الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مِنْ فَرَائِضُهَا) الَّتِي لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا (التَّحْرِيمَةُ) قَائِمًا (وَهِيَ شَرْطٌ) فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ عَلَى الْقَادِرِ بِهِ يُفْتَى، فَيَجُوزُ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ وَعَلَى الْفَرْضِ وَإِنْ كُرِهَ لَا فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ عَلَى الظَّاهِرِ وَلِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ رُوعِيَ لَهَا الشُّرُوطُ
ــ
[رد المحتار]
الْمُتَنَوِّعَةِ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ لَا بَيَانُ نَفْسِ الْفَرْضِيَّةِ وَالْوُجُوبِ وَالسُّنِّيَّةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ إذْ بَيَانُهَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ لَا الْفُرُوعِ تَأَمَّلْ.
[فَرَائِض الصَّلَاة]
[مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ]
(قَوْلُهُ مِنْ فَرَائِضِهَا) جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَعَمُّ مِنْ الرُّكْنِ الدَّاخِلِ الْمَاهِيَّةِ وَالشَّرْطِ الْخَارِجِ عَنْهَا، فَيَصْدُقُ عَلَى التَّحْرِيمَةِ وَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْفَرْضَ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ كَالتَّحْرِيمَةِ وَالْقَعْدَةِ، وَقَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ كَتَرْتِيبِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَعْدَةِ، وَأَشَارَ بِمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ إلَى أَنَّ لَهَا فَرَائِضَ أُخَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَبَقِيَ مِنْ الْفُرُوضِ إلَخْ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ الَّتِي لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ إذْ لَا شَيْءَ مِنْ الْفُرُوضِ مَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ بِلَا عُذْرٍ (قَوْلُهُ التَّحْرِيمَةُ) الْمُرَادُ بِهَا جُمْلَةُ ذِكْرٍ خَالِصٍ. مِثْلُ: اللَّهُ أَكْبَرُ. كَمَا سَيَأْتِي مَعَ بَيَانِ شُرُوطِهَا الْعِشْرِينَ نَظْمًا. وَالتَّحْرِيمُ جَعْلُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا، سُمِّيَتْ بِهَا لِتَحْرِيمِهَا الْأَشْيَاءَ الْمُبَاحَةَ قَبْلَ الشُّرُوعِ بِخِلَافِ سَائِرِ التَّكْبِيرَاتِ وَالتَّاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ قُهُسْتَانِيٌّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ بُرْجُنْدِيٌّ، وَقِيلَ لِلْوَحْدَةِ، وَقِيلَ لِلنَّقْلِ مِنْ الْوَصْفِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ (قَوْلُهُ قَائِمًا) هُوَ أَحَدُ شُرُوطِهَا الْعِشْرِينَ الْآتِيَةِ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطٌ) وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا مَعَ الشُّرُوطِ الْمَارَّةِ لِاتِّصَالِهَا بِهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ لِلدَّارِ أَفَادَهُ فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ جِنَازَةٍ) أَمَّا فِيهَا فَهِيَ رُكْنٌ اتِّفَاقًا كَبَقِيَّةِ تَكْبِيرَاتِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ ح.
(قَوْلُهُ عَلَى الْقَادِرِ) مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطٍ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْفَرْضِ: أَيْ وَهِيَ شَرْطٌ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ ح. أَمَّا الْأُمِّيُّ وَالْأَخْرَسُ لَوْ افْتَتَحَا بِالنِّيَّةِ جَازَ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِأَقْصَى مَا فِي وُسْعِهِمَا بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالشَّرْطِيَّةِ، وَهُوَ مَضْمُونُ النِّسْبَةِ الْإِيقَاعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ وَهِيَ شَرْطٌ (قَوْلُهُ فَيَجُوزُ بِنَاءُ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ التَّحْرِيمَةِ شَرْطًا، لَكِنَّ كَوْنَهَا شَرْطًا يَقْتَضِي صِحَّةَ بِنَاءِ أَيِّ صَلَاةٍ عَلَى تَحْرِيمَةِ أَيِّ صَلَاةٍ، كَمَا يَجُوزُ بِنَاءُ أَيِّ صَلَاةٍ عَلَى طَهَارَةِ أَيِّ صَلَاةٍ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ، لَكِنْ مَنَعْنَا بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى غَيْرِهِ، لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ رُكْنٌ، بَلْ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْفَرْضِ تَعْيِينُهُ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ غَيْرِهِ بِأَخَصِّ أَوْصَافِهِ وَجَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَنْ يَكُونَ عِبَادَةً عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ بُنِيَ عَلَى غَيْرِهِ لَكَانَ مَعَ ذَلِكَ الْغَيْرِ عِبَادَةً وَاحِدَةً كَمَا فِي بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَإِنَّهُ يَكُونُ صَلَاةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ أَنَّ الْقُعُودَ لَا يُفْتَرَضُ إلَّا فِي آخِرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ لَا يُعَارِضُهُ لِأَنَّهُ فِي أَحْكَامٍ دُونَ أُخْرَى اهـ ح (قَوْلُهُ وَعَلَى الْفَرْضِ) لِأَنَّ الْفَرْضَ أَقْوَى فَيَسْتَتْبِعُ النَّفَلَ لِضَعْفِهِ ط (قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ) يَعْنِي أَنَّهُ مَعَ صِحَّتِهِ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ السَّلَامِ وَعَدَمَ كَوْنِ النَّفَل بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ ح وَهَذَا فِي الْعَمْدِ، إذْ لَوْ سَهَا بَعْدَ قَعْدَةِ الْفَرْضِ فَزَادَ خَامِسَةً يَضُمُّ سَادِسَةً بِلَا كَرَاهِيَةٍ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ قَالَ بِالْجَوَازِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ عَزْوِهِ الْجَوَازَ فِي بِنَاءِ الْفَرْضِ عَلَى مِثْلِهِ إلَى صَدْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ بِنَاءَ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ لَمْ نَجِدْ فِيهِ رِوَايَةً، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ لَا يَجُوزَ حَتَّى عَلَى قَوْلِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ جَوَّزَ بِنَاءَ الْمِثْلِ، فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَدْنَى وَلِأَنَّ الشَّيْءَ يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ لَا مَا هُوَ أَقْوَى إلَى آخِرِ مَا أَطَالَ بِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمِعْرَاجِ وَالْعِنَايَةِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ النَّهْرِ. وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى النَّفْلِ وَالْفَرْضِ عَلَيْهِ فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ وَلِاتِّصَالِهَا إلَخْ) عِلَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَعْلُولِ، وَهُوَ قَوْلُهُ رَوْعِي لَهَا الشُّرُوطُ.
وَهَذَا حَاصِلُ عِبَارَةِ الْبُرْهَانِ الْآتِيَةِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ
وَقَدْ مَنَعَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَئِنْ سَلَّمَ، نَعَمْ فِي التَّلْوِيحِ تَقْدِيمُ الْمَنْعِ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوْلَى، لَكِنْ نَقُولُ الِاحْتِيَاطُ
ــ
[رد المحتار]
سُؤَالٍ مُقَدَّرِ، وَهُوَ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ شَرْطًا فَلِمَ رُوعِيَ لَهَا الشُّرُوطُ وَالشُّرُوطُ تُرَاعَى لِلْأَرْكَانِ. وَالْجَوَابُ إنَّمَا رُوعِيَتْ الشُّرُوطُ لَهَا مِنْ الطَّهَارَةِ وَالِاسْتِقْبَالِ وَنَحْوِهِمَا لَا لِكَوْنِهَا رُكْنًا لِلصَّلَاةِ بَلْ لِاتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ مَنَعَهُ الزَّيْلَعِيُّ) أَيْ مَنَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ رُوعِيَ لَهَا الشُّرُوطُ حَيْثُ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْقَائِلِ بِرُكْنِيَّةِ التَّحْرِيمَةِ، وَقَوْلُهُ يُشْتَرَطُ لَهَا مَا يُشْتَرَطُ لِلصَّلَاةِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَأَلْقَاهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فَسَتْرُهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّكْبِيرِ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ أَوْ شَرَعَ فِي التَّكْبِيرِ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ مَثَلًا ثُمَّ ظَهَرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَاسْتَقْبَلَهَا عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا جَازَ، وَلَئِنْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ، لَا لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ مِنْ الصَّلَاةِ اهـ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْقَوْلِ بِمُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ لَهَا بِقَوْلِهِ وَلَئِنْ سُلِّمَ إلَخْ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ مَعَ الْخَصْمِ، لَكِنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي لُزُومِ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَقْتهَا لَا لَهَا بَلْ لِاتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ اتِّفَاقًا وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُك لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَرَكَةَ تَجْتَمِعُ مَعَ السُّكُونِ، وَلَئِنْ سُلِّمَ يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ، فَقَوْلُك وَلَئِنْ سُلِّمَ كَلَامٌ فَرَضِيَ بِهِ مَا بَعْدَهُ، فَعُلِمَ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ لُزُومَ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ لِاتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ أَحْرَمَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ فَأَلْقَاهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّحْرِيمَةِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِ النَّجَاسَةِ بِجُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الْمَارَّةِ فِي عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَفْرِيعُهُ عَلَى فَرْضِ التَّسْلِيمِ الْمَذْكُورِ، فَثَبَتَ أَنَّ مَا مَنَعَهُ أَوَّلًا رَجَعَ إلَيْهِ ثَانِيًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ نَعَمْ) تَصْدِيقٌ لِمَا فَعَلَهُ الزَّيْلَعِيَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمَنْعِ عَلَى التَّسْلِيمِ جَرَيَا عَلَى قَوَاعِدِ عُلَمَاءِ الْمُنَاظَرَةِ، وَقَوْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ إلَخْ تَأْيِيدٌ لَهُ، وَقَصَدَ بِذَلِكَ الرَّدّ عَلَى مَنْ قَدَّمَ التَّسْلِيمَ عَلَى الْمَنْعِ عَكْسَ مَا فَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ، فَرَاجِعْهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ نَقُولُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الْمَنْعِ وَتَأْيِيدٌ لِمَا رَجَعَ إلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ الِاحْتِيَاطُ، وَقَوْلُهُ وَعِبَارَةُ الْبُرْهَانِ إلَخْ تَقْوِيَةٌ لِلِاسْتِدْرَاكِ لِأَنَّ قَوْلَ الْبُرْهَانِ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لَهَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُكْنًا لِاتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ. وَقَالَ الشَّارِحُ فِي خَزَائِنِ الْأَسْرَارِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَشُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ وُجُودِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ حِينَ التَّحْرِيمَةِ لِكَوْنِهَا رُكْنًا بَلْ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ، وَقَدْ مَنَعَ الزَّيْلَعِيُّ الِاشْتِرَاطَ أَوَّلًا إلَخْ.
بَحْثُ الْقِيَامِ
وَحَاصِلُ كَلَامِ الشَّارِحِ اخْتِيَارُ مُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُكْنًا لِقَوْلِهِمْ فِي الْجَوَابِ عَنْ اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ عَلَى رُكْنِيَّتِهَا بِمُرَاعَاةِ الشُّرُوطِ لَهَا إنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَمْ تُرَاعَ لِأَجْلِهَا بَلْ لَمَّا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْقِيَامِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُمْ سَلَّمُوا لُزُومَ الْمُرَاعَاةِ وَقْتَهَا، لَكِنْ مَنَعُوا أَنْ تَكُونَ الْمُرَاعَاةُ لِأَجْلِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ لَوْ شَرَعَ بِالتَّحْرِيمَةِ حَامِلًا لِنَجَاسَةٍ فَأَلْقَاهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا، وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْفُرُوعِ الْمَارَّةِ.
وَأَقُولُ: هَذَا خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِينَ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِصِحَّةِ الشُّرُوع فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ، حَتَّى إنَّ الْعَلَّامَةَ الْكَاكِيَّ صَرَّحَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّ ثِمْرَةَ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي التَّحْرِيمَةِ تَظْهَرُ فِي جَوَازِ بِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ. وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَا إذَا كَبَّرَ وَفِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ فَأَلْقَاهَا عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْفُرُوعِ الْمَارَّةِ وَقَالَ. آخِرَهَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا، وَنَحْوُهُ فِي السِّرَاجِ، لَكِنَّهُ جَعَلَ الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَمُحَمَّدٍ، وَلَعَلَّهُ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْقَائِلَ بِرُكْنِيَّةِ
خِلَافُهُ. وَعِبَارَةُ الْبُرْهَانِ: وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لَهَا مَا اُشْتُرِطَ لِلصَّلَاةِ لَا بِاعْتِبَارِ رُكْنِيَّتِهَا، بَلْ بِاعْتِبَارِ اتِّصَالِهَا بِالْقِيَامِ الَّذِي هُوَ رُكْنُهَا.
(وَمِنْهَا الْقِيَامُ) بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَيْهِ لَا يَنَالُ رُكْبَتَيْهِ وَمَفْرُوضَةٌ وَوَاجِبَةٌ وَمَسْنُونَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ، فَلَوْ
ــ
[رد المحتار]
التَّحْرِيمَةِ هُوَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وَعِبَارَةُ فَتْحِ الْقَدِيرِ هَكَذَا: قَوْلُهُ وَمُرَاعَاةُ الشَّرَائِطِ إلَخْ يَتَضَمَّنُ مَنْعَ قَوْلِهِ يُشْتَرَطُ لَهَا، فَيُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لَهَا بَلْ هُوَ لِمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ لَا لِنَفْسِهَا، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ تَحَرَّمَ حَامِلُ نَجَاسَةٍ أَوْ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ أَوْ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ أَوْ مُنْحَرِفًا فَأَلْقَاهَا وَاسْتَتَرَ بِعَمَلٍ يَسِيرٍ وَظَهَرَ الزَّوَالُ وَاسْتَقْبَلَ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ التَّحْرِيمَةِ جَازَ. وَذَكَر فِي الْكَافِي أَنَّهَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رُكْنٌ اهـ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ، فَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الْفُرُوعُ اهـ كَلَامُ الْفَتْحِ، فَانْظُرْ كَيْفَ فُهِمَ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ تَسْلِيمُ صِحَّةِ هَذِهِ الْفُرُوعِ، وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ وَأَنَّ عَدَمَ صِحَّتِهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهَا وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ مِنْ كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخَزَائِنِ، وَكَذَا كَلَامُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْفُرُوعِ، فَحَيْثُ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولَ فَلَيْسَ لَنَا عَنْهُ عُدُولٌ، وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي الْجَوَابِ إنَّ مُرَاعَاةَ الشُّرُوطِ لَيْسَتْ لَهَا بَلْ لِمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْقِيَامِ أَنَّ شُرُوطَ الصَّلَاةِ مِنْ الطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا لَا تَجِبُ لِلتَّحْرِيمَةِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تَجِبُ لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِهَا أَيْ الْمُتَّصِلِ بِآخِرِهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ التَّلَفُّظِ بِهَا لَا لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِابْتِدَائِهَا إلَى انْتِهَائِهَا حَتَّى يَلْزَمَ مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ لَهَا فِي ضِمْنِ الْقِيَامِ الْمَذْكُورِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِ الْبُرْهَانِ: وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ لَهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ لَهَا يُفِيدُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَنَا، أَوْ يُقَالُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي يُرَاعِيهَا الْمُصَلِّي وَقْتَ التَّحْرِيمَةِ لَيْسَتْ لَهَا، بَلْ لِمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمُصَلِّي مُرَاعَاةُ الشُّرُوطِ وَقْتَهَا صَارَ مَنْشَأً لِتَوَهُّمِ أَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمَةِ فَبَيَّنُوا أَوَّلًا أَنَّ ذَلِكَ لِلْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِهَا ثُمَّ حَقَّقُوا ذَلِكَ بِأَنْ ذَكَرُوا صُوَرًا يُمْكِنُ فِيهَا عَدَمُ اقْتِرَانِ التَّحْرِيمَةِ بِالشُّرُوطِ. وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ: وَمُرَاعَاةُ الشَّرَائِطِ لِمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ الْقِيَامِ. قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: وَالدَّلِيلُ أَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَصِلْ الْمَاءُ إلَى أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَكَبَّرَ وَغُمِسَ فِي الْمَاءِ وَرُفِعَ وَصَلَّى بِالْإِيمَاءِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ حَالَ التَّكْبِيرِ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ اهـ فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشُّرُوطَ إنَّمَا تَجِبُ مُرَاعَاتُهَا مَعَ الْفَرَاغِ مِنْهَا عِنْدَ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ الْمُتَّصِلِ بِآخِرِ التَّحْرِيمَةِ فَالشُّرُوطُ تُرَاعَى لَهُ فِي وَقْتِهِ لَا لَهَا تَبَعًا لَهُ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ الْمَارِّ عَلَى هَذَا أَيْضًا بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: لِمَا يَتَّصِلُ مُتَعَلِّقًا. بِقَوْلِهِ: يُشْتَرَطُ صِلَةٌ لَهُ لَا عِلَّةٌ حَتَّى يَكُونَ الْمَعْنَى يُشْتَرَطُ فِي التَّحْرِيمَةِ لِأَجْلِ مَا يَتَّصِلُ إلَخْ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَوَافَقُ كَلَامُهُمْ وَيَتَّضِحُ مَرَامَهُمْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَقَامِ. وَالسَّلَامُ.
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقِيَامُ) يَشْمَلُ التَّامَّ مِنْهُ وَهُوَ الِانْتِصَابُ مَعَ الِاعْتِدَالِ وَغَيْرَ التَّامِّ وَهُوَ الِانْحِنَاءُ الْقَلِيلُ بِحَيْثُ لَا تَنَالُ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ، وَقَوْلُهُ بِحَيْثُ إلَخْ صَادِقٌ بِالصُّورَتَيْنِ أَفَادَهُ ط. وَيُكْرَهُ الْقِيَامُ عَلَى أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا عُذْرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعِ الْيَدِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي نَصْرٍ الدَّبُوسِيِّ إنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ كَذَا فِي الْكُبْرَى. وَمَا رُوِيَ أَنَّهُمْ أَلْصَقُوا الْكِعَابَ بِالْكِعَابِ أُرِيدَ بِهَا الْجَمَاعَةُ أَيْ قَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بِجَانِبِ الْآخَرِ كَذَا فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ، وَلَوْ قَامَ عَلَى أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ أَوْ عَقِبَيْهِ بِلَا عُذْرٍ يَجُوزُ، وَقِيلَ لَا، حُكِيَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُنْيَةِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ) ذَكَرَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ بَحْثًا، لَكِنْ عَزَاهُ فِي الْخَزَائِنِ إلَى الْحَاوِي.
وَحِينَئِذٍ فَهُوَ بِقَدْرِ آيَةٍ فَرْضٌ وَبِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ وَاجِبٌ وَبِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ وَقِصَارِهِ فِي مَحَالِّهَا مَسْنُونٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فِي نَحْوِ تَهَجُّدٍ مَنْدُوبٍ، لَكِنْ فِي أَوَاخِرِ الْفَنِّ الثَّالِثِ مِنْ الْأَشْبَاهِ. قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَقَعَ فَرْضًا، وَلَوْ أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِيهَا وَقَعَ فَرْضًا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ يَقَعُ فَرْضًا أَيْضًا، فَيُنَافِي هَذَا التَّقْدِيرَ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا
كَبَّرَ قَائِمًا فَرَكَعَ وَلَمْ يَقِفْ صَحَّ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ الْقِيَامُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الرُّكُوعَ يَكْفِيهِ قُنْيَةٌ (فِي فَرْضٍ) وَمُلْحَقٍ بِهِ كَنَذْرٍ وَسُنَّةِ فَجْرٍ فِي الْأَصَحِّ (لِقَادِرٍ عَلَيْهِ) وَعَلَى السُّجُود، فَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ دُونَ السُّجُودِ نُدِبَ إيمَاؤُهُ قَاعِدًا، وَكَذَا مَنْ يَسِيلُ جُرْحُهُ لَوْ سَجَدَ. وَقَدْ يَتَحَتَّمُ الْقُعُودُ كَمَنْ يَسِيلُ جُرْحُهُ إذَا قَامَ أَوْ يَسْلَسُ بَوْلُهُ أَوْ يَبْدُو رُبْعُ عَوْرَتِهِ أَوْ يَضْعُفُ
ــ
[رد المحتار]
قَبْلَ إيقَاعِهِ أَمَّا بَعْدَهُ فَالْكُلُّ فَرْضٌ، كَمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ قَبْلَ إيقَاعِهَا نُوِّعَتْ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ وَبَعْدَهُ يَكُونُ الْكُلُّ فَرْضًا.
وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ ذَلِكَ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، فَإِذَا قَرَأَ أَكْثَرَ مِنْ آيَةٍ يُثَابُ ثَوَابَ الْفَرْضِ، وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الزَّائِدِ عَلَى الْآيَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ فَرَكَعَ) أَيْ وَقَرَأَ فِي هُوِيِّهِ قَدْرَ الْفَرْضِ أَوْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ أَخَّرَ الْقِرَاءَةَ (قَوْلُهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الرُّكُوعَ) أَيْ يَبْلُغَ أَقَلَّ الرُّكُوعِ بِحَيْثُ تَنَالُ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ عَنْ الْقُنْيَةِ إلَى أَنْ يَصِيرَ أَقْرَبَ إلَى الرُّكُوعِ (قَوْلُهُ كَنَذْرٍ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعَيَّنْ فِيهِ الْقِيَامُ وَلَا الْقُعُودُ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي التَّخْيِيرُ ط وَأَبْدَلَ النَّذْرَ فِي الْخَزَائِنِ بِالْوَاجِبِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ النَّوَافِلِ فَهَلْ يُفْتَرَضُ فِيهِ الْقِيَامُ لِوُجُوبِهِ أَمْ لَا إلْحَاقًا لَهُ بِأَصْلِهِ؟ تَوَقَّفَ فِيهِ ط وَالرَّحْمَتِيُّ.
(قَوْلُهُ وَسُنَّةُ فَجْرٍ فِي الْأَصَحِّ) أَمَّا عَنْ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَمُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ. وَنُقِلَ فِي مَرَاقِي الْفَلَاحِ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهَا مِنْ قُعُودٍ ط.
أَقُولُ: لَكِنْ فِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ لَوْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ، قِيلَ لَا تَجُوزُ قِيَاسًا عَلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ لَا تَجُوزُ قَاعِدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِإِجْمَاعِهِمْ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ فَكَذَا التَّرَاوِيحُ، وَقِيلَ يَجُوزُ وَالْقِيَاسُ عَلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ غَيْرٍ تَامّ فَإِنَّ التَّرَاوِيحَ دُونَهَا فِي التَّأْكِيدِ فَلَا تَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ. (قَوْلُهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِ) فَلَوْ عَجَزَ عَنْهُ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا كَمَا لَوْ حَصَلَ لَهُ بِهِ أَلَمٌ شَدِيدٌ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَكَالْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ يَتَحَتَّمُ الْقُعُودُ إلَخْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ، وَقَدْ يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ كَمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ.
وَيُزَادُ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَهِيَ الصَّلَاةُ فِي السَّفِينَةِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِيهَا قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ عِنْدَ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقِيَامِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الرُّكُوعِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ.
(قَوْلُهُ نُدِبَ إيمَاؤُهُ قَاعِدًا) أَيْ لِقُرْبِهِ مِنْ السُّجُودِ، وَجَازَ إيمَاؤُهُ قَائِمًا كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَأَوْجَبَ الثَّانِيَ زَفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فَلَا يُتْرَكُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ. وَلَنَا أَنَّ الْقِيَامَ وَسِيلَةٌ إلَى السُّجُودِ لِلْخَرُورِ، وَالسُّجُودُ أَصْلٌ لِأَنَّهُ شُرِعَ عِبَادَةً بِلَا قِيَامٍ كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالْقِيَامُ لَمْ يُشْرَعْ عِبَادَةً وَحْدَهُ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى يَكْفُرُ بِخِلَافِ الْقِيَامِ. وَإِذَا عَجَزَ عَنْ الْأَصْلِ سَقَطَتْ الْوَسِيلَةُ كَالْوُضُوءِ مَعَ الصَّلَاةِ وَالسَّعْيِ مَعَ الْجُمُعَةِ، وَمَا أَوْرَدَهُ ابْنُ الْهُمَامِ أَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْإِيمَاءَ أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ لَكَانَ مُوَجَّهًا وَلَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا) أَيْ يُنْدَبُ إيمَاؤُهُ قَاعِدًا مَعَ جَوَازِ إيمَائِهِ قَائِمًا لِعَجْزِهِ عَنْ السُّجُودِ حُكْمًا لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لَزِمَ فَوَاتُ الطَّهَارَةِ بِلَا خُلْفٍ، وَلَوْ أَوْمَأَ كَانَ الْإِيمَاءُ خَلَفًا عَنْ السُّجُودِ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ يَتَحَتَّمُ الْقُعُودُ إلَخْ) أَيْ يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا لِخَلْفِيَّتِهِ عَنْ الْقِيَامِ الَّذِي عَجَزَ عَنْهُ حُكْمًا إذْ لَوْ قَامَ لَزِمَ فَوْتُ الطَّهَارَةِ أَوْ السَّتْرِ أَوْ الْقِرَاءَةِ أَوْ الصَّوْمِ بِلَا خُلْفٍ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ قَاعِدًا كَمَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا يَسِيلُ بَوْلُهُ أَوْ جُرْحُهُ، وَلَوْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا لَا يَسِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ. قَالَ شَارِحُهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالِاسْتِلْقَاءِ لَا تَجُوزُ بِلَا عُذْرٍ كَالصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَيَتَرَجَّحُ مَا فِيهِ الْإِتْيَانُ بِالْأَرْكَانِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا وَلَا إعَادَةَ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ بِسَلَسٍ) مِنْ بَابِ
عَنْ الْقِرَاءَةِ أَصْلًا أَوْ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ، وَلَوْ أَضْعَفَهُ عَنْ الْقِيَامِ الْخُرُوجُ لِجَمَاعَةٍ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَائِمًا بِهِ يُفْتَى خِلَافًا لِلْأَشْبَاهِ
(وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ) لِقَادِرٍ عَلَيْهَا كَمَا سَيَجِيءُ وَهُوَ رُكْنٌ زَائِدٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لِسُقُوطِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِلَا خُلْفٍ
(وَمِنْهَا
ــ
[رد المحتار]
تَعِبَ ط.
(قَوْلُهُ أَصْلًا) أَمَّا لَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِرَاءَةِ إذَا قَامَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ مِقْدَارَ قُدْرَتِهِ وَالْبَاقِي قَاعِدًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ الْخُرُوجُ لِجَمَاعَةٍ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُ الْجَمَاعَةُ فِي بَيْتِهِ، أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ ط (قَوْلُهُ بِهِ يُفْتَى) وَجْهُهُ أَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، خِلَافًا لِأَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ، وَقِيلَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ قَاعِدًا عِنْدَنَا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ إذْ ذَاكَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَثُمَّ قَالَ ثَالِثٌ مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَشْرَعُ مَعَ الْإِمَامِ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الرُّكُوعِ يَقُومُ وَيَرْكَعُ أَيْ إنْ قَدَرَ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ جَعَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ أَصَحَّ وَبِهِ يُفْتَى.
قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَلَعَلَّهُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ سُنَّةٌ بَلْ يُعَدُّ هَذَا عُذْرًا فِي تَرْكِهَا اهـ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ.
مَبْحَثُ الْقِرَاءَةِ (قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ) أَيْ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، وَهِيَ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ وَفِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ كَمَا سَيَأْتِي مَتْنًا فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ. وَأَمَّا تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَقِيلَ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ فَهِيَ وَاجِبَةٌ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي. [فَرْعٌ]
قَدْ تُفْرَضُ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَتَيْنِ وَأَشَارَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الِاسْتِخْلَافِ (قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مَعَ بَيَانِ حُكْمِ الْقِرَاءَةِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالشَّوَاذِّ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. مَبْحَثٌ الرُّكْنِ الْأَصْلِيِّ وَالرُّكْنِ الزَّائِدِ
(قَوْلُهُ لِسُقُوطِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِلَا خُلْفٍ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ الرُّكْنَ الزَّائِدَ هُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ، وَالرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ. وَأُورِدَ عَلَى تَسْمِيَةِ الرُّكْنِ زَائِدًا أَنَّ الرُّكْنَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالزِّيَادَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِهِ فِي حَالَةٍ وَانْتِفَاؤُهُ بِانْتِفَائِهِ، وَزَائِدٌ مِنْ حَيْثُ قِيَامُهُ بِدُونِهِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى، فَالصَّلَاةُ مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا الشَّارِعُ تَارَةً بِأَرْكَانٍ وَأُخْرَى بِأَقَلَّ مِنْهَا. وَأُورِدَ عَلَى تَفْسِيرِ الرُّكْنِ الزَّائِدِ بِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَسْمِيَةُ غَسْلِ الرِّجْلِ رُكْنًا زَائِدًا فِي الْوُضُوءِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الزَّائِدَ مَا إذَا سَقَطَ لَا يَخْلُفُهُ بَدَلٌ وَالْمَسْحُ بَدَلُ الْغَسْلِ وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ إلَى خَلَفٍ فَلَيْسَتْ بِزَوَائِدَ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ. وَأُورِدَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ خَلَفٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْمُقْتَدِي، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» وَأَجَابَ ح بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلَفِ: خَلَفٌ يَأْتِي بِهِ مَنْ فَاتَهُ الْأَصْلُ. وَهَاهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ اهـ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا فِي ط مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ الْخَلْفِيَّةَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الشَّارِعَ مَنَعَهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ وَاكْتَفَى بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ عَنْهُ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ سُقُوطَ الْقِرَاءَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ لِيَلْزَمَ كَوْنُهَا زَائِدًا إذْ سُقُوطُهَا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ وَمِنْ هُنَا ادَّعَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ. اهـ. أَقُولُ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ ضَرُورَةٌ إذْ الضَّرُورَةُ الْعَجْزُ الْمُبِيحُ لِتَرْكِ أَدَاءِ الرُّكْنِ وَالْمُقْتَدِي قَادِرٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ غَيْرَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهَا شَرْعًا وَالْمَنْعُ لَا يُسَمَّى عَجْزًا إلَّا بِتَأْوِيلٍ. وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ مَالِكٍ الْجَمَّ الْغَفِيرَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي الْبَحْرِ فَلَا تُعْتَبَرُ مُخَالَفَتُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الرُّكُوعُ) بِحَيْثُ لَوْ مَدّ يَدَيْهِ نَالَ رُكْبَتَيْهِ
(وَمِنْهَا السُّجُودُ) بِجَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ، وَوَضْعُ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ، وَتَكْرَارُهُ تَعَبُّدٌ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ
ــ
[رد المحتار]
بَحْثُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
(قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَوْ مَدّ يَدَيْهِ إلَخْ) كَذَا فِي السِّرَاجِ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: هُوَ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ أَيْ خَفْضُهُ، لَكِنْ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ مَوْضُوعِ اللُّغَةِ، فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: 77] وَأَمَّا كَمَالُهُ فَبِانْحِنَاءِ الصُّلْبِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرَّأْسُ بِالْعَجْزِ وَهُوَ حَدُّ الِاعْتِدَالِ فِيهِ اهـ لَكِنْ ضَعَّفَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ: الرُّكُوعُ يَتَحَقَّقُ بِمَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الِانْحِنَاءِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ إلَى حَالِ الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ إلَى حَالِ الرُّكُوعِ أَقْرَبَ جَازَ. اهـ. وَتَمَامُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَمَا اخْتَارَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَرَّرَهُ عُلَمَاؤُنَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ. وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُحِيطِ وَإِنْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ قَلِيلًا وَلَمْ يَعْتَدِلْ فَظَاهِرُ الْجَوَابِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ. وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ اهـ. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ: وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا يَنْبَغِي أَنْ يُحَاذِيَ جَبْهَتَهُ قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ لِيَحْصُلَ الرُّكُوعُ. اهـ. قُلْت: وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى تَمَامِ الرُّكُوعِ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت حُصُولَهُ بِأَصْلِ طَأْطَأَةِ الرَّأْسِ أَيْ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا السُّجُودُ) هُوَ لُغَةً: الْخُضُوعُ قَامُوسٌ، وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ فِي الْأَرْضِ. وَفِي الْبَحْرِ: حَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ، فَدَخَلَ الْأَنْفُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ، وَأَمَّا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّهُ مَعَ رَفْعِ الْقَدَمَيْنِ بِالتَّلَاعُبِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِجَبْهَتِهِ) أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ بِهَا. وَأَمَّا جَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فَشَرْطُهُ الْعُذْرُ عَلَى الرَّاجِحِ كَمَا سَيَأْتِي. قَالَ ح: ثُمَّ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَبْهَةِ فَوَضَعَ جُزْءًا مِنْهَا وَإِنْ قَلَّ فَرْضٌ وَوَضَعَ أَكْثَرَهَا وَاجِبٌ (قَوْلُهُ وَقَدَمَيْهِ) يَجِبُ إسْقَاطُهُ لِأَنَّ وَضْعَ إصْبَعٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَكْفِي كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ ح. وَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَضَعْ شَيْئًا مِنْ الْقَدَمَيْنِ لَمْ يَصِحَّ السُّجُودُ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْبَحْرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَتَكْرَارُهُ تَعَبُّدٌ) أَيْ تَكْرَارُ السُّجُودِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ: أَيْ لَمْ يُعْقَلْ مَعْنَاهُ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ تَحْقِيقًا لِلِابْتِلَاءِ، وَقِيلَ ثَنَى تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ حَيْثُ لَمْ يَسْجُدْ مَرَّةً فَنَحْنُ نَسْجُدُ مَرَّتَيْنِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ هَلْ الْأَمْرُ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلُ أَوْ الْمَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ [فَائِدَةٌ]
سُئِلَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ فَتَاوَاهُ التُّمُرْتَاشِيَّةِ: هَلْ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلُ أَوْ مَعْقُولُ الْمَعْنَى؟ أَجَابَ لَمْ أَقِف عَلَيْهِ لِعُلَمَائِنَا سِوَى قَوْلِهِمْ فِي الْأُصُولِ: الْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ التَّعْلِيلُ، فَإِنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَفْضَلِيَّةِ الْمَعْقُولِ، وَوَقَفْت عَلَى ذَلِكَ فِي فَتَاوَى ابْنِ حَجَرٍ. قَالَ: قَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ التَّعَبُّدِيَّ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ بِمَحْضِ الِانْقِيَادِ، بِخِلَافِ مَا ظَهَرَتْ عِلَّتُهُ فَإِنَّ مُلَابِسَهُ قَدْ يَفْعَلُهُ لِتَحْصِيلِ فَائِدَتِهِ، وَخَالَفَهُ الْبُلْقِينِيُّ فَقَالَ: لَا شَكَّ أَنَّ مَعْقُولَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَفْضَلُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّرِيعَةِ كَذَلِكَ، وَبِالنَّظَرِ لِلْجُزْئِيَّاتِ قَدْ يَكُونُ التَّعَبُّدِيُّ أَفْضَلَ كَالْوُضُوءِ وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ الْوُضُوءَ أَفْضَلُ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْقُولُ أَفْضَلَ كَالطَّوَافِ وَالرَّمْيِ فَإِنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ: وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْأُمُورَ التَّعَبُّدِيَّةَ هَلْ شُرِعَتْ لِحِكْمَةٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَفَتْ عَلَيْنَا أَوْ لَا؟ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ لِدَلَالَةِ اسْتِقْرَاءِ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ جَالِبًا لِلْمَصَالِحِ دَارِئًا لِلْمَفَاسِدِ، فَمَا شَرَعَهُ إنْ ظَهَرَتْ حِكْمَتُهُ لَنَا قُلْنَا إنَّهُ مَعْقُولٌ وَإِلَّا قُلْنَا إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (قَوْلُهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ) أَيْ وَبِالْإِجْمَاعِ بَحْرٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِهِ.
(وَمِنْهَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ) وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْخُرُوجِ كَالتَّحْرِيمَةِ لِلشُّرُوعِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ رُكْنٌ زَائِدٌ لِحِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ. وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لَا يَكْفُرُ مُنْكَرُهُ (قَدْرَ) أَدْنَى قِرَاءَةِ (التَّشَهُّدِ) إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ بِلَا شَرْطِ مُوَالَاةٍ وَعَدَمِ فَاصِلٍ؛ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: صَلَّى أَرْبَعًا وَجَلَسَ لَحْظَةً فَظَنَّهَا ثَلَاثًا فَقَامَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَجَلَسَ ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَإِنَّ كِلَا الْجِلْسَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا
(وَمِنْهَا الْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ)
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْقُعُودُ الْأَخِيرُ) عَبَّرَ بِالْأَخِيرِ دُونَ الثَّانِيَ لِيَشْمَلَ قَعْدَةَ الْفَجْرِ وَقَعْدَةَ الْمُسَافِرِ لِأَنَّهَا أَخِيرَةٌ وَلَيْسَتْ ثَانِيَةً كَذَا فِي الدِّرَايَةِ، وَالْمُرَادُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ وَاقِعٌ آخِرَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَالْأَخِيرُ يَقْتَضِي سَبْقَ غَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ لَوْ قَالَ آخِرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَمَلَكَ عَبْدًا لَمْ يَعْتِقْ فَلْيُتَأَمَّلْ إمْدَادٌ. بَحْثُ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ
(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) اخْتَلَفَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ. وَفِي كَشْفِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لَا فَرْضٌ، لَكِنَّ الْوَاجِبَ هُنَا فِي قُوَّةِ الْفَرْضِ فِي الْعَمَلِ كَالْوِتْرِ. وَفِي الْخِزَانَةِ أَنَّهَا فَرْضٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ بَلْ هِيَ شَرْطٌ لِلتَّحْلِيلِ وَجَزَمَ بِأَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ. وَفِي الْيَنَابِيعِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْضِيَّةِ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ فِي مَنَاسِكِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِذَلِكَ مَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي يَحْنَثُ بِالرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَعْدَةِ، فَهِيَ فَرْضٌ لَا رُكْنٌ، إذْ الرُّكْنُ هُوَ الدَّاخِلُ فِي الْمَاهِيَّةِ. وَمَاهِيَّةُ الصَّلَاةِ تَتِمُّ بِدُونِ الْقَعْدَةِ، ثُمَّ قَالَ: فَعُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَتْ لِأَجْلِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْفَرْضُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الرُّكْنِ لِأَنَّ الرُّكْنَ يَتَكَرَّرُ، فَعَدَمُ التَّكْرَارِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الرُّكْنِيَّةِ، وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْعَالٌ مَوْضُوعَةٌ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَصْلُ التَّعْظِيمِ بِالْقِيَامِ، وَيُزَادُ بِالرُّكُوعِ وَيَتَنَاهَى بِالسُّجُودِ، فَكَانَتْ الْقَعْدَةُ مُرَادَةً لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَكَانَتْ لِغَيْرِهَا لَا لِعَيْنِهَا فَلَمْ تَكُنْ مِنْ الرُّكْنِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ لِلشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِثَمَرَةِ الْخِلَافِ: أَيْ فِي أَنَّهَا رُكْنٌ أَوْ لَا، وَبَيَّنَ فِي الْإِمْدَادِ الثَّمَرَةَ بِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْقَعْدَةِ نَائِمًا تُعْتَبَرُ عَلَى الْقَوْلِ بِشَرْطِيَّتِهَا لَا رُكْنِيَّتِهَا. وَعَزَاهُ إلَى التَّحْقِيقِ. وَالْأَصَحُّ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
قُلْت: وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا رُكْنٌ زَائِدٌ لَا شَرْطٌ. خِلَافًا لِمَا مَشْي عَلَيْهِ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلنَّهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْخُرُوجِ) فِيهِ أَنَّ مَا شُرِعَ لِغَيْرِهِ قَدْ يَكُونُ رُكْنًا كَالْقِيَامِ فَإِنَّهُ شُرِعَ وَسِيلَةً لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، حَتَّى لَوْ عَجَزَ عَنْهُمَا يُومِئُ قَاعِدًا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ (قَوْلُهُ لَحَنِثَ مَنْ حَلَفَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَصَلَّى رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ لَا يَحْنَثُ. فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقَعْدَةَ رُكْنٌ زَائِدٌ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَرْطٌ، فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ أَنْ يَعْكِسَ بِأَنْ يَذْكُرَ هَذَا دَلِيلًا لِلشَّرْطِيَّةِ، وَيَذْكُرَ مَا قَبْلَهُ هُنَا دَلِيلًا لِلرُّكْنِيَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا يَكْفُرُ مُنْكَرُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مُنْكَرُ فَرْضِيَّتِهِ. لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَأَمَّا مُنْكِرُ أَصْلِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفُرَ لِثُبُوتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَفَادَهُ ح وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوا فِي السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَنْ لَمْ يَرَهَا حَقًّا كَفَرَ (قَوْلُهُ قَدْرَ أَدْنَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ) أَيْ أَدْنَى زَمَنٍ يَقْرَأُ فِيهِ، بِأَنْ يَكُونَ قَدْرَ أَسْرَعَ مَا يَكُونُ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ مَعَ تَصْحِيحِ الْأَلْفَاظِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَهُ فِي نَفْسِهِ أَدْنَى وَأَعْلَى ط (قَوْلُهُ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّشَهُّدُ الْوَاجِبُ بِتَمَامِهِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْمُرَادُ مِنْ التَّشَهُّدِ التَّحِيَّاتُ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ هُوَ الصَّحِيحُ، لَا مَا زَعَمَ الْبَعْضُ أَنَّهُ لَفْظُ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ اهـ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ فَاصِلٍ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ عَلَى مَا قَبْلَهُ.
بَحْثُ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا الْخُرُوجُ بِصُنْعِهِ إلَخْ) أَيْ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي أَيْ فِعْلِهِ الِاخْتِيَارَ، بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُنَافِي الصَّلَاةَ بَعْدَ تَمَامِهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ يَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ صَلَاةً مَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا، أَوْ يَضْحَكُ قَهْقَهَةً، أَوْ يُحْدِثُ
كَفِعْلِهِ الْمُنَافِي لَهَا بَعْدَ تَمَامِهَا وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ اتِّفَاقًا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ:
وَبَقِيَ مِنْ الْفُرُوضِ تَمْيِيزُ الْمَفْرُوضِ، وَتَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ،
ــ
[رد المحتار]
عَمْدًا، أَوْ يَتَكَلَّمُ، أَوْ يَذْهَبُ، أَوْ يُسَلِّمُ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمِنْهُ مَا لَوْ حَاذَتْهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ الْمُحَاذَاةَ مُفَاعَلَةٌ فَكَانَ الْفِعْلُ مَوْجُودًا مِنْ الرَّجُلِ بِصُنْعِهِ كَوُجُودِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ فِيهِ اخْتِيَارٌ، وَتَمَامُهُ فِي النِّهَايَةِ، وَاحْتُرِزَ بِصُنْعِهِ عَمَّا لَوْ كَانَ سَمَاوِيًّا كَأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ (قَوْلُهُ كَفِعْلِهِ الْمُنَافِي لَهَا) الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْبَاءِ بَدَلَ الْكَافِ لِيَكُونَ تَفْسِيرًا نَقُولُهُ بِصُنْعِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ الْخُرُوجَ بِلَفْظِ السَّلَامِ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْكَمَالِ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، وَبِقَوْلِهِ كَفِعْلِهِ إلَخْ مَا عَدَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ تَحْرِيمًا فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَّا فِيمَا عَدَا السَّلَامَ فَافْهَمْ؛ وَاحْتُرِزَ بِالْمُنَافِي عَنْ نَحْوِ قِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَمَامِهَا) أَيْ بَعْدَ قُعُودِهِ الْأَخِيرِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، وَقُيِّدَ بِهِ لِأَنَّ إتْيَانَهُ بِالْمُنَافِي قَبْلَهُ يُبْطِلُهَا اتِّفَاقًا ح (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ فَرْضًا غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ الْبَرْدَعِيُّ عَنْ الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ الْآتِيَةِ قُبَيْلَ بَابِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَمَّا قَالَ فِيهَا بِالْبُطْلَانِ مَعَ أَنَّ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ تَمَّتْ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْخُرُوجُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ، وَصَاحِبَاهُ لَمَّا قَالَا فِيهَا بِالصِّحَّةِ كَانَ الْخُرُوجُ بِالصُّنْعِ لَيْسَ فَرْضًا عِنْدَهُمَا. وَرَدَّهُ الْكَرْخِيُّ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَأَنْ هَذَا الِاسْتِنْبَاطَ غَلَطٌ مِنْ الْبَرْدَعِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ السَّلَامُ؛ وَإِنَّمَا حَكَمَ الْإِمَامُ بِالْبُطْلَانِ فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ لِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الْعَوَارِضَ فِيهَا مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ، فَاسْتَوَى فِي حُدُوثِهَا أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَآخِرُهَا، فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْمُتَيَمِّمِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْمَاءَ مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ فَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ إلَى الْوُضُوءِ وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ، بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُغَيِّرٌ، وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْقَهْقَهَةُ وَنَحْوُهُمَا مُبْطِلَةٌ لَا مُغَيِّرَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي ح. هَذَا، وَقَدْ انْتَصَرَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ لِلْبَرْدَعِيِّ فِي رِسَالَةِ الْمَسَائِلِ الْبَهِيَّةِ الزَّكِيَّةِ عَلَى الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ بِأَنَّهُ قَدْ مَشَى عَلَى افْتِرَاضِ الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْإِمَامُ النَّسَفِيُّ فِي الْوَافِي وَالْكَافِي وَالْكَنْزِ وَشُرُوحِهِ وَإِمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ الْمُقَابِلُ لِقَوْلِ الْبَرْدَعِيِّ.
وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا فِيمَا إذَا سَبَقَهُ حَدَثٌ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ وَيَبْنِ وَيَخْرُجْ بِصُنْعِهِ، بَطَلَتْ عَلَى تَخْرِيجِ الْبَرْدَعِيِّ، وَصَحَّتْ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ ط
(قَوْلُهُ تَمْيِيزُ الْمَفْرُوضِ) فَسَّرَهُ ط بِأَنْ يُمَيِّزَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ عَنْ الْأُولَى بِأَنْ يَرْفَعَ وَلَوْ قَلِيلًا، أَوْ يَكُونَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ قَوْلَانِ مُصَحِّحَانِ. وَنَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ أَصِحِّيَّةَ الثَّانِي، وَفَسَّرَهُ ح بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمْيِيزِ تَمْيِيزُ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ عَمَّا لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَرْضِيَّةَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا لَا يُجْزِيهِ؛ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ الْبَعْضَ فَرْضٌ وَالْبَعْضُ سُنَّةٌ وَنَوَى الْفَرْضَ فِي الْكُلِّ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَنَوَى صَلَاةَ الْإِمَامِ عِنْدَ اقْتِدَائِهِ فِي الْفَرْضِ جَازَ؛ وَلَوْ عَلِمَ الْفَرْضَ دُونَ مَا فِيهِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ جَازَتْ صَلَاتُهُ أَيْضًا كَذَا فِي الْبَحْرِ؛ فَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَفْرُوضَ مِنْ أَجْزَاءِ كُلِّ صَلَاةٍ أَيْ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَرْضٌ وَأَنَّ التَّسْبِيحَ سُنَّةٌ وَهَكَذَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ مَا فِي مَتْنِ نُورِ الْإِيضَاحِ وَإِنْ كَانَ فِي شَرْحِهِ فَسَّرَهُ بِمَا يَرْفَعُ الْإِيهَامَ.
أَقُولُ: كَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ عَدَمُ ذِكْرِهِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ فِي الْخَزَائِنِ لِأَنَّهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ بِمَعْنَى افْتِرَاضِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتَحَقَّقُ بِدُونِ رَفْعٍ، وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُ السُّجُودِ. وَعَلَى التَّفْسِيرِ الثَّانِي يَرْجِعُ إلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ فِي النِّيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَتَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ إلَخْ) أَيْ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ رَكَعَ ثُمَّ قَامَ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ الرُّكُوعُ، فَإِنْ رَكَعَ ثَانِيًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ التَّرْتِيبِ الْمَفْرُوضِ وَلَزِمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَقْدِيمِهِ الرُّكُوعَ
وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ، وَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَإِتْمَامِ الصَّلَاةِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى آخَرَ وَمُتَابَعَتُهُ لِإِمَامِهِ فِي الْفُرُوضِ وَصِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ فِي رَأْيِهِ، وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ، وَعَدَمُ مُخَالَفَتِهِ فِي الْجِهَةِ، وَعَدَمُ تَذَكُّرِ فَائِتَةٍ وَعَدَمُ مُحَاذَاةِ امْرَأَةٍ بِشَرْطِهِمَا، وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ عِنْدَ الثَّانِي وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ
ــ
[رد المحتار]
الْمَفْرُوضَ، وَكَذَا تَقْدِيمُ الرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ؛ حَتَّى لَوْ سَجَدَ ثُمَّ رَكَعَ، فَإِنْ سَجَدَ ثَانِيًا صَحَّتْ لِمَا قُلْنَا، وَقَوْلُهُ وَالْقُعُودُ الْأَخِيرُ إلَخْ أَيْ يُفْتَرَضُ إيقَاعُهُ بَعْدَ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ؛ حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَهُ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً سَجَدَهَا وَأَعَادَ الْقُعُودَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ، وَلَوْ رُكُوعًا قَضَاهُ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ السُّجُودِ، أَوْ قِيَامًا أَوْ قِرَاءَةً صَلَّى رَكْعَةً كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَتَرْتِيبُ الْقُعُودِ إلَخْ كَمَا فَعَلَ فِي الْخَزَائِنِ، لِيُعْلَمَ أَنَّهُ فَرْضٌ آخَرُ.
وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهِ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ عَكْسَ مَا قَبْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ تَقْدِيمَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، وَسَيَأْتِي هُنَاكَ تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ (قَوْلُهُ وَإِتْمَامُ الصَّلَاةِ وَالِانْتِقَالِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَقَدْ عَدَّ مِنْ الْفَرَائِضِ إتْمَامَهَا وَالِانْتِقَالَ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ، قِيلَ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلصَّلَاةِ يُوجِبُ ذَلِكَ إذْ لَا وُجُودَ لِلصَّلَاةِ بِدُونِ إتْمَامِهَا وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي الْأَمْرَيْنِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِتْمَامِ عَدَمُ الْقَطْعِ، وَبِالِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ الِانْتِقَالُ عَنْ الرُّكْنِ لِلْإِتْيَانِ بِرُكْنٍ بَعْدَهُ إذْ لَا يَتَحَقَّقُ مَا بَعْدَهُ إلَّا بِذَلِكَ. وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى آخَرَ بِلَا فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا فَوَاجِبٌ، حَتَّى لَوْ رَكَعَ ثُمَّ رَكَعَ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ مِنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الرُّكُوعُ إلَى السُّجُودِ بَلْ أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا أَجْنَبِيًّا وَهُوَ الرُّكُوعُ الثَّانِي كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَيَنْبَغِي إبْدَالُ الرُّكْنِ بِالْفَرْضِ كَمَا عَبَّرَ فِي الْمُنْيَةِ لِيَشْمَلَ الِانْتِقَالَ مِنْ السُّجُودِ إلَى الْقَعْدَةِ بِنَاءً عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ مِنْ أَنَّهَا شَرْطٌ لَا رُكْنٌ زَائِدٌ، لَكِنْ قَدَّمْنَا تَرْجِيحَ خِلَافِهِ فَافْهَمْ، ثُمَّ إنَّ عَدَّ الْإِتْمَامِ وَالِانْتِقَالِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنْ الْفُرُوضِ يُغْنِي عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفُرُوضِ.
(قَوْلُهُ وَمُتَابَعَتُهُ لِإِمَامِهِ فِي الْفُرُوضِ) أَيْ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ، حَتَّى لَوْ رَكَعَ إمَامُهُ وَرَفَعَ فَرَكَعَ هُوَ بَعْدَهُ صَحَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ وَرَفَعَ ثُمَّ رَكَعَ إمَامُهُ وَلَمْ يَرْكَعْ ثَانِيًا مَعَ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَالْمُرَادُ بِالْمُتَابَعَةِ عَدَمُ الْمُسَابَقَةِ، نَعَمْ مُتَابَعَتُهُ لِإِمَامِهِ بِمَعْنَى مُشَارَكَتِهِ لَهُ فِي الْفَرَائِضِ مَعَهُ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَاجِبَةٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مِمَّا يُبْتَنَى عَلَى لُزُومِ الْمُتَابَعَةِ إلَخْ، وَاحْتُرِزَ بِالْفُرُوضِ عَنْ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا (قَوْلُهُ وَصِحَّةُ صَلَاةِ إمَامِهِ فِي رَأْيِهِ) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْمَأْمُومِ صِحَّةً وَفَسَادًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ فَلَوْ اقْتَدَى بِشَافِعِيٍّ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ امْرَأَةٍ صَحَّتْ لَا لَوْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ ط وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ.
(قَوْلُهُ وَعَدَمُ تَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ) أَيْ بِالْعَقِبِ، فَيَصْدُقُ بِمَا لَوْ حَاذَاهُ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُ وَإِلَّا فَسَدَتْ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ مُخَالَفَتِهِ فِي الْجِهَةِ) عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ عَدَمُ عِلْمِهِ مُخَالَفَةِ إمَامِهِ فِي الْجِهَةِ حَالَةِ التَّحَرِّي وَالشَّرْطُ عَدَمُ الْعِلْمِ فِي وَقْتِ الِاقْتِدَاءِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ صَحَّتْ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، وَقَيَّدْنَا بِحَالَةِ التَّحَرِّي لِأَنَّهُ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِجِهَةِ إمَامِهِ قَصْدًا فِي دَاخِلِ الْكَعْبَةِ أَوْ خَارِجَهَا، كَمَا لَوْ حَلَّقُوا حَوْلَهَا. مَطْلَبٌ قَصْدُهُمْ بِإِطْلَاقِ الْعِبَارَاتِ أَنْ لَا يَدَّعِيَ عِلْمَهُمْ إلَّا مَنْ زَاحَمَهُمْ عَلَيْهِ
قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: وَأَطْلَقَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي كَمَا هُوَ عَادَتُهُمْ فِي الْإِطْلَاقِ اعْتِمَادًا عَلَى التَّقْيِيدِ فِي مَحَلِّهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَصْدُهُمْ بِذَلِكَ أَنْ لَا يَدَّعِيَ عِلْمَهُمْ إلَّا مَنْ زَاحَمَهُمْ عَلَيْهِ بِالرُّكَبِ، وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِكَثْرَةِ الْمُرَاجَعَةِ وَتَتَبُّعِ عِبَارَاتِهِمْ وَالْأَخْذِ عَنْ الْأَشْيَاخِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِمَا) أَمَّا الْأَوْلَى، فَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ.
وَأَمَّا الثَّانِي، فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمُحَاذَاةُ فِي صَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَحْرِيمَةً وَأَدَاءً وَنَوَى الْإِمَامُ إمَامَتَهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي ح: وَالشَّرْطُ وَإِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ مُفْرَدًا إلَّا أَنَّهُ مُضَافٌ فَيَعُمُّ أَبُو السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) سَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ عِنْدَ
وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ.
(وَشُرِطَ فِي أَدَائِهَا) أَيْ هَذِهِ الْفَرَائِضِ قُلْت: وَبِهِ بَلَغَتْ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ: وَقَدْ نَظَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ لِلتَّحْرِيمَةِ عِشْرِينَ شَرْطًا وَلِغَيْرِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَقَالَ:
ــ
[رد المحتار]
ذِكْرِهِ لَهُ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَبَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ) حَيْثُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. قُلْت: لَكِنَّهُ غَرِيبٌ لَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ. وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْجَمُّ الْوُجُوبُ وَحُمِلَ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ قَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ قُلْت: أَنَّى يَرْتَفِعُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي السَّهْوِ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَتَنَبَّهْ اهـ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّهْرِ.
أَقُولُ: وَاَلَّذِي دَعَا صَاحِبَ الْبَحْرِ إلَى هَذَا الْحَمْلِ هُوَ التَّقَصِّي عَنْ إشْكَالٍ قَوِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَثْبَتَ الْفَرْضِيَّةَ بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَهُوَ خَبَرٌ آحَادٌ، وَالدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ أَمْرٌ بِمُطْلَقِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَيَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ الْخَاصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَقُولُ بِهِ، وَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ بِفَرْضِيَّةِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ عَلَى الْفَرْضِ الْعَمَلِيِّ الَّذِي هُوَ أَعْلَى قِسْمَيْ الْوَاجِبِ انْدَفَعَ الْإِشْكَالُ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ. وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا عَلِمْتَهُ. وَبَيَانُهُ أَنَّ الْفَرْضَ الْعَمَلِيَّ هُوَ الَّذِي يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَتَقْدِيرِ مَسْحِ الرَّأْسِ بِالرُّبْعِ فَيَلْزَمُ فَسَادُ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ التَّعْدِيلِ الْمَذْكُورِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُمَا لَا يَقُولَانِ بِهِ، فَالْخِلَافُ بَاقٍ، وَيَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ أَيْضًا لِأَنَّ مُقْتَضَى النَّصِّ الِاكْتِفَاءُ بِمُسَمَّى رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ أَيْضًا، لَكِنْ أَجَابَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَنْ الْإِشْكَالِ بِجَوَابٍ حَسَنٍ ذَكَرْتُهُ فِيمَا عَلَّقْتُهُ عَلَى الْبَحْرِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ عِنْدَهُمَا مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيُّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ. فَلَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ التَّعْدِيلِ لَزِمَ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ.
مَطْلَبٌ مُجْمَلُ الْكِتَابِ إذَا بُيِّنَ بِالظَّنِّيِّ فَالْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافٌ إلَى الْكِتَابِ
وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْمُجْمَلَ مِنْ الْكِتَابِ إذَا لَحِقَهُ الْبَيَانُ بِالظَّنِّيِّ كَانَ الْحُكْمُ بَعْدَهُ مُضَافًا إلَى الْكِتَابِ لَا إلَى الْبَيَانِ فِي الصَّحِيحِ، وَلِذَا قُلْنَا بِفَرْضِيَّةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ الْمُبَيَّنَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَمْ نَقُلْ بِفَرْضِيَّةِ الْفَاتِحَةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَيْضًا، لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] خَاصٌّ لَا مُجْمَلٌ اهـ مُلَخَّصًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ خَاصَّانِ عِنْدَهُمَا مُجْمَلَانِ عِنْدَهُ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ مِنْ أَصْلِهِ، لَكِنْ يَبْقَى الْخِلَافُ عَلَى حَالِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَيْ هَذِهِ الْفَرَائِضُ) أَيْ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَاجِعٌ إلَيْهَا، وَيَشْمَلُ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِرُكْنِيَّتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ ثَمَرَةِ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ قُلْت وَبِهِ) أَيْ وَبِذِكْرِ هَذَا الْفَرْضِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ الْآتِي فِي الْمَتْنِ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ هَذَا قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَهَا وَاجِبَاتٌ فَيَسْلَمُ مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ الْمُوجِبِ لِرَكَاكَةِ التَّرْكِيبِ ح (قَوْلُهُ نَيِّفًا وَعِشْرِينَ) النَّيِّفُ بِالتَّشْدِيدِ كَهَيِّنٍ وَيُخَفَّفُ: مَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْعَقْدَ الثَّانِيَ، وَأَرَادَ هُنَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ ثَمَانِيَةً تَقَدَّمَتْ فِي الْمَتْنِ وَهَذَا تَاسِعُهَا وَاثْنَيْ عَشَرَ فِي الشَّرْحِ يُجْعَلُ تَرْتِيبُ الْقُعُودِ فَرْضًا مُسْتَقِلًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ) وَكَذَا فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ دُرِّ الْكُنُوزِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهَا هَذَا النَّظْمَ وَزَادَ عَلَيْهِ نَظْمَ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ وَمَسَائِلَ أُخَرَ وَشَرَحَ الْجَمِيعَ. بَحْثُ شُرُوطِ التَّحْرِيمَةِ
(قَوْلُهُ لِلتَّحْرِيمَةِ عِشْرِينَ شَرْطًا) بَعْضُهَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِهَا، وَبَاقِيهَا شُرُوطٌ لِلصَّلَاةِ اُشْتُرِطَتْ لَهَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الشَّارِحُ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْكَانِ، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالْكُلُّ فِي الْحَقِيقَةِ.
شُرُوطٌ لِتَحْرِيمٍ حَظِيت بِجَمْعِهَا
…
مُهَذَّبَةً حُسْنًا مَدَى الدَّهْرِ تَزْهَرُ
دُخُولٌ لِوَقْتٍ وَاعْتِقَادُ دُخُولِهِ
…
وَسَتْرٌ وَطُهْرٌ وَالْقِيَامُ الْمُحَرَّرُ
وَنِيَّةُ إتْبَاعِ الْإِمَامِ وَنُطْقِهِ
…
وَتَعْيِينُ فَرْضٍ أَوْ وُجُوبٍ فَيُذْكَرُ
بِجُمْلَةِ ذِكْرٍ خَالِصٍ عَنْ مُرَادِهِ
…
وَبَسْمَلَةٍ عَرْبَاءَ إنْ هُوَ يَقْدِرُ
وَعَنْ تَرْكِ هَاوٍ أَوْ لِهَاءِ جَلَالَةٍ
…
وَعَنْ مَدِّ هَمْزَاتٍ وَبَاءٍ بِأَكْبَرُ
وَعَنْ فَاصِلٍ فِعْلٍ كَلَامٍ مُبَايِنٍ
…
وَعَنْ سَبْقِ تَكْبِيرٍ وَمِثْلُك يُعْذَرُ
فَدُونَك هَذِي مُسْتَقِيمًا لِقِبْلَةٍ
…
لَعَلَّك تَحْظَى بِالْقَبُولِ وَتُشْكَرُ
فَجُمْلَتُهَا الْعِشْرُونَ بَلْ زِيدَ غَيْرُهَا
…
وَنَاظِمُهَا يَرْجُو الْجُوَادَ فَيَغْفِرُ
وَأَزْكَى صَلَاةٍ مَعْ سَلَامٍ لِمُصْطَفًى
…
ذَخِيرَةِ خَلْقِ اللَّهِ لِلدِّينِ يَنْصُرُ
وَأَلْحَقْتهَا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ لِغَيْرِهَا
…
ثَلَاثَةَ عَشَرَ لِلْمُصَلِّينَ تَظْهَرُ
قِيَامُك فِي الْمَفْرُوضِ مِقْدَارَ آيَةٍ
…
وَتَقْرَأُ فِي ثِنْتَيْنِ مِنْهُ تُخَيَّرُ
وَفِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ فَرْضُهَا
…
وَمَنْ كَانَ مُؤْتَمًّا فَعَنْ تِلْكَ يُحْظَرُ
وَشَرْطُ سُجُودٍ فَالْقَرَارُ لِجَبْهَةٍ
…
وَقُرْبُ قُعُودٍ حَدُّ فَصْلٍ مُحَرَّرُ
وَبَعْدَ قِيَامٍ فَالرُّكُوعُ فَسَجْدَةٌ
…
وَثَانِيَةٌ قَدْ صَحَّ عَنْهَا تُؤَخَّرُ
عَلَى ظَهْرِ كَفٍّ أَوْ عَلَى فَضْلِ ثَوْبِهِ
…
إذَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ الْجَوَازُ مُقَرَّرُ
سُجُودُك فِي عَالٍ فَظُهْرٌ مُشَارِكٌ
…
لِسَجْدَتِهَا عِنْدَ ازْدِحَامِك يَغْفِرُ
أَدَاؤُك أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِيَقْظَةٍ
…
وَتَمْيِيزُ مَفْرُوضٍ عَلَيْك مُقَرَّرُ
وَيَخْتِمُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ قُعُودُهُ
…
وَفِي صُنْعِهِ عَنْهَا الْخُرُوجُ مُحَرَّرُ
ــ
[رد المحتار]
شُرُوطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ، إلَّا أَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلتَّحْرِيمَةِ فَلِذَا فَصَلَهَا عَمَّا قَبْلَهَا (قَوْلُهُ شُرُوطُ) مُبْتَدَأٌ سَوَّغَ الِابْتِدَاءَ بِهِ وَصْفُهُ بِقَوْلِهِ (لِتَحْرِيمٍ) وَبِقَوْلِهِ (حُظِيَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَتَاءُ الْخِطَابِ أَوْ التَّكَلُّمِ أَيْ أُعْطِيت حُظْوَةً بِالضَّمِّ أَوْ الْكَسْرِ: أَيْ مَكَانَةً أَوْ حَظًّا (بِجَمْعِهَا مُهَذَّبَةً) مُنَقَّاةً مُصْلَحَةً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْهَاءِ (حَسْنَا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَمْدُودًا قُصِرَ لِلضَّرُورَةِ حَالٌ أَيْضًا أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ أَيْضًا، أَوْ بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ (مَدَى الدَّهْرِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ (تَزْهَرُ) مِنْ بَابِ مَنَعَ: أَيْ تَتَلَأْلَأُ وَتُضِيءُ (دُخُولٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (لِوَقْتٍ) أَيْ وَقْتِ الْمَكْتُوبَةِ إنْ كَانَتْ التَّحْرِيمَةُ لَهَا (وَاعْتِقَادُ دُخُولِهِ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الِاعْتِقَادِ مِنْ غَلَبَةِ الظَّنِّ.
فَلَوْ شَرَعَ شَاكًّا فِيهِ لَا تُجْزِيه وَإِنْ تَبَيَّنَ دُخُولَهُ (وَسَتْرٌ) الْعَوْرَةِ (وَطُهْرٌ) مِنْ حَدَثٍ وَنَجَاسَةٍ مَانِعَةٍ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَمَكَانٍ وَكَذَا يُشْتَرَطُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ؛ فَلَوْ صَلَّى عَلَى أَنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ أَنَّ ثَوْبَهُ مَثَلًا نَجَسٌ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَجُزْ كَمَا مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ شَرَعَ بِلَا تَحَرٍّ إلَخْ: قَالَ ح: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السَّتْرُ كَذَلِكَ (وَالْقِيَامُ) لِقَادِرٍ فِي غَيْرِ نَفْلٍ وَفِي سُنَّةِ فَجْرٍ (الْمُحَرَّرُ) بِأَنْ لَا تَنَالَ يَدَاهُ رُكْبَتَيْهِ كَمَا مَرَّ، فَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ مُنْحَنِيًا لَمْ تَصِحَّ تَحْرِيمَتُهُ (وَنِيَّةُ إتْبَاعِ الْإِمَامِ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ لَا لِصِحَّةِ التَّحْرِيمَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُتَابَعَةَ صَحَّ شَرْعُهُ مُنْفَرِدًا، لَكِنَّهُ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ أَصْلًا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّحْرِيمَةِ نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَنِيَّتُهُ أَصْلُ الصَّلَاةِ.
إلَّا أَنْ يُقَالَ إتْبَاعٌ بِالرَّفْعِ بِإِسْقَاطِ الْعَاطِفِ فَيَكُونُ بَيَانًا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِتَحْرِيمَتِهِ تَابِعًا لِإِمَامِهِ لَا سَابِقًا عَلَيْهِ (وَنُطْقِهِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّ النُّطْقَ رُكْنُ التَّحْرِيمَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ شَرْطًا؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ نُطْقُهُ عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَنْ يُسْمِعَ بِهَا نَفْسَهُ، فَمَنْ هَمَسَ بِهَا أَوْ أَجْرَاهَا عَلَى قَلْبِهِ لَا تُجْزِيه، وَكَذَا جَمِيعُ أَقْوَالِ الصَّلَاةِ مِنْ ثَنَاءٍ وَتَعَوُّذٍ وَبَسْمَلَةٍ وَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَصَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَعَتَاقٍ وَطَلَاقٍ وَيَمِينٍ كَمَا أَفَادَهُ النَّاظِمُ ط (وَتَعْيِينُ فَرْضٍ) أَيْ أَنَّهُ ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ مَثَلًا (أَوْ وُجُوبٌ) كَرَكْعَتِي الطَّوَافِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْوِتْرِ وَالْمَنْذُورِ وَقَضَاءِ نَفْلٍ أَفْسَدَهُ؛ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ النَّفْلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ حَتَّى التَّرَاوِيحِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ (فَيُذْكَرُ) أَيْ يَنْطَلِقُ، وَأَعَادَهُ لِيُعَلِّقَ بِهِ قَوْلَهُ (بِجُمْلَةِ ذِكْرٍ) كَ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَلَا يَصِيرُ شَارِعًا بِأَحَدِهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْآتِي (خَالِصٍ عَنْ مُرَادِهِ) أَيْ غَيْرِ مَشُوبٍ بِحَاجَتِهِ، فَلَا يَصِحُّ بِاسْتِغْفَارٍ نَحْوُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ بِخِلَافِ اللَّهُمَّ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ كَيَا اللَّهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَبَسْمَلَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مُرَادِهِ: أَيْ وَخَالِصٍ عَنْ بَسْمَلَةٍ: فَلَا يَصِحُّ الِافْتِتَاحُ بِهَا فِي الصَّحِيحِ كَمَا نَقَلَهُ النَّاظِمُ عَنْ الْعِنَايَةِ، وَكَذَا بِتَعَوُّذٍ وَحَوْقَلَةٍ كَمَا سَيَأْتِي (عَرْبَاءَ) نَعْتٌ لِجُمْلَةٍ: أَيْ بِجُمْلَةٍ عَرَبِيَّةٍ (إنْ هُوَ يَقْدِرُ) عَلَى الْجُمْلَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَا يَصِحُّ شُرُوعُهُ بِغَيْرِهَا إلَّا إذَا عَجَزَ فَيَصِحُّ بِالْفَارِسِيَّةِ كَالْقِرَاءَةِ لَكِنْ سَيَأْتِي أَنَّهُ يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
اتِّفَاقًا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ.
وَأَنَّ هَذَا مِمَّا يَشْتَبِهُ عَلَى كَثِيرِينَ حَتَّى الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ (وَعَنْ تَرْكِ هَاوٍ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ مُرَادِهِ، وَكَذَا الْمَجْرُورَاتُ بِعَنْ الْآتِيَةِ (أَوْ لِهَاءِ جَلَالَةٍ) قَالَ النَّاظِمُ: الْمُرَادُ بِالْهَاوِي الْأَلِفُ النَّاشِئُ بِالْمَدِّ الَّذِي فِي اللَّامِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجَلَالَةِ، فَإِذَا حَذَفَهُ الْحَالِفُ أَوْ الذَّابِحُ أَوْ الْمُكَبِّرُ لِلصَّلَاةِ أَوْ حَذَفَ الْهَاءَ مِنْ الْجَلَالَةِ اُخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِ يَمِينِهِ وَحِلِّ ذَبِيحَتِهِ وَصِحَّةِ تَحْرِيمَتِهِ، فَلَا يُتْرَكُ احْتِيَاطًا (وَعَنْ مَدِّ هَمْزَاتٍ) أَيْ هَمْزَةِ اللَّهِ وَهَمْزَةِ أَكْبَرُ إطْلَاقًا لِلْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ اسْتِفْهَامًا، وَتَعَمُّدُهُ كُفْرٌ، فَلَا يَكُونُ ذِكْرًا، فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِ، وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ لَوْ حَصَلَ فِي أَثْنَائِهَا فِي تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ (وَبَاءٍ بِ أَكْبَرُ) أَيْ وَخَالِصٍ عَنْ مَدِّ بَاءِ أَكْبَرُ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَمْعَ كَبَرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ، فَيَخْرُجُ عَنْ مَعْنَى التَّكْبِيرِ، أَوْ هُوَ اسْمُ لِلْحَيْضِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ، فَتَثْبُتُ الشَّرِكَةُ، فَتُعْدَمُ التَّحْرِيمَةُ قَالَهُ النَّاظِمُ.
(وَعَنْ فَاصِلٍ) بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّحْرِيمَةِ (فِعْلٍ كَلَامٍ) بَدَلَانِ مِنْ فَاصِلٍ عَلَى حَذْفِ الْعَاطِفِ مِنْ الثَّانِي (مُبَايِنٍ) نَعْتٌ لِفَاصِلٍ، فَإِذَا نَوَى ثُمَّ عَبِثَ بِثِيَابِهِ أَوْ بَدَنِهِ كَثِيرًا، أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَهُوَ قَدْرُ الْحِمَّصَةِ، أَوْ تَنَاوَلَ مِنْ خَارِجٍ وَلَوْ قَلِيلًا، أَوْ شَرِبَ، أَوْ تَكَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ، أَوْ تَنَحْنَحَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ كَبَّرَ وَقَدْ غَابَتْ النِّيَّةُ عَنْ قَلْبِهِ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ. وَاحْتُرِزَ عَنْ غَيْرِ الْمُبَايِنِ، كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ وَمَشَى إلَى الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ (وَعَنْ سَبْقِ تَكْبِيرٍ) عَلَى النِّيَّةِ خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ كَمَا مَرَّ، أَوْ سَبْقِ الْمُقْتَدِي الْإِمَامَ بِهِ، فَلَوْ فَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ فَرَاغِ إمَامِهِ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمَا مَرَّ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ إتْبَاعُ الْإِمَامِ (وَمِثْلُك يَعْذِرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، يَعْنِي أَنْتَ تَعْذِرُ إذَا رَأَيْت مَعْنًى بَعِيدَ الْمَأْخَذِ مِنْ اللَّفْظِ فَإِنَّك مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، وَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَعْذِرُ، فَالْمُرَادُ الْتِمَاسُ الْعُذْرِ مِنْ الْمُطَّلِعِ عَلَى نَظْمِهِ ط: أَيْ لِأَنَّ ضِيقَ النَّظْمِ يُلْجِئُ إلَى التَّعْبِيرِ بِبَعِيدِ الْمَعْنَى (فَدُونَك) أَيْ خُذْ (هَذِي) الْمَذْكُورَاتِ (مُسْتَقِيمًا لِقِبْلَةٍ) إلَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِتَنَفُّلِ رَاكِبٍ خَارِجَ مِصْرَ (لَعَلَّك تَحْظَى بِالْقَبُولِ وَتَشْكُرُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ (فَجُمْلَتُهَا الْعِشْرُونَ بَلْ زِيدَ غَيْرُهَا) كَنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَتَمْيِيزِ الْمَفْرُوضِ كَمَا مَرَّ وَاعْتِقَادِ طَهَارَتِهِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ.
(وَنَاظِمُهَا يَرْجُو الْجَوَادَ) كَجَرَادٍ: كَثِيرَ الْجُودِ (فَيَغْفِرُ) أَيْ فَهُوَ يَغْفِرُ لِرَاجِيهِ (وَأَلْحَقْتهَا مِنْ بَعْدِ ذَاكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْبَيَانِ (لِغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ التَّحْرِيمَةِ وَهُوَ الصَّلَاةُ (ثَلَاثَةَ عَشَرَ) بِإِسْكَانِ الشِّينِ لُغَةً فِي فَتْحِهَا وَبِالتَّنْوِينِ لِلضَّرُورَةِ ط (لِلْمُصَلِّينَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (تَظْهَرُ) وَهِيَ (قِيَامُك) عِنْدَ عَدَمِ عُذْرٍ (فِي الْمَفْرُوضِ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَكَذَا مَا أُلْحِقَ بِهَا مِنْ الْوَاجِبِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ، وَذُكِرَ الضَّمِيرُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الصَّلَاةِ فِعْلًا (مِقْدَارُ آيَةٍ) عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمُعْتَمَدِ ط (وَتُقْرَأُ فِي ثِنْتَيْنِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَفْرُوضِ: أَيْ رَكَعَاتِهِ (تُخَيَّرُ) أَيْ مُتَخَيِّرًا فِي إيقَاعِ الْقِرَاءَةِ فِي أَيِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ، وَالْمَقَامُ لِبَيَانِ الْفَرَائِضِ. فَلَا يَرِدُ أَنَّ تَعْيِينَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاجِبٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
وَفِي رَكَعَاتِ النَّفْلِ وَالْوِتْرِ فَرْضُهَا) أَيْ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ كَائِنٌ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْوِتْرُ لِأَنَّهُ شَابَهُ السُّنَنَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ. وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمَنْذُورِ حُكْمُ النَّفْلِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ فِي أَرْبَعِهَا لِأَنَّهُ نَفْلٌ فِي نَفْسِهِ وَوُجُوبُهُ عَارِضٌ ح (وَمَنْ كَانَ مُؤْتَمًّا فَهُنَّ تِلْكَ) الْقِرَاءَةُ الَّتِي قُلْنَا إنَّهَا فَرْضٌ (يُحْظَرُ) أَيْ يُمْنَعُ، فَتُكْرَهُ لَهُ تَحْرِيمًا لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ، فَالْقِرَاءَةُ فَرْضٌ عَلَى غَيْرِ الْمُؤْتَمِّ، فَهَذَا فِي مَوْقِعِ الِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ (وَشَرْطُ سُجُودٍ) مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ (فَالْقَرَارُ) خَبَرٌ بِزِيَادَةِ الْفَاءِ (لِجَبْهَةٍ) أَيْ يُفْتَرَضُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى مَا يَجِدُ حَجْمَهُ بِحَيْثُ إنَّ السَّاجِدَ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ رَأْسَهُ أَبْلَغَ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ حَالُ الْوَضْعِ، فَلَا يَصِحُّ عَلَى نَحْوِ الْأُرْزِ وَالذُّرَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نَحْوِ جَوَالِقَ، وَلَا عَلَى نَحْوِ الْقُطْنِ وَالثَّلْجِ وَالْفُرُشِ إلَّا إنْ وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ بِكَبْسِهِ (وَقُرْبُ قُعُودٍ حَدُّ فَصْلٍ مُحَرَّرُ) يَعْنِي الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ وَهُوَ الرَّابِعُ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَشْرَ، هَذَا الْبَيْتُ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ.
وَذَكَرَهُ النَّاظِمُ فِي دُرِّ الْكُنُوزِ مُؤَخَّرًا عَنْ الَّذِي بَعْدَهُ، وَهُوَ الْأَنْسَبُ (وَبَعْدَ قِيَامٍ فَالرُّكُوعُ فَسَجْدَةٌ) أَيْ يُفْتَرَضُ بَعْدَ الْقِيَامِ الرُّكُوعُ، وَكَذَا السُّجُودُ، وَكَذَا التَّرْتِيبُ الْمُفَادُ بِالْبَعْدِيَّةِ وَبِالْفَاءِ. أَيْ يُفْتَرَضُ تَرْتِيبُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعُ عَلَى السُّجُودِ كَمَا مَرَّ (وَثَانِيَةٌ) مُبْتَدَأٌ (قَدْ صَحَّ) جُمْلَةٌ مُعْتَرَضَةٌ (عَنْهَا) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (تُؤَخَّرُ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ، يَعْنِي وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ يَصِحُّ أَنْ تُؤَخَّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا وَاجِبَةٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَالْأَوْضَحُ فِي إفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُقَالَ وَثَانِيَةٌ قَدْ صَحَّ فِيهَا التَّأَخُّرُ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ فَرْضٌ كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، بِخِلَافِ الْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَتَيْنِ (عَلَى ظَهْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَسَجْدَةٌ، كَذَا قَالَهُ النَّاظِمُ. وَالْأَوْلَى تَعَلُّقُهُ بِقَوْلِهِ الْآتِي الْجَوَازِ (كَفَّ) أَيْ كَفَّ نَفْسَهُ (أَوْ عَلَى فَضْلِ ثَوْبِهِ أَوْ عَلَى كُورِ عِمَامَتِهِ إذَا تَظْهَرُ الْأَرْضُ) الَّتِي تَحْتَ الْكَفِّ أَوْ فَاضِلِ الثَّوْبِ (الْجَوَازُ مُقَرَّرُ) لَكِنْ يُكْرَهُ إنْ كَانَ بِلَا عُذْرٍ كَمَا سَيَأْتِي.
وَحَاصِلُ الْبَيْتِ أَنَّ الْفَرْضَ الثَّامِنَ طَهَارَةُ مَوْضِعِ السُّجُودِ وَلَوْ كَانَ عَلَى شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بِالْمُصَلِّي كَكَفِّهِ وَثَوْبِهِ لِأَنَّهُ بِاتِّصَالِهِ لَا يُعَدُّ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ (سُجُودُك) مُبْتَدَأٌ (فِي) أَيْ عَلَى مَكَان (عَالٍ) أَيْ مُرْتَفِعٍ عَنْ حَدِّ الْجَوَازِ الْمُقَدَّرِ بِنِصْفِ ذِرَاعٍ الَّذِي لَا يُغْتَفَرُ بِلَا ضَرُورَةِ السُّجُودِ عَلَى أَرْفَعَ مِنْهُ (فَظَهْرٌ) الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ، وَتَكُونُ بِمَعْنَى أَوْ أَيْ وَسُجُودُك عَلَى ظَهْرِ مُصَلِّي صَلَاتُك (مُشَارِكٍ) لَك (وَلِسَجْدَتِهَا) اللَّامُ بِمَعْنَى فِي: أَيْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَاجِدًا مِثْلَك، لَكِنَّ سُجُودَهُ عَلَى الْأَرْضِ (عِنْدَ ازْدِحَامِك) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سُجُودُك أَوْ بِقَوْلِهِ أ (يُغْفَرُ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ. وَحَاصِلُ الْبَيْتِ بَيَانُ الْفَرْضِ التَّاسِعِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ سُجُودُهُ عَلَى مُرْتَفِعٍ عَنْ نِصْفِ ذِرَاعٍ إلَّا لِضَرُورَةِ زَحْمَةٍ (أَدَاؤُك) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ الْآتِي (أَفْعَالُ الصَّلَاةِ) أَيْ أَرْكَانُهَا (بِيَقْظَةٍ) وَسَيَأْتِي
(الِاخْتِيَارُ) أَيْ الِاسْتِيقَاظُ، أَمَّا لَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ ذَاهِلًا كُلَّ الذُّهُولِ أَجْزَأَهُ (فَإِنْ أَتَى بِهَا) أَوْ بِأَحَدِهَا بِأَنْ قَامَ أَوْ قَرَأَ أَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ أَوْ قَعَدَ الْأَخِيرَ (نَائِمًا لَا يُعْتَدُّ) بِمَا أَتَى (بِهِ) بَلْ يُعِيدُهُ وَلَوْ الْقِرَاءَةَ أَوْ الْقَعْدَةَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدْ لِصُدُورِهِ لَا عَنْ اخْتِيَارٍ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَالنَّاسُ مِنْهُ غَافِلُونَ،
ــ
[رد المحتار]
الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.
(وَتَمْيِيزُ مَفْرُوضٍ) مُبْتَدَأٌ أَيْ تَمْيِيزُ الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَةِ عَنْ غَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ فِي شُرُوطِ التَّحْرِيمَةِ (عَلَيْك) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ أَوْ بِقَوْلِهِ (مُقَرَّرُ) وَهُوَ الْخَبَرُ (وَيَخْتِمُ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ قُعُودُهُ) فَاعِلُ يَخْتِمُ (وَفِي صُنْعِهِ) وَفِي بِمَعْنَى الْبَاءِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخُرُوجِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ الصَّلَاةِ (الْخُرُوجُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (مُحَرَّرُ) قَالَ النَّاظِمُ: وَالْخُرُوجُ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ، وَهُوَ الْمُحَرَّرُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا [الْمَسَائِلَ الْبَهِيَّةَ الزَّكِيَّةَ عَلَى الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ] اهـ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُهُ الِاخْتِيَارُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ فَاعِلِ شُرِطَ السَّابِقِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ أَيْ الِاسْتِيقَاظِ) تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاسْتِيقَاظِ الِاخْتِيَارُ ح، وَإِنَّمَا فُسِّرَ بِهِ لِيُشِيرَ إلَى أَنَّ مَا يَحْصُلُ مَعَ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ لَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ فَلِذَا قَالَ أَمَّا لَوْ رَكَعَ إلَخْ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ ذَاهِلًا كُلَّ الذُّهُولِ) بِأَنْ كَانَ قَلْبُهُ مَشْغُولًا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَكِنَّهُ غَافِلٌ عَنْهُمَا وَنَظِيرُهُ الْمَاشِي، فَإِنَّ رِجْلَيْهِ وَكَثِيرًا مِنْ أَعْضَائِهِ يَتَحَرَّكُ بِمَشْيِهِ الْمُخْتَارِ لَهُ وَلَا شُعُورَ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ ح: وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّاعِسَ كَالذَّاهِلِ فَلْيُرَاجَعْ (قَوْلُهُ أَوْ قَعَدَ الْأَخِيرُ) صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مُطْلَقٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَوْ قَعَدَ الْقُعُودَ الْأَخِيرَ ح (قَوْلُهُ بَلْ يُعِيدُهُ) وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَأْخِيرِ الرُّكْنِ: الظَّاهِرُ نَعَمْ، فَرَاجِعْهُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) أَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ فَهُوَ مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمَا وَنَصَّ فِي الْمُحِيطِ وَالْمُبْتَغَى عَلَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ شَرْطُ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ حَالَةَ النَّوْمِ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: يَعْتَدُّ بِهَا لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّائِمَ كَالْمُسْتَيْقِظِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ، وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَجَازَ أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا فِي حَالَةِ النَّوْمِ، وَاسْتَوْجَهَهُ فِي الْفَتْحِ: وَأَجَابَ عَنْ تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ وَالِاخْتِيَارُ الْمَشْرُوطَةُ قَدْ وُجِدَ فِي ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَافٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ ذَاهِلًا عَنْ فِعْلِهِ كُلَّ الذُّهُولِ أَنَّهُ تُجْزِيهِ. اهـ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّا نَمْنَعُ كَوْنَ الِاخْتِيَارِ فِي الِابْتِدَاءِ كَافِيًا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذَّاهِلَ غَيْرُ مُخْتَارٍ. اهـ. عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالِاخْتِيَارِ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ حَالَةَ النَّوْمِ يُجْزِيهِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُبْتَغَى: رَكَعَ وَهُوَ نَائِمٌ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَصَرِيحُ كَلَامِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ تَرْجِيحُ كَلَامِ الْفَقِيهِ لِلْجَوَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ شَيْخُهُ فِي الْفَتْحِ حَتَّى رَدَّ بِهِ مَا فِي الْمُبْتَغَى، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَيْضًا جَوَازُ الْقِيَامِ فِي حَالَةِ النَّوْمِ أَيْضًا وَإِنْ نَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت مَا فِي كَلَامِ الْفَتْحِ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَالْأَوْلَى اتِّبَاعُ الْمَنْقُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا فِي الْقَعْدَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ التَّحْقِيقِ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهَا عَنْ مُحَمَّدٍ، وَأَنَّهُ قِيلَ إنَّهَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَقِيلَ لَا. وَرَجَّحَ فِي الْحِلْيَةِ الْأَوَّلَ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ جَوَابِ شَيْخِهِ وَقَالَ إنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى اهـ وَاقْتَصَرَ عَلَى الثَّانِي فِي الْمُنْيَةِ. وَقَالَ شَارِحُهَا الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ: إنَّهُ الْأَصَحُّ. وَفِي الْمِنَحِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي نَظْمِهِ الْمَارِّ وَفِي نُورِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ) أَيْ الصَّلَاةُ (قَوْلُهُ لِصُدُورِهِ) أَيْ مَا أَتَى بِهِ