الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بِغَيْرِ عُذْرٍ) فَلَوْ ظَنَّ حَدَثَهُ فَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ عَلِمَ عَدَمَهُ إنْ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا تَفْسُدُ وَبَعْدَهُ فَسَدَتْ.
[فُرُوعٌ]
مَشَى مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ إنْ قَدْرَ صَفٍّ ثُمَّ وَقَفَ قَدْرَ رُكْنٍ ثُمَّ مَشَى وَوَقَفَ كَذَلِكَ وَهَكَذَا لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَثُرَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ، وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ حَالَةَ الْعُذْرِ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةِ اسْتِحْسَانًا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ،
ــ
[رد المحتار]
لَا مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَكْرُوهَاتِ (قَوْله بِغَيْرِ عُذْرٍ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ الْكُتُبِ اهـ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا لَوْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَهَذَا بِاخْتِيَارِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ لَبِثَ مِقْدَارُ رُكْنٍ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ فَصْلِ الْمَكْرُوهَاتِ (قَوْلُهُ فَلَوْ ظَنَّ حَدَثَهُ إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَقَوْلُهُ وَبَعْدَهُ فَسَدَتْ: أَيْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مُبْطِلٌ إلَّا لِعُذْرٍ وَالْمَسْجِدُ مَعَ تَبَايُنِ أَكْنَافِهِ وَتَنَائِي أَطْرَافِهِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ، فَلَا تَفْسُدُ مَادَامَ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ إمَامًا وَاسْتَخْلَفَ مَكَانَهُ آخَرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَتَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، لِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ مُنَافٍ كَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْعُذْرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَكَذَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ افْتَتَحَ بِلَا وُضُوءٍ فَانْصَرَفَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مُتَوَضِّئًا تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ لِأَنَّ انْصِرَافَهُ عَلَى سَبِيلِ الرَّفْضِ وَمَكَانُ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي آخِرِ الشَّرْطِ الرَّابِعِ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي الْمُنْيَةِ فِي بَابِ الْمُفْسِدَاتِ أَنْ لَوْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَعَلَّلَهُ فِي شَرْحِهَا بِأَنَّ اسْتِدْبَارَهُ وَقَعَ لِغَيْرِ ضَرُورَةِ إصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَكَانَ مُفْسِدًا اهـ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ عَنْ عَامَّةِ الْكُتُبِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِهِمَا أَوْ عَلَى الْإِمَامِ الْمُسْتَخْلِفِ تَأَمَّلْ
[فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته]
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَثُرَ) أَيْ وَإِنْ مَشَى قَدْرَ صُفُوفٍ كَثِيرَةٍ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، وَهُوَ مُسْتَدْرِكٌ بِقَوْلِهِ وَهَكَذَا (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَكَانُ) أَيْ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ تَجَاوَزَ الصُّفُوفَ، لَوْ الصَّلَاةُ فِي الصَّحْرَاءِ فَحِينَئِذٍ تَفْسُدُ كَمَا لَوْ مَشَى قَدْرَ صَفَّيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ مَا لَمْ يَتَكَرَّرْ مُتَوَالِيًا، وَعَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَكَانِ مُبْطِلٌ مَا لَمْ يَكُنْ لِإِصْلَاحِهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ قُدَّامَهُ صُفُوفٌ، أَمَّا إنْ كَانَ إمَامًا فَجَاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ، فَإِنْ بِقَدْرِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيه لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ أَكْثَرَ فَسَدَتْ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْمُعْتَبَرُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ، فَإِنْ جَاوَزَهُ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَالْبَيْتُ لِلْمَرْأَةِ كَالْمَسْجِدِ عِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَكَالصَّحْرَاءِ عِنْدَ غَيْرِهِ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ حَالَةَ الْعُذْرِ) أَيْ وَإِنْ كَثُرَ وَاخْتَلَفَ الْمَكَانُ، لِمَا فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ رُوِيَ " أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ رضي الله عنه صَلَّى رَكْعَتَيْنِ آخِذًا بِقِيَادِ فَرَسِهِ ثُمَّ انْسَلَّ مِنْ يَدِهِ، فَمَضَى الْفَرَسُ عَلَى الْقِبْلَةِ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَخَذَ بِقِيَادِهِ ثُمَّ رَجَعَ نَاكِصًا عَلَى عَقِبَيْهِ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ " قَالَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ ثُمَّ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَصْلٌ بَيْنَ الْمَشْيِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ جِهَةَ الْقِبْلَةِ؛ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِالْفَسَادِ قَلَّ
وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُفْسِدِ الِاخْتِيَارُ؟ فِي الْخَبَّازِيَّةِ نَعَمْ. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: لَا، فَإِنَّ مَنْ دُفِعَ أَوْ جَذَبَتْهُ الدَّابَّةُ خُطُوَاتٍ أَوْ وُضِعَ عَلَيْهَا أَوْ أُخْرِجَ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ مَصَّ ثَدْيَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَرَّةً وَنَزَلَ لَبَنُهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا بِدُونِهَا فَسَدَتْ لَا لَوْ قَبَّلَتْهُ وَلَمْ يَشْتَهِهَا: وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي تَقْبِيلِهِ مَعْنَى الْجِمَاعِ. -
مَعَهُ حَجَرٌ فَرَمَى بِهِ طَائِرًا لَمْ تَفْسُدْ، وَلَوْ إنْسَانًا تَفْسُدْ كَضَرْبٍ لَوْ مَرَّةً، لِأَنَّهُ مُخَاصَمَةٌ أَوْ تَأْدِيبٌ أَوْ مُلَاعَبَةٌ، وَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.
ــ
[رد المحتار]
أَوْ كَثُرَ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ إذَا كَثُرَ، وَالْحَدِيثُ خَصَّ حَالَةَ الْعُذْرِ فَيُعْمَلُ بِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهَا. وَحَكَى عَنْ أُسْتَاذِهِ الْجَوَازَ فِيمَا إذَا مَشَى مُسْتَقْبِلًا وَكَانَ غَازِيًا، وَكَذَا الْخَارِجُ وَكُلُّ مُسَافِرٍ سَفَرُهُ عِبَادَةٌ. وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ أَوَّلُوا الْحَدِيثَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ أَوْ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَإِلَّا فَسَدَتْ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَلَاحِقًا بَلْ خُطْوَةً ثُمَّ خُطْوَةً، فَلَوْ مُتَلَاحِقًا تَفْسُدُ إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا مَشَى مِقْدَارَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، كَمَا قَالُوا فِيمَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَمَشَى إلَيْهَا فَسَدَّهَا، فَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ فَسَدَتْ اهـ مُلَخَّصًا. وَنَصَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ إذَا كَثُرَ تَفْسُدُ.
هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا فِي فَصْلِ الْمَكْرُوهَاتِ أَنَّ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِيَّةُ الْمُسْتَنِدَةُ إلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَوَقَعَ بِهِ التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ أَنَّ الْمَشْيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ بِعُذْرٍ، فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ كَثِيرًا مُتَوَالِيًا تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا غَيْرَ مُتَوَالٍ بَلْ تَفَرَّقَ فِي رَكَعَاتٍ أَوْ كَانَ قَلِيلًا، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِلْمُنَافِي بِلَا ضَرُورَةٍ وَإِلَّا فَلَا وَكُرِهَ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَا أَفْسَدَ كَثِيرُهُ كُرِهَ قَلِيلُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ لِلطَّهَارَةِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ أَوْ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَمْ يُفْسِدْهَا وَلَمْ يُكْرَهْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ اسْتَدْبَرَ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَ مَعَهُ فَسَدَتْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ، فَإِنْ قَلَّ لَمْ يَفْسُدْ وَلَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مُتَلَاحِقًا أَفْسَدَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَلَاحِقِ فَفِي كَوْنِهِ مُفْسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ وَتَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَالَ فِي هَذَا الْبَابِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْكَثِيرَ الْغَيْرَ الْمُتَلَاحِقِ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَلَا مَكْرُوهٍ إذَا كَانَا لِعُذْرٍ مُطْلَقًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ - الْحَلَبِيُّ لَا) الظَّاهِرُ اعْتِمَادُهُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ خُطُوَاتٍ) أَيْ وَمَشَى بِسَبَبِ الدَّفْعِ أَوْ الْجَذْبِ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ جَذَبَتْهُ الدَّابَّةُ حَتَّى أَزَالَتْهُ عَنْ وَضْعِ سُجُودِهِ تَفْسُدُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ وُضِعَ عَلَيْهَا) أَيْ حَمَلَهُ رَجُلٌ وَوَضَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ تَفْسُدُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا تَأَمَّلْ. وَأَمَّا لَوْ رَفَعَهُ عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ وَضَعَهُ أَوْ أَلْقَاهُ ثُمَّ قَامَ وَوَقَفَ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَا تَفْسُدُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَوْ أُخْرِجَ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ) أَيْ مَعَ التَّحْوِيلِ عَنْ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط. أَقُولُ: لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ، وَأَيْضًا فَالتَّحْوِيلُ مُفْسِدٌ إذَا كَانَ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ، وَلَوْ كَانَ فِي مَكَانِهِ فَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّ الْعِلَّةَ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ لَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا أَوْ كَوْنُهُ عَمَلًا كَثِيرًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَصَّ ثَدْيَهَا ثَلَاثًا إلَخْ) هَذَا التَّفْصِيلُ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَثِيرِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُتَوَالِيَاتِ، وَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُحِيطِ: إنْ خَرَجَ اللَّبَنُ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ يَكُونُ إرْضَاعًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَدَدٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَسَّهَا إلَخْ) حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ أَوْ مُسَّتْ أَوْ قُبِّلَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ كَنَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى دُفِعَ الْوَاقِعِ صِلَةً لِمَنْ. وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الصَّلَاةِ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ مَنِيٌّ، وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ. أَمَّا لَوْ قَبَّلَتْ الْمَرْأَةُ الْمُصَلِّيَ وَلَمْ يَشْتَهِهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ إلَخْ) قَدْ خَفِيَ وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ.
وَكَذَا عَلَى صَاحِبِ الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَأَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ تَقْبِيلَهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْفَاعِلُ لِلْجِمَاعِ فَإِتْيَانُهُ بِدَوَاعِيهِ
بَقِيَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ ارْتِدَادٌ بِقَلْبِهِ وَمَوْتٌ وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ، وَكُلُّ مُوجِبٍ لِوُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ. وَتَرْكُ رُكْنٍ بِلَا قَضَاءٍ
ــ
[رد المحتار]
فِي مَعْنَاهُ؛ وَلَوْ جَامَعَهَا وَلَوْ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ تَفْسُدُ صَلَاتُهَا فَكَذَا إذَا قَبَّلَهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيه، وَكَذَا لَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فَاعِلَةً لِلْجِمَاعِ فَلَا يَكُونُ إتْيَانُ دَوَاعِيهِ مِنْهَا فِي مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَشْتَهِ الزَّوْجُ. فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا بِشَهْوَةٍ يَصِيرُ مُرَاجِعًا وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، فِي رِوَايَةٍ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا هُوَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَلِذَا صَارَ مُرَاجِعًا، إلَّا أَنْ يُقَالَ فَسَادُ الصَّلَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالدَّوَاعِي الَّتِي هِيَ فِعْلُ غَيْرِ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ وَأَمَّا النَّظَرُ وَالْفِكْرُ فَلَا يَفْسُدَانِ عَلَى مَا مَرَّ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُمَا بِخِلَافِ فِعْلِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ اهـ هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَ الْمُصَلِّيَةَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَعَلَيْهِ فَلَا فَرْقَ
(قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) عِبَارَتُهُ مَعَ مَتْنِ الْمُنْيَةِ (وَلَوْ ضَرَبَ إنْسَانًا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ) مِنْ غَيْرِ آلَةٍ (أَوْ) ضَرَبَهُ (بِسَوْطٍ) وَنَحْوِهِ (تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ) وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُخَاصَمَةٌ أَوْ تَأْدِيبٌ أَوْ مُلَاعَبَةٌ وَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ عَلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. اهـ. ثُمَّ قَالَ مَعَ الْمَتْنِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ (وَلَوْ أَخَذَ الْمُصَلِّي حَجَرًا فَرَمَى بِهِ طَائِرًا) وَنَحْوَهُ (تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ (وَلَوْ) كَانَ (مَعَهُ حَجَرٌ فَرَمَى بِهِ) الطَّائِرَ أَوْ نَحْوَهُ (لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ (وَ) لَكِنْ قَدْ (أَسَاءَ) لِاشْتِغَالِهِ بِغَيْرِ الصَّلَاةِ؛ وَلَوْ رَمَى بِالْحَجَرِ الَّذِي مَعَهُ إنْسَانًا يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ أَوْ بِيَدِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاصَمَةِ عَلَى مَا مَرَّ. اهـ.
قُلْت: لَكِنَّ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ خِلَافُ مَا فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْحَجَرُ فِي يَدِهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْأَرْضِ. اهـ. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّ ظَاهِرَ الْخَانِيَّةِ يُفِيدُ تَرْجِيحَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْإِطْلَاقَ ثُمَّ حَكَى التَّفْصِيلَ بِقِيلَ
(قَوْلُهُ بَقِيَ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ إلَخْ) قُلْت: بَقِيَ مِنْهَا أَيْضًا: مُحَاذَاةُ الْمَرْأَةِ بِشُرُوطِهَا، وَاسْتِخْلَافُهُ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، وَخُرُوجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِلَا اسْتِخْلَافٍ، وَوُقُوفُهُ بَعْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ قَدْرَ رُكْنٍ، وَأَدَاؤُهُ رُكْنًا مَعَ حَدَثٍ أَوْ مَشْي، وَإِتْمَامُ الْمُقْتَدَى الْمَسْبُوقِ بِالْحَدَثِ صَلَاتَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاقْتِدَاءِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ وَكَذَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ تَذَكُّرُ فَائِتَةٍ لِذِي تَرْتِيبٍ، وَوُجُودُ الْمُنَافِي بِلَا صَنْعَةٍ قَبْلَ الْقَعْدَةِ اتِّفَاقًا، وَبَعْدَهَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ فِي الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ، لَكِنَّ بَعْضَ هَذِهِ يُفْسِدُ وَصْفَ الْفَرْضِيَّةِ لَا أَصْلَ الصَّلَاةِ، كَمَا لَوْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ قَبْلَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ.
(قَوْلُهُ ارْتِدَادٌ بِقَلْبِهِ) بِأَنْ نَوَى الْكُفْرَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ أَوْ اعْتَقَدَ مَا يَكُونُ كُفْرًا ط (قَوْلُهُ وَمَوْتٌ) أَقُولُ: تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الْإِمَامِ لَوْ مَاتَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمُقْتَدِينَ بِهِ، فَيَلْزَمُهُمْ اسْتِئْنَافُهَا، وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِالْمَوْتِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ قَدْ ذَكَرَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ جُمْلَةِ الْمَسَائِلِ الَّتِي زَادَهَا عَلَى الِاثْنَيْ عَشْرِيَّةَ. وَلَا تَظْهَرُ الثَّمَرَةُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا لَوْ كَانَ أَوْصَى بِكَفَّارَةِ صَلَوَاتِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ آخِرُ الْوَقْتِ، وَهُوَ لَمْ يَكُنْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ. قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: سَافَرَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةُ السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا قَدْرُ مَا يَسَعُ فِيهِ بَعْضَ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ إغْمَاءً طَوِيلًا، أَوْ جُنَّ جُنُونًا مُطْبِقًا أَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَسْقُطُ كُلُّ الصَّلَاةِ، فَإِذَا سَافَرَ يَسْقُطُ بَعْضُ الصَّلَاةِ اهـ فَافْهَمْ (قَوْلَهُ وَجُنُونٌ وَإِغْمَاءٌ) فَإِذَا أَفَاقَ فِي الْوَقْتِ وَجَبَ أَدَاؤُهَا، وَبَعْدَهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ مَا لَمْ يَزِدْ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ.
(قَوْلُهُ وَكُلُّ مُوجِبٍ لِوُضُوءٍ) تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ النَّهْرِ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مُفْسِدٍ كَالْمَسْبُوقِ بِالْحَدَثِ كَمَا مَرَّ، فَالْأَوْلَى قَوْلُ الْبَحْرِ: وَكُلُّ حَدَثٍ عَمْدٍ ط (قَوْلُهُ وَتَرْكُ رُكْنٍ بِلَا قَضَاءٍ) كَمَا لَوْ تَرَكَ
وَشَرْطٌ بِلَا عُذْرٍ
وَمُسَابَقَةُ الْمُؤْتَمِّ بِرُكْنٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ إمَامُهُ كَأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ إمَامِهِ وَلَمْ يُعِدْهُ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ وَمُتَابَعَةُ الْمَسْبُوقِ إمَامَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ تَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَتَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَعَدَمُ إعَادَتِهِ الْجُلُوسَ الْأَخِيرَ بَعْدَ أَدَاءِ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ أَوْ تِلَاوِيَّةٍ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ الْجُلُوسِ، وَعَدَمُ إعَادَةِ رُكْنٍ أَدَّاهُ نَائِمًا وَقَهْقَهَةُ إمَامِ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ، وَمِنْهَا مَدُّ الْهَمْزِ فِي التَّكْبِيرِ كَمَا مَرَّ
وَمِنْهَا الْقِرَاءَةُ بِالْأَلْحَانِ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَإِلَّا لَا إلَّا فِي حَرْفِ مَدٍّ وَلِينٍ إذَا فَحُشَ وَإِلَّا لَا بَزَّازِيَّةٌ، وَمِنْهَا زَلَّةُ الْقَارِئِ
ــ
[رد المحتار]
سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِهَا، وَإِطْلَاقُ الْقَضَاءِ عَلَى ذَلِكَ مَجَازٌ (قَوْلُهُ بِلَا عُذْرٍ) أَمَّا بِهِ كَعَدَمِ وُجُودِ سَاتِرٍ أَوْ مُطَهِّرٍ لِلنَّجَاسَةِ وَعَدَمِ قُدْرَةٍ عَلَى اسْتِقْبَالٍ فَلَا فَسَادَ ط
(قَوْلُهُ وَمُسَابَقَةُ الْمُؤْتَمِّ إلَخْ) دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ وَتَرْكُ رُكْنٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِالرُّكْنِ صُورَةً وَلَكِنَّهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَجْلِ الْمُسَابَقَةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَأَنْ رَكَعَ إلَخْ) هُنَا خَمْسُ صُوَرٍ وَهِيَ: مَا لَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ قَبْلَهُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ فَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ رَكْعَةٍ بِلَا قِرَاءَةٍ، وَلَوْ رَكَعَ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ، وَلَوْ رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ.
وَلَوْ رَكَعَ وَسَجَدَ بَعْدَهُ صَحَّ، وَكَذَا لَوْ قَبْلَهُ وَأَدْرَكَهُ الْإِمَامُ فِيهِمَا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَبَيَانُهُ فِي الْإِمْدَادِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا يُنَافِي الصَّلَاةَ لَا يَظْهَرُ الْفَسَادُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ التَّرْكِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ) وَذَلِكَ بِأَنْ قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَقَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِسَجْدَةٍ، فَإِذَا تَذَكَّرَ الْإِمَامُ سُجُودَ سَهْوٍ فَتَابَعَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ (قَوْلُهُ فَتَجِبُ مُتَابَعَتُهُ) فَلَوْ لَمْ يُتَابِعْهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُتَابَعَةِ فِي السُّجُودِ الْوَاجِبِ لَا يُفْسِدُ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ قَضَائِهِ (قَوْلُهُ وَعَدَمُ إعَادَتِهِ الْجُلُوسَ) يَرْجِعُ إلَى تَرْكِ الرُّكْنِ وَعَدَمُ إعَادَةِ رُكْنٍ أَدَّاهُ نَائِمًا يَرْجِعُ إلَى تَرْكِ الشَّرْطِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ. ط (قَوْلُهُ وَقَهْقَهَةُ إمَامِ الْمَسْبُوقِ) أَيْ إذَا قَهْقَهَ الْإِمَامُ بَعْدَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمُدْرِكِ خَلْفَهُ، وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَسْبُوقِ خَلْفَهُ لِوُقُوعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَمَامِ أَرْكَانِهِ إلَّا إذَا قَامَ قَبْلَ سَلَامِ إمَامِهِ وَقَيَّدَ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ، لِتَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ.
(قَوْلُهُ فِي التَّكْبِيرِ) أَيْ تَكْبِيرِ الِانْتِقَالَاتِ، أَمَّا تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ فَلَا يَصِحُّ الشُّرُوعُ بِهِ، وَالْفَسَادُ يَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّةِ الشُّرُوعِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ح
(قَوْلُهُ بِالْأَلْحَانِ) أَيْ بِالنَّغَمَاتِ، وَحَاصِلُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ إشْبَاعُ الْحَرَكَاتِ لِمُرَاعَاةِ النَّغَمِ (قَوْلُهُ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى) كَمَا لَوْ قَرَأَ - {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]- وَأَشْبَعَ الْحَرَكَاتِ حَتَّى أَتَى بِوَاوٍ بَعْدَ الدَّالِ وَبِيَاءٍ بَعْدَ اللَّامِ وَالْهَاءِ وَبِأَلِفٍ بَعْدَ الرَّاءِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْمُبَلِّغِ رَابَّنَا لَك الْحَامِدُ بِأَلْفٍ بَعْدَ الرَّاءِ لِأَنَّ الرَّابَّ هُوَ زَوْجُ الْأُمِّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَابْنُ الزَّوْجَةِ يُسَمَّى رَبِيبًا.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى فَلَا فَسَادَ إلَّا فِي حَرْفِ مَدٍّ وَلِينٍ إنْ فَحُشَ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى، وَحُرُوفُ الْمَدِّ وَاللِّينِ وَهِيَ حُرُوفُ الْعِلَّةِ الثَّلَاثَةِ الْأَلْفُ وَالْوَاوُ وَالْيَاءُ إذَا كَانَتْ سَاكِنَةً وَقَبْلَهَا حَرَكَةٌ تُجَانِسُهَا، فَلَوْ لَمْ تُجَانِسْهَا فَهِيَ حُرُوفُ عِلَّةٍ وَلِينٍ لَا مَدٍّ. [تَتِمَّةٌ]
فُهِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ أَنَّ الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ إذَا لَمْ تُغَيِّرْ الْكَلِمَةَ عَنْ وَضْعِهَا وَلَمْ يَحْصُلْ بِهَا تَطْوِيلُ الْحُرُوفِ حَتَّى لَا يَصِيرُ الْحَرْفُ حَرْفَيْنِ، بَلْ مُجَرَّدُ تَحْسِينِ الصَّوْتِ وَتَزْيِينِ الْقِرَاءَةِ لَا يَضُرُّ، بَلْ يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة. مَطْلَبُ مَسَائِلِ زَلَّةِ الْقَارِئِ
(قَوْلُهُ وَمِنْهَا زَلَّةُ الْقَارِئِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوَاعِدَ نَاشِئَةٍ عَنْ الِاخْتِلَافِ لَا كَمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قَاعِدَةٌ يُبْنَى عَلَيْهَا، بَلْ إذَا عَلِمَتْ تِلْكَ الْقَوَاعِدُ عُلِمَ كُلُّ فَرْعٍ أَنَّهُ عَلَى أَيِّ قَاعِدَةٍ هُوَ مَبْنِيٌّ وَمُخَرَّجٌ، وَأَمْكَنَ تَخْرِيجُ مَا لَمْ يُذْكَرْ فَنَقُولُ: إنَّ الْخَطَأَ إمَّا فِي الْإِعْرَابِ أَيْ الْحَرَكَاتِ وَالسُّكُونِ وَيَدْخُلُ فِيهِ تَخْفِيفُ الْمُشَدَّدِ وَقَصْرُ الْمَمْدُودِ وَعَكْسُهُمَا أَوْ فِي الْحُرُوفِ بِوَضْعِ حَرْفٍ مَكَانَ آخَرَ، أَوْ زِيَادَتِهِ أَوْ نَقْصِهِ
فَلَوْ فِي إعْرَابٍ أَوْ تَخْفِيفِ مُشَدَّدٍ وَعَكْسِهِ، أَوْ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ
ــ
[رد المحتار]
أَوْ تَقْدِيمِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ فِي الْكَلِمَاتِ أَوْ فِي الْجُمَلِ كَذَلِكَ أَوْ فِي الْوَقْفِ وَمُقَابِلِهِ. وَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ مَا غَيَّرَ الْمَعْنَى تَغْيِيرًا يَكُونُ اعْتِقَادُهُ كُفْرًا يُفْسِدُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ لَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ تَبْدِيلِ الْجُمَلِ مَفْصُولًا بِوَقْفٍ تَامٍّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّغْيِيرُ كَذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمَعْنَى بَعِيدٌ مُتَغَيِّرٌ تَغَيُّرًا فَاحِشًا يُفْسِدُ أَيْضًا كَهَذَا الْغُبَارِ مَكَانَ هَذَا الْغُرَابِ.
وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَا مَعْنَى لَهُ كَالسَّرَائِلِ بِاللَّامِ مَكَانَ السَّرَائِرِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالْمَعْنَى بَعِيدٌ وَلَمْ يَكُنْ مُتَغَيِّرًا فَاحِشًا تَفْسُدُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: لَا تَفْسُدُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَلَكِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ الْمَعْنَى نَحْوَ قَيَّامِينَ مَكَانَ قَوَّامِينَ فَالْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ فَالْمُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ عِنْدَ عَدَمِ تَغَيُّرِ الْمَعْنَى كَثِيرًا وُجُودُ الْمِثْلِ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَهُ وَالْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعْنَى عِنْدَهُمَا، فَهَذِهِ قَوَاعِدُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ كَابْنِ مُقَاتِلٍ وَابْنِ سَلَامٍ وَإِسْمَاعِيلَ الزَّاهِدِ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ وَالْهِنْدُوَانِي وَابْنِ الْفَضْلِ وَالْحَلْوَانِيِّ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْخَطَأَ فِي الْإِعْرَابِ لَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا وَلَوْ اعْتِقَادُهُ كُفْرًا لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ. قَالَ قَاضِي خَانَ: وَمَا قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَوْسَعُ، وَمَا قَالَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ أَحْوَطُ؛ وَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ بِإِبْدَالِ حَرْفٍ بِحَرْفٍ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِلَا كُلْفَةٍ كَالصَّادِ مَعَ الطَّاءِ بِأَنْ قَرَأَ الطَّالِحَاتِ مَكَانَ الصَّالِحَاتِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مُفْسِدٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِمَشَقَّةٍ كَالظَّاءِ مَعَ الضَّادِ وَالصَّادِ مَعَ السِّينِ فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى.
وَبَعْضُهُمْ يَعْتَبِرُ عُسْرَ الْفَصْلِ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ وَعَدَمُهُ. وَبَعْضُهُمْ قُرْبَ الْمَخْرَجِ وَعَدَمَهُ، وَلَكِنَّ الْفُرُوعَ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَوْلَى الْأَخْذُ فِيهِ بِقَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِانْضِبَاطِ قَوَاعِدِهِمْ وَكَوْنِ قَوْلِهِمْ أَحْوَطَ وَأَكْثَرُ الْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَتَاوَى مُنَزَّلَةٌ عَلَيْهِ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ سَيَأْتِي تَمَامُهُ (قَوْلُهُ فَلَوْ فِي إعْرَابٍ) كَكَسْرٍ قِوَامًا مَكَانَ فَتْحِهَا وَفَتْحِ بَاءِ نَعْبُدُ مَكَانَ ضَمِّهَا، وَمِثَالُ مَا يُغَيِّرُ - {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]- بِضَمِّ هَاءِ الْجَلَالَةِ وَفَتْحِ هَمْزَةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ؛ فَذَهَبَ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَمَنْ مَعَهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ وَهَذَا أَوْسَعُ، كَذَا فِي زَادَ الْفَقِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ، وَكَذَا - {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} [طه: 121]- بِنَصْبِ الْأَوَّلِ وَرَفْعِ الثَّانِي يُفْسِدُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَكَذَا - {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء: 173]- بِكَسْرِ الذَّالِ -، وَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]- بِكَسْرِ الْكَافِ وَ - الْمُصَوِّرُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ إلَّا إذَا نَصَبَ الرَّاءَ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا وَفِي النَّوَازِلِ: لَا تَفْسُدُ فِي الْكُلِّ وَبِهِ يُفْتِي بَزَّازِيَّةٌ وَخُلَاصَةٌ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَخْفِيفِ مُشَدَّدٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى نَحْوُ - {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} [الأحزاب: 61]- لَا يَفْسُدُ، وَإِنْ غَيَّرَ نَحْوُ - {بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1]- {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ} [الأعراف: 160]- {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]- وَاخْتَلَفُوا، وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُفْسِدُ. اهـ. وَفِي الْفَتْحِ: عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ كَالْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ فَلِذَا قَالَ كَثِيرٌ بِالْفَسَادِ فِي تَخْفِيفِ - {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]- وَ - {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5]- لِأَنَّ إيَّا مُخَفَّفًا الشَّمْسُ وَالْأَصَحُّ لَا يُفْسِدُ، وَهُوَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ فِي إيَّا الْمُشَدَّدَةِ، وَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا، وَبِنَاءً عَلَى هَذَا - أَفْسَدُوهَا - بِمَدِّ هَمْزَةٍ أَكْبَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَحُكْمُ تَشْدِيدِ الْمُخَفَّفِ كَحُكْمِ عَكْسِهِ فِي الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ، فَلَوْ قَرَأَ - فَعَيِّينَا - بِالتَّشْدِيدِ أَوْ - {اهْدِنَا الصِّرَاطَ} [الفاتحة: 6]- بِإِظْهَارِ اللَّامِ لَا تَفْسُدُ. اهـ. أَقُولُ: وَجَزَمَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْفَسَادِ إذَا شَدَّدَ - {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7]- (قَوْلُهُ أَوْ بِزِيَادَةِ حَرْفٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ زَادَ حَرْفًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا. وَعَنْ الثَّانِي رِوَايَتَانِ، كَمَا لَوْ قَرَأَ و: انْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ - بِزِيَادَةِ الْيَاءِ، وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُمْ نَارًا:
فَأَكْثَرَ نَحْوُ الصِّرَاطِ الَّذِينَ، أَوْ بِوَصْلِ حَرْفٍ بِكَلِمَةٍ نَحْوُ إيَّاكَ نَعْبُدُ، أَوْ بِوَقْفٍ وَابْتِدَاءٍ لَمْ تَفْسُدْ وَإِنَّ غُيِّرَ الْمَعْنَى بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ، إلَّا تَشْدِيدَ {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] ، وَ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] فَبِتَرْكِهِ تَفْسُدُ؛ وَلَوْ زَادَ كَلِمَةً أَوْ نَقَصَ كَلِمَةً أَوْ نَقَصَ حَرْفًا،
ــ
[رد المحتار]
وَإِنْ غَيَّرَ أَفْسَدَ مِثْلَ: وَزَرَابِيبُ مَكَانَ - زَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ - وَمَثَانِينَ مَكَانَ مَثَانِيَ، وَكَذَا - {وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس: 2]- و - {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [يس: 3]- بِزِيَادَةِ الْوَاوِ تُفْسِدُ اهـ أَيْ لِأَنَّهُ جَعَلَ جَوَابَ الْقَسَمِ قَسَمًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، لَكِنْ فِي الْمُنْيَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ. قَالَ فِي شَرْحِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَغْيِيرٍ فَاحِشٍ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيَصِحُّ جَعْلُهُ قَسَمًا. وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ كَمَا فِي - {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا} [النازعات: 1]- إلَخْ فَإِنَّ جَوَابَهُ مَحْذُوفٌ. اهـ. أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ زَرَابِيبَ وَمَثَانِينَ يُفْسِدُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا إذَا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ خِلَافًا (قَوْلُهُ أَوْ بِوَصْلِ حَرْفٍ بِكَلِمَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ اهـ. وَفِي الْمُنْيَةِ: لَا يُفْسِدُ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ، وَعَلَى قَوْلِ الْبَعْضِ يُفْسِدُ. وَبَعْضُهُمْ فَصَّلُوا بِأَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَيْفَ هُوَ إلَّا أَنَّهُ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لَا تَفْسُدْ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَذَلِكَ تَفْسُدْ. قَالَ فِي شَرْحِهَا: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ السَّكْتِ عَلَى - إيَّا - وَنَحْوِهَا، وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي لِعَاقِلٍ أَنْ يَتَوَهَّمَ فِيهِ الْفَسَادَ. اهـ. [تَتِمَّةٌ]
وَأَمَّا قَطْعُ بَعْضِ الْكَلِمَةِ عَنْ بَعْضٍ، فَأَفْتَى الْحَلْوَانِيُّ بِأَنَّهُ مُفْسِدٌ. وَعَامَّتُهُمْ قَالُوا: لَا يُفْسِدُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى فِي انْقِطَاعِ النَّفَسِ وَالنِّسْيَانِ. وَعَلَى هَذَا لَوْ فَعَلَهُ قَصْدًا يَنْبَغِي أَنْ يُفْسِدَ. وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنْ كَانَ ذِكْرُ الْكَلِمَةِ كُلِّهَا مُفْسِدًا فَذِكْرُ بَعْضِهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا. قَالَ قَاضِي خَانَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوْلَى الْأَخْذُ بِهَذَا فِي الْعَمْدِ وَبِقَوْلِ الْعَامَّةِ فِي الضَّرُورَةِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ بِوَقْفٍ وَابْتِدَاءٍ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الِابْتِدَاءُ إنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى تَغْيِيرًا فَاحِشًا لَا يُفْسِدُ، نَحْوُ الْوَقْفِ عَلَى الشَّرْطِ قَبْلَ الْجَزَاءِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْجَزَاءِ، وَكَذَا بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ؛ وَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى نَحْوُ - {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ} [آل عمران: 18]- ثُمَّ ابْتَدَأَ - بِإِلَّا هُوَ - لَا يُفْسِدُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ الْعَوَّامَ لَا يُمَيِّزُونَ؛ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى - {وَقَالَتِ الْيَهُودُ} [التوبة: 30]- ثُمَّ ابْتَدَأَ بِمَا بَعْدَهُ لَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ. اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَسَادِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى بِهِ يُفْتَى بَزَّازِيَّةٌ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا لَك عِبَارَةُ الْبَزَّازِيَّةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ إلَّا تَشْدِيدَ رَبِّ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْخَانِيَّةِ إلَى أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ، ثُمَّ قَالَ: وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّشْدِيدِ وَالْمَدِّ كَالْخَطَأِ فِي الْإِعْرَابِ لَا يُفْسِدُ فِي قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ تَرَكَ التَّشْدِيدَ فِي - {إِيَّاكَ} [الفاتحة: 5]- أَوْ - {رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]- الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ اهـ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْفَتْحِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ ضَعِيفٌ، عَلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ بَعْدَ مَشْيِهِ عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ فِيمَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى إذْ لَا فَرْقَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ زَادَ كَلِمَةً) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلِمَةَ الزَّائِدَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ تُغَيِّرَ أَوْ لَا، فَإِنْ غَيَّرَتْ أَفْسَدَتْ مُطْلَقًا نَحْوُ - {وَعَمِلَ صَالِحًا} [البقرة: 62]- وَكَفَرَ - {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ} [البقرة: 62]- وَنَحْوُ - {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: 17]- وَعَصَيْنَاهُمْ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ، فَإِنْ كَانَ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ - {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]- وَبِرًّا لَمْ تَفْسُدْ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَّا نَحْوَ - فَاكِهَةٍ وَنَخْلٍ - وَتُفَّاحٍ - وَرُمَّانٍ - وَكَمِثَالِ الشَّارِحِ الْآتِي لَا تَفْسُدُ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَفْسُدُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَوْ نَقَصَ كَلِمَةً) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يُمَثِّلْ لَهُ الشَّارِحُ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَإِنْ تَرَكَ كَلِمَةً - مِنْ آيَةٍ - فَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ الْمَعْنَى مِثْلَ - وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ - مِثْلُهَا - بِتَرْكِ سَيِّئَةٍ الثَّانِيَةِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ غَيَّرَتْ، مِثْلَ - فَمَا لَهُمْ يُؤْمِنُونَ - بِتَرْكِ لَا، فَإِنَّهُ يُفْسِدُ. عِنْدَ الْعَامَّةِ؛ وَقِيلَ لَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ أَوْ نَقَصَ حَرْفًا) اعْلَمْ أَنَّ الْحَرْفَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أُصُولِ الْكَلِمَةِ أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يُغَيِّرَ الْمَعْنَى أَوْ لَا فَإِنْ غَيَّرَ نَحْوُ - خَلَقْنَا - بِلَا خَاءٍ أَوْ - جَعَلْنَا - بِلَا جِيمٍ تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَنَحْوُ مَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى بِحَذْفِ الْوَاوِ قَبْلَ مَا خَلَقَ تَفْسُدُ، قَالُوا: وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ الْمَقْرُوءَ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ خَانِيَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ كَالْحَذْفِ عَلَى وَجْهِ التَّرْخِيمِ بِشُرُوطِهِ الْجَائِزَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، نَحْوُ يَا مَالِ - فِي - يَا مَالِكُ - لَا يُفْسِدُ إجْمَاعًا.
أَوْ قَدَّمَهُ أَوْ بَدَّلَهُ بِآخَرَ نَحْوُ مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أَثْمَرَ وَاسْتَحْصَدَ - تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا - انْفَرَجَتْ بَدَلُ - انْفَجَرَتْ - إيَابٌ بَدَلُ - أَوَّابٌ - لَمْ تَفْسُدْ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَعْنَى إلَّا مَا يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ كَالضَّادِ وَالظَّاءِ فَأَكْثَرُهُمْ لَمْ يُفْسِدْهَا وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً؛ وَصَحَّحَ الْبَاقَانِيِّ الْفَسَادَ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى نَحْوُ. رَبِّ رَبِّ الْعَالَمِينَ لِلْإِضَافَةِ كَمَا لَوْ بَدَّلَ كَلِمَةً بِكَلِمَةٍ وَغَيَّرَ الْمَعْنَى نَحْوُ: إنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَنَّاتٍ؛ وَتَمَامُهُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ. -
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ إذَا قَرَأَ قَوْله تَعَالَى جَدُّك " بِدُونِ أَلْفٍ لَا تَفْسُدُ
وَمِثْلُهُ حَذْفُ الْيَاءِ مِنْ (تَعَالَى) فِي - {تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن: 3]- لَا تَفْسُدُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِدُونِ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ (قَوْلُهُ أَوْ قَدَّمَهُ) قَالَ فِي الْفَتْحِ: فَإِنْ غَيَّرَ نَحْوُ قَوْسَرَةٍ فِي - قَسْوَرَةٍ - فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ وَمِثْلُهُ انْفَرَجَتْ بَدَلُ - انْفَجَرَتْ - (قَوْلُهُ أَوْ بَدَّلَ بِآخَرَ) هَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَجْزًا كَالْأَلْثَغِ وَقَدَّمْنَا حُكْمَهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى، فَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ نَحْوُ (إنَّ الْمُسْلِمُونَ) لَا يَفْسُدُ، وَإِلَّا نَحْو (قَيَّامِينَ بِالْقِسْطِ) ، وَكَمِثَالِ الشَّارِحِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا، وَتَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنْ غَيَّرَ فَسَدَتْ عِنْدَهُمَا؛ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ، فَلَوْ قَرَأَ (أَصْحَابُ الشَّعِيرِ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُ نَحْوِ مِنْ ثَمَرِهِ إلَخْ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (قَوْلُهُ إلَّا مَا يَشُقُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ: الْأَصْلُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ حَرْفًا مَكَانَ حَرْفٍ وَغَيَّرَ الْمَعْنَى إنْ أَمْكَنَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِلَا مَشَقَّةٍ تَفْسُدُ، وَإِلَّا يُمْكِنْ إلَّا بِمَشَقَّةٍ كَالظَّاءِ مَعَ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالصَّادِ مَعَ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالطَّاءِ مَعَ التَّاءِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لَا تَفْسُدُ. اهـ. وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو عَاصِمٍ: إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ تَفْسُدُ، وَإِنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ أَوْ لَا يَعْرِفُ التَّمْيِيزَ لَا تَفْسُدُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ حِلْيَةٌ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقَاوِيلِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحَاوِي: حَكَى عَنْ الصَّفَّارِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْخَطَأُ إذَا دَخَلَ فِي الْحُرُوفِ لَا يُفْسِدُ لِأَنَّ فِيهِ بَلْوَى عَامَّةِ النَّاسِ لِأَنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَ الْحُرُوفَ إلَّا بِمَشَقَّةٍ. اهـ. وَفِيهَا: إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَرْفَيْنِ اتِّحَادُ الْمَخْرَجِ وَلَا قُرْبُهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَلْوَى الْعَامَّةِ كَالذَّالِ مَكَانَ الصَّادِ أَوْ الزَّاي الْمَحْضِ مَكَانَ الذَّالِ وَالظَّاءِ مَكَانَ الضَّادِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ. اهـ.
قُلْت: فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا عَدَمُ الْفَسَادِ فِي إبْدَالِ الثَّاءِ سِينًا وَالْقَافِ هَمْزَةً كَمَا هُوَ لُغَةُ عَوَامِّ زَمَانِنَا، فَإِنَّهُمْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَهُمَا وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمْ جِدًّا كَالذَّالِ مَعَ الزَّايِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي عَاصِمٍ وَقَوْلِ الصَّفَّارِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ أَوْسَعُ وَأَنَّ قَوْلَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَحْوَطُ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَفَرَّعُوا عَلَيْهِ، فَاعْمَلْ بِمَا تَخْتَارُ، وَالِاحْتِيَاطُ أَوْلَى سِيَّمَا فِي أَمْرِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ كَلِمَةً إلَخْ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ كَرَّرَ الْكَلِمَةَ، إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا الْمَعْنَى لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ تَغَيَّرَ نَحْوُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. قَالَ: بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَفْسُدُ، وَهَذَا فَصْلٌ يَجِبُ أَنْ يَتَأَتَّى فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ دَقِيقَةً، وَإِنَّمَا تَقَعُ التَّفْرِقَةُ فِي هَذَا بِمَعْرِفَةِ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ اهـ.
قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَسَادَ مَنُوطٌ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَإِنَّمَا سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى ذَلِكَ أَوْ قَصَدَ مُجَرَّدَ تَكْرِيرِ الْكَلِمَةِ لِتَصْحِيحِ مَخَارِجِ حُرُوفِهَا يَنْبَغِي عَدَمُ الْفَسَادِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ، وَيَحْتَمِلَ التَّأْكِيدُ، وَعَلَى احْتِمَالِ الْإِضَافَةِ يَحْتَمِلُ إضَافَةَ الْأَوَّلِ إلَى مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي قَوْلِهِمْ: يَا زَيْدُ زَيْدُ الْيَعْمُلَاتِ، وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ يَنْتَفِي الْفَسَادُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ الْخَطَأِ؛ نَعَمْ لَوْ قَصَدَ إضَافَةَ كُلٍّ إلَى مَا يَلِيه فَلَا شَكَّ فِي الْفَسَادِ بَلْ يَكْفُرُ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَدَّلَ إلَخْ) هَذَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ
(وَلَا يُفْسِدُهَا نَظَرُهُ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهْمُهُ) وَلَوْ مُسْتَفْهِمًا وَإِنْ كُرِهَ
(وَمُرُورُ مَارٍّ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ كَبِيرٍ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ) فِي الْأَصَحِّ (أَوْ) مُرُورِهِ (بَيْنَ يَدَيْهِ) إلَى حَائِطِ الْقِبْلَةِ (فِي) بَيْتٍ و (مَسْجِدٍ) صَغِيرٍ، فَإِنَّهُ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ (مُطْلَقًا) وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ كَلْبًا (أَوْ) مُرُورُهُ (أَسْفَلَ مِنْ الدُّكَّانِ أَمَامَ الْمُصَلِّي لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَيْهَا)
ــ
[رد المحتار]
الَّتِي أَتَى بِهَا، إمَّا أَنْ تُغَيِّرَ الْمَعْنَى أَوْ لَا، وَعَلَى كُلٍّ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ لَا، فَإِنْ غَيَّرَتْ أَفْسَدَتْ لَكِنْ اتِّفَاقًا فِي نَحْوِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ وَعَلَى الصَّحِيحِ فِي مِثَالِ الشَّارِحِ لِوُجُودِهِ فِي الْقُرْآنِ، وَقَيَّدَ الْفَسَادَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقِفْ وَقْفًا تَامًّا، أَمَّا لَوْ وَقَفَ ثُمَّ قَالَ - لَفِي جَنَّاتٍ - فَلَا تَفْسُدُ، وَإِذَا لَمْ تُغَيِّرْ لَا تَفْسُدُ، لَكِنْ اتِّفَاقًا فِي نَحْوِ الرَّحْمَنِ الْكَرِيمِ، وَخِلَافًا لِلثَّانِي فِي نَحْوِ إنَّ الْمُتَّقِينَ لَفِي بَسَاتِينَ عَلَى مَا مَرَّ، وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ تَغْيِيرُ النَّسَبِ نَحْوُ مَرْيَمَ ابْنَةَ غِيلَانَ فَتَفْسُدُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا عِيسَى بْنُ لُقْمَانَ لِأَنَّ تَعَمُّدَهُ كُفْرٌ؛ بِخِلَافِ مُوسَى بْنُ لُقْمَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ وَلَوْ مُسْتَفْهِمًا) أَشَارَ بِهِ إلَى نَفْيِ مَا قِيلَ إنَّهُ لَوْ مُسْتَفْهِمًا تَفْسُدُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ وَلِشُبْهَةِ الِاخْتِلَافِ. قَالُوا: يَنْبَغِي لِلْفَقِيهِ أَنْ لَا يَضَعَ جَزْءَ تَعْلِيقِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى مَا فِيهِ فَيَفْهَمُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ اهـ أَيْ لَوْ تَعَمَّدْهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كُرِهَ) أَيْ لِاشْتِغَالِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ نَظَرُهُ بِلَا قَصْدٍ وَفَهِمَهُ فَلَا يُكْرَهُ ط
(قَوْلُهُ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ) أَيْ مِنْ مَوْضِعِ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ كَمَا فِي الدُّرَرِ، وَهَذَا مَعَ الْقُيُودِ الَّتِي بَعْدَهُ إنَّمَا هُوَ لِلْإِثْمِ، وَإِلَّا فَالْفَسَادُ مُنْتَفٍ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) هُوَ مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَقَاضِي خَانَ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ، وَمُقَابِلُهُ مَا صَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَرَجَّحَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْفَتْحِ أَنَّهُ قَدْرُ مَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَوْ صَلَّى بِخُشُوعٍ أَيْ رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ؛ وَأَرْجِعُ فِي الْعِنَايَةِ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي بِحَمْلِ مَوْضِعِ السُّجُودِ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْهُ.
وَخَالَفَهُ فِي الْبَحْرِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ، وَكَتَبْت فِيمَا عَلَّقْته عَلَيْهِ عَنْ التَّجْنِيسِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ إلَى حَائِطِ الْقِبْلَةِ) أَيْ مِنْ مَوْضِعِ قَدَمَيْهِ إلَى الْحَائِطِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ، فَلَوْ كَانَتْ لَا يَضُرُّ الْمُرُورُ وَرَاءَهَا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْله فِي بَيْتٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَبِيرًا. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ أَيْ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ الدَّارُ وَالْبَيْتُ (قَوْلُهُ وَمَسْجِدِ صَغِيرٍ) هُوَ أَقَلُّ مِنْ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَقِيلَ مِنْ أَرْبَعِينَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَوَاهِرِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ كَبُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْفَاصِلَ فِيهِ بِقَدْرِ صَفَّيْنِ مَانِعًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مَكَان وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مَانِعًا فَكَذَا هُنَا يُجْعَلُ جَمِيعُ مَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي إلَى حَائِطِ الْقِبْلَةِ مَكَانًا وَاحِدًا، بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ وَالصَّحْرَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ جُعِلَ كَذَلِكَ لَزِمَ الْحَرَجُ عَلَى الْمَارَّةِ، فَاقْتُصِرَ عَلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ امْرَأَةً أَوْ كَلْبًا) بَيَانٌ لِلْإِطْلَاقِ، وَأَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى الظَّاهِرِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ: يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ. وَعَلَى أَحْمَدَ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَد وَإِلَى أَنَّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ مَنْسُوخٌ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ أَوْ مُرُورُهُ إلَخْ) مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى مُرُورِ مَارٍّ: أَيْ لَا يُفْسِدُهَا أَيْضًا مُرُورُهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ، فَقَوْلُهُ بِشَرْطِ إلَخْ قَيْدٌ لِلْإِثْمِ كَمَا تَقَدَّمَ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَالدُّكَّانُ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ كَالسَّطْحِ وَالسَّرِيرِ وَهُوَ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ فِي الْأَصْلِ
أَيْ الدُّكَّانِ (بِشَرْطِ مُحَاذَاةِ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ بَعْضَ أَعْضَائِهِ، وَكَذَا سَطْحٌ وَسَرِيرٌ وَكُلُّ مُرْتَفِعٍ) دُونَ قَامَةِ الْمَارِّ وَقِيلَ دُونَ السُّتْرَةِ كَمَا فِي غُرَرِ الْأَذْكَارِ (وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ)
ــ
[رد المحتار]
فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ كَمَا فِي الصِّحَاحِ، أَوْ عَرَبِيٌّ؛ مِنْ دَكَنْت الْمَتَاعَ: إذَا نُضْت بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ كَمَا فِي الْمَقَايِيسِ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْمَارِّ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَا يَخْفَى أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مُحَاذَاةَ أَعْضَاءِ الْمَارِّ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى إلَّا إذَا اتَّحَدَ مَكَانُ الْمُرُورِ وَمَكَانُ الصَّلَاةِ فِي الْعُلُوِّ وَالتَّسَفُّلِ بَلْ بَعْضُ الْأَعْضَاءِ بَعْضًا، وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى مُحَاذَاةِ رَأْسِ الْمَارِّ قَدَمَيْ الْمُصَلِّي اهـ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَمُحَاذَاةُ الْأَعْضَاءِ لِلْأَعْضَاءِ يَسْتَوِي فِيهِ جَمِيعُ أَعْضَاءِ الْمَارِّ هُوَ الصَّحِيحُ، كَمَا فِي التَّتِمَّةِ؛ وَأَعْضَاءُ الْمُصَلِّي كُلُّهَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهَا كَمَا قَالَهُ آخَرُونَ كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ. وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ حَاذَى أَقَلَّهَا أَوْ نِصْفَهَا لَمْ يُكْرَهْ وَفِي الزَّادِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا حَاذَى نِصْفُهُ الْأَسْفَلُ النِّصْفَ الْأَعْلَى مِنْ الْمُصَلِّي كَمَا إذَا كَانَ الْمَارُّ عَلَى فَرَسٍ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقِيلَ دُونَ السُّتْرَةِ) أَيْ دُونَ ذِرَاعٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كُرِهَ مُرُورُ الرَّاكِبِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ) مُبَالَغَةً عَلَى عَدَمِ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْإِثْمَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْفَسَادَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَلِّي سُتْرَةٌ وَسَنَذْكُرُ مَا يُفِيدُهُ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى الْمُصَلِّي لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ أَفَادَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هُنَا صُوَرًا أَرْبَعًا: الْأُولَى: أَنْ يَكُونَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَلِّي لِذَلِكَ، فَيَخْتَصُّ الْمَارُّ بِالْإِثْمِ إنْ مَرَّ. الثَّانِيَةُ مُقَابِلَتُهَا: وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلِّي تَعَرَّضَ لِلْمُرُورِ وَالْمَارُّ لَيْسَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْمُرُورِ فَيَخْتَصُّ الْمُصَلِّي بِالْإِثْمِ دُونَ الْمَارِّ. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَعَرَّضَ الْمُصَلِّي لِلْمُرُورِ وَيَكُونُ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ فَيَأْثَمَانِ، أَمَّا الْمُصَلِّي فَلِتَعَرُّضِهِ، وَأَمَّا الْمَارُّ فَلِمُرُورِهِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَفْعَلَ. الرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ الْمُصَلِّي وَلَا يَكُونُ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ فَلَا يَأْثَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ.
قُلْت: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْحِلْيَةِ أَنَّ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا لَا تُنَافِيه حَيْثُ ذَكَرَهُ وَأَقَرَّهُ، وَعَزَا ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إلَى الْبَدَائِعِ وَلَمْ أَرَهُ فِيهَا، وَلَوْ كَانَ فِيهَا لَمْ يَنْقُلْهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ فَافْهَمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مَا لَوْ صَلَّى عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَقْتَ إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ لِلْمَارِّ أَنْ يَمُرَّ عَلَى رَقَبَتِهِ كَمَا يَأْتِي، وَأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي أَرْضِهِ مُسْتَقْبِلًا لِطَرِيقِ الْعَامَّةِ فَهُوَ مِنْ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ الْمَارَّ مَأْمُورٌ بِالْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ مَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَى الْمُرُورِ، هَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَنْدُوحَةِ إمْكَانُ الْوُقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آخَرَ، أَمَّا إنْ أُرِيدَ بِهَا تَيَسُّرُ طَرِيقٍ آخَرَ أَوْ إمْكَانُ مُرُورِهِ مِنْ خَلْفِ الْمُصَلِّي أَوْ بَعِيدًا مِنْهُ وَبِعَدَمِهَا عَدَمُ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُقَالُ إنْ كَانَ لِلْمَارِّ مَنْدُوحَةٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ أَيْضًا وَإِلَّا فَمِنْ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَيُؤَيِّدُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَارُّ فَلِمُرُورِهِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَكَذَا تَعْلِيلُهُمْ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ بِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ النَّاسِ عَنْ الْمُرُورِ، فَإِنَّ مُفَادَهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْمُرُورُ وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَنْعُ الْحِسِّيُّ لَا الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. وَعَلَيْهِ فَلَوْ صَلَّى فِي نَفْسِ طَرِيقِ الْعَامَّةِ لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُ مُحْتَرَمَةٌ كَمَنْ صَلَّى خَلَفَ فُرْجَةِ الصَّفِّ فَلَا يَمْنَعُونَ مِنْ الْمُرُورِ لِتَعَدِّيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ لَا يُمْنَعُ الْمَارُّ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ وَخَلَفَ الْمَقَامِ وَحَاشِيَةِ الْمَطَافِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ «الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ
لِحَدِيثِ الْبَزَّارِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَوَقَفَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» (فِي ذَلِكَ) الْمُرُورِ لَوْ بِلَا حَائِلٍ وَلَوْ سِتَارَةً تَرْتَفِعُ إذَا سَجَدَ وَتَعُودُ إذَا قَامَ وَلَوْ كَانَ فُرْجَةً فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَمُرَّ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ لَمْ يَسُدَّهَا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَتَنَبَّهْ
(وَيَغْرِزُ) نَدْبًا بَدَائِعُ
ــ
[رد المحتار]
وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّائِفِينَ فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّ الطَّوَافَ صَلَاةٌ، فَصَارَ كَمَنْ بَيْنَ يَدَيْهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمُصَلِّينَ انْتَهَى، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ، وَحَكَاهُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ عَنْ مُشْكِلَاتِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ، وَنَقَلَهُ الْمُنْلَا رحمه الله فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ، وَنَقَلَهُ سِنَانُ أَفَنَدَى أَيْضًا. فِي مَنْسَكِهِ اهـ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَأْيِيدُ ذَلِكَ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ (قَوْلُهُ لِحَدِيثِ الْبَزَّارِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ» . قَالَ أَبُو النَّضْرِ أَحَدُ رُوَاتِهِ لَا أَدْرَى قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً قَالَ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَالَ «أَرْبَعِينَ خَرِيفًا» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ «مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ» اهـ
وَالْخَرِيفُ: السَّنَةُ؛ سُمِّيَتْ بِهِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْفُصُولِ (قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) لَفْظُ فِي هُنَا لِلسَّبَبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سِتَارَةً تَرْتَفِعُ) أَيْ تَزُولُ بِحَرَكَةِ رَأْسِهِ إذَا سَجَدَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا سَعْدِيٌّ جَلَبِي جَوَابًا عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ اخْتَارَ أَنَّ الْحَدَّ مَوْضِعُ السُّجُودِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، فَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَعَ الْحَائِلِ كَجِدَارٍ أَوْ أُسْطُوَانَةٍ لَا يُكْرَهُ وَالْحَائِلُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ. فَأَجَابَ سَعْدِيٌّ جَلَبِي بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سِتَارَةً مُعَلَّقَةً إذَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ يُحَرِّكُهَا رَأْسُ الْمُصَلِّي وَيُزِيلُهَا مِنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ ثُمَّ تَعُودُ إذَا قَامَ أَوْ قَعَدَ. اهـ. وَصُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ السِّتَارَةُ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفٍ مَثَلًا ثُمَّ يُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهَا فَإِذَا سَجَدَ تَقَعُ عَلَى ظَهْرِهِ وَيَكُونُ سُجُودُهُ خَارِجًا عَنْهَا وَإِذَا قَامَ أَوْ قَعَدَ سَبَلَتْ عَلَى الْأَرْضِ وَسُتْرَتُهُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فُرْجَةٌ إلَخْ) كَانَ تَامَّةٌ وَفُرْجَةٌ فَاعِلُهَا. قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قَامَ فِي آخِرِ الصَّفِّ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّفُوفِ مَوَاضِعُ خَالِيَةٌ فَلِلدَّاخِلِ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَصِلَ الصُّفُوفَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حُرْمَةَ نَفْسِهِ فَلَا يَأْثَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، دَلَّ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي الْفِرْدَوْسِ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ نَظَرَ إلَى فُرْجَةٍ فِي صَفٍّ فَلْيَسُدَّهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَمَرَّ مَارٌّ فَلْيَتَخَطَّ. عَلَى رَقَبَتِهِ فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ» أَيْ فَلْيَتَخَطَّ الْمَارُّ عَلَى رَقَبَةِ مَنْ لَمْ يَسُدَّ الْفُرْجَةَ. اهـ.
قُلْت: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالتَّخَطِّي الْوَطْءُ عَلَى رَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ وَلَا يَجُوزُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَخْطُوَ مِنْ فَوْقِ رَقَبَتِهِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَمُرَّ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بِالْأَوْلَى فَافْهَمْ. ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أَثِمَ الْمَارُّ، وَقَدْ عَلِمْت التَّفْصِيلَ الْمَارَّ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ وَخَلْفَ الْمَقَامِ وَحَاشِيَةِ الْمَطَافِ. [تَتِمَّةٌ]
فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ: النَّهْرُ الْكَبِيرُ لَيْسَ بِسُتْرَةٍ وَكَذَا الْحَوْضُ الْكَبِيرُ وَالْبِئْرُ سُتْرَةٌ أَرَادَ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ يَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَمُرُّ وَيَأْخُذُهُ، وَلَوْ مَرَّ اثْنَانِ يَقُومُ أَحَدُهُمَا أَمَامَهُ وَيَمُرُّ الْآخَرُ وَيَفْعَلُ الْآخَرُ هَكَذَا يَمُرَّانِ، وَإِنْ مَعَهُ دَابَّةٌ فَمَرَّ رَاكِبًا أَثِمَ، وَإِنْ نَزَلَ وَتَسَتَّرَ بِالدَّابَّةِ وَمَرَّ لَمْ يَأْثَمْ، وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ مُتَحَاذِيَيْنِ فَاَلَّذِي يَلِي الْمُصَلِّي هُوَ الْآثِمُ قُنْيَةٌ.
أَقُولُ: وَإِذَا كَانَ مَعَهُ عَصَا لَا تَقِفُ عَلَى الْأَرْضِ بِنَفْسِهَا فَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ وَمَرَّ مِنْ خَلْفِهَا هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ؟ لَمْ أَرَهُ
(قَوْلُهُ نَدْبًا) لِحَدِيثِ " «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إلَى سُتْرَةٍ، وَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا، وَصَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ بِكَرَاهَةِ تَرْكِهَا، وَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ. وَالصَّارِفُ لِلْأَمْرِ عَنْ حَقِيقَتِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ الْفَضْلِ وَالْعَبَّاسِ
(الْإِمَامُ) وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ (فِي الصَّحْرَاءِ) وَنَحْوِهَا (سُتْرَةً بِقَدْرِ ذِرَاعٍ) طُولًا (وَغِلَظِ أُصْبُعٍ) لِتَبْدُوَ لِلنَّاظِرِ (بِقُرْبِهِ) دُونَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ (عَلَى) حِذَاءٍ (أَحَدِ حَاجِبَيْهِ) مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ (وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ وَلَا الْخَطُّ) وَقِيلَ يَكْفِي فَيَخُطُّ طُولًا، وَقِيلَ كَالْمِحْرَابِ (وَيَدْفَعُهُ) هُوَ رُخْصَةٌ، فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ بَدَائِعُ.
قَالَ الْبَاقَانِيُّ: فَلَوْ ضَرَبَهُ فَمَاتَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه، خِلَافًا لَنَا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كُتُبِنَا (بِتَسْبِيحٍ)
ــ
[رد المحتار]
وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ " أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ) أَمَّا الْمُقْتَدِي فَسُتْرَةُ الْإِمَامِ تَكْفِيه كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَنَحْوِهَا) أَيْ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ يَخَافُ فِيهِ الْمُرُورَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: إنَّمَا قَيَّدَ بِالصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا الْمَحَلُّ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْمُرُورُ غَالِبًا، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ كَرَاهَةُ تَرْكِ السُّتْرَةِ فِيمَا يُخَافُ فِيهِ الْمُرُورُ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ) بَيَانٌ لِأَقَلِّهَا ط. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ ذِرَاعُ الْيَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ شِبْرَانِ (قَوْلُهُ وَغِلَظِ أُصْبُعٍ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ جَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ بَيَانَ الْغِلَظِ قَوْلًا ضَعِيفًا، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَرْضِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ بَحْرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «يَجْزِي مِنْ السُّتْرَةِ قَدْرُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ وَلَوْ بِدِقَّةِ شَعْرَةٍ» " وَمُؤَخِّرَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ: الْعُودُ الَّذِي فِي آخِرِ رَحْلِ الْبَعِيرِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ.
(قَوْلُ بِقُرْبِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَغْرِزُ أَوْ بِمَحْذُوفٍ صِفَةٌ لِسُتْرَةٍ أَوْ حَالٍ مِنْهَا (قَوْلُهُ دُونَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ) الْأَوْلَى أَنْ يُبَدِّلَ دُونَ بِقَدْرٍ، لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: السُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ ح. بَقِيَ هَلْ هَذَا شَرْطٌ لِتَحْصِيلِ سُنَّةِ الصَّلَاةِ إلَى السُّتْرَةِ، حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ تَكُونُ صَلَاتُهُ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ أَمْ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، لَمْ أَرَهُ (قَوْلُهُ وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ) صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ) أَيْ وَضْعُ السُّتْرَةِ عَلَى الْأَرْضِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ غَرْزُهَا، وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَنَسَبُهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَاضِي خَانَ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا الْخَطُّ) أَيْ الْخَطِّ فِي الْأَرْضِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَتَّخِذُهُ سُتْرَةٌ، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ، وَمَشَى عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَكْفِي) أَيْ كُلٌّ مِنْ الْوَضْعِ وَالْخَطِّ: أَيْ يَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ، فَيُسَنُّ الْوَضْعُ كَمَا نَقَلَهُ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ قِيلَ يَضَعُهُ طُولًا لَا عَرْضًا لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ. وَيُسَنُّ الْخَطُّ كَمَا هُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ مُحَمَّدٍ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد «فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَهُوَ ضَعِيفٌ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِل. وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ إذْ الْمَقْصُودُ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْتَشِرَ، كَذَا فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ يُعَارَضُ تَضْعِيفُهُ بِتَصْحِيحِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِمَا لَهُ (قَوْلُهُ فَيَخُطُّ طُولًا إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد قَالُوا: الْخَطُّ بِالطُّولِ، وَقَالُوا بِالْعَرْضِ مِثْلُ الْهِلَالِ اهـ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْأَوَّلَ الْمُخْتَارُ لِيَصِيرَ شِبْهَ ظِلِّ السُّتْرَةِ بَحْرٌ. [تَنْبِيهٌ]
لَمْ يَذْكُرُوا مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سُتْرَةٌ وَمَعَهُ ثَوْبٌ أَوْ كِتَابٌ مَثَلًا هَلْ يَكْفِي وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ؟ وَالظَّاهِرُ نَعَمْ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِ ابْنِ الْهُمَامِ الْمَارِّ آنِفًا؛ وَكَذَا لَوْ بَسَطَ ثَوْبَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ؛ ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ عِنْدَ إمْكَانِ الْغَرْزِ لَا يَكْفِي الْوَضْعُ، وَعِنْدَ إمْكَانِ الْوَضْعِ لَا يَكْفِي الْخَطُّ (قَوْلُهُ وَيَدْفَعُهُ) أَيْ إذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ سُتْرَةٌ، أَوْ كَانَتْ وَمَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَمُفَادُهُ إثْمُ الْمَارِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا دَفَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ لَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ فَلَوْ ضَرَبَهُ إلَخْ) أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِذَلِكَ، لِأَنَّ الشَّافِعِيَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَلْزَمُ الدَّافِعَ تَحَرِّي الْأَسْهَلِ كَمَا فِي دَفْعِ الصَّائِلِ (قَوْلُهُ خِلَافًا لَنَا إلَخْ) أَيْ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ
أَوْ جَهْرٍ بِقِرَاءَةٍ (أَوْ إشَارَةٍ) وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا عِنْدَنَا قُهُسْتَانِيٌّ (لَا بِهِمَا) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُصَفِّقُ لَا بِبَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ، وَلَوْ صَفَّقَ أَوْ سَبَّحَتْ لَمْ تَفْسُدْ وَقَدْ تَرَكَا السُّنَّةَ تَتَارْخَانِيَّةٌ
(وَكَفَتْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ) لِلْكُلِّ (وَلَوْ عُدِمَ الْمُرُورُ وَالطَّرِيقُ جَازَ تَرْكُهَا) وَفِعْلُهَا أَوْلَى
(وَكُرِهَ) هَذِهِ
ــ
[رد المحتار]
كَتَبَ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ خِلَافُ قَوْلِنَا، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي كُتُبِنَا بِأَنَّهُ رُخْصَةٌ، وَالْعَزِيمَةُ عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُ، فَحَيْثُ كَانَ رُخْصَةً يَتَقَيَّدُ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ، أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ بَلْ قَوْلُهُمْ: وَلَا يُزَادُ عَلَى الْإِشَارَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ الْإِشَارَةُ، وَأَنَّ الْمُقَاتَلَةَ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِهَا أَصْلًا. وَأَمَّا الْأَمْرُ بِهَا فِي حَدِيثِ «فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّ الْأَمْرَ بِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا اهـ فَإِذَا كَانَتْ الْمُقَاتَلَةُ غَيْرَ مَأْذُونٍ بِهَا عِنْدَنَا كَانَ قَتْلُهُ جِنَايَةً يَلْزَمُهُ مُوجَبُهَا مِنْ دِيَةٍ أَوْ قَوَدٍ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَوْ جَهَرَ بِقِرَاءَةٍ) خَصَّهُ فِي الْبَحْرِ بَحْثًا بِالصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَبِمَا يَجْهَرُ فِيهِ مِنْهَا، وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ زِيَادَةُ رَفْعِ الصَّوْتِ عَنْ أَصْلِ جَهْرِهِ، وَالظَّاهِرُ شُمُولُ السَّرِيَّةِ لِأَنَّ هَذَا الْجَهْرَ مَأْذُونٌ فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ. عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ الْيَسِيرَ عَفْوٌ، وَالْمَكْرُوهُ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي سَهْوِ الْبَحْرِ، فَإِذَا جَهَرَ فِي السَّرِيَّةِ بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَتَيْنِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَلَمْ يَلْزَمْ الْمَحْذُورُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَوْ إشَارَةٍ) أَيْ بِالْيَدِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ الْعَيْنِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْإِشَارَةِ بِمَا ذُكِرَ، فَلَا يَدْرَأُ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَلَا بِالضَّرْبِ الْوَجِيعِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ التُّمُرْتَاشِيِّ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ فَسَادُ الصَّلَاةِ لَوْ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْحَيَّةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ لَا بِهِمَا) أَيْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالْإِشَارَةِ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةٌ فَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ جَازِمًا بِهِ خِلَافًا لِمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ فَإِنَّهُ تَحْرِيفٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ (قَوْلُهُ لَا بِبَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ) أَيْ بَلْ بِظَهْرِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ كَفِّ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ، لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ إذْ بِبَطْنِ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ الْيُسْرَى أَقَلُّ عَمَلًا، فَكَأَنَّ هَذَا حَمَلَ الشَّارِحَ عَلَى تَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَى مَحَلِّ الْكَرَاهَةِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِبَطْنٍ عَلَى بَطْنٍ رَحْمَتِيٌّ
(قَوْلُهُ لِلْكُلِّ) أَيْ لِلْمُقْتَدِينَ بِهِ كُلِّهِمْ؛ وَعَلَيْهِ فَلَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي قِبْلَةِ الصَّفِّ فِي الْمَسْجِدِ الصَّغِيرِ لَمْ يُكْرَهْ إذَا كَانَ لِلْإِمَامِ سُتْرَةٌ وَظَاهِرُ التَّعْمِيمِ شُمُولُ الْمَسْبُوقِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقُهُسْتَانِيُّ وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِ إمَامِهِ، وَإِلَّا فَمَا فَائِدَتُهُ؟ وَقَدْ يُقَالُ: فَائِدَتُهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ نَصْبُ سُتْرَةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَصِيرَ مُنْفَرِدًا بِلَا سُتْرَةٍ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الشُّرُوعِ وَهُوَ وَقْتُهُ كَانَ مُسْتَتِرًا بِسُتْرَةِ إمَامِهِ تَأَمَّلْ مَطْلَبٌ مَكْرُوهَاتُ الصَّلَاةِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ عُدِمَ الْمُرُورُ إلَخْ) أَيْ لَوْ صَلَّى فِي مَكَان لَا يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ وَلَمْ تُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا لِأَنَّ اتِّخَاذَهَا لِلْحِجَابِ عَنْ الْمَارِّ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ: وَيَظْهَرُ أَنَّ الْأَوْلَى اتِّخَاذُهَا فِي هَذَا الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يُكْرَهْ التَّرْكُ لِمَقْصُودٍ آخَرَ وَهُوَ كَفُّ بَصَرِهِ عَمَّا وَرَاءَهَا وَجَمْعُ خَاطِرِهِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ. اهـ. . وَقِيدُوا بِقَوْلِهِمْ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي نَفْسِ الطَّرِيقِ أَيْ طَرِيقِ الْعَامَّةِ مَكْرُوهَةٌ بِسُتْرَةٍ وَبِدُونِهَا لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِلْمُرُورِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ شَغْلُهُ بِمَا لَيْسَ لَهُ حَقُّ الشَّغْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّحْرِيمِ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ
تَعُمُّ التَّنْزِيهِيَّةَ الَّتِي مَرْجِعُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى فَالْفَارِقُ الدَّلِيلُ، فَإِنْ نَهْيًا ظَنِّيَّ الثُّبُوتِ وَلَا صَارِفَ فَتَحْرِيمِيَّةٌ وَإِلَّا فَتَنْزِيهِيَّةٌ (سَدْلُ) تَحْرِيمًا لِلنَّهْيِ (ثَوْبِهِ) أَيْ إرْسَالُهُ بِلَا لُبْسٍ مُعْتَادٍ، وَكَذَا لِقَبَاءٍ بِكُمٍّ إلَى وَرَاءَ. ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ؛ كَشَدٍّ وَمِنْدِيلٍ يُرْسِلُهُ مِنْ كَتِفَيْهِ، فَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يُكْرَهْ كَحَالَةِ عُذْرٍ وَخَارِجِ صَلَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا لَمْ يُدْخِلْ
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِي الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ وَالتَّنْزِيهِيَّة
(قَوْلُهُ هَذِهِ تَعُمُّ التَّنْزِيهِيَّةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمَكْرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ نَوْعَانِ. أَحَدُهُمَا: مَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا وَهُوَ الْمَحْمَلُ عِنْدَ إطْلَاقِهِمْ كَمَا فِي زَكَاةِ الْفَتْحِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ فِي رُتْبَةِ الْوَاجِبِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَاجِبُ؛ يَعْنِي بِالنَّهْيِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتِ أَوْ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ يَثْبُتُ بِالْأَمْرِ الظَّنِّيِّ الثُّبُوتِ أَوْ الدَّلَالَةِ.
ثَانِيهمَا: الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا، وَمَرْجِعُهُ إلَى مَا تَرْكُهُ أَوْلَى، وَكَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ، فَحِينَئِذٍ إذَا ذَكَرُوا مَكْرُوهًا فَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ، فَإِنْ كَانَ نَهْيًا ظَنِّيَّا يُحْكَمُ بِكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إلَّا لِصَارِفٍ لِلنَّهْيِ عَنْ التَّحْرِيمِ إلَى النَّدْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّلِيلُ نَهْيًا بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّرْكِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ فَهِيَ تَنْزِيهِيَّةٌ اهـ.
قُلْت: وَيُعْرَفُ أَيْضًا بِلَا دَلِيلِ نَهْيٍ خَاصٍّ، بِأَنْ تَضَمَّنَ تَرْكَ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكَ سُنَّةٍ. فَالْأَوَّلُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَالثَّانِي تَنْزِيهًا؛ وَلَكِنْ تَتَفَاوَتُ التَّنْزِيهِيَّةُ فِي الشِّدَّةِ وَالْقُرْبِ مِنْ التَّحْرِيمِيَّةِ بِحَسَبِ تَأَكُّدِ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ مَرَاتِبَ الِاسْتِحْبَابِ مُتَفَاوِتَةٌ كَمَرَاتِبِ السُّنَّةِ وَالْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ، فَكَذَا أَضْدَادُهَا كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَكْرُوهَاتِ تَمَامُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَتَنْزِيهِيَّةٌ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَهْيًا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَهْيًا بَلْ كَانَ مُفِيدًا لِلتَّرْكِ الْغَيْرِ الْجَازِمِ، وَإِلَى قَوْلِهِ وَلَا صَارِفَ: أَيْ وَإِنْ كَانَ نَهْيًا وَلَكِنْ وُجِدَ الصَّارِفُ لَهُ عَنْ التَّحْرِيمِ فَهِيَ فِيهِمَا تَنْزِيهِيَّةٌ كَمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الْبَحْرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ تَحْرِيمًا لِلنَّهْيِ) الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ ط (قَوْلُهُ أَيْ إرْسَالُهُ بِلَا لُبْسٍ مُعْتَادٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: السَّدْلُ هُوَ الْإِرْسَالُ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ، ضَرُورَةَ أَنَّ إرْسَالَ ذَيْلِ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ لَا يُسَمَّى سَدْلًا اهـ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَنَحْوِهِ عَذَبَةُ الْعِمَامَةِ. وَقَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفَسَّرَهُ الْكَرْخِيِّ بِأَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلُ أَطْرَافَهُ مِنْ جَانِبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ اهـ فَكَرَاهَتُهُ لِاحْتِمَالِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ كَانَ مَعَ السَّرَاوِيلِ فَكَرَاهَتُهُ لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا.
وَسَوَاءٌ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ مَحْفُوظًا مِنْ الْوُقُوعِ أَوْ لَا، فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ فِي الطَّيْلَسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ اهـ أَيْ إذَا لَمْ يُدِرْهُ عَلَى عُنُقِهِ وَإِلَّا فَلَا سَدْلَ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْقَبَاءُ بِكُمٍّ إلَى وَرَاءَ) أَيْ كَالْأَقْبِيَةِ الرُّومِيَّةِ الَّتِي يُجْعَلُ لِأَكْمَامِهَا خُرُوقٌ عِنْدَ أَعْلَى الْعَضُدِ إذَا أَخْرَجَ الْمُصَلِّي يَدَهُ مِنْ الْخِرَقِ وَأَرْسَلَ الْكُمَّ إلَى وَرَائِهِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَيْضًا لِصِدْقِ السَّدْلِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إرْخَاءٌ مِنْ غَيْرِ لُبْسٍ لِأَنَّ لُبْسَ الْكُمِّ يَكُونُ بِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ كَشَدٍّ) هُوَ شَيْءٌ يُعْتَادُ وَضْعُهُ عَلَى الْكَتِفَيْنِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الشَّالِ (قَوْلُهُ فَلَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يُكْرَهْ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ حَيْثُ ذَكَرَ فِي الشَّدِّ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ طَرَفًا مِنْهُ عَلَى صَدْرِهِ وَطَرَفًا عَلَى ظَهْرِهِ يُكْرَهُ (قَوْلُهُ وَخَارِجَ صَلَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلتَّكَبُّرِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. قَالَ فِي النَّهْرِ: أَيْ تَحْرِيمًا وَإِلَّا فَمُقْتَضَى مَا مَرَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا اهـ وَمَا مَرَّ هُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ تَخْصِيصَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِفِعْلِهِ مُعْتَبَرٌ فِيهِ كَوْنُهُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَظْهَرُ التَّشَبُّهُ وَكَرَاهَتُهُ خَارِجَهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا الْقَبَاءِ إلَخْ ح لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمُصَلِّي إذَا كَانَ لَابِسًا شُقَّةً أَوْ فُرْجَى وَلَمْ يَدْخُلْ يَدَيْهِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْكَرَاهَةِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ،
يَدَهُ فِي كُمِّ الْفَرَجِيِّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. وَهَلْ يُرْسِلُ الْكُمَّ أَوْ يُمْسِكُ؟ خِلَافٌ وَالْأَحْوَطُ الثَّانِي قُهُسْتَانِيٌّ
(وَ) كُرِهَ (كَفُّهُ) أَيْ رَفْعُهُ وَلَوْ لِتُرَابٍ كَمُشَمِّرِ كُمٍّ أَوْ ذَيْلٍ (وَعَبَثُهُ بِهِ) أَيْ بِثَوْبِهِ (وَبِجَسَدِهِ) لِلنَّهْيِ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا بَأْسَ بِهِ خَارِجَ صَلَاةٍ (وَصَلَاتُهُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ) يَلْبَسُهَا فِي بَيْتِهِ (وَمِهْنَةٍ) أَيْ خِدْمَةٍ، إنْ لَهُ غَيْرَهَا وَإِلَّا لَا
(وَأَخْذُ دِرْهَمٍ)
ــ
[رد المحتار]
وَلَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ سِوَى الْبَزَّازِيِّ. وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ قَاضِي خَانَ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ السَّدْلِ لِأَنَّهُ إرْسَالٌ لِلثَّوْبِ بِدُونِ أَنْ يَلْبَسَهُ. اهـ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: بَلْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ وَلَمْ يَشُدَّ وَسْطَهُ أَوْ لَمْ يَزُرَّ أَزْرَارَهُ فَهُوَ مُسِيءٌ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ السَّدْلَ. اهـ.
قُلْت: لَكِنْ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ قَمِيصٌ: أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا يَسْتُرُ الْبَدَنَ؛ بَلْ اُخْتُلِفَ فِي كَرَاهَةِ شَدِّ وَسْطِهِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَنَحْوُهُ؛ فَفِي الْعَتَّابِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يُكْرَهُ. اهـ. وَجَزَمَ فِي نُورِ الْإِيضَاحِ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ الثَّانِي) لَمْ يَظْهَرْ وَجْهُهُ بَلْ فِيهِ كَفُّ الثَّوْبِ وَشَغْلُ الْيَدَيْنِ عَنْ السُّنَّةِ تَأَمَّلْ رَحْمَتِيٌّ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ اهـ بَلْ الْأَحْوَطُ لُبْسُهُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ إدْخَالِ يَدَيْهِ فِيهِ مَكْرُوهٌ
(قَوْلُهُ أَيْ رَفْعُهُ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ عِنْدَ الِانْحِطَاطِ لِلسُّجُودِ بَحْرٌ. وَحَرَّرَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ تَحْرِيمِيَّةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ لِتُرَابٍ) وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِصَوْنِهِ عَنْ التُّرَابِ بَحْرٌ عَنْ الْمُجْتَبَى.
(قَوْلُهُ كَمُشَمِّرِ كُمٍّ أَوْ ذَيْلٍ) أَيْ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُشَمِّرٌ كُمَّهُ أَوْ ذَيْلَهُ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْكَفِّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ، لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ صَلَّى وَقَدْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ لِعَمَلٍ كَانَ يَعْمَلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ هَيْئَتُهُ ذَلِكَ اهـ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ شَمَّرَ لِلْوُضُوءِ ثُمَّ عَجَّلَ لِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ مَعَ الْإِمَامِ. وَإِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ وَقُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَهَلْ الْأَفْضَلُ إرْخَاءُ كُمَّيْهِ فِيهَا بِعَمَلٍ قَلِيلٍ أَوْ تَرْكِهِمَا؟ لَمْ أَرَهُ: وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَلَوْ سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ فَإِعَادَتُهَا أَفْضَلُ تَأَمَّلْ. هَذَا، وَقَيَّدَ الْكَرَاهَةَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُنْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ رَافِعًا كُمَّيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إلَى مَا دُونَهُمَا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ لِصِدْقِ كَفِّ الثَّوْبِ عَلَى الْكُلِّ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الْكَبِيرِ: إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمِرْفَقَيْنِ اتِّفَاقِيٌّ. قَالَ: وَهَذَا لَوْ شَمَّرَهُمَا خَارِجَ الصَّلَاةِ ثُمَّ شَرَعَ فِيهَا كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ شَمَّرَ وَهُوَ فِيهَا تَفْسُدُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ (قَوْلُهُ وَعَبَثُهُ) هُوَ فِعْلٌ لِغَرَضٍ غَيْرِ صَحِيحٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ هُوَ مُفِيدٌ لِلْمُصَلِّي فَلَا بَأْسَ بِهِ. أَصْلُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرِقَ فِي صَلَاتِهِ فَسَلَتَ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ» أَيْ مَسَحَهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيه فَكَانَ مُفِيدًا. وَفِي زَمَنِ الصَّيْفِ كَانَ إذَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ نَفَضَ ثَوْبَهُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لِأَنَّهُ كَانَ مُفِيدًا كَيْ لَا تَبْقَى صُورَةٌ. فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُفِيدٍ فَهُوَ الْعَبَثُ اهـ وَقَوْلُهُ كَيْ لَا تَبْقَى صُورَةٌ يَعْنِي حِكَايَةُ صُورَةِ الْأَلْيَةِ كَمَا فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ، فَلَيْسَ نَفْضُهُ لِلتُّرَابِ. فَلَا يَرُدُّ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُكْرَهُ رَفْعَ الثَّوْبِ كَيْ لَا يَتَتَرَّبَ، لَا يَكُونُ نَفْضُهُ مِنْ التُّرَابِ عَمَلًا مُفِيدًا (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْقُضَاعِيُّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا: الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ. وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ، وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» " وَهِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ) كَحَكِّ بَدَنِهِ لِشَيْءٍ أَكَلَهُ وَأَضَرَّهُ وَسَلْتِ عَرَقٍ يُؤْلِمُهُ وَيَشْغَلُ قَلْبَهُ. وَهَذَا لَوْ بِدُونِ عَمَلٍ كَثِيرٍ. قَالَ فِي الْفَيْضِ: الْحَكُّ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فِي رُكْنٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ إنْ رَفَعَ يَدَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اهـ
وَفِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْفَتَاوَى: اخْتَلَفُوا فِي الْحَكِّ. هَلْ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً أَوْ الذَّهَابُ مَرَّةً وَالرُّجُوعُ أُخْرَى (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ خَارِجَ صَلَاةٍ) وَأَمَّا مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ حَرَامٌ فَقَالَ السُّرُوجِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ الْعَبَثَ خَارِجَهَا بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يَحْرُمُ، وَالْحَدِيثُ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ فِي الصَّلَاةِ. اهـ. بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ)
وَنَحْوُهُ (فِي فِيهِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ) فَلَوْ مَنَعَهُ تَفْسُدُ
(وَصَلَاتُهُ حَاسِرًا) أَيْ كَاشِفًا (رَأْسَهُ لِلتَّكَاسُلِ) وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلتَّذَلُّلِ، وَأَمَّا لِلْإِهَانَةِ بِهَا فَكُفْرٌ وَلَوْ سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ فَإِعَادَتُهَا أَفْضَلُ إلَّا إذَا احْتَاجَتْ لِتَكْوِيرٍ أَوْ عَمَلٍ كَثِيرٍ
(وَصَلَاتُهُ مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا (أَوْ لِرِيحٍ) لِلنَّهْيِ
(وَعَقْصُ شَعْرِهِ) لِلنَّهْيِ عَنْ كَفِّهِ وَلَوْ بِجَمْعِهِ أَوْ إدْخَالِ أَطْرَافِهِ فِي أُصُولِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ أَمَّا فِيهَا فَيَفْسُدُ
(وَقَلْبُ الْحَصَا) لِلنَّهْيِ (إلَّا لِسُجُودِهِ) التَّامِّ فَيُرَخَّصُ (مَرَّةً) وَتَرْكُهَا أَوْلَى
(وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) وَتَشْبِيكُهَا وَلَوْ مُنْتَظِرًا الصَّلَاةَ أَوْ مَاشِيًا إلَيْهَا لِلنَّهْيِ وَلَا يُكْرَهُ خَارِجَهَا لِحَاجَةٍ.
ــ
[رد المحتار]
بِكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ: الْخِدْمَةُ وَالِابْتِذَالُ، وَعَطْفُ الْمِهْنَةِ عَلَيْهَا عَطْفَ تَفْسِيرٍ؛ وَهِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الْهَاءِ، وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ حِلْيَةٌ. قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَفَسَّرَهَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ بِمَا يَلْبَسُهُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَذْهَبُ بِهِ إلَى الْأَكَابِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِحَيْثُ يَمْنَعُهُ مِنْ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ لَا يُخِلُّ بِهَا لَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، ثُمَّ قَوْلُ قَاضِي خَانَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ وَفِي فِيهِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ لَا تَمْنَعُهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَنْزِيهِيَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَوْ مَنَعَهُ) بِأَنْ سَكَتَ أَوْ تَلَفَّظَ بِأَلْفَاظٍ لَا تَكُونُ قُرْآنًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ
(قَوْلُهُ لِلتَّكَاسُلِ) أَيْ لِأَجْلِ الْكَسَلِ، بِأَنْ اسْتَثْقَلَ تَغْطِيَتَهُ وَلَمْ يَرَهَا أَمْرًا مُهِمًّا فِي الصَّلَاةِ فَتَرَكَهَا لِذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ تَهَاوُنًا بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الِاسْتِخْفَافُ بِهَا وَالِاحْتِقَارُ لِأَنَّهُ كُفْرٌ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَأَصْلُ الْكَسَلِ تَرْكُ الْعَمَلِ لِعَدَمِ الْإِرَادَةِ، فَلَوْ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ فَهُوَ الْعَجْزُ. مَطْلَبٌ فِي الْخُشُوعِ
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِلتَّذَلُّلِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَأَنْ يَتَذَلَّلَ وَيَخْشَعَ بِقَلْبِهِ فَإِنَّهُمَا مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِمَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الْخُشُوعِ. اهـ.
قُلْت: وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْخُشُوعَ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ كَالْخَوْفِ أَوْ مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ كَالسُّكُونِ أَوْ مَجْمُوعِهِمَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَالْأَشْبَهُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ حُكِيَ إجْمَاعُ الْعَارِفِينَ عَلَيْهِ وَأَنَّ مِنْ لَوَازِمِهِ: ظُهُورَ الذُّلِّ، وَغَضَّ الطَّرْفِ، وَخَفْضَ الصَّوْتِ، وَسُكُونَ الْأَطْرَافِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِحُسْنِ كَشْفِهِ إذَا كَانَ نَاشِئًا عَنْ تَحْقِيقِ الْخُشُوعِ بِالْقَلْبِ، وَنَصَّ فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ لِعُذْرٍ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا فَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَتْنِ، وَهُوَ حَسَنٌ. وَعَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لِأَجَلِ الْحَرَارَةِ وَالتَّخْفِيفُ مَكْرُوهٌ، فَلَمْ يَجْعَلْ الْحَرَارَةَ عُذْرًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَلَوْ سَقَطَتْ قَلَنْسُوَتُهُ إلَخْ) هِيَ مَا يُلْبَسُ فِي الرَّأْسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَفْظُ قَلَنْسُوَتِهِ سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ، الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِيمَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَنْ الْحُجَّةِ، وَفِي الدُّرَرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة: وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ إعَادَتِهَا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِتَرْكِهَا التَّذَلُّلَ عَلَى مَا مَرَّ
(قَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ إلَخْ) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ شُرُوعِهِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ شَغَلَهُ قَطَعَهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ، وَإِنْ أَتَمَّهَا أَثِمَ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ حَاقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ» ، أَيْ مُدَافِعُ الْبَوْلِ، وَمِثْلُهُ الْحَاقِبُ: أَيْ مُدَافِعُ الْغَائِطِ وَالْحَازِقُ: أَيْ مُدَافِعُهُمَا وَقِيلَ مُدَافِعُ الرِّيحِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِثْمِ صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقَالَ لِأَدَائِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةِ. بَقِيَ مَا إذَا خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَجِدُ جَمَاعَةً غَيْرَهَا، فَهَلْ يَقْطَعُهَا كَمَا يَقْطَعُهَا إذَا رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةً قَدْرَ الدِّرْهَمِ لِيَغْسِلَهَا أَوْ لَا، كَمَا إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ أَقَلَّ مِنْ الدِّرْهَمِ. وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ تَرْكَ سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ الْإِتْيَانِ بِالْكَرَاهَةِ: كَالْقَطْعِ لِغَسْلِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ، فَفِعْلُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِ السُّنَّةِ، بِخِلَافِ غَسْلِ مَا دُونَهُ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَلَا يَتْرُكُ السُّنَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ لِأَجْلِهِ، كَذَا حَقَّقَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.
(وَالتَّخَصُّرُ) وَضْعُ
ــ
[رد المحتار]
تَنْبِيهٌ]
ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ بَحْثًا أَنَّ خَوْفَ فَوْتِ الْجِنَازَةِ كَخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَذَكَرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ جَارِيَةٌ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَلَوْ تَطَوُّعًا
(قَوْلُهُ وَعَقْصُ شَعْرِهِ إلَخْ) أَيْ ضَفْرُهُ وَفَتْلُهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى هَامَتِهِ وَيَشُدُّهُ بِصَمْغٍ، أَوْ أَنْ يَلُفَّ ذَوَائِبَهُ حَوْلَ رَأْسِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ يَجْمَعُ الشَّعْرَ كُلَّهُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا وَيَشُدُّهُ بِخَيْطٍ أَوْ خِرْقَةٍ كَيْ لَا يُصِيبُ الْأَرْضَ إذَا سَجَدَ؛ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَلِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى أَنَّ يُصَلِّي الرَّجُلُ وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ» " وَأَخْرَجَ السِّتَّةَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا» شَرْحُ الْمُنْيَةِ، وَنَقَلَ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ النَّوَوِيِّ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا تَحْرِيمٌ إلَّا إنْ ثَبَتَ عَلَى التَّنْزِيهِ إجْمَاعٌ فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِهِ (قَوْلُهُ أَمَّا فِيهَا فَيَفْسُدُ) لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ بِالْإِجْمَاعِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ
(قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى، فَقَالَ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ» وَرَوَى السِّتَّةُ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَإِنْ كُنْت وَلَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ» " شَرْحُ الْمُنْيَةِ (قَوْلُهُ إلَّا لِسُجُودِهِ التَّامِّ إلَخْ) بِأَنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ تَمْكِينُ جَبْهَتِهِ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ إلَّا بِذَلِكَ، وَقَيَّدَ بِالتَّامِّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ وَضْعُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْجَبْهَةِ إلَّا بِهِ تَعَيَّنَ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. مَطْلَبٌ إذَا تَرَدَّدَ الْحُكْمُ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ كَانَ تَرْكُ السُّنَّةِ أَوْلَى
(قَوْلُهُ وَتَرْكُهَا أَوْلَى) لِأَنَّهُ إذَا تَرَدَّدَ الْحُكْمُ بَيْنَ سُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ كَانَ تَرْكُ السُّنَّةِ رَاجِحًا عَلَى فِعْلِ الْبِدْعَةِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّسْوِيَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ بَحْرٌ
(قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) هُوَ غَمْزُهَا أَوْ مَدُّهَا حَتَّى تُصَوِّتَ وَتَشْبِيكُهَا هُوَ أَنْ يُدْخِلَ أَصَابِعَ إحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ أَصَابِعِ الْأُخْرَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي» " وَرَوَى فِي الْمُجْتَبَى حَدِيثًا «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُفَرْقِعَ الرَّجُلُ أَصَابِعَهُ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَهُوَ يَمْشِي إلَيْهَا» وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا مَرْفُوعًا «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ» " وَنَقَلَ فِي الْمِعْرَاجِ الْإِجْمَاعَ عَلَى كَرَاهَةِ الْفَرْقَعَةِ وَالتَّشْبِيكِ فِي الصَّلَاةِ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْرِيمِيَّةً لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ خَارِجَهَا لِحَاجَةٍ) الْمُرَادُ بِخَارِجِهَا مَا لَيْسَ مِنْ تَوَابِعِهَا لِأَنَّ السَّعْيَ إلَيْهَا وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَجْلِهَا فِي حُكْمِهَا كَمَا مَرَّ لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةَ تَحْبِسُهُ» " وَأَرَادَ بِالْحَاجَةِ نَحْوَ إرَاحَةِ الْأَصَابِعِ، فَلَوْ لِدُونِ حَاجَةٍ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْعَبَثِ كُرِهَ تَنْزِيهًا وَالْكَرَاهَةُ فِي الْفَرْقَعَةِ خَارِجَهَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا، وَأَمَّا التَّشْبِيكُ فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ لِمَشَايِخِنَا فِيهِ عَلَى شَيْءٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ لِغَيْرِ عَبَثٍ بَلْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَوْ لِإِرَاحَةِ الْأَصَابِعِ لَا يُكْرَهُ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «الْمُؤْمِنُ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ» فَإِنَّهُ لِإِفَادَةِ تَمْثِيلِ الْمَعْنَى، وَهُوَ التَّعَاضُدُ وَالتَّنَاصُرُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ الْحِسِّيَّةِ
(قَوْلُهُ وَالتَّخَصُّرِ إلَخْ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ» وَفِي رِوَايَةٍ " عَنْ «الِاخْتِصَارِ» وَفِي أُخْرَى «عَنْ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا» وَفِيهِ تَأْوِيلَاتٌ أَشْهَرُهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ
الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ لِلنَّهْيِ (وَيُكْرَهُ خَارِجَهَا) تَنْزِيهًا
(وَالِالْتِفَاتُ بِوَجْهِهِ) كُلِّهِ (أَوْ بَعْضِهِ) لِلنَّهْيِ وَبِبَصَرِهِ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا، وَبِصَدْرِهِ تَفْسُدُ كَمَا مَرَّ (وَقِيلَ) قَائِلُهُ قَاضِي خَانَ (تَفْسُدُ بِتَحْوِيلِهِ وَالْمُعْتَمَدُ لَا)
(وَإِقْعَاؤُهُ) كَالْكَلْبِ لِلنَّهْيِ
ــ
[رد المحتار]
تَحْرِيمِيَّةُ فِي الصَّلَاةِ لِلنَّهْيِ الْمَذْكُورِ. اهـ. وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْوَضْعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنَّ الْعِلَّةَ الثَّانِيَةَ لَا تَقْتَضِي كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، نَعَمْ تَقْتَضِي كَرَاهَةَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى عُضْوٍ آخَرَ غَيْرِ الْخَاصِرَةِ
(قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ) هُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ» وَقَيَّدَهُ فِي الْغَايَةِ بِأَنْ: يَكُونَ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ تَحْرِيمِيَّةٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَبِبَصَرِهِ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ أَصْلًا. وَفِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَاقَانِيِّ أَنَّهُ مُبَاحٌ «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ فِي صَلَاتِهِ بِمُوقِ عَيْنَيْهِ» اهـ وَلَا يُنَافِي مَا هُنَا بِحَمْلِهِ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ أَوْ أَرَادَ بِالْمُبَاحِ مَا لَيْسَ بِمَحْظُورٍ شَرْعًا، وَخِلَافُ الْأَوْلَى غَيْرُ مَحْظُورٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَبِصَدْرِهِ تَفْسُدُ) أَيْ إذَا كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا. وَالْأَشْبَهُ مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ مِنْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا مُفْسِدٌ وَقَيَّدَ عَدَمَ الْفَسَادِ بِهِ فِي الْمُنْيَةِ وَالذَّخِيرَةِ بِمَا إذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ، قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا فِي الْفَتَاوَى وَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْتَقْبِلْ مِنْ سَاعَتِهِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا اسْتَقْبَلَ مِنْ سَاعَتِهِ، وَكَأَنَّهُ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَالثَّانِي قَلِيلٌ، وَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّ الِاسْتِدَامَةَ عَلَى هَذَا الْقَلِيلِ لَا تَجْعَلُهُ كَثِيرًا، وَإِنَّمَا كَثِيرُهُ تَحْوِيلُ صَدْرِهِ. اهـ.
أَقُولُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ إذَا أَطَالَ الْتِفَاتَهُ بِجَمِيعِ وَجْهِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَرَأَى رَاءٍ مِنْ بَعِيدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَإِقْعَاؤُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إقْعَاءِ الْكَلْبِ وَفَسَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ: بِأَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ فَخِذَيْهِ وَيَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْكَرْخِيُّ: بِأَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ. وَالْأَصَحُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَامَّةُ هُوَ الْأَوَّلُ: أَيْ كَوْنُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ لَا أَنَّ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ غَيْرُ مَكْرُوهٍ؛ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةً عَلَى الْأَوَّلِ تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الثَّانِي.
أَقُولُ: إنَّمَا كَانَتْ تَنْزِيهِيَّةً عَلَى الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَيْسَ بِإِقْعَاءٍ، وَإِنَّمَا الْكَرَاهَةُ بِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ كَمَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ فَسَّرَ الْإِقْعَاءَ بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ تَعَاكَسَتْ الْأَحْكَامُ اهـ كَلَامُ النَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ مَكْرُوهٌ لِشَيْئَيْنِ: لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ، فَإِنْ فُسِّرَ بِمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَانَ مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا لِوُجُودِ النَّهْيِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ؛ وَكَانَ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَالَهُ الْكَرْخِيِّ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا لِتَرْكِ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ لَا تَحْرِيمًا لِعَدَمِ النَّهْيِ عَنْهُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنْ فُسِّرَ بِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ انْعَكَسَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ.
قُلْت: وَفِي الْمُغْرِبِ بَعْدَ مَا فَسَّرَهُ بِمَا مَرَّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ قَالَ: وَتَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ اهـ وَعَزَاهُ فِي الْبَدَائِعِ إلَى الْكَرْخِيِّ وَقَالَ: وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ اهـ أَيْ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ، وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ» ، بِضَمٍّ فَسُكُونٍ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمُ فِي فَتَاوَاهُ: وَأَمَّا نَصْبُ الْقَدَمَيْنِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ فَمَكْرُوهٌ فِي جَمِيعِ الْجِلْسَاتِ بِلَا خِلَافٍ نَعْرِفُهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ