيَّة، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ إذَا كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّجَاسَةِ. وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ صلى الله عليه وسلم «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ: لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ وَسُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَقَالَ: صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ بَرَكَةٍ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا. وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ: وَطَنُهَا ثُمَّ غَلَبَ عَلَى مَبْرَكِهَا حَوْلَ الْمَاءِ. وَالْأَوْلَى الْإِطْلَاقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَمَرَابِضُ الْغَنَمِ: مَوَاضِعُ مَبِيتِهَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْإِبِلِ مِنْ الشَّيَاطِينِ أَنَّهَا خُلِقَتْ عَلَى صِفَةٍ تُشْبِهُهُمْ مِنْ النُّفُورِ وَالْإِيذَاءِ، فَلَا يَأْمَنُ الْمُصَلِّي مِنْ أَنْ تَنْفِرَ وَتَقْطَعَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْ فَيَبْقَى بَالُهُ مَشْغُولًا خُصُوصًا حَالَ سُجُودِهِ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْغَنَمُ. وَيَظْهَرُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ الطَّاهِرَةِ حَالَ غَيْبَتِهَا.

ص: 380

وَبَقَرٍ. زَادَ فِي الْكَافِي: وَمَرَابِطِ دَوَابَّ وَإِصْطَبْلٍ وَطَاحُونٍ وَكَنِيفٍ وَسُطُوحِهَا وَمَسِيلِ وَادٍ وَأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ لِلْغَيْرِ لَوْ مَزْرُوعَةٍ أَوْ مَكْرُوبَةٍ وَصَحْرَاءَ فَلَا سُتْرَةَ لِمَارٍّ. وَيُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْكَلَامُ الْمُبَاحُ بَعْدَهَا وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَدَائِهِ، ثُمَّ لَا بَأْسَ بِمَشْيِهِ لِحَاجَتِهِ، وَقِيلَ يُكْرَهُ إلَى طُلُوعِ ذُكَاءَ، وَقِيلَ إلَى ارْتِفَاعِهَا فَيْضٌ.

(وَلَا جَمْعَ بَيْنَ فَرْضَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرِ) سَفَرٍ وَمَطَرٍ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمَا رَوَاهُ

ــ

[رد المحتار]

[تَنْبِيهٌ] اسْتَشْكَلَ بَعْضُهُمْ التَّعْلِيلَ بِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ بِمَا ثَبَتَ «أَنَّ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ عَلَى بَعِيرِهِ» . وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَكَوْنِهَا مُجْتَمِعَةً بِمَا طُبِعَتْ عَلَيْهِ مِنْ النِّفَارِ الْمُفْضِي إلَى تَشْوِيشِ الْقَلْبِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْكُوبِ مِنْهَا. اهـ. شَبْرَامَلِّسِيٌّ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلرَّمْلِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَبَقَرٍ) لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ عِنْدَنَا، نَعَمْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ نَحْوَ الْبَقَرِ كَالْغَنَمِ، وَخَالَفَهُ بَعْضُهُمْ.

(قَوْلُهُ: وَمَرَابِطِ دَوَابَّ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ السَّبْعَةَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَإِصْطَبْلٍ) مَوْضِعُ الْخَيْلِ، وَعَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ ط.

(قَوْلُهُ: وَطَاحُونٍ) لَعَلَّ وَجْهَهُ شَغْلُ الْبَالِ بِصَوْتِهَا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَسُطُوحِهَا) يَحْتَمِلُ عَوْدَ الضَّمِيرِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ عَلَى الْكَنِيفِ وَحْدَهُ، وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ الْمُعَدَّةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ السُّطُوحَ لَهُ حُكْمُ مَا تَحْتَهُ مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ وَكَسُطُوحِ الْمَسْجِدِ.

(قَوْلُهُ: وَمَسِيلِ وَادٍ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ وَبَطْنِ وَادٍ؛ لِأَنَّ الْمَسِيلَ يَكُونُ فِي بَطْنِ الْوَادِي غَالِبًا ط. مَطْلَبٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ وَدُخُولِ الْبَسَاتِينِ وَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فِي أَرْضِ الْغَصْبِ.

(قَوْلُهُ: وَأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ لِلْغَيْرِ) لَا حَاجَةَ إلَى قَوْلِهِ أَوْ لِلْغَيْرِ إذْ الْغَصْبُ يَسْتَلْزِمُهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ الْإِذْنِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ غَاصِبٍ، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط. وَعِبَارَةُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَالْأَرْضُ الْمَغْصُوبَةُ، فَإِنْ اُضْطُرَّ بَيْنَ أَرْضِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ يُصَلِّي فِي أَرْضِ الْمُسْلِمِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَزْرُوعَةً. فَلَوْ مَزْرُوعَةً أَوْ لِكَافِرٍ يُصَلِّي فِي الطَّرِيقِ اهـ أَيْ لِأَنَّ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حَقًّا كَمَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ، وَفِيهَا: تُكْرَهُ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لَوْ مَزْرُوعَةً أَوْ مَكْرُوبَةً إلَّا إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا صَدَاقَةٌ أَوْ رَأَى صَاحِبَهَا لَا يَكْرَهُهُ فَلَا بَأْسَ. اهـ.

[تَنْبِيهٌ] نَقَلَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ الْأَحْكَامِ لِوَالِدِهِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ أَنَّ النُّزُولَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ، إنْ كَانَ لَهَا حَائِطٌ أَوْ حَائِلٌ يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ اهـ قَالَ يَعْنِي عُرْفَ النَّاسِ بِالرِّضَا وَعَدَمِهِ، فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي أَيَّامِ الرَّبِيعِ إلَى بَسَاتِينِ الْوَادِي بِدِمَشْقَ إلَّا بِإِذْنِ أَصْحَابِهَا، فَمَا يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ مِنْ هَدْمِ الْجُدْرَانِ وَخَرْقِ السِّيَاجِ فَهُوَ أَمْرٌ مُنْكَرٌ حَرَامٌ. ثُمَّ قَالَ: وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ: بَنَى مَسْجِدًا فِي أَرْضِ غَصْبٍ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ فِيهِ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ بَنَى مَسْجِدًا عَلَى سُورِ الْمَدِينَةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْعَامَّةِ فَلَمْ يَخْلُصْ لِلَّهِ تَعَالَى كَالْمَبْنِيِّ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ اهـ ثُمَّ قَالَ: وَمَدْرَسَةُ السُّلَيْمَانِيَّةِ فِي دِمَشْقَ مَبْنِيَّةٌ فِي أَرْضِ الْمَرْجَةِ الَّتِي وَقَفَهَا السُّلْطَانُ نُورُ الدِّينِ الشَّهِيدُ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ بِشَهَادَةِ عَامَّةِ أَهْلِ دِمَشْقَ وَالْوَقْفُ يَثْبُتُ بِالشُّهْرَةِ، فَتِلْكَ الْمَدْرَسَةُ خُولِفَ فِي بِنَائِهَا شَرْطُ وَقْفِ الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ كَنَصِّ الشَّارِعِ، فَالصَّلَاةُ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ تَحْرِيمًا فِي قَوْلٍ، وَغَيْرُ صَحِيحَةٍ لَهُ فِي قَوْلٍ آخَرَ كَمَا نَقَلَهُ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى، وَكَذَا مَاؤُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ نَهْرٍ مَمْلُوكٍ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حُجْرَةُ الْيَمَانِيِّينَ فِي الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: بِلَا سُتْرَةٍ لِمَارٍّ) أَيْ سَاتِرٍ يَسْتُرُ الْمَارَّ عَنْ الْمُصَلِّي وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ ح.

(قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ النَّوْمُ إلَخْ) قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: إلَى ارْتِفَاعِهَا) أَيْ قَدْرَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ

(قَوْلُهُ: وَمَا رَوَاهُ) أَيْ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّأْخِيرِ كَحَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا عَجَّلَ السَّيْرَ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ.

ص: 381

مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ فِعْلًا لَا وَقْتًا (فَإِنْ جَمَعَ فَسَدَ لَوْ قَدَّمَ) الْفَرْضَ عَلَى وَقْتِهِ (وَحَرُمَ لَوْ عَكَسَ) أَيْ أَخَّرَهُ عَنْهُ (وَإِنْ صَحَّ) بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ (إلَّا لِحَاجٍّ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ) كَمَا سَيَجِيءُ. وَلَا بَأْسَ بِالتَّقْلِيدِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ

ــ

[رد المحتار]

وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّقْدِيمِ وَلَيْسَ فِيهَا صَرِيحٌ سِوَى حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ آخَرَ الظُّهْرَ إلَى الْعَصْرِ فَيُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا، وَإِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ سَارَ، وَكَانَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْعِشَاءِ، وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ عَجَّلَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا مَعَ الْمَغْرِبِ» .

(قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ إلَخْ) أَيْ مَا رَوَاهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ فِعْلًا لَا وَقْتًا: أَيْ فِعْلُ الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَالثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا، وَيُحْمَلُ تَصْرِيحُ الرَّاوِي بِخُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى عَلَى التَّجَوُّزِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234]- أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ ظَنٌّ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا صَحَّ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ وَقَدْ تَوَارَى الشَّفَقُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا عَجَّلَ بِهِ السَّيْرَ صَنَعَ هَكَذَا» " وَفِي رِوَايَةٍ " ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ " كَيْفَ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقِظَةِ، بِأَنْ تُؤَخَّرَ صَلَاةٌ إلَى وَقْتِ الْأُخْرَى» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَهَذَا قَالَهُ وَهُوَ فِي السَّفَرِ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ، لِئَلَّا تُحْرَجَ أُمَّتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَا سَفَرٍ» وَالشَّافِعِيُّ لَا يَرَى الْجَمْعَ بِلَا عُذْرٍ، فَمَا كَانَ جَوَابُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ جَوَابُنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الطُّفَيْلِ الدَّالُّ عَلَى التَّقْدِيمِ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ إنَّهُ غَرِيبٌ، وَقَالَ الْحَاكِمُ إنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ، وَقَدْ أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِالْجَمْعِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً قَطُّ إلَّا لِوَقْتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ، وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» " وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ النُّصُوصُ الْوَارِدَةُ بِتَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ كَالزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَقَالَ سُلْطَانُ الْعَارِفِينَ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ: وَاَلَّذِي أَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي غَيْرِ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ؛ لِأَنَّ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ قَدْ ثَبَتَتْ بِلَا خِلَافٍ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ صَلَاةٍ عَنْ وَقْتِهَا إلَّا بِنَصٍّ غَيْرِ مُحْتَمَلٍ؛ إذْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْرَجَ عَنْ أَمْرٍ ثَابِتٍ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، هَذَا لَا يَقُولُ بِهِ مَنْ شَمَّ رَائِحَةَ الْعِلْمِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ فَمُحْتَمِلٌ أَنَّهُ يُتَكَلَّمُ فِيهِ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ صَحِيحٌ، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ اهـ كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكِبْرِيتُ الْأَحْمَرُ فِي بَيَانِ عُلُومِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ جَمَعَ إلَخْ) تَفْصِيلٌ أَجْمَلَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَلَا جَمْعَ الصَّادِقِ بِالْفَسَادِ أَوْ الْحُرْمَةِ فَقَطْ ط.

(قَوْلُهُ: إلَّا لِحَاجٍّ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا جَمْعَ ط.

(قَوْلُهُ: بِعَرَفَةَ) بِشَرْطِ الْإِحْرَامِ وَالسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاتَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كُلُّ ذَلِكَ فِي جَمْعِ الْمُزْدَلِفَةِ ط. قُلْت: إلَّا الْإِحْرَامَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ الضَّرُورَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِهَا لَا يَجُوزُ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ. وَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ ط. وَأَيْضًا عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْلِيدِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ مُسْتَنِدًا لِمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ: الْمُسَافِرُ إذَا خَافَ اللُّصُوصَ أَوْ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ وَلَا يَنْتَظِرُهُ الرُّفْقَةُ جَازَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِعُذْرٍ، وَلَوْ صَلَّى بِهَذَا الْعُذْرِ بِالْإِيمَاءِ وَهُوَ يَسِيرٌ جَازَ. اهـ. لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالضَّرُورَةِ مَا فِيهِ نَوْعُ مَشَقَّةٍ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ بِشَرْطِ إلَخْ) فَقَدْ شَرَطَ الشَّافِعِيُّ لِجَمْعِ التَّقْدِيمِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ: تَقْدِيمُ الْأُولَى، وَنِيَّةُ الْجَمْعِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَعَدَمُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِمَا يُعَدُّ فَاصِلًا عُرْفًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ سِوَى نِيَّةِ الْجَمْعِ قَبْلَ خُرُوجِ الْأُولَى نَهْرٌ. وَيُشْتَرَطُ

ص: 382