الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي مَسْحِهَا (اسْتِيعَابٌ وَتَكْرَارٌ فِي الْأَصَحِّ، فَيَكْفِي مَسْحُ أَكْثَرِهَا) مَرَّةً بِهِ يُفْتَى (وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةٌ) اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْخُفِّ فِي قَوْلٍ، وَمَا فِي نُسَخِ الْمَتْنِ رَجَعَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ.
بَابُ الْحَيْضِ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) قَيْدٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الِاسْتِيعَابِ وَالتَّكْرَارِ: أَيْ بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا الْعَاشِرُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ. وَأَفَادَ الرَّحْمَتِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ وَتَكْرَارٌ مِنْ قَبِيلِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا أَيْ وَلَا يُسَنُّ تَكْرَارٌ؛ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ وَالْغَسْلُ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ فَكَذَا بَدَلُهُ. قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَيُسَنُّ التَّثْلِيثُ عِنْدَ الْبَعْضِ إذَا لَمْ تَكُنْ الرَّأْسَ. اهـ وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ فَيَكْفِي مَسْحُ أَكْثَرِهَا) لَمَّا كَانَ نَفْيُ الِاسْتِيعَابِ صَادِقًا بِمَسْحِ النِّصْفِ وَمَا دُونَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَيَّنَ مَا بِهِ الْكِفَايَةُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَسْحِ الْخُفِّ فَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةٌ) هُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ زَادَ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَجْهًا: وَجْهَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَزَادَ فِي الْبَحْرِ سِتَّةً: إذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ لَا يَجِبُ إلَّا غَسْلُ مَوْضِعِهَا إذَا كَانَ وُضُوءٌ، بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ. وَإِذَا مَسَحَهَا ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهَا أُخْرَى جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ، بِخِلَافِ الْخُفِّ إذَا مَسَحَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْفَوْقَانِيِّ. وَإِذَا دَخَلَ الْمَاءُ تَحْتَهَا لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ، وَإِذَا كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْعُضْوِ الْمَعْصُوبِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ كَالْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ الْخُفِّ. الْخَامِسُ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ لَيْسَ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ اتِّفَاقًا. السَّادِسُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ فِي رِوَايَةٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ. وَزَادَ فِي النَّهْرِ وَجْهًا: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ خَلَفًا عَنْ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا وَلَا بَدَلًا، بِخِلَافِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ خَلَفٌ. وَالْبَدَلُ مَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ كَالتَّيَمُّمِ. وَالْخَلَفُ مَا يَجُوزُ. قَالَ ح: وَزِدْت وَجْهًا، وَهُوَ أَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ الرِّجْلَيْنِ بِخِلَافِ الْخُفِّ اهـ وَزَادَ الرَّحْمَتِيُّ أَرْبَعَةً أُخْرَى: أَنَّهُ يُمْسَحُ عَلَى الْجَرِيحِ وَغَيْرِهِ وَالْخُفُّ مُخْتَصٌّ بِالْقَدَمِ، وَأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى خُرْقِ الْخُفِّ وَلَوْ صَغِيرًا لَا يَكْفِي وَالْمَسْحَ عَلَى طَرَفَيْ الْفُرْجَةِ بَيْنَ طَرَفَيْ الْمِنْدِيلِ يُجْزِئُ، وَأَنَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ مِنْ الْخُفِّ مَكَانٌ مُعَيَّنٌ وَهُوَ صَدْرُ الْقَدَمِ بِخِلَافِ الْجَبِيرَةِ، وَأَنَّ الْمَفْرُوضَ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا أَكْثَرُهُ وَلَا جَمِيعُهُ.
أَقُولُ: فَالْمَجْمُوعُ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا، وَزِدْت عَشْرَةً أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّ الْجَبِيرَةَ عَلَى الرِّجْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إمْكَانُ مُتَابَعَةِ الْمَشْيِ عَلَيْهَا، وَلَا ثَخَانَتُهَا، وَلَا كَوْنُهَا مُجَلَّدَةً، وَلَا سَتْرُهَا لِلْمَحَلِّ، وَلَا مَنْعُهَا نُفُوذَ الْمَاءِ، وَلَا اسْتِمْسَاكُهَا بِنَفْسِهَا، وَلَا يُبْطِلُهَا خُرُقٌ كَبِيرَةٌ، وَلَيْسَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا أَفْضَلَ مِنْ الْمَسْحِ.
وَإِذَا سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ وَخَافَ إنْ غَسَلَ رِجْلَهُ أَنْ تَسْقُطَ مِنْ الْبَرْدِ يَتَيَمَّمُ، بِخِلَافِ الْخُفِّ. وَالْعَاشِرُ إذَا غَمَسَهَا فِي إنَاءٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَسْحَ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ وَأَفْسَدَ الْمَاءَ، بِخِلَافِ الْخُفِّ وَمَسَحَ الرَّأْسَ فَلَا يَفْسُدُ، وَيَجُوزُ عِنْد الثَّانِيَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْمَنْظُومَةِ وَشَرْحِهَا الْحَقَائِقِ. وَالْفَرْقُ لِلثَّانِي أَنَّ الْمَسْحَ يَتَأَدَّى بِالْبِلَّةِ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا. وَيَجُوزُ الْمَسْحُ، أَمَّا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ فَكَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْحَيْضِ]
ِ اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ غَوَامِضِ الْأَبْوَابِ خُصُوصًا الْمُتَحَيِّرَةُ وَتَفَارِيعُهَا، وَلِهَذَا اعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَأَفْرَدَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابٍ مُسْتَقِلٍّ، وَمَعْرِفَةُ مَسَائِلِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُهِمَّاتِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ: كَالطَّهَارَةِ،
عَنْوَنَ بِهِ لِكَثْرَتِهِ وَأَصَالَتِهِ، وَإِلَّا فَهِيَ ثَلَاثَةٌ: حَيْضٌ، وَنِفَاسٌ، وَاسْتِحَاضَةٌ. (هُوَ) لُغَةً: السَّيَلَانُ. وَشَرْعًا: عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ: مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَنْجَاسِ (دَمٌ مِنْ رَحِمٍ) خَرَجَ الِاسْتِحَاضَةُ، وَمِنْهُ مَا تَرَاهُ صَغِيرَةٌ وَآيِسَةٌ وَمُشْكِلٌ (لَا لِوِلَادَةٍ) خَرَجَ النِّفَاسُ. وَسَبَبُهُ ابْتِدَاءُ ابْتِلَاءِ اللَّهِ لِحَوَّاءَ لِأَكْلِ الشَّجَرَةِ.
وَرُكْنُهُ بُرُوزُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ. وَشَرْطُهُ تَقَدُّمُ نِصَابِ الطُّهْرِ وَلَوْ حُكْمًا، وَعَدَمُ نَقْصِهِ عَنْ أَقَلِّهِ وَأَوَانُهُ بَعْدَ التِّسْعِ.
وَوَقْتُ ثُبُوتِهِ بِالْبُرُوزِ، فِيهِ تُتْرَكُ الصَّلَاةُ وَلَوْ مُبْتَدَأَةً فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ، وَالْحَيْضُ دَمُ صِحَّةٍ شُمُنِّيٌّ.
وَ (أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ بِلَيَالِيِهَا) الثَّلَاثِ، فَالْإِضَافَةُ لِبَيَانِ الْعَدَدِ الْمُقَدَّرِ بِالسَّاعَاتِ الْفَلَكِيَّةِ لَا لِلِاخْتِصَاصِ، فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا لَيَالِيَ تِلْكَ الْأَيَّامِ؛ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُهُ عَشْرَةٌ) بِعَشْرِ لَيَالٍ، كَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ.
ــ
[رد المحتار]
وَالصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةِ، وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ، وَالْحَجِّ، وَالْبُلُوغِ، وَالْوَطْءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِدَّةِ، وَالِاسْتِبْرَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّ عِظَمَ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ بِالشَّيْءِ بِحَسَبِ مَنْزِلَةِ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِهِ، وَضَرَرُ الْجَهْلِ بِمَسَائِلِ الْحَيْضِ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْجَهْلِ بِغَيْرِهَا، فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَعْرِفَتِهَا وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ فِيهَا طَوِيلًا، فَإِنَّ الْمُحَصِّلَ يَتَشَوَّقُ إلَى ذَلِكَ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ أَهْلِ الْبَطَالَةِ. ثُمَّ الْكَلَامُ فِيهِ فِي عَشَرَةِ مَوَاضِعَ: فِي تَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَسَبَبِهِ، وَرُكْنِهِ، وَشَرْطِهِ، وَقَدْرِهِ، وَأَلْوَانِهِ، وَأَوَانِهِ، وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ، وَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ عَنْوَنَ بِهِ) أَيْ جَعَلَ الْحَيْضَ عُنْوَانًا عَلَى مَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ النِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَمَا يَتْبَعُهُمَا ط (قَوْلُهُ لِكَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَخَوَيْهِ (قَوْلُهُ وَأَصَالَتِهِ) أَيْ وَلِكَوْنِهِ أَصْلًا فِي هَذَا الْبَابِ فِي بَيَانِ الْأَحْكَامِ، وَالْأَصْلُ يُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ الْغَالِبِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ إنَّهُ عَنْوَنَ بِهِ وَحْدَهُ لِمَا ذُكِرَ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَ غَيْرِهِ أَيْضًا، فَإِنَّ الدِّمَاءَ الْمَبْحُوثَ عَنْهَا هُنَا ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ، وَخَصَّ مَا عَدَاهُمَا بِالِاسْتِحَاضَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ سَمَّى مَا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ دَمَ فَسَادٍ لَا اسْتِحَاضَةً (قَوْلُهُ هُوَ لُغَةً السَّيَلَانُ) يُقَالُ حَاضَ الْوَادِي: إذَا سَالَ، وَسُمِّيَ حَيْضًا لِسَيَلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ (قَوْلُهُ بِأَنَّهُ مِنْ الْأَحْدَاثِ) أَيْ إنَّ مُسَمَّاهُ الْحَدَثُ الْكَائِنُ مِنْ الدَّمِ كَالْجَنَابَةِ اسْمٌ لِلْحَدَثِ الْخَاصِّ لَا لِلْمَاءِ الْخَاصِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ) أَيْ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ مَانِعَةٌ عَمَّا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، كَالصَّلَاةِ، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَعَنْ الصَّوْمِ، وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْقُرْبَانِ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ إلَخْ) ظَاهِرُ الْمُتُونِ اخْتِيَارُهُ، قِيلَ وَلَا ثَمَرَةَ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ دَمٌ) شَمِلَ الدَّمَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ بَحْرٌ: أَيْ كَالطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ، فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا تُسَمَّى الْمَرْأَةُ حَائِضًا فِي غَيْرِ وَقْتِ دُرُورِ الدَّمِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ خَرَجَ الِاسْتِحَاضَةُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحِمِ وِعَاءُ الْوَلَدِ لَا الْفَرْجُ، خِلَافًا لِمَا فِي الْبَحْرِ. وَخَرَجَ دَمُ الرُّعَافِ وَالْجِرَاحَاتِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهَا وَإِنْ نُدِبَ إمْسَاكُ زَوْجِهَا عَنْهَا وَاغْتِسَالُهَا مِنْهُ، وَأَمَّا مَا يَخْرُجُ مِنْ رَحِمِ غَيْرِ الْآدَمِيَّةِ كَالْأَرْنَبِ وَالضَّبُعِ وَالْخُفَّاشِ، قَالُوا: وَلَا يَحِيضُ غَيْرُهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ نَهْرٌ، وَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ رَحِمِ امْرَأَةٍ كَمَا فِي الْكَنْزِ لِإِخْرَاجِ الْأَخِيرِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ، وَذَكَّرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا لِكَوْنِهَا دَمًا ط (قَوْلُهُ صَغِيرَةٌ) هِيَ كَمَا يَأْتِي: مَنْ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ وَآيِسَةٌ) سَيَأْتِي بَيَانُهَا مَتْنًا وَشَرْحًا (قَوْلُهُ وَمُشْكِلٌ) أَيْ خُنْثَى مُشْكِلٌ. قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مَا نَصُّهُ: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَالدَّمُ فَالْعِبْرَةُ لِلْمَنِيِّ دُونَ الدَّمِ. اهـ وَكَأَنَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ لَا يَشْتَبِهُ بِغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَيَشْتَبِهُ بِالِاسْتِحَاضَةِ. اهـ ح، وَهَلْ اعْتِبَارُهُ فِي زَوَالِ الْإِشْكَالِ أَوْ فِي لُزُومِ الْغُسْلِ مِنْهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فَلَا يَدُلُّ عَلَى الذُّكُورَةِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَعَلَى الثَّانِي فَوَجْهُ تَسْمِيَةِ الشَّارِحِ هَذَا الدَّمَ اسْتِحَاضَةً ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ابْتِلَاءُ اللَّهِ لِحَوَّاءَ إلَخْ) أَيْ وَبَقِيَ فِي بَنَاتِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا قِيلَ: إنَّهُ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَقَدْ رَدَّهُ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ
(وَالنَّاقِصُ) عَنْ أَقَلِّهِ
ــ
[رد المحتار]
وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْبَرُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَيْضِ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ» قَالَ النَّوَوِيُّ: أَيْ إنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ
(قَوْلُهُ وَرُكْنُهُ بُرُوزُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ) أَيْ ظُهُورُهُ مِنْهُ إلَى خَارِجِ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ، فَلَوْ نَزَلَ إلَى الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَبِهِ يُفْتَى قُهُسْتَانِيٌّ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ. وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ إلَيْهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَفَعَتْهُ بَعْدَهُ تَقْضِي الصَّوْمَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، يَعْنِي إذَا لَمْ يُحَاذِ حَرْفَ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ فَإِنْ حَاذَتْهُ الْبِلَّةُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ حَيْضًا وَنِفَاسًا اتِّفَاقًا وَكَذَا الْحَدَثُ بِالْبَوْلِ. اهـ بَحْرٌ (قَوْلُهُ نِصَابُ الطُّهْرِ) أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرُ (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا) كَمَا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ مَشْغُولَةً بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ حُكْمًا. اهـ ح (قَوْلُهُ وَعَدَمُ نَقْصِهِ) أَيْ الدَّمِ عَنْ أَقَلِّهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا يَأْتِي ط
(قَوْلُهُ بِالْبُرُوزِ) أَيْ بِوُجُودِ الرُّكْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فَبِالْبُرُوزِ تُتْرَكُ الصَّلَاةُ وَتَثْبُتُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ، وَلَكِنَّ هَذَا مَا دَامَ مُسْتَمِرًّا لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ لِدُونِ أَقَلِّهِ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَوْ مُبْتَدَأَةً) أَيْ الَّتِي لَمْ يَسْبِقْ لَهَا حَيْضٌ فِي سِنِّ بُلُوغِهَا، وَأَقَلُّهُ فِي الْمُخْتَارِ تِسْعٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: أَيْ فَإِنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تَتْرُكُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ) أَيْ صِحَّةٌ لِمَرَضِ الْجِسْمِ، وَالْمُقْتَضِي لِلِاسْتِحَاضَةِ عَارِضٌ، وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِيهِ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ إلَخْ ط
(قَوْلُهُ أَقَلُّهُ) أَيْ مُدَّةُ أَقَلِّهِ أَوْ أَقَلُّ مُدَّتِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِخْدَامِ قُهُسْتَانِيٌّ: أَيْ حَيْثُ رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَى الْحَيْضِ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ ط أَوْ أَقَلُّ الْحَيْضِ، وَقَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَبِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ عَلَى الثَّالِثِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَالْإِضَافَةُ إلَخْ) أَيْ إنَّ إضَافَةَ اللَّيَالِيِ إلَى ضَمِيرِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثِ لِبَيَانِ أَنَّ الْمُرَادَ مُجَرَّدُ كَوْنِهَا ثَلَاثًا لَا كَوْنُهَا لَيَالِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، فَلَوْ رَأَتْهُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يُكْمَلُ كُلُّ يَوْمٍ بِاللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، وَلِذَا صَرَّحَ الشَّارِحُ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ، فَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِالسَّاعَاتِ) وَهِيَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَاعَةً، وَالْفَلَكِيَّةُ هِيَ الَّتِي كُلُّ سَاعَةٍ مِنْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ دَرَجَةً وَتُسَمَّى الْمُعْتَدِلَةَ أَيْضًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ السَّاعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ، وَمَعْنَاهَا الزَّمَانُ الْقَلِيلُ، وَعَنْ السَّاعَاتِ الزَّمَانِيَّةِ وَتُسَمَّى الْمُعْوَجَّةَ وَهِيَ الَّتِي كُلُّ سَاعَةٍ مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا، أَوْ اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِهَا، فَتَارَةً تُسَاوِي الْفَلَكِيَّةَ كَمَا فِي يَوْمَيْ الْحَمَلِ وَالْمِيزَانِ، وَتَارَةً تَزِيدُ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْبُرُوجِ الشَّمَالِيَّةِ وَلَيَالِي الْبُرُوجِ الْجَنُوبِيَّةِ، وَتَارَةً تَنْقُصُ عَنْهَا كَمَا فِي لَيَالِيِ الْبُرُوجِ الشَّمَالِيَّةِ وَأَيَّامِ الْبُرُوجِ الْجَنُوبِيَّةِ ح.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الدَّمِ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ سَاعَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا نَادِرًا بَلْ انْقِطَاعُهُ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ فَصَاعِدًا غَيْرُ مُبْطِلٍ، كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى بَحْرٌ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ كَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ) الْإِشَارَةُ إلَى تَقْدِيرِ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِيهَا مَقَالٌ يَرْتَفِعُ بِهَا الضَّعِيفُ إلَى الْحَسَنِ، كَمَا بَسَطَ ذَلِكَ الْكَمَالُ وَالْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ، وَلَخَصَّهُ فِي الْبَحْرِ
(قَوْلُهُ وَالنَّاقِصُ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ بِيَسِيرٍ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: فَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ الدَّمَ حِينَ طَلَعَ نِصْفُ قُرْصِ الشَّمْسِ وَانْقَطَعَ
(وَالزَّائِدُ) عَلَى أَكْثَرِهِ أَوْ أَكْثَرِ النِّفَاسِ أَوْ عَلَى الْعَادَةِ وَجَاوَزَ أَكْثَرَهُمَا. (وَمَا تَرَاهُ) صَغِيرَةٌ دُونَ تِسْعٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَآيِسَةٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ (حَامِلٌ) وَلَوْ قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ (اسْتِحَاضَةٌ.)
(وَأَقَلُّ الطُّهْرِ) بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ أَوْ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) وَلَيَالِيهَا إجْمَاعًا (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) ، إنْ اسْتَغْرَقَ الْعُمُرَ (إلَّا عِنْدَ) الِاحْتِيَاجِ إلَى (نَصْبِ عَادَةٍ لَهَا إذَا اسْتَمَرَّ) بِهَا (الدَّمُ) فَيُحَدُّ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ بِشَهْرَيْنِ بِهِ يُفْتَى،
ــ
[رد المحتار]
فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ حِينَ طَلَعَ رُبُعُهُ كَانَ اسْتِحَاضَةً إلَى أَنْ يَطْلُعَ نِصْفُهُ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ حَيْضًا. وَالْمُعْتَادَةُ بِخَمْسَةٍ مَثَلًا إذَا رَأَتْ الدَّمَ حِينَ طَلَعَ نِصْفُهُ وَانْقَطَعَ فِي الْحَادِيَ عَشَرَ حِينَ طَلَعَ ثُلُثَاهُ فَالزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسَةِ اسْتِحَاضَةٌ؛ لِأَنَّهُ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ بِقَدْرِ السُّدُسِ. اهـ أَيْ سُدُسِ الْقُرْصِ (قَوْلُهُ وَالزَّائِدُ عَلَى أَكْثَرِهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ، أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَمَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا وَيُجَاوِزُ الْعَشَرَةَ فِي الْحَيْضِ وَالْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ يَكُونُ اسْتِحَاضَةً كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى الْعَادَةِ إلَخْ. أَمَّا إذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْأَكْثَرَ فِيهِمَا، فَهُوَ انْتِقَالٌ لِلْعَادَةِ فِيهِمَا، فَيَكُونُ حَيْضًا وَنِفَاسًا رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ وَآيِسَةٌ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَمًا خَالِصًا عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَبْلَ خُرُوجِ أَكْثَرِ الْوَلَدِ) حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ بَعْدَ خُرُوجِ أَقَلِّ الْوَلَدِ (قَوْلُهُ اسْتِحَاضَةٌ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَالنَّاقِصُ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ إلَخْ) أَيْ الْفَاصِلُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَقَلَّ الطُّهْرِ الْفَاصِلِ بَيْنَ النِّفَاسَيْنِ وَذَلِكَ نِصْفُ حَوْلٍ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ أَوْ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ فِيهَا لَا يَفْصِلُ عِنْدَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فَلَا يَكُونُ الدَّمُ الثَّانِي حَيْضًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَغْرَقَ الْعُمُرَ) صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ: الْأُولَى - أَنْ تَبْلُغَ بِالسِّنِّ وَتَبْقَى بِلَا دَمٍ طُولَ عُمُرِهَا، فَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ أَبَدًا، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَشْهُرِ. الثَّانِيَةُ - أَنْ تَرَى الدَّمَ عِنْدَ الْبُلُوغِ، أَوْ بَعْدَهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَسْتَمِرُّ انْقِطَاعُهُ، وَحُكْمُهَا كَالْأُولَى. الثَّالِثَةُ - أَنْ تَرَى مَا يَصْلُحُ حَيْضًا ثُمَّ يَسْتَمِرَّ انْقِطَاعُهُ، وَحُكْمُهَا كَالْأُولَى، إلَّا أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي لَهَا عِدَّةٌ إلَّا بِالْحَيْضِ إنْ طَرَأَ الْحَيْضُ عَلَيْهَا قَبْلَ سِنِّ الْإِيَاسِ، وَإِنْ لَمْ يَطْرَأْ فَبِالْأَشْهُرِ مِنْ ابْتِدَاءِ سِنِّ الْإِيَاسِ كَمَا فِي الْعِدَّةِ. اهـ ح (قَوْلُهُ فَيُحَدُّ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ: أَيْ إذَا عَلِمْت أَنَّ الطُّهْرَ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ إلَّا فِي زَمَنِ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ فَيُحَدُّ إلَخْ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْعِدَّةِ خَاصٌّ بِالْمُحَيَّرَةِ وَتَقْيِيدَهُ بِالشَّهْرَيْنِ خَاصٌّ بِهَا وَبِالْمُعْتَادَةِ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا كَمَا يَظْهَرُ قَرِيبًا (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) مُقَابِلُهُ أَقْوَالٌ.
فَفِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ عَشْرَةَ دَمًا وَسَنَةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ. قَالَ أَبُو عِصْمَةَ: حَيْضُهَا وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ، حَتَّى إنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي إذَا طَلُقَتْ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْمَيْدَانِيُّ: بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِجَوَازِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ، فَتَحْتَاجُ لِثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ كُلُّ طُهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً، وَكُلُّ حَيْضَةٍ عَشْرَةُ أَيَّامٍ. وَقِيلَ طُهْرُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَالْحَاكِمُ الشَّهِيدُ قَدَّرَهُ بِشَهْرَيْنِ؛ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ. اهـ.
قُلْت: وَفِي الْعِنَايَةِ أَنَّ قَوْلَ الْمَيْدَانِيِّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: هُوَ الْمُخْتَارُ؛ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُعْتَادَةَ لَا مُطْلَقًا، بَلْ فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ طُهْرُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاحْتِيجَ إلَى نِصْفِ عَادَةٍ لَهَا فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهَا كَمَا يَأْتِي خِلَافًا لِمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ.
وَعَمَّ كَلَامُهُ الْمُبْتَدَأَةَ وَالْمُعْتَادَةَ. وَمَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا وَتُسَمَّى الْمُحَيَّرَةَ وَالْمُضَلَّةَ؛ وَإِضْلَالُهَا إمَّا بِعَدَدٍ أَوْ بِمَكَانٍ
ــ
[رد المحتار]
مَبْحَثٌ فِي مَسَائِلِ الْمُتَحَيِّرَةِ (قَوْلُهُ وَعَمَّ كَلَامُهُ الْمُبْتَدَأَةَ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِرْكَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْحَيْضِ: الْمُبْتَدَأَةُ مَنْ كَانَتْ فِي أَوَّلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ. وَالْمُعْتَادَةُ: مَنْ سَبَقَ مِنْهَا دَمٌ وَطُهْرٌ صَحِيحَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا. وَالْمُضَلَّةُ وَتُسَمَّى الضَّالَّةُ وَالْمُتَحَيِّرَةُ: مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا، ثُمَّ قَالَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الِاسْتِمْرَارِ: إذَا وَقَعَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ عَشْرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ، ثُمَّ ذَلِكَ دَأْبُهَا وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ ثُمَّ عِشْرُونَ طُهْرُهَا إذْ لَا يَتَوَالَى نِفَاسٌ وَحَيْضٌ، ثُمَّ عَشْرَةٌ حَيْضُهَا ثُمَّ ذَلِكَ دَأْبُهَا، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمُعْتَادَةِ فَطُهْرُهَا وَحَيْضُهَا مَا اعْتَادَتْ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إنْ كَانَ طُهْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَتُرَدُّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ، وَإِنْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ دَمًا وَطُهْرًا صَحِيحَيْنِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ تَكُونُ مُعْتَادَةً وَعَلِمْت حُكْمَهَا. مِثَالُهُ: مُرَاهِقَةٌ رَأَتْ خَمْسَةً دَمًا وَأَرْبَعِينَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ حَيْضٌ لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ وَلَا تُوطَأُ وَكَذَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ، ثُمَّ الْأَرْبَعُونَ طُهْرُهَا، تَفْعَلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ أَحْكَامِ الطَّهَارَاتِ. ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلِ الْمُتَحَيِّرَةِ: وَلَا يُقَدَّرُ طُهْرُهَا وَحَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فِي الطَّلَاقِ، فَيُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشْرَةٍ وَطُهْرُهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً، فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا اسْتَمَرَّ دَمُهَا فَحَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ عَشْرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ، بَلْ نَقَلَ نُوحٌ أَفَنْدِي الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِمْدَادِ مِنْ أَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالْمُعْتَادَةُ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ مَا لَمْ يَكُنْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ غَيْرَ سَاعَةٍ كَالْمُتَحَيِّرَةِ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ فَقَطْ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْمَيْدَانِيِّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ فَتُرَدُّ إلَى شَهْرَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ. وَظَهَرَ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالشَّهْرَيْنِ أَوْ بِالسِّتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً خَاصٌّ بِالْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُعْتَادَةِ الَّتِي طُهْرُهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ. أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ الَّتِي طُهْرُهَا دُونَ ذَلِكَ فَلَيْسَا كَذَلِكَ. وَأَنَّ تَقْدِيرَ الطُّهْرِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ لِأَجْلِ الْعِدَّةِ فَقَطْ. وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَمْ يُقَيِّدُوا طُهْرَهَا بِكَوْنِهِ لِلْعِدَّةِ، بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الْمُعْتَادَةِ أَنَّ طُهْرَهَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّارِحِ فَافْهَمْ.
[تَتِمَّةٌ] لَمْ أَرَ مَا لَوْ رَأَتْ الْمُتَحَيِّرَةُ فِي الْعِدَدِ وَالْمَكَانِ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهَا فِي الِاسْتِمْرَارِ حُكْمُ الْمُبْتَدَأَةِ (قَوْلُهُ إمَّا بِعِدَدٍ) أَيْ عِدَدِ أَيَّامِهَا فِي الْحَيْضِ مَعَ عِلْمِهَا بِمَكَانِهَا مِنْ الشَّهْرِ أَنَّهَا فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ مَثَلًا. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِنْ عَلِمْت أَنَّهَا تَطْهُرُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَلَمْ تَدْرِ عَدَدَ أَيَّامِهَا تَوَضَّأَتْ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهَا تَتَيَقَّنُ الطُّهْرَ فِيهَا ثُمَّ فِي سَبْعَةٍ بَعْدَهَا تَتَوَضَّأُ كَذَلِكَ لِلشَّكِّ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِتَيَقُّنِهَا بِالْحَيْضِ فِيهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ لِعِلْمِهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ فِيهِ، وَإِنْ عَلِمْت أَنَّهَا تَرَى الدَّمَ إذَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ وَلَمْ تَدْرِ كَمْ كَانَتْ أَيَّامُهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ ثَلَاثَةً بَعْدَ الْعِشْرِينَ ثُمَّ تُصَلِّي بِالْغُسْلِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ.
اهـ وَمِثْلُهُ فِي رِسَالَةِ الْبِرْكَوِيِّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ بِمَكَانٍ) أَيْ عَلِمَتْ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَنَسِيَتْ مَكَانَهَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَالْأَصْلُ أَنَّهَا إذَا أَضَلَّتْ أَيَّامَهَا فِي ضِعْفِهَا أَوْ أَكْثَرَ فَلَا تَيَقُّنَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا بِحَيْضٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَلَّتْ فِي أَقَلَّ مِنْ الضِّعْفِ؛ مَثَلًا إذَا أَضَلَّتْ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي الثَّالِثِ فَإِنَّهُ أَوَّلُ الْحَيْضِ أَوْ آخِرُهُ.
أَوْ بِهِمَا، كَمَا بُسِطَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاوِي وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَتَحَرَّى، وَمَتَى تَرَدَّدَتْ بَيْنَ حَيْضٍ وَدُخُولٍ فِيهِ وَطُهْرٍ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَإِنْ بَيْنَهُمَا وَالدُّخُولِ فِيهِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ
ــ
[رد المحتار]
فَنَقُولُ: إنْ عَلِمَتْ أَنَّ أَيَّامَهَا ثَلَاثَةٌ فَأَضَلَّتْهَا فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الشَّهْرِ وَلَا تَدْرِي فِي أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَلَا رَأْيَ لَهَا فِي ذَلِكَ تُصَلِّي ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِالْغُسْلِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَإِنْ أَرْبَعَةً فِي عَشْرَةٍ تُصَلِّي أَرْبَعَةً مِنْ أَوَّلِ الْعَشَرَةِ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ بِالِاغْتِسَالِ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ لِمَا قُلْنَا وَقِسْ عَلَيْهِ الْخَمْسَةَ؛ وَإِنْ سِتَّةً فِي عَشْرَةٍ تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ، فَتَتْرُكُ فِيهِمَا الصَّلَاةَ وَتُصَلِّي فِي الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَهُمَا بِالْوُضُوءِ وَفِي الَّتِي بَعْدَهُمَا بِالْغُسْلِ، وَإِنْ سَبْعَةً فِي عَشْرَةٍ تَتَيَقَّنُ بِالْحَيْضِ فِي أَرْبَعَةٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ؛ وَإِنْ ثَمَانِيَةً فِيهَا تَتَيَقَّنُ بِهِ فِي سِتَّةٍ بَعْدَ الْأَوَّلَيْنِ.
وَإِنْ تِسْعَةً فِيهَا تَتَيَقَّنُ بِهِ فِي ثَمَانِيَةٍ بَعْدَ الْأَوَّلِ، فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ فِي الْمُتَيَقَّنِ وَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ فِيمَا قَبْلَهُ وَبِالْغُسْلِ فِيمَا بَعْدَهُ لِمَا قُلْنَا بِرْكَوِيٌّ وتتارخانية (قَوْلُهُ أَوْ بِهِمَا) أَيْ الْعِدَدِ وَالْمَكَانِ، بِأَنْ لَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَلَا مَكَانَهَا مِنْ الشَّهْرِ، وَحُكْمُهَا مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَحَاصِلُهُ إلَخْ) أَيْ حَاصِلُ حُكْمِ الْمُضَلَّةِ بِأَنْوَاعِهَا فَقَدْ صَرَّحَ الْبِرْكَوِيُّ بِأَنَّهُ حُكْمُ الْإِضْلَالِ الْعَامِّ (قَوْلُهُ أَنَّهَا تَتَحَرَّى) أَيْ إنْ وَقَعَ تَحَرِّيهَا عَلَى طُهْرٍ تُعْطَى حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى حَيْضٍ تُعْطَى حُكْمَهُ. اهـ ح أَيْ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ دُرَرٌ (قَوْلُهُ وَمَتَى تَرَدَّدَتْ) أَيْ إنْ لَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهَا عَلَى شَيْءٍ فَعَلَيْهَا الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ فِي الْأَحْكَامِ بِرْكَوِيٌّ (قَوْلُهُ بَيْنَ حَيْضٍ إلَخْ) أَيْ لَمْ يَتَرَجَّحْ عِنْدَهَا أَنَّهَا مُتَلَبِّسَةٌ بِالْحَيْضِ أَوْ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيهِ أَوْ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بَلْ تَسَاوَتْ الثَّلَاثَةُ فِي ظَنِّهَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَدُخُولٌ فِيهِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، لِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا احْتَمَلَ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَأَنَّهَا حَائِضٌ فَقَدْ اسْتَوَى فِعْلُ الصَّلَاةِ وَتَرْكُهَا فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالْبَابُ بَابُ الْعِبَادَةِ، فَيُحْتَاطُ فِيهَا وَتُصَلِّي؛ لِأَنَّهَا إنْ صَلَّتْهَا وَلَيْسَتْ عَلَيْهَا يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَنْ تَتْرُكَهَا وَهِيَ عَلَيْهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ، ثُمَّ إنَّ عِبَارَةَ الْبَحْرِ والتتارخانية وَالْبِرْكَوِيَّةِ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَإِنْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، قَوْلُهُ وَالدُّخُولُ فِيهِ: أَيْ فِي الطُّهْرِ، وَعَبَّرَ فِي الْبَحْرِ بِالْخُرُوجِ عَنْ الْحَيْضِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
وَمِثَالُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا: امْرَأَةٌ تَذْكُرُ أَنَّ حَيْضَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةٌ وَانْقِطَاعُهُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ وَلَا تَذْكُرُ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ تَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَفِي الثَّانِي بَيْنَهُمَا وَالدُّخُولِ فِي الطُّهْرِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَذْكُرْ شَيْئًا أَصْلًا فَهِيَ مُرَدَّدَةٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ بَيْنَ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ التَّرَدُّدِ بَيْنَهُمَا وَالدُّخُولِ فِي الطُّهْرِ (قَوْلُهُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) لِجَوَازِ أَنَّهُ وَقْتُ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَالدُّخُولِ فِي الطُّهْرِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي سَهْلٍ أَنَّهَا إذَا اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ وَصَلَّتْ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ فِي وَقْتِ الْأُخْرَى أَعَادَتْ الْأُولَى قَبْلَ الْوَقْتِيَّةِ، وَهَكَذَا تَصْنَعُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ احْتِيَاطًا. اهـ لِاحْتِمَالِ حَيْضِهَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَطُهْرِهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ احْتِيَاطًا، وَاخْتَارَهُ الْبِرْكَوِيُّ.
[تَنْبِيهٌ] تَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَالْبَدَائِعِ، وَعَبَّرَ الْبِرْكَوِيُّ فِي رِسَالَتِهِ بِقَوْلِهِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَقَالَ فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهَا هَذَا اسْتِحْسَانُ وَالْقِيَاسُ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَقْتُ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمُحِيطِ وَالنَّسَفِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَفِيمَا قَالَاهُ حَرَجٌ بَيِّنٌ مَعَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ بَاقٍ بِمَا قَالَاهُ لِجَوَازِ الِانْقِطَاعِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الْغُسْلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا، فَاخْتَرْنَا
وَتَتْرُكُ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ وَمَسْجِدًا وَجِمَاعًا وَتَصُومُ رَمَضَانَ، ثُمَّ تَقْضِي عِشْرِينَ يَوْمًا إنْ عَلِمَتْ بِدَايَتَهُ لَيْلًا وَإِلَّا فَاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَتَطُوفُ لِرُكْنٍ ثُمَّ تُعِيدُهُ بَعْدَ عَشْرَةٍ وَلِصَدَرٍ وَلَا تُعِيدُهُ، وَتَعْتَدُّ لِطَلَاقٍ بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ
(وَمَا تَرَاهُ) مِنْ لَوْنٍ كَكُدْرَةٍ وَتَرْبِيَةٍ (فِي مُدَّتِهِ) الْمُعْتَادَةِ (سِوَى بَيَاضٍ خَالِصٍ) قِيلَ هُوَ شَيْءٌ يُشْبِهُ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ
ــ
[رد المحتار]
الِاسْتِحْسَانَ، وَقَدْ قَالَ بِهِ الْبَعْضُ، وَقَدَّمَهُ بُرْهَانُ الدِّينِ فِي الْمُحِيطِ وَتَدَارَكْنَا ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ بِاخْتِيَارِ قَوْلِ أَبِي سَهْلٍ أَنَّهَا تُعِيدُ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِ أُخْرَى قَبْلَ الْوَقْتِيَّةِ، فَتَتَيَقَّنُ بِالطَّهَارَةِ فِي إحْدَاهُمَا لَوْ وَقَعَتْ فِي طُهْرٍ. اهـ. أَقُولُ: وَهُوَ تَحْقِيقٌ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ (قَوْلُهُ وَتَتْرُكُ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَإِنْ بَيْنَهُمَا إلَخْ ذَكَرَهُ ح وط.
أَقُولُ: وَهُوَ تَخْصِيصٌ بِلَا مُخَصِّصٍ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ فَلْيُرَاجَعْ، وَإِنَّمَا لَا تُتْرَكُ السُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ وَمِثْلُهَا الْوَاجِبُ بِالْأَوْلَى لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ جَبْرًا لِنُقْصَانٍ يُمْكِنُ فِي الْفَرَائِضِ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْفَرَائِضِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهَا تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً قَصِيرَةً، وَتَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّحِيحِ، وَتَقْرَأُ الْقُنُوتَ وَسَائِرَ الدَّعَوَاتِ بِرْكَوِيَّةٌ وَغَيْرُهَا (قَوْلُهُ وَمَسْجِدًا وَجِمَاعًا) أَيْ تَتْرُكُهُمَا، بِأَنْ لَا تَدْخُلَ الْمَسْجِدَ أَيْ إلَّا لِطَوَافٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا بَعْدَهُ، وَلَا تُمَكِّنُ زَوْجَهَا مِنْ جِمَاعِهَا، وَكَذَا لَا تَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا تَصُومُ تَطَوُّعًا، وَإِنْ سَمِعَتْ سَجْدَةً فَسَجَدَتْ لِلْحَالِ سَقَطَتْ؛ لِأَنَّهَا لَوْ طَاهِرَةً صَحَّ أَدَاؤُهَا وَإِلَّا لَمْ تَلْزَمْهَا، وَإِنْ أَخَّرَتْهَا أَعَادَتْهَا بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِلتَّيَقُّنِ بِالْأَدَاءِ فِي الطُّهْرِ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهَا صَلَاةٌ فَائِتَةٌ فَقَضَتْهَا فَعَلَيْهَا إعَادَتُهَا بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ أَنْ تَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَّا اُحْتُمِلَ عَوْدُ حَيْضِهَا تَتَارْخَانِيَّةٌ وَبِرْكَوِيَّةٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ تَقْضِي عِشْرِينَ يَوْمًا) أَيْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَيْضَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فِي رَمَضَانَ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ فِي الْعِشْرِينَ الَّتِي قَضَتْهَا. اهـ ح (قَوْلُهُ إنْ عَلِمَتْ بِدَايَتَهُ لَيْلًا) ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ لَيْلًا خُتِمَ لَيْلًا وَبَيْنَ اللَّيْلَتَيْنِ عَشْرَةٌ، فَلَمْ يَفْسُدْ مِنْ صَوْمِهَا سِوَى عَشْرَةِ أَيَّامٍ فِي رَمَضَانَ وَعَشْرَةٍ فِي الْقَضَاءِ ح (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ عَلِمَتْ بِدَايَتَهُ نَهَارًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ نَهَارًا خُتِمَ نَهَارَ حَادِي عَشَرَ الْأَوَّلِ، فَيَفْسُدُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ صَوْمِهَا فِي رَمَضَانَ، وَمِثْلُهَا فِي الْقَضَاءِ ح. وَمِثْلُهُ مَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ شَيْئًا كَمَا فِي الْخَزَائِنِ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا إنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ، أَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ وَكَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا قَضَتْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ إنْ قَضَتْ مَوْصُولًا بِرَمَضَانَ: أَيْ فِي ثَانِي شَوَّالٍ وَإِنْ مَفْصُولًا فَثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا تَقْضِي فِي الْوَصْلِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَفِي الْفَصْلِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّ ابْتِدَاءَهُ بِاللَّيْلِ. وَالشَّهْرُ كَامِلٌ تَقْضِي فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا فَفِي الْوَصْلِ عِشْرِينَ وَفِي الْفَصْلِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَتَمَامُ الْمَسَائِلِ فِي الْبِرْكَوِيَّةِ وَتَوْجِيهُهَا فِي شَرْحِنَا عَلَيْهَا، وَكَذَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ فِيهِ تَحْرِيفٌ وَسَقْطٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ.
(قَوْلُهُ وَلِصَدَرٍ) بِالتَّحْرِيكِ: هُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ، وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِ الْمَكِّيِّ، وَسَكَتَ عَنْ طَوَافِ التَّحِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَتَتْرُكُهُ (قَوْلُهُ وَلَا تُعِيدُهُ) ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَقَدْ سَقَطَ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَتَعْتَدُّ لِطَلَاقٍ) وَقِيلَ لَا يُقَدَّرُ لِعِدَّتِهَا طُهْرٌ وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَبَدًا (قَوْلُهُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ السَّابِقِ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُقَدَّرُ طُهْرُهَا لِلْعِدَّةِ بِشَهْرَيْنِ؛ فَتَنْقَضِي بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ لِاحْتِيَاجِهَا إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَثَلَاثِ حَيْضَاتٍ بِشَهْرٍ.
(وَلَوْ) الْمَرْئِيُّ (طُهْرًا مُتَخَلِّلًا)
ــ
[رد المحتار]
وَكَتَبَ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ مَا نَصُّهُ: قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاخْتَارَهُ فِي الْبَحْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي النَّهْرِ. اهـ لَكِنْ فِي السِّرَاجِ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ: إنَّمَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ إلَّا سَاعَةً؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ طَلَّقَهَا فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ فَلَا يُحْتَسَبُ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ فَتَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَهِيَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةُ أَيَّامٍ إلَّا سَاعَةً، وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي مَضَتْ مِنْ الْحَيْضِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ.
(قَوْلُهُ كَكُدْرَةٍ وَتَرْبِيَةٍ) اعْلَمْ أَنَّ أَلْوَانَ الدِّمَاءِ سِتَّةٌ: هَذَانِ وَالسَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَالْخَضِرَةُ.
ثُمَّ الْكُدْرَةُ مَا هُوَ كَالْمَاءِ الْكَدِرِ، وَالتُّرْبِيَّةُ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ عَلَى لَوْنِ التُّرَابِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا بِغَيْرِ هَمْزَةٍ نِسْبَةً إلَى التُّرْبِ بِمَعْنَى التُّرَابِ، وَالصُّفْرَةُ كَصُفْرَةِ الْقَزِّ وَالتِّبْنِ أَوْ السِّنِّ عَلَى الِاخْتِلَافِ؛ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرُّؤْيَةِ لَا حَالَةُ التَّغَيُّرِ؛ كَمَا لَوْ رَأَتْ بَيَاضًا فَاصْفَرَّ بِالْيُبْسِ أَوْ رَأَتْ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً فَابْيَضَّتْ بِالْيُبْسِ. وَأَنْكَرَ أَبُو يُوسُفَ الْكُدْرَةَ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ دُونَ آخِرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الْخُضْرَةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا حَيْضٌ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ دُونَ الْآيِسَةِ. وَبَعْضُهُمْ قَالَ: فِيمَا عَدَا السَّوَادَ وَالْحُمْرَةَ لَوْ وَجَدَتْهُ عَجُوزٌ عَلَى الْكُرْسُفِ فَهُوَ حَيْضٌ إنْ كَانَتْ مُدَّةُ وَضْعِهِ قَرِيبَةً وَإِلَّا فَلَا.
مَطْلَبٌ لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا
وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَخْرِ الْأَئِمَّةِ: لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا. اهـ وَخَصَّهُ بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْوَانَ كُلَّهَا حَيْضٌ فِي أَيَّامِهِ لِمَا فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ " كَانَتْ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ فَتَقُولُ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ " اهـ وَالدُّرْجَةُ: بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ الْجِيمِ خِرْقَةٌ وَنَحْوُهَا تُدْخِلُهَا الْمَرْأَةُ فِي فَرْجِهَا لِتَعْرِفَ أَزَالَ الدَّمُ أَمْ لَا. وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّاد الْمُهْمَلَةِ الْجَصَّةُ؛ وَالْمَعْنَى أَنْ تَخْرُجَ الدُّرْجَةُ كَأَنَّهَا قَصَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا صُفْرَةٌ وَلَا تُرْبِيَّةٌ؛ وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ الِانْقِطَاعِ.
وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: وَضْعُ الْكُرْسُفِ مُسْتَحَبٌّ لِلْبِكْرِ فِي الْحَيْضِ وَلِلثَّيِّبِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَمَوْضِعُهُ مَوْضِعُ الْبَكَارَةِ، وَيُكْرَهُ فِي الْفَرْجِ الدَّاخِلِ. اهـ.
وَفِي غَيْرِهِ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلثَّيِّبِ فِي الْحَيْضِ مُسْتَحَبٌّ فِي الطُّهْرِ، وَلَوْ صَلَّتَا بِدُونِهِ جَازَ. اهـ مُلَخَّصًا مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ. وَالْكُرْسُفُ: بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ الْقُطْنُ. وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ: مَا يُوضَعُ عَلَى فَمِ الْفَرْجِ (قَوْلُهُ فِي مُدَّتِهِ) احْتِرَازٌ عَمَّا تَرَاهُ الصَّغِيرَةُ، وَكَذَا الْآيِسَةُ فِي كُلِّ مَا تَرَاهُ مُطْلَقًا أَوْ سِوَى الدَّمِ الْخَالِصِ عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ الْمُعْتَادَةُ) احْتِرَازٌ عَمَّا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ وَجَاوَزَ الْعَشَرَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ
(قَوْلُهُ وَلَوْ الْمَرْئِيُّ طُهْرًا إلَخْ) مُرَادُهُمْ بِالطُّهْرِ هُنَا النَّقَاءُ بِالْمَدِّ: أَيْ عَدَمُ الدَّمِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ إذَا كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ يَكُونُ فَاصِلًا بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي الْحَيْضِ اتِّفَاقًا فَمَا بَلَغَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الدَّمَيْنِ نِصَابًا جُعِلَ حَيْضًا، وَأَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَكُونُ فَاصِلًا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّمَيْنِ اتِّفَاقًا. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ كُلُّهَا رُوِيَتْ عَنْ الْإِمَامِ أَشْهُرُهَا ثَلَاثَةٌ:
بَيْنَ الدَّمَيْنِ (فِيهَا حَيْضٌ) ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ فَلْيُحْفَظْ. ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَهُ بِقَوْلِهِ (يَمْنَعُ صَلَاةً)
ــ
[رد المحتار]
الْأُولَى - قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ: إنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ لَا يَفْصِلُ، بَلْ يَكُونُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي بِشَرْطِ إحَاطَةِ الدَّمِ لِطَرَفَيْ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ، فَيَجُوزُ بِدَايَةُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَخَتْمُهُ بِهِ أَيْضًا، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى حَيْضٌ، وَلَوْ رَأَتْ الْمُعْتَادَةُ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشْرَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ حَيْضٌ إنْ كَانَتْ عَادَتَهَا وَإِلَّا رُدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ الشَّرْطَ إحَاطَةُ الدَّمِ لِطَرَفَيْ مُدَّةِ الْحَيْضِ، فَلَا يَجُوزُ بِدَايَةُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا خَتْمُهُ بِهِ؛ فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ؛ وَلَوْ رَأَتْ مُعْتَادَةٌ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا، وَكَذَا النِّفَاسُ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ.
الثَّالِثَةُ: قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ، فَلَوْ كَانَ أَكْثَرَ فَصَلَ، لَكِنْ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَالسَّابِقُ حَيْضٌ، وَلَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَهُوَ الْحَيْضُ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِلَّا فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ. وَلَا يَجُوزُ بَدْءُ الْحَيْضِ بِالطُّهْرِ وَلَا خَتْمُهُ بِهِ؛ فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْأَرْبَعَةُ حَيْضٌ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْمُتَخَلِّلَ دُونَ ثَلَاثِ وَهُوَ لَا يَفْصِلُ اتِّفَاقًا كَمَا مَرَّ؛ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَالسِّتَّةُ حَيْضٌ لِلِاسْتِوَاءِ؛ وَلَوْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالثَّلَاثَةُ حَيْضٌ لِغَلَبَةِ الطُّهْرِ فَصَارَ فَاصِلًا وَالْمُتَقَدِّمُ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا، هَذَا خُلَاصَةُ مَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ صَحَّحَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ فِي الْمَسْبُوطِ وَالْمُحِيطِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي الْهِدَايَةِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ. اهـ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَوْا بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي سِرَاجٌ، وَهُوَ الْأَوْلَى فَتْحٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخِرُ نِهَايَةٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ؛ فَفِي الْبَحْرِ قَدْ اخْتَارَهَا أَصْحَابُ الْمُتُونِ، لَكِنْ لَمْ تُصَحَّحْ فِي الشُّرُوحِ.
[تَتِمَّةٌ] الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ فِي النِّفَاسِ لَا يَفْصِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سَوَاءٌ كَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَيُجْعَلُ إحَاطَةُ الدَّمَيْنِ بِطَرَفَيْهِ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعِنْدَهُمَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ تَفْصِلُ، فَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْوِلَادَةِ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا؛ فَعِنْدَهُ الْأَرْبَعُونَ نِفَاسٌ وَعِنْدَهُمَا الدَّمُ الْأَوَّلُ؛ وَلَوْ رَأَتْ مَنْ بَلَغَتْ بِالْحَبَلِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ خَمْسَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ؛ فَعِنْدَهُ نِفَاسُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ؛ وَعِنْدَهُمَا نِفَاسُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى وَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ، وَتَمَامُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ (قَوْلُهُ حَيْضٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَمَا تَرَاهُ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ) أَيْ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي جَعْلِ الطُّهْرِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ حَيْضًا كَوْنُ الدَّمَيْنِ الْمُحِيطِينَ بِهِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ لَا فِي مُدَّةِ الطُّهْرِ (قَوْلُهُ فَلْيُحْفَظْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ اخْتِيَارَ أَصْحَابِ الْمُتُونِ لَهُ تَرْجِيحٌ.
أَقُولُ: لَكِنَّهُ تَصْحِيحٌ الْتِزَامِيٌّ؛ وَقَدْ صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ بِأَنَّ التَّصْحِيحَ الصَّرِيحَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِالْتِزَامِيِّ (قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَهُ) أَيْ بَعْضَهَا؛ وَإِلَّا فَقَدْ أَوْصَلَهَا فِي الْبَحْرِ إلَى اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ: مِنْهَا أَنْ يَمْنَعَ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ إلَّا الَّتِي يُقْصَدُ بِهَا التَّنْظِيفُ كَأَغْسَالِ الْحَجِّ، وَلَا يُحَرِّمُهَا لِقَوْلِهِمْ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ كُلَّ صَلَاةٍ وَتَقْعُدَ عَلَى مُصَلَّاهَا تُسَبِّحُ وَتُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ بِقَدْرِ أَدَائِهَا كَيْ لَا تَنْسَى عَادَتَهَا. وَفِي رِوَايَةٍ يُكْتَبُ لَهَا ثَوَابُ أَحْسَنِ صَلَاةٍ كَانَتْ تُصَلِّي، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاعْتِكَافَ، وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَيُفْسِدُهُ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ طَوَافِ الصَّدَرِ، وَيُحَرِّمُ الطَّلَاقَ وَتَبْلُغُ بِهِ الصَّبِيَّةُ، وَيَتَعَلَّقُ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءُ؛ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ، وَلَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالْفِطْرِ، بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَنَحْوِهَا، وَكُلُّ أَحْكَامِهِ تَتَعَلَّقُ بِالنِّفَاسِ إلَّا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ يَمْنَعُ) أَيْ الْحَيْضُ وَكَذَا النِّفَاسُ خَزَائِنُ (قَوْلُهُ صَلَاةَ) أَيْ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَيُحَرِّمُهَا وَهَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا لِعَدَمِ
مُطْلَقًا وَلَوْ سَجْدَةَ شُكْرٍ (وَصَوْمًا) وَجِمَاعًا (وَتَقْضِيهِ) لُزُومًا دُونَهَا لِلْحَرَجِ.
وَلَوْ شَرَعَتْ تَطَوُّعًا فِيهِمَا فَحَاضَتْ قَضَتْهُمَا خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ بَحْرٌ. وَفِي الْفَيْضِ: لَوْ نَامَتْ طَاهِرَةً وَقَامَتْ حَائِضَةً حُكِمَ بِحَيْضِهَا مُنْذُ قَامَتْ وَبِعَكْسِهِ مُنْذُ نَامَتْ احْتِيَاطًا.
(وَ) يَمْنَعُ حِلَّ (دُخُولِ مَسْجِدٍ
ــ
[رد المحتار]
فَائِدَته وَهِيَ الْأَدَاءُ أَوْ الْقَضَاءُ أَمْ لَا؟ وَتَسْقُطُ لِلْحَرَجِ خِلَافٌ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ كُلًّا أَوْ بَعْضًا؛ لِأَنَّ مَنْعَ الشَّيْءِ مَنْعٌ لِأَبْعَاضِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَجْدَةَ شُكْرٍ) أَيْ أَوْ تِلَاوَةٍ فَيَمْنَعُ صِحَّتَهُمَا وَيُحَرِّمُهُمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَصَوْمًا) أَيْ يُحَرِّمُهُ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ لَا وُجُوبَهُ فَلِذَا تَقْضِيهِ (قَوْلُهُ وَجِمَاعًا) أَيْ يُحَرِّمُهُ، وَكَذَا مَا فِي حُكْمِهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَتَقْضِيهِ) أَيْ الصَّوْمَ عَلَى التَّرَاخِي فِي الْأَصَحِّ خَزَائِنُ، وَعَزَاهُ فِي هَامِشِهَا إلَى مُنْلَا مِسْكِينٍ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِلْحَرَجِ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ دُونَهَا: أَيْ؛ لِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا بِتَكَرُّرِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَتَكَرُّرُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا وَاحِدًا، وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِيهِ وَهَلْ يُكْرَهُ لَهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ؟ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ خ لَافَ الْأَوْلَى. قَالَ فِي النَّهْرِ: يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بَدَلَ الْمَسْحِ كُرِهَ. اهـ تَأَمَّلْ.
وَهَلْ يُكْرَهُ لَهَا التَّشَبُّهُ بِالصَّوْمِ أَمْ لَا؟ مَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَهَا حَرَامٌ فَالتَّشَبُّهُ بِهِ مِثْلُهُ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ وَالْقُعُودُ فِي مُصَلَّاهَا وَهُوَ تَشَبُّهٌ بِالصَّلَاةِ. اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَعَتْ تَطَوُّعًا فِيهِمَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ أَمَّا الْفَرْضُ فَفِي الصَّوْمِ تَقْضِيهِ دُونَ الصَّلَاةِ وَإِنْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهَا أَدَاؤُهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَنَا لِآخِرِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْمَنْبَعِ (قَوْلُهُ فَحَاضَتْ) أَيْ فِي أَثْنَائِهِمَا (قَوْلُهُ قَضَتْهُمَا) لِلُزُومِهِمَا بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ نَفْلِ الصَّلَاةِ لَا نَفْلَ الصَّوْمِ ط (قَوْلُهُ بَحْرٌ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ قَوْلِ الْمَتْنِ: وَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي الْمُدَّةِ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ؛ وَنَقَلَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا عَنْ الْبَدَائِعِ وَالنِّهَايَةِ والإسبيجابي؛ ثُمَّ قَالَ: فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ) أَيْ عَكْسِ التَّصْوِيرِ الْمَذْكُورِ، بِأَنْ نَامَتْ حَائِضًا وَقَامَتْ طَاهِرَةً: أَيْ وَضَعَتْ الْكُرْسُفَ وَنَامَتْ فَلَمَّا أَصْبَحَتْ رَأَتْ عَلَيْهِ الطُّهْرَ لَا عَكْسُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ مُنْذُ نَامَتْ: أَيْ حُكِمَ بِحَيْضِهَا مِنْ حِينِ نَامَتْ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ فِي الصُّورَتَيْنِ، فَتَقْضِي الْعِشَاءَ فِيهِمَا إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ حَتَّى لَوْ نَامَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْوَقْتِ ثُمَّ انْتَبَهَتْ بَعْدَ خُرُوجِهِ حَائِضًا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا طَاهِرَةً فِي آخِرِ الْوَقْتِ حَيْثُ لَمْ نَحْكُمْ بِحَيْضِهَا إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ، وَلَوْ نَامَتْ حَائِضًا وَانْتَبَهَتْ طَاهِرَةً بَعْدَ الْوَقْتِ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ الَّتِي نَامَتْ عَنْهَا؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا طَاهِرَةً مِنْ حِينِ نَامَتْ، وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَلِأَنَّ الدَّمَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يُضَافَ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ فَتُجْعَلُ حَائِضًا مُنْذُ قَامَتْ؛ وَالِانْقِطَاعُ عَدَمٌ وَهُوَ الْأَصْلُ فَلَا يُحْكَمُ بِخِلَافِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يُعْلَمْ دُرُورُ الدَّمِ فِي نَوْمِهَا فَجُعِلَتْ طَاهِرَةً مُنْذُ نَامَتْ، فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا فِي الْعَكْسِ فَقَطْ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ، نَعَمْ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَبِعَكْسِهِ مُذْ نَامَتْ إيهَامٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَائِضًا حِينَ نَوْمِهَا وَطَهُرَتْ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَوْ قَالَ حُكِمَ بِطُهْرِهَا مُذْ نَامَتْ وَكَذَا فِي عَكْسِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ
(قَوْلُهُ وَيَمْنَعُ حِلَّ) قَدَّرَ لَفْظَةَ حِلٍّ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ الْمَنْعُ فِيهِ مِنْ الْحِلِّ وَالصِّحَّةِ فَلِذَا أَطْلَقَ الْمَنْعَ فِيهِ (قَوْلُهُ دُخُولِ مَسْجِدٍ) أَيْ وَلَوْ الْمَسْجِدُ مَدْرَسَةً أَوْ دَارًا لَا يَمْنَعُ أَهْلُهُمَا النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ وَكَانَا لَوْ أُغْلِقَا يَكُونُ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَحْثِ الْغُسْلِ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْقُنْيَةِ. وَخَرَجَ مُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَإِنْ كَانَ لَهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ
وَ) حِلَّ (الطَّوَافُ) وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ وَشُرُوعِهَا فِيهِ (وَقُرْبَانُ مَا تَحْتَ إزَارٍ) يَعْنِي مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ، وَحَلَّ مَا عَدَاهُ مُطْلَقًا. وَهَلْ يَحِلُّ النَّظَرُ وَمُبَاشَرَتُهَا لَهُ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ
(وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ) بِقَصْدِهِ (وَمَسُّهُ) وَلَوْ مَكْتُوبًا بِالْفَارِسِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ (وَإِلَّا بِغِلَافِهِ) الْمُنْفَصِلِ كَمَا مَرَّ (وَكَذَا) يُمْنَعُ (حَمْلُهُ) كَلَوْحٍ وَوَرَقٍ فِيهِ آيَةٌ.
ــ
[رد المحتار]
فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ مَعَ عَدَمِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ، وَأَفَادَ مَنْعَ الدُّخُولِ وَلَوْ لِلْمُرُورِ، وَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَحْوِيلُهُ وَلَا السُّكْنَى فِي غَيْرِهِ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِلْمُرُورِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَسْبُوطِ.
مُسَافِرٌ مَرَّ بِمَسْجِدٍ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَجِدُ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ عِنْدَنَا. اهـ وَكَذَا وَلَوْ مَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ خَوْفًا مِنْ الْخُرُوجِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ احْتَلَمَ فِيهِ وَأَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مُسْرِعًا فَإِنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ (قَوْلُهُ وَحَلَّ الطَّوَافُ) ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَهُ وَاجِبَةٌ فَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا وَإِنْ صَحَّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ) أَيْ وَلَوْ عَرَضَ الْحَيْضُ بَعْدَ دُخُولِهَا الْمَسْجِدَ فَعَدَمُ الْحِلِّ ذَاتِيٌّ لَهُ لَا لِعِلَّةِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ ط، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَحِلُّ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَقُرْبَانُ مَا تَحْتَ إزَارٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى مَفْعُولِهِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ قُرْبَانَ زَوْجِهَا مَا تَحْتَ إزَارِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ يَعْنِي مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ) فَيَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالسُّرَّةِ وَمَا فَوْقَهَا وَالرُّكْبَةِ وَمَا تَحْتَهَا وَلَوْ بِلَا حَائِلٍ، وَكَذَا بِمَا بَيْنَهُمَا بِحَائِلٍ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَلَوْ تَلَطَّخَ دَمًا، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَلَا اسْتِعْمَالُ مَا مَسَّتْهُ مِنْ عَجِينٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إلَّا إذَا تَوَضَّأَتْ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ كَمَا هُوَ الْمُسْتَحَبُّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا.
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْزِلَ عَنْ فِرَاشِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ فِعْلَ الْيَهُودِ بَحْرٌ.
وَفِي السِّرَاجِ: يُكْرَهُ أَنْ يَعْزِلَهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يُخَالِطُهَا فِيهِ. هَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ عِنْدَنَا فِي كِتَابِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَنَّ الرُّكْبَةَ مِنْ الْعَوْرَةِ، وَمُقْتَضَاهُ كَمَا أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بِالرُّكْبَةِ لِاسْتِدْلَالِهِمْ لَهُمْ هُنَا بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا دُونَ الْإِزَارِ» وَمَحَلُّهُ الْعَوْرَةُ الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا الرُّكْبَةُ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَهَلْ يَحِلُّ النَّظَرُ) أَيْ بِشَهْوَةٍ، وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِنْ عُمُومِ حِلِّ مَا عَدَا الْقُرْبَانَ، وَأَصْلُ التَّرَدُّدِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ عَبَّرَ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَيَشْمَلُ النَّظَرَ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلَا يَشْمَلُهُ وَمَالَ إلَى الثَّانِي، وَمَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ إلَى الْأَوَّلِ، وَانْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ ح إلَى الْأَوَّلِ.
وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالْمُبَاشَرَةِ: أَيْ الْتِقَاءِ الْبَشَرَةِ سَاكِتٌ عَنْ النَّظَرِ، وَمَنْ عَبَّرَ بِالِاسْتِمْتَاعِ مَانِعٌ لِلنَّظَرِ، فَيُؤْخَذُ بِهِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْمَفْهُومِ، عَلَى أَنَّهُ نَقَلَ فِي الْحَقَائِقِ فِي بَابِ الِاسْتِحْسَانِ عَنْ التُّحْفَةِ وَالْخَانِيَّةِ: يَجْتَنِبُ الرَّجُلُ مِنْ الْحَائِضُ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ عِنْدَ الْإِمَامِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجْتَنِبُ شِعَارَ الدَّمِ يَعْنِي الْجِمَاعَ فَقَطْ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ الْإِمَامِ: قِيلَ لَا يُبَاحُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ بِمَا دُونَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَيُبَاحُ مَا وَرَاءَهُ، وَقِيلَ يُبَاحُ مَعَ الْإِزَارِ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ حِلِّ النَّظَرِ إلَى مَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَالثَّانِي قَرِيبٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ بَعْدَ النَّقْلِ إلَّا الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُبَاشَرَتُهَا لَهُ) سَبَبُ تَرَدُّدِهِ فِي الْمُبَاشَرَةِ تَرَدُّدُ الْبَحْرِ فِيهَا، حَيْثُ قَالَ: وَلَمْ أَرَ لَهُمْ حُكْمَ مُبَاشَرَتِهَا لَهُ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَهُ بِأَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ تَمْكِينُهَا مِنْ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا حَرُمَ فِعْلُهَا بِهِ بِالْأَوْلَى. وَلِقَائِلٍ أَنْ يُجَوِّزَهُ بِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا حَائِضًا، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي حَقِّهِ فَحَلَّ لَهَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ وَلِأَنَّ غَايَةَ مَسِّهَا لِذَكَرِهِ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا. اهـ. وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّهْرِ الثَّانِي: لَكِنْ فِيمَا إذَا كَانَتْ مُبَاشَرَتُهَا لَهُ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ، كَمَا إذَا وَضَعَتْ
(وَلَا بَأْسَ) لِحَائِضٍ وَجُنُبٍ (بِقِرَاءَةِ أَدْعِيَةٍ وَمَسِّهَا وَحَمْلِهَا وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَسْبِيحٍ) وَزِيَارَةِ قُبُورٍ، وَدُخُولِ مُصَلَّى عِيدٍ (وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ بَعْدَ مَضْمَضَةٍ، وَغَسْلِ يَدٍ) وَأَمَّا قَبْلَهُمَا فَيُكْرَهُ لِجُنُبٍ
ــ
[رد المحتار]
يَدَهَا عَلَى فَرْجِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَحْرِ، لَا إذَا كَانَتْ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا؛ كَمَا إذَا وَضَعَتْ فَرْجَهَا عَلَى يَدِهِ فَهَذَا كَمَا تَرَى تَحْقِيقٌ لِكَلَامِ الْبَحْرِ لَا اعْتِرَاضٌ عَلَيْهِ فَافْهَمْ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ وَجِيهٌ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ حَتَّى بِذَكَرِهِ جَمِيعَ بَدَنِهَا إلَّا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ فَكَذَا هِيَ لَهَا أَنْ تَلْمِسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهَا إلَّا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ جَمِيعَ بَدَنِهِ حَتَّى ذَكَرَهُ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ لَمْسُهَا لِذَكَرِهِ حَرَامًا لَحَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْ لَمْسِهِ بِذَكَرِهِ لِمَا عَدَا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مِنْهَا، وَإِذَا حَرُمَ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ مَا تَحْتَ إزَارِهَا حَرُمَ عَلَيْهَا تَمْكِينُهُ مِنْهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مُبَاشَرَتُهَا لَهُ بِمَا تَحْتَ إزَارِهَا بِالْأَوْلَى
(قَوْلُهُ وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ) أَيْ وَلَوْ دُونَ آيَةٍ مِنْ الْمَرْكَبَاتِ لَا الْمُفْرَدَاتِ؛ لِأَنَّهُ جُوِّزَ لِلْحَائِضِ الْمُعَلِّمَةِ تَعْلِيمُهُ كَلِمَةً كَلِمَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَالْقُرْآنِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالزَّبُورُ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ بِقَصْدِهِ) فَلَوْ قَرَأَتْ الْفَاتِحَةَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ أَوْ شَيْئًا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا مَعْنَى الدُّعَاءِ وَلَمْ تُرِدْ الْقِرَاءَةَ لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعُيُونِ لِأَبِي اللَّيْثِ وَأَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الدُّعَاءِ كَسُورَةِ أَبِي لَهَبٍ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ قَصْدُ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ (قَوْلُهُ وَمَسُّهُ) أَيْ الْقُرْآنِ وَلَوْ فِي لَوْحٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ حَائِطٍ، لَكِنْ لَا يُمْنَعُ إلَّا مِنْ مَسِّ الْمَكْتُوبِ، بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْجِلْدِ وَمَوْضِعِ الْبَيَاضِ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقِيَاسِ، وَالْمَنْعُ أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ: أَيْ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ كَمَا نَذْكُرُهُ وَمِثْلُ الْقُرْآنِ سَائِرُ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي التَّفْسِيرِ وَالْكُتُبِ الشَّرْعِيَّةِ خِلَافٌ مَرَّ (قَوْلُهُ إلَّا بِغِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ) أَيْ كَالْجِرَابِ وَالْخَرِيطَةِ دُونَ الْمُتَّصِلِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرِزِ هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ تَبَعٌ لَهُ سِرَاجٌ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْخَرِيطَةَ الْكِيسُ.
أَقُولُ: وَمِثْلُهَا صُنْدُوقُ الرَّبَعَةِ، وَهَلْ مِثْلُهَا كُرْسِيُّ الْمُصْحَفِ إذَا سُمِّرَ بِهِ؟ يُرَاجَعُ (قَوْلُهُ وَكَذَا يُمْنَعُ حَمْلُهُ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَهُ عِنْدَ تَعْدَادِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ. وَفِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ حَمْلَهُ اسْتِقْلَالًا أَغْنَى عَنْهُ ذِكْرُ الْمَسِّ، أَوْ تَبَعًا فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ.
فَفِي الْحِلْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: لَوْ كَانَ الْمُصْحَفُ فِي صُنْدُوقٍ فَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَحْمِلَهُ، وَفِيهَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ خُرْجًا فِيهِ مُصْحَفٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ. أَخْذُ زِمَامِ الْإِبِلِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمُصْحَفُ. قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ: وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ، وَهُوَ كَمَا قَالَ. اهـ.
أَقُولُ: وَقَدْ يُقَالُ يُمْكِنُ تَصْوِيرُ الْحَمْلِ بِدُونِ مَسٍّ وَتَبَعِيَّةٍ كَحَمْلِهِ مَرْبُوطًا بِخَيْطٍ مَثَلًا، لَكِنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فِيهِ آيَةٌ) قَيَّدَ بِالْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَتَبَ مَا دُونَ الْآيَةِ لَمْ يُكْرَهْ مَسُّهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ ح
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ وُضُوءَ الْجُنُبِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُسْتَحَبٌّ كَوُضُوءِ الْمُحْدِثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ح أَيْ لِأَنَّ مَا لَا بَأْسَ فِيهِ يُسْتَحَبُّ خِلَافُهُ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ ط الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ وَالْغَسْلِ، بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّارِحِ وَأَمَّا قَبْلَهُمَا فَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ بِقِرَاءَةِ أَدْعِيَةٍ إلَخْ) شَمِلَ دُعَاءَ الْقُنُوتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ فَيُكْرَهُ لِجُنُبٍ) ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ شَارِبًا لِلْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ: أَيْ وَهُوَ مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا، وَيَدُهُ لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ فَيَنْبَغِي غَسْلُهَا ثُمَّ يَأْكُلُ بَدَائِعُ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ اسْتِحْبَابَ الْمَضْمَضَةِ لِأَجْلِ الشُّرْبِ وَغَسْلَ الْيَدِ لِأَجْلِ الْأَكْلِ، فَلَا يُكْرَهُ الشُّرْبُ بِلَا غَسْلِ يَدٍ وَلَا الْأَكْلُ بِلَا مَضْمَضَةٍ، وَعَلَيْهِ فَفِي كَلَامِ الْمَتْنِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ، لَكِنْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَأْكُلَ
لَا حَائِضٍ مَا لَمْ تُخَاطَبْ بِغُسْلٍ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.
(وَلَا يُكْرَهُ) تَحْرِيمًا (مَسُّ قُرْآنٍ بِكُمٍّ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَيْسِيرًا، وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ الْكَرَاهَةَ، وَهُوَ أَحْوَطُ.
(وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِأَكْثَرِهِ) بِلَا غُسْلٍ وُجُوبًا بَلْ نَدْبًا.
(وَإِنْ) انْقَطَعَ لِدُونِ أَقَلِّهِ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَإِنْ (لِأَقَلِّهِ) فَإِنْ لِدُونِ عَادَتِهَا لَمْ يَحِلَّ، وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ احْتِيَاطًا؛ وَإِنْ لِعَادَتِهَا، فَإِنْ كِتَابِيَّةً حَلَّ فِي الْحَالِ وَإِلَّا (لَا) يَحِلُّ (حَتَّى تَغْتَسِلَ) أَوْ تَتَيَمَّمَ بِشَرْطِهِ
ــ
[رد المحتار]
فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ وَيَتَمَضْمَضَ. اهـ تَأَمَّلْ. وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ كَفَّيْهِ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» (قَوْلُهُ لَا حَائِضٍ) فِي الْخَانِيَّةِ قِيلَ: إنَّهَا كَالْجُنُبِ. وَقِيلَ لَا يُسْتَحَبُّ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ لَا يُزِيلُ نَجَاسَةَ الْحَيْضِ عَنْ الْفَمِ وَالْيَدِ، بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ. اهـ.
أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ لَهَا غَسْلُ الْيَدِ لِلْأَكْلِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلطَّاهِرِ فَهِيَ أَوْلَى، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَأْكُلَ تَغْسِلُ يَدَيْهَا، وَفِي الْمَضْمَضَةِ خِلَافٌ (قَوْلُهُ مَا لَمْ تُخَاطَبْ بِغَسْلٍ) أَيْ لَا يُكْرَهُ لَهَا مُدَّةَ عَدَمِ خِطَابِهَا التَّكْلِيفِيِّ بِالْغَسْلِ، وَذَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَيْضِ
(قَوْلُهُ الْكَرَاهَةَ) أَيْ التَّحْرِيمِيَّةَ ط (قَوْلُهُ وَهُوَ أَحْوَطُ) وَقَدَّمْنَا عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَزَاهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَكَانَ أَوْلَى، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْكُمِّ اتِّفَاقِيٌّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّهُ بِغَيْرِ الْكُمِّ أَيْضًا مِنْ بَعْدِ ثِيَابِ الْبَدَنِ -.
(قَوْلُهُ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِأَكْثَرِهِ) مِثْلُهُ النِّفَاسُ، وَحَلَّ الْوَطْءُ بَعْدَ الْأَكْثَرِ لَيْسَ بِمُتَوَقِّفٍ عَلَى انْقِطَاعِ الدَّمِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْعِنَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ قَالَ ط: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْوَطْءِ حَالَ نُزُولِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ اهـ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ بِحَائِلٍ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَلَوْ تَلَطَّخَ دَمًا. اهـ وَهَذَا فِي الْحَائِضِ، فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَإِنْ تَلَطَّخَ دَمًا وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) مَنْصُوبٌ بِعَامِلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بِلَا غَسْلٍ يَجِبُ وُجُوبًا، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ بَلْ نَدْبًا (قَوْلُهُ بَلْ نَدْبًا) ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ - {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]- بِالتَّشْدِيدِ تَقْتَضِي حُرْمَةَ الْوَطْءِ إلَى غَايَةِ الِاغْتِسَالِ فَحَمَلْنَاهَا عَلَى مَا إذَا كَانَ أَيَّامُهَا أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ، فَظَاهِرُهُ يُورِثُ شُبْهَةً فَلِهَذَا لَا يُسْتَحَبُّ نُوحٌ عَنْ الْكَافِي
(قَوْلُهُ لِدُونِ أَقَلِّهِ) أَيْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ (قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ) أَيْ وُجُوبًا بِرْكَوِيٌّ، وَالْمُرَادُ آخِرُ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ دُونَ الْمَكْرُوهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِ الدُّرَرِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ ط: وَأَهْمَلَ الشَّارِحُ حُكْمَ الْجِمَاعِ، وَيَظْهَرُ عَدَمُ حِلِّهِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الِانْقِطَاعِ عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ دُونَ الْعَادَةِ.
قُلْت: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ تَحَقُّقِ الْحَيْضِ وَعَدَمِهِ، وَانْظُرْ مَا نَذْكُرُهُ قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَالنِّفَاسُ لِأُمِّ التَّوْأَمَيْنِ (قَوْلُهُ وَإِنْ وَلِأَقَلِّهِ) اللَّامُ بِمَعْنَى بَعْدَ ط (قَوْلُهُ لَمْ يَحِلَّ) أَيْ الْوَطْءُ وَإِنْ اغْتَسَلَتْ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) أَيْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ، وَتَأْخِيرُهُ إلَيْهِ وَاجِبٌ هُنَا أَمَّا فِي صُورَةِ الِانْقِطَاعِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) عِلَّةٌ لِلْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لِعَادَتِهَا) وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً دُرَرٌ (قَوْلُهُ حَلَّ فِي الْحَالِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا اغْتِسَالَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ الْخِطَابِ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لَا تَتَغَيَّرُ الْأَحْكَامُ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ حَتَّى تَغْتَسِلَ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا تَأْخِيرُهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُسْتَحَبِّ دُونَ الْمَكْرُوهِ.
قَالَ فِي الْمَسْبُوطِ: نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ. قَالَ: إذَا انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ تُؤَخَّرُ إلَى وَقْتٍ يُمْكِنُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ فِيهِ وَتُصَلِّيَ قَبْلَ انْتِصَافِ اللَّيْلِ، وَمَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ مَكْرُوهٌ بَحْرٌ (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) هُوَ فَقْدُ الْمَاءِ وَالصَّلَاةُ بِهِ عَلَى صَحِيحِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ التَّيَمُّمُ الْكَامِلُ الْمُبِيحُ لِلصَّلَاةِ مَعَ الصَّلَاةِ بِهِ أَيْضًا، وَلَعَلَّ وَجْهَ شَرْطِهِمْ
(أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا زَمَنٌ يَسَعُ الْغُسْلَ) وَلُبْسَ الثِّيَابِ (وَالتَّحْرِيمَةَ) يَعْنِي مِنْ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِتَعْلِيلِهِمْ بِوُجُوبِهَا فِي ذِمَّتِهَا، حَتَّى لَوْ طَهُرَتْ فِي وَقْتِ الْعِيدِ لَا بُدَّ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الظُّهْرِ كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَهَلْ تُعْتَبَرُ التَّحْرِيمَةُ فِي الصَّوْمِ؟
ــ
[رد المحتار]
الصَّلَاةَ بِهِ هُوَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْحَيْضِ، فَإِذَا صَلَّتْ بِهِ وَحَكَمَ الشَّرْعُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهَا يَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ تَيَمُّمِهَا وَبِأَنَّهَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْحَيْضِ، كَمَا يُحْكَمُ بِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ وَبَقَائِهَا بِمَنْزِلَةِ الْجُنُبِ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ أَوْ صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِحُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ، وَلِهَذَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا أَنْ يَقْرَبَهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ كَمَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ.
وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْنَاهُ صِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْحَائِضٍ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ إذَا كَانَ أَيَّامُ حَيْضِهَا عَشْرَةً وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَلَا. اهـ. فَشُرِطَ لِجَوَازِ تَيَمُّمِهَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا التَّيَمُّمِ هُوَ التَّيَمُّمُ النَّاقِصُ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةٍ تَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ، وَإِنَّمَا كَانَ نَاقِصًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِهِ الْفَرْضُ، بَلْ يَبْطُلُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ أُخْرَى لَا يَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا بِهَذَا التَّيَمُّمِ عَلَى مَا مَرَّ تَقْرِيرُهُ فِي مَحَلِّهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا التَّيَمُّمُ نَاقِصًا فَلَا تَخْرُجُ بِهِ الْحَائِضُ مِنْ الْحَيْضِ لِمَا عَلِمْت مِنْ اعْتِبَارِ التَّيَمُّمِ بِشَرْطِهِ مَعَ الصَّلَاةِ مَعَهُ.
وَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فَيَجُوزُ تَيَمُّمُهَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ بِالِانْقِطَاعِ الْمَذْكُورِ، فَلَوْ انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَيَمَّمَ لِلْجِنَازَةِ أَوْ الْعِيدِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نَاقِصٌ لَا تَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْحَيْضِ، وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ عَدَمُ الْمُنَافِي، وَالْحَيْضُ مُنَافٍ لِصِحَّتِهِ.
أَمَّا إذَا انْقَطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَصَارَتْ كَالْجُنُبِ فَيَصِحُّ تَيَمُّمُهَا الْمَذْكُورُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْجُنُبِ، فَكَلَامُ الظَّهِيرِيَّةِ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَا. وَفِي بَابِ التَّيَمُّمِ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا بِمَا إذَا انْقَطَعَ لِدُونِ الْعَشَرَةِ وَلَمْ تَصِرْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا إذْ لَوْ انْقَطَعَ لِدُونِ الْعَشَرَةِ وَلِتَمَامِ عَادَتِهَا وَمَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةِ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ، وَجَازَ لِزَوْجِهَا قُرْبَانُهَا، فَيَنْبَغِي صِحَّةُ تَيَمُّمِهَا لِلْجِنَازَةِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ يَسَعُ الْغُسْلَ) أَيْ مَعَ مُقَدِّمَاتِهِ كَالِاسْتِقَاءِ وَخَلْعِ الثَّوْبِ وَالتَّسَتُّرِ عَنْ الْأَعْيَنِ. وَفِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ: وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ أَوْ الْفَرْضُ؛ وَالظَّاهِرُ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ رُجْحَانُ جَانِبِ الطَّهَارَةِ. اهـ كَذَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ (قَوْلُهُ وَالتَّحْرِيمَةُ) وَهِيَ " اللَّهُ " عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَ " اللَّهُ أَكْبَرُ " عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ يَعْنِي مِنْ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ وَكَانَ لِتَمَامِ عَادَتِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إلَّا بَعْدَ الِاغْتِسَالِ أَوْ التَّيَمُّمِ بِشَرْطِهِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ طَاهِرَةً حَقِيقَةً أَوْ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْقَطِعَ وَيَمْضِيَ عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ مِنْ آخِرِهِ، وَهُوَ قَدْرُ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ وَاللُّبْسَ وَالتَّحْرِيمَةَ، سَوَاءٌ كَانَ الِانْقِطَاعُ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ أَوْ قُبَيْلَ آخِرِهِ بِهَذَا الْقَدْرِ؛ فَإِذَا انْقَطَعَ قَبْلَ الظُّهْرِ مَثَلًا أَوْ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْعَصْرِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا مَضَى عَلَيْهَا مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ ذَلِكَ الْقَدْرُ صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْوُجُوبِ آخِرُ الْوَقْتِ، وَإِذَا صَارَتْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا صَارَتْ طَاهِرَةً حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي الذِّمَّةِ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ، وَكَذَا لَوْ انْقَطَعَ فِي آخِرِهِ وَكَانَ بَيْنَ الِانْقِطَاعِ وَبَيْنَ وَقْتِ الْعَصْرِ ذَلِكَ الْقَدْرُ فَلَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ لِمَا قُلْنَا. أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا دُونَ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ لِصَيْرُورَةِ صَلَاةِ الْعَصْرِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا دُونَ صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ مِنْ وَقْتِهَا مَا يُمْكِنُهَا الشُّرُوعُ فِيهِ.
فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ مُوهِمَةٌ وَلَيْسَتْ عَلَى إطْلَاقِهَا؛ لِأَنَّهَا تُوهِمُ أَنَّهُ يَحِلُّ بِمُضِيِّ ذَلِكَ
الْأَصَحُّ لَا، وَهِيَ مِنْ الطُّهْرِ مُطْلَقًا، وَكَذَا الْغُسْلُ لَوْ لِأَكْثَرِهِ وَإِلَّا فَمِنْ الْحَيْضِ
ــ
[رد المحتار]
الْقَدْرِ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَقْتِ صَلَاةٍ أَوْ فِي وَقْتٍ مُهْمَلٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الطُّلُوعِ إلَى الزَّوَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ فِي آخِرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلْوَقْتِ الْمُهْمَلِ وَلَا لِأَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْكَمَالِ وَدَلَّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِوُجُوبِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ كَذَلِكَ إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا خِلَافًا لِمَا غَلَّظَ فِيهِ بَعْضُهُمْ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْبَحْرِ، فَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: يَعْنِي مِنْ آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُمَا، وَأَتَى بِالْعِنَايَةِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْإِيهَامِ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ كَمَا عَبَّرَ الْبِرْكَوِيُّ بِقَوْلِهِ أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَظْهَرَ، وَلَكِنَّهُ قَصَدَ التَّنْبِيهَ عَلَى مَا بِهِ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَهُوَ مُضِيُّ هَذَا الزَّمَانِ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَتِمَّ أَكْثَرُ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْغُسْلِ كَمَا فِي الْبِرْكَوِيَّةِ، فَلَوْ تَمَّ لَهَا عَشْرَةُ أَيَّامٍ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَالْغُسْلُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُضِيِّ هَذَا الزَّمَنِ.
[تَنْبِيهٌ] إنَّمَا حَلَّ وَطْؤُهَا بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالطَّهَارَةِ بِصَيْرُورَةِ الصَّلَاةِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْجُنُبِ وَخَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ حُكْمًا، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا اغْتَسَلَتْ؛ وَحَيْثُ صَارَتْ كَالْجُنُبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهَا التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ جِنَازَةٍ أَوْ عِيدٍ خَافَتْ فَوْتَهَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْجُنُبِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ لَا) أَيْ فَلَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ الصُّبْحِ فِي رَمَضَانَ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ فَقَطْ لَزِمَهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الْعِشَاءِ مَا لَمْ تُدْرِكْ قَدْرَ تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ أَيْضًا، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُجْتَبَى.
وَنَقَلَ بَعْدَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّوْشِيحِ وَالسِّرَاجِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا إلَّا بِهَذَا، وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُهُمَا يُجْزِيهَا؛ لِأَنَّ الْعِشَاءَ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهَا، وَأَنَّهُ مِنْ حُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فَحُكِمَ بِطَهَارَتِهَا ضَرُورَةً. اهـ وَنَحْوُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فِيمَا يَظْهَرُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ.
أَقُولُ: وَلَعَلَّهُ أَنَّ الصَّوْمَ يُمْكِنُ إنْشَاؤُهُ فِي النَّهَارِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُهُ عَلَى إدْرَاكِهَا أَكْثَرَ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْغُسْلِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَجْزَأَهَا الصَّوْمُ بِمُجَرَّدِ إدْرَاكِ قَدْرِ الْغُسْلِ لَزِمَ أَنْ يُحْكَمَ بِطَهَارَتِهَا مِنْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ مِنْ الْحَائِضِ، وَلَزِمَ أَنْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا لَوْ كَانَا مُسَافِرَيْنِ فِي رَمَضَانَ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَا لَمْ تَجِبْ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا، وَلَا تَجِبُ إلَّا بِإِدْرَاكِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ؛ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ مَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْحَقُّ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ لُبْسَ الثِّيَابِ مِثْلُ التَّحْرِيمَةِ إذْ لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ كَمَا مَرَّ، لَكِنَّ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ التَّحْرِيمَةِ لَا عَلَى مَا صَحَّحَهُ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُجْتَبَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهِيَ) أَيْ التَّحْرِيمَةُ: أَيْ زَمَانُهَا مِنْ الطُّهْرِ: أَيْ مِنْ زَمَنِهِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الِانْقِطَاعُ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ لِدُونِ ذَلِكَ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا الْغُسْلُ) أَيْ الْغُسْلُ مِثْلُ التَّحْرِيمَةِ فِي أَنَّهُ مِنْ الطُّهْرِ لَوْ الِانْقِطَاعُ لِأَكْثَرِهِ أَوْ لِأَقَلِّهِ فَلَا، بَلْ هُوَ مِنْ الْحَيْضِ، لَكِنَّ هَذَا فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ، وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَةِ وَجَوَازِ التَّزَوُّجِ بِآخَرَ لَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَحْكَامِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ عَقِبَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ عِنْدَ الْفَجْرِ الْكَاذِبِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فِي اللَّيْلَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّفَقِ فَهُوَ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ وَقْتِ الِاغْتِسَالِ. اهـ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى: أَيْ لَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ حَلَّ لِزَوْجِهَا قُرْبَانُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْغُسْلِ حِينَئِذٍ مِنْ الطُّهْرِ فَصَارَ وَاطِئًا فِي الطُّهْرِ، وَكَذَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ بِمُجَرَّدِ طُهْرِهَا بِتَمَامِ الْعَشَرَةِ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ لَوْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا. وَيَجُوزُ لَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْ الْأَوَّلِ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ الِانْقِطَاعُ لِدُونِ الْعَشَرَةِ وَلِتَمَامِ عَادَتِهَا فَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الْغُسْلِ حِينَئِذٍ مِنْ الْحَيْضِ، فَلَوْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ كَانَ وَاطِئًا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَكَذَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مَا لَمْ تَغْتَسِلْ،
فَتَقْضِي إنْ بَقِيَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ وَلَوْ لِعَشْرَةٍ فَقَدْرُ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ لِئَلَّا تَزِيدَ أَيَّامُهُ عَلَى عَشْرَةٍ فَلْيُحْفَظْ
(وَ) وَطْؤُهَا (يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ) كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَكَذَا مُسْتَحِلُّ وَطْءِ الدُّبُرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مُجْتَبٍ (وَقِيلَ لَا) يَكْفُرُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خُلَاصَةٌ (وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ) ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ وَلِمَا يَجِيءُ فِي الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِتَكْفِيرِ مُسْلِمٍ كَانَ فِي كُفْرِهِ خِلَافٌ، وَلَوْ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، ثُمَّ هُوَ كَبِيرَةٌ لَوْ عَامِدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لَا جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ؛
ــ
[رد المحتار]
وَأَمَّا فِي حَقِّ بَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ فَلَا يُشْتَرَطُ الْغُسْلُ، فَفِي مِثْلِ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ يَجِبُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ لَكِنْ بِشَرْطِ إدْرَاكِ زَمَنِ التَّحْرِيمَةِ (قَوْلُهُ فَتَقْضِي إلَخْ) أَيْ إذَا عَلِمَتْ أَنَّ زَمَنَ التَّحْرِيمَةِ مِنْ الطُّهْرِ مُطْلَقًا وَأَنَّ زَمَنَ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ فِي الِانْقِطَاعِ لِأَقَلِّهِ فَتَقْضِي الصَّلَاةَ إنْ بَقِيَ قَدْرُ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ، فَلَا يَكْفِي إدْرَاكُ قَدْرِ الْغُسْلِ فَقَطْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إدْرَاكِ قَدْرِ التَّحْرِيمَةِ أَيْضًا: أَيْ وَلُبْسِ الثِّيَابِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِعَشْرَةٍ إلَخْ) أَيْ وَلَوْ انْقَطَعَ لِعَشْرَةٍ، فَتَقْضِي الصَّلَاةَ إنْ بَقِيَ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ فَقَطْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ زَمَنَ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ لَوْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَطْهُرُ بَعْدَ الْغُسْلِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ مِنْ آخَرِ الْوَقْتِ قَدْرَ مَا يَسَعُ الْغُسْلَ فَقَطْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الْحَيْضِ فِي الْوَقْتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مِنْ الطُّهْرِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ. وَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ لِأَكْثَرِهِ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الْحَيْضِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ زَمَنُ الْغُسْلِ مِنْ الطُّهْرِ وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ تَزِيدَ مُدَّةُ الْحَيْضِ عَلَى الْعَشَرَةِ، فَإِذَا أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ الْوَقْتِ قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ مِنْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهَا أَدْرَكَتْ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ جُزْءًا مِنْ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا حَلَّ الْوَطْءُ فِي الِانْقِطَاعِ لِأَكْثَرِهِ مُطْلَقًا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْحَيْضِ وَقَدْ وُجِدَ، بِخِلَافِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى إدْرَاكِ جُزْءٍ آخَرَ بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ وَوَطْؤُهَا) أَيْ الْحَائِضِ قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ وَطْءِ النُّفَسَاءِ مِنْ حَيْثُ التَّكْفِيرُ، أَمَّا الْحُرْمَةُ فَمُصَرَّحٌ بِهَا. اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ بِقَوْلِهِ وَأَقُولُ: قَدْ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ النُّفَسَاءَ كَالْحَائِضِ فِي الْأَحْكَامِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالسِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَالضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ وَغَيْرِهَا: وَحُكْمُ النِّفَاسِ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِيمَا اُسْتُثْنِيَ.
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي إفَادَةِ هَذَا الْحُكْمِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَتَبِّعِ فَتَنَبَّهْ. اهـ. أَقُولُ: وَالْمُسْتَثْنَيَات سَبْعٌ سَتَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ جَمَاعَةٌ ذَوُو عَدَدٍ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْبَدَائِعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَكَذَا مُسْتَحِلُّ وَطْءِ الدُّبُرِ) أَيْ دُبُرِ الْحَلِيلَةِ، أَمَّا دُبُرُ الْغُلَامِ فَالظَّاهِرُ عَدَمُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي التَّكْفِيرِ وَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ الْآتِي يَظْهَرُ فِيهِ ط: أَيْ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ.
أَقُولُ: وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ أَنَّ اللِّوَاطَةَ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ الزِّنَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُبَحْ بِطَرِيقٍ مَا لِكَوْنِ قُبْحِهَا عَقْلِيًّا، وَلِذَا لَا تَكُونُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ (قَوْلُهُ خُلَاصَةٌ) لَمْ يَذْكُرْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ مَسْأَلَةَ وَطْءِ الدُّبُرِ (قَوْلُهُ فَلَعَلَّهُ يُفِيدُ التَّوْفِيقَ) أَيْ بِحَمْلِ الْقَوْلِ بِكُفْرِهِ عَلَى اسْتِحْلَالِ اللِّوَاطَةِ بِغَيْرِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِهِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِغَيْرِهِ) أَيْ حُرْمَتُهُ لَا لِعَيْنِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَى شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَهُوَ الْإِيذَاءُ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ: مَنْ اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ يَكْفُرُ إذَا كَانَ حَرَامًا لِعَيْنِهِ وَثَبَتَتْ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ. أَمَّا إذَا كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ أَوْ حَرَامًا لِعَيْنِهِ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَكْفُرُ إذَا اعْتَقَدَهُ حَلَالًا. اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ النَّسَفِيَّةِ (قَوْلُهُ ثُمَّ هُوَ) أَيْ وَطْءُ الْحَائِضِ (قَوْلُهُ لَا جَاهِلًا إلَخْ) هُوَ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُشَوَّشِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا يَنْفِي كَوْنَهُ كَبِيرَةً لَا أَصْلَ الْحُرْمَةِ إذْ لَا عُذْرَ بِالْجَهْلِ بِالْأَحْكَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَفَادَهُ ط
وَيُنْدَبُ تَصَدُّقُهُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ. وَمَصْرِفُهُ كَزَكَاةٍ وَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَصَدُّقٌ؟ قَالَ فِي الضِّيَاءِ: الظَّاهِرُ لَا.
(وَدَمُ اسْتِحَاضَةٍ) حُكْمُهُ (كَرُعَافٍ دَائِمٍ) وَقْتًا كَامِلًا (لَا يَمْنَعُ صَوْمًا وَصَلَاةً) وَلَوْ نَفْلًا (وَجِمَاعًا) لِحَدِيثِ «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» .
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَيُنْدَبُ إلَخْ) لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» ثُمَّ قِيلَ إنْ كَانَ الْوَطْءُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ فَبِدِينَارٍ أَوْ آخِرِهِ فَبِنِصْفِهِ، وَقِيلَ بِدِينَارٍ لَوْ الدَّمُ أَسْوَدَ وَبِنِصْفِهِ لَوْ أَصْفَرَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ «إذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» . اهـ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الضِّيَاءِ إلَخْ) أَيْ الضِّيَاءِ الْمَعْنَوِيِّ شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْغَزْنَوِيِّ، وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِلْحَدَّادِيِّ فِي السِّرَاجِ، وَيُؤَيِّدُهُ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ. وَظَاهِرُهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ جَاهِلًا بِحَيْضِهَا أَوْ لَا.
[تَتِمَّةٌ] تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِإِخْبَارِهَا وَإِنْ كَذَّبَهَا فَتْحٌ وَبِرْكَوِيٌّ. وَحَرَّرَ فِي الْبَحْرِ أَنَّ هَذَا إذَا كَانَتْ عَفِيفَةً أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهَا أَمَّا لَوْ فَاسِقَةً وَلَمْ يَغْلِبْ صِدْقُهَا؛ بِأَنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ أَوَانِ حَيْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا اتِّفَاقًا.
(قَوْلُهُ وَقْتًا كَامِلًا) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ دَائِمٍ، الْأَوْلَى عَدَمُ ذِكْرِ هَذَا الْقَيْدِ: أَيْ قَيْدِ الدَّوَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِهِ فِي الدَّوَامِ وَعَدَمِهِ ط (قَوْلُهُ لَا يَمْنَعُ صَوْمًا إلَخْ) أَيْ وَلَا قِرَاءَةً وَمَسَّ مُصْحَفٍ وَدُخُولَ مَسْجِدٍ وَكَذَا لَا تُمْنَعُ عَنْ الطَّوَافِ إذَا أَمِنَتْ مِنْ اللَّوْثِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْخِزَانَةِ ط. مَطْلَبٌ فِي حُكْمِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ بِذَكَرِهِ نَجَاسَةٌ
(قَوْلُهُ وَجِمَاعًا) ظَاهِرُهُ جَوَازُهُ فِي حَالِ سَيَلَانِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ تَلْوِيثٌ، وَكَذَا هُوَ ظَاهِرُ غَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ وَكَذَا قَوْلُهُمْ: يَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ التَّلَطُّخُ بِالدَّمِ، وَتَمَامُهُ فِي ط.
وَأَمَّا مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي الْأَنْجَاسِ مِنْ أَنَّ التَّلَوُّثَ بِالنَّجَاسَةِ مَكْرُوهٌ فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِلَا عُذْرٍ وَالْوَطْءُ عُذْرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحِلُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ نَجِسَةٌ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَلَوُّثًا بِالنَّجَاسَةِ، فَتَخْصِيصُ الْحِلِّ بِوَقْتِ عَدَمِ السَّيَلَانِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ، بَلْ قَدَّمْنَا عَلَى شُرُوحِ الْهِدَايَةِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ حِلَّ الْوَطْءِ بَعْدَ أَكْثَرِ الْحَيْضِ غَيْرُ مُتَوَقِّفٍ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَافْهَمْ.
[تَنْبِيهٌ] أَفْتَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِحُرْمَةِ جِمَاعِ مَنْ تَنَجَّسَ ذَكَرُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ بِهِ سَلَسٌ فَيَحِلُّ كَوَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ مَعَ الْجَرَيَانِ؛ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ عِنْدَنَا كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِإِمْكَانِ غَسْلِهِ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَوَطْءِ السَّلِسِ تَأَمَّلْ.
وَبَقِيَ مَا لَوْ كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِغَيْرِ الْمَاءِ، فَفِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ أَنَّ الصَّوَابَ التَّفْصِيلُ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِعَدَمِ الْمَاءِ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ لِلْحَاجَةِ، وَإِلَّا فَلَا. قَالَ: وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِرَجُلٍ يَغِيبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ أَيُجَامِعُ أَهْلَهُ؟ قَالَ نَعَمْ» . اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ تَوَضَّئِي) فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِهِ حُكْمُ الصَّلَاةِ عِبَارَةً، وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ دَلَالَةً اهـ مِنَحٌ وَدُرَرٌ وَإِبْدَالُ الدَّلَالَةِ بِالْإِشَارَةِ لَا يَخْفَى مَا فِيهِ عَلَى مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْأُصُولِ فَافْهَمْ
(وَالنِّفَاسُ) لُغَةً: وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ. وَشَرْعًا (دَمٌ) فَلَوْ لَمْ تَرَهُ هَلْ تَكُونُ نُفَسَاءَ؟ الْمُعْتَمَدُ نَعَمْ (وَيَخْرُجُ) مِنْ رَحِمِهَا فَلَوْ وَلَدَتْهُ مِنْ سُرَّتِهَا إنْ سَالَ الدَّمُ مِنْ الرَّحِمِ فَنُفَسَاءُ وَإِلَّا فَذَاتُ جُرْحٍ وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ أَحْكَامُ الْوَلَدِ (عَقِبَ وَلَدٍ) أَوْ أَكْثَرِهِ وَلَوْ مُتَقَطِّعًا عُضْوًا عُضْوًا لَا أَقَلِّهِ، فَتَتَوَضَّأُ إنْ قَدَرَتْ أَوْ تَتَيَمَّمُ وَتُومِئُ بِصَلَاةٍ وَلَا تُؤَخِّرُ، فَمَا عُذْرُ الصَّحِيحِ الْقَادِرِ؟ . وَحُكْمُهُ كَالْحَيْضِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي سَبْعَةٍ ذَكَرْتهَا فِي الْخَزَائِنِ وَشَرْحِي لِلْمُلْتَقَى: مِنْهَا أَنَّهُ (لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) إلَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِعِدَّةٍ كَقَوْلِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي؛ فَقَدَّرَهُ الْإِمَامُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ الْحَدِيثُ مَذْكُورٌ فِي الْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُ الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَذَكَرَ عَنْ سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِك ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى سَنَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ بِدُونِ «وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» .
(قَوْلُهُ وَالنِّفَاسُ) بِالْكَسْرِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ تَرَهُ) أَيْ بِأَنْ خَرَجَ الْوَلَدُ جَافًّا بِلَا دَمٍ (قَوْلُهُ الْمُعْتَمَدُ نَعَمْ) وَعَلَيْهِ فَيُعَمَّمُ فِي الدَّمِ، فَيُقَالُ دَمٌ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ سُرَّتِهَا) عِبَارَةُ الْبَحْرِ: مِنْ قِبَلِ سُرَّتِهَا، بِأَنْ كَانَ بِبَطْنِهَا جُرْحٌ فَانْشَقَّتْ وَخَرَجَ الْوَلَدُ مِنْهَا. اهـ (قَوْلُهُ فَنُفَسَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ خُرُوجُ الدَّمِ مِنْ الرَّحِمِ عَقِبَ الْوِلَادَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ سَالَ الدَّمُ مِنْ السُّرَّةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ ثَبَتَ لَهُ أَحْكَامُ الْوَلَدِ) أَيْ فَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَقَعَ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بَحْرٌ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ فَتَتَوَضَّأُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا أَقَلِّهِ ط (قَوْلُهُ وَتُومِئُ بِصَلَاةٍ) أَيْ إنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ لَمْ تُصَلِّ تَكُونُ عَاصِيَةً لِرَبِّهَا ثُمَّ كَيْفَ تُصَلِّي؟ قَالُوا يُؤْتَى بِقِدْرٍ فَيُجْعَلُ الْقِدْرُ تَحْتَهَا وَيُحْفَرُ لَهَا وَتَجْلِسُ هُنَاكَ وَتُصَلِّي كَيْ لَا تُؤْذِيَ وَلَدَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَمَا عُذْرُ الصَّحِيحِ الْقَادِرِ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ: أَيْ لَا عُذْرَ لَهُ فِي التَّرْكِ أَوْ التَّأْخِيرِ. قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: فَانْظُرْ وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هَلْ تَجِدُ عُذْرًا لِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ؟ وَا وَيْلَاهُ لِتَارِكِهَا (قَوْلُهُ إلَّا فِي سَبْعَةٍ) هِيَ الْبُلُوغُ وَالِاسْتِبْرَاءُ وَالْعِدَّةُ، وَأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، وَأَنَّ أَكْثَرَهُ أَرْبَعُونَ، وَأَنَّهُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَصْلُ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. اهـ فَقَوْلُهُ الْبُلُوغُ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ قَدْ حَصَلَ بِالْحَبَلِ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَصُورَتُهُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا فَقَبَضَهَا وَوَضَعَتْ عِنْدَهُ وَلَدًا وَبَقِيَ وَلَدٌ آخَرُ فِي بَطْنِهَا، فَالدَّمُ الَّذِي بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ نِفَاسٌ، وَلَا يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ إلَّا بِوَضْعِ الْوَلَدِ الثَّانِي.
وَصُورَةُ الْعِدَّةِ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ ثُمَّ قَالَتْ مَضَتْ عِدَّتِي فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثِ حِيَضٍ مَا خَلَا النِّفَاسَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. اهـ. سِرَاجٌ (قَوْلُهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ بِأَقَلَّ لَأَدَّى إلَى نَقْضِ الْعَادَةِ عِنْدَ عَوْدِ الدَّمِ فِي الْأَرْبَعِينَ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَالطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ لَا يَفْصِلُ طَالَ أَوْ قَصُرَ، حَتَّى لَوْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَأَرْبَعِينَ إلَّا سَاعَتَيْنِ طُهْرًا ثُمَّ سَاعَةً دَمًا كَانَ الْأَرْبَعُونَ كُلُّهَا نِفَاسًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى:
مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ وَالثَّانِي بِأَحَدَ عَشَرَ وَالثَّالِثُ بِسَاعَةٍ
(وَأَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا) كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ أَكْثَرَهُ أَرْبَعَةُ أَمْثَالِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ.
(وَالزَّائِدُ) عَلَى أَكْثَرِهِ (اسْتِحَاضَةٌ) لَوْ مُبْتَدَأَةً؛ أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَتُرَدُّ لِعَادَتِهَا وَكَذَا الْحَيْضُ، فَإِنْ انْقَطَعَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا أَوْ قَبْلَهُ
ــ
[رد المحتار]
كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ نَهْرٌ: أَيْ فَلَوْ قُدِّرَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ كَانَ بَعْدَهُ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ كَانَ نِفَاسًا فَيَلْزَمُ نَقْضُ الْعَادَةِ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ قُدِّرَ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ مَا عَدَاهُ يَكُونُ حَيْضًا لِكَوْنِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ مَعَ ثَلَاثِ حِيَضٍ) فَأَدْنَى مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا: خَمْسَةٌ وَعِشْرِينَ نِفَاسٌ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ كُلُّ حَيْضَةٍ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَطُهْرَانِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَهَذَا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ.
وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ: لَا تُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَةِ يَوْمٍ لِتَقْدِيرِهِ كُلَّ حَيْضَةٍ بِعَشْرَةِ أَيَّامٍ، وَتَمَامُهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي بِأَحَدَ عَشَرَ) أَيْ وَلَوْ قَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ أَقَلَّ النِّفَاسِ بِأَحَدِ عَشَرَ يَوْمًا لِيَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، فَأَدْنَى مُدَّةٍ تُصَدَّقُ فِيهَا عِنْدَهُ خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا، أَحَدَ عَشَرَ نِفَاسٌ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، وَثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةِ أَيَّامٍ بَيْنَهُمَا طُهْرَانِ بِثَلَاثِينَ يَوْمًا ح (قَوْلُهُ وَالثَّالِثُ بِسَاعَةٍ) أَيْ قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ بِسَاعَةٍ فَتُصَدَّقُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَسَاعَةٍ: خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، ثُمَّ ثَلَاثُ حِيَضٍ بِتِسْعَةٍ، ثُمَّ طُهْرَانِ ثَلَاثُونَ. قَالَ فِي الْمَنْظُومَةِ النَّسَفِيَّةِ:
أَدْنَى زَمَانٍ عِنْدَهُ تُصَدَّقُ
…
فِيهِ الَّتِي بَعْدَ الْوِلَادِ تَطْلُقُ
هِيَ الثَّمَانُونَ بِخَمْسٍ تُقْرَنُ
…
وَمِائَةٌ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ
وَالْخَمْسُ وَالسِّتُّونَ عِنْدَ الثَّانِي
…
وَحَطَّ إحْدَى عَشَرَ الشَّيْبَانِيُّ
. اهـ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحُرَّةِ النُّفَسَاءِ وَأَمَّا الْأَمَةُ وَغَيْرُ النُّفَسَاءِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ) أَيْ بِالْمَعْنَى.
قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ «أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَقْعُدُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا» وَأَثْنَى الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» وَرُوِيَ هَذَا مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لَمْ تَخْلُ عَنْ الطَّعْنِ، لَكِنَّهُ يَرْتَفِعُ بِكَثْرَتِهَا إلَى الْحَسَنِ. اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ أَكْثَرَهُ إلَخْ) يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، حَتَّى إنَّ مَنْ جَعَلَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَجْعَلُ أَكْثَرَ النِّفَاسِ سِتِّينَ ح
(قَوْلُهُ لَوْ مُبْتَدَأَةً) يَعْنِي إنَّمَا يُعْتَبَرُ الزَّائِدُ عَلَى الْأَكْثَرِ اسْتِحَاضَةً فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ لَهَا عَادَةٌ، أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَتُرَدُّ لِعَادَتِهَا أَيْ وَيَكُونُ مَا زَادَ عَنْ الْعَادَةِ اسْتِحَاضَةً، لَا مَا زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ فَقَطْ (قَوْلُهُ فَتُرَدُّ لِعَادَتِهَا) أَطْلَقَهُ، فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ خَتْمُ عَادَتِهَا بِالدَّمِ أَوْ بِالطُّهْرِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: إنْ خُتِمَ بِالدَّمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ بِالطُّهْرِ فَلَا.
وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ: إذَا كَانَ عِدَّتُهَا فِي النِّفَاسِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَانْقَطَعَ دَمُهَا عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ يَوْمًا وَطَهُرَتْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ تَمَامُ عَادَتِهَا فَصَلَّتْ وَصَامَتْ ثُمَّ عَاوَدَهَا الدَّمُ فَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ ذَكَرَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِينَ، وَلَا يُجْزِيهَا صَوْمُهَا فِي الْعَشَرَةِ الَّتِي صَامَتْ فَيَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ. أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدٍ فَنِفَاسُهَا عِشْرُونَ، فَلَا تَقْضِي مَا صَامَتْ بَعْدَهَا بَحْرٌ مِنْ الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْحَيْضُ) يَعْنِي إنْ زَادَ عَلَى عَشْرَةٍ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ وَتُرَدُّ الْمُعْتَادَةُ لِعَادَتِهَا ط (قَوْلُهُ فَإِنْ انْقَطَعَ عَلَى أَكْثَرِهِمَا) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ الزَّائِدُ ط (قَوْلُهُ أَوْ قَبْلَهُ) أَيْ وَقَبْلَ الْأَكْثَرِ وَزَادَ عَلَى الْعَادَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ زَادَ عَلَى الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْأَكْثَرِ
فَالْكُلُّ نِفَاسٌ. وَكَذَا حَيْضٌ إنْ وَلِيَهُ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِلَّا فَعَادَتُهَا وَهِيَ تَثْبُتُ وَتَنْتَقِلُ بِمَرَّةٍ بِهِ يُفْتَى، وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْمُلْتَقَى
(وَالنِّفَاسُ لِأُمِّ تَوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ)
ــ
[رد المحتار]
فَالْكُلُّ حَيْضٌ اتِّفَاقًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ إنْ وَلِيَهُ طُهْرٌ تَامٌّ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ السَّادِسَ حَيْضٌ أَيْضًا، فَإِنْ طَهُرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وَهِيَ خَمْسَةٌ وَالْيَوْمُ السَّادِسُ اسْتِحَاضَةٌ، فَتَقْضِي مَا تَرَكَتْ فِيهِ مِنْ الصَّلَاةِ، كَذَا فِي السِّرَاجِ. اهـ.
قَالَ ح: وَصُورَتُهُ فِي النِّفَاسِ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي كُلِّ نِفَاسٍ ثَلَاثِينَ ثُمَّ رَأَتْ مَرَّةً إحْدَى وَثَلَاثِينَ ثُمَّ طُهْرًا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الْحَيْضَ، فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وَهِيَ الثَّلَاثُونَ وَيُحْسَبُ الْيَوْمُ الزَّائِدُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الَّتِي هِيَ طُهْرٌ (قَوْلُهُ وَهِيَ تَثْبُتُ وَتَنْتَقِلُ بِمَرَّةٍ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا رَأَتْهُ ثَانِيًا بَعْدَ الطُّهْرِ التَّامِّ يَصِيرُ عَادَةً لَهَا. وَهَذَا مِثَالُ الِانْتِقَالِ بِمَرَّةٍ، وَمِثَالُ الثُّبُوتِ مُبْتَدَأَةٌ رَأَتْ دَمًا وَطُهْرًا صَحِيحَيْنِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَادَتُهَا فِي الدَّمِ وَالطُّهْرِ مَا رَأَتْ فَتُرَدُّ إلَيْهَا. لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْ الْبِرْكَوِيِّ تَقْيِيدَهُ بِمَا إذَا كَانَ طُهْرُهَا أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِلَّا فَتُرَدُّ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لَهُمَا. ثُمَّ الْخِلَافُ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهِيَ أَنْ تَرَى دَمَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوِلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ، لَا الْجَعْلِيَّةُ بِأَنْ تَرَى أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً وَمَاءً كَذَلِكَ فَإِنَّهَا تُنْتَقَضُ بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ اتِّفَاقًا نَهْرٌ، وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ نَبَّهَ الْبِرْكَوِيُّ فِي هَامِشِ رِسَالَتِهِ عَلَى أَنَّ بَحْثَ انْتِقَالِ الْعَادَةِ مِنْ أَهَمِّ، مَبَاحِثِ الْحَيْضِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَصُعُوبَةِ فَهْمِهِ وَتَعَسُّرِ إجْرَائِهِ.
وَذَكَرَ فِي الرِّسَالَةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ لِلْعَادَةِ إنْ كَانَتْ فِي النِّفَاسِ، فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ الْأَرْبَعِينَ فَالْعَادَةُ بَاقِيَةٌ تُرَدُّ إلَيْهَا وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ انْتَقَلَتْ الْعَادَةُ إلَى مَا رَأَتْهُ وَالْكُلُّ نِفَاسٌ؛ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَيْضِ، فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي زَمَانِ الْعَادَةِ نِصَابٌ انْتَقَلَتْ زَمَانًا وَالْعَدَدُ بِحَالِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ. وَإِنْ وَقَعَ فَالْوَاقِعُ فِي زَمَانِهَا فَقَطْ حَيْضٌ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ مُسَاوِيًا لِعَادَتِهَا عَدَدًا فَالْعَادَةُ بَاقِيَةٌ وَإِلَّا انْتَقَلَتْ الْعَادَةُ عَدَدًا إلَى مَا رَأَتْهُ نَاقِصًا، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ. فَإِنْ لَمْ يَتَسَاوَيَا صَارَ الثَّانِي عَادَةً وَإِلَّا فَالْعَدَدُ بِحَالِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً أَوْضَحَ بِهَا الْمَقَامَ، فَرَاجِعْهَا مَعَ شَرْحِنَا عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) ذَكَرَ فِيهِ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ السِّرَاجِ، فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَهُ لَا إلَى مَسْأَلَةِ الِانْتِقَالِ فَقَطْ إذْ لَمْ يُذْكَرُ فِيهَا أَزْيَدَ مِمَّا هُنَا فَافْهَمْ.
[تَتِمَّةٌ] اخْتَلَفُوا فِي الْمُعْتَادَةِ، هَلْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الزِّيَادَةَ عَنْ الْعَادَةِ؟ قِيلَ لَا لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ نَعَمْ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، وَصَحَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا الْحُكْمُ فِي النِّفَاسِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَيْضًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتْرُكُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الدَّمَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ حَالَهَا نُوحٌ أَفَنْدِي
(وَقَوْلُهُ وَالنِّفَاسُ لِأُمِّ تَوْأَمَيْنِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ تَثْنِيَةُ تَوْأَمٍ: اسْمُ وَلَدٍ إذَا كَانَ مَعَهُ آخَرُ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مِنْ الْأَوَّلِ) وَالْمَرْئِيُّ عَقِيبَ الثَّانِي، إنْ كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ فَمِنْ نِفَاسِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا فَاسْتِحَاضَةٌ وَقِيلَ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ يَجِبُ عَلَيْهَا نِفَاسٌ مِنْ الثَّانِي وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ
هُمَا وَلَدَانِ بَيْنَهُمَا دُونَ نِصْفِ حَوْلٍ وَكَذَا الثَّلَاثَةُ وَلَوْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ
(وَ) انْقِضَاءُ (الْعِدَّةِ مِنْ الْأَخِيرِ وِفَاقًا) لِتَعَلُّقِهِ بِالْفَرَاغِ (وَسِقْطٌ) مُثَلَّثُ السِّينِ: أَيْ مَسْقُوطٌ (ظَهَرَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ) أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ ظُفُرٍ أَوْ شَعْرٍ، وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَّا بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا (وَلَدٌ) حُكْمًا (فَتَصِيرُ) الْمَرْأَةُ (بِهِ نُفَسَاءَ وَالْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَحْنَثُ بِهِ) فِي تَعْلِيقِهِ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ
ــ
[رد المحتار]
نِهَايَةٌ وَبَحْرٌ. ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُمَا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ النِّفَاسُ مِنْ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ اسْتِحَاضَةٌ. وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي النَّهْرِ
(قَوْلُهُ وِفَاقًا) أَشَارَ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى خِلَافًا كَمَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ لِتَعَلُّقِهِ بِالْفَرَاغِ) أَيْ لِتَعَلُّقِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَهُوَ لَا يَفْرُغُ إلَّا بِخُرُوجِ كُلِّ مَا فِيهِ ط (قَوْلُهُ مُثَلَّثُ السِّينِ) أَيْ يَجُوزُ فِيهِ تَحْرِيكُهَا بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ، قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالْكَسْرُ أَكْثَرُ.
مَطْلَبٌ فِي أَحْوَالِ السِّقْطِ وَأَحْكَامِهِ (قَوْلُهُ أَيْ مَسْقُوطٌ) الَّذِي فِي الْبَحْرِ التَّعْبِيرُ بِالسَّاقِطِ وَهُوَ الْحَقُّ لَفْظًا وَمَعْنًى؛ أَمَّا لَفْظًا فَلِأَنَّ سَقَطَ لَازِمٌ لَا يُبْنَى مِنْهُ اسْمُ الْمَفْعُولِ، وَأَمَّا مَعْنًى فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ سُقُوطُ الْوَلَدِ سَوَاءٌ سَقَطَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَسْقَطَهُ غَيْرُهُ ح (قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَبِينُ خَلْقُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: الْمُرَادُ نَفْخُ الرُّوحِ وَإِلَّا فَالْمُشَاهَدُ ظُهُورُ خَلْقِهِ قَبْلَهَا اهـ وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِهِ مَا ذُكِرَ مَمْنُوعٌ.
وَقَدْ وَجَّهَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً وَأَرْبَعِينَ عَلَقَةً وَأَرْبَعِينَ مُضْغَةً. وَعِبَارَتُهُ فِي عِقْدِ الْفَرَائِدِ قَالُوا: يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُعَالِجَ فِي اسْتِنْزَالِ الدَّمِ مَا دَامَ الْحَمْلُ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ عُضْوٌ، وَقَدَّرُوا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا أَبَاحُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآدَمِيٍّ. اهـ كَذَا فِي النَّهْرِ.
أَقُولُ: لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْبَحْرِ: إنَّ الْمُشَاهَدَ ظُهُورُ خَلْقِهِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ «إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا» وَأَيْضًا هُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ
فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ دَاوُد فِي تَذْكِرَتِهِ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ عِظَامًا مُخَطَّطَةً فِي اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَى خَمْسِينَ، ثُمَّ يَجْتَذِبُ الْغِذَاءَ وَيَكْتَسِي اللَّحْمَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، ثُمَّ تَظْهَرُ فِيهِ الْغَاذِيَةُ وَالنَّامِيَةُ وَيَكُونُ كَالنَّبَاتِ إلَى نَحْوِ الْمِائَةِ، ثُمَّ يَكُونُ كَالْحَيَوَانِ النَّائِمِ إلَى عِشْرِينَ بَعْدَهَا فَتُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ الْحَقِيقِيَّةُ الْإِنْسَانِيَّةُ. اهـ مُلَخَّصًا.
نَعَمْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ أَيْ عَقِبَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرَةِ أَيَّامٍ وَبِهِ أَخَذَ أَحْمَدُ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ ظُهُورَ الْخَلْقِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْخَلْقِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ، فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَالْأَمَةُ أُمُّ وَلَدٍ) أَيْ إنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ (قَوْلُهُ وَيَحْنَثُ بِهِ فِي تَعْلِيقِهِ) أَيْ يَقَعُ
فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَالْمَرْئِيُّ حَيْضٌ إنْ دَامَ ثَلَاثًا وَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ وَإِلَّا اسْتِحَاضَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُدْرَ حَالُهُ وَلَا عَدَدُ أَيَّامِ حَمْلِهَا وَدَامَ الدَّمُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا بِيَقِينٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ ثُمَّ تُصَلِّي كَمَعْذُورٍ.
(وَلَا يُحَدُّ إيَاسٌ بِمُدَّةٍ، بَلْ هُوَ أَنْ تَبْلُغَ مِنْ السِّنِّ مَا لَا تَحِيضُ مِثْلُهَا فِيهِ)
ــ
[رد المحتار]
الْمُعَلَّقُ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِمَا بِوِلَادَتِهِ، بِأَنْ قَالَ: إنْ وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ فَلَا حُكْمَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا ظَهَرَ وَلَمْ يَتِمَّ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُسَمَّى، وَتَحْصُلُ لَهُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ، وَإِذَا تَمَّ وَلَمْ يُسْتَهَلَّ أَوْ اُسْتُهِلَّ وَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ أَكْثَرُهُ مَاتَ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا يُغَسَّلُ أَوْ لَا يُسَمَّى وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ إرْثِهِ وَيُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَيُدْفَنُ وِفَاقًا. وَإِذَا خَرَجَ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَلَا خِلَافَ فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَتِهِ، وَيَرِثُ وَيُورَثُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ الْحَيِّ الْكَامِلِ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ قَوْلَهُ وَالْمُخْتَارُ خِلَافُهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ، أَمَّا مَنْ تَمَّ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُغَسَّلُ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَالْمَرْئِيُّ) أَيْ الدَّمُ الْمَرْئِيُّ مَعَ السِّقْطِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ مِنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَهُ) أَيْ وُجِدَ قَبْلَهُ بَعْدَ حَيْضِهَا السَّابِقِ، لِيَصِيرَ فَاصِلًا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ. وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يُوَافِقَ تَمَامَ عَادَتِهَا، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَنْتَقِلُ بِمَرَّةٍ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ وَإِلَّا اسْتِحَاضَةٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَدُمْ ثَلَاثًا وَتَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ، أَوْ دَامَ ثَلَاثًا وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ طُهْرٌ تَامٌّ، أَوْ لَمْ يَدُمْ ثَلَاثًا وَلَا تَقَدَّمَهُ طُهْرٌ تَامٌّ ح (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُدْرَ حَالُهُ إلَخْ) أَيْ لَا يَدْرِي أَمُسْتَبِينٌ هُوَ أَمْ لَا؟ بِأَنْ أَسْقَطَتْ فِي الْمَخْرَجِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ، فَإِذَا كَانَ مَثَلًا حَيْضُهَا عَشْرَةً وَطُهْرُهَا عِشْرِينَ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ، فَإِنْ أَسْقَطَتْ مِنْ أَوَّلِ أَيَّامِ حَيْضِهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَشْرَةً بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ بِالشَّكِّ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا نُفَسَاءَ أَوْ طَاهِرَةً ثُمَّ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ عَشْرَةً بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهَا إمَّا نُفَسَاءُ أَوْ حَائِضٌ، ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي عِشْرِينَ بِيَقِينٍ لِاسْتِيفَاءِ الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ دَأْبُهَا حَيْضُهَا عَشْرَةٌ وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ، وَإِنْ أَسْقَطَتْ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا فَإِنَّهَا تُصَلِّي مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ بِالشَّكِّ ثُمَّ تَتْرُكُ قَدْرَ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ بِيَقِينٍ.
وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِلشَّكِّ، وَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ. اهـ مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَتَمَامُ تَفَارِيعِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَنَبَّهَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْخُلَاصَةِ غَلَطًا فِي التَّصْوِيرِ مِنْ النُّسَّاخِ (قَوْلُهُ وَلَا عَدَدَ أَيَّامِ حَمْلِهَا) هَذَا زَادَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَلَمْ تَعْلَمْ عَدَدَ أَيَّامِ حَمْلِهَا بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ عَنْهَا، أَمَّا لَوْ لَمْ تَرَهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا ثُمَّ أَسْقَطَتْهُ فِي الْمَخْرَجِ كَانَ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ. اهـ (قَوْلُهُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ حَيْضِهَا بِيَقِينٍ) أَيْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَا تَتَيَقَّنُ فِيهَا بِالطُّهْرِ، فَيَشْمَلُ مَا يَحْتَمِلُ الْمَرْئِيُّ فِيهَا أَنَّهُ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ كَالْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَالْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ وَمَا تَتَيَقَّنُ أَنَّهُ حَيْضٌ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَغْتَسِلُ إلَخْ: أَيْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي تَتَرَدَّدُ فِيهَا بَيْنَ النِّفَاسِ وَالطُّهْرِ أَوْ تَتَيَقَّنُ فِيهَا بِالطُّهْرِ فَقَطْ، فَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ فَقَدْ أَدَّى جَمِيعَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ مَعَ زِيَادَةِ مَا فِي النَّهْرِ وَأَنَّ صَلَاتَهَا صَلَاةُ الْمَعْذُورِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُحَدُّ إيَاسٌ بِمُدَّةٍ) هَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي عُدَّةِ الْفَتْحِ عَنْ الْمُحِيطِ ح. ثُمَّ إنَّ الْإِيَاسَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْيَأْسِ وَهُوَ الْقُنُوطُ ضِدُّ الرَّجَاءِ. قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ: أَصْلُهُ إيئَاسٌ عَلَى وَزْنِ إفْعَالٍ مِنْ أَيْأَسَهُ إذَا جَعَلَهُ يَائِسًا مُنْقَطِعَ الرَّجَاءِ، فَكَأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا مُنْقَطِعَةَ الرَّجَاءِ عَنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ، حُذِفَتْ الْهَمْزَةُ الَّتِي
فَإِذَا بَلَغَتْهُ وَانْقَطَعَ دَمُهَا حُكِمَ بِإِيَاسِهَا (فَمَا رَأَتْهُ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ حَيْضٌ) فَيَبْطُلُ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ وَتَفْسُدُ الْأَنْكِحَةُ.
(وَقِيلَ: يُحَدُّ بِخَمْسِينَ سَنَةً وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ) وَالْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا مُجْتَبًى وَغَيْرُهُ (تَيْسِيرًا) وَحَدَّهُ فِي الْعُدَّةِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ. قَالَ فِي الضِّيَاءِ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ (وَمَا رَأَتْهُ بَعْدَهَا) أَيْ: الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ (فَلَيْسَ بِحَيْضٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) إلَّا إذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا فَحَيْضٌ حَتَّى يَبْطُلَ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ، لَكِنْ قَبْلَ تَمَامِهَا لَا بَعْدُ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الْأَنْكِحَةُ. وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى جَوْهَرَةٌ وَغَيْرُهَا وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْعِدَّةِ.
ــ
[رد المحتار]
هِيَ عَيْنُ الْكَلِمَةِ تَخْفِيفًا. اهـ. نُوحٌ (قَوْلُهُ: مِثْلُهَا) قَالَ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُمَاثِلَةَ فِي تَرْكِيبِ الْبَدَنِ وَالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ. اهـ. وَيُقَالُ: لَا بُدَّ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعَ ذَلِكَ جِنْسُهَا لِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ الْفَتْحِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ فِي الرُّومِيَّاتِ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَفِي غَيْرِهِنَّ بِسِتِّينَ، وَرُبَّمَا يُعْتَبَرُ الْقُطْرُ أَيْضًا، فَلْيُحَرَّرْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغَتْهُ) فَلَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ وَانْقَطَعَ دَمُهَا فَعِدَّتُهَا بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ رَحْمَتِيٌّ.
وَعَلَيْهِ فَالْمُرْضِعُ الَّتِي لَا تَرَى الدَّمَ فِي مُدَّةِ إرْضَاعِهَا، لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِالْحَيْضِ كَمَا سَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ.
وَقَالَ فِي السِّرَاجِ: سُئِلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ عَنْ الْمُرْضِعَةِ إذَا لَمْ تَرَ حَيْضًا فَعَالَجَتْهُ حَتَّى رَأَتْ صُفْرَةً فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ قَالَ: هُوَ حَيْضٌ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَانْقَطَعَ دَمُهَا) أَمَّا لَوْ بَلَغَتْهُ وَالدَّمُ يَأْتِيهَا فَلَيْسَتْ بِآيِسَةٍ، وَمَعْنَاهُ: إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ ذَلِكَ الْمُعْتَادُ، وَعَوْدُ الْعَادَةِ يُبْطِلُ الْإِيَاسَ، ثُمَّ فَسَّرَ بَعْضُهُمْ هَذَا بِأَنْ تَرَاهُ سَائِلًا كَثِيرًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا رَأَتْ بَلَّةً يَسِيرَةً وَنَحْوَهُ، وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ يَكُونَ أَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ، فَلَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَخْضَرَ أَوْ تُرَبِيَّةً لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ فَقَالَ: إذَا رَأَتْهُ عَلَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا قَبْلَ الْإِيَاسِ أَصْفَرَ فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ أَوْ عَلَقًا فَرَأَتْهُ كَذَلِكَ كَانَ حَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ مِنْ الْعِدَّةِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الثَّانِي رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ: حُكِمَ بِإِيَاسِهَا) فَائِدَةُ هَذَا الْحُكْمِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ إذَا لَمْ تَرَ فِي أَثْنَائِهَا دَمًا إلَخْ (قَوْلُهُ: وَحَدَّهُ) أَيْ: الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ قَوْلُ مَشَايِخِ بُخَارَى وَخُوَارِزْمَ ح وَبِخَطِّ الشَّارِحِ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ. قَالَ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَفِي نُكَتِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ عَنْ الْمُفِيدِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَيْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ الْخَمْسُونَ أَوْ الْخَمْسَةُ وَالْخَمْسُونَ ط (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِحَيْضٍ) وَلَا يَبْطُلُ بِهِ الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ ط (قَوْلُهُ: دَمًا خَالِصًا) أَيْ كَالْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ الْقَانِي دُرَرٌ. قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَتَقَدَّمَ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ خَالِصًا وَكَانَتْ عَادَتُهَا كَذَلِكَ قَبْلَ الْإِيَاسِ يَكُونُ حَيْضًا (قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْطُلَ) تَفْرِيعٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ قَبْلَ تَمَامِهَا) أَيْ: تَمَامِ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ لَا بَعْدَهُ أَيْ: بَعْدَ تَمَامِ الِاعْتِدَادِ ط (قَوْلُهُ: وَسَنُحَقِّقُهُ فِي الْعِدَّةِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ: آيِسَةٌ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ عَادَ دَمُهَا عَلَى جَارٍ الْعَادَةِ أَوْ حَبِلَتْ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ بَطَلَتْ عِدَّتُهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا وَاسْتَأْنَفَتْ بِالْحَيْضِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلِيفَةِ تَحَقُّقُ الْإِيَاسِ عَنْ الْأَصْلِ وَذَلِكَ بِالْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْغَايَةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ قَالَهُ فِي الْبَحْرِ بَعْدَ حِكَايَةِ سِتَّةِ أَقْوَالٍ مُصَحَّحَةٍ. وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ اخْتَارَ الْبَهْنَسِيُّ مَا اخْتَارَهُ الشَّهِيدُ أَنَّهَا إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ تَمَامِ الْأَشْهُرِ اسْتَأْنَفَتْ لَا بَعْدَهَا.
قُلْت: وَهُوَ مَا اخْتَارَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَمُنْلَا خُسْرو وَالْبَاقَانِيُّ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْحَيْضِ، وَعَلَيْهِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَتَعْتَدُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِالْحَيْضِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُجْتَبَى أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي تَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ: وَهَذَا التَّصْحِيحُ أَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ، وَفِي النَّهْرِ أَنَّهُ أَطَالَ الرِّوَايَاتِ. اهـ. ح.