المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فرع محدث انغمس في بئر لدلو ولا نجس عليه ولم ينو ولم يتدلك] - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ١

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌أَرْكَانُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوء]

- ‌فَرْضُ الْغُسْلِ)

- ‌[فُرُوعٌ فِي الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْلِ]

- ‌بَابُ الْمِيَاهِ

- ‌[الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ]

- ‌[فَرْعٌ] مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ

- ‌[فُرُوعٌ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ

- ‌[فَرْعٌ] وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا

- ‌[فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم وَشُرُوطه]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فُرُوعٌ] صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْذُورِ]

- ‌بَابُ الْأَنْجَاسِ

- ‌فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاء]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ الْأَذَانِ

- ‌[فَائِدَةٌ] التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي النِّيَّةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[فَرَائِض الصَّلَاة]

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ]

- ‌[وَاجِبَات الصَّلَاة]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَان تَأْلِيف الصَّلَاة إلَى انتهائها]

- ‌[فُرُوعٌ] كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ

- ‌[فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة]

- ‌فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا

- ‌بَابُ الْإِمَامَةِ

- ‌[فُرُوعٌ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً]

- ‌بَابُ الِاسْتِخْلَافِ

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا

- ‌[فُرُوعٌ سَمِعَ المصلي اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جل جلاله أَوْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته]

- ‌[فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ

- ‌فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ

- ‌[فُرُوعٌ اشْتِمَالُ الصَّلَاة عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[فُرُوعٌ]أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ

الفصل: ‌[فرع محدث انغمس في بئر لدلو ولا نجس عليه ولم ينو ولم يتدلك]

وَلَوْ مِنْ جُنُبٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ، لَكِنْ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَالْعَجْنُ بِهِ تَنْزِيهًا لِلِاسْتِقْذَارِ، وَعَلَى رِوَايَةِ نَجَاسَتِهِ تَحْرِيمًا (وَ) حُكْمُهُ أَنَّهُ (لَيْسَ بِطَهُورٍ) لِحَدَثٍ بَلْ لِخَبَثٍ عَلَى الرَّاجِحِ الْمُعْتَمَدِ.

[فَرْعٌ] اُخْتُلِفَ فِي مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ

ــ

[رد المحتار]

هِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ، وَاخْتَارَهَا الْمُحَقِّقُونَ، قَالُوا عَلَيْهَا الْفَتْوَى، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ. وَاسْتَثْنَى الْجُنُبَ فِي التَّجْنِيسِ إلَّا أَنَّ الْإِطْلَاقَ أَوْلَى وَعَنْهُ التَّخْفِيفُ وَالتَّغْلِيظُ، وَمَشَايِخُ الْعِرَاقِ نَفَوْا الْخِلَافَ وَقَالُوا إنَّهُ طَاهِرٌ عِنْدَ الْكُلِّ. وَقَدْ قَالَ الْمُجْتَبَى: صَحَّتْ الرِّوَايَةُ عَنْ الْكُلِّ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ، فَالِاشْتِغَالُ بِتَوْجِيهِ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْفِيفِ مِمَّا لَا جَدْوَى لَهُ نَهْرٌ، وَقَدْ أَطَالَ فِي الْبَحْرِ فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ، وَرَجَّحَ الْقَوْلَ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِقُوَّتِهِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ رِوَايَةَ الطَّهَارَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهَا الْفَتْوَى فِي الْكَافِي وَالْمُصَفَّى كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ إلَخْ) دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عَدَمِ كَرَاهَةِ شُرْبِهِ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ، وَمِثْلُ الشُّرْبِ التَّوَضُّؤُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ مَا أَعَدَّ لَهُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ: لَوْ تَوَضَّأَ فِي إنَاءٍ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ عِنْدَهُمْ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى) مُتَعَلِّقٌ بِيُكْرَهُ مَحْذُوفًا مَعْطُوفٌ عَلَى يُكْرَهُ الْمَذْكُورِ.

(قَوْلُهُ: تَحْرِيمًا) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى رِوَايَةِ الطَّهَارَةِ، أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ فَحَرَامٌ {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَالنَّجَسُ مِنْهَا. اهـ. وَأَجَابَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ وَأَقَرَّهُ النَّهْرُ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّحْرِيمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْهَا يَنْصَرِفُ إلَيْهَا قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ؛ وَلِذَا عَبَّرُوا بِالْكَرَاهَةِ فِي لَحْمِ الْحِمَارِ وَنَحْوِهِ. [فَرْعٌ]

الْمَاءُ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ تَغَيَّرَ وَصْفُهُ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِحَالٍ كَبَلِّ الطِّينِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ بَحْرٌ عَنْ الْخُلَاصَةِ.

(قَوْلُهُ: لَيْسَ بِطَهُورٍ) أَيْ لَيْسَ بِمُطَهِّرٍ.

(قَوْلُهُ: عَلَى الرَّاجِحِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بَلْ لِخَبَثٍ: أَيْ نَجَاسَةٍ حَقِيقِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ إزَالَتُهَا بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ مِنْ الْمَائِعَاتِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ

[فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ]

مَطْلَبٌ مَسْأَلَةُ الْبِئْرِ " جحط: (قَوْلُهُ فَرْعٌ إلَخْ) هَذَا مَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ " جحط " فَأَشَارَ بِالْجِيمِ إلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ إنَّ الرَّجُلَ وَالْمَاءَ نَجِسَانِ، وَبِالْحَاءِ إلَى مَا قَالَ الثَّانِي إنَّهُمَا بِحَالِهِمَا، وَبِالطَّاءِ إلَى مَا قَالَ الثَّالِثُ مِنْ طَهَارَتِهِمَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي نَجَاسَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْأَوَّلِ، فَقِيلَ لِلْجَنَابَةِ فَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَقِيلَ لِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فَيَقْرَأُ إذَا غَسَلَ فَاهُ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ. قُلْت: وَمَبْنَى الْأَوَّلِ عَلَى تَنَجُّسِ الْمَاءِ لِسُقُوطِ فَرْضِ الْغُسْلِ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ، وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَابَةِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَيَنْبَغِي عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ نَجَاسَةَ الْمَاءِ أَيْضًا لَا الْجَنَابَةَ فَقَطْ تَأَمَّلْ، وَمَبْنَى قَوْلِ الثَّانِي عَلَى اشْتِرَاطِ الصَّبِّ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْجَنَابَةِ فِي غَيْرِ الْمَاءِ الْجَارِي وَمَا فِي حُكْمِهِ، وَمَبْنَى قَوْلِ الثَّالِثِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ وَلَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ، كَذَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فِي مُحْدِثٍ) أَيْ حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ جَنَابَةً أَوْ حَيْضًا أَوْ نِفَاسًا بَعْدَ انْقِطَاعِهِمَا، أَمَّا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ وَلَيْسَ عَلَى أَعْضَائِهِمَا نَجَاسَةٌ فَهُمَا كَالطَّاهِرِ إذَا انْغَمَسَ لِلتَّبَرُّدِ لِعَدَمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ، فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَتَمَامُهُ فِي ح (قَوْلُهُ فِي بِئْرٍ) أَيْ دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ " ح " أَيْ وَلَيْسَتْ جَارِيَةً (قَوْلُهُ لِدَلْوٍ) أَيْ لِاسْتِخْرَاجِهِ، وَقَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلِاغْتِسَالِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ بَيْنَ الْإِمَامِ، وَالثَّالِثِ لِمَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي. اهـ. وَذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا.

ص: 201

أَوْ تَبَرَّدَ مُسْتَنْجِيًا بِالْمَاءِ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالْمَاءُ مُسْتَعْمَلٌ لِاشْتِرَاطِ الِانْفِصَالِ لِلِاسْتِعْمَالِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ مَا اتَّصَلَ بِأَعْضَائِهِ وَانْفَصَلَ عَنْهَا مُسْتَعْمَلٌ لَا كُلُّ الْمَاءِ عَلَى مَا مَرَّ.

ــ

[رد المحتار]

أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الصَّبِّ عَلَى قَوْلِ الثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يَأْتِي مِنْ تَصْرِيحِهِ بِقِيَامِ التَّدْلِيكِ مَقَامَهَا فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ تَبَرَّدَ) تَبِعَ فِي ذِكْرِهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، بِنَاءً عَلَى مَا قِيلَ إنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الصَّحِيحِ عِنْدَهُ وَأَنَّ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ عِنْدَهُ هِيَ الضَّرُورَةُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي التَّبَرُّدِ فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ (قَوْلُهُ مُسْتَنْجِيًا بِالْمَاءِ) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِالْأَحْجَارِ تَنَجَّسَ كُلُّ الْمَاءِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَهْرٌ. قُلْت: وَفِي دَعْوَى الِاتِّفَاقِ نَظَرٌ، فَقَدْ نَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ فِي التَّنَجُّسِ وَعَدَمِهِ: أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَجَرَ مُخَفِّفٌ أَوْ مُطَهِّرٌ وَرَجَّحَ فِي الْفَتْحِ الثَّانِيَ، نَعَمْ الَّذِي فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ كَمَا أَفَادَهُ فِي تَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ سَيَأْتِي فِي فَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -.

(قَوْلُهُ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ) عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ، فَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَ الْمَاءُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَلَمْ يَنْوِ) أَيْ الِاغْتِسَالَ، فَلَوْ نَوَاهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالِاتِّفَاقِ إلَّا فِي قَوْلِ زُفَرَ سِرَاجٌ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ الثَّانِي مُسْتَعْمَلٌ أَيْضًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ بَعْدَ انْغِمَاسِهِ فِي الْمَاءِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ لِدَلْوٍ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخُلَاصَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لِلدَّلْوِ وَتَدَلَّكَ فِي الْمَاءِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ التَّدَلُّكَ فِعْلٌ مِنْهُ قَائِمٌ مَقَامَ النِّيَّةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ نَزَلَ لِلِاغْتِسَالِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ فَتَنَبَّهْ، وَقَيَّدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَدَلُّكُهُ لِإِزَالَةِ الْوَسَخِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ إلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ غَيْرُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ الْمَرْمُوزِ إلَيْهَا " بجحط " ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ مِنْ الْعُضْوِ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ أَيْ لِلْقِيَاسِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهَا الرِّوَايَةُ الْمُصَحَّحَةُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعُلِمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ وَالْمَاءَ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ؛ أَمَّا كَوْنُ الرَّجُلِ طَاهِرًا فَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَهُ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ كَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ فَقَدْ عَلِمْته أَيْضًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الضَّرُورَةَ هُنَا بَلْ حَكَمَ بِاسْتِعْمَالِهِ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَلَوْ اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ لَمْ يَصِحَّ الْخِلَافُ الْمَرْمُوزُ لَهُ، نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْخِلَافَ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كَمَا لَوْ اغْتَرَفَ الْمَاءَ بِكَفِّهِ لِلضَّرُورَةِ بِلَا خِلَافٍ. أَقُولُ: وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مِنْ إثْبَاتِ الْخِلَافِ وَمِنْ أَنَّ الَّذِي اعْتَبَرَ الضَّرُورَةَ هُوَ مُحَمَّدٌ فَقَطْ وَكَأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَعْتَبِرْ هُنَا لِنُدْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِانْغِمَاسِ، بِخِلَافِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الِاغْتِرَافِ بِالْيَدِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ جِدًّا، وَقَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ: أَيْ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُلْقِي وَالْمُلَاقِي، وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْفَسَاقِي، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهَا مِنْ الْمُعْتَرَكِ الْعَظِيمِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ.

ص: 202

(وَكُلُّ إهَابٍ) وَمِثْلُهُ الْمَثَانَةُ وَالْكِرْشُ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَالْأَوْلَى وَمَا (دُبِغَ) وَلَوْ بِشَمْسٍ (وَهُوَ يَحْتَمِلُهَا طَهُرَ) فَيُصَلَّى بِهِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ (وَمَا لَا) يَحْتَمِلُهَا (فَلَا) وَعَلَيْهِ (فَلَا يَطْهُرُ جِلْدُ حَيَّةٍ) صَغِيرَةٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، أَمَّا قَمِيصُهَا فَطَاهِرٌ (وَفَأْرَةٍ) كَمَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِذَكَاةٍ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الدِّبَاغَةِ (قَوْلُهُ وَكُلُّ إهَابٍ إلَخْ) الْإِهَابُ: بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ أَنْ يُدْبَغَ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ جَمْعُهُ أُهُبٌ بِضَمَّتَيْنِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ، فَإِذَا دُبِغَ سُمِّيَ أَدِيمًا وَصَرْمًا وَجِرَابًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الدِّبَاغَةَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ وَإِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهَا فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَاتِ اسْتِطْرَادٌ، إمَّا لِصُلُوحِ الْإِهَابِ بَعْدَ دَبْغِهِ أَنْ يَكُونَ وِعَاءً لِلْمِيَاهِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ، أَوْ؛ لِأَنَّ الدَّبْغَ مُطَهِّرٌ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ إهَابٌ دُبِغَ كَمَا نُقِلَ عَنْ حَوَاشِي عِصَامٍ (قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ الْمَثَانَةُ وَالْكَرِشُ) الْمَثَانَةُ مَوْضِعُ الْبَوْلِ، وَالْكِرْشُ: بِالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ لِكُلِّ مُجْتَرٍّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ قَامُوسٌ، وَمِثْلُهُ الْأَمْعَاءُ.

وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: أَصْلَحَ أَمْعَاءَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَصَلَّى وَهِيَ مَعَهُ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْهَا الْأَوْتَارُ وَهُوَ كَالدَّبَّاغِ. وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ فَجَعَلَ فِيهَا لَبَنٌ جَازَ، وَكَذَلِكَ الْكِرْشُ إنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ إنَّهُ لَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّهُ كَاللَّحْمِ. اهـ (قَوْلُهُ فَالْأَوْلَى وَمَا دُبِغَ) أَيْ حَيْثُ كَانَ الْحُكْمُ غَيْرَ قَاصِرٍ عَلَى الْإِهَابِ، فَالْأَوْلَى الْإِتْيَانُ " بِمَا " الدَّالَّةُ عَلَى الْعُمُومِ ط (قَوْلُهُ دُبِغَ) الدِّبَاغُ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ.

وَاَلَّذِي يَمْنَعُ عَلَى نَوْعَيْنِ: حَقِيقِيٍّ كَالْقَرَظِ وَالشَّبِّ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِ. وَحُكْمِيٍّ كَالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الرِّيحِ، وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلْ لَمْ يَطْهُرْ زَيْلَعِيٌّ: وَالْقَرَظُ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لَا بِالضَّادِ: وَرَقُ شَجَرِ السَّلَمِ بِفَتْحَتَيْنِ. وَالشَّبُّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ، وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ مُرُّ الطَّعْمِ يُدْبَغُ بِهِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بِشَمْسٍ) أَيْ وَنَحْوِهِ مِنْ الدِّبَاغِ الْحُكْمِيِّ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ نَوْعَيْ الدِّبَاغَةِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ.

قَالَ الْبَحْرُ إلَّا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ الْمَاءُ بَعْدَ الدِّبَاغِ الْحَقِيقِيِّ لَا يَعُودُ نَجِسًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَبَعْدَ الْحُكْمِيِّ فِيهِ رِوَايَتَانِ. اهـ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الْعَوْدِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ، وَقَيَّدَ الْخِلَافَ فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ بِمَا إذَا دُبِغَ بِالْحُكْمِيِّ قَبْلَ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ قَالَ: فَلَوْ بَعْدَهُ لَا تَعُودُ نَجَاسَتُهُ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ هُوَ يَحْتَمِلُهَا) أَيْ الدِّبَاغَةَ الْمَأْخُوذَةَ مِنْ دَبَغَ. وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَكُلُّ إهَابٍ لَا يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ طَهُرَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ حَمَوِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُصَلِّي بِهِ إلَخْ) أَفَادَ طَهَارَةَ ظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ خِلَافًا لِمَالِكٍ، لَكِنْ إذَا كَانَ جِلْدَ حَيَوَانٍ مَيِّتٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَهَذَا الْجُزْءُ مِنْهَا. وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي شَاةِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها «إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» مَعَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالدِّبَاغِ وَالِانْتِفَاعِ، أَمَّا إذَا كَانَ جِلْدَ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ الدِّبَاغَ فِيهِ لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الذَّكَاةِ، وَذَكَاتُهُ لَا تُبِيحُهُ فَكَذَا دِبَاغُهُ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ.

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ وَبِنَاءً عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ لَا يَطْهُرُ (قَوْلُهُ جِلْدُ حَيَّةٍ صَغِيرَةٍ) أَيْ لَهَا دَمٌ، أَمَّا مَا لَا دَمَ لَهَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ لَا تُفْسِدُهُ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ أَمَّا قَمِيصُهَا) أَيْ الْحَيَّةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَبِيرَةً. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: لِأَنَّهُ لَا تُحِلُّهُ الْحَيَاةُ، فَهُوَ كَالشَّعْرِ وَالْعَظْمِ (قَوْلُهُ وَفَأْرَةٍ) بِالْهَمْزَةِ وَتُبْدَلُ أَلِفًا (قَوْلُهُ بِذَكَاةٍ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ ذَبْحٍ

ص: 203

لِتَقَيُّدِهِمَا بِمَا يَحْتَمِلُهُ (خَلَا) جِلْدِ (خِنْزِيرٍ) فَلَا يَطْهُرُ، وَقُدِّمَ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ لِلْإِهَانَةِ (وَآدَمِيٍّ) فَلَا يُدْبَغُ لِكَرَامَتِهِ، وَلَوْ دُبِغَ طَهُرَ وَإِنْ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ، حَتَّى لَوْ طُحِنَ عَظْمُهُ فِي دَقِيقٍ لَمْ يُؤْكَلْ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَامًا. وَأَفَادَ كَلَامُهُ طَهَارَةَ جِلْدِ كَلْبٍ وَفِيلٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.

(وَمَا) أَيْ إهَابٌ (طَهُرَ بِهِ) بِدِبَاغٍ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ لِتَقَيُّدِهِمَا) أَيْ الذَّكَاةِ وَالدِّبَاغِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ أَيْ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ، وَكَانَ الْأَوْلَى إفْرَادَ الضَّمِيرِ لِيَعُودَ عَلَى الذَّكَاةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ تَقَيُّدَ الدِّبَاغِ بِذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ قَبْلَهُ.

وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ: لِأَنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا تُقَامُ مَقَامَ الدِّبَاغِ فِيمَا يَحْتَمِلُهُ.

وَفِي أَبِي السُّعُودِ عَنْ خَطِّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّكَاةِ وَالدِّبَاغَةِ لِخُرُوجِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِالذَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَةَ. اهـ. قُلْت: لَكِنَّ أَكْثَرَ الْكُتُبِ عَلَى عَدَمِ الْفَرْقِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ خَلَا جِلْدِ خِنْزِيرٍ إلَخْ) قِيلَ: إنَّ جِلْدَ الْآدَمِيِّ كَجِلْدِ الْخِنْزِيرِ فِي عَدَمِ الطَّهَارَةِ بِالدَّبْغِ لِعَدَمِ الْقَابِلِيَّةِ؛ لِأَنَّ لَهُمَا جُلُودًا مُتَرَادِفَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ.

وَقِيلَ: إنَّ جِلْدَ الْآدَمِيِّ إذَا دُبِغَ طَهُرَ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْغَايَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ مَعْنَى طَهُرَ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ وَالْعَلَاقَةُ السَّبَبِيَّةُ والمسببية لَا اللُّزُومُ كَمَا قِيلَ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّهَارَةِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ كَمَا عَلِمْته، لَكِنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي الْخِنْزِيرِ لِعَدَمِ الطَّهَارَةِ، وَفِي الْآدَمِيِّ لِكَرَامَتِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَوْلَى.

اهـ أَيْ لِمُوَافَقَتِهِ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ وَإِلَى اخْتِيَارِهِ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ دُبِغَ طَهُرَ، قَالَ ط: وَإِنَّمَا قُدِّرَ جِلْدٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ لَا فِي كُلِّ الْمَاهِيَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا يَطْهُرُ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، بِمَعْنَى أَنَّ ذَاتَهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ نَجِسَةٌ حَيًّا وَمَيِّتًا، فَلَيْسَتْ نَجَاسَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّمِ كَنَجَاسَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ، فَلِذَا لَمْ يَقْبَلْ التَّطْهِيرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهَا فِي الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ وَقُدِّمَ إلَخْ) لَمَّا كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالشَّيْءِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ تُفِيدُ الِاهْتِمَامَ بِشَأْنِهِ وَشَرَفِهِ عَلَى مَا بَعْدَهُ، بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَقَامِ الْإِهَانَةِ، أَمَّا فِيهِ فَالْأَشْرَفُ يُؤَخَّرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40] الْآيَةَ؛ لِأَنَّ الْهَدْمَ إهَانَةٌ فَقُدِّمَتْ صَوَامِعُ الصَّابِئَةِ أَوْ الرُّهْبَانِ وَبِيَعُ النَّصَارَى وَصَلَوَاتُ الْيَهُودِ أَيْ كَنَائِسُهُمْ، وَأُخِّرَتْ مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ لِشَرَفِهَا.

وَهُنَا الْحُكْمُ بِعَدَمِ الطَّهَارَةِ إهَانَةٌ كَذَا قِيلَ. أَقُولُ: وَإِنَّمَا تَظْهَرُ هَذِهِ النُّكْتَةُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الطَّهَارَةِ لَا مِنْ جَوَازِ الِاسْتِعْمَالِ الثَّابِتِ لِلْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَإِنَّ عَدَمَهُ الثَّابِتَ لِلْمُسْتَثْنَى لَيْسَ بِإِهَانَةٍ (قَوْلُهُ وَإِنْ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ اسْتِعْمَالُ جِلْدِهِ أَوْ اسْتِعْمَالُ الْآدَمِيِّ بِمَعْنَى أَجْزَائِهِ وَبِهِ يَظْهَرُ التَّفْرِيعُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ احْتِرَامًا) أَيْ لَا نَجَاسَةً (قَوْلُهُ وَأَفَادَ كَلَامُهُ) حَيْثُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ مُطْلَقِ الْإِهَابِ سِوَى الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ) أَمَّا فِي الْكَلْبِ فَبِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ، وَهُوَ أَصَحُّ التَّصْحِيحَيْنِ كَمَا يَأْتِي.:

وَأَمَّا فِي الْفِيلِ فَكَذَلِكَ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَشِطُ بِمُشْطٍ مِنْ عَاجٍ " وَفَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ بِعَظْمِ الْفِيلِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَخَطِئَ الْخَطَّابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لَهُ بِالذَّبْلِ. اهـ. وَالذَّبْلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: جِلْدُ السُّلَحْفَاةِ الْبَحْرِيَّةِ أَوْ الْبَرِّيَّةِ أَوْ عِظَامُ ظَهْرِ دَابَّةٍ بَحْرِيَّةٍ قَامُوسٌ. وَفِي الْفَتْحِ: هَذَا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِنَجَاسَةِ عَيْنِ الْفِيلِ.

(قَوْلُهُ بِدِبَاغٍ) بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ بِإِعَادَةِ الْجَارِ فَلَا يَطْهُرُ بِذَكَاةٍ مَا لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ صَلَّى وَمَعَهُ جِلْدُ حَيَّةٍ مَذْبُوحَةٍ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ وَالْوَلْوَالِجِيَّة. وَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْحَيَّةَ وَالْفَأْرَةَ وَكُلَّ مَا لَا يَكُونُ سُؤْرُهُ نَجِسًا لَوْ صَلَّى بِلَحْمِهِ مَذْبُوحًا تَجُوزُ مُشْكِلٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.

ص: 204