المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قُلْت: وَظَاهِرُ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ بِمُجَرَّدِ تَعْظِيمِهِ وَحِفْظِهِ عُلِّقَ أَوْ لَا - حاشية ابن عابدين = رد المحتار ط الحلبي - جـ ١

[ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة]

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌أَرْكَانُ الْوُضُوءِ

- ‌[سُنَنُ الْوُضُوء]

- ‌فَرْضُ الْغُسْلِ)

- ‌[فُرُوعٌ فِي الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْلِ]

- ‌بَابُ الْمِيَاهِ

- ‌[الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[فَرْعٌ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ فِي بِئْرٍ لِدَلْوٍ وَلَا نَجَسَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْوِ وَلَمْ يَتَدَلَّكْ]

- ‌[فَرْعٌ] مَا يَخْرُجُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ كَسِنْجَابٍ إنْ عَلِمَ دَبْغَهُ بِطَاهِرٍ

- ‌[فُرُوعٌ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ]

- ‌فَصْلٌ فِي الْبِئْرِ

- ‌[فَرْعٌ] وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا أَوْ بَوْلًا أَوْ دَمًا

- ‌[فَرْعٌ الْبُعْدُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ نَجَاسَةِ الْبَالُوعَةِ إلَى الْبِئْرِ]

- ‌بَابُ التَّيَمُّمِ

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم وَشُرُوطه]

- ‌[سُنَنُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[فُرُوعٌ] صَلَّى الْمَحْبُوسُ بِالتَّيَمُّمِ

- ‌بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[شُرُوط الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَطْلَبٌ نَوَاقِضُ الْمَسْحِ]

- ‌بَابُ الْحَيْضِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي أَحْكَامِ الْمَعْذُورِ]

- ‌بَابُ الْأَنْجَاسِ

- ‌فَصْلُ الِاسْتِنْجَاءِ

- ‌[فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاء]

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌بَابُ الْأَذَانِ

- ‌[فَائِدَةٌ] التَّسْلِيمُ بَعْدَ الْأَذَانِ

- ‌بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ

- ‌[مَطْلَبٌ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ]

- ‌[فُرُوعٌ فِي النِّيَّةِ]

- ‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

- ‌[فَرَائِض الصَّلَاة]

- ‌[مَطْلَبٌ قَدْ يُطْلَقُ الْفَرْضُ عَلَى مَا يُقَابِلُ الرُّكْنَ وَعَلَى مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ]

- ‌[وَاجِبَات الصَّلَاة]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاةِ]

- ‌[فَرْعٌ] لَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَائِضَ وَسُنَنٍ

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَان تَأْلِيف الصَّلَاة إلَى انتهائها]

- ‌[فُرُوعٌ] كَبَّرَ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَكْبِيرِ إمَامِهِ

- ‌[فُرُوعٌ] قَرَأَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَة]

- ‌فُرُوعٌ] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ لِلْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا

- ‌بَابُ الْإِمَامَةِ

- ‌[فُرُوعٌ اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَمَنْ يَرَى الْوِتْرَ وَاجِبًا بِمَنْ يَرَاهُ سُنَّةً]

- ‌بَابُ الِاسْتِخْلَافِ

- ‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا

- ‌[فُرُوعٌ سَمِعَ المصلي اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ جل جلاله أَوْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ]

- ‌[فُرُوعٌ مَشَى المصلي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاته]

- ‌[فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِتَكْلِيمِ الْمُصَلِّي وَإِجَابَتِهِ بِرَأْسِهِ

- ‌فَرْعٌ]لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْمِسْبَحَةِ لِغَيْرِ رِيَاءٍ

- ‌[فُرُوعٌ اشْتِمَالُ الصَّلَاة عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاعْتِجَارُ وَالتَّلَثُّمُ وَالتَّنَخُّمُ وَكُلُّ عَمَلٍ قَلِيلٍ بِلَا عُذْرٍ]

- ‌[فُرُوعٌ]أَفْضَلُ الْمَسَاجِدِ

الفصل: قُلْت: وَظَاهِرُ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ بِمُجَرَّدِ تَعْظِيمِهِ وَحِفْظِهِ عُلِّقَ أَوْ لَا

قُلْت: وَظَاهِرُ انْتِفَاءِ الْكَرَاهَةِ بِمُجَرَّدِ تَعْظِيمِهِ وَحِفْظِهِ عُلِّقَ أَوْ لَا زُيِّنَ بِهِ أَوْ لَا، وَهَلْ مَا يُكْتَبُ عَلَى الْمَرَاوِحِ وَجُدُرِ الْجَوَامِعِ كَذَا يُحَرَّرُ.

‌بَابُ الْمِيَاهِ

جَمْعُ مَاءٍ بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ، أَصْلُهُ مَوَهَ قُلِبَتْ الْوَاوُ أَلِفًا وَالْهَاءُ هَمْزَةً، وَهُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ سَيَّالٌ بِهِ حَيَاةُ كُلِّ نَامٍّ

(يَرْفَعُ الْحَدَثَ) مُطْلَقًا (بِمَاءٍ مُطْلَقٍ) هُوَ مَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ (كَمَاءِ سَمَاءٍ وَأَوْدِيَةٍ وَعُيُونٍ وَآبَارٍ وَبِحَارٍ وَثَلْجٍ مُذَابٍ) بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ وَبَرَدٍ وَجَمْدٍ وَنَدًا، هَذَا تَقْسِيمٌ بِاعْتِبَارِ مَا يُشَاهَدُ وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِنْ السَّمَاءِ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الحج: 63] الْآيَةَ، وَالنَّكِرَةُ

ــ

[رد المحتار]

الْمُفْرَدَةُ. وَرَأَى بَعْضُ الْأَئِمَّةِ شُبَّانًا يَرْمُونَ إلَى هَدَفٍ كُتِبَ فِيهِ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ وَقَدْ قَطَّعُوا الْحُرُوفَ فَنَهَاهُمْ أَيْضًا وَقَالَ: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَجْلِ الْحُرُوفِ فَإِذًا يُكْرَهُ مُجَرَّدُ الْحُرُوفِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَحْسَنُ وَأَوْسَعُ. اهـ. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ: وَلِعُلُوجِهِ ذَلِكَ أَنَّ حُرُوفَ الْهِجَاءِ قُرْآنٌ نَزَلْت عَلَى هُودٍ عليه السلام كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي كِتَابِهِ [الْإِشَارَاتُ فِي عِلْمِ الْقِرَاءَاتِ] اهـ.

(قَوْلُهُ: قُلْت وَظَاهِرُهُ إلَخْ) كَذَا يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا تَعْلِيقُهُ لِلزِّينَةِ.

(قَوْلُهُ: يُحَرَّرُ) أَقُولُ: فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَتُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ وَمَا يُفْرَشُ. اهـ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الْمِيَاهِ]

شُرُوعٌ فِي بَيَانِ مَا تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ السَّابِقُ بَيَانُهَا وَالْبَابُ لُغَةً: مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ. وَاصْطِلَاحًا: اسْمٌ لِجُمْلَةٍ مُخْتَصَّةٍ مِنْ الْعِلْمِ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى فُصُولٍ وَمَسَائِلَ غَالِبًا.

(قَوْلُهُ: جَمْعُ مَاءٍ) هُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ وَيُجْمَعُ جَمْعُ قِلَّةٍ عَلَى أَمْوَاهٍ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَيُقْصَرُ) أَشَارَ بِتَغْيِيرِ التَّعْبِيرِ إلَى قِلَّتِهِ وَلِذَا قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ قَصْرُهُ ط.

(قَوْلُهُ: وَالْهَاءُ هَمْزَةً) وَقَدْ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا فَيُقَالُ مَاهَ بِالْهَاءِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.

(قَوْلُهُ: بِهِ حَيَاةُ كُلِّ نَامٍ) أَيْ زَائِدٍ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ نَبَاتٍ وَلَا يُرَدُّ أَنَّ الْمَاءَ الْمِلْحَ لَيْسَ فِيهِ حَيَاةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِضٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعُذُوبَةُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ أَيْ لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ.

(قَوْلُهُ: هُوَ مَا يَتَبَادَرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ) أَيْ مَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا مَاءٌ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ خَبَثٌ وَلَا مَعْنًى يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ الْمَاءُ الْمُقَيَّدُ وَالْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ بَحْرٌ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُتَنَجِّسَ وَالْمُسْتَعْمَلَ غَيْرُ مُقَيَّدٍ مَعَ أَنَّهُ مِنْهُ، لَكِنْ عِنْدَ الْعَالِمِ بِالنَّجَاسَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ؛ وَلِذَا قَيَّدَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّبَادُرَ بِقَوْلِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَالِمِ بِحَالِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ مَاءٍ لِأَخْذِ الْإِطْلَاقِ فِيهِ قَيْدًا؛ وَلِذَا صَحَّ إخْرَاجُ الْمُقَيَّدِ بِهِ. وَأَمَّا مُطْلَقُ مَاءٍ، فَمَعْنَاهُ أَيَّ مَاءٍ كَانَ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُقَيَّدُ الْمَذْكُورُ، وَلَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا.

(قَوْلُهُ: كَمَاءِ سَمَاءٍ) الْإِضَافَةُ لِلتَّعْرِيفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ فَإِنَّ الْقَيْدَ لَازِمٌ لَهُ لَا يُطْلَقُ الْمَاءُ عَلَيْهِ بِدُونِهِ كَمَاءِ الْوَرْدِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَأَوْدِيَةٍ) جَمْعُ وَادٍ.

(قَوْلُهُ: وَآبَارٍ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَبِقَصْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ بَعْدَهُمَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ بِأَلِفٍ جَمْعُ بِئْرٍ شَرْحُ الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ: بِحَيْثُ يَتَقَاطَرُ) وَعَنْ الثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ قَوْلُهُمَا نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَبَرَدٍ وَجَمَدٍ) أَيْ مُذَابَيْنِ أَيْضًا.

(قَوْلُهُ: وَنَدًا) بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: هُوَ الطَّلُّ، وَهُوَ مَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ نَفَسُ دَابَّةٍ. اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا الزُّلَالُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ جَوْفِ صُورَةٍ تُوجَدُ فِي نَحْوِ الثَّلْجِ كَالْحَيَوَانِ وَلَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ، فَإِنْ تَحَقَّقَ كَانَ نَجَسًا؛ لِأَنَّهُ قَيْءٌ. اهـ. نَعَمْ لَا يَكُونُ نَجَسًا عِنْدَنَا مَا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ حَيَوَانًا دَمَوِيًّا أَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ بِهِ فَلَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ دَمَوِيٍّ.

(قَوْلُهُ: فَالْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْمِيَاهِ الْمَذْكُورَةِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّكِرَةُ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ

ص: 179

وَلَوْ مُثْبَتَةً فِي مَقَامِ الِامْتِنَانِ تَعُمُّ (وَمَاءِ زَمْزَمَ) بِلَا كَرَاهَةٍ وَعَنْ أَحْمَدَ يُكْرَهُ (وَبِمَاءٍ قُصِدَ تَشْمِيسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ) وَكَرَاهَتُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ طِبِّيَّةٌ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْمُسَخَّنَ بِالنَّجَاسَةِ.

(وَ) يُرْفَعُ (بِمَاءٍ يَنْعَقِدُ بِهِ مِلْحٌ لَا بِمَاءٍ) حَاصِلٍ بِذَوَبَانِ (مِلْحٍ) لِبَقَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى طَبِيعَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَانْقِلَابِ الثَّانِي إلَى طَبِيعَةِ الْمِلْحِيَّةِ (وَ) لَا (بِعَصِيرِ نَبَاتٍ) أَيْ مُعْتَصَرٍ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ (بِخِلَافِ مَا يَقْطُرُ

ــ

[رد المحتار]

إنَّ مَاءً فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَلَا تَعُمُّ. وَبَيَانُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّكِرَةَ فِي الْإِثْبَاتِ قَدْ تَعُمُّ لِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ، كَمَا إذَا وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ مِثْلُ - {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ} [البقرة: 221]- أَوْ غَيْرُ لَفْظِيَّةٍ مِثْلُ - {عَلِمَتْ نَفْسٌ} [التكوير: 14]- وَمِثْلُ: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ السِّيَاقَ لِلِامْتِنَانِ هُوَ تَعْدَادُ النِّعَمِ مِنْ الْمُنْعِمِ، فَيُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ كُلَّ مَاءٍ فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ لَا بَعْضَ الْمَاءِ حَتَّى يُفِيدَ أَنَّ بَعْضَ مَا فِي الْأَرْضِ لَيْسَ مِنْ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الِامْتِنَانِ فِي الْعُمُومِ، وَيُسْتَدَلُّ بِالْآيَةِ أَيْضًا عَلَى طَهَارَتِهِ إذْ لَا مِنَّةَ بِالنَّجَسِ.

(قَوْلُهُ: بِلَا كَرَاهَةٍ) أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى فَائِدَةِ التَّصْرِيحِ بِهِ مَعَ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ وَآبَارٍ وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَاءِ زَمْزَمَ لَا الِاغْتِسَالُ. اهـ. فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ خَاصٌّ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ بِخِلَافِ الْخَبَثِ.

(قَوْلُهُ: قُصِدَ تَشْمِيسُهُ) قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ تَشَمَّسَ بِنَفْسِهِ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَكَرَاهَتُهُ إلَخْ) أَقُولُ: الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شَرْحَيْ ابْنِ حَجَرٍ وَالرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنْهَاجِ أَنَّهَا شَرْعِيَّةٌ تَنْزِيهِيَّةٌ لَا طِبِّيَّةٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَاسْتِعْمَالُهُ يُخْشَى مِنْهُ الْبَرَصُ كَمَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْأَطِبَّاءِ لِقَبْضِ زُهُومَتِهِ عَلَى مَسَامِّ الْبَدَنِ فَتَحْبِسُ الدَّمَ، وَذَكَرَ شُرُوطَ كَرَاهَتِهِ عِنْدَهُمْ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ بِقُطْرٍ حَارٍّ وَقْتَ الْحَرِّ فِي إنَاءٍ مُنْطَبِعٍ غَيْرِ نَقْدٍ، وَأَنْ يُسْتَعْمَلَ وَهُوَ حَارٌّ. أَقُولُ: وَقَدَّمْنَا فِي مَنْدُوبَاتِ الْوُضُوءِ عَنْ الْإِمْدَادِ أَنَّ مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ بِمَاءٍ مُشْمَسٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْحِلْيَةِ مُسْتَدِلًّا بِمَا صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُ؛ وَلِذَا صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ بِكَرَاهَتِهِ، وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْقُنْيَةِ: وَتُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِالْمُشْمِسِ، «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ رضي الله عنها حِينَ سَخَّنَتْ الْمَاءَ بِالشَّمْسِ لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءَ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُهُ. وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ. وَالشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ تَشْمِيسَهُ. وَفِي الْغَايَةِ: وَكُرِهَ بِالْمُشْمَسِ فِي قُطْرٍ حَارٍّ فِي أَوَانٍ مُنْطَبِعَةٍ، وَاعْتِبَارُ الْقَصْدِ ضَعِيفٌ، وَعَدَمُهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ اهـ مَا فِي الْمِعْرَاجِ، فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُتَعَمَّدَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَنَا لِصِحَّةِ الْأَثَرِ وَأَنَّ عَدَمَهَا رِوَايَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عِنْدَنَا أَيْضًا، بِدَلِيلِ عَدِّهِ فِي الْمَنْدُوبَاتِ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ.

(قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ الْأَوَّلِ إلَخْ) هَذَا الْفَرْقُ أَبْدَاهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ بَعْدَمَا نَقَلَ الْأُولَى عَنْ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَالثَّانِيَةَ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَاعْتَرَضَهُ مُحَشِّيهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي بِأَنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ: وَلَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءِ الْمِلْحِ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ طَبْعِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجْمُدُ صَيْفًا وَيَذُوبُ شِتَاءً. وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ، وَهُوَ مَا يَجْمُدُ فِي الصَّيْفِ وَيَذُوبُ فِي الشِّتَاءِ عَكْسُ الْمَاءِ، وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ مُطْلَقًا: أَيْ سَوَاءٌ انْعَقَدَ مِلْحًا ثُمَّ ذَابَ أَوْ لَا؟ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي اهـ مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: أَيْ مُعْتَصَرٍ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَصِيرَ اسْمُ مَفْعُولٍ.

(قَوْلُهُ: مِنْ شَجَرٍ) يَنْبَغِي أَنْ يَعُمَّ بِمَا لَهُ سَاقٌ أَوْ لَا، لِيَشْمَلَ الرِّيبَاسَ وَأَوْرَاقَ الْهِنْدَبَا وَغَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ إسْمَاعِيلَ.

(قَوْلُهُ: أَوْ ثَمَرٍ) بِمُثَلَّثَةٍ نَهْرٌ كَالْعِنَبِ

ص: 180

مِنْ الْكَرْمِ) أَوْ الْفَوَاكِهِ (بِنَفْسِهِ) فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَقِيلَ لَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَاعْتَمَدَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فَقَالَ: وَالِاعْتِصَارُ يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ كَمَاءِ الْكَرْمِ وَكَذَا مَاءُ الدَّابُوغَةِ وَالْبِطِّيخِ بِلَا اسْتِخْرَاجٍ وَكَذَا نَبِيذُ التَّمْرِ

(وَ) لَا بِمَاءٍ (مَغْلُوبٍ بِ) شَيْءٍ (طَاهِرٍ) الْغَلَبَةُ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ أَوْ بِطِّيخٍ بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ، وَإِمَّا بِغَلَبَةِ الْمُخَالَطِ، فَلَوْ جَامِدًا فَبِثَخَانَةٍ مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ كَنَبِيذِ تَمْرٍ

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبٌ فِي حَدِيثِ «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ» .

(قَوْلُهُ: مِنْ الْكَرْمِ) أَخْرَجَ السُّيُوطِيّ «لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْخَيْرِ وَالْمَنَافِعِ فِي الْمُسَمَّى بِهَا وَقَلْبُ الْمُؤْمِنِ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ، وَهَلْ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ تَخْصِيصِ شَجَرِ الْعِنَبِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ بِالْكَرْمِ، أَوْ الْمُرَادُ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ بِهَا مَعَ اتِّخَاذِ الْخَمْرِ الْمُحَرَّمِ مِنْهُ وَصْفٌ بِالْكَرْمِ وَالْخَيْرِ لِأَصْلِ هَذَا الشَّرَابِ الْخَبِيثِ الْمُحَرَّمِ وَذَلِكَ ذَرِيعَةٌ إلَى مَدْحِ الْمُحَرَّمِ، وَتَهْيِيجُ النُّفُوسِ إلَيْهِ مُحْتَمَلٌ. اهـ. مُنَاوِيٌّ وَجَزَمَ فِي الْقَامُوسِ بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ بِالثَّانِي.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ) وَهُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ، وَصَدَرَ بِهِ فِي الْكَافِي وَذَكَرَ الْجَوَازَ بِقِيلَ. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ لِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ بَحْرٌ وَنَهْرٌ. وَقَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْمِنَحِ: وَمَنْ رَاجَعَ كُتُبَ الْمَذْهَبِ وَجَدَ أَكْثَرَهَا عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، فَمَا فِي هَذَا الْمَتْنِ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالِاعْتِصَارُ إلَخْ) فَالْمُرَادُ بِهِ الْخُرُوجُ ط.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا مَاءُ الدَّابُوغَةِ إلَخْ) أَيْ كَمَاءِ الْكَرْمِ فِي الْخِلَافِ وَفِي أَنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُ جَوَازِ رَفْعِ الْحَدَثِ بِهَا وَلَمْ أَجِدْ فِيمَا عِنْدِي مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ لَفْظَ الدَّابُوغَةِ فَلْيُرَاجَعْ ح. وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ كُتُبِ الطِّبِّ أَنَّ الْبِطِّيخَ الْأَخْضَرَ يُقَالُ لَهُ الْحَبْحَبُ وَالدَّابُوغَةُ وَالدَّابُوقَةُ، قَالَ: وَعَلَى هَذَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْبِطِّيخِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَى الْأَصْفَرِ الْمُسَمَّى بِالْخِرْبِزِ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا نَبِيذُ التَّمْرِ) أَيْ فِي أَنَّ الْأَظْهَرَ فِيهِ عَدَمُ الْجَوَازِ أَيْضًا، وَفَصَلَهُ عَمَّا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بَلْ مِنْ قِسْمِ الْمَغْلُوبِ الَّذِي زَالَ اسْمُهُ كَمَا يَذْكُرُهُ قَرِيبًا

(قَوْلُهُ: وَلَا بِمَاءٍ مَغْلُوبٍ) التَّقْيِيدُ بِالْمَغْلُوبِ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُمْنَعُ التَّسَاوِي فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: الْغَلَبَةُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَعَلَى عَدَمِهِ بِالْمَاءِ الْمُقَيَّدِ، ثُمَّ الْمَاءُ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ صِفَةِ الْإِطْلَاقِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ وَبَيَانُ الْغَلَبَةِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ عِبَارَاتُ فُقَهَائِنَا. وَقَدْ اقْتَحَمَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الزَّيْلَعِيُّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهَا بِضَابِطٍ مُفِيدٍ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ كَابْنِ الْهُمَامِ وَابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ وَصَاحِبِ الدُّرَرِ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ وَأَلْطَفِ إشَارَةٍ.

(قَوْلُهُ: بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ إلَخْ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ حَالًا مِنْهُ وَهَذَا يَشْمَلُ مَا خَرَجَ بِعِلَاجٍ أَوْ لَا كَمَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: بِمَا لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّنْظِيفُ) كَالْمَرَقِ وَمَاءِ الْبَاقِلَّا أَيْ الْفُولِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُقَيَّدًا سَوَاءٌ تَغَيَّرَ شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ بَقِيَتْ فِيهِ رِقَّةُ الْمَاءِ أَوْ لَا فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ. وَاحْتُرِزَ عَمَّا إذَا طَبَخَ فِيهِ مَا يَقْصِدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي النَّظَافَةِ كَالْأُشْنَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِمَّا بِغَلَبَةِ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ.

(قَوْلُهُ: فَبِثَخَانَةِ) أَيْ فَالْغَلَبَةُ بِثَخَانَةِ الْمَاءِ: أَيْ بِانْتِفَاءِ رِقَّتِهِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْأَعْضَاءِ زَيْلَعِيٌّ وَأَفَادَ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ لَا يَذْكُرَ هَذَا الْقِسْمَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمَاءِ وَهَذَا قَدْ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ كَلَامُ الْهِدَايَةِ السَّابِقُ.

(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ) أَيْ فَإِذَا زَالَ الِاسْمُ لَا يُعْتَبَرُ فِي مَنْعِ التَّطَهُّرِ بِهِ الثَّخَانَةُ بَلْ يَضُرُّ وَإِنْ بَقِيَ عَلَى رِقَّتِهِ وَسَيَلَانِهِ وَهَذَا زَادَهُ فِي الْبَحْرِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. أَقُولُ: لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: كَنَبِيذِ تَمْرٍ) وَمِثْلُهُ الزَّعْفَرَانُ إذَا خَالَطَ الْمَاءَ وَصَارَ بِحَيْثُ يُصْبَغُ بِهِ فَلَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الثَّخَانَةِ، وَكَذَا إذَا

ص: 181

وَلَوْ مَائِعًا، فَلَوْ مُبَايِنًا لِأَوْصَافِهِ فَبِتَغَيُّرِ أَكْثَرِهَا، أَوْ مُوَافِقًا كَلَبَنٍ فَبِأَحَدِهَا أَوْ مُمَاثِلًا كَمُسْتَعْمَلٍ فَبِالْأَجْزَاءِ، فَإِنَّ الْمُطْلَقَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ جَازَ التَّطْهِيرُ بِالْكُلِّ وَإِلَّا لَا، وَهَذَا يَعُمُّ الْمُلْقَى وَالْمُلَاقِيَ، فَفِي الْفَسَاقِيِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مَا لَمْ يُعْلَمْ تَسَاوِي الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ الْمِنَحِ. قُلْت: لَكِنَّ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَرَاجِعْهُ مُتَأَمِّلًا.

ــ

[رد المحتار]

طُرِحَ فِيهِ زَاجٌ أَوْ عَفْصٌ وَصَارَ يُنْقَشُ بِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَسَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَائِعًا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ جَامِدًا. ثُمَّ الْمَائِعُ إمَّا مُبَايِنٌ لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ: أَعْنِي الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ وَالرِّيحَ كَالْخَلِّ، أَوْ مُوَافِقٌ فِي بَعْضٍ مُبَايِنٌ فِي بَعْضٍ، أَوْ مُمَاثِلٌ فِي الْجَمِيعِ وَذَكَرَ تَفْصِيلَهُ وَأَحْكَامَهُ.

(قَوْلُهُ: فَبِتَغَيُّرِ أَكْثَرِهَا) أَيْ فَالْغَلَبَةُ بِتَغَيُّرِ أَكْثَرِهَا وَهُوَ وَصْفَانِ، فَلَا يَضُرُّ ظُهُورُ وَصْفٍ وَاحِدٍ فِي الْمَاءِ مِنْ أَوْصَافِ الْخَلِّ مَثَلًا.

(قَوْلُهُ: كَلَبَنٍ) فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمَاءِ فِي عَدَمِ الرَّائِحَةِ مُبَايِنٌ لَهُ فِي الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَكَمَاءِ الْبِطِّيخِ أَيْ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ، فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لَهُ فِي عَدَمِ اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ مُبَايِنٌ لَهُ فِي الطَّعْمِ. هَذَا وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْبَحْرِ أَنَّ الْمُشَاهَدَ فِي اللَّبَنِ مُخَالَفَتُهُ لِلْمَاءِ فِي الرَّائِحَةِ.

(قَوْلُهُ: فَبِأَحَدِهَا) أَيْ فَغَلَبَتُهُ بِتَغَيُّرِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ كَالطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ فِي اللَّبَنِ وَكَالطَّعْمِ فَقَطْ فِي الْبِطِّيخِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: كَمُسْتَعْمَلٍ) أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ وَكَالْمَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ بِالتَّقْطِيرِ مِنْ لِسَانِ الثَّوْرِ وَمَاءِ الْوَرْدِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُطْلَقُ أَكْثَرَ، بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا لَا يَجُوزُ.

(قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ الْإِجْزَاءِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ يَعُمُّ الْمُلْقَى بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ مَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا مِنْ خَارِجٍ ثُمَّ أُخِذَ وَأُلْقِيَ فِي الْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَخُلِطَ بِهِ وَالْمُلَاقِي أَيْ وَاَلَّذِي لَاقَى الْعُضْوَ مِنْ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الْقَلِيلِ بِأَنْ انْغَمَسَ فِيهِ مُحْدِثٌ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ. مَطْلَبٌ فِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِيِ.

(قَوْلُهُ: فَفِي الْفَسَاقِيِ) أَيْ الْحِيَاضِ الصِّغَارِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْهَا مَعَ عَدَمِ جَرَيَانِهَا، وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّعْمِيمِ، وَمِنْ جُمْلَةِ الْفَسَاقِيِ مَغْطِسُ الْحَمَّامِ وَبِرَكُ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوُهَا مِمَّا لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَلَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ فِيهَا الِاغْتِسَالُ وَالْوُضُوءُ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَاقَى أَعْضَاءَ الْمُتَطَهِّرِينَ سَاوَى الْمُطْلَقَ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: عَلَى مَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) حَيْثُ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِمْ الْمُفِيدِ لِلْعُمُومِ كَمَا مَرَّ، وَبِقَوْلِ الْبَدَائِعِ: الْمَاءُ الْقَلِيلُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا بِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمُطَهَّرِ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرُ الْمُطَهِّرِ غَالِبًا كَمَاءِ الْوَرْدِ وَاللَّبَنِ لَا مَغْلُوبًا، وَهَا هُنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مَا يُلَاقِي الْبَدَنَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فَكَيْفَ يَخْرُجُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْحِلْيَةِ لِابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ. وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ الَّتِي جَمَعَهَا تِلْمِيذُهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ سُئِلَ عَنْ فَسْقِيَّةٍ صَغِيرَةٍ يَتَوَضَّأُ فِيهَا النَّاسُ وَيَنْزِلُ فِيهَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يَنْزِلُ فِيهَا مَاءٌ جَدِيدٌ هَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِيهَا؟ أَجَابَ إذَا لَمْ يَقَعْ فِيهَا غَيْرُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ لَا يَضُرُّ اهـ يَعْنِي وَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَتْ لِصِغَرِهَا، وَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْبَحْرِ بِعِبَارَاتٍ أُخَرَ لَا تَدُلُّ لَهُ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ؛ لِأَنَّهَا فِي الْمُلْقَى، وَالنِّزَاعُ فِي الْمُلَاقِي كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَيْهِ فَلِذَا اقْتَصَرْنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.

(قَوْلُهُ: فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُلْقَى وَالْمُلَاقِي حَيْثُ قَالَ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِالْجُزْءِ الَّذِي يُلَاقِي جَسَدَهُ دُونَ بَاقِي الْمَاءِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ الْجُزْءُ مُسْتَهْلَكًا فِي كَثِيرٍ فَهُوَ مَرْدُودٌ لِسَرَيَانِ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْجَمِيعِ حُكْمًا، وَلَيْسَ كَالْغَالِبِ يُصَبُّ يَصُبُّ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ اهـ

ص: 182

(وَيَجُوزُ) رَفْعُ الْحَدَثِ (بِمَا ذُكِرَ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ) أَيْ الْمَاءِ وَلَوْ قَلِيلًا (غَيْرُ دَمَوِيٍّ

ــ

[رد المحتار]

وَحَاصِلُهُ الرَّدُّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا انْغَمَسَ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْمَاءِ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِجَمِيعِ الْمَاءِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً هُوَ الْمُلَاقِي لِلْعُضْوِ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُلْقِيَ فِيهِ الْمُسْتَعْمَلُ الْقَلِيلُ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الْجَمِيعِ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ لَمْ يَسْتَعْمِلْ شَيْئًا مِنْهُ حَتَّى يَدَّعِيَ ذَلِكَ، إنَّمَا الْمُسْتَعْمَلُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا هُوَ ذَلِكَ الْمُلْقَى فَقَطْ. وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّ الْمُلْقَى لَا يَصِيرُ بِهِ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِالْغَلَبَةِ، بِخِلَافِ الْمُلَاقِي فَإِنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كُلَّهُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ الْعُضْوِ لَهُ.

وَرَدَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ وَالِاخْتِلَاطَ فِي الصُّورَتَيْنِ سَوَاءٌ، بَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إلْقَاءُ الْغُسَالَةِ مِنْ الْخَارِجِ أَقْوَى تَأْثِيرًا مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَيُّنِ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ اهـ وَبِذَلِكَ أَمَرَ الشَّارِحُ بِالتَّأَمُّلِ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِمَّا تَحَيَّرَتْ فِيهَا أَفْهَامُ الْعُلَمَاءِ الْأَعْلَامِ وَوَقَعَ فِيهَا بَيْنَهُمْ النِّزَاعُ وَشَاعَ وَذَاعَ، وَأَلَّفَ فِيهَا الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ رِسَالَةً سَمَّاهَا رَفْعُ الِاشْتِبَاهِ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمِيَاهِ حَقَّقَ فِيهَا عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُلْقَى وَالْمُلَاقِي: أَيْ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ، بَلْ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِي الْمُلَاقِي كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الْمُلْقَى، وَوَافَقَهُ بَعْضُ أَهْلِ عَصْرِهِ. تَعَقَّبَهُ غَيْرُهُمْ مِنْهُمْ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْبَرِّ بْنُ الشِّحْنَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِرِسَالَةٍ سَمَّاهَا زَهْرُ الرَّوْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ وَقَالَ: لَا تَغَيُّرَ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ. وَرَدَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْوَهْبَانِيَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَبِمَا فِي الْأَسْرَارِ لِلْإِمَامِ أَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْبَدَائِعِ.

ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَمَّا اغْتَسَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ صَارَ الْكُلُّ مُسْتَعْمَلًا حُكْمًا اهـ وَمِنْ هُنَا نَشَأَ الْفَرْقُ السَّابِقُ وَبِهِ أَفْتَى الْعَلَّامَةُ ابْنُ الشَّلَبِيِّ، وَانْتَصَرَ فِي الْبَحْرِ لِلْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ وَأَلَّفَ رِسَالَةً سَمَّاهَا الْخَيْرُ الْبَاقِي فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْفَسَاقِيِ وَأَجَابَ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ الشِّحْنَةِ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّجَاسَةَ وَلَوْ قَلِيلَةً تُفْسِدُ الْمَاءَ الْقَلِيلَ، وَأَقَرَّهُ الْعَلَّامَةُ الْبَاقَانِيُّ وَالشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ النَّابُلُسِيُّ وَوَلَدُهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ وَكَذَا فِي النَّهْرِ وَالْمِنَحِ، وَعَلِمْت أَيْضًا مُوَافَقَتَهُ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ وَقَارِئِ الْهِدَايَةِ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الْعَلَّامَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي، ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي الْخَزَائِنِ مَالَ إلَى تَرْجِيحِهِ وَقَالَ إنَّهُ الَّذِي حَرَّرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ عِبَارَاتِهَا الْمُضْطَرِبَةَ ظَاهِرًا، وَعَلَى مَا أَلَّفَ فِي هَذَا الْخُصُوصِ مِنْ الرَّسَائِلِ وَأَقَامَ عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى الصَّادِقَةِ الْبَيِّنَةَ الْعَادِلَةَ، وَقَدْ حُرِّرَتْ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ حَافِلَةٌ كَافِلَةٌ بِذَلِكَ مُتَضَمِّنَةٌ لِتَحْقِيقِ مَا هُنَاكَ، وَبَلَغَنِي أَنَّ شَيْخَنَا الشَّيْخَ شَرَفَ الدِّينِ الْغَزِّيِّ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ مَالَ إلَى ذَلِكَ كَذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا.

قُلْت: وَفِي ذَلِكَ تَوْسِعَةٌ عَظِيمَةٌ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ انْقِطَاعِ الْمِيَاهِ عَنْ حِيَاضِ الْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فِي بِلَادِنَا وَلَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ لَا يَخْفَى، فَيَنْبَغِي لِمَنْ يُبْتَلَى بِذَلِكَ أَنْ لَا يَغْسِلَ أَعْضَاءَهُ فِي ذَلِكَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ بَلْ يَغْتَرِفُ مِنْهُ وَيَغْسِلُ خَارِجَهُ وَإِنْ وَقَعَتْ الْغُسَالَةُ فِيهِ لِيَكُونَ مِنْ الْمُلْقَى لَا مِنْ الْمُلَاقِي الَّذِي فِيهِ النِّزَاعُ، فَإِنَّ هَذَا الْمَقَامَ فِيهِ لِلْمَقَالِ مَجَالٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ

(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ) أَيْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ فِي نَحْوِ الْمَاءِ الْمَغْصُوبِ وَهُوَ أَوْلَى هُنَا مِنْ إرَادَةِ الْحِلِّ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ إرَادَةَ الْأَوَّلِ فِي الْعُقُودِ وَالثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: بِمَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ أَقْسَامِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ. (قَوْلُهُ: غَيْرُ دَمَوِيٍّ) الْمُرَادُ مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ، لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَمُ السَّيَلَانِ لَا عَدَمُ أَصْلِهِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ حَيَوَانٌ لَهُ دَمٌ جَامِدٌ لَا يَنْجُسُ. اهـ. أَقُولُ: وَكَذَا دَمُ الْقَمْلَةِ وَالْبُرْغُوثِ فَإِنَّهُ غَيْرُ سَائِلٍ، وَخَرَجَ الدَّمَوِيُّ سَوَاءٌ كَانَ دَمُهُ مِنْ

ص: 183

كَزُنْبُورٍ) وَعَقْرَبٍ وَبَقٍّ: أَيْ بَعُوضٍ، وَقِيلَ: بَقُّ الْخَشَبِ. وَفِي الْمُجْتَبَى: الْأَصَحُّ فِي عَلَقِ مَصِّ الدَّمِ أَنَّهُ يَفْسُدُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ بَقٍّ، وَقُرَادٍ وَعَلَقٍ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ دُودُ الْقَزِّ وَمَاؤُهُ وَبَزْرُهُ وَخُرْؤُهُ طَاهِرٌ كَدُودَةٍ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ نَجَاسَةٍ (وَمَائِيٌّ مُوَلَّدٌ)

ــ

[رد المحتار]

نَفْسِهِ أَوْ مُكْتَسَبًا بِالْمَصِّ كَالْعَلَقِ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ كَمَا يَأْتِي، وَالْمُرَادُ الدَّمَوِيُّ غَيْرُ الْمَائِيِّ بِدَلِيلِ ذِكْرِهِ الْمَائِيَّ بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: كَزُنْبُورٍ) بِضَمِّ الزَّايِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ، مِنْهَا النَّحْلُ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: أَيْ بَعُوضٍ) فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كِبَارُ الْبَعُوضِ؛ لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ: الْبَقَّةُ الْبَعُوضَةُ، وَدُوَيْبَّةٌ مُفَرْطَحَةٌ: أَيْ عَرِيضَةٌ حَمْرَاءُ مُنْتِنَةٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ بَقُّ الْخَشَبِ، وَيُؤَيِّدُهُ عِبَارَةُ الْحِلْيَةِ؛ وَقَدْ يُسَمَّى بِهِ الْفُسْفُسُ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ: وَهُوَ حَيَوَانٌ كَالْقُرَادِ شَدِيدُ النَّتْنِ. وَعِبَارَةُ السِّرَاجِ: وَقِيلَ الْكَتَّانُ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْكَتَّانُ دُوَيْبَّةٌ حَمْرَاءُ لَسَّاعَةٌ اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْفُسْفُسُ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ إلَخْ) أَصْلُ عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى وَمِنْهُ يُعْلَمُ حُكْمُ الْقُرَادِ وَالْحَلَمِ اهـ أَيْ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ مُفْسِدٌ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَالتَّرْجِيحُ فِي الْعَلَقِ تَرْجِيحٌ فِي الْبَقِّ إذْ الدَّمُ فِيهَا مُسْتَعَارٌ اهـ أَيْ مُكْتَسَبٌ، فَأَدْرَجَ الشَّارِحُ الْبَقَّ فِي عِبَارَةِ الْمُجْتَبَى مَعَ أَنَّهُ بَحْثٌ لِصَاحِبِ النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ الْبَقِّ وَالْعَلَقِ؛ لِأَنَّ دَمَ الْعَلَقِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَعَارًا لَكِنَّهُ سَائِلٌ وَلِذَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، بِخِلَافِ دَمِ الْبَقِّ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ كَالذُّبَابِ لِعَدَمِ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ كَمَا مَرَّ فِي مَحَلِّهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الدَّمَوِيَّ الْمُفْسِدَ مَا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْعَلَقِ وَالْقُرَادِ هُنَا بِالْكَبِيرِ إذْ الصَّغِيرُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ كَمَا مَرَّ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْسِدَ الْمَاءَ أَيْضًا لِعَدَمِ السَّيَلَانِ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَقٍ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا وَحَلَمٍ، وَهِيَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقَةُ لِعِبَارَةِ الْمُجْتَبَى: وَهُوَ جَمْعُ حَلَمَةٍ بِالتَّحْرِيكِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمُحِيطِ: الْحَلَمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: قُرَادٌ وَحَنَّانَةٌ وَحَلَمٌ، فَالْقُرَادُ أَصْغَرُ وَالْحَنَّانَةُ أَوْسَطُهَا، وَالْحَلَمَةُ أَكْبَرُهَا وَلَهَا دَمٌ سَائِلٌ. اهـ. وَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا تُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَعَلَى الْكَبِيرِ مِنْ الْأَضْدَادِ، وَعَلَى دُودَةٍ تَقَعُ فِي جِلْدِ الشَّاةِ، فَإِذَا دُبِغَ وَهَى مَوْضِعُهَا.

(قَوْلُهُ: دُودُ الْقَزِّ) أَيْ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ الْحَرِيرُ.

(قَوْلُهُ: وَمَاؤُهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا يُوجَدُ فِيمَا يَهْلِكُ مِنْهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِاللَّبَنِ، أَوْ الَّذِي يُغْلَى فِيهِ عِنْدَ حَلِّهِ حَرِيرًا. وَعِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلَ لِمَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ: لَوْ وَطِئَ دُودَ الْقَزِّ فَأَصَابَ ثَوْبَهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ مَعَهُ اهـ مِنْ شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ.

(قَوْلُهُ: وَبَزْرُهُ) أَيْ بَيْضُهُ الَّذِي فِيهِ الدُّودُ.

(قَوْلُهُ: وَخُرْؤُهُ) لَمْ يَجْزِمْ بِطَهَارَتِهِ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ، بَلْ قَالَ: وَفِي خُرْءِ دُودِ الْقَزِّ خِلَافٌ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِهَا.

(قَوْلُهُ: كَدُودَةٍ إلَخْ) فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ وَلَوْ خَرَجَتْ مِنْ الدُّبُرِ، وَالنَّقْضُ إنَّمَا هُوَ لِمَا عَلَيْهَا لَا لِذَاتِهَا ط وَقَدَّمْنَا قَوْلًا بِنَجَاسَتِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ لَا يَنْجُسُ لَكِنْ لَوْ بَعْدَ غَسْلِهَا كَمَا قَيَّدَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَمَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْجُسُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ الْغُسْلِ.

(قَوْلُهُ: وَمَائِيٌّ مُوَلَّدٌ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ غَيْرُ دَمَوِيٍّ: أَيْ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَوْ لَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَحْرٌ عَنْ السِّرَاجِ: أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً وَعُرِفَ فِي الْخُلَاصَةِ الْمَائِيُّ بِمَا لَوْ اُسْتُخْرِجَ مِنْ الْمَاءِ يَمُوتُ مِنْ سَاعَتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَعِيشُ فَهُوَ مَائِيٌّ وَبَرِّيٌّ فَجَعَلَ بَيْنَ الْمَائِيِّ وَالْبَرِّيِّ قِسْمًا آخَرَ وَهُوَ مَا يَكُونُ مَائِيًّا وَبَرِّيًّا، لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ حُكْمًا عَلَى حِدَةٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمَائِيِّ لِعَدَمِ الدَّمَوِيَّةِ شَرْحُ الْمُنْيَةِ. أَقُولُ: وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْقِسْمِ الْآخَرِ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ وَلَا يَمُوتُ مِنْ سَاعَتِهِ لَوْ أُخْرِجَ مِنْهُ كَالسَّرَطَانِ

ص: 184

وَلَوْ كَلْبَ الْمَاءِ وَخِنْزِيرَهُ (كَسَمَكٍ وَسَرَطَانٍ) وَضِفْدَعٍ إلَّا بَرِّيًّا لَهُ دَمٌ سَائِلٌ، وَهُوَ مَا لَا سُتْرَةَ لَهُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَيَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ كَحَيَّةٍ بَرِّيَّةٍ، إنْ لَهَا دَمٌ وَإِلَّا لَا (وَكَذَا) الْحُكْمُ (لَوْ مَاتَ) مَا ذُكِرَ (خَارِجَهُ وَبَقِيَ فِيهِ) فِي الْأَصَحِّ، فَلَوْ تَفَتَّتَ فِيهِ نَحْوُ ضِفْدَعٍ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ لَا شُرْبُهُ لِحُرْمَةِ لَحْمِهِ.

(وَيَنْجُسُ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ (بِمَوْتِ مَائِيٍّ مَعَاشٍ بَرِّيٍّ مُوَلَّدٍ) فِي الْأَصَحِّ (كَبَطٍّ وَإِوَزٍّ) وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ، حَتَّى لَوْ وَقَعَ بَوْلٌ فِي عَصِيرٍ عُشْرٌ فِي عُشْرٍ لَمْ يَفْسُدْ، وَلَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ وَغَيْرُهُ (وَبِتَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِهِ) مِنْ لَوْنٍ أَوْ طَعْمٍ أَوْ رِيحٍ (يَنْجُسُ) الْكَثِيرُ وَلَوْ جَارِيًا إجْمَاعًا، أَمَّا الْقَلِيلُ فَيَنْجُسُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ خِلَافًا لِمَالِكٍ

ــ

[رد المحتار]

وَالضِّفْدَعِ، بِخِلَافِ مَا يَتَوَالَدُ فِي الْبَرِّ وَيَعِيشُ فِي الْمَاءِ كَالْبَطِّ وَالْإِوَزِّ كَمَا يَأْتِي.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ كَلْبَ الْمَاءِ وَخِنْزِيرَهُ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ خُلَاصَةٌ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ الْمَحْكِيَّ فِي الْمِعْرَاجِ أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: كَسَمَكٍ) أَيْ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ وَلَوْ طَافِيًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ كَمَا فِي النَّهْرِ.

(قَوْلُهُ: وَسَرَطَانٍ) بِالتَّحْرِيكِ، وَمَنَافِعُهُ كَثِيرَةٌ بَسَطَهَا فِي الْقَامُوسِ.

(قَوْلُهُ: وَضِفْدَعٍ) كَزِبْرِجٍ وَجَعْفَرٍ وَجُنْدُبٍ وَدِرْهَمٍ وَهَذَا أَقَلُّ أَوْ مَرْدُودٌ قَامُوسٌ.

(قَوْلُهُ: فَيَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ) وَعَلَيْهِ فَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْإِفْسَادِ بِالضِّفْدَعِ الْبَرِّيِّ وَصَحَّحَهُ فِي السِّرَاجِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ عَنْ الْحِلْيَةِ.

(قَوْلُهُ: كَحَيَّةٍ بَرِّيَّةٍ) أَمَّا الْمَائِيَّةُ فَلَا تَفْسُدُ مُطْلَقًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَكَالْحَيَّةِ الْبَرِّيَّةِ الْوَزَغَةُ لَوْ كَبِيرَةً لَهَا دَمٌ سَائِلٌ مُنْيَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلضِّفْدَعِ الْبَرِّيَّةِ وَالْحَيَّةِ الْبَرِّيَّةِ دَمٌ سَائِلٌ فَلَا يَفْسُدُ.

(قَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ مَائِيِّ الْمُوَلَّدِ وَغَيْرُ الدَّمَوِيِّ ط.

(قَوْلُهُ: لِحُرْمَةِ لَحْمِهِ) لِأَنَّهُ قَدْ صَارَتْ أَجْزَاؤُهُ فِي الْمَاءِ فَيُكْرَهُ الشُّرْبُ تَحْرِيمًا كَمَا فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: الْقَلِيلُ) أَمَّا الْكَثِيرُ فَيَأْتِي حُكْمُهُ بَعْدُ.

(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) أَيْ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ لَهُ نَفْسًا سَائِلَةً، وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَلَى الْإِفْسَادِ فِي غَيْرِ الْمَاءِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ تَصْحِيحِ عَدَمِ الْإِفْسَادِ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ نَهْرٌ.

(قَوْلُهُ: كَبَطٍّ وَإِوَزٍّ) فَسَّرَ فِي الْقَامُوسِ كُلًّا مِنْهُمَا بِالْآخَرِ فَهُمَا مُتَرَادِفَانِ، وَالْإِوَزُّ بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ وَزَايٍ مُشَدَّدَةٍ وَقَدْ تُحْذَفُ الْهَمْزَةُ. مَطْلَبٌ حُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ.

(قَوْلُهُ: وَحُكْمُ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ إلَخْ) فَكُلُّ مَا لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ لَا يُفْسِدُ غَيْرَ الْمَاءِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مُحِيطٌ وَتُحْفَةٌ وَالْأَشْبَهُ بِالْفِقْهِ بَدَائِعُ. اهـ. بَحْرٌ، وَفِيهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَمَاءٍ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، يَعْنِي كُلُّ مِقْدَارٍ لَوْ كَانَ مَاءً تَنَجَّسَ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَهُ يَنْجُسُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: فِي عَصِيرٍ) أَيْ فِي حَوْضِ عَصِيرٍ ط.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَفْسُدْ) أَيْ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ النَّجَاسَةِ.

(قَوْلُهُ: مَعَ الْعَصْرِ) أَيْ وَالْعَصِيرُ يَسِيلُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَثَرُ الدَّمِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ عَنْ الْمُحِيطِ.

(قَوْلُهُ: لَا يَنْجُسْ) أَيْ وَيَحِلُّ شُرْبُهُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ فَتُسْتَهْلَكُ فِيهِ النَّجَاسَةُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الضِّفْدَعِ الْمُتَقَدِّمَةِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) أَفَادَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَبِتَغَيُّرِ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمَوْتِ مَائِيٍّ الْمُتَعَلِّقُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَيَنْجُسُ، وَقَوْلُهُ بِنَجِسٍ جَارٍّ وَمَجْرُورٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَغَيَّرَ، وَقَوْلُهُ الْكَثِيرُ فَاعِلُ يَنْجُسُ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ بِتَغَيُّرِ، وَقَيَّدَ بِالْكَثِيرِ إصْلَاحًا لِعِبَارَةِ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَلِيلِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا، وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَنْجُسُ الْكَثِيرُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَكَأَنَّ الْمُحَشِّينَ لَمْ تَقَعْ لَهُمْ نُسْخَةٌ صَحِيحَةٌ فَاعْتَرَضُوا عَلَى مَا رَأَوْا فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَالِكٍ) فَإِنَّ مَا هُوَ قَلِيلٌ عَنْدَنَا لَا يَنْجُسُ عِنْدَهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالْقَلِيلُ عِنْدَهُمَا تَغَيَّرَ، وَالْكَثِيرُ بِخِلَافِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ: الْكَثِيرُ مَا بَلَغَ الْقُلَّتَيْنِ، وَالْقَلِيلُ مَا دُونَهُ. وَأَمَّا عِنْدَنَا فَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا

ص: 185

(لَا لَوْ تَغَيَّرَ) بِطُولِ (مُكْثٍ) فَلَوْ عُلِمَ نَتْنُهُ بِنَجَاسَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ شَكَّ فَالْأَصْلُ الطَّهَارَةُ وَالتَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ أَفْضَلُ مِنْ النَّهْرِ رَغْمًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.

وَكَذَا يَجُوزُ بِمَاءٍ خَالَطَهُ طَاهِرٌ جَامِدٌ مُطْلَقًا (كَأُشْنَانٍ وَزَعْفَرَانٍ) لَكِنْ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ: إنْ أَمْكَنَ الصَّبْغُ بِهِ لَمْ يَجُزْ كَنَبِيذِ تَمْرٍ (وَفَاكِهَةٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ) وَإِنْ غَيَّرَ كُلَّ أَوْصَافِهِ (الْأَصَحُّ إنْ بَقِيَتْ رِقَّتُهُ) أَيْ وَاسْمُهُ لِمَا مَرَّ.

ــ

[رد المحتار]

وَالْأَدِلَّةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْبَحْرِ.

(قَوْلُهُ: لَا لَوْ تَغَيَّرَ إلَخْ) أَيْ لَا يَنْجُسُ لَوْ تَغَيَّرَ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَنْجُسُ لَا عَلَى قَوْلِهِ بِمَوْتِ فَتَأَمَّلْ مُمْعِنًا.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ عُلِمَ إلَخْ) صَرَّحَ بِهِ لِزِيَادَةِ التَّوْضِيحِ وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِتَغَيُّرِ أَحَدِ أَوْصَافِهِ بِنَجَسٍ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَكَّ إلَخْ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ بَحْرٌ، وَفِيهِ عَنْ الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ وَبِرُؤْيَةِ آثَارِ أَقْدَامِ الْوُحُوشِ عِنْدَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَلَوْ مَرَّ سَبُعٌ بِالرَّكِيَّةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ شُرْبُهُ مِنْهَا تَنْجُسُ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَيَنْبَغِي حَمْلُ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْوُحُوشَ شَرِبَتْ مِنْهُ بِدَلِيلِ الْفَرْعِ الثَّانِي وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الشَّكِّ لَا يَمْنَعُ لِمَا فِيهِ الْأَصْلُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحَوْضِ الَّذِي يَخَافُ قَذَرًا وَلَا يَتَيَقَّنُهُ، وَيَنْبَغِي حَمْلُ التَّيَقُّنِ الْمَذْكُورِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالْخَوْفِ عَلَى الشَّكِّ أَوْ الْوَهْمِ كَمَا لَا يَخْفَى. اهـ. مَطْلَبٌ فِي أَنَّ التَّوَضُّؤَ مِنْ الْحَوْضِ أَفْضَلُ رَغْمًا لِلْمُعْتَزِلَةِ

وَبَيَانُ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ الْجُزْءُ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ: جَوْهَرٌ ذُو وَضْعٍ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ أَصْلًا لَا بِحَسَبِ الْخَارِجِ وَلَا بِحَسَبِ الْوَهْمِ، أَوْ الْفَرْضُ الْعَقْلِيُّ، تَتَأَلَّفُ الْأَجْسَامُ مِنْ أَفْرَادٍ بِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ اهـ تَعْرِيفَاتُ السَّيِّدِ اهـ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّوَضُّؤُ مِنْ الْحَوْضِ أَفْضَلُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ لَا يُجِيزُونَهُ مِنْ الْحِيَاضِ فَنُرْغِمُهُمْ بِالْوُضُوءِ مِنْهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا إنَّمَا يُفِيدُ الْأَفْضَلِيَّةَ لِهَذَا الْعَارِضِ، فَفِي مَكَان لَا يَتَحَقَّقُ يَكُونُ النَّهْرُ أَفْضَلَ اهـ. بَقِيَ الْكَلَامُ فِي وَجْهِ مَنْعِ الْمُعْتَزِلَةِ ذَلِكَ، فَفِي الْمِعْرَاجِ قِيلَ مَسْأَلَةُ الْحَوْضِ بِنَاءً عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ، فَإِنَّهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَتَتَّصِلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ إلَى جُزْءٍ لَا يُمْكِنُ تَجْزِئَتُهُ فَيَكُونُ بَاقِي الْحَوْضِ طَاهِرًا. وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ هُوَ مَعْدُومٌ، فَيَكُونُ كُلُّ الْمَاءِ مُجَاوِرًا لِلنَّجَاسَةِ، فَيَكُونُ الْحَوْضُ نَجِسًا عِنْدَهُمْ، وَفِي هَذَا التَّقْرِيرِ نَظَرٌ. اهـ. أَقُولُ: وَتَوْضِيحُ ذَلِكَ أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ عِبَارَةٌ عَنْ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ أَصْلًا، وَهُوَ مَا تَتَأَلَّفُ الْأَجْسَامُ مِنْ أَفْرَادِهِ بِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ، وَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، فَكُلُّ جِسْمٍ يَتَنَاهَى بِالِانْقِسَامِ إلَيْهِ، فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ نَجَاسَةٌ وَفَرَضْنَا انْقِسَامَهَا إلَى أَجْزَاءٍ لَا تَتَجَزَّأُ، وَقَابَلَهَا مِنْ الْمَاءِ الطَّاهِرِ مِثْلُهَا يَبْقَى الزَّائِدُ عَلَيْهَا طَاهِرًا فَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِالنَّجَاسَةِ.

وَعِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ: هُوَ مَعْدُومٌ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ جِسْمٍ قَابِلٌ لِانْقِسَامَاتٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ، فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْ النَّجَاسَةِ قَابِلٌ لِلْقِسْمَةِ وَكَذَا الْمَاءُ الطَّاهِرُ، فَلَا يُوجَدُ جَزْءٌ مِنْ الطَّاهِرَةِ إلَّا وَيُقَابِلُهُ جَزْءٌ مِنْ النَّجَاسَةِ لِعَدَمِ تَنَاهِي الْقِسْمَةِ فَتَتَّصِلُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَاءِ الطَّاهِرِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ كُلِّهِ بِأَنَّهُ نَجِسٌ، وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةً عَلَى ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ لَا يُحْكَمَ بِنَجَاسَةِ مَا دُونَ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ أَيْضًا إلَّا إذَا غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ عَلَيْهِ أَوْ سَاوَتْهُ لِبَقَاءِ الزَّائِدِ عَلَى الطَّهَارَةِ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى الْكُلِّ بِالنَّجَاسَةِ. وَأَيْضًا فَالتَّعْبِيرُ بِالنَّجَاسَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ.

ص: 186

(وَ) يَجُوزُ (بِجَارٍ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَ) الْجَارِي (هُوَ مَا يُعَدُّ جَارِيًا) عُرْفًا، وَقِيلَ مَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَالثَّانِي (وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (لَمْ يَكُنْ جَرَيَانُهُ بِمَدَدٍ) فِي الْأَصَحِّ،

ــ

[رد المحتار]

عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْجُزْءِ الَّذِي لَا يَتَجَزَّأُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، فَنَفَاهُ الْفَلَاسِفَةُ وَبَنَوْا عَلَيْهِ قِدَمَ الْعَالَمِ وَعَدَمَ حَشْرِ الْأَجْسَادِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِلْحَادِ، وَأَثْبَتَهُ الْمُسْلِمُونَ لِرَدِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَادَّةَ الْعَالَمِ إذَا تَنَاهَتْ بِالِانْقِسَامِ إلَيْهِ يَكُونُ ذَلِكَ الْجُزْءُ حَادِثًا مُحْتَاجًا إلَى مُوجِدٍ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَلَمْ يُخَالِفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا لَكَفَرُوا قَطْعًا مَعَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَمُقَلِّدُونَ فِي الْفُرُوعِ لِمَذْهَبِنَا، فَالْأَوْلَى مَا قِيلَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ عِنْدَهُمْ بِالْمُجَاوَرَةِ.

وَعِنْدَنَا لَا بَلْ بِالسَّرَيَانِ، وَذَلِكَ يُعْلَمُ بِظُهُورِ أَثَرِهَا فِيهِ، فَمَا لَمْ يَظْهَرْ لَا يُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ نَجِسٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّك لَا تَكَادُ تَجِدُهُ مُوَضَّحًا كَذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ: بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ. (قَوْلُهُ: خَالَطَهُ طَاهِرُهُ جَامِدٌ) أَيْ بِدُونِ طَبْخٍ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِطُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ كَالتُّرَابِ أَوْ يُقْصَدُ بِخَلْطِهِ التَّنْظِيفُ كَالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ أَوْ يَكُونُ شَيْئًا آخَرَ كَالزَّعْفَرَانِ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنَحٌ.

(قَوْلُهُ: كَأُشْنَانٍ) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ قَامُوسٌ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ اسْمَ الْمَاءِ زَالَ عَنْهُ نَظِيرُ النَّبِيذِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ غَيَّرَ كُلَّ أَوْصَافِهِ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْأَسَاتِذَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ مِنْ الْحِيَاضِ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا الْأَوْرَاقُ مَعَ تَغْيِيرِ كُلِّ الْأَوْصَافِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ نَهْرٌ عَنْ النِّهَايَةِ.

(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ إنْ ظَهَرَ لَوْنُ الْأَوْرَاقِ فِي الْكَفِّ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ لَكِنْ يَشْرَبُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْكَفِّ إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ التَّغَيُّرِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يُرَى فِي مَحَلِّهِ مُتَغَيِّرًا لَوْنُهُ، لَكِنْ لَوْ رَفَعَ مِنْهُ شَخْصٌ فِي كَفِّهِ لَا يَرَاهُ مُتَغَيِّرًا تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لِمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، فَلَوْ جَامِدًا فَبِثَخَانَةِ مَا لَمْ يَزُلْ الِاسْمُ

(قَوْلُهُ: وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ) يَشْمَلُ الْمَرْئِيَّةَ كَالْجِيفَةِ وَيَأْتِي قَرِيبًا تَمَامُهُ.

(قَوْلُهُ: عُرْفًا) تَمْيِيزٌ أَوْ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ: أَيْ يُعَدُّ مِنْ جِهَةِ الْعُرْفِ أَوْ فِي الْعُرْفِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ) أَيْ وَأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، لِتَعْوِيلِهِ عَلَى الْعُرْفِ وَلِجَرَيَانِهِ عَلَى قَاعِدَةِ الْإِمَامِ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْمُبْتَلِينَ ط، لَكِنْ اُسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ أَصْلًا لِتَعَدُّدِهِ وَاخْتِلَافِهِ بِتَعَدُّدِ الْعَادِّينَ وَاخْتِلَافِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَشْهَرُ) لِوُقُوعِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ حَتَّى الْمُتُونِ. وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْكَمَالِ: إنَّهُ الْحَدُّ الَّذِي لَيْسَ فِي دَرْكِهِ حَرَجٌ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَالْعُرْفُ الْآنَ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَاءُ دَاخِلًا مِنْ جَانِبٍ وَخَارِجًا مِنْ جَانِبٍ آخَرَ يُسَمَّى جَارِيًا وَإِنْ قَلَّ الدَّاخِلُ، وَبِهِ يَظْهَرُ الْحُكْمُ فِي بِرَكِ الْمَسَاجِدِ وَمَغْطِسِ الْحَمَّامِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِتِبْنَةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. مَطْلَبُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَرَيَانِ الْمَدَدُ.

(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) نَقَلَ تَصْحِيحَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَعَنْ شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلسِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ، وَقَوَّاهُ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الْفَتْحِ اخْتِيَارَ خِلَافِهِ. أَقُولُ: وَيَزِيدُهُ قُوَّةً أَيْضًا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَفِي الْخِزَانَةِ إنَاءَانِ مَاءُ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ فَصُبَّا مِنْ مَكَان عَالٍ فَاخْتَلَطَا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ نَزَلَا طَهُرَ كُلُّهُ، وَلَوْ أَجْرَى مَاءَ الْإِنَاءَيْنِ فِي الْأَرْضِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ اهـ وَنَحْوُهُ فِي الْخُلَاصَةِ. وَنَظَمَ الْمَسْأَلَةَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْظُومَتِهِ تُحْفَةِ الْأَقْرَانِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ:

ص: 187

فَلَوْ سُدَّ النَّهْرُ مِنْ فَوْقٍ فَتَوَضَّأَ رَجُلٌ بِمَا يَجْرِي بِلَا مَدَدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَارٍ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ صَبَّ رَفِيقُهُ الْمَاءَ فِي طَرَفِ مِيزَابٍ وَتَوَضَّأَ فِيهِ وَعِنْدَ طَرَفِهِ الْآخَرِ إنَاءٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءَ جَازَ تَوَضُّؤُهُ بِهِ ثَانِيًا وَثُمَّ وَثُمَّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (إنْ لَمْ يُرَ) أَيْ يُعْلَمْ (أَثَرُهُ) فَلَوْ فِيهِ جِيفَةٌ أَوْ بَالَ فِيهِ رِجَالٌ فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يُرَ فِي الْجَرْيَةِ أَثَرُهُ (وَهُوَ) إمَّا (طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْجِيفَةَ وَغَيْرَهَا، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ. وَقَالَ تِلْمِيذُهُ قَاسِمٌ إنَّهُ الْمُخْتَارُ، وَقَوَّاهُ فِي النَّهْرِ، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ.

وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُضْمِرَاتِ عَنْ النِّصَابِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَقِيلَ إنْ جَرَى عَلَيْهَا نِصْفُهُ فَأَكْثَرُ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ أَحْوَطُ.

ــ

[رد المحتار]

لَوْ أَصَابَتْ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ فَصُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ فَجَرَى قَدْرُ ذِرَاعٍ طَهُرَتْ الْأَرْضُ وَالْمَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَلَوْ أَصَابَهَا الْمَطَرُ وَجَرَى عَلَيْهَا طَهُرَتْ، وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يَجْرِ فَلَا.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ سُدَّ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَأْيِيدٌ لَهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَكَذَا نَظَائِرُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا، فَالتَّفْرِيغُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مِنْ جِنْسِ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي الْمَاءِ الْجَارِي فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ حَفَرَ نَهْرًا إلَخْ) أَيْ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِي ذَلِكَ النَّهْرِ وَتَوَضَّأَ بِهِ حَالَ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ الْمَاءُ فِي مَكَان، فَحَفَرَ رَجُلٌ آخَرُ نَهْرًا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَأَجْرَى الْمَاءَ فِيهِ وَتَوَضَّأَ بِهِ حَالَ جَرَيَانِهِ فَاجْتَمَعَ فِي مَكَان آخَرَ فَفَعَلَ ثَالِثٌ كَذَلِكَ جَازَ وُضُوءُ الْكُلِّ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ مَسَافَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ. وَحَدُّ ذَلِكَ أَنْ لَا يَسْقُطَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي مَوْضِعِ جَرَيَانِ الْمَاءِ فَيَكُونُ تَابِعًا لِلْجَارِي خَارِجًا مِنْ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ.

(قَوْلُهُ: وَثُمَّ) الْوَاوُ دَاخِلَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ بِثُمَّ، فَلَمْ يَدْخُلْ حَرْفُ الْعَطْفِ عَلَى مِثْلِهِ، أَيْ وَجَازَ تَوَضُّؤُهُ ثَالِثًا ثُمَّ رَابِعًا وَخَامِسًا ثُمَّ سَادِسًا وَالْقَصْدُ التَّكْثِيرُ ط.

(قَوْلُهُ: أَيْ يُعْلَمُ) فَسَّرَهُ بِهِ لِيَشْمَلَ الطَّعْمَ وَاللَّوْنَ أَيْضًا. اهـ. ح.

(قَوْلُهُ: أَثَرُهُ) الْأَوْلَى أَثَرُهَا أَيْ النَّجَاسَةِ، لَكِنَّهُ ذَكَّرَ ضَمِيرَهَا لِتَأَوُّلِهَا بِالْوَاقِعِ. وَفِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ أَوْصَافُ النَّجَاسَةِ لَا الشَّيْءُ الْمُتَنَجِّسُ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْخَلِّ مَثَلًا، فَلَوْ صُبَّ فِي مَاءٍ جَارٍ يُعْتَبَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ الَّتِي فِيهِ لَا أَثَرُهُ نَفْسُهُ لِطَهَارَةِ الْمَائِعِ بِالْغُسْلِ، إلَى أَنْ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُهِمٌّ فَاحْفَظْهُ.

(قَوْلُهُ: فَلَوْ فِيهِ جِيفَةٌ إلَخْ) أَشَارَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شُمُولِ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا فَيُعْتَبَرُ ظُهُورُ الْأَثَرِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.

(قَوْلُهُ: مِنْ أَسْفَلِهِ) أَيْ أَسْفَلِ الْمَكَانِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْجِيفَةُ أَوْ الْبَوْلُ ط.

(قَوْلُهُ: فِي الْجَرْيَةِ) بِالْفَتْحِ اسْمٌ لِلْمَرَّةِ مِنْ الْجَرْيِ: أَيْ الدَّفْعَةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ أَنَّهَا مَصْدَرٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هُنَا؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ يَظْهَرُ فِي الْعَيْنِ لَا فِي الْحَدَثِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: ظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْجِيفَةَ وَغَيْرَهَا) أَيْ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ النَّجَاسَةَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ، وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ مَا قَبْلَهُ، فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى مَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ إلَخْ) وَأَيَّدَهُ تِلْمِيذُهُ الْعَلَّامَةِ ابْنُ أَمِيرٍ الْحَاجِّ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا أَيَّدَهُ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بِمَا فِي عُمْدَةِ الْمُفْتِي مِنْ أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِيَ يُطَهِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَبِمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ لَا يُنَجِّسُهُ لَوْ كَانَ غَالِبًا عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ. قَالَ: فَالْجَارِي بِالْأَوْلَى، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ إلَخْ) الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا قَوْلُهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُنْيَةِ وَقَوَّاهُ شَارِحُهَا الْحَلَبِيُّ. وَأَجَابَ عَمَّا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْأَوْجَهُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَطْهُرْ أَثَرُهَا عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ ذَهَبَ بِعَيْنِهَا، وَأَيَّدَهُ الْعَلَّامَةُ نُوحٌ أَفَنْدِي. وَاعْتَرَضَ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ وَأَوْضَحَ الْمَرَامَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ ثَانِيهِمَا أَحْوَطُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَعَلَى هَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا جَرَى

ص: 188

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[رد المحتار]

فِي الْمِيزَابِ وَعَلَى السَّطْحِ عَذِرَاتٌ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَذِرَةُ عِنْدَ الْمِيزَابِ أَوْ كَانَ الْمَاءُ كُلُّهُ أَوْ نِصْفُهُ أَكْثَرُهُ يُلَاقِي الْعَذِرَةَ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرٌ. اهـ. وَعَلَى مَا رَجَّحَهُ الْكَمَالُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي مَسْأَلَةِ السَّطْحِ سِوَى تَغَيُّرِ أَحَدِ الْأَوْصَافِ. اهـ. أَقُولُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَا فِي دِيَارِنَا مِنْ أَنْهَارِ الْمَسَاقِطِ الَّتِي تَجْرِي بِالنَّجَاسَاتِ وَتَرْسُبُ فِيهَا لَكِنَّهَا فِي النَّهَارِ يَظْهَرُ أَثَرُ النَّجَاسَةِ وَتَتَغَيَّرُ، وَلَا كَلَامَ فِي نَجَاسَتِهَا حِينَئِذٍ. وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَزُولُ تَغَيُّرُهَا فَيَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهَا فَوْقَ النَّجَاسَةِ. قَالَ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: وَلَوْ كَانَ جَمِيعُ بَطْنِ النَّهْرِ نَجِسًا، فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا لَا يُرَى مَا تَحْتَهُ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا وَفِي الْمُلْتَقَطِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: الْمَاءُ طَاهِرٌ وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ جَارِيًا اهـ. تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ فِي طَرْحِ الزِّبْلِ فِي الْقَسَاطِلِ

قَدْ اُعْتِيدَ فِي بِلَادِنَا إلْقَاءُ زِبْلِ الدَّوَابِّ فِي مَجَارِي الْمَاءِ إلَى الْبُيُوتِ لِسَدِّ خَلَلِ تِلْكَ الْمَجَارِي الْمُسَمَّاةِ بِالْقَسَاطِلِ فَيَرْسُبُ فِيهَا الزِّبْلُ وَيَجْرِي الْمَاءُ فَوْقَهَا فَهُوَ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْجِيفَةِ، وَفِي ذَلِكَ حَرَجٌ عَظِيمٌ إذَا قُلْنَا بِالنَّجَاسَةِ، وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ. وَقَدْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْعِمَادِيُّ مُفْتِي دِمَشْقَ فَبِكِتَابِهِ [هَدِيَّةُ ابْنُ الْعِمَادِ] وَاسْتَأْنَسَ لَهَا بِبَعْضِ فُرُوعٍ، وَبِالْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ مِنْ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَبِمَا فَرَّعُوا عَلَيْهَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَشْبَاهِ. وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا رَسَبَ الزِّبْلُ فِي الْقَسَاطِلِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ، وَإِذَا وَصَلَ إلَى الْحِيَاضِ فِي الْبُيُوتِ مُتَغَيِّرًا وَنَزَلَ فِي حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ لَا يَطْهُرُ بِتَغَيُّرِهِ إلَّا إذَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ صَافٍ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَطْهُرُ، فَإِذَا انْقَطَعَ الْجَرَيَانُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْحَوْضُ صَغِيرًا وَالزِّبْلُ رَاسِبٌ فِي أَسْفَلِهِ تَنَجَّسَ، مَا لَمْ يَصِرْ الزِّبْلُ حَمْأَةً وَهِيَ الطِّينُ الْأَسْوَدُ فَإِنَّهُ إذَا جَرَى بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ صَافٍ ثُمَّ انْقَطَعَ لَا يَتَنَجَّسُ.

وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الزِّبْلِ عِنْدَنَا. عَنْ زُفَرَ: رَوْثُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ. وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: الْأَرْوَاثُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إلَّا رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ لِلْبَلْوَى، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَوْسِعَةٌ لِأَرْبَابِ الدَّوَابِّ فَقَلَّمَا يَسْلَمُونَ عَنْ التَّلَطُّخِ بِالْأَرْوَاثِ وَالْأَخْثَاءِ فَتُحْفَظُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ اهـ كَلَامُ الْمُبْتَغَى. وَإِذَا قُلْنَا بِذَلِكَ هُنَا لَا يَبْعُدُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ، كَمَا أَفْتَوْا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِلضَّرُورَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ: إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ أَنْهُرِ الشَّامِ بِمَا فِيهَا مِنْ الزِّبْلِ وَلَوْ قَلِيلَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ جَرْيُهَا الْمُضْطَرُّ إلَيْهِ النَّاسُ إلَّا بِهِ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ عِنْدَهُ أَثَرُ الزِّبْلِ لَا عَيْنُهُ اهـ مَا فِي شَرْحِ الْهَدِيَّةِ مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الْعَفْوِ عَنْ الْعَيْنِ أَيْضًا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمَحَلَّاتِ الْبَعِيدَةِ عَنْ الْمَاءِ فِي بِلَادِنَا يَكُونُ مَاؤُهَا قَلِيلًا، وَفِي أَغْلَبِ الْأَوْقَاتِ يَسْتَصْحِبُ الْمَاءُ عَيْنَ الزِّبْلِ وَيَرْسُبُ فِي أَسْفَلِ الْحِيَاضِ، وَكَثِيرًا مَا يَنْقُصُ الْحَوْضُ بِالِاسْتِعْمَالِ مِنْهُ أَوْ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ عَنْهُ فَلَا يَبْقَى جَارِيًا وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ كَرْيِ الْأَنْهُرِ وَانْقِطَاعِ الْمَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ أَيَّامًا فَإِذَا مُنِعُوا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْحِيَاضِ لِمَا فِيهَا مِنْ الزِّبْلِ يَلْزَمُهُمْ الْحَرَجُ الشَّدِيدُ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ، فَاحْتِيَاجُهُمْ إلَى التَّوْسِعَةِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ.

وَقَدْ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: الْمَعْلُومُ مِنْ قَوَاعِدِ أَئِمَّتِنَا التَّسْهِيلُ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ وَالْبَلْوَى الْعَامَّةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ آبَارِ الْفَلَوَاتِ وَنَحْوِهَا اهـ أَيْ كَالْعَفْوِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَعْذُورِ عَنْ طِينِ الشَّارِعِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، نَعَمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ يَزْدَادُ التَّغْيِيرُ فَيَنْزِلُ الْمَاءُ إلَى الْحَوْضِ أَخْضَرَ وَفِيهِ عَيْنُ الزِّبْلِ فَيَنْجُسُ

ص: 189

وَأَلْحَقُوا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ لَوْ الْمَاءُ نَازِلًا وَالْغَرْفُ مُتَدَارَكٌ، كَحَوْضٍ صَغِيرٍ يَدْخُلُهُ الْمَاءُ مِنْ جَانِبٍ وَيَخْرُجُ مِنْ آخَرَ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ مُطْلَقًا، بِهِ يُفْتَى، وَكَعَيْنٍ هِيَ خَمْسٌ فِي خَمْسٍ يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْهُ، بِهِ يُفْتَى قُهُسْتَانِيٌّ مَعْزِيًّا لِلتَّتِمَّةِ.

(وَكَذَا) يَجُوزُ (بِرَاكِدٍ) كَثِيرٍ (كَذَلِكَ)

ــ

[رد المحتار]

الْحَوْضُ لَوْ صَغِيرًا وَإِنْ كَانَ جَارِيًا؛ لِأَنَّ جَرَيَانَهُ بِمَاءٍ نَجِسٍ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الِاسْتِعْمَالِ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَيُنْتَظَرُ صَفَاؤُهُ ثُمَّ يُعْفَى عَمَّا فِي الْقَسَاطِلِ وَمَا فِي أَسْفَلِ الْحَوْضِ، لِمَا عَلِمْت مِنْ الضَّرُورَةِ مِنْ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ، وَمِنْ أَنَّهُ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَأَلْحَقُوا بِالْجَارِي حَوْضَ الْحَمَّامِ) أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ إلَّا بِطَهُورِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ. أَقُولُ: وَكَذَا حَوْضُ غَيْرِ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرَ هَذَا الْحُكْمَ فِي حَوْضٍ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ حَوْضُ الْحَمَّامِ اهـ فَلْيُحْفَظْ.

(قَوْلُهُ: وَالْغَرْفُ مُتَدَارَكٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ مُتَتَابِعٌ، وَتَفْسِيرُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ أَنْ لَا يَسْكُنَ وَجْهُ الْمَاءِ فِيمَا بَيْنَ الْغَرْفَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَيَخْرُجُ مِنْ آخَرَ) أَيْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ كَانَ يَدْخُلُهُ الْمَاءُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَكِنْ فِيهِ إنْسَانٌ يَغْتَسِلُ وَيَخْرُجُ الْمَاءُ بِاغْتِسَالِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ مُتَدَارَكًا لَا يَنْجُسُ. اهـ. مَطْلَبٌ لَوْ أَدْخَلَ الْمَاءَ مِنْ أَعْلَى الْحَوْضِ وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهِ فَلَيْسَ بِجَارٍ

ثُمَّ إنَّ كَلَامَهُمْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ أَعْلَاهُ، فَلَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبٍ فِي أَسْفَلِ الْحَوْضِ لَا يُعَدُّ جَارِيًا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِوَجْهِ الْمَاءِ بِدَلِيلِ اعْتِبَارِهِمْ فِي الْحَوْضِ الطُّولَ وَالْعَرْضَ لَا الْعُمْقَ، وَاعْتِبَارُهُمْ الْكَثْرَةَ وَالْقِلَّةَ فِي أَعْلَاهُ فَقَطْ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ. وَفِي الْمُنْيَةِ إذَا كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي ضَعِيفًا يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَضَّأَ عَلَى الْوَقَارِ حَتَّى يَمُرَّ عَنْهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ، وَلَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ صَرِيحًا، نَعَمْ رَأَيْت فِي شَرْحِ سَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ فِي مَسْأَلَةِ خِزَانَةِ الْحَمَّامِ الَّتِي أَخْبَرَ أَبُو يُوسُفَ بِرُؤْيَةِ فَأْرَةٍ فِيهَا قَالَ: فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَاءَ الْخِزَانَةِ إذَا كَانَ يَدْخُلُ مِنْ أَعْلَاهَا وَيَخْرُجُ مِنْ أُنْبُوبٍ فِي أَسْفَلِهَا فَلَيْسَ بِجَارٍ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ يَطْهُرُ الْحَوْضُ بِمُجَرَّدِ مَا يَدْخُلُ الْمَاءُ مِنْ الْأُنْبُوبِ وَيَفِيضُ مِنْ الْحَوْضِ هُوَ الْمُخْتَارُ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَصَيْرُورَتِهِ جَارِيًا. اهـ. وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ الِاكْتِفَاءُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْأَسْفَلِ لَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِهِ وَيَفِيضُ، فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ.

(قَوْلُهُ: مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَرْبَعًا فِي أَرْبَعٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَقِيلَ لَوْ أَكْثَرَ يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ يَسْتَقِرُّ فِيهِ إلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي مَوْضِعِ الدُّخُولِ أَوْ الْخُرُوجِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ. وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا عُلِمَ عَدَمُ خُرُوجِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ لِضَعْفِ الْجَرْيِ لَا يَضُرُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا فِي الْمُنْيَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ مِنْ سَاعَتِهِ لِكَثْرَةِ الْمَاءِ وَقُوَّتِهِ يَجُوزُ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَأَقَرَّهُ الشَّارِحَانِ، وَزَادَ فِي الْحِلْيَةِ قَوْلَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ حَسَنٌ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بَعْدَمَا مَرَّ: وَحُكِيَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ الْمَاءُ مِنْ جَرَيَانِهِ يَجُوزُ. وَأَجَابَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ السَّعْدِيُّ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَارٍ وَالْجَارِي يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. ثُمَّ هَذَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَأَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ الْمُخْتَارِ فَيَجُوزُ الْوُضُوءُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ مَا يَغْتَرِفُهُ أَوْ نِصْفُهُ فَصَاعِدًا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ حَقِيقَةٌ كَانَ التَّفْرِيعُ عَلَى حَالِهِ.

(قَوْلُهُ: وَكَعَيْنٍ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ الْإِطْلَاقُ السَّابِقُ كَمَا أَفَادَهُ ح.

(قَوْلُهُ: يَنْبُعُ الْمَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَيْنِ وَذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ.

(قَوْلُهُ: مَعْزِيًّا لِلتَّتِمَّةِ) فِيهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ

(قَوْلُهُ: وَكَذَا يَجُوزُ) أَيْ رَفْعُ الْحَدَثِ.

(قَوْلُهُ: بِرَاكِدٍ) الرُّكُودُ:

ص: 190

أَيْ وَقَعَ فِيهِ نَجِسٌ لَمْ يُرَ أَثَرُهُ وَلَوْ فِي مَوْضِعِ وُقُوعِ الْمَرْئِيَّةِ، بِهِ يُفْتَى بَحْرٌ.

(وَالْمُعْتَبَرُ) فِي مِقْدَارِ الرَّاكِدِ (أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ فِيهِ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ خُلُوصٍ) أَيْ وُصُولِ (النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ جَازَ وَإِلَّا لَا) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا

ــ

[رد المحتار]

السُّكُونُ وَالثَّبَاتُ قَامُوسٌ.

(قَوْلُهُ: أَيْ وَقَعَ نَجِسٌ إلَخْ) شَمِلَ مَا لَوْ كَانَ النَّجِسُ غَالِبًا؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: الْمَاءُ النَّجِسُ إذَا دَخَلَ الْحَوْضَ الْكَبِيرَ لَا يَنْجُسُ الْحَوْضُ وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ غَالِبًا عَلَى مَاءِ الْحَوْضِ؛ لِأَنَّهُ كُلَّمَا اتَّصَلَ الْمَاءُ بِالْحَوْضِ صَارَ مَاءُ الْحَوْضِ غَالِبًا عَلَيْهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُرَ أَثَرُهُ) أَيْ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ فَلَا تَغْفُلُ عَنْهُ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَثَرِ أَثَرُ النَّجَاسَةِ نَفْسِهَا دُونَ مَا خَالَطَهَا كَخَلٍّ وَنَحْوِهِ.

(قَوْلُهُ: بِهِ يُفْتَى) أَيْ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَعَزَاهُ فِي الْبَحْرِ إلَى شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ النِّصَابِ، وَأَرَادَ بِشَرْحِ الْمُنْيَةِ الْحِلْيَةَ لِابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ، وَقَدْ ذَكَرَ عِبَارَةَ النِّصَابِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْجَارِي لَا هُنَا. عَلَى أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لِلْحَلَبِيِّ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ فِي الْمَرْئِيَّةِ يَنْجُسُ مَوْضِعُ الْوُقُوعِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا، فَقِيلَ كَذَلِكَ: وَقِيلَ لَا. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَكَذَا الْبَدَائِعُ، لَكِنْ عَبَّرَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَدَلَ الْإِجْمَاعِ قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ مِنْ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ قَدْرَ الْحَوْضِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ اهـ: وَقَدَّرَهُ فِي الْكِفَايَةِ بِأَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا. وَقِيلَ يَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَمْ تَخْلُصْ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ تَوَضَّأَ مِنْهُ. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: قُلْت هُوَ الْأَصَحُّ اهـ وَكَذَا جَزَمَ فِي الْخَانِيَّةِ بِتَنَجُّسِ مَوْضِعِ الْمَرْئِيَّةِ بِلَا نَقْلِ خِلَافٍ، ثُمَّ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ، وَصَحَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَوَّلَهُمَا، وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا ثَانِيَهُمَا نَعَمْ. قَالَ فِي الْخَزَائِنِ: وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّنَجُّسِ مُطْلَقًا إلَّا بِالتَّغَيُّرِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِعُمُومِ الْبَلْوَى، حَتَّى قَالُوا: يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ التَّحَرُّكِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُجْتَبَى. اهـ. وَقَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَالْجَارِي لَا يَتَنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَصْحِيحُهُ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَقْتَضِي عِنْدَ الْكَثْرَةِ عَدَمَ التَّنَجُّسِ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ جَعَلَهُ كَالْجَارِي، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِي الْجَارِي ظُهُورُ الْأَثَرِ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُتُونِ وَكَذَا قَالَ فِي الْكَنْزِ هُنَا، وَهُوَ كَالْجَارِي، وَمِثْلُهُ فِي الْمُلْتَقَى. وَظَاهِرُهُ اخْتِيَارُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ فَلِذَا اخْتَارَهَا فِي الْفَتْحِ وَاسْتَحْسَنَهَا فِي الْحِلْيَةِ لِمُوَافَقَتِهَا لِمَا مَرَّ عَنْهُ فِي الْجَارِي. قَالَ: وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ «جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: انْتَهَيْت إلَى غَدِيرٍ فَإِذَا فِيهِ حِمَارٌ مَيِّتٌ فَكَفَفْنَا عَنْهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ فَاسْتَقَيْنَا وَأَرْوَيْنَا وَحَمَلْنَا» " اهـ وَهَذَا وَارِدٌ عَلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ السَّابِقِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ: فِي مِقْدَارِ الرَّاكِدِ) يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِيهِ الْمُتَعَلِّقُ بِالْمُعْتَبَرِ، فَالْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لِمَرْجِعِ الضَّمِيرِ.

(قَوْلُهُ: أَكْبَرُ رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ) أَيْ غَلَبَةُ ظَنِّهِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْيَقِينِ، وَالْأَوْلَى حَذْفُ أَكْبَرُ لِيَظْهَرَ التَّفْصِيلُ بَعْدَهُ ط.

(قَوْلُهُ: وَإِلَّا لَا) صَادِقٌ بِمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْخُلُوصُ أَوْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ مُرَادٍ، لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَإِذَا اشْتَبَهَ الْخُلُوصُ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَخْلُصْ اهـ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ) أَيْ بَعْدَمَا قَالَ بِتَقْدِيرِهِ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ، ثُمَّ قَالَ: لَا أُوَقِّتُ شَيْئًا كَمَا نَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ عَنْهُ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ) زَادَ فِي الْفَتْحِ: وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِأَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَعْنِي عَدَمَ التَّحَكُّمِ بِتَقْدِيرٍ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ، وَالتَّفْوِيضُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى، بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ثُبُوتِ تَقْدِيرِهِ شَرْعًا. اهـ. وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ بِالْقُلَّتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَحَدِيثُهُ غَيْرُ ثَابِتٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَضَعَّفَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ

ص: 191

فِي الْغَايَةِ وَغَيْرِهَا، وَحَقَّقَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ يُعْمَلُ، وَأَنَّ التَّقْدِيرَ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ لَا يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَرُدَّ مَا أَجَابَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَشْرِ أَضْبَطُ وَلَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ لَا رَأْيَ لَهُ مِنْ الْعَوَامّ، فَلِذَا أَفْتَى

ــ

[رد المحتار]

وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ.

(قَوْلُهُ: وَحَقَّقَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ) أَيْ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ النُّقُولِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ: أَيْ فِي أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ تَفْوِيضُ الْخُلُوصِ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ بِلَا تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ رُجُوعِ مُحَمَّدٍ عَنْ تَقْدِيرِهِ بِعَشْرٍ فِي عَشْرٍ لَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَهُ إلَّا فِي نَظَرِهِ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ كَوْنُهُ مَا اسْتَكْثَرَهُ الْمُبْتَلَى فَاسْتِكْثَارُ وَاحِدٍ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَا يَقَعُ فِي قَلْبِ كُلٍّ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا عَلَى الْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ. اهـ. أَقُولُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْغَدِيرَ الْعَظِيمَ مَا لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَفِي الزَّيْلَعِيِّ، قِيلَ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ، وَقِيلَ بِالْمِسَاحَةِ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَقَدِّمِينَ حَتَّى قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ: اتَّفَقَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَفِعَ وَيَنْخَفِضَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا بَعْدَ الْمُكْثِ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَصْلُ الْحَرَكَةِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة أَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ اهـ وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ حَرَكَةُ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الْيَدِ؟ رِوَايَاتٌ ثَانِيهَا أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ الْوَسَطُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهَا. وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّ اعْتِبَارَ الْخُلُوصِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِلَا تَقْدِيرٍ بِشَيْءٍ مُخَالِفٌ فِي الظَّاهِرِ لِاعْتِبَارِهِ بِالتَّحْرِيكِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ أَمْرٌ بَاطِنِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الظَّانِّينَ، وَتَحَرُّكُ الطَّرَفِ الْآخَرِ أَمْرٌ حِسِّيٌّ مُشَاهَدٌ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْقُولٌ عَنْ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَأَنَّهُ لَوْ حَرَّكَ لَوَصَلَ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّحْرِيكُ بِالْفِعْلِ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَرُدَّ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ بَنَى تَقْدِيرَهُ بِالْعَشْرِ عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» فَيَكُونُ لَهُ حَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةٌ، فَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ حَفْرِ بِئْرٍ فِي حَرِيمِهَا لِئَلَّا يَنْجَذِبَ الْمَاءُ إلَيْهَا وَيَنْقُصَ مَاءُ الْأُولَى، وَيَمْنَعُ أَيْضًا مِنْ حَفْرِ بَالُوعَةٍ فِيهِ لِئَلَّا تَسْرِيَ النَّجَاسَةُ إلَى الْبِئْرِ، وَلَا يَمْنَعُ فِيهَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ وَهُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ قَالَ: فَعُلِمَ أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ الْعَشْرَ فِي الْعَشْرِ فِي عَدَمِ سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْحَرِيمِ أَنَّهُ أَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَبِأَنَّ قِوَامَ الْأَرْضِ أَضْعَافُ قِوَامِ الْمَاءِ فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ فِي عَدَمِ السِّرَايَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ، وَبِأَنَّ الْمُخْتَارَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْبُعْدِ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالْبَالُوعَةِ نُفُوذُ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِصَلَابَةِ الْأَرْضِ وَرَخَاوَتِهَا.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) قَدْ تَعَرَّضَ لِهَذَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا، ثُمَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِمَا صَحَّ مِنْ الْمَذْهَبِ لَا بِفَتْوَى الْمَشَايِخِ وَالْوَجْهُ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ. وَإِذَا اطَّلَعْت عَلَى كَلَامِهَا جَزَمْت بِذَلِكَ أَفَادَهُ ط. أَقُولُ: وَهُوَ الَّذِي حُطَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرٍ الْحَاجِّ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْعَلَّامَةِ سَعْدِ الدِّينِ الدِّيرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ الْقَوْلُ الرَّاقِي فِي حُكْمِ مَاءِ الْفَسَاقِيِ أَنَّهُ حَقَّقَ فِيهَا مَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ وَرَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ رَدًّا بَلِيغًا، وَأَوْرَدَ نَحْوَ مِائَةِ نَقْلٍ نَاطِقَةٍ بِالصَّوَابِ إلَى أَنْ قَالَ:

وَإِذَا كُنْت فِي الْمَدَارِكِ غُرًّا

ثُمَّ أَبْصَرْت حَاذِقًا لَا تُمَارِي

وَإِذَا لَمْ تَرَ الْهِلَالَ فَسَلِّمْ

لِأُنَاسٍ رَأَوْهُ بِالْأَبْصَارِ

لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِالْعَشْرِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَقَاضِي خَانْ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ هُمْ أَعْلَمُ بِالْمَذْهَبِ

ص: 192

بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ الْأَعْلَامُ: أَيْ فِي الْمُرَبَّعِ بِأَرْبَعِينَ، وَفِي الْمُدَوَّرِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ، وَفِي الْمُثَلَّثِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةَ عَشَرَ وَرُبُعًا وَخُمُسًا بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ، وَلَوْ لَهُ طُولٌ لَا عَرْضٌ لَكِنَّهُ يَبْلُغُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ جَازَ تَيْسِيرًا، وَلَوْ أَعْلَاهُ عَشْرًا

ــ

[رد المحتار]

مِنَّا فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي رَسْمِ الْمُفْتِي، وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَيْنَا اتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ وَمَا صَحَّحُوهُ، كَمَا لَوْ أَفْتُونَا فِي حَيَاتِهِمْ.

(قَوْلُهُ: أَيْ فِي الْمُرَبَّعِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ مَا يَكُونُ وَجْهُهُ مِائَةَ ذِرَاعٍ سَوَاءٌ كَانَ مُرَبَّعًا، وَهُوَ مَا يَكُونُ كُلُّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهِ عَشَرَةً وَحَوْلَ الْمَاءِ أَرْبَعُونَ وَوَجْهُهُ مِائَةٌ، أَوْ كَانَ مُدَوَّرًا أَوْ مُثَلَّثًا، فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الْمُدَوَّرِ وَالْمُثَلَّثِ إذَا كَانَ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ يَكُونُ وَجْهُهُ مِائَةً، وَإِذَا رَبَّعَ يَكُونُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُدَوَّرِ بِسِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ دَوْرُهُ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا وَقُطْرُهُ أَحَدَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ، وَمِسَاحَتُهُ أَنْ تَضْرِبَ نِصْفَ الْقُطْرِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَنِصْفٌ وَعُشْرٌ فِي نِصْفِ الدَّوْرِ وَهُوَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَكُونُ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَأَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ ذِرَاعٍ. اهـ. سِرَاجٌ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ خَمْسَةٍ. وَفِي الدُّرَرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مُبَرْهَنٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحِسَابِ. وَلِلْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا الزَّهْرَ النَّضِيرَ عَلَى الْحَوْضِ الْمُسْتَدِيرِ أَوْضَحَ فِيهَا الْبُرْهَانَ الْمَذْكُورَ مَعَ رَدِّ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ، وَلَخَّصَ ذَلِكَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الدُّرَرِ.

(قَوْلُهُ: وَرُبُعًا وَخُمُسًا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ خُمُسًا بِأَوْ لَا بِالْوَاوِ، وَهِيَ الْأَصْوَبُ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي التَّعْبِيرِ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ كَنُوحٍ أَفَنْدِي عَبَّرَ بِالرُّبُعِ وَبَعْضُهُمْ كالشرنبلالي فِي رِسَالَتِهِ عَبَّرَ بِالْخُمُسِ، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي السِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ مُثَلَّثًا فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جَانِبٍ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَخُمُسَ ذِرَاعٍ حَتَّى تَبْلُغَ مِسَاحَتُهُ مِائَةَ ذِرَاعٍ، بِأَنْ تَضْرِبَ أَحَدَ جَوَانِبِهِ فِي نَفْسِهِ، فَمَا صَحَّ أَخَذْت ثُلُثَهُ وَعُشْرَهُ فَهُوَ مِسَاحَتُهُ. بَيَانُهُ أَنْ تَضْرِبَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَخُمُسًا فِي نَفْسِهِ يَكُونُ مِائَتَيْنِ وَإِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَجُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ ذِرَاعٍ، فَثُلُثُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ سَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَعُشْرُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَذَلِكَ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَشَيْءٌ قَلِيلٌ لَا يَبْلُغُ عُشْرَ ذِرَاعٍ. اهـ. أَقُولُ: وَعَلَى التَّعْبِيرِ بِالرُّبُعِ يَبْلُغُ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ نَحْوَ رُبُعِ ذِرَاعٍ فَالتَّعْبِيرُ بِالْخُمُسِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَكَانَ يَنْبَغِي لِلشَّارِحِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ) بِالْكَسْرِ: أَيْ ثِيَابِ الْقُطْنِ، وَيَأْتِي مِقْدَارُهُ. [تَنْبِيهٌ]

لَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ الْعُمْقِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَدَائِعُ، وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يَنْحَسِرُ بِالِاغْتِرَافِ: أَيْ لَا يَنْكَشِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى مِعْرَاجٌ. وَفِي الْبَحْرِ الْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَقِيلَ أَرْبَعُ أَصَابِعَ مَفْتُوحَةٍ، وَقِيلَ مَا بَلَغَ الْكَعْبَ، وَقِيلَ شِبْرٌ، وَقِيلَ ذِرَاعٌ، وَقِيلَ ذِرَاعَانِ قُهُسْتَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: لَكِنَّهُ يَبْلُغُ إلَخْ) كَأَنْ يَكُونَ طُولُهُ خَمْسِينَ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَوْ رَبَّعَ صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ.

(قَوْلُهُ: جَازَ تَيْسِيرًا) أَيْ جَازَ الْوُضُوءُ مِنْهُ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، أَوْ الْمُرَادُ جَازَ وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الدُّرَرِ عَنْ عُيُونِ الْمَذَاهِبِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالِاخْتِيَارِ

ص: 193

وَأَسْفَلُهُ أَقَلَّ جَازَ حَتَّى يَبْلُغَ الْأَقَلَّ، وَلَوْ بِعَكْسِهِ فَوَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَشْرَ.

وَلَوْ جَمَدَ مَاؤُهُ فَثُقِبَ، إنْ الْمَاءُ مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَمْدِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسَقَّفِ، وَإِنْ مُتَّصِلًا لَا لِأَنَّهُ كَالْقَصْعَةِ حَتَّى لَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ تَنَجَّسَ

ــ

[رد المحتار]

وَغَيْرِهِمَا وَاخْتَارَ فِي الْفَتْحِ الْقَوْلَ الْآخَرَ وَصَحَّحَهُ تِلْمِيذُهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْكَثْرَةِ عَلَى عَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، وَلَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ الْخُلُوصِ مِنْ جِهَةِ الْعَرْضِ، وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ لَهُ عُمْقٌ بِلَا سَعَةٍ أَيْ بِلَا عَرْضٍ وَلَا طُولٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ مِنْ السَّطْحِ لَا مِنْ الْعُمْقِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهَ، إلَّا أَنَّهُمْ وَسَّعُوا الْأَمْرَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا بِالضَّمِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّجْنِيسِ بِقَوْلِهِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الطُّولِ لَا يُنَجِّسُهُ وَاعْتِبَارُ الْعَرْضِ يُنَجِّسُهُ فَيَبْقَى طَاهِرًا عَلَى أَصْلِهِ لِلشَّكِّ فِي تَنَجُّسِهِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي، وَبِهِ فَارَقَ مَا لَهُ عُمْقٌ بِلَا سَعَةٍ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الْأَقَلَّ) أَيْ وَإِذَا بَلَغَ الْأَقَلَّ فَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ تَنَجَّسَ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَتَشْمَلُ النَّجَاسَةُ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ نَقَصَ حَتَّى صَارَ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ فِي عَشَرَةٍ لَا يَتَوَضَّأُ فِيهِ وَلَكِنْ يَغْتَرِفُ مِنْهُ وَيَتَوَضَّأُ. اهـ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ التَّوَضُّؤِ مِنْ الْفَسَاقِيِ وَفِيهَا الْكَلَامُ الْمَارُّ فَافْهَمْ، ثُمَّ لَوْ امْتَلَأَ بَعْدَ وُقُوعِ النَّجَاسَةِ بَقِيَ نَجِسًا، وَقِيلَ لَا مُنْيَةٌ. وَوَجْهُ الثَّانِي غَيْرُ ظَاهِرٍ حِلْيَةٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَنَجَّسَ حَالَ قِلَّتِهِ لَا يَعُودُ طَاهِرًا بِالْكَثْرَةِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا قَبْلَ اتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ لَا يَنْجُسُ بِهَا. وَلَوْ نَقَصَ بَعْدَ سُقُوطِهَا فِيهِ حَتَّى صَارَ قَلِيلًا فَالْمُعْتَبَرُ قِلَّتُهُ وَكَثْرَتُهُ وَقْتَ اتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ، سَوَاءٌ وَرَدَتْ عَلَيْهِ أَوْ وَرَدَ عَلَيْهَا هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ وَقَوْلُهُ أَوْ وَرَدَ عَلَيْهَا يُشِيرُ إلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ إنْ دَخَلَ مِنْ مَكَان نَجَسٍ أَوْ اتَّصَلَ بِالنَّجَاسَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ دَخَلَ مِنْ مَكَان طَاهِرٍ وَاجْتَمَعَ حَتَّى صَارَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ ثُمَّ اتَّصَلَ بِالنَّجَاسَةِ لَا يَنْجُسُ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ بِعَكْسِهِ) بِأَنْ كَانَ أَعْلَاهُ لَا يَبْلُغُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ وَأَسْفَلُهُ يَبْلُغُهَا.

(قَوْلُهُ: حَتَّى يَبْلُغَ الْعَشْرَ) فَإِذَا بَلَغَهَا جَازَ وَإِنْ كَانَ مَا فِي أَعْلَاهُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي أَسْفَلِهِ أَيْ مِقْدَارًا لَا مِسَاحَةً. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ أَنَّهُ الْأَشْبَهُ اهـ. أَقُولُ: وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا حَالَةَ الْوُقُوعِ هُنَا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْأَسْفَلِ فِي حُكْمِ حَوْضٍ آخَرَ بِسَبَبِ كَثْرَتِهِ مَسَّاحَةً وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ ابْتِدَاءً لَمْ تَضُرَّهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَدَبَّرْ. وَهَذِهِ يَلْغُزُ فِيهَا فَيُقَالُ: مَاءٌ كَثِيرٌ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ تُنَجِّسُ ثُمَّ إذَا قَلَّ طَهُرَ. بَقِيَ مَا لَوْ وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ ثُمَّ نَقَصَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ امْتَلَأَ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ ح: لَمْ أَجِدْ حُكْمَهُ. وَأَقُولُ: هَذَا عَجِيبٌ، فَإِنَّهُ حَيْثُ حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ مَا يُنَجِّسُهُ هَلْ يُتَوَهَّمُ نَجَاسَتُهُ، نَعَمْ لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَرْئِيَّةً وَكَانَتْ بَاقِيَةً فِيهِ أَوْ امْتَلَأَ قَبْلَ جَفَافِ أَعْلَى الْحَوْضِ تَنَجَّسَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ أَوْ مَرْئِيَّةً وَأُخْرِجَتْ مِنْهُ أَوْ امْتَلَأَ بَعْدَمَا حُكِمَ بِطَهَارَةِ جَوَانِبِ أَعْلَاهُ بِالْجَفَافِ فَلَا إذْ لَا مُقْتَضَيْ لِلنَّجَاسَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ جَمَدَ مَاؤُهُ) أَيْ مَاءُ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ: أَيْ وَجْهُ الْمَاءِ مِنْهُ.

(قَوْلُهُ: فَثُقِبَ) أَيْ وَلَمْ تَبْلُغْ مِسَاحَةُ الثُّقْبِ عَشْرًا فِي عَشْرٍ.

(قَوْلُهُ: مُنْفَصِلًا عَنْ الْجَمَدِ) أَيْ مُتَسَفِّلًا عَنْهُ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ حُرِّكَ تَحَرَّكَ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ مُتَّصِلًا لَا) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ نُصَيْرٍ وَالْإِسْكَافِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا أَوْسَعُ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. وَقَالُوا: إذَا حُرِّكَ مَوْضِعُ الثَّقْبِ تَحْرِيكًا بَلِيغًا يُعْلَمُ عِنْدَهُ أَنَّ مَا كَانَ رَاكِدًا ذَهَبَ. وَهَذَا مَاءٌ جَدِيدٌ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. بَدَائِعُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ إنْ حَرَّكَ الْمَاءَ عِنْدَ إدْخَالِ كُلِّ عُضْوٍ مَرَّةً جَازَ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَشْبَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ السِّرَاجِ الْهِنْدِيِّ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمُنْيَةِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ. وَفِي الْحِلْيَةِ أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ.

(قَوْلُهُ: تَنَجَّسَ) أَيْ

ص: 194

لَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ فَمَاتَ لِتَسَفُّلِهِ. ثُمَّ الْمُخْتَارُ طَهَارَةُ الْمُتَنَجِّسِ بِمُجَرَّدِ جَرَيَانِهِ وَكَذَا الْبِئْرُ وَحَوْضُ الْحَمَّامِ.

ــ

[رد المحتار]

مَوْضِعُ الثَّقْبِ دُونَ الْمُتَسَفِّلِ، فَلَوْ ثُقِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَخَذَ الْمَاء مِنْهُ وَتَوَضَّأَ جَازَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ: لَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ إلَخْ) أَيْ لَا يَنْجُسُ مَوْضِعُ الثَّقْبِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ غَالِبًا بَعْدَ التَّسَفُّلِ وَلَا مَا تَحْتَهُ لِكَثْرَتِهِ، لَكِنْ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِوُقُوعِ الْكَلْبِ نَظَرٌ لِتَنَجُّسِ الثُّقْبِ بِمُلَاقَاةِ الْمَاءِ لِفَمِهِ وَأَنْفِهِ وَلِذَا صَوَّرَهَا فِي الْمُنْيَةِ بِوُقُوعِ الشَّاةِ. وَفِي شَرْحِهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ فِي الثُّقْبِ قَبْلَ التَّسَفُّلِ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْحَيَوَانُ الْوَاقِعُ مُتَنَجِّسًا يَتَنَجَّسُ مَا فِي الثُّقْبِ. مَطْلَبُ يَطْهُرُ الْحَوْضُ بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ.

(قَوْلُهُ: بِمُجَرَّدِ جَرَيَانِهِ) أَيْ بِأَنْ يَدْخُلَ مِنْ جَانِبٍ وَيَخْرُجَ مِنْ آخَرَ حَالَ دُخُولِهِ وَإِنْ قَلَّ الْخَارِجُ بَحْرٌ. قَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: لِأَنَّهُ صَارَ جَارِيًا حَقِيقَةً، وَبِخُرُوجِ بَعْضِهِ رُفِعَ الشَّكُّ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فَلَا تَبْقَى مَعَ الشَّكِّ. اهـ. وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَخْرُجَ قَدْرُ مَا فِيهِ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ بَحْرٌ، فَلَوْ خَرَجَ بِلَا دُخُولٍ كَأَنْ ثُقِبَ مِنْهُ ثُقْبٌ فَلَيْسَ بِجَارٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَوْضُ مُمْتَلِئًا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ نَاقِصًا فَدَخَلَهُ الْمَاءُ حَتَّى امْتَلَأَ وَخَرَجَ بَعْضُهُ طَهُرَ أَيْضًا كَمَا لَوْ كَانَ ابْتِدَاءً مُمْتَلِئًا مَاءً نَجِسًا كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ الْحَوْضِ نَجِسٌ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالطَّهَارَةِ. اهـ. أَقُولُ: هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ خُرُوجِ الْمِثْلِ أَوْ ثَلَاثَةِ الْأَمْثَالِ لَمْ يُحْكَمْ بِطَهَارَةِ الْحَوْضِ، فَيَظْهَرُ كَوْنُ الْخَارِجِ نَجِسًا. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فَقَدْ حُكِمَ بِالطَّهَارَةِ بِمُجَرَّدِ الْخُرُوجِ فَيَكُونُ الْخَارِجُ طَاهِرًا تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَنَصُّهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ، وَإِنْ رَفَعَ إنْسَانٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي خَرَجَ وَتَوَضَّأَ بِهِ جَازَ اهـ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ، لَكِنْ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا حَوْضٌ نَجِسٌ امْتَلَأَ مَاءً وَفَارَ مَاؤُهُ عَلَى جَوَانِبِهِ وَجَفَّ جَوَانِبُهُ لَا يَطْهُرُ، وَقِيلَ يَطْهُرُ اهـ. وَفِيهَا: وَلَوْ امْتَلَأَ فَتَشَرَّبَ الْمَاءُ فِي جَوَانِبِهِ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمَاءُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ. اهـ. وَفِي الْخُلَاصَةِ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ، فَلَوْ امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَخَرَجَ مِنْ جَانِبِ الشَّطِّ عَلَى وَجْهِ الْجَرَيَانِ حَتَّى بَلَغَ الْمُشَجَّرَةَ يَطْهُرُ، أَمَّا قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ فَلَا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْبِئْرُ وَحَوْضُ الْحَمَّامِ) أَيْ يَطْهُرَانِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ، وَكَذَا مَا فِي حُكْمِهِ مِنْ الْعُرْفِ الْمُتَدَارَكِ كَمَا مَرَّ. مَطْلَبٌ فِي إلْحَاقِ نَحْوِ الْقَصْعَةِ بِالْحَوْضِ [تَنْبِيهٌ]

هَلْ يُلْحَقُ نَحْوُ الْقَصْعَةِ بِالْحَوْضِ؟ فَإِذَا كَانَ فِيهَا مَاءٌ نَجِسٌ ثُمَّ دَخَلَ فِيهَا مَاءٌ جَارٍ حَتَّى طَفَّ مِنْ جَوَانِبِهَا هَلْ تَطْهُرُ هِيَ وَالْمَاءُ الَّذِي فِيهَا كَالْحَوْضِ أَمْ لَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي غَسْلِهَا؟ تَوَقَّفْتُ فِيهِ مُدَّةً، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى: إذَا فَسَدَ مَاءُ الْحَوْضِ فَأُخِذَ مِنْهُ بِالْقَصْعَةِ وَأَمْسَكَهَا تَحْتَ الْأُنْبُوبِ فَدَخَلَ الْمَاءُ وَسَالَ مَاءُ الْقَصْعَةِ فَتَوَضَّأَ بِهِ لَا يَجُوزُ. اهـ. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَوْضِ: لَوْ خَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ كَالْقَصْعَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِثْلُ مَا فِيهِ. اهـ. فَالظَّاهِرُ أَنَّمَا فِي الْخِزَانَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الصَّحِيحِ، يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي جَرَيَانِ الْحَوْضِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَعَلَى هَذَا حَوْضُ الْحَمَّامِ أَوْ الْأَوَانِي إذَا تَنَجَّسَ. اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ تَطْهُرُ الْأَوَانِي أَيْضًا بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ، وَقَدْ عَلَّلَ

ص: 195

هَذَا، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ: وَالْمُخْتَارُ: ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَقَطْ، فَيَكُونُ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ بِذِرَاعِ زَمَانِنَا

ــ

[رد المحتار]

فِي الْبَدَائِعِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ صَارَ مَاءً جَارِيًا وَلَمْ نَسْتَيْقِنْ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، فَاتَّضَحَ الْحُكْمُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَبَقِيَ شَيْءٌ آخَرُ سُئِلْت عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّ دَلْوًا تَنَجَّسَ فَأَفْرَغَ فِيهِ رَجُلٌ مَاءً حَتَّى امْتَلَأَ وَسَالَ مِنْ جَوَانِبِهِ هَلْ يَطْهُرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الطَّهَارَةُ، أَخْذًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَا وَمِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْجَرَيَانُ بِمَدَدٍ، وَمَا يُقَالُ إنَّهُ لَا يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ جَارِيًا مَمْنُوعٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَالَ دَمُ رِجْلِهِ مَعَ الْعَصِيرِ لَا يَنْجُسُ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ نَهْرًا مِنْ حَوْضٍ صَغِيرٍ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي طَرَفِ الْمِيزَابِ إلَخْ وَكَذَا مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ عَنْ الْخِزَانَةِ وَالذَّخِيرَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَكُلُّ هَذَا اعْتَبَرُوهُ جَارِيًا فَكَذَا هُنَا. وَأَخْبَرَنِي شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ عَصْرِهِ فِي حَلَبَ أَفْتَى بِذَلِكَ حَتَّى فِي الْمَائِعَاتِ وَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ.

وَأَقُولُ: مَسْأَلَةُ الْعَصِيرِ تَشْهَدُ لِمَا أَفْتَى بِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ حُكْمَ سَائِرِ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ، فَمَنْ أَنْكَرَهُ وَادَّعَى خِلَافَهُ يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِنَقْلٍ صَرِيحٍ لَا بِمُجَرَّدِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَذَكَرُوهُ فِي تَطْهِيرِ الْمَائِعَاتِ كَالزَّيْتِ وَنَحْوِهِ. عَلَى أَنِّي رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَوَّلَ فَصْلِ النَّجَاسَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ الْمَائِعَ كَالْمَاءِ وَالدِّبْسِ وَغَيْرِهِمَا طَهَارَتُهُ إمَّا بِإِجْرَائِهِ مَعَ جِنْسِهِ مُخْتَلِطًا بِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي التُّمُرْتَاشِيِّ، وَإِمَّا بِالْخَلْطِ مَعَ الْمَاءِ كَمَا إذَا جَعَلَ الدُّهْنَ فِي الْخَابِيَةِ ثُمَّ صَبَّ فِيهِ مَاءً مِثْلَهُ وَحُرِّكَ ثُمَّ تُرِكَ حَتَّى يَعْلُوَ وَثَقَبَ أَسْفَلَهَا حَتَّى يَخْرُجَ الْمَاءُ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَإِنَّهُ يَطْهُرُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ إلَخْ، فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْإِجْرَاءِ نَظِيرَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخِزَانَةِ وَغَيْرِهَا، مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَجْرَى مَاءَ إنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فِي الْأَرْضِ أَوْ صَبَّهُمَا مِنْ عُلُوٍّ فَاخْتَلَطَا طَهُرَا بِمَنْزِلَةِ مَاءٍ جَارٍ، نَعَمْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ تَخْصِيصِ الْجَرَيَانِ بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ هُنَا، لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ طَهَارَةِ الْحَوْضِ بِمُجَرَّدِ الْجَرَيَانِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِفِكْرِي السَّقِيمِ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76] . مَطْلَبٌ فِي مِقْدَارِ الذِّرَاعِ وَتَعْيِينِهِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُخْتَارُ ذِرَاعُ الْكِرْبَاسِ) وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَاخْتَارَهُ فِي الدُّرَرِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْخِزَانَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَفِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا: ذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ. وَفِي الْمُحِيطِ وَالْكَافِي أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ذِرَاعُهُمْ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَهُوَ الْأَنْسَبُ. قُلْت: لَكِنْ رَدَّهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِعَدَمِ خُلُوصِ النَّجَاسَةِ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ فَقَطْ) أَيْ بِلَا إصْبَعٍ قَائِمَةٍ، وَهَذَا مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ. وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ لَيْسَ فَوْقَ كُلِّ قَبْضَةٍ إصْبَعٌ قَائِمَةٌ فَهُوَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا بِعَدَدِ حُرُوفِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ " وَالْمُرَادُ بِالْإِصْبَعِ الْقَائِمَةِ ارْتِفَاعُ الْإِبْهَامِ كَمَا فِي [غَايَةِ الْبَيَانِ] اهـ وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضَةِ أَرْبَعُ أَصَابِعَ مَضْمُومَةٍ نُوحٌ. أَقُولُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ ذِرَاعِ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ سِتُّ قَبَضَاتٍ وَشَيْءٌ، وَذَلِكَ شِبْرَانِ.

(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ) كَأَنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَلَمْ يَمْتَحِنْهُ، وَصَوَابُهُ: فَيَكُونُ عَشْرًا فِي ثَمَانٍ.

ص: 196

ثَمَانِ قَبَضَاتٍ وَثَلَاثِ أَصَابِعَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ بِالْمُعَشَّرِ أَيْ وَلَوْ حُكْمًا لِيَعُمَّ مَا لَهُ طُولٌ بِلَا عَرْضٍ فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا بِئْرٌ عُمْقُهَا عَشْرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَحِينَئِذٍ فَلَوْ مَاؤُهَا بِقَدْرِ الْعَشْرِ لَمْ يَنْجُسْ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ، وَحِينَئِذٍ فَعُمْقُ خَمْسِ أَصَابِعَ تَقْرِيبًا ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَثُمِائَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ مَنًّا مِنْ الْمَاءِ الصَّافِي، وَيَسَعُهُ غَدِيرٌ كُلُّ ضِلْعٍ مِنْهُ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا ذِرَاعَانِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ ذِرَاعٍ وَنِصْفُ إصْبَعٍ تَقْرِيبًا كُلُّ ذِرَاعٍ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا. اهـ. قُلْت وَفِيهِ كَلَامٌ إذْ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعُمْقِ وَحْدَهُ فَتَبَصَّرْ.

(وَلَا يَجُوزُ بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ (زَالَ طَبْعُهُ) وَهُوَ السَّيَلَانُ وَالْإِرْوَاءُ وَالْإِنْبَاتُ (بِسَبَبِ)(طَبْخٍ كَمَرَقٍ) وَمَاءِ بَاقِلَاءَ إلَّا بِمَا قُصِدَ بِهِ التَّنْظِيفُ كَأُشْنَانٍ وَصَابُونٍ فَيَجُوزُ إنْ بَقِيَ رِقَّتُهُ

ــ

[رد المحتار]

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَبْضَةَ أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَإِذَا كَانَ ذِرَاعُ زَمَانِهِمْ ثَمَانِ قَبَضَاتٍ وَثَلَاثَ أَصَابِعَ يَكُونُ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ إصْبَعًا، وَإِذَا ضَرَبْت الْعَشْرَ فِي ثَمَانٍ بِذَلِكَ الذِّرَاعِ تَبْلُغُ ثَمَانِينَ فَاضْرِبْهَا فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَثَمَانِمِائَةٍ إصْبَعٍ، وَهِيَ مِقْدَارُ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ الْمُقَدَّرِ بِسَبْعِ قَبَضَاتٍ؛ لِأَنَّ الذِّرَاعَ حِينَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا، وَالْعَشْرُ فِي عَشْرٍ بِمِائَةٍ، فَإِذَا ضَرَبْت ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فِي مِائَةٍ تَبْلُغُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ. وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَلَا تَبْلُغُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّك إذَا ضَرَبْت ثَمَانِيًا فِي ثَمَانٍ تَبْلُغُ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ، فَإِذَا ضَرَبْتهَا فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ تَبْلُغُ أَلْفَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ إصْبَعًا وَذَلِكَ ثَمَانُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْكِرْبَاسِ وَالْمَطْلُوبُ مِائَةٌ فَالصَّوَابُ مَا قُلْنَاهُ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ قَوْلِهِ وَلَوْ لَهُ طُولٌ لَا عَرْضٌ إلَخْ ط.

(قَوْلُهُ: عُمْقُهَا) بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ قَعْرُ الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا قَامُوسٌ.

(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى والتمرتاشي وَالْإِيضَاحِ وَالْمُبْتَغَى، وَعَزَاهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَى شَرْحِ صَدْرِ الْقُضَاةِ وَجَمْعِ التَّفَارِيقِ، وَهُوَ مُتَوَغِّلٌ فِي الْإِغْرَابِ، مُخَالِفٌ لِمَا أَطْلَقَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) أَيْ إذَا اُعْتُبِرَ الْعُمْقُ بِلَا سَعَةٍ.

(قَوْلُهُ: بِقَدْرِ الْعَشْرِ) أَيْ بِقَدْرِ الْمُرَبَّعِ الَّذِي هُوَ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ.

(قَوْلُهُ: وَحِينَئِذٍ) الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِإِغْنَاءِ مَا قَبْلَهُ عَنْهُ.

(قَوْلُهُ: فَعُمْقُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ غَدِيرٌ عَشْرٌ فِي عَشْرٍ عُمْقُهُ خَمْسُ أَصَابِعَ تَقْرِيبًا كَانَ مَاؤُهُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ إلَخْ وَقَدَّمْنَا الْأَقْوَالَ فِي مِقْدَارِ الْعُمْقِ، وَلَيْسَ فِيهَا قَوْلٌ بِتَقْدِيرِهِ بِخَمْسِ أَصَابِعَ.

(قَوْلُهُ: وَثَلَثُمِائَةٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَثَمَانُمِائَةٍ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: مَنًّا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمَنُّ كَيْلٌ أَوْ مِيزَانٌ أَوْ رَطْلَانِ كَالْمَنَا جَمْعُهُ أَمْنَانٌ وَجَمْعُ الْمَنَا أَمْنَاءٌ. وَالرَّطْلُ بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ: اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.

(قَوْلُهُ: فَعُمْقُ خَمْسِ أَصَابِعَ إلَخْ) الْأَوْلَى اعْتِبَارُهُ بِالْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَعَلَيْهِ فَيَبْلُغُ فِي الْمُرَبَّعِ مَا طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَعُمْقُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ وَإِصْبَعٌ وَثُلُثُ إصْبَعٍ، وَفِي الْمُثَلَّثِ مَا طُولُهُ وَعَرْضُهُ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ ذِرَاعٍ، وَعُمْقُهُ ذِرَاعَانِ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ وَإِصْبَعٌ وَثُلُثُ إصْبَعٍ، وَفِي الْمُدَوَّرِ مَا قُطْرُهُ وَعُمْقُهُ ذِرَاعَانِ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ إصْبَعًا وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِ إصْبَعٍ، وَوَزْنُ ذَلِكَ الْمَاءِ بِالْقُلَلِ سَبْعَ عَشْرَةَ قُلَّةً وَثُلُثُ خُمُسِ قُلَّةٍ، وَالْقُلَّةُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ كُلُّ رَطْلٍ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَجُمْلَةُ ذَلِكَ بِالرَّطْلِ الشَّامِيِّ فِي زَمَانِنَا سَبْعُمِائَةِ رَطْلٍ وَأَحَدٌ وَسِتُّونَ رَطْلًا وَعَشَرَ أَوَاقٍ وَأَحَدٌ وَخَمْسُونَ دِرْهَمًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، كُلُّ رَطْلٍ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا.

(قَوْلُهُ: زَالَ طَبْعُهُ) أَيْ وَصْفُهُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ط.

(قَوْلُهُ: وَالْإِنْبَاتُ) اقْتَصَرَ الْوَانِيُّ عَلَيْهِ لِاسْتِلْزَامِهِ الْإِرْوَاءِ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الْأَشْرِبَةَ تُرْوِي وَلَا تُنْبِتُ وَالْمَاءُ الْمِلْحُ طَبْعُهُ الْإِنْبَاتُ إلَّا أَنَّهُ عُدِمَ مِنْهُ لِعَارِضٍ كَالْمَاءِ الْحَارِّ ط.

(قَوْلُهُ: بِسَبَبِ طَبْخٍ) أَيْ بِغَيْرِهِ، فَمُجَرَّدُ تَسْخِينِ الْمَاءِ بِدُونِ خَلْطٍ لَا يُسَمَّى طَبْخًا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ: أَيْ لِأَنَّ الطَّبْخَ هُوَ الْإِنْضَاجُ اسْتِوَاءً قَامُوسٌ.

(قَوْلُهُ: وَمَاءِ بَاقِلَاءَ) أَيْ فُولٍ، وَهُوَ مُخَفَّفٌ مَعَ الْمُدِّ وَمُشَدَّدٌ وَيُخَفَّفُ مَعَ الْقَصْرِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَرُسِمَ الْأَوَّلُ بِالْأَلِفِ وَالثَّانِي بِالْيَاءِ.

(قَوْلُهُ: إنْ بَقِيَ رِقَّتُهُ) أَمَّا لَوْ صَارَ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ فَلَا لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْهِدَايَةِ

ص: 197