الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ مُصَلٍّ وَلَوْ بَعِيدًا عَلَى الْمَذْهَبِ.
فَصْلٌ (وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ) وُجُوبًا بِحَسَبِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ أَسَاءَ، وَلَوْ ائْتَمَّ بِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا سِرًّا أَعَادَهَا جَهْرًا بَحْرٌ، لَكِنْ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ ائْتَمَّ بِهِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ إنْ قَصَدَ الْإِمَامَةَ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ الْجَهْرُ
ــ
[رد المحتار]
فَلَوْ كَانَا اثْنَيْنِ كَانَا خَلْفَهُ فَلْيَلْتَفِتْ إلَيْهِمَا لِلْإِطْلَاقِ الْمَذْكُورِ. اهـ. وَنَازَعَهُ فِي الْإِمْدَادِ بِأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ حَاشِيَةِ الْبَدْرِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَوْ بَعِيدًا عَلَى الْمَذْهَبِ) صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ رَجُلٌ يُصَلِّي؛ ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ وَجْهُهُ مُقَابِلُ وَجْهِ الْإِمَامِ فِي حَالَةِ قِيَامِهِ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا صُفُوفٌ. وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ خِلَافَ هَذَا فَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُصَلِّي بِحِذَائِهِ رَجُلٌ جَالِسٌ ظَهْرُهُ إلَى الْمُصَلِّي لَا يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ اسْتِقْبَالُ الْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ سُتْرَةً لِلْمُصَلِّي لَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَرَاءَهُ فَكَذَا هُنَا؛ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى إلَى وَجْهِ إنْسَانٍ وَبَيْنَهُمَا ثَالِثٌ ظَهْرُهُ إلَى وَجْهِ الْمُصَلِّي لَمْ يُكْرَهْ، وَلَعَلَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُقَيِّدْ بِذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَكَيْفِيَّتِهَا وَفَرَائِضِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَسُنَنِهَا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْقِرَاءَةِ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَةٍ لِزِيَادَةِ أَحْكَامٍ تَعَلَّقَتْ بِهَا دُونَ سَائِرِ الْأَرْكَانِ (قَوْلُهُ وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ وُجُوبًا) أَيْ جَهْرًا وَاجِبًا عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ، وَقَوْلُهُ بِحَسَبِ الْجَمَاعَةِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِلْجَهْرِ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّصَافِ الْجَهْرِ بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ أَنْ يَتَّصِفَ كَوْنُهُ بِحَسَبِ الْجَمَاعَةِ بِالْوُجُوبِ أَيْضًا، نَعَمْ لَوْ جُعِلَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ وُجُوبًا الْمُؤَوَّلِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ يَلْزَمُ ذَلِكَ، وَلَا دَاعِيَ إلَى حَمْلِ الْكَلَامِ عَلَى مَا يُفْسِدُ الْمَعْنَى مَعَ تَبَادُرِ غَيْرِهِ فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ أَسَاءَ) وَفِي الزَّاهِدِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ: لَوْ زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ، إلَّا إذَا أَجْهَدَ نَفْسَهُ أَوْ آذَى غَيْرَهُ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَعَادَهَا جَهْرًا) لِأَنَّ الْجَهْرَ فِيمَا بَقِيَ صَارَ وَاجِبًا بِالِاقْتِدَاءِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَنِيعٌ بَحْرٌ. وَمُفَادُهُ أَنَّهُ لَوْ ائْتَمَّ بَعْدَ قِرَاءَةِ بَعْضِ السُّورَةِ أَنَّهُ يُعِيدُ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ، فَلْيُرَاجَعْ ح (قَوْلُهُ لَكِنْ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ ائْتَمَّ بِهِ، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ. وَقَدْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ الْقُهُسْتَانِيُّ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الْإِمَامَ لَوْ خَافَتَ بِبَعْضِ الْفَاتِحَةِ أَوْ كُلِّهَا أَوْ الْمُنْفَرِدُ ثُمَّ اقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ أَعَادَهَا جَهْرًا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقِيلَ لَمْ يُعِدْ وَجَهَرَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ وَعَزَا فِي الْقُنْيَةِ الْقَوْلَ الثَّانِيَ إلَى الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ وَفَتَاوَى السَّعْدِيِّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ فِيهِ التَّحَرُّزَ عَنْ تَكْرَارِ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَهُوَ مُوجِبٌ لِسُجُودِ السَّهْوِ فَكَانَ مَكْرُوهًا، وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْ لُزُومِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي رَكْعَةٍ. عَلَى أَنَّ كَوْنَ ذَلِكَ الْجَمْعِ شَنِيعًا غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِمَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَهَا فَخَافَتَ فِي الْجَهْرِيَّةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ وَلَا يُعِيدُ، وَلَوْ خَافَتَ بِآيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ يُتِمُّهَا جَهْرًا وَلَا يُعِيدُ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا جَهَرَ بِأَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ يُتِمُّهَا مُخَافَتَةً كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ اهـ أَيْ فِي الصَّلَاةِ السَّرِيَّةِ، وَكَوْنُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَالْأَصْلُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الثَّانِي لَمْ يُذْكَرْ فِي كِتَابٍ آخَرَ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَدَعْوَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ إنْ قَصَدَ الْإِمَامَةَ إلَخْ) عَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَى فَتَاوَى الْكَرْمَانِيِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ
(فِي الْفَجْرِ وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ أَدَاءً وَقَضَاءً وَجُمُعَةٍ وَعِيدَيْنِ وَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ بَعْدَهَا) أَيْ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ لِلتَّوَارُثِ: قُلْت: فِي تَقْيِيدِهِ بِبَعْدِهَا نَظَرٌ لِجَهْرِهِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ التَّرَاوِيحَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ، نَعَمْ فِي الْقُهُسْتَانِيُّ تَبَعًا لِلْقَاعِدِيِّ لَا سَهْوَ بِالْمُخَافَتَةِ فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ كَعِيدٍ وَوِتْرٍ، نَعَمْ الْجَهْرُ أَفْضَلُ (وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا)«وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يَجْهَرُ فِي الْكُلِّ ثُمَّ تَرَكَهُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِدَفْعِ أَذَى الْكُفَّارِ» كَافِي (كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ) فَإِنَّهُ يُسِرُّ (وَيُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ فِي الْجَهْرِ) وَهُوَ أَفْضَلُ وَيُكْتَفَى بِأَدْنَاهُ (إنْ أَدَّى) وَفِي السَّرِيَّةِ يُخَافِتُ حَتْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ مُنْفَرِدًا؛ فَلَوْ أَمَّ جَهَرَ لِتَبَعِيَّةِ النَّفْلِ لِلْفَرْضِ زَيْلَعِيٌّ
(وَيُخَافِتُ) الْمُنْفَرِدُ (حَتْمًا) أَيْ وُجُوبًا (إنْ قَضَى) الْجَهْرِيَّةَ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ، كَأَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ.
ــ
[رد المحتار]
فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلِذَا لَا يَحْنَثُ فِي لَا يَؤُمُّ أَحَدًا مَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، وَلَا يَحْصُلُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِمُحَاذَاةِ الْمَرْأَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ النِّيَّةِ، وَسَيَذْكُرُ فِي بَابِ الْوِتْرِ عِنْدَ ذِكْرِ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ عَلَى الْإِمَامِ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ أَحْكَامُ الْإِمَامَةِ بِدُونِ الْتِزَامٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَالْعِشَاءَانِ: الْمَغْرِبُ وَالْعَتَمَةُ (قَوْلُهُ أَيْ فِي رَمَضَانَ فَقَطْ) مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي الْمِنَحِ، حَيْثُ قَالَ: وَقَيَّدْنَا الْوِتْرَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجْهَرُ فِي الْوِتْرِ إذَا كَانَ فِي رَمَضَانَ لَا فِي غَيْرِهِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي بَحْرِهِ، وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى إطْلَاقِ الزَّيْلَعِيِّ الْجَهْرَ فِي الْوِتْرِ إذَا كَانَ إمَامًا اهـ فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِي مَتْنِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهَا كَوْنُهُ فِي رَمَضَانَ هُوَ الْمَسْنُونُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ أَوْ لَا، وَبِهِ سَقَطَ مَا يَأْتِي عَنْ مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ، لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْوِتْرَ جَمَاعَةً فِي غَيْرِ رَمَضَانَ لَا يَجْهَرُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، وَإِطْلَاقُ الزَّيْلَعِيِّ يُخَالِفُهُ، وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ بِاللَّيْلِ لَوْ أَمَّ جَهَرَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ وَارِدٍ (قَوْلُهُ نَعَمْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) فِيهِ أَنَّ الْقُهُسْتَانِيَّ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِتَصْحِيحِ خِلَافِهِ (قَوْلُهُ وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا) وَهُوَ الثَّالِثَةُ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأُخْرَيَانِ مِنْ الْعِشَاءِ، وَكَذَا جَمِيعُ رَكَعَاتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ خِلَافًا لِمَالِكٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ) لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلِهَذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَفْضَلُ. وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ» مِنَحٌ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) كَذَا فِي الْبَحْرِ رَادًّا عَلَى مَا فِي الْعِنَايَةِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ.
أَقُولُ: مَا فِي الْعِنَايَةِ صَرَّحَ بِهِ أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ. وَنَقَلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ بِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ. وَقَالَ الشُّرَّاحُ: إنَّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَأَمَّا جَوَابُ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّهْوُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ: إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ عَلَيْهِ السَّهْوُ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ، نَعَمْ صَحَّحَ فِي الدُّرَرِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وُجُوبَ الْمُخَافَتَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِنَحِ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ اهـ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَلَوْ أَمَّ) أَيْ فَلَوْ صَلَّى الْمُتَنَفِّلُ بِاللَّيْلِ إمَامًا جَهَرَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوِتْرَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تُكْرَهُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي، وَبِدُونِهِ لَا. وَإِذَا وَجَبَ الْجَهْرُ فِي النَّفْلِ يَجِبُ فِي الْوِتْرِ كَمَا أَفْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ.
مَطْلَبٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ (قَوْلُهُ وَيُخَافِتُ الْمُنْفَرِدُ إلَخْ) أَمَّا الْإِمَامُ فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ يَجْهَرُ أَدَاءً وَقَضَاءً (قَوْلُهُ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إنْ قَضَى فِي وَقْتِ الْجَهْرِ خُيِّرَ كَمَا لَا يَخْفَى ح (قَوْلُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا وَقْتُ جَهْرٍ فَيُخَيَّرُ فِيهِ، لَكِنْ
قُلْت: وَهَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلِكِ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ مِنْ بَحْثِ الْقَضَاءِ (عَلَى الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْهِدَايَةِ، لَكِنْ تَعَقَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَرَجَّحُوا تَخْيِيرَهُ كَمَنْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَامَ يَقْضِيهَا يُخَيَّرُ
(وَ) أَدْنَى (الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ وَ) أَدْنَى
ــ
[رد المحتار]
فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ) قَالَ فِيهَا لِأَنَّ الْجَهْرَ مُخْتَصٌّ، إمَّا بِالْجَمَاعَةِ حَتْمًا أَوْ بِالْوَقْتِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدُهُمَا (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: هَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَيْهِ، بَلْ تَعَقَّبَهُ فِي الْغَايَةِ وَنَظَرَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ، وَبَحَثَ فِيهِ فِي النِّهَايَةِ، وَحَرَّرَ خُسْرو أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ رِوَايَةً وَلَا دِرَايَةً. وَقَدْ اخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْقَضَاءَ كَالْأَدَاءِ. قَالَ قَاضِي خَانْ: هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْكَافِي وَالنَّهْرِ: هُوَ الْأَصَحُّ. وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ: إنَّهُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ وَجْهَهُ. اهـ. وَأُجِيبَ عَنْ اسْتِدْلَالِ الْهِدَايَةِ بِمَنْعِ الْحَصْرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلْجَهْرِ الْمُخَيَّرِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ مُوَافَقَةُ الْأَدَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَنْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ إلَخْ) أَيْ أَنَّهُ إذَا قَامَ لِيَقْضِيَهَا لَا يَلْزَمُهُ الْمُخَافَتَةُ، بَلْ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ فِيهَا لِيُوَافِقَ الْقَضَاءُ الْأَدَاءَ مَعَ أَنَّهُ قَضَاهَا فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْجَهْرَ لَمْ يَخْتَصَّ سَبَبُهُ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ بِالْوَقْتِ، بَلْ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ فِي الْهِدَايَةِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ لِمَا رَجَّحَهُ الْجَمَاعَةُ؛ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ وَجْهُ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ سُبِقَ بِرَكْعَةٍ مِنْ الْعِشَاءِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ فِي وَقْتِ الْمُخَافَتَةِ لَا مُطْلَقًا فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَأَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ وُجُودِ الْقِرَاءَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
فَشَرَطَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْفَضْلِيُّ لِوُجُودِهَا خُرُوجَ صَوْتٍ يَصِلُ إلَى أُذُنِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَشَرَطَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ وَأَحْمَدُ خُرُوجَ الصَّوْتِ مِنْ الْفَمِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَى أُذُنِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَسْمُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى لَوْ أَدْنَى أَحَدٌ صِمَاخَهُ إلَى فِيهِ يَسْمَعُ.
وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ السَّمَاعَ، وَاكْتَفَيَا بِتَصْحِيحِ الْحُرُوفِ. وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْحَلْوَانِيُّ قَوْلَ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَكَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ. وَنَقَلَ فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ تَسْمَعْ أُذُنَاهُ وَمَنْ بِقُرْبِهِ، وَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ مَا كَانَ مَسْمُوعًا لَهُ يَكُونُ مَسْمُوعًا لِمَنْ فِي قُرْبِهِ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. ثُمَّ إنَّهُ اخْتَارَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ قَوْلَ الْهِنْدُوَانِيُّ وَبِشْرٍ مُتَّحِدَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ سَمَاعُهُ بَعْدَ وُجُودِ الصَّوْتِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ. وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ تَبَعًا لِلْحِلْيَةِ أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، بَلْ الْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ. وَأَيَّدَ الْعَلَّامَةُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوَاهُ كَلَامَ الْفَتْحِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، فَارْجِعْ إلَيْهِ. وَذَكَرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ قَوْلَيْ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْكَرْخِيِّ مُصَحَّحَانِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ أَصَحُّ وَأَرْجَحُ لِاعْتِمَادِ أَكْثَرِ عُلَمَائِنَا عَلَيْهِ.
وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي تَعْرِيفِ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ، وَمِثْلُهُ فِي سَهْوِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ لِأَنَّ أَدْنَى الْحَدِّ الَّذِي تُوجَدُ فِيهِ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ خُرُوجُ صَوْتٍ يَصِلُ إلَى أُذُنِهِ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا. كَمَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ صَمَمٍ أَوْ جَلَبَةِ أَصْوَاتٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ أَدْنَى الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ بِقُرْبِهِ تَصْرِيحٌ بِاللَّازِمِ عَادَةً كَمَا مَرَّ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ مَنْ بِقُرْبِهِ بِأَوْ، وَهُوَ أَوْضَحُ، وَيُبْتَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ: أَيْ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بِقَرِينَةِ الْمُقَابَلَةِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إنَّ الْإِمَامَ إذَا قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ سَمِعَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ لَا يَكُونُ جَهْرًا، وَالْجَهْرُ أَنْ يَسْمَعَ الْكُلُّ اهـ أَيْ كُلُّ الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا كُلُّ الْمُصَلِّينَ: بِدَلِيلِ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمَسْعُودِيَّةِ إنَّ جَهْرَ الْإِمَامِ إسْمَاعُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ. اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْخُلَاصَةِ، وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي كَلَامَ الْهِنْدُوَانِيُّ، بَلْ هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي الْمِعْرَاجِ
(الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ) وَمَنْ بِقُرْبِهِ؛ فَلَوْ سَمِعَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ فَلَيْسَ بِجَهْرٍ، وَالْجَهْرُ أَنْ يَسْمَعَ الْكُلُّ خُلَاصَةٌ (وَيَجْرِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ (فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِنُطْقٍ، كَتَسْمِيَةٍ عَلَى ذَبِيحَةٍ وَوُجُوبِ سَجْدَةِ تِلَاوَةِ وَعَتَاقٍ وَطَلَاقٍ وَاسْتِثْنَاءٍ) وَغَيْرِهَا؛ فَلَوْ طَلَّقَ أَوْ اسْتَثْنَى وَلَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ؛ وَقِيلَ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْمُشْتَرِي.
(وَلَوْ تَرَكَ سُورَةَ أُولَيَيْ الْعِشَاءِ) مَثَلًا وَلَوْ عَمْدًا (قَرَأَهَا وُجُوبًا) وَقِيلَ نَدْبًا
ــ
[رد المحتار]
نَقَلَهُ عَنْ الْفَضْلِيِّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَضْلِيَّ قَائِلٌ بِقَوْلِ الْهِنْدُوَانِيُّ. فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ أَدْنَى الْمُخَافَتَةِ إسْمَاعُ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ بِقُرْبِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ مَثَلًا، وَأَعْلَاهَا تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ، وَلَا تُعْتَبَرُ هُنَا فِي الْأَصَحِّ.
وَأَدْنَى الْجَهْرِ إسْمَاعُ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَيْسَ بِقُرْبِهِ كَأَهْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَأَعْلَاهُ لَا حَدَّ لَهُ فَافْهَمْ، وَاغْنَمْ تَحْرِيرَ هَذَا الْمَقَامِ فَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَفْهَامِ (قَوْلُهُ وَيَجْرِي ذَلِكَ الْمَذْكُورُ) يَعْنِي كَوْنَ أَدْنَى مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْكَلَامُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ أَوْ مَنْ بِقُرْبِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ) أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ الْهِنْدُوَانِيُّ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ لِاكْتِفَائِهِ بِتَصْحِيحِ الْحُرُوفِ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَقِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْقَاضِي عَلَاءِ الدِّينِ فِي شَرْحِ مُخْتَلِفَاتِهِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ يُكْتَفَى بِسَمَاعِهِ، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُ غَيْرِهِ مَثَلًا فِي الْبَيْعِ لَوْ أَدْنَى الْمُشْتَرِي صِمَاخَهُ إلَى فَمِ الْبَائِعِ وَسَمِعَ يَكْفِي، وَلَوْ سَمَّعَ الْبَائِعُ نَفْسَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْمُشْتَرِي لَا يَكْفِي؛ وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَنَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودُ الْكَلَامِ مَعَهُ وَلَمْ يُوجَدْ اهـ.
قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ تَمَامُهُ عَلَى الْقَبُولِ وَلَوْ غَيْرَ مُبَادَلَةٍ كَالنِّكَاحِ اهـ وَلَمْ يُعَوِّلْ الشَّارِحُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلِ تَبَعًا لِلْفَتْحِ، حَيْثُ قَالَ: قِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ إلَخْ وَكَذَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي الْكَافِي إشَارَةً إلَى ضَعْفِهِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ الْأَوَّلُ ارْتَضَاهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ، وَهُوَ أَوْجَهُ بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ لِأَنَّ (الْكَلَامَ) مِنْ الْكَلْمِ وَهُوَ الْجُرْحُ؛ سُمَيٌّ بِهِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ فَتَكْلِيمُهُ فُلَانًا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِسَمَاعِهِ وَكَذَا اشْتِرَاطُ سَمَاعِ الشُّهُودِ كَلَامَ الْعَاقِدِينَ فِي النِّكَاحِ وَسَمَاعِ التِّلَاوَةِ فِي وُجُوبِ السَّجْدَةِ عَلَى السَّامِعِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا اُشْتُرِطَ فِيهِ سَمَاعُ الْغَيْرِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ مَثَلًا) زَادَهُ لِيَعُمَّ مَا لَوْ تَرَكَهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهَلْ يَأْتِي بِهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ؟ يُحَرَّرُ، وَلِيَعُمَّ غَيْرَ الْعِشَاءِ كَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا فِي إحْدَى أُولَيَيْهَا يَأْتِي بِهَا فِي الثَّالِثَةِ، وَلَوْ فِيهِمَا مَعًا أَتَى فِي الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ وَفَاتَتْ الْأُخْرَى، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لَوْ سَاهِيًا؛ وَلِيَعُمَّ الرَّبَاعِيَةَ السِّرِّيَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَيْضًا أَفَادَهُ ط، وَإِنَّمَا خَصَّ الْمُصَنِّفُ الْعِشَاءَ بِالذِّكْرِ لِمَكَانِ قَوْلِهِ جَهْرًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِهِ، فَلِذَا أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى التَّعْمِيمِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ عَمْدًا) هَذَا ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُتُونِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي النَّهْرِ، وَلَمْ يَعُزْهُ إلَى أَحَدٍ، كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الْإِطْلَاقِ، وَإِلَّا فَصَنِيعُ الْفَتَاوَى وَالشُّرُوحِ يَقْتَضِي أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي النِّسْيَانِ تَأَمُّلٌ، أَفَادَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الْوُجُوبُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، حَيْثُ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ قَرَأَهَا بِلَفْظِ الْخَبَرِ، وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ فِي الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ فِي الْأَصْلِ بِالِاسْتِحْبَابِ. قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ آخِرُ التَّصْنِيفَيْنِ. وَرَدَّهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ مَا فِي الْأَصْلِ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ، وَكَوْنُ الْإِخْبَارِ آكَدَ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ فِي إخْبَارِ الشَّارِعِ لَا فِي غَيْرِهِ، فَكَانَ الْمَذْهَبُ الِاسْتِحْبَابَ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ أَمْرَ الْمُجْتَهِدِ نَاشِئٌ عَنْ أَمْرِ الشَّارِعِ فَكَذَا إخْبَارُهُ، نَعَمْ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ إنَّمَا يَكُونُ دَلِيلًا إذَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْأَمْرِ الْإِيجَابِيِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَأَقُولُ: لَمْ
(مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا فِي الْأُخْرَيَيْنِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ جَهْرٍ وَمُخَافَتَةٍ فِي رَكْعَةٍ شَنِيعٌ، وَلَوْ تَذَكَّرَهَا فِي رُكُوعِهِ قَرَأَهَا وَأَعَادَ الرُّكُوعَ (وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ) فِي الْأَوَّلِيَّيْنِ (لَا) يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِلُزُومِ تَكْرَارِهَا،
ــ
[رد المحتار]
لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الِاسْتِحْبَابَ وَتَكُونَ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ مَا فِي الْأَصْلِ كَمَا أُرِيدَ بِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ افْتَرَشَ رَجُلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ اخْتِيَارَ صَاحِبِ الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ النَّدْبَ لِأَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِ مُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ مَعَ الْفَاتِحَةِ) أَشَارَ بِهِ إلَى شَيْئَيْنِ:
الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّ مَعَ تَدْخُلُ عَلَى الْمَتْبُوعِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ: وَالثَّانِي أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ أَيْضًا، وَفِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا، وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِيهَا، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجَمْعَ إلَخْ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ جَهْرًا رَاجِعٌ إلَى الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ مَعًا، وَجَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَصَحَّحَ التُّمُرْتَاشِيُّ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّورَةِ فَقَطْ، وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ الصَّوَابَ، وَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ الشَّنِيعُ لِأَنَّ السُّورَةَ تَلْتَحِقُ بِمَوْضِعِهَا تَقْدِيرًا بَحْرٌ، وَمُفَادُهُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ مَكْرُوهٌ اتِّفَاقًا إذَا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي مَحَلِّهَا غَيْرَ مُلْتَحِقَةٍ بِمَا قَبْلَهَا. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْفُرُوعِ أَوَّلَ الْفَصْلِ فَتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ تَحْقِيقٌ مُهِمٌّ فِيمَا لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فَعَادَ تَقَعُ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا وَفِي مَعْنَى كَوْنِ الْقِرَاءَةِ فَرْضًا وَوَاجِبًا وَسَنَةً
(قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا) أَيْ السُّورَةَ (قَوْلُهُ قَرَأَهَا) أَيْ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْقِيَامِ (قَوْلُهُ وَأَعَادَ الرُّكُوعَ) لِأَنَّ مَا يَقَعُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ يَكُونُ فَرْضًا فَيُرْتَفَضُ الرُّكُوعُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ فَرْضٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فِي الْوَاجِبَاتِ، حَتَّى لَوْ لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، بَلْ لَوْ قَامَ لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَجَدَ وَلَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ، قِيلَ تَفْسُدُ، وَقِيلَ لَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَا يَعُودُ لِأَجْلِهِ لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي رُكُوعِهِ، وَلَوْ عَادَ لَا يُرْتَفَضُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَقَعُ فَرْضًا، أَمَّا الْقُنُوتُ إذَا أُعِيدَ يَقَعُ وَاجِبًا.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَإِنْ انْقَسَمَتْ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ إلَّا أَنَّهُ مَهْمَا أَطَالَ يَقَعُ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ عَلَى مَا هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] لِوُجُوبِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْآيَةَ، فَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا، لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ فَرْضٍ، فَمَهْمَا قَرَأَ يَكُونُ الْفَرْضُ، وَمَعْنَى الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ جَعْلَ الْفَرْضِ مِقْدَارَ كَذَا وَاجِبٌ، وَجَعْلَهُ دُونَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَجَعْلَهُ فَوْقَ ذَلِكَ إلَى حَدِّ كَذَا سُنَّةٌ، لَا أَنَّهُ يَقَعُ أَوَّلَ آيَةٍ يَقْرَؤُهَا فَرْضًا وَمَا بَعْدَهَا إلَى حَدِّ كَذَا وَاجِبًا وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حَدِّ كَذَا سُنَّةٌ. لِأَنَّا إنْ اعْتَبَرْنَا الْوَاجِبَ مَا بَعْدَ الْآيَةِ الْأَوْلَى مُنْضَمًّا إلَيْهَا انْقَلَبَ الْفَرْضُ وَاجِبًا، وَإِنْ اعْتَبَرْنَاهُ مُنْفَرِدًا كَانَ الْوَاجِبُ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ. وَقَالُوا: الْفَاتِحَةُ وَاجِبٌ، وَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا بَعْدَ الْوَاجِبِ إلَى حَدِّ السُّنَّةِ فَلْيُتَأَمَّلْ، كَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، وَنَحْوُهُ فِي الْفَتْحِ، وَهُوَ تَحْقِيقٌ دَقِيقٌ فَاغْتَنِمْهُ (قَوْلُهُ لِلُزُومِ تَكْرَارِهَا) أَيْ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَهَذَا لَوْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ، فَلَوْ مَرَّةً لَا تَكُونُ قَضَاءً كَمَا فِي النِّهَايَةِ لِأَنَّهَا فِي مَحَلِّهَا، لَكِنْ كَتَبَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُفْتِي أَبُو السُّعُودِ.
قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ، بَلْ ذَاكَ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، فَعَلَى هَذَا إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّةً لَمْ يَتَعَيَّنْ انْصِرَافُهَا إلَى تِلْكَ الرَّكْعَةِ؛
وَلَوْ تَذَكَّرَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ قَرَأَهَا وَأَعَادَ السُّورَةَ
(وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ) هِيَ لُغَةً: الْعَلَامَةُ. وَعُرْفًا: طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجِمَةٌ، أَقَلُّهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا، ك (لَمْ يَلِدْ) ، إلَّا إذَا كَانَ كَلِمَةً فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَإِنْ كَرَّرَهَا مِرَارًا إلَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ فَيَجُوزُ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَلَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ قَالَهُ الْحَلَبِيُّ.
ــ
[رد المحتار]
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ بِنَاءَ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: أَيْ الَّذِي هُوَ عَدَمُ إعَادَةِ الْفَاتِحَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ غَيْرُ حَسَنٍ اهـ أَيْ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ الشَّفْعَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِأَدَاءِ السُّورَةِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلْقَضَاءِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا) أَيْ الْفَاتِحَةَ (قَوْلُهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ فِي الرُّكُوعِ أَعَادَهَا وَأَعَادَ الرُّكُوعَ فَالْفَاتِحَةُ أَوْلَى لِأَنَّهَا آكَدُ رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُ وَأَعَادَ السُّورَةَ) لِأَنَّهَا شُرِعَتْ تَابِعَةً لِلْفَاتِحَةِ رَحْمَتِيٌّ
(قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) أَيْ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُشْبِهْ قَصْدَ خِطَابِ أَحَدٍ. وَجَزَمَ الْقُدُورِيُّ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى. وَفِي الْبَحْرِ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ.
قُلْت: وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْكَامِلِ وَإِلَّا لَزِمَ فَرْضِيَّةُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُجْزِئُ عِنْدَهُ نَحْوُ - ثُمَّ نَظَرَ - أَيْ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ قَصْدَ الْخِطَابِ وَالْإِخْبَارِ تَأَمَّلْ وَفِي رِوَايَةٍ ثَالِثَةٍ عَنْهُ وَهِيَ قَوْلُهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ (قَوْلُهُ وَعُرْفًا طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجِمَةٌ إلَخْ) أَيْ اُعْتُبِرَ لَهَا مَبْدَأٌ وَمَقْطَعٌ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ لِعَلَاءِ الدِّينِ الْبَهْلَوَانِيِّ. وَنَقَلَ فِي النَّهْرِ عَنْ شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ لِلْجَعْبَرِيِّ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهَا قُرْآنٌ مُرَكَّبٌ مِنْ جُمَلٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا ذُو مَبْدَإٍ وَمَقْطَعٍ مُنْدَرِجٍ فِي سُورَةٍ (قَوْلُهُ وَلَوْ تَقْدِيرًا إلَخْ) أَشَارَ إلَى الرَّدِّ عَلَى الْبَحْرِ، حَيْثُ اعْتَرَضَ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ - {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3]- آيَةٌ، وَلِذَا جَوَّزَ الْإِمَامُ بِهَا الصَّلَاةَ، وَهِيَ خَمْسَةُ أَحْرُفٍ. وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ - {لَمْ يَلِدْ} [الإخلاص: 3]- أَصْلُهُ لَمْ يَوْلِدْ فَهُوَ سِتَّةٌ تَقْدِيرًا، لَكِنْ الَّذِي رَأَيْته فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْحَوَاشِي الْمَذْكُورَةِ أَقَلُّهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ صُورَةً، فَالرَّدُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، نَعَمْ فِي النَّهْرِ: قُلْ إنَّ الْآيَةَ هِيَ وَمَا بَعْدَهَا وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: الْإِخْلَاصُ أَرْبَعٌ، وَقِيلَ خَمْسٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْحَوَاشِي بِنَاءً عَلَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَتْ كَلِمَةً) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الْمَتْنِ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنًى تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِآيَةٍ (قَوْلُهُ فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ) كَذَا فِي الْمُنْيَةِ، وَهُوَ شَامِلٌ لِمِثْلِ - {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]- وَمِثْلُ - ص - وَ - ق - وَن - لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ أَنَّ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصَاحِبِ الْبَدَائِعِ الْجَوَازُ فِي - {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن: 64]- عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ) صُورَتُهُ: عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِصَلَاتِهِ صَلَاةً صَحِيحَةً فَصَلَّى بِمُدْهَامَّتَانِ غَيْرَ مُكَرَّرَةٍ أَوْ مُكَرَّرَةً فَتَرَافَعَا إلَى حَاكِمٍ يَرَى صِحَّةَ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ، فَقَضَى بِعِتْقِهِ، فَيَكُونُ قَضَاءً بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ ضِمْنًا، فَتَصِحُّ اتِّفَاقًا لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ أَفَادَهُ ح (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ) تَعْلِيلٌ لِلْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّ نِصْفَ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ إذَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِهِمَا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُكْتَفِي بِالْآيَةِ أَوْلَى ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ أَنَّ كَوْنَ الْمَقْرُوءِ. فِي كُلِّ رَكْعَةٍ النِّصْفَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ أَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ يَبْلُغُ مَا يُعَدُّ بِقِرَاءَتِهِ قَارِئًا عُرْفًا. اهـ.
أَقُولُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَ الْآيَةِ مُفَرَّعًا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى الَّتِي تَقَدَّمَ أَنَّهَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا بُدَّ مِنْ آيَةٍ تَامَّةٍ تَأَمَّلْ. [تَنْبِيهٌ]
لَمْ أَرَ مَنْ قَدَّرَ أَدْنَى مَا يَكْفِي بِحَدٍّ مُقَدَّرٍ مِنْ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَحْرِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى
(وَحِفْظُهَا فَرْضُ عَيْنٍ) مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ
(وَحِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ) وَسُنَّةُ عَيْنٍ أَفْضَلُ مِنْ التَّنَفُّلِ وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْهُمَا (وَحِفْظُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) وَيُكْرَهُ نَقْصُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبِ
(وَيُسَنُّ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا) أَيْ حَالَةَ قَرَارٍ أَوْ فِرَارٍ، كَذَا أَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ:
ــ
[رد المحتار]
الْعُرْفِ لَا إلَى عَدَدِ حُرُوفِ أَقْصَرِ آيَةٍ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ قِرَاءَةَ قَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ لَا بُدَّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْآيَةِ الطَّوِيلَةِ مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ مِمَّا يُسَمَّى بِقِرَاءَتِهِ قَارِئًا عُرْفًا، وَلِذَا فَرَضُوا الْمَسْأَلَةَ بِآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَآيَةِ الْمُدَايَنَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمِعْرَاجِ وَغَيْرِهِمَا: لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ. أَوْ الْمُدَايَنَةِ الْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ وَالْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، قِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا تَكُونُ قِرَاءَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ. اهـ. لَكِنَّ التَّعْلِيلَ الْأَخِيرَ رُبَّمَا يُفِيدُ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فِي الْكَلِمَاتِ أَوْ الْحُرُوفِ، وَيُفِيدُ قَوْلَهُمْ: لَوْ قَرَأَ آيَةً تَعْدِلُ أَقْصَرَ سُورَةٍ جَازَ، وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا أَيْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: 22]{ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: 23]- وَقَدْرُهَا مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ عَشْرٌ، وَمِنْ حَيْثُ الْحُرُوفُ ثَلَاثُونَ، فَلَوْ قَرَأَ - {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} [البقرة: 255]- يَبْلُغُ مِقْدَارَ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ، فَعَلَى مَا قُلْنَاهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَفَى عَنْ الْوَاجِبِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ. مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ
(قَوْلُهُ وَحِفْظُهَا) أَيْ الْآيَةِ فَرْضُ عَيْنٍ: أَيْ فَرْضٌ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِعَيْنِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ حَيْثُ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، بِأَنَّ الثَّانِيَ مُتَحَتِّمٌ مَقْصُودُ حُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَنْظُورٌ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ حَيْثُ قَصَدَ حُصُولَهُ مِنْ عَيْنٍ مَخْصُوصَةٍ، كَالْمَفْرُوضِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ أُمَّتِهِ، أَوْ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ عَيْنٍ: أَيْ وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِمَا مِنْ إضَافَةِ الِاسْمِ إلَى صِفَتِهِ: كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَحَبَّةِ الْحَمْقَاءِ: أَيْ فَرْضٌ مُتَعَيِّنٌ: أَيْ ثَابِتٌ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ بِعَيْنِهِ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ: مَعْنَاهُ فَرْضٌ ذُو كِفَايَةٍ: أَيْ يُكْتَفَى بِحُصُولِهِ مِنْ أَيِّ فَاعِلٍ كَانَ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَحِفْظُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ إلَخْ) أَقُولُ: لَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ جَمِيعُ الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ يُسَمَّى فَرْضَ كِفَايَةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فَرْضَ عَيْنٍ وَبَعْضُهُ وَاجِبًا؛ كَمَا أَنَّ حِفْظَ الْفَاتِحَةِ يُسَمَّى وَاجِبًا وَإِنْ كَانَتْ الْآيَةُ مِنْهَا فَرْضًا أَيْ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ فَافْهَمْ. مَطْلَبٌ السُّنَّةُ تَكُونُ سُنَّةَ عَيْنٍ وَسُنَّةَ كِفَايَةٍ
(قَوْلُهُ وَسُنَّةَ عَيْنٍ) أَيْ يُسَنُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ بِعَيْنِهِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَكُونُ سُنَّةَ عَيْنٍ وَسُنَّةَ كِفَايَةٍ؛ وَمِثَالُهُ مَا قَالُوا فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ إنَّهَا سُنَّةُ عَيْنٍ وَصَلَاتُهَا بِجَمَاعَةٍ فِي كُلِّ مَحَلَّةٍ سُنَّةُ كِفَايَةٍ (قَوْلُهُ وَتَعَلُّمُ الْفِقْهِ أَفْضَلُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ حِفْظِ بَاقِي الْقُرْآنِ بَعْدَ قِيَامِ الْبَعْضِ بِهِ وَمِنْ التَّنَفُّلِ؛ وَمُرَادُهُ بِالْفِقْهِ مَا زَادَ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي دِينِهِ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضُ عَيْنٍ ح (قَوْلُهُ وَسُورَةٍ) أَيْ أَقْصَرِ سُورَةٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إلَخْ) أَيْ تَحْرِيمًا، كَمَا أَنَّهُ يُكْرَهُ نَقْصُ شَيْءٍ مِنْ السُّنَّةِ تَنْزِيهًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى ط
(قَوْلُهُ أَيْ حَالَةَ قَرَارٍ أَوْ فِرَارٍ) أَيْ حَالَةَ أَمَنَةٍ أَوْ عَجَلَةٍ، وَعَبَّرَ عَنْ الْعَجَلَةِ بِالْفِرَارِ بِالْفَاءِ لِأَنَّهَا فِي السَّفَرِ تَكُونُ غَالِبًا مِنْ الْخَوْفِ كَمَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ (قَوْلُهُ كَذَا أَطْلَقَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْجَامِعِ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِقَوْلِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهَا السَّفَرَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ فَيُفْهَمُ مِنْهَا الْإِطْلَاقُ كَسَائِرِ عِبَارَاتِ الْمُتُونِ وَإِلَّا لَمْ يَتَأَتَّ ادِّعَاءُ تَقْيِيدِهَا بِمَا سَيَأْتِي مِنْ التَّفْصِيلِ وَإِنَّمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِالْإِطْلَاقِ اخْتِيَارًا لِمَا رَجَّحَهُ شَيْخُهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَ
وَرَدَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ التَّفْصِيلِ، وَرَدَّهُ فِي النَّهْرِ، وَحَرَّرَ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الْمُحَرَّرُ (الْفَاتِحَةَ) وُجُوبًا (وَأَيَّ سُورَةٍ شَاءَ) وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ
(وَ) يُسَنُّ (فِي الْحَضَرِ)
ــ
[رد المحتار]
فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ، فَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ.
وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ وَالدِّرَايَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ إطْلَاقَ الْمُتُونِ تَبَعًا لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَعُمُّ حَالَةَ الْأَمْنِ أَيْضًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى أَمْنٍ صَارَ كَالْمُقِيمِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى السُّنَّةُ وَالسَّفَرُ وَإِنْ كَانَ مُؤَثِّرًا فِي التَّخْفِيفِ لَكِنَّ التَّحْدِيدَ بِقَدْرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ وَلَمْ يُنْقَلْ اِ هـ وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ الْحِلْيَةِ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ السُّنَّةَ لِلْمُقِيمِ فِي قِرَاءَةِ الْفَجْرِ أَنْ تَكُونَ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَنْ لَا يَنْقُصَ مِقْدَارَ الْآيَةِ الْمَقْرُوءَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ عَنْ أَرْبَعِينَ آيَةً فِي الرَّكْعَتَيْنِ، بَلْ تَكُونُ مِنْ أَرْبَعِينَ إلَى مِائَةٍ كَمَا سَيَأْتِي مَعَ مَا لَنَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ، وَالْمُسَافِرُ إذَا كَانَ فِي أَمَنَةٍ وَقَرَارٍ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ الْمُقِيمِ لَكِنْ لِلسَّفَرِ تَأْثِيرٌ فِي التَّخْفِيفِ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَلِذَا يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ فِي أَمَنَةٍ فَنَاسَبَ أَنْ يَقْرَأَ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَالِانْشِقَاقِ مِمَّا هُوَ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمِقْدَارَ الْخَاصَّ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ لِإِمْكَانِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ: أَيْ التَّخْفِيفِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ الْخَاصِّ بَعْدَ حُصُولِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ، فَلَيْسَ مُرَادُهُ التَّحْدِيدَ بِعَدَدِ آيَاتِ السُّورَتَيْنِ، بَلْ كَوْنُهُمَا مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ أَيْ وَسُنِّيَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ مُسَلَّمَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ. ثُمَّ إنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ قَدْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ شُرَّاحُهَا وَالزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقْيِيدِ إطْلَاقِ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْجَامِعِ اهـ.
أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ قَوْلُ الْهِدَايَةِ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَانْشَقَّتْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَاحِدَةً مِنْهُمَا لَا كُلًّا مِنْهُمَا، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلْ تَخْفِيفٌ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ لِأَنَّ الِانْشِقَاقَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً وَالْبُرُوجَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُنْيَةِ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبُرُوجِ أَوْ مِثْلَهَا فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْبُرُوجِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، لَكِنْ كَوْنُ سُورَةِ الْبُرُوجِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ، فَلِذَا حُمِلَ التَّخْفِيفُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَلَى جَعْلِ الْأَوْسَطِ فِي الْحَضَرِ طَوِيلًا فِي السَّفَرِ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ فِي شَرْحِهِ فَيَقْرَأُ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ رِعَايَةً لِلسُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، لَكِنْ هَذَا الْحَمْلُ لَا يُنَاسَبُ مَا فِي الْهِدَايَةِ لِأَنَّ الِانْشِقَاقَ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ التَّخْفِيفَ مِنْ جِهَةِ الِاكْتِفَاءِ بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُنْيَةِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْحَضَرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ تَامَّةٌ كَمَا يَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وُجُوبًا) أَشَارَ بِهِ إلَى دَفْعِ مَا أَوْرَدَهُ فِي النَّهْرِ، بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ لَكَانَ أَوْلَى، لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ سُنَّةٌ فَصَرَّحَ بِقَوْلِهِ وُجُوبًا لِدَفْعِ التَّوَهُّمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ سُنَّةَ الْقِرَاءَةِ فِي السَّفَرِ أَيُّ سُورَةٍ شَاءَ مَضْمُومَةٌ إلَى الْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةِ، فَالْمَقْصُودُ بَيَانُ التَّخْيِيرِ فِي السُّوَرِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا وَرَدَ أَنَّ السُّورَةَ وَاجِبَةٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَفِي الضَّرُورَةِ بِقَدْرِ الْحَالِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ وَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ الْفَاتِحَةَ وَغَيْرَهَا، لَكِنْ فِي الْكَافِي: فَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوٍّ أَوْ لِصٍّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ؛ وَفِي الْحَضَرِ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ يَقْرَأُ مَا لَا يُفَوِّتُهُ الْوَقْتُ اهـ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَخْتَصُّ التَّخْفِيفُ لِلضَّرُورَةِ بِالسُّورَةِ فَقَطْ بَلْ كَذَلِكَ الْفَاتِحَةُ، كَمَا إذَا اشْتَدَّ خَوْفُهُ مِنْ عَدُوٍّ فَقَرَأَ آيَةً مَثَلًا وَلَا يَكُونُ مُسِيئًا، كَذَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ.
لِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ، ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ، وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) مِنْ الْحُجُرَاتِ إلَى آخَرِ الْبُرُوجِ (فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ، وَ) مِنْهَا إلَى آخِرِ - لَمْ يَكُنْ - (أَوْسَاطُهُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، وَ) بَاقِيَةُ (قِصَارِهِ فِي الْمَغْرِبِ) أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ،
ــ
[رد المحتار]
أَقُولُ: وَقَوْلُ الْكَافِي بِقَدْرِ مَا لَا يَفُوتُهُ الْوَقْتُ يَشْمَلُ الْفَاتِحَةَ، فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِآيَةٍ إنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ بِالزِّيَادَةِ، وَهَلْ هُوَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ خَاصٌّ بِالْفَجْرِ؟ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ فِي الْقُنْيَةِ. وَقَالَ فِي آخِرِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَقِيلَ يُرَاعِي سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُرَاعِيَ قَدْرَ الْوَاجِبِ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِهِ مُفْسِدٌ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ خُرُوجِ الْوَقْتِ اهـ أَيْ فَإِنَّهُ فِي غَيْرِ الْفَجْرِ مُفْسِدٌ اتِّفَاقًا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لَهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَتَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَرْكَ الثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ أَوْ الظُّهْرِ لَوْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَرْكُ السُّنَّةِ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ فَتَرْكُ سُنَّةِ السُّنَّةِ أَوْلَى. اهـ.
(قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) وَنَقَلَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الْمُجَرَّدِ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَاَلَّذِي يُصَلِّي وَحْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْقِرَاءَةِ سِوَى الْجَهْرِ. قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ الْمَسْنُونَةَ يَسْتَوِي فِيهَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ (قَوْلُهُ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ جَمْعُ طَوِيلٍ كَكَرِيمٍ وَكِرَامٍ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الصِّحَاحِ. وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَالرَّجُلُ الطَّوِيلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَالِكٍ فِي مُثَلَّثِهِ وَالْمُفَصَّلُ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ السُّبْعُ السَّابِعُ مِنْ الْقُرْآنِ؛ سُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ فَصْلِهِ بِالْبَسْمَلَةِ أَوْ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ مِنْهُ، وَلِهَذَا يُسَمَّى بِالْمُحْكَمِ أَيْضًا.
وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ مِنْ الْحُجُرَاتِ. اهـ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: نَظَمَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ الْأَقْوَالَ فِيهِ بِقَوْلِهِ:
مُفَصَّلٌ قُرْآنٌ بِأَوَّلِهِ أَتَى
…
خِلَافٌ فَصَافَّاتٌ وَقَافٌ وَسَبِّحْ
وَجَاثِيَةٌ مُلْكٌ وَصَفٌّ قِتَالُهَا
…
وَفَتْحٌ ضُحًى حُجُرَاتُهَا ذَا الْمُصَحَّحُ
وَزَادَ السُّيُوطِيّ فِي الْإِتْقَانِ قَوْلَيْنِ فَأَوْصَلَهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا: الرَّحْمَنُ، وَالْإِنْسَانُ (قَوْلُهُ إلَى آخِرِ الْبُرُوجِ) عَزَاهُ فِي الْخَزَائِنِ إلَى شَرْحِ الْكَنْزِ لِلشَّيْخِ بَاكِيرٍ، وَقَالَ بَعْدَهُ: وَفِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى دُخُولُ الْغَايَةِ فِي الْمُغَيَّا هُنَا اهـ فَالْبُرُوجُ مِنْ الطِّوَالِ، وَهُوَ مُفَادُ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، لَكِنْ مُفَادُ مَا نَقَلْنَاهُ بَعْدَهَا عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ أَنَّهَا مِنْ الْأَوْسَاطِ، وَنَقَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْكَافِي بَلْ نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَافِي خُرُوجَ الْغَايَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ، وَعَلَيْهِ فَسُورَةُ - لَمْ يَكُنْ - مِنْ الْقِصَارِ، وَتَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ وَقَالَ: الْعِبَارَةُ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى ثَبْتٍ فِي ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيْ لِأَنَّ الْغَايَةَ تَحْتَمِلُ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي نِيَّةِ الْمُصَلِّي مِنْ أَنَّ الظُّهْرَ كَالْعَصْرِ، لَكِنْ الْأَكْثَرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَاقِيهِ) أَيْ بَاقِي الْمُفَصَّلِ (قَوْلُهُ أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سُورَةٌ مِمَّا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ الطِّوَالِ وَالْأَوْسَاطِ وَالْقِصَارِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْآيَاتِ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمُفَصَّلِ سُنَّةٌ وَالْمِقْدَارُ الْمُعَيَّنُ سُنَّةٌ أُخْرَى. ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَقَدْرَ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ وَاقْتَصَرَ فِي الْأَصْلِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَفِي الْمُجَرَّدِ: مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ، وَالْكُلُّ ثَابِتٌ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَيَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ يَقْرَأُ عِشْرِينَ وَفِي الْمَغْرِبِ آيَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. اهـ.
أَقُولُ: كَوْنُ الْمَقْرُوءِ مِنْ سُوَرِ الْمُفَصَّلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمُتُونِ كَالْقُدُورِيِّ
وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ، وَأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالْوَقْتِ وَالْقَوْمِ وَالْإِمَامِ.
وَفِي الْحُجَّةِ: يَقْرَأُ فِي الْفَرْضِ بِالتَّرَسُّلِ حَرْفًا حَرْفًا، وَفِي التَّرَاوِيحِ بَيْنَ بَيْنَ، وَفِي النَّفْلِ لَيْلًا لَهُ أَنْ يُسْرِعَ بَعْدَ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا يَفْهَمُ، وَيَجُوزُ بِالرِّوَايَاتِ السَّبْعِ، لَكِنْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْرَأَ بِالْغَرِيبَةِ عِنْدَ الْعَوَامّ صِيَانَةً لِدِينِهِمْ
(وَتُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ عَلَى ثَانِيَتِهَا)
ــ
[رد المحتار]
وَالْكَنْزِ وَالْمَجْمَعِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَحَصْرُ الْمَقْرُوءِ بِعَدَدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ مِمَّا عَلِمْته مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُتُونِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْحِلْيَةِ فَإِنَّهُ لَوْ قَرَأَ فِي الْفَجْرِ أَوْ الظُّهْرِ سُورَتَيْنِ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ يَزِيدَانِ عَلَى مِائَةِ آيَةٍ كَالرَّحْمَنِ وَالْوَاقِعَةِ، أَوْ قَرَأَ فِي الْعَصْرِ أَوْ الْعِشَاءِ سُورَتَيْنِ مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ تَزِيدَانِ عَلَى عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ آيَةً كَالْغَاشِيَةِ وَالْفَجْرِ يَكُونُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ عَلَى مَا فِي الْمُتُونِ لَا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَا تَحْصُلُ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ إلَّا إذَا كَانَتْ السُّورَتَانِ مُوَافِقًا لِلْعَدَدِ الْمَذْكُورِ، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ مِنْ أَنَّ الْمِقْدَارَ الْمُعَيَّنَ سُنَّةٌ أُخْرَى أَنْ تَكُونَ قِرَاءَةُ السُّورَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ خَارِجَةً عَنْ السُّنَّةِ إلَّا أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ مِنْهُمَا عَلَى ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةُ وَسُورَةٌ تَامَّةٌ، فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ مُتَخَالِفَتَانِ اخْتَارَ أَصْحَابُ الْمُتُونِ إحْدَاهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي مَتْنِ الْمُلْتَقَى ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْفَجْرِ حَضَرًا أَرْبَعُونَ آيَةً أَوْ سِتُّونَ، ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَحْسَنُوا طِوَالَ الْمُفَصَّلِ فِيهَا وَفِي الظُّهْرِ إلَخْ.
فَذَكَرَ أَنَّ الثَّانِيَ اسْتِحْسَانٌ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى لِتَأَيُّدِهِ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَهُوَ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَاخْتَارَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ التَّقْدِيرِ إلَخْ) وَعَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْبَدَائِعِ رَمْلِيٌّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لِكُلِّ أَحَدٍ وَفِي كُلِّ وَقْتٍ، كَمَا يُفِيدُهُ تَمَامُ الْعِبَارَةِ، بَلْ تَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى أَدْنَى مَا وَرَدَ كَأَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ فِي الْفَجْرِ، أَوْ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِهِ عِنْدَ ضِيقِ وَقْتٍ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ، «لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْفَجْرِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ لَمَّا سَمِعَ بُكَاءَ صَبِيٍّ خَشْيَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» وَتَارَةً يَقْرَأُ أَكْثَرَ مَا وَرَدَ إذَا لَمْ يَمَلَّ الْقَوْمُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلْغَاءَ الْوَارِدِ وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ: وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ مِقْدَارَ مَا يَخِفُّ عَلَى الْقَوْمِ وَلَا يَثْقُلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّمَامِ، وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ) أَيْ مِنْ حَيْثُ حُسْنُ صَوْتِهِ وَقُبْحُهُ (قَوْلُهُ وَفِي الْحُجَّةِ) اسْمُ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْفَتَاوَى (قَوْلُهُ بَيْنَ بَيْنَ) أَيْ بِأَنْ تَكُونَ بَيْنَ التَّرَسُّلِ وَالْإِسْرَاعِ (قَوْلُهُ لَيْلًا) لَعَلَّ وَجْهَ التَّقَيُّدُ بِهِ أَنَّ عَادَةَ الْمُتَهَجِّدِينَ كَثْرَةُ الْقِرَاءَةِ فِي تَهَجُّدِهِمْ فَلَهُمْ الْإِسْرَاعُ لِيُحَصِّلُوا وِرْدَهُمْ مِنْ الْقِرَاءَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ كَمَا يُفْهَمُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَمُدَّ أَقَلَّ مَدٍّ قَالَ بِهِ الْقُرَّاءُ وَإِلَّا حَرُمَ لِتَرْكِ التَّرْتِيلِ الْمَأْمُورِ بِهِ شَرْعًا ط (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بِالرِّوَايَاتِ السَّبْعِ) بَلْ يَجُوزُ بِالْعَشْرِ أَيْضًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأُصُولِ ط (قَوْلُهُ بِالْغَرِيبَةِ) أَيْ بِالرِّوَايَاتِ الْغَرِيبَةِ وَالْإِمَالَاتِ لِأَنَّ بَعْضَ السُّفَهَاءِ يَقُولُونَ مَا لَا يَعْلَمُونَ فَيَقَعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالشَّقَاءِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَحْمِلُوا الْعَوَامَّ عَلَى مَا فِيهِ نُقْصَانُ دِينِهِمْ، وَلَا يَقْرَأْ عِنْدَهُ قِرَاءَةَ أَبِي جَعْفَرٍ وَابْنِ عَامِرٍ وَعَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ صِيَانَةً لِدِينِهِمْ فَلَعَلَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ أَوْ يَضْحَكُونَ وَإِنْ كَانَ كُلُّ الْقِرَاءَاتِ وَالرِّوَايَاتِ صَحِيحَةً فَصَيْحَةً، وَمَشَايِخُنَا اخْتَارُوا قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو وَحَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ اهـ مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ فَتَاوَى الْحُجَّةِ
(قَوْلُهُ وَتُطَالُ إلَخْ) أَيْ يُطِيلُهَا الْإِمَامُ وَهِيَ مَسْنُونَةٌ
بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَقِيلَ النِّصْفِ نَدْبًا؛ فَلَوْ فَحُشَ لَا بَأْسَ بِهِ (فَقَطْ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَلِي الْكُلُّ حَتَّى التَّرَاوِيحُ؛ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَإِطَالَةُ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى يُكْرَهُ) تَنْزِيهًا (إجْمَاعًا إنْ بِثَلَاثِ آيَاتٍ) إنْ تَقَارَبَتْ طُولًا وَقِصَرًا، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ الْحُرُوفُ وَالْكَلِمَاتُ.
ــ
[رد المحتار]
إجْمَاعًا إعَانَةً عَلَى إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِمَامِ وَمِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُسَوِّي بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْجَمِيعِ اتِّفَاقًا شَرْحُ الْمُنْيَةِ.
أَقُولُ: وَبِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِطَالَةَ الْمَذْكُورَةَ مَسْنُونَةٌ إجْمَاعًا، وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عُلِمَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى لِلْبَهْنَسِيِّ مِنْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ إجْمَاعًا غَرِيبٌ أَوْ سَبْقُ قَلَمٍ. وَقَالَ تِلْمِيذُهُ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى: لَمْ أَجِدْهُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ) بِأَنْ تَكُونَ زِيَادَةُ مَا فِي الْأُولَى عَلَى مَا فِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ ثُلُثِ مَجْمُوعِ مَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ الثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ وَالدُّرَرِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ النِّصْفُ) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَحْبُوبِيِّ؛ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ، لَكِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ لَا تُفِيدُهُ لِأَنَّ عِبَارَتَهَا هَكَذَا وَحَدُّ الْإِطَالَةِ فِي الْفَجْرِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ عِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ وَفِي الْأُولَى مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى سِتِّينَ. اهـ.
وَأَرْجَعَ الْمُحَشِّي الْقَوْلَ بِالنِّصْفِ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ نِصْفُ الْمَقْرُوءِ فِي الْأُولَى وَهُوَ ثُلُثُ الْمَجْمُوعِ، فَلَا وَجْهَ لِعَدِّهِ مُقَابِلًا لَهُ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ مُرَادَ الْخُلَاصَةِ التَّخْيِيرُ بَيْنَ جَعْلِ الزِّيَادَةِ بِقَدْرِ نِصْفِ مَا فِي الْأُولَى أَوْ نِصْفِ مَا فِي الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ إذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى ثَلَاثِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ عِشْرِينَ فَالزِّيَادَةُ بِقَدْرِ نِصْفِ مَا فِي الثَّانِيَةِ. وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى سِتِّينَ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثِينَ فَالزِّيَادَةُ بِقَدْرِ نِصْفِ مَا فِي الْأُولَى، وَبِهَذَا يُغَايِرُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ نَدْبًا) رَاجِعٌ لِلْقَوْلَيْنِ يَعْنِي أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ فِي كُلٍّ بَيَانٌ لِلْأَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يُرَاعِهِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ ح (قَوْلُهُ فَلَوْ فَحُشَ) بِأَنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى بِأَرْبَعِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ لَا بَأْسَ بِهِ، وَبِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ فَقَطْ) لِمَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْفَجْرُ مُجَرَّدَ مِثَالٍ لَا لِلتَّقْيِيدِ أَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ حَتَّى التَّرَاوِيحُ) عَزَاهُ فِي الْخَزَائِنِ إلَى الْخَانِيَّةِ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ، لَكِنْ فِي نَظْمِ الزندويستي الِاتِّفَاقُ عَلَى تَسْوِيَةِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا، وَأَيَّدَهُ فِي الْحِلْيَةِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِعَدَمِ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى؛ الثَّانِيَةِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ قِيلَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَائِلُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ: وَهُوَ الْمَأْخُوذُ لِلْفَتْوَى.
وَفِي الْخُلَاصَةِ إنَّهُ أَحَبُّ، وَجَنَحَ إلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى: أَيْ مِنْ الظُّهْرِ مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ، وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ» وَنَازَعَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الثَّنَاءُ وَالتَّعَوُّذُ، وَبِمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ، ضَرُورَةَ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَيْثُ قَالَ: فَحُزِرَ قِيَامُهُ فِي الظُّهْرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً فَإِنَّهُ أَفَادَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ اهـ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ أَنْ حَقَّقَ دَلِيلَهُمَا: فَيَظْهَرُ عَلَى هَذَا أَنَّ قَوْلَهُمَا أَحَبُّ لَا قَوْلُهُ، وَأَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُ الْفَتْوَى عَامَّةَ قَوْلِهِمَا لَا قَوْلِهِ، وَأَقَرَّهُ فِي الْبَحْرِ والشرنبلالية، وَاعْتَمَدَ قَوْلَهُمَا فِي الْكَنْزِ وَالْمُلْتَقَى وَالْمُخْتَارِ وَالْهِدَايَةِ فَلِذَا اعْتَمَدَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ إنْ تَقَارَبَتْ إلَخْ) ذَكَرَ هَذَا فِي الْكَافِي فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَاعْتَبَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا كَمَا يَأْتِي فِي عِبَارَتِهِ.
وَاعْتَبَرَ الْحَلَبِيُّ فُحْشَ الطُّولِ لَا عَدَدَ الْآيَاتِ، وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَاسْتَظْهَرَ فِي النَّفْلِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا (وَإِنْ بِأَقَلَّ لَا) يُكْرَهُ، «لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام
ــ
[رد المحتار]
وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُنِّيَّةَ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ وَكَرَاهِيَةَ الْعَكْسِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ عَدَدُ الْآيَاتِ إنْ تَقَارَبَتْ الْآيَاتُ طُولًا وَقِصَرًا فَإِنْ تَفَاوَتَتْ تُعْتَبَرُ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ، فَإِذَا قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عِشْرِينَ آيَةً طَوِيلَةً وَفِي الثَّانِيَةِ مِنْهَا عِشْرِينَ أَيَّةً قَصِيرَةً تَبْلُغُ كَلِمَاتُهَا قَدْرَ نِصْفِ كَلِمَاتِ الْأُولَى فَقَدْ حَصَّلَ السُّنَّةَ، وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحُرُوفَ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مُقَابَلَةُ كُلِّ كَلِمَةٍ بِمِثْلِهَا فِي عَدَدِ الْحُرُوفِ، فَالْمُعْتَبَرُ عَدَدُ الْحُرُوفِ لَا الْكَلِمَاتُ فَلَوْ اقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الْحُرُوفِ أَوْ عَطَفَهَا عَلَى الْكَلِمَاتِ كَمَا فَعَلَ فِي الْكَافِي لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَاعْتَبَرَ الْحَلَبِيُّ فُحْشَ الطُّولِ إلَخْ) كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى وَالْعَصْرِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْهُمَزَةَ فَرَمَزَ فِي الْقُنْيَةِ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ثُمَّ رَمَزَ ثَانِيًا أَنَّهُ يُكْرَهُ وَقَالَ لِأَنَّ الْأُولَى ثَلَاثُ آيَاتٍ وَالثَّانِيَةَ تِسْعٌ، وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ الْكَثِيرَةُ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَرَأَ فِي الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ بِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] » فَزَادَ عَلَى الْأُولَى بِسَبْعٍ لَكِنْ السَّبْعُ فِي السُّوَرِ الطِّوَالِ يَسِيرٌ دُونَ الْقِصَارِ لِأَنَّ السِّتَّ هُنَا ضِعْفُ الْأَصْلِ وَالسَّبْعُ ثَمَّةَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِهِ اهـ أَيْ أَنَّ السِّتَّ الزَّائِدَةَ فِي الْهُمَزَةِ ضِعْفُ سُورَةِ الْعَصْرِ بِخِلَافِ السَّبْعِ الزَّائِدَةِ فِي الْغَاشِيَةِ فَإِنَّهَا أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ سُورَةِ الْأَعْلَى فَكَانَتْ يَسِيرَةً. قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ ثَلَاثَ آيَاتٍ إنَّمَا تُكْرَهُ فِي السُّوَرِ الْقِصَارِ لِظُهُورِ الطُّولِ فِيهَا بِذَلِكَ ظُهُورًا بَيِّنًا وَهُوَ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِمَا دُونَ النِّصْفِ لَا تُكْرَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ الزِّيَادَةَ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً ظُهُورًا تَامًّا تُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا لِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي التَّحَرُّزِ عَنْ الْخَفِيَّةِ وَلِوُرُودِ مِثْلِ هَذَا فِي الْحَدِيثِ. وَلَا تَغْفُلْ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالْآيَاتِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ تَقَارُبِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ تَفَاوُتِهَا فَالْمُعْتَبَرُ التَّقْدِيرُ بِالْكَلِمَاتِ أَوْ الْحُرُوفِ عَمَّا إلَّا فَأَلَمْ نَشْرَحْ ثَمَانِي آيَاتٍ - و - لَمْ يَكُنْ - ثَمَانِي آيَاتٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْأُولَى فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا قُلْنَا مِنْ ظُهُورِ الزِّيَادَةِ وَالطُّولِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَيْثُ الْآيُ لَكِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمُ وَالْحُرُوفُ وَقِسْ عَلَى هَذَا اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ.
وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْقُنْيَةِ أَنَّ إطْلَاقَ كَرَاهَةِ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ بِثَلَاثِ آيَاتٍ مُقَيَّدٌ بِالسُّوَرِ الْقَصِيرَةِ الْمُتَقَارِبَةِ الْآيَاتِ لِظُهُورِ الْإِطَالَةِ حِينَئِذٍ فِيهَا أَمَّا السُّوَرُ الطَّوِيلَةُ أَوْ الْقَصِيرَةُ الْمُتَفَاوِتَةُ فَلَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ فِيهِمَا بَلْ يُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْإِطَالَةِ مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ وَإِنْ اتَّحَدَتْ آيَاتُ السُّورَتَيْنِ عَدَدًا هَذَا مَا فَهِمْته، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى فِي الْبَحْرِ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ) أَيْ كَقِرَاءَتِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى بِالْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْغَاشِيَةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَعَ أَنَّ الْأُولَى تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً وَالثَّانِيَةَ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ. وَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ طَوِيلَتَانِ، وَلَا تَفَاوُتَ ظَاهِرٌ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ، بَلْ هُمَا مُتَقَارِبَتَانِ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) أَيْ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوَّلًا بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ عِبَارَةَ الْبَحْرِ هَكَذَا: وَقَيَّدَ بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ يُسَوَّى فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ رَكَعَاتُهَا فِي الْقِرَاءَةِ إلَّا فِيمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ أَوْ الْأَثَرُ، كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي. وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِكَرَاهَةِ تَطْوِيلِ رَكْعَةٍ مِنْ التَّطَوُّعِ وَنَقْصِ أُخْرَى، وَأَطْلَقَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ عَدَمَ كَرَاهَةِ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ لِأَنَّ أَمْرَهَا سَهْلٌ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْيُسْرِ.
وَمَشَى عَلَيْهِ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ اهـ. فَقَوْلُ الْبَحْرِ: وَأَطْلَقَ فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ إلَخْ وَاسْتِظْهَارٌ لَهُ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ خِلَافَ مَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ نَعَمْ كَلَامُهُ فِي إطَالَةِ الْأَوْلَى عَلَى الثَّانِيَةِ دُونَ الْعَكْسِ، فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ ذِكْرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَتُطَالُ أَوْلَى الْفَجْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَصَحُّ كَرَاهَةُ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ
صَلَّى بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ»
(وَلَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةٍ عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ) بَلْ تَعَيُّنُ الْفَاتِحَةُ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ (وَيُكْرَهُ التَّعْيِينُ) كَالسَّجْدَةِ وَ - {هَلْ أَتَى} [الإنسان: 1]- لِفَجْرِ كُلِّ جُمُعَةٍ، بَلْ يُنْدَبُ قِرَاءَتُهُمَا أَحْيَانًا (وَالْمُؤْتَمُّ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا) وَلَا الْفَاتِحَةَ فِي السَّرِيَّةِ اتِّفَاقًا، وَمَا نُسِبَ لِمُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ (فَإِنْ قَرَأَ كُرِهَ تَحْرِيمًا) وَتَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ. وَفِي دُرَرِ الْبِحَارِ عَنْ مَبْسُوطِ خُوَاهَرْ زَادَهْ
ــ
[رد المحتار]
عَلَى الْأُولَى فِي النَّفْلِ أَيْضًا إلْحَاقًا لَهُ بِالْفَرْضِ فِيمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ تَخْصِيصٌ مِنْ التَّوَسُّعَةِ كَجَوَازِهِ قَاعِدًا بِلَا عُذْرٍ وَنَحْوِهِ. وَأَمَّا إطَالَةُ الثَّالِثَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ وَالْأُولَى فَلَا تُكْرَهُ، لِمَا أَنَّهُ شَفْعٌ آخَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ صَلَّى بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ) يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالسُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى بِآيَةٍ. وَفِي الِاحْتِرَازِ عَنْ هَذَا التَّفَاوُتِ حَرَجٌ، وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا فَتُجْعَلُ زِيَادَةُ مَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ أَوْ نُقْصَانُهُ كَالْعَدَمِ فَلَا يُكْرَهُ ح عَنْ الْحِلْيَةِ
(قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقِ الْفَرْضِيَّةِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ بِدُونِهِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَاتِحَةِ (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّعَيُّنُ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُفَرَّعَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ الشَّارِعَ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ عَلَيْهِ شَيْئًا تَيْسِيرًا عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ: لِمَا فِيهِ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي وَإِيهَامِ التَّفْضِيلِ (قَوْلُهُ بَلْ يُنْدَبُ قِرَاءَتُهُمَا أَحْيَانًا) قَالَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى: وَهَذَا إذَا صَلَّى الْوِتْرَ بِجَمَاعَةٍ، وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ يَقْرَأُ كَيْفَ شَاءَ اهـ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ ذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ، فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا، وَلِذَا قَالُوا: السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي رَكْعَتِي الْفَجْرِ بِالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ. وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ، إذْ الْإِيهَامُ الْمَذْكُورُ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ اخْتِصَاصُ الْكَرَاهَةِ بِالْإِمَامِ.
وَنَازَعَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إيهَامُ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ، أَمَّا عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ الْمَشَايِخُ مِنْ هَجْرِ الْبَاقِي فَلَا فَرْقَ فِي كَرَاهَةِ الْمُدَاوَمَةِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَالسُّنَّةِ وَالْفَرْضِ، فَتُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ مُطْلَقًا، لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ كَرَاهَةِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى قِرَاءَةِ السُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي الْوِتْرِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ فِي رَمَضَانَ إمَامًا أَوْ لَا. اهـ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّهُ قَدْ عَلَّلَ بِهِمَا الْمَشَايِخُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لَا عِلَّتَانِ، فَيُتَّجَهُ مَا فِي الْفَتْحِ.
أَقُولُ: عَلَى أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّعْمِيمِ الْمَذْكُورِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ إيهَامَ هَجْرِ الْبَاقِي يَزُولُ بِقِرَاءَتِهِ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى. وَأَيْضًا ذَكَرَ فِي وِتْرِ الْبَحْرِ عَنْ النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً مُتَعَيِّنَةً عَلَى الدَّوَامِ لِئَلَّا يَظُنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ وَاجِبٌ اهـ فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي الْفَتْحِ أَيْضًا.
هَذَا، وَقَيَّدَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي الْكَرَاهَةَ بِمَا إذَا رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ؛ أَمَّا لَوْ قَرَأَهُ لِلتَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَا كَرَاهَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهَا لَا يَجُوزُ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ لَا تَحْرِيرَ فِيهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ. اهـ.
وَأَقُولُ: حَاصِلُ مَعْنَى كَلَامِ هَذَيْنِ الشَّيْخَيْنِ بَيَانُ وَجْهِ الْكَرَاهَةِ فِي الْمُدَاوَمَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ رَأَى ذَلِكَ حَتْمًا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَإِلَّا يُكْرَهُ مِنْ حَيْثُ إيهَامُ الْجَاهِلِ، وَبِهَذَا الْحَمْلِ يَتَأَيَّدُ أَيْضًا كَلَامُ الْفَتْحِ السَّابِقِ: وَيَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُهُ اللَّاحِقُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَلَا الْفَاتِحَةَ) بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ لَا غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَلَا الْفَاتِحَةَ، وَقَوْلُهُ فِي السَّرِيَّةِ يُعْلَمُ مِنْهُ نَفْيُ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِالْأَوْلَى، وَالْمُرَادُ التَّعْرِيضُ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَرِدُ مَا نُسِبَ لِمُحَمَّدٍ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) أَيْ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. (قَوْلُهُ وَمَا نُسِبَ لِمُحَمَّدٍ) أَيْ مِنْ اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي السَّرِيَّةِ احْتِيَاطًا (قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الْكَمَالُ) حَاصِلُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِي كِتَابِهِ الْآثَارِ: لَا نَرَى الْقِرَاءَةَ خَلَفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ يَجْهَرُ فِيهِ أَوْ يُسِرُّ، وَدَعْوَى الِاحْتِيَاطِ مَمْنُوعَةٌ، بَلْ الِاحْتِيَاطُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ. وَقَدْ رُوِيَ
أَنَّهَا تَفْسُدُ وَيَكُونُ فَاسِقًا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَالْمَنْعُ أَحْوَطُ (بَلْ يَسْتَمِعُ) إذَا جَهَرَ (وَيُنْصِتُ) إذَا أَسَرَّ «لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه كُنَّا نَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فَنَزَلَ - {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]-» (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ تَرْغِيبٍ أَوْ تَرْهِيبٍ) وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَشْتَغِلُ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَمَا وَرَدَ حُمِلَ عَلَى النَّفْلِ مُنْفَرِدًا كَمَا مَرَّ (كَذَا الْخُطْبَةُ) فَلَا يَأْتِي بِمَا يُفَوِّتُ الِاسْتِمَاعَ وَلَوْ كِتَابَةً أَوْ رَدَّ سَلَامٍ (وَإِنْ صَلَّى الْخَطِيبُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا إذَا قَرَأَ - {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56]- فَيُصَلِّي الْمُسْتَمِعُ سِرًّا) بِنَفْسِهِ وَيُنْصِتُ بِلِسَانِهِ عَمَلًا بِأَمْرَيْ - {صَلُّوا} [الأحزاب: 56]- {وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204]- (وَالْبَعِيدُ) عَنْ الْخَطِيبِ (وَالْقَرِيبُ سِيَّانِ) فِي افْتِرَاضِ الْإِنْصَاتِ.
ــ
[رد المحتار]
الْفَسَادُ بِالْقِرَاءَةِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَأَقْوَاهُمَا الْمَنْعُ (قَوْلُهُ أَنَّهَا تَفْسُدُ) هَذَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْفَسَادُ الْمَفْهُومُ مِنْ تَفْسُدُ (قَوْلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ) قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَفِي الْكَافِي: وَمَنْعُ الْمُؤْتَمِّ مِنْ الْقِرَاءَةِ مَأْثُورٌ عَنْ ثَمَانِينَ نَفَرًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ الْمُرْتَضَى وَالْعَبَادِلَةُ وَقَدْ دَوَّنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَسَامِيَهُمْ (قَوْلُهُ وَيُنْصِتُ إذَا أَسَرَّ) وَكَذَا إذَا جَهَرَ بِالْأَوْلَى. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَحَاصِلُ الْآيَةِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا أَمْرَانِ الِاسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ، فَيَعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالْأَوَّلُ يَخُصُّ الْجَهْرِيَّةَ، وَالثَّانِي لَا فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا اهـ (قَوْلُهُ آيَةُ تَرْغِيبٍ) أَيْ فِي ثَوَابِهِ تَعَالَى أَوْ تَرْهِيبٍ: أَيْ تَخْوِيفٍ مِنْ عِقَابِهِ تَعَالَى، فَلَا يَسْأَلُ الْأَوَّلَ وَلَا يَسْتَعِيذُ مِنْ الثَّانِي. قَالَ فِي الْفَتْحِ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَهُ بِالرَّحْمَةِ إذَا اسْتَمَعَ، وَوَعْدُهُ حَتْمٌ، وَإِجَابَةُ دُعَاءِ الْمُتَشَاغِلِ عَنْهُ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهَا (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ) أَيْ عَنْ «حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ إلَى أَنْ قَالَ: وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَسَأَلَ، وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَتَعَوَّذَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ حُمِلَ عَلَى النَّفْلِ مُنْفَرِدًا) أَفَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي فِي الْفَرْضِ أَوْ النَّفْلِ سَوَاءٌ،
قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: أَمَّا الْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ فَلَمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا، وَكَذَا الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، فَكَانَ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ وَلِأَنَّهُ تَثْقِيلٌ عَلَى الْقَوْمِ فَيُكْرَهُ. وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَإِنْ كَانَ فِي التَّرَاوِيحِ فَكَذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا مِنْ نَوَافِلِ اللَّيْلِ الَّتِي اقْتَدَى بِهِ فِيهَا وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَلَا يَتِمُّ تَرْجِيحُ التَّرْكِ عَلَى الْفِعْلِ، لِمَا رَوَيْنَا: أَيْ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ السَّابِقِ، اللَّهُمَّ إلَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ تَثْقِيلٌ عَلَى الْمُقْتَدِي، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلِأَنَّ وَظِيفَتَهُ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ فَلَا يَشْتَغِلُ بِمَا يُخِلُّهُ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ فِي الْمُقْتَدِي فِي الْفَرَائِضِ وَالتَّرَاوِيحِ؛ أَمَّا الْمُقْتَدِي فِي النَّافِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا كَانَ إمَامُهُ يَفْعَلُهُ فَلَا لِعَدَمِ الْإِخْلَالِ بِمَا ذُكِرَ، فَلْيُحْمَلْ عَلَى مَا عَدَا هَذِهِ الْحَالَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي فَصْلِ تَرْتِيبِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِنْ حَمْلِ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَدْعِيَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي السَّجْدَتَيْنِ وَالْجَلْسَةِ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُتَنَفِّلُ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ فَلَمْ تَمُرَّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا يَأْتِي بِمَا يُفَوِّتُ الِاسْتِمَاعَ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّ كُلَّ مَا حَرُمَ فِي الصَّلَاةِ حَرُمَ فِي الْخُطْبَةِ؛ فَيَحْرُمُ أَكْلٌ وَشُرْبٌ وَكَلَامٌ وَلَوْ تَسْبِيحًا أَوْ رَدَّ سَلَامٍ أَوْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ إلَّا مِنْ الْخَطِيبِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْهَا بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ فِي الْأَصَحِّ وَلَا يَرِدُ تَحْذِيرُ مَنْ خِيفَ هَلَاكُهُ لِأَنَّهُ يَجِبُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّهِ تَعَالَى، وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ، بِأَنْ يُشِيرَ بِرَأْسِهِ أَوْ يَدِهِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مُنْكَرٍ، وَكَذَا الِاسْتِمَاعُ لِسَائِرِ الْخُطَبِ كَخِطْبَةِ نِكَاحٍ وَخَتْمٍ وَعِيدٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَيُنْصِتُ بِلِسَانِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَفِي جُمُعَةِ الْفَتْحِ أَنَّهُ (الصَّوَابُ)(قَوْلُهُ فِي افْتِرَاضِ الْإِنْصَاتِ) عَبَّرَ بِالِافْتِرَاضِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ. وَعَبَّرَ فِي النَّهْرِ بِالْوُجُوبِ قَالَ ط وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ تَرْكَهُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا.