الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَوْ أَتَى النَّائِمُ بِرَكْعَةٍ تَامَّةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رَكْعَةً وَهِيَ لَا تَقْبَلُ الرَّفْضَ.
وَلَوْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ فَنَامَ فِيهِ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الرَّفْعِ (مِنْهُ) وَالْوَضْعُ بِالِاخْتِيَارِ
(وَلَهَا وَاجِبَاتٌ) لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا وَتُعَادُ وُجُوبًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُونُ فَاسِقًا
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَى) أَيْ فِي حَالَةِ النَّوْمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ رَكَعَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فَإِنْ أَتَى بِهَا نَائِمًا لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ نَامَ بَعْدَمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ اعْتَدَّ بِهِ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الرَّفْعِ وَالْوَضْعِ) كَذَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْأَظْهَرُ ذِكْرُ الِانْحِنَاءِ بَدَلَ الرَّفْعِ. وَقَالَ ط: هَذَا بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الرَّفْعِ فِي الرُّكُوعِ، أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ فَلَا يَظْهَرُ.
[وَاجِبَات الصَّلَاة]
مَطْلَبُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ
(قَوْلُهُ وَلَهَا وَاجِبَاتٌ) قَدَّمْنَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَتَقْسِيمَ الْوَاجِبِ إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَعْلَاهُمَا يُسَمَّى فَرْضًا عَمَلِيًّا، وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَالْوِتْرِ: وَالْآخَرُ مَا لَا يَفُوتُ بِفَوْتِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَحُكْمُهُ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ بِتَرْكِهِ، وَعَدَمُ إكْفَارِ جَاحِدِهِ، وَالثَّوَابِ بِفِعْلِهِ. وَحُكْمُهُ فِي الصَّلَاةِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ: وَالْوَاجِبُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْفَرْضِ كَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَاجِبٌ (قَوْلُهُ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا) أَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى الْقُهُسْتَانِيِّ حَيْثُ قَالَ: تَفْسُدُ وَلَا تَبْطُلُ اهـ. قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفَاسِدَ مَا فَاتَ عَنْهُ وَصْفٌ مَرْغُوبٌ، وَالْبَاطِلُ مَا فَاتَ عَنْهُ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ. وَقَدْ يُطْلَقُ الْفَاسِدُ بِمَعْنَى الْبَاطِلِ مَجَازًا. اهـ. وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ أَئِمَّتَنَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْعِبَادَاتِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا فَرَّقُوا فِي الْمُعَامَلَاتِ ح (قَوْلُهُ وَتُعَادُ وُجُوبًا) أَيْ بِتَرْكِ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهَا: وَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ وَالْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ لَا لَوْ تَرَكَ السُّورَةَ رَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَتْ آكَدَ فِي الْوُجُوبِ لِلِاخْتِلَافِ فِي رُكْنِيَّتِهَا دُونَ السُّورَةِ لَكِنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ حُكْمُ تَرْكِ الْوَاجِبِ مُطْلَقًا لَا الْوَاجِبِ الْمُؤَكَّدِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ الْآكَدِيَّةُ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ مَقُولٌ بِالتَّشْكِيكِ. اهـ.
قُلْت: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ لِعُذْرٍ كَالْأُمِّيِّ أَوْ مَنْ أَسْلَمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ) أَيْ لِلسَّهْوِ، وَهَذَا قَيْدٌ لِقَوْلِهِ وَالسَّهْوُ، إذْ لَا سُجُودَ فِي الْعَمْدِ، قِيلَ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ لَوْ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَمْدًا أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَتَفَكَّرَ عَمْدًا حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ رُكْنٍ أَوْ أَخَّرَ إحْدَى سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ عَمْدًا أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى عَمْدًا. وَزَادَ بَعْضُهُمْ خَامِسًا وَهُوَ: لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ عَمْدًا فَيَسْجُدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُسَمَّى سُجُودَ عُذْرٍ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ الشَّارِحُ ذَلِكَ لِمَا سَيَأْتِي تَضْعِيفُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ. وَرَدَّهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَيْضًا بِأَنَّا لَا نَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا فِي الرِّوَايَةِ وَلَا وَجْهًا فِي الدِّرَايَةِ وَهَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ لِعُذْرٍ، كَمَا لَوْ نَسِيَهُ أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فِي الْفَجْرِ؟ لَمْ أَرَهُ فَلْيُرَاجَعْ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْوُجُوبُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الشَّارِحِ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لَمْ يَنْجَبِرْ بِجَابِرٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْثَمْ بِتَرْكِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ: مَطْلَبٌ الْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا مِنْ الصَّغَائِرِ، وَلَا تَسْقُطُ بِهِ الْعَدَالَةُ إلَّا بِالْإِدْمَانِ
(قَوْلُهُ يَكُونُ فَاسِقًا) أَقُولُ: صَرَّحَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ نَجِيمٍ فِي رِسَالَتِهِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي بَيَانِ الْمَعَاصِي: بِأَنَّ كُلَّ مَكْرُوهٍ تَحْرِيمًا مِنْ الصَّغَائِرِ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُمْ شَرَطُوا لِإِسْقَاطِ الْعَدَالَةِ بِالصَّغِيرَةِ الْإِدْمَانَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَشْرِطُوهُ فِي فِعْلِ مَا يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا: وَقَالَ أَيْضًا إنَّهُمْ أَسْقَطُوهَا بِالْأَكْلِ فَوْقَ الشِّبَعِ مَعَ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ، فَيَنْبَغِي اشْتِرَاطُ الْإِصْرَارِ
آثِمًا وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا. وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ جَابِرٌ لِلْأَوَّلِ،
ــ
[رد المحتار]
عَلَيْهِ.
قَالَ: وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُسْقِطَ لَهَا بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ يُسْقِطُهَا وَلَوْ صَغِيرَةً بِلَا إدْمَانٍ، كَمَا أَفَادَهُ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ كَلَامَ الشَّارِحِ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَمَدِ. مَطْلَبٌ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ تَجِبُ إعَادَتُهَا
(قَوْلُهُ وَكَذَا كُلُّ صَلَاةٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَشْمَلُ نَحْوَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ مِمَّا لَمْ يُوجِبْ سُجُودًا أَصْلًا، وَأَنَّ النَّقْصَ إذَا دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُجْبَرْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمُقْتَدِي أَيْضًا وَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ إذَا أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ إلَّا إذَا أَعَادَهَا الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ جَمِيعًا فَلْيُرَاجَعْ ح.
أَقُولُ: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ بَحْثًا أَنَّ كَوْنَ الْإِعَادَةِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَاجِبَةً لَا يَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ مَنْدُوبَةً بِتَرْكِ سُنَّةٍ اهـ وَنَحْوِهِ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، بَلْ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ تَنْزِيهٍ فَتُسْتَحَبُّ اهـ.
بَقِيَ هُنَا شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَصَرَّحُوا بِفِسْقِ تَارِكِهَا وَتَعْزِيرِهِ، وَأَنَّهُ يَأْثَمُ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى مُفْرَدًا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا بِالْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ مِنْ الظُّهْرِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا، فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ بِالْجَمَاعَةِ مَعَ أَنَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا مَكْرُوهَةٌ تَحْرِيمًا أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّحْرِيمِ، فَيُخَالِفُ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ تَخْصِيصَهَا بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي تُعَادُ بِتَرْكِهِ مَا كَانَ مِنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ وَأَجْزَائِهَا فَلَا يَشْمَلُ الْجَمَاعَةَ لِأَنَّهَا وَصْفٌ لَهَا خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّتِهَا، أَوْ يَدَّعِي تَقْيِيدَ قَوْلِهِمْ يُتِمُّ وَيَقْتَدِي مُتَطَوِّعًا بِمَا إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا لِعُذْرٍ كَعَدَمِ وُجُودِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فَلَا تَكُونُ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا مَكْرُوهَةً وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرُوا الْجَمَاعَةَ مِنْ جُمْلَةِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ خَارِجٌ عَنْ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي سُوَرِ الْقُرْآنِ، فَلَوْ قَرَأَ مَنْكُوسًا أَثِمَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَاجِبَاتِ الْقِرَاءَةِ لَا مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ السَّهْوِ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ يَشْمَلُ تَرْكَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بِالصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ فِيهِ صُورَةٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلُ الصَّنَمِ. [تَنْبِيهٌ]
قَيَّدَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ بِمَا قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَتُسْتَحَبُّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ بَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَعَدَمِهِ، وَتَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ) أَيْ الْفِعْلَ الثَّانِيَ جَابِرٌ لِلْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ الْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَبِالْأَوَّلِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ عَلَى الْأَصَحِّ، كَذَا فِي شَرْحِ الْأَكْمَلِ عَلَى أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ، وَمُقَابِلُهُ مَا نَقَلُوهُ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِي وَاخْتَارَ ابْنُ الْهُمَامِ الْأَوَّلَ قَالَ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ، وَجَعْلُهُ الثَّانِيَ يَقْتَضِي عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إذْ هُوَ لَازِمٌ تَرْكِ الرُّكْنِ لَا الْوَاجِبِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ امْتِنَانٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إذْ يَحْتَسِبُ الْكَامِلَ وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ الْفَرْضِ لَمَّا عَلِمَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ سَيُوقِعُهُ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ بِكَوْنِ الْفَرْضِ هُوَ الثَّانِيَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَكْرَارُ الْفَرْضِ لِأَنَّ كَوْنَ الْفَرْضِ هُوَ الثَّانِيَ دُونَ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ سُقُوطِهِ بِالْأَوَّلِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِ فَرْضٍ لَا بِتَرْكِ وَاجِبٍ، وَحَيْثُ اسْتَكْمَلَ الْأَوَّلُ
لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ
(وَهِيَ) عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ أَكْثَرِهَا لَا أَقَلِّهَا، لَكِنْ فِي الْمُجْتَبَى يَسْجُدُ بِتَرْكِ آيَةٍ مِنْهَا وَهُوَ أَوْلَى
قُلْت: وَعَلَيْهِ فَكُلُّ آيَةٍ وَاجِبَةٌ كَكُلِّ تَكْبِيرَةِ عِيدٍ وَتَعْدِيلُ رُكْنٍ وَإِتْيَانُ كُلٍّ وَتَرْكُ تَكْرِيرِ كُلٍّ كَمَا يَأْتِي فَلْيُحْفَظْ (وَضَمُّ) أَقْصَرِ (سُورَةٍ) كَالْكَوْثَرِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا، هُوَ ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ، نَحْوُ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] {ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ} [المدثر: 22]{ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ} [المدثر: 23] وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ
ــ
[رد المحتار]
فَرَائِضَهُ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مُجْزِئًا فِي الْحُكْمِ وَسُقُوطُ الْفَرْضِ بِهِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ، فَإِذَا كَانَ الثَّانِي فَرْضًا يَلْزَمُ مِنْهُ تَكْرَارُ الْفَرْضِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إلَخْ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ) وَإِلَّا فَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ (قَوْلُهُ قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) هَذَا إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْوَقْتِ وَإِلَّا اكْتَفَى بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَخَصَّ الْبَزْدَوِيُّ الْفَجْرَ بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ إسْمَاعِيلُ (قَوْلُهُ بِتَرْكِ أَكْثَرِهَا) يُفِيدُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَكْثَرُ، وَلَا يَعْرَى عَنْ تَأَمُّلٍ بَحْرٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهَا بِتَمَامِهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُ؛ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَأَكْثَرُهَا، وَلِذَا لَا يَجِبُ السَّهْوُ بِنِسْيَانِ الْبَاقِي كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ، فَكَلَامُ الشَّارِحِ جَارٍ عَلَى قَوْلِهِمَا ط (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى) لَعَلَّهُ لِلْمُوَاظَبَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ ط (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ وَبِنَاءً عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى فَكُلُّ آيَةٍ وَاجِبَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي الْمُجْتَبَى مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِأَنَّهَا بِتَمَامِهَا وَاجِبَةٌ وَذِكْرُ الْآيَةِ تَمْثِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ إذْ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا آيَةٍ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ حَرْفًا لَا يَكُونُ آتِيًا بِكُلِّهَا الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ ضَمُّ ثَلَاثِ آيَاتٍ، فَلَوْ قَرَأَ دُونَهَا كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ أَفَادَهُ الرَّحْمَتِيُّ.
(قَوْلُهُ كَكُلِّ تَكْبِيرَةِ عِيدٍ) وَهِيَ سِتُّ تَكْبِيرَاتٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ ح (قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ رُكْنٍ) عُطِفَ عَلَى تَكْبِيرَةٍ: أَيْ وَكَكُلِّ تَعْدِيلِ رُكْنٍ وَمِثْلُهُ تَعْدِيلُ الْقَوْمَةِ وَتَعْدِيلُ الْجِلْسَةِ عَلَى مَا يَأْتِي قَرِيبًا ح (قَوْلُهُ وَإِتْيَانُ كُلٍّ إلَخْ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى كُلٍّ الْأَوَّلِ أَوْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى كُلٍّ الثَّانِي، وَالْمُرَادُ أَنَّ مِنْ الْوَاجِبَاتِ إتْيَانَ كُلِّ فَرْضٍ أَوْ وَاجِبٍ فِي مَحَلِّهِ، وَتَرْكُ تَكْرِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَأَفَادَ هَذَا الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَمَا يَأْتِي أَيْ فِي آخِرِ الْوَاجِبَاتِ (قَوْلُهُ وَتَرْكُ تَكْرِيرِ كُلٍّ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَعَلِمْت الْمُرَادَ مِنْهُ. وَاَلَّذِي فِي عَامَّةِ النُّسَخِ: وَتَرْكُ كُلٍّ بِإِسْقَاطِ تَكْرِيرٍ. وَتَوْجِيهُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ كَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ تَنْظِيرَ الْآيَةِ فِي قَوْلِهِ يَسْجُدُ بِتَرْكِ آيَةٍ، وَالْمَعْنَى كَمَا يَسْجُدُ بِتَرْكِ كُلِّ تَكْبِيرَةِ عِيدٍ بِمُفْرَدِهَا، وَتَرْكِ كُلِّ تَعْدِيلِ رُكْنٍ بِمُفْرَدِهِ، وَتَرْكِ إتْيَانِ كُلٍّ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ التَّعْدِيلَاتِ جُمْلَةً، وَكَذَا بِتَرْكِ كُلِّ هَذِهِ الْمَذْكُورَةِ جُمْلَةً، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
(قَوْلُهُ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا) أَيْ مِثْلُ - {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21]- إلَخْ وَهِيَ ثَلَاثُونَ حَرْفًا، فَلَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً قَدْرَ ثَلَاثِينَ حَرْفًا يَكُونُ قَدْ أَتَى بِقَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ، لَكِنْ سَيَأْتِي فِي فَصْلِ يَجْهَرُ الْإِمَامُ أَنَّ فَرْضَ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ وَأَنَّ الْآيَةَ عُرْفًا طَائِفَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ مُتَرْجَمَةٌ أَقَلُّهَا سِتَّةُ أَحْرُفٍ وَلَوْ تَقْدِيرًا كَلَمْ يَلِدْ إلَّا إذَا كَانَتْ كَلِمَةً فَالْأَصَحُّ عَدَمُ الصِّحَّةِ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً قَدْرَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا يَكُونُ قَدْ أَتَى بِقَدْرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ.
وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْمَشْرُوعَ ثَلَاثُ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٌ عَلَى النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ مِثْلَ {ثُمَّ نَظَرَ} [المدثر: 21] إلَخْ وَلَا يُوجَدُ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَةٌ أَقْصَرُ مِنْهَا، فَالْوَاجِبُ إمَّا هِيَ أَوْ مَا يَعْدِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا لَا مَا يَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ أَقْصَرِ آيَةٍ وُجِدَتْ فِي الْقُرْآنِ، وَلِذَا قَالَ تَعْدِلُ ثَلَاثًا قِصَارًا وَلَمْ يَقُلْ تَعْدِلُ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ أَقْصَرِ آيَةٍ. عَلَى أَنَّ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ تَعْدِلُ أَقْصَرَ سُورَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ وَسَنَذْكُرُ فِي فَصْلِ الْجَهْرِ زِيَادَةً فِي هَذَا الْبَحْثِ (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَنْ الْمُنْيَةِ. وَعِبَارَتُهُ: وَإِنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارًا أَوْ كَانَتْ الْآيَةُ أَوْ الْآيَتَانِ تَعْدِلُ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ الْمَذْكُورَةِ يَعْنِي كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ. قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَنْ الْمُلْتَقَى: وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُهِمٌّ فِيهِ يُسْرٌ عَظِيمٌ لِدَفْعِ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ. اهـ.
(فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْفَرْضِ) وَهَلْ يُكْرَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؟ الْمُخْتَارُ لَا (وَ) فِي (جَمِيعِ) رَكَعَاتِ (النَّفْلِ) لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ (وَ) كُلُّ (الْوِتْرِ) احْتِيَاطًا وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ (فِي الْأُولَيَيْنِ) مِنْ الْفَرْضِ عَلَى الْمَذْهَبِ
(وَتَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ)
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: قَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الدُّرَرِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٌ تَقُومُ مَقَامَ الصُّورَةِ وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْفَيْضِ وَغَيْرِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَوْ قَرَأَ آيَةً طَوِيلَةً كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ أَوْ الْمُدَايَنَةِ الْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ وَالْبَعْضَ فِي رَكْعَةٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، قِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةٌ تَامَّةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَنْ ثَلَاثٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا تَكُونُ قِرَاءَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ آيَاتٍ اهـ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ بَعْضَ الْآيَةِ كَالْآيَةِ فِي أَنَّهُ إذَا بَلَغَ قَدْرَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ يَكْفِي (قَوْلُهُ فِي الْأُولَيَيْنِ) تَنَازَعَ فِيهِ قِرَاءَةٌ وَضَمٌّ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَضَمُّ سُورَةٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْأُولَيَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَهَلْ يُكْرَهُ) أَيْ ضَمُّ السُّورَةِ (قَوْلُهُ الْمُخْتَارُ لَا) أَيْ لَا يُكْرَهُ تَحْرِيمًا بَلْ تَنْزِيهًا لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ. قَالَ فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا: فَإِنْ ضَمَّ السُّورَةَ إلَى الْفَاتِحَةِ سَاهِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِتَأْخِيرِ الرُّكُوعِ عَنْ مَحَلِّهِ وَفِي أَظْهَرِ الرِّوَايَاتِ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا مَشْرُوعَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْفَاتِحَةِ مَسْنُونٌ لَا وَاجِبٌ. اهـ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّورَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ نَقْلًا. وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ. وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ نَفْلًا الْجَوَازُ، وَالْمَشْرُوعِيَّةُ بِمَعْنَى عَدَمِ الْحُرْمَةِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ خِلَافَ الْأَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ فِي الْحِلْيَةِ. مَطْلَبٌ كُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ كُلَّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةٌ) كَأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْخُرُوجِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِذَا قَامَ إلَى شَفْعٍ آخَرَ كَانَ بَانِيًا صَلَاةً عَلَى تَحْرِيمَةِ صَلَاةٍ، وَمِنْ ثَمَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى أَرْبَعًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِتَحْرِيمَتِهَا سِوَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَأَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ بِمَنْزِلَةِ تَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ، حَتَّى أَنَّ فَسَادَ الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ فَسَادَ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ، وَقَالُوا: يُسْتَحَبُّ الِاسْتِفْتَاحُ فِي الثَّالِثَةِ وَالتَّعَوُّذُ، وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ وَسَيَأْتِي أَيْضًا فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ. قَالَ ح: وَلَا يُنَافِيهِ عَدَمُ افْتِرَاضِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى فِيهِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْكُلَّ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَعْدَة كَمَا فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ فَرْضُهَا التَّحْرِيمَةُ (قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ لَمَّا ظَهَرَتْ آثَارُ السُّنِّيَّةِ فِيهِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهُ وَلَا يُقَامُ، أَعْطَيْنَاهُ حُكْمَ السُّنَّةِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ احْتِيَاطًا ح (قَوْلُهُ وَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ) لَا يَتَكَرَّرُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ قَبْلَهُ الْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْقِرَاءَةُ وَلَوْ آيَةً فَتَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا فِيهِمَا وَاجِبٌ وَضَمُّ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبٌ آخَرُ ط.
(قَوْلُهُ مِنْ الْفَرْضِ) أَيْ الرُّبَاعِيِّ أَوْ الثُّلَاثِيِّ، وَكَذَا فِي جَمِيعِ الْفَرْضِ الثُّنَائِيِّ كَالْفَجْرِ وَالْجُمُعَةِ وَمَقْصُورَةِ السَّفَرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) اعْلَمْ أَنَّ فِي مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الْفَرْضِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ مَحَلَّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا وَصَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَالثَّانِي أَنَّ مَحَلَّهَا رَكْعَتَانِ مِنْهَا غَيْرُ عَيْنٍ: أَيْ فَيَكُونُ تَعْيِينُهَا فِي الْأُولَيَيْنِ وَاجِبًا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. الثَّالِثُ أَنَّ تَعْيِينَهَا فِيهِمَا أَفْضَلُ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَقَطْ يَصِحُّ، وَيَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ لَوْ سَاهِيًا لَكِنَّ سَبَبَهُ عَلَى الْأَوَّلِ تَغْيِيرُ الْفَرْضِ عَنْ مَحَلِّهِ وَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ قَضَاءً عَنْ قِرَاءَتِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ، وَسَبَبُهُ عَلَى الثَّانِي تَرْكُ الْوَاجِبِ وَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَدَاءً كَذَا فِي نَوَافِلِ الْبَحْرِ وَفِيهِ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَتِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ: هَلْ هِيَ قَضَاءٌ أَوْ أَدَاءُ، فَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهَا أَدَاءٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْقِرَاءَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ غَيْرُ عَيْنٍ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنَّهَا قَضَاءٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَدَاءً لَجَازَ لِأَنَّهُ يَكُونُ اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ
عَلَى كُلِّ (السُّورَةِ) وَكَذَا تَرْكُ تَكْرِيرِهَا قَبْلَ سُورَةِ الْأَوَّلِيَّيْنِ (وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ)
ــ
[رد المحتار]
بِالْمُفْتَرِضِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ عُلِمَ أَنَّهَا قَضَاءٌ وَأَنَّ الْأُخْرَيَيْنِ خَلَتَا عَنْ الْقِرَاءَةِ وَبِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَسْبُوقٍ أَدْرَكَ إمَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ.
أَقُولُ: لِي هَاهُنَا إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي تَعْيِينِ مَحَلِّهَا وَحَاصِلُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ تَعْيِينَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ فَرْضٌ أَوْ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ فَرْضٌ قَطْعِيٌّ أَوْ فَرْضٌ عَمَلِيٌّ وَهُوَ مَا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ. وَعَلَى كُلٍّ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَسَادُ الصَّلَاةِ كَمَا لَوْ أَخَّرَ الرُّكُوعَ عَنْ السُّجُودِ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ عِنْدَنَا فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ فَقَطْ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَاحِدٌ، فَقَوْلُهُمْ مَحَلُّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا مَعْنَاهُ أَنَّ التَّعْيِينَ فِيهِمَا وَاجِبٌ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ الثَّانِي، فَيَكُونُ تَأْخِيرُ الْقِرَاءَةِ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً مِثْلَ تَأْخِيرِ السَّجْدَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ، وَيُقَابَلُ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِأَنَّ تَعْيِينَ الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ، وَعَلَيْهِ فَالْقِرَاءَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ، وَهُمَا الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمُنْيَةِ ذَكَرَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ تَعْيِينَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ فَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهَذَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مَحَلَّهَا الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَأَمَّا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ مَحَلَّهَا رَكْعَتَانِ مِنْهَا بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا فَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَغَيْرُ خَافٍ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ إذَا تَرَكَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ أَوْ فِي إحْدَاهُمَا سَهْوًا لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ سَهْوًا عَنْ مَحَلِّهِ، وَعَلَى السُّنَّةِ لَا يَجِبُ اهـ مُلَخَّصًا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَقْوَالَ اثْنَانِ لَا ثَلَاثَةٌ، وَفِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ بِأَنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ الْأُولَيَانِ عَيْنًا هُوَ الْوُجُوبُ لَا الِافْتِرَاضُ، وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ لَمْ يُصِبْ فِي بَيَانِ الْأَقْوَالِ وَلَا فِي التَّفْرِيعِ عَلَيْهَا كَمَا لَمْ يُصِبْ مَنْ نَقَلَ عِبَارَتَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَاتَّضَحَ الْحَالُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قِيلَ إنَّ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ رَكْعَتَانِ مِنْ الْفَرْضِ غَيْرُ عَيْنٍ، وَكَوْنُهُمَا فِي الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ، وَقِيلَ إنَّ مَحَلَّهَا الْأُولَيَانِ مِنْهُ عَيْنًا فَيَجِبُ كَوْنُهَا فِيهِمَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُتُونُ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ، وَعَلِمْت تَأْيِيدَهُ بِمَا مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ وَالْمَسْبُوقِ. وَقَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فَلَا جَرَمَ قَالَ الشَّارِحُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَافْهَمْ. الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ، وَالْهِدَايَةِ إلَى أَقْوَمِ طَرِيقٍ.
(قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ السُّورَةِ) حَتَّى قَالُوا لَوْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ السُّورَةِ سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ السُّورَةَ، وَيَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بَحْرٌ، وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَرْفِ حَقِيقَتُهُ أَوْ الْكَلِمَةُ، يُرَاجَعُ ثُمَّ رَأَيْت فِي سَهْوِ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ مَا مَرَّ: وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ مَا يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنٌ. اهـ.
أَيْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ تَأْخِيرُ الِابْتِدَاءِ بِالْفَاتِحَةِ وَالتَّأْخِيرِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ مَا دُونَ رُكْنٍ مَعْفُوٍّ عَنْهُ تَأَمَّلْ. ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْحِلْيَةِ أَيَّدَ مَا بَحَثَهُ شَيْخُهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى الْمُوجِبَةِ لِلسَّهْوِ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْقِيَامِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ قَدَّرَهَا بِمِقْدَارِ أَدَاءِ رُكْنٍ (قَوْلُهُ وَكَذَا تَرْكُ تَكْرِيرِهَا إلَخْ) فَلَوْ قَرَأَهَا فِي رَكْعَةٍ مِنْ الْأُولَيَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَجَبَ سُجُودُ السَّهْوِ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السُّورَةُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ أَكْثَرَهَا ثُمَّ أَعَادَهَا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، أَمَّا لَوْ قَرَأَهَا قَبْلَ السُّورَةِ مَرَّةً وَبَعْدَهَا مَرَّةً فَلَا يَجِبُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَحَّحَهُ الزَّاهِدِيُّ لِعَدَمِ لُزُومِ التَّأْخِيرِ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ وَاجِبًا بِإِثْرِ السُّورَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، كَذَا فِي الْبَحْرِ.
بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ و (فِيمَا يَتَكَرَّرُ) أَمَّا فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ فَفَرْضٌ كَمَا مَرَّ
ــ
[رد المحتار]
هُنَا وَفِي سُجُودِ السَّهْوِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَقُيِّدَ بِالْأُولَيَيْنِ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَرَّةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَكْرَارِ الْفَاتِحَةِ فِيهِمَا سَهْوًا، وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى التَّطْوِيلِ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَوْ إطَالَةِ الرَّكْعَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا. اهـ (قَوْلُهُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ) يَعْنِي فِي الْفَرْضِ الْغَيْرِ الثُّنَائِيِّ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ وَاجِبًا أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ صَحَّ رُكُوعُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الرُّكُوعِ أَنْ يَكُونَ مُتَرَتِّبًا عَلَى قِرَاءَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَثَلًا فَإِنَّهُ فَرْضٌ، حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَمْ يَصِحَّ سُجُودُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ، لِأَنَّ أَصْلَ السُّجُودِ يُشْتَرَطُ تَرَتُّبُهُ عَلَى الرُّكُوعِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَتَرَتُّبِ الرُّكُوعِ عَلَى الْقِيَامِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَمْ تُفْرَضْ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ الْفَرْضِ، بَلْ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْهُ بِلَا تَعْيِينٍ، أَمْ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَإِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ نَعَمْ الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ وَمَحَلُّهَا الْقِيَامُ مِنْ حَيْثُ هُوَ، فَإِذَا ضَاقَ وَقْتُهَا بِأَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ صَارَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّكُوعِ فَرْضًا لِعَدَمِ إمْكَانِ تَدَارُكِهِ، وَلَكِنَّ فَرْضِيَّةَ هَذَا التَّرْتِيبِ عَارِضَةٌ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ، فَلِذَا لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهَا وَاجِبٌ لِأَنَّ إيقَاعَ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاجِبٌ، هَذَا تَوْضِيحُ مَا حَقَّقَهُ فِي الدُّرَرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ وَاجِبٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ، وَثَمَرَتُهُ فِيمَا لَوْ أَخَّرَ الْقِرَاءَةَ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ وَرَكَعَ فِي كُلٍّ مِنْ الْأُولَيَيْنِ بِلَا قِرَاءَةٍ أَصْلًا، أَمَّا لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ صَارَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا حَتَّى لَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ رَاكِعًا فَعَادَ وَقَرَأَهَا لَزِمَ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ السُّورَةَ الْتَحَقَتْ بِمَا قَبْلَهَا وَصَارَتْ الْقِرَاءَةُ كُلُّهَا فَرْضًا فَيَلْزَمُ تَأْخِيرُ الرُّكُوعِ عَنْهَا، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ قَبْلَ وُجُودِ الْقِرَاءَةِ فَرْضٌ بَعْدَهَا نَظِيرُهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فَإِنَّهَا قَبْلَ قِرَاءَتِهَا تُسَمَّى وَاجِبًا وَبَعْدَهَا تُسَمَّى فَرْضًا، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْأَصْلُ فِي هَذَا التَّرْتِيبِ الْوُجُوبَ، وَفَرْضِيَّتُهُ عَارِضَةٌ كَعُرُوضِهَا فِيمَا لَوْ أَخَّرَ الْقِرَاءَةَ إلَى الْأُخْرَيَيْنِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ يُغْنِي عَنْهُ وُجُوبُ تَعْيِينِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ هَذَا التَّعْيِينُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَذَا التَّرْتِيبِ جَعَلُوهُ وَاجِبًا آخَرَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَكَرَّرُ) أَيْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ أَوْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَفَرْضٌ، وَذَلِكَ كَتَرْتِيبِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودِ الْأَخِيرِ كَمَا عَلِمْته آنِفًا، وَمَرَّ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَقِيَ مِنْ الْفُرُوضِ، وَبَيَّنَّاهُ هُنَاكَ.
وَلَا يَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِهِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ أَنَّ تَرْتِيبَهَا عَلَى الرُّكُوعِ غَيْرُ فَرْضٍ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِمَا لَا يَتَكَرَّرُ مَا عَدَاهَا بِقَرِينَةِ تَصْرِيحِهِ قُبَيْلَهُ بِوُجُوبِ تَرْتِيبِهَا فَلَا مُنَاقَضَةَ فِي كَلَامِهِ فَافْهَمْ.
فَإِنْ قُلْت: ذَكَرَ فِي الْكَافِي النَّسَفِيُّ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا تَقْدِيمُ رُكْنٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ، فَإِذَا تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ. اهـ. وَوَقَعَ نَظِيرُهُ فِي الذَّخِيرَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْكَافِي ذَكَرَ هُنَا أَنَّ تَرْتِيبَ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَرْضٌ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُوجَدُ إلَّا بِذَلِكَ. اهـ.
قُلْت: أَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ هُنَا إنَّ التَّرْتِيبَ شَرْطٌ، مَعْنَاهُ أَنَّ الرُّكْنَ الَّذِي قَدَّمَهُ يَلْغُو وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ مُرَتَّبًا، حَتَّى إذَا سَجَدَ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَا يُعْتَدُّ بِهَذَا السُّجُودِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فَيُشْتَرَطُ إعَادَتُهُ، وَقَوْلُهُمْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ، مَعْنَاهُ أَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ إعَادَةِ مَا قَدَّمَهُ لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ صُورَةً الْحَاصِلِ بِزِيَادَةِ مَا قَدَّمَهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ افْتِرَاضَ التَّرْتِيبِ بِمَعْنَى افْتِرَاضِ إعَادَةِ مَا قَدَّمَهُ وَوُجُوبِهِ بِمَعْنَى إيجَابِ عَدَمِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ رَكْعَةٍ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ وَاجِبًا لَا فَرْضًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ خَفِيَ هَذَا عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَتَّى ظَنَّ أَنَّ
(فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَالسَّجْدَةِ) أَوْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ رَكَعَاتِهَا،
ــ
[رد المحتار]
التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ مُطْلَقًا إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، وَهُوَ عَجِيبٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِ النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ كَالسَّجْدَةِ) الْكَافُ اسْتِقْصَائِيَّةٌ إذَا لَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الرَّكْعَةِ سِوَاهَا وَمِثْلُهُ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَعَدَدٍ ح، وَالْمُرَادُ بِهَا السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ، فَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا وَاجِبٌ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَهَا فِيمَا بَعْدَهَا مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا وَلَا يَقْضِي مَا فَعَلَهُ قَبْلَ قَضَائِهَا مِمَّا هُوَ بَعْدَ رَكْعَتِهَا مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ، بَلْ يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي لُزُومِ قَضَاءِ مَا تَذَكَّرَهَا فَقَضَاهَا فِيهِ، كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا، وَهَلْ يُعِيدُ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ، فَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ بَلْ تُسْتَحَبُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ بَيْنَ مَا يَتَكَرَّرُ مِنْ الْأَفْعَالِ وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ يُعِيدُهُ وَإِلَّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ ارْتَفَضَ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْهُ يَقْبَلُ الرَّفْضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَ السَّجْدَةَ بَعْدَ مَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا تَمَّ بِالرَّفْعِ لَا يَقْبَلُ الرَّفْضَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَعُلِمَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْإِعَادَةِ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَعَدَمِهِ، بَلْ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ الْمُتَذَكَّرَ فِيهِ هَلْ يَرْتَفِضُ بِالْعَوْدِ إلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ لَا اهـ تَأَمَّلْ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْهِدَايَةِ، فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الِاسْتِخْلَافِ وَصَرَّحَ فِي الْبَحْرِ بِضَعْفِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ. هَذَا، وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّرْتِيبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا بَعْدَهَا لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا قَبْلَهَا مِنْ رَكْعَتِهَا، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ شَرْطٌ كَمَا مَرَّ؛ وَنَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ أَوْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَعَدَدِ رَكَعَاتِهَا) أَيْ أَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ وَاجِبٌ. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّ مَا يَقْضِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ أَوَّلَ صَلَاتِهِ عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ آخِرًا. اهـ.
وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ التَّرْتِيبِ الْوَاجِبِ، إذْ لَا شَيْءَ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَلَا نَقْصَ فِي صَلَاتِهِ أَصْلًا، فَلِذَا اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي عَلَى الْمُتَكَرِّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ اهـ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ التَّرْتِيبَ الْمَذْكُورَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ:
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى فِي ثَالِثَةِ الرَّبَاعِيَةِ مَثَلًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّلَ صَلَاةِ إمَامِهِ الَّذِي فَاتَهُ، وَلَوْ فَعَلَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِانْفِرَادِهِ فِي مَوْضِعِ الِاقْتِدَاءِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ فِيمَا أَدْرَكَهُ، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ يَقْضِي مَا فَاتَهُ وَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ إلَّا مِنْ حَيْثُ الْقَعَدَاتُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْمَسْبُوقِ عَكْسُ التَّرْتِيبِ، وَلَوْ كَانَ التَّرْتِيبُ فَرْضًا لَكَانَ مَا يَقْضِيهِ آخِرَ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَقْرَأُ السُّورَةَ وَلَا يَجْهَرُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مُرَادَ الزَّيْلَعِيِّ وُجُوبُ التَّرْتِيبِ عَلَى غَيْرِ الْمَسْبُوقِ مَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ أَوْ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ كَالرَّكَعَاتِ إلَّا لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ التَّرْتِيبُ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يُصَلِّي آخِرَ الرَّكَعَاتِ قَبْلَ أَوَّلِهَا اهـ فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ كَلَامَ الْفَتْحِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ فَقَدْ وَهَمَ، نَعَمْ كَلَامُ الْفَتْحِ أَظْهَرُ فِي الْمُرَادِ فَافْهَمْ.
فَإِنْ قُلْت: وُجُوبُ الشَّيْءِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا أَمْكَنَ ضِدُّهُ وَعَدَمُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِنَّ الْمُصَلِّيَ كُلُّ رَكْعَةٍ أَتَى بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الْأَوَّلُ وَثَانِيًا فَهِيَ الثَّانِيَةُ وَهَكَذَا.
حَتَّى لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى قَضَاهَا وَلَوْ بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ لَكِنَّهُ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْعَوْدِ إلَى الصُّلْبِيَّةِ وَالتِّلَاوِيَّةِ،
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: يُمْكِنُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ الَّتِي تَبْتَنِي عَلَيْهَا أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ إذَا وُجِدَ مَعَهَا مَا يَقْتَضِيهَا، فَإِذَا صَلَّى مِنْ الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ رَكْعَتَيْنِ وَقَصَدَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا الْأَخِيرَتَيْنِ فَهُوَ لَغْوٌ إلَّا إذَا حُقِّقَ قَصْدُهُ، بِأَنْ تَرَكَ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ وَقَرَأَ فِيمَا بَعْدَهُمَا، فَحِينَئِذٍ يُبْتَنَى عَلَيْهِ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ وَهِيَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَالْإِثْمُ لِوُجُودِ مَا يَقْتَضِي تِلْكَ الْأَحْكَامَ وَلِهَذَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ صَلَاةَ الْمَسْبُوقِ غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ مِنْ حَيْثُ الْأَقْوَالُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهِ عَكْسَ التَّرْتِيبِ مَعَ أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ أَتَى بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الْأُولَى صُورَةً لَكِنَّهَا فِي الْحَكَمِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ فَكَمَا أَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ عَكْسَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَبْتَنِي عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةٍ وَجَهْرٍ كَذَلِكَ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالتَّرْتِيبِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا يَقْتَضِيهِ، بِأَنْ يَقْرَأَ أَوَّلًا وَيُجْهِرُ وَيُسِرُّ، وَإِذَا خَالَفَ يَكُونُ قَدْ عَكَسَ التَّرْتِيبَ حُكْمًا، وَلِهَذَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ كَالْكَنْزِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَرِعَايَةُ التَّرْتِيبِ: أَيْ مُلَاحَظَتُهُ بِاعْتِبَارِ الْإِتْيَانِ بِمَا يَجِبُ أَوَّلًا فِي الْأَوَّلِ أَوْ آخِرًا فِي الْآخِرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إمَّا مُنْفَرِدٌ أَوْ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ، فَالْأَوَّلَانِ يَظْهَرُ فِيهِمَا ثَمَرَةُ التَّرْتِيبِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ سَلَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ فِيهِمَا تَظْهَرُ فِي الْمَأْمُومِ، فَإِنَّهُ إمَّا مُدْرِكٌ أَوْ مَسْبُوقٌ فَقَطْ أَوْ لَاحِقٌ فَقَطْ أَوْ مُرَكَّبٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَحَلِّهِ.
أَمَّا الْمُدْرِكُ فَهُوَ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ. وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ اللَّازِمَ عَلَيْهِ عَكْسُ التَّرْتِيبِ. وَأَمَّا اللَّاحِقُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ بِعَكْسِ الْمَسْبُوقِ: وَعِنْدَ زَفَرَ التَّرْتِيبُ فَرْضٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَدْرَكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَنَامَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ أَوَّلًا مَا نَامَ فِيهِ بِلَا قِرَاءَةٍ ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ، فَلَوْ تَابَعَهُ أَوَّلًا ثُمَّ صَلَّى مَا نَامَ فِيهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ جَازَ عِنْدَنَا وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ. وَعِنْدَ زَفَرَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ: قَالَ فِي السِّرَاجِ مِنْ الْفَتَاوَى: الْمَسْبُوقُ إذَا بَدَأَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ فَإِنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَاللَّاحِقُ إذَا تَابَعَ الْإِمَامَ قَبْلَ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ لَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِزُفَرَ. اهـ.
وَأَمَّا الْمُرَكَّبُ كَمَا لَوْ اقْتَدَى فِي ثَانِيَةِ الْفَجْرِ فَنَامَ إلَى أَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ، فَهَذَا لَاحِقٌ وَمَسْبُوقٌ وَلَمْ يُصَلِّ شَيْئًا فَيُصَلِّي أَوَّلًا الرَّكْعَةَ الَّتِي نَامَ فِيهَا بِلَا قِرَاءَةٍ ثُمَّ الَّتِي سُبِقَ بِهَا بِقِرَاءَةٍ، وَإِنْ عَكَسَ صَحَّ وَأَثِمَ لِتَرْكِهِ التَّرْتِيبَ الْوَاجِبَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا لِأَدَائِهَا مَعَ كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ أَوْ سَاهِيًا لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَبْرِ بِسُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّ خِتَامِ صَلَاتِهِ وَقَعَ بِمَا لَحِقَ فِيهِ، وَاللَّاحِقُ مَمْنُوعٌ عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اللَّاحِقَ بِنَوْعَيْهِ قَدْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ التَّرْتِيبَ كَمَا أَلْزَمُوا الْمَسْبُوقَ بِعَكْسِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِبَارُ وَالْحُكْمُ لَا مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَسِيَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالسَّجْدَةِ (قَوْلُهُ مِنْ الْأُولَى) لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَخَصَّهَا لِبُعْدِهَا مِنْ الْآخَرِ ط (قَوْلُهُ قَبْلِ الْكَلَامِ) الْمُرَادُ قَبْلَ إتْيَانِهِ بِمُفْسِدٍ ط (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَتَشَهَّدُ) أَيْ يَقْرَأُ التَّشَهُّدَ إلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ فَقَطْ وَيُتِمُّهُ بِالصَّلَوَاتِ وَالدَّعَوَاتِ فِي تَشَهُّدِ السَّهْوِ عَلَى الْأَصَحِّ ط (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) أَيْ وُجُوبًا، وَسَكَتَ عَنْ الْقَعْدَةِ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ يَسْتَلْزِمُهَا لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ إلَّا فِيهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ يَعْنِي مَعَ الْقَعْدَةِ بِقَرِينَةِ قَوْلُهُ أَمَّا السَّهْوِيَّةُ فَتَرْفَعُ التَّشَهُّدَ لَا الْقَعْدَةَ ح. أَمَّا بُطْلَانُ الْقَعْدَةِ بِالْعَوْدِ إلَى الصُّلْبِيَّةِ: أَيْ السَّجْدَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ أَيْ جَزْءٌ مِنْهَا، فَلِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْقَعْدَةِ وَمَا قَبْلَهَا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ أَخِيرَةً إلَّا بِإِتْمَامِ سَائِرِ الْأَرْكَانِ وَأَمَّا بُطْلَانُهَا بِالْعَوْدِ إلَى التِّلَاوِيَّةِ فَقَالَ ط لِأَنَّ التِّلَاوِيَّةَ لَمَّا وَقَعَتْ فِي الصَّلَاةِ أُعْطِيت حُكْمَ الصُّلْبِيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَهَا
أَمَّا السَّهْوِيَّةُ فَتَرْفَعُ التَّشَهُّدَ لَا الْقَاعِدَةَ، حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْهَا لَمْ تَفْسُدْ، بِخِلَافِ تِلْكَ السَّجْدَتَيْنِ.
(وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) أَيْ تَسْكِينُ الْجَوَارِحِ قَدْرَ تَسْبِيحَةٍ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَكَذَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُمَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ،
ــ
[رد المحتار]
أَصْلًا. وَقَالَ الرَّحْمَتِيُّ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْقِرَاءَةِ الَّتِي هِيَ رُكْنٌ فَأَخَذَتْ حُكْمَ الْقِرَاءَةِ فَلَزِمَ تَأْخِيرُ الْقَعْدَةِ عَنْهَا (قَوْلُهُ أَمَّا السَّهْوِيَّةُ) أَيْ السَّجْدَةُ السَّهْوِيَّةُ، وَالْمُرَادُ الْجِنْسُ لِأَنَّهَا سَجْدَتَانِ ط (قَوْلُهُ فَتَرْفَعُ التَّشَهُّدَ) أَيْ تُبْطِلُهُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مِثْلُهَا فَتَجِبُ إعَادَتُهُ، وَإِنَّمَا لَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فَهِيَ أَقْوَى مِنْهَا (قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْهَا) أَيْ مِنْ السَّهْوِيَّةِ بِلَا قُعُودٍ وَلَا تَشَهُّدٍ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الرُّكْنَ لَمْ تَرْتَفِعْ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِتَرْكِ التَّشَهُّدِ الْوَاجِبِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ تِلْكَ السَّجْدَتَيْنِ) أَيْ الصُّلْبِيَّةِ وَالتِّلَاوِيَّةِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْهُمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِرَفْعِهِمَا الْقَعْدَةَ.
مَطْلَبٌ قَدْ يُشَارُ إلَى الْمُثَنَّى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُفْرَدِ [تَنْبِيهٌ] قَدْ يُشَارُ إلَى الْمُثَنَّى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ الْمَوْضُوعِ لِلْمُفْرَدِ كَمَا هُنَا وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى - {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68]- أَيْ بَيْنَ الْفَارِضِ وَالْبِكْرِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
إنَّ لِلْخَيْرِ وَلِلشَّرِّ مَدًى
…
وَكِلَا ذَلِكَ وَجْهٌ وَقُبُلْ
فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ) هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا فِي تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ، وَفِي تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ، وَاجِبٌ حَتَّى تَجِبَ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَجَزَمَ بِالثَّانِي فِي الْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالْمُلْتَقَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ كَمَا يَأْتِي قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهَذَا يُضَعَّفُ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُمَا) أَيْ يَجِبُ التَّعْدِيلُ أَيْضًا فِي الْقَوْمَةِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ وُجُوبَ نَفْسِ الْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ التَّعْدِيلِ فِيهِمَا وُجُوبُهُمَا (قَوْلُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْبَعَةِ أَيْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الْقَوْمَةِ وَالْجَلْسَةِ، وَوُجُوبُ نَفْسِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِلْأَمْرِ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَلِمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ مِنْ لُزُومِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ سَاهِيًا وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَيَكُونُ حُكْمُ الْجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكُلِّ هُوَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ وَتِلْمِيذِهِ ابْنِ أَمِيرِ الْحَاجِّ، حَتَّى قَالَ إنَّهُ الصَّوَابُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. اهـ. مَطْلَبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الدِّرَايَةِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْدِل عَنْ الدِّرَايَةِ أَيْ الدَّلِيلِ إذَا وَافَقَتْهَا رِوَايَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَمِثْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْقُنْيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ شَدَّدَ الْقَاضِي الصَّدْرُ فِي شَرْحِهِ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ جَمِيعِهَا تَشْدِيدًا بَلِيغًا فَقَالَ: وَإِكْمَالُ كُلِّ رُكْنٍ وَاجِبٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ فَرِيضَةٌ، فَيَمْكُثُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي الْقَوْمَةِ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَطْمَئِنَّ كُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ، هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا أَوْ شَيْئًا مِنْهَا سَاهِيًا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ وَلَوْ عَمْدًا يُكْرَهُ أَشَدَّ الْكَرَاهَةِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ وَتَكُونَ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ سُقُوطِ التَّرْتِيبِ وَنَحْوِهِ كَمَنْ طَافَ جُنُبًا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا هَذَا. اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصَحَّ رِوَايَةً وَدِرَايَةً وُجُوبُ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ، وَأَمَّا الْقَوْمَةُ وَالْجَلْسَةُ وَتَعْدِيلُهُمَا فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ السُّنِّيَّةُ، وَرُوِيَ وُجُوبُهَا، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَدِلَّةِ، وَعَلَيْهِ الْكَمَالُ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ عَلِمْت قَوْلَ تِلْمِيذِهِ إنَّهُ الصَّوَابُ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِفَرْضِيَّةِ الْكُلِّ وَاخْتَارَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَالْعَيْنِيِّ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ
لَكِنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ مُكَمِّلَ الْفَرْضِ وَاجِبٌ وَمُكَمِّلُ الْوَاجِبِ سُنَّةٌ، وَعِنْدَ الثَّانِي الْأَرْبَعَةُ فَرْضٌ (وَالْقُعُودُ الْأَوَّلُ) وَلَوْ فِي نَفْلٍ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْأَخِيرِ.
ــ
[رد المحتار]
أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ. وَقَالَ فِي الْفَيْضِ إنَّهُ الْأَحْوَطُ اهـ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَلِلْعَلَّامَةِ الْبِرْكِلِيِّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا مَعْدِلَ الصَّلَاةِ أَوْضَحَ الْمَسْأَلَةَ فِيهَا غَايَةَ الْإِيضَاحِ، وَبَسَطَ فِيهَا أَدِلَّةَ الْوُجُوبِ، وَذَكَرَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ مِنْ الْآفَاتِ وَأَوْصَلَهَا إلَى ثَلَاثِينَ آفَةً وَمِنْ الْمَكْرُوهَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَأَوْصَلَهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مَكْرُوهًا، فَيَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا وَمُطَالَعَتُهَا (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا فِي الرَّفْعِ مِنْهُمَا. وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُوبَ تَعْدِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ مُكَمِّلٌ لَهُمَا، أَمَّا وُجُوبُ تَعْدِيلِ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ وَالْجِلْسَةَ إذَا كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ عَلَى مَا أَخْتَارهُ الْكَمَالُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ التَّعْدِيلُ فِيهِمَا سُنَّةً لِأَنَّ مُكَمِّلَ الْوَاجِبِ يَكُونُ سُنَّةً، فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَا تُوَافِقُ مُخْتَارَ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ الْوُجُوبُ فِي الْكُلِّ، وَلَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ الْفَرْضُ فِي الْكُلِّ، وَلَا مَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا السُّنِّيَّةُ فِي الْكُلِّ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ أَوْ الْوُجُوبُ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ، وَالسُّنِّيَّةُ فِي الْبَاقِي عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّهُ فَصَلَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ بَيْنَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَبَيْنَ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ، بِأَنَّ الْأُولَى مُكَمِّلَةٌ لِلرُّكْنِ الْمَقْصُودِ لِذَاتِهِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْأَخِيرَتَيْنِ مُكَمِّلَتَانِ لِلرُّكْنِ الْمَقْصُودُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الِانْتِقَالُ فَكَانَا سُنَّتَيْنِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمُكَمِّلَيْنِ اهـ فَافْهَمْ. وَأَجَابَ ح بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُخَالَفَةُ الْقَاعِدَةِ حَيْثُ اقْتَضَاهَا الدَّلِيلُ.
أَقُولُ: عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ الْقَاعِدَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الدُّرَرِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْعَزْمِيَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَجْهُ صِحَّةٍ، قَالَ: وَلَعَلَّ مَنْشَأَهُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ إكْمَالٌ لِلْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ إكْمَالٌ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْآدَابِ إكْمَالٌ لِلسُّنَنِ، وَلَا يَذْهَبُ عَلَيْك أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ ذَلِكَ فَلْيُتَدَبَّرْ اهـ أَيْ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَاجِبَ شُرِعَ لِإِكْمَالٍ الْفَرَائِضِ إلَخْ لَا أَنَّ كُلَّ مَا يُكَمِّلُ الْفَرْضَ يَكُونُ وَاجِبًا وَهَكَذَا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ الثَّانِي الْأَرْبَعَةُ فَرْضٌ) أَيْ عَمَلِيٌّ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي آخِرِ بَحْثِ الْفَرَائِضِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فِي نَفْلٍ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ مِنْهُ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ حَتَّى افْتَرَضَتْ الْقِرَاءَةُ فِي جَمِيعِهِ، لَكِنَّ الْقَعْدَةَ إنَّمَا فُرِضَتْ لِلْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ تَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَبْلَهَا لَمْ يَكُنْ أَوَانَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْقَ الْقَعْدَةُ فَرِيضَةً؛ وَتَمَامُهُ فِي ح عَنْ وِتْرٍ الْبَحْرُ.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي افْتِرَاضِهِ عَنْ قَعْدَةِ كُلِّ شَفْعٍ نَفْلٍ وَلِلطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ فِي قَوْلِهِمَا إنَّهَا فِي غَيْرِ النَّفْلِ سُنَّةٌ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ اسْمَ السُّنَّةِ إمَّا لِأَنَّ وُجُوبَهُ عُرِفَ بِهَا أَوْ لِأَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ، وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَكَذَا تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى التَّشَهُّدِ) ضَمِيرُ فِيهِ لَا يَصِحُّ إرْجَاعُهُ لِلتَّشَهُّدِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ وَإِنْ كَانَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ فِيهِ أَيْ فِي أَثْنَاءِ كَلِمَاتِهِ وَاجِبًا أَيْضًا كَتَرْكِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَتَعَيَّنُ مَا قَالَهُ ح مِنْ إرْجَاعِهِ لِلْقُعُودِ الْأَوَّلِ: أَيْ فِي الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِأَنَّهَا فِي النَّفْلِ مَطْلُوبَةٌ، وَأَقَلُّ الزِّيَادَةِ الْمُفَوِّتَةِ لِلْوَاجِبِ مِقْدَارُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي.
(قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ غَيْرَ الْأَخِيرِ) لِيَشْمَلَ مَا إذَا صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ مِنْ النَّفْلِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّ مَا عَدَا الْقُعُودَ الْأَخِيرَ وَاجِبٌ، وَمَفْهُومُهُ فَرِيضَةُ كُلِّ قُعُودٍ أَخِيرٍ فِي أَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْقُعُودُ الَّذِي بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، لِمَا سَيَأْتِي
لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ لَوْ اسْتَخْلَفَ مُسَافِرٌ سَبَقَهُ الْحَدَثُ مُقِيمًا فَإِنَّ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ فَرْضٌ عَلَيْهِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عَارِضٌ
(وَالتَّشَهُّدَانِ) وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِ بَعْضِهِ كَكُلِّهِ وَكَذَا فِي كُلِّ قَعْدَةٍ فِي الْأَصَحِّ إذْ قَدْ يَتَكَرَّرُ عَشْرًا؛ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي تَشَهُّدَيْ الْمَغْرِبِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَسَجَدَ مَعَهُ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ سُجُودَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَ مَعَهُ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ مَعَهُ ثُمَّ قَضَى الرَّكْعَتَيْنِ بِتَشَهُّدَيْنِ وَوَقَعَ لَهُ كَذَلِكَ.
قُلْت: وَمِثْلُ التِّلَاوَةِ تَذَكُّرُ الصُّلْبِيَّةِ؛ فَلَوْ فَرَضْنَا تَذَكُّرَهَا أَيْضًا لَهُمَا زِيدَ أَرْبَعٌ
ــ
[رد المحتار]
مِنْ أَنَّهُ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ لَا الْقَعْدَةَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّشَهُّدَ يَسْتَلْزِمُ الْقَعْدَةَ فَهِيَ وَاجِبَةٌ ح (قَوْلُهُ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عَارِضٌ) أَيْ بِسَبَبِ الِاسْتِخْلَافِ، فَإِنَّ الْمُسَافِرَ يُفْتَرَضُ قُعُودُهُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَالْمُقِيمُ بِالِاسْتِخْلَافِ قَامَ مَقَامَهُ فَتُفْرَضُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْقَعْدَةُ كَالْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ، قِيلَ وَيُجَابُ بِهَذَا أَيْضًا عَنْ الْمَسْبُوقِ، كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الْقُعُودَ الثَّانِيَ مِمَّا عَدَا الْأَخِيرَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ قُعُودَ الْإِمَامِ الْأَخِيرَ يُفْتَرَضُ عَلَى الْمَسْبُوقِ بِمُتَابَعَتِهِ لِإِمَامِهِ فَهُوَ عَارِضٌ بِالِاقْتِدَاءِ. وَأَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِمَا أَرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا لَيْسَ بِآخِرٍ إذْ الْمَسْبُوقُ بِثَلَاثٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ يَقْعُدُ ثَلَاثَ قَعَدَاتٍ وَالْوَاجِبُ مِنْهَا مَا عَدَا الْأَخِيرَةَ اهـ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي فِي الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ قَامَ قَبْلَ السَّلَامِ قَبْلَ قُعُودِ إمَامِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، فَإِنْ قَرَأَ فِي قِيَامِهِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ، فَلَوْ كَانَ الْقُعُودُ فَرْضًا عَلَيْهِ لَمَا صَحَّ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ وَالتَّشَهُّدَانِ) أَيْ تَشَهُّدُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَتَشَهُّدُ الْأَخِيرَةِ وَالتَّشَهُّدُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَا يَجِبُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَرْوِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ بِتَرْكِ بَعْضِهِ كَكُلِّهِ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهِ وَلَوْ قَلِيلًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَاحِدٌ مَنْظُومٌ، فَتَرْكُ بَعْضِهِ كَتَرْكِ كُلِّهِ اهـ (قَوْلُهُ وَكَذَا فِي كُلِّ قَعْدَةٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى التَّوَرُّكِ عَلَى الْمَتْنِ فِي تَعْبِيرِهِ بِالتَّثْنِيَةِ، إذْ لَوْ أُفْرِدَ لَكَانَ اسْمَ جِنْسٍ شَامِلًا لِكُلِّ تَشَهُّدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبَحْرِ ح.
(قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ) مُقَابِلُهُ مَا قِيلَ إنَّهُ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرَةَ سُنَّةٌ (قَوْلُهُ فِي تَشَهُّدَيْ الْمَغْرِبِ) أَيْ اقْتَدَى بِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مِنْ تَشَهُّدَيْ الْمَغْرِبِ فَيَكُونُ قَدْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ، وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ فَسَجَدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَهُ أَيْ مَعَ الْإِمَامِ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ سُجُودِ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ: أَيْ الْإِمَامُ سُجُودَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ يَرْفَعُ الْقَعْدَةَ ثُمَّ سَجَدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ خَاتِمًا لِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَتَشَهَّدَ أَيْ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ ثُمَّ قَضَى أَيْ الْمَأْمُومُ الرَّكْعَتَيْنِ بِتَشَهُّدَيْنِ، لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ يَقْضِي آخِرَ صَلَاتِهِ مِنْ حَيْثُ الْأَفْعَالُ، فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ مَا صَلَّاهُ مَعَ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ، فَإِذَا أَتَى بِرَكْعَةٍ مِمَّا عَلَيْهِ كَانَتْ ثَانِيَةَ صَلَاتِهِ فَيَقْعُدُ ثُمَّ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَيَقْعُدُ. اهـ. ح (قَوْلُهُ وَوَقَعَ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُومِ كَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ مَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ بِأَنْ سَهَا فِيمَا يَقْضِيهِ فَسَجَدَ لَهُ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ سُجُودَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهُ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ لِمَا ذَكَرْنَا ح.
(قَوْلُهُ وَمِثْلُ التِّلَاوِيَّةِ تَذَكُّرُ الصُّلْبِيَّةِ) أَيْ فِي إبْطَالِ الْقَعْدَةِ قَبْلَهَا وَإِعَادَةِ سُجُودِ السَّهْوِ ط (قَوْلُهُ لَهُمَا) أَيْ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (قَوْلُهُ زِيدَ أَرْبَعٌ) وَذَلِكَ بِأَنْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ الصُّلْبِيَّةَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ الْخَامِسَةِ فَسَجَدَهَا الْمَأْمُومُ مَعَهُ وَتَشَهَّدَ لِارْتِفَاعِ الْقَعْدَةِ ثُمَّ سَجَدَ مَعَهُ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ لِمَا قَدَّمْنَا، وَوَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ لِلْمَأْمُومِ فَتَصِيرُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ قَعْدَةً، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا تَرَاخَى تَذَكُّرُ الصُّلْبِيَّةِ عَنْ التِّلَاوِيَّةِ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ، أَوْ بِالْعَكْسِ بِأَنْ تَرَاخَى تَذَكُّرُ التِّلَاوِيَّةِ عَنْ الصُّلْبِيَّةِ؛ وَأَمَّا إذَا تَذَكَّرَهُمَا مَعًا؛ فَإِمَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ تَشَهُّدِ
أُخِّرَ لِمَا مَرَّ، وَلَوْ فَرَضْنَا تَعَدُّدَ التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ لَهُمَا أَيْضًا زِيدَ سِتٌّ أَيْضًا، وَلَوْ فَرَضْنَا إدْرَاكَهُ لِلْإِمَامِ سَاجِدًا وَلَمْ يَسْجُدْهُمَا مَعَهُ فَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَقْضِيهِمَا
ــ
[رد المحتار]
سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بَعْدَهُ.
فَإِنْ تَذَكَّرَهُمَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا ثَلَاثُ قَعَدَاتٍ، وَإِنْ تَذَكَّرَهُمَا بَعْدَهَا قَبْلَ تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ فَأَرْبَعٌ، وَإِنْ بَعْدَهُ فَخَمْسٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْمَأْمُومِ فَتَكُونُ عَشْرَةً ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَذَكَّرَهُمَا مَعًا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَتْ التِّلَاوِيَّةُ مِنْ رَكْعَةٍ وَالصُّلْبِيَّةُ مِنْ تِلْكَ الرَّكْعَةِ أَوْ مِمَّا بَعْدَهَا وَجَبَ تَقْدِيمُ التِّلَاوِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ رَكْعَةٍ قَبْلَهَا قَدَّمَ الصُّلْبِيَّةَ كَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ ح (قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بَعْدَ التِّلَاوِيَّةِ ح (قَوْلُهُ تَعَدُّدَ التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ) يَعْنِي مَرَّتَيْنِ فَقَطْ الْمَرَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَهَذِهِ ح (قَوْلُهُ زِيدَ سِتٌّ أَيْضًا) صُورَتُهُ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ السَّابِعَةِ صُلْبِيَّةً أُخْرَى فَسَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، تَذَكَّرَ تِلَاوِيَّةً أُخْرَى أَيْضًا فَسَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ فَهَذِهِ ثَلَاثٌ، وَمِثْلُهُ الْمَأْمُومُ فَهَذِهِ سِتٌّ، أَمَّا إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ التِّلَاوِيَّةِ إلَّا بَعْدَ تَشَهُّدِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ ثَمَانِي صُوَرٍ. اهـ. ح.
أَقُولُ: وَاَلَّذِي فِي غَالِبِ النُّسَخِ زِيدَ سِتُّونَ. صُورَتُهُ: أَنْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ الْقَعْدَةِ السَّابِعَةِ صُلْبِيَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيَسْجُدُ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَهَذِهِ أَرْبَعٌ، ثُمَّ يَتَذَكَّرُ بَقِيَّةَ آيَاتِ السَّجْدَةِ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً، وَيَسْجُدُ بَعْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا فَهَذِهِ سِتٌّ وَعِشْرُونَ، فَالْمَجْمُوعُ ثَلَاثُونَ. وَإِذَا وَقَعَ مِثْلُهُ لِلْمَأْمُومِ تَصِيرُ سِتِّينَ ثُمَّ إذَا ضَمَّ إلَيْهَا الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ الَّتِي قَدَّمَهَا الشَّارِحُ وَالْأَرْبَعَ الْآتِيَةَ فِي قَوْلِهِ عَقِيبَهُ وَلَوْ فَرَضْنَا تَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ وَهِيَ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي قَوْلِهِ الْآتِي فِي ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ كَمَا مَرَّ فَالصَّوَابُ مَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ وَلَوْ فَرَضْنَا إدْرَاكَهُ إلَخْ) صُورَتُهُ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَهُوَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَعَدَ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ مَعَهُ ح (قَوْلُهُ فَمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَقْضِيهِمَا) مُرَادُهُ بِالْقَوَاعِدِ الْوَاحِدَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَلْ الْجِنْسِيَّةَ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ، وَتِلْكَ الْقَاعِدَةُ هِيَ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ أَعَادَهُ كَاللَّاحِقِ وَهَذَا فِي حُكْمِهِ ح.
أَقُولُ: عُمُومُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، نَعَمْ وُجُوبُ فِعْلِ هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ مُسَلَّمٌ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ وَإِنْ لَمْ تُحْسَبَا لَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي يَقْضِيهَا. وَأَمَّا لُزُومُ قَضَائِهِمَا، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَقْضِيهَا فَمُسَلَّمٌ أَيْضًا، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا زِيَادَةً عَلَى الرَّكْعَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ، وَالْمَنْقُولُ وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ وَأَنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً تَامَّةً فَقَطْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ قُبَيْلَ بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ: وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِيهِمَا وَاجِبَةٌ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُمَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَقَدْ تَوَقَّفْنَا فِي ذَلِكَ مُدَّةً حَتَّى رَأَيْته فِي التَّجْنِيسِ. وَعِبَارَتُهُ: رَجُلٌ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ وَقَدْ سَجَدَ سَجْدَةً فَكَبَّرَ وَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَمَكَثَ قَائِمًا حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي السَّجْدَةِ ثُمَّ تَابَعَهُ فِي بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ الْإِمَامُ قَامَ وَقَضَى مَا سَبَقَ بِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّي تِلْكَ الرَّكْعَةَ الْفَائِتَةَ بِسَجْدَتِهَا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ حِينَ يَشْرَعُ وَاجِبَةً فِي تِلْكَ السَّجْدَةِ اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ. فَقَدْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَةً تَامَّةً وَيَسْجُدَ فِيهَا ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا قَضَاءً عَمَّا لَمْ يُتَابِعْ فِيهِ، عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْمُتَابَعَةُ وَهِيَ لَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهَا بَعْدَ فَوَاتِهَا لِأَنَّ السُّجُودَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ لِذَاتِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ صَلَاتِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُخَالِفَ إمَامَهُ، نَعَمْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فِيمَا لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامٍ عَلَيْهِ سَهْوٌ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ وَلَمْ يُتَابِعْ إمَامَهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِهِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ فِي تَحْرِيمَتِهِ نُقْصَانًا لَا يَنْجَبِرُ إلَّا بِسَجْدَتَيْنِ، وَبَقِيَ النُّقْصَانُ لِانْعِدَامِ الْجَابِرِ كَذَا قَالُوا، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تُوجَدُ هُنَا، إذْ لَا نُقْصَانَ
فَيُزَادُ أَرْبَعٌ أُخَرُ فَتَدَبَّرْ، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَلَفْظُ السَّلَامِ) مَرَّتَيْنِ فَالثَّانِي وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ بُرْهَانٌ، دُونَ عَلَيْكُمْ؛ وَتَنْقَضِي قُدْوَةً بِالْأَوَّلِ قَبْلَ عَلَيْكُمْ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ خِلَافًا لِلتَّكْمِلَةِ
(وَ) قِرَاءَةُ (قُنُوتِ الْوِتْرِ) وَهُوَ مُطْلَقُ الدُّعَاءِ وَكَذَا تَكْبِيرُ قُنُوتِهِ وَتَكْبِيرَةُ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ زَيْلَعِيٌّ
ــ
[رد المحتار]
فِي تَحْرِيمَتِهِ هُنَا لِأَنَّ النُّقْصَانَ جَاءَهُ هُنَاكَ مِنْ قِبَلِ إمَامِهِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَيُزَادُ أَرْبَعٌ أُخَرُ) وَهَذَا أَيْضًا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا تَذَكَّرَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ تَشَهُّدِ السَّهْوِ فَسَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْأُخْرَى فَسَجَدَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَشَهَّدَ، وَأَمَّا إذَا تَذَكَّرَهُمَا مَعًا فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ، فَصَارَ مَجْمُوعُ الْقَعَدَاتِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الثَّمَانِ فِي تَعَدُّدِ التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ سِتًّا وَعِشْرِينَ ح.
أَقُولُ: هَذَا عَلَى نُسْخَةِ زِيدَ سِتٌّ، أَمَّا عَلَى نُسْخَةِ زِيدَ سِتُّونَ فَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ عَلَى وَفْقِ كَلَامِهِ الْآتِي، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ زِيَادَةَ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ لِعَدَمِ وُجُوبِ قَضَاءِ السَّجْدَتَيْنِ مَا لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ صَرِيحٌ، فَالْبَاقِي أَرْبَعٌ وَسَبْعُونَ، نَعَمْ عَلَى مَا قَرَّرَهُ ح مِنْ الثَّمَانِ فِي تَعَدُّدِ التِّلَاوِيَّةِ وَالصُّلْبِيَّةِ يُزَادُ سَجْدَتَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، فَيَكُونُ الْحَاصِلُ سِتًّا وَسَبْعِينَ
(قَوْلُهُ وَلَفْظُ السَّلَامِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لَفْظًا آخَرَ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ، بَلْ يَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْعَرَبِيِّ، وَلِذَا لَمْ يَقُلْ، لَفْظُ التَّشَهُّدِ وَقَالَ وَلَفْظُ السَّلَامِ، لَكِنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ يُخَالِفُهَا صَرِيحُ الْمَنْقُولِ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الزَّيْلَعِيُّ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ أَنَّ السَّلَامَ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ؛ كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْبَحْرِ (قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ) وَقِيلَ سُنَّةٌ فَتْحٌ (قَوْلُهُ دُونَ عَلَيْكُمْ) فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ: فَلَوْ ائْتَمَّ بِهِ. . إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ) وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَيْسَ فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ الَّتِي رَجَعَ إلَيْهَا فَتَالٍ (قَوْلُهُ وَتَنْقَضِي قُدْوَةٌ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِالسَّلَامِ الْأَوَّلِ. قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: الْإِمَامُ إذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلَمَّا قَالَ السَّلَامُ جَاءَ رَجُلٌ وَاقْتَدَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّ هَذَا سَلَامٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَحَدٍ فِي صَلَاتِهِ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ. اهـ. رَحْمَتِيٌّ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِلتَّكْمِلَةِ) أَيْ لِشَارِحِ التَّكْمِلَةِ حَيْثُ صَحَّحَ أَنَّ التَّحْرِيمَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِالسَّلَامِ الثَّانِي كَمَا وُجِدَ قَبْلَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
(قَوْلُهُ وَقِرَاءَةُ قُنُوتِ الْوِتْرِ) أَقْحَمَ لَفْظَ (قِرَاءَةُ) إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ الدُّعَاءَ لَا طُولَ الْقِيَامِ كَمَا قِيلَ، وَحَكَاهُمَا فِي الْمُجْتَبَى، وَسَيَجِيءُ فِي مَحَلِّهِ. ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: ثُمَّ وُجُوبُ الْقُنُوتِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ: وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَسُنَّةٌ، فَالْخِلَافُ فِيهِ كَالْخِلَافِ فِي الْوِتْرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ وَهُوَ مُطْلَقُ الدُّعَاءِ) أَيْ الْقُنُوتِ الْوَاجِبُ يَحْصُلُ بِأَيِّ دُعَاءٍ كَانَ فِي النَّهْرِ، وَأَمَّا خُصُوصُ:«اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ» فَسُنَّةٌ فَقَطْ، حَتَّى لَوْ أَتَى بِغَيْرِهِ جَازَ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ وَكَذَا تَكْبِيرُ قُنُوتِهِ) أَيْ الْوِتْرِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: وَمِمَّا أُلْحِقَ بِهِ: أَيْ بِالْقُنُوتِ تَكْبِيرُهُ؛ وَجَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ بِوُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ: وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَقِيلَ يَجِبُ السُّجُودُ اعْتِبَارًا بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَقِيلَ لَا. اهـ. وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ اِ هـ (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرُهُ رُكُوعِ الثَّالِثَةِ زَيْلَعِيٌّ) كَذَا عَزَاهُ إلَى الزَّيْلَعِيُّ فِي النَّهْرِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ: قَالَ شَيْخُنَا: هَذَا سَهْوٌ لِعَدَمِ وُجُودِهِ فِي الزَّيْلَعِيِّ، لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي السَّهْوِ، وَلَعَلَّهُ سَبَقَ نَظَرُهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الْقُنُوتِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، فَتُوُهِّمَ أَنَّ هَذِهِ
(وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) وَكَذَا أَحَدُهَا وَتَكْبِيرُ رُكُوعِ رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ كَلَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي افْتِتَاحِهِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ وُجُوبُهُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ بَحْرٌ، فَلْيُحْفَظْ
(وَالْجَهْرُ) لِلْإِمَامِ (وَالْإِسْرَارُ) لِلْكُلِّ (فِيمَا يَجْهَرُ) فِيهِ (وَيُسِرُّ)
وَبَقِيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ إتْيَانُ كُلِّ وَاجِبٍ أَوْ فَرْضٍ فِي مَحَلِّهِ، فَلَوْ أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ فَمَكَثَ مُتَفَكِّرًا سَهْوًا ثُمَّ رَكَعَ أَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ رَاكِعًا فَضَمَّهَا قَائِمًا أَعَادَ الرُّكُوعَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَتَرَكَ تَكْرِيرَ رُكُوعٍ وَتَثْلِيثَ
ــ
[رد المحتار]
تَكْبِيرَةُ الثَّالِثَةِ مِنْ الْوِتْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَإِنَّمَا هِيَ تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ اهـ وَكَذَا نَبَّهَ الرَّحْمَتِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ فِيهِ (قَوْلُهُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ) هِيَ سِتُّ تَكْبِيرَاتٍ فِي كُلٍّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا أَحَدُهَا) أَفَادَ أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ وَاجِبٌ مُسْتَقِلٌّ ط (قَوْلُهُ كَلَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي افْتِتَاحِهِ) أَيْ افْتِتَاحِ الْعِيدِ دُونَ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَنُورِ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ وُجُوبُهُ) أَيْ وُجُوبُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يُكْرَهَ تَحْرِيمًا الشُّرُوعُ بِغَيْرِ اللَّهُ أَكْبَرُ، كَذَا فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى
(قَوْلُهُ وَالْجَهْرُ لِلْإِمَامِ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى، مِثْلُ - {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]- وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ، وَقَوْلُهُ وَالْإِسْرَارُ لِلْكُلِّ: أَيْ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا يُجْهَرُ وَيُسَرُّ لَفٌّ وَنَشْرٌ، يَعْنِي أَنَّ الْجَهْرَ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَهُوَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالْأُولَيَانِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ وَالتَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ فِي رَمَضَانَ وَالْإِسْرَارُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِيمَا يُسَرّ فِيهِ وَهُوَ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَالْأُخْرَيَانِ مِنْ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَكِنَّ وُجُوبَ الْإِسْرَارِ عَلَى الْإِمَامِ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُنْفَرِدِ فَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَذَكَرَ فِي الْفَصْلِ الْآتِي أَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ كَلَامٌ سَتَعْرِفُهُ هُنَاكَ
(قَوْلُهُ فَلَوْ أَتَمَّ الْقِرَاءَةَ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ: فَلَوْ أَتَمَّ الْفَاتِحَةَ؛ وَهَذَا مِثَالٌ لِتَأْخِيرِ الْفَرْضِ وَهُوَ الرُّكُوعُ هُنَا عَنْ مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ أَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ إلَخْ) مِثَالٌ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السُّورَةُ عَنْ مَحَلِّهِ لِفَصْلِهِ بَيْنَ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ الرُّكُوعُ الْمَرْفُوضُ لِوُقُوعِهِ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ السُّورَةَ الْتَحَقَتْ بِالْفَرْضِ وَبَعْدَ وُجُودِ الْقِرَاءَةِ يَصِيرُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّكُوعِ فَرْضًا؛ بِخِلَافِهِ قَبْلَ وُجُودِهَا فَإِنَّهُ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا قَدَّمْنَا تَحْقِيقَهُ فِي بَحْثِ الْقِيَامِ؛ وَسَيَأْتِي لَهُ زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ آخَرَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَبَيْنَ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَا يَعُودُ لَهُ، وَقُيِّدَ بِتَذَكُّرِ السُّورَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَرَأَهَا ثُمَّ عَادَ فَقَرَأَ سُورَةً أُخْرَى لَا يَنْتَقِضُ رُكُوعُهُ كَمَا فِي سَهْوِ الْحِلْيَةِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَعَادَ الرُّكُوعَ) مُخْتَصٌّ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَقَوْلُهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ، وَفِي التَّرْكِيبِ حَزَازَةٌ؛ وَلَوْ قَالَ فَضَمَّهَا قَائِمًا وَأَعَادَ الرُّكُوعَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ لَسَلِمَ مِنْ هَذَا ح.
(قَوْلُهُ وَتَرْكُ تَكْرِيرِ رُكُوعٍ إلَخْ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى إتْيَانٍ لِأَنَّ فِي زِيَادَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ تَغْيِيرَ الْمَشْرُوعِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ وَسَجْدَتَانِ فَقَطْ، فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَرَكَ الْوَاجِبَ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ تَرْكُ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَا مَرَّ، أَعْنِي إتْيَانِ الْفَرْضِ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ تَكْرِيرَ الرُّكُوعِ فِيهِ تَأْخِيرُ السُّجُودِ عَنْ مَحَلِّهِ وَتَثْلِيثُ السُّجُودِ فِيهِ تَأْخِيرُ الْقِيَامِ، أَوْ الْقَعْدَةِ وَكَذَا الْقَعْدَةُ فِي آخِرِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ فَيَجِبُ تَرْكُهَا، وَيَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهَا أَيْضًا تَأْخِيرُ الْقِيَامِ إلَى الثَّانِيَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ عَنْ مَحَلِّهِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْقَعْدَةُ طَوِيلَةً، أَمَّا الْجِلْسَةُ الْخَفِيفَةُ الَّتِي اسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ فَتَرْكُهَا غَيْرَ وَاجِبٍ عِنْدَنَا، بَلْ هُوَ الْأَفْضَلُ كَمَا سَيَأْتِي وَهَكَذَا كُلُّ زِيَادَةٍ بَيْنَ فَرْضَيْنِ يَكُونُ فِيهَا تَرْكُ وَاجِبٍ بِسَبَبِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ وَيَلْزَمُ مِنْهَا تَرْكُ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْفَرْضِ الثَّانِي عَنْ مَحَلِّهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَرْكَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ وَاجِبٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ إتْيَانُ كُلِّ وَاجِبٍ أَوْ فَرْضٍ فِي مَحَلِّهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْوَاجِبَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَرْكِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ فَكَانَ تَرْكُهَا وَاجِبًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْإِخْلَالِ بِهَذَا الْوَاجِبِ الْإِخْلَالُ بِذَاكَ الْوَاجِبِ، فَهُوَ نَظِيرُ عَدِّهِمْ مِنْ الْفَرَائِضِ الِانْتِقَالُ مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ فَإِنَّهُ
سُجُودٍ وَتَرْكُ قُعُودٍ قَبْلَ ثَانِيَةٍ أَوْ رَابِعَةٍ وَكُلُّ زِيَادَةٍ تَتَخَلَّلُ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ وَإِنْصَاتِ الْمُقْتَدِي
وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ
ــ
[رد المحتار]
فَرْضٌ لِغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ؛ فَلَا تَكْرَارَ فِي كَلَامِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَكُلُّ زِيَادَةٍ إلَخْ) بِجَرِّ كُلٍّ عَطْفًا عَلَى تَكْرِيرِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ، وَيَدْخُلُ فِي الزِّيَادَةِ السُّكُوتُ؛ حَتَّى لَوْ شَكَّ فَتَفَكَّرَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ غَيْرُ قَيْدٍ، فَتَدْخُلُ الزِّيَادَةُ بَيْنَ فَرْضٍ وَوَاجِبٍ كَالزِّيَادَةِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْقِيَامِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا مَرَّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا تَأْخِيرٍ، حَتَّى لَوْ رَفَعَ مِنْ السَّجْدَة وَقَعَدَ سَاكِتًا يَلْزَمُهُ السَّهْوُ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ حِينَ يُمِدُّ الْمُبَلِّغُ تَكْبِيرَ الْقَعْدَةِ فَلَا يَشْرَعُونَ بِقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ إلَّا بَعْدَ سُكُوتِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ، قَالَ ط: اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَطَالَ قِيَامَ الرُّكُوعِ أَوْ الرَّفْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ تَسْبِيحَةٍ بِقَدْرِ تَسْبِيحَةٍ سَاهِيًا يَلْزَمُهُ سُجُودُ السَّهْوِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ اهـ وَلَمْ يَعْزُهُ إلَى أَحَدٍ، نَعَمْ ذَكَرَ نَحْوَهُ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذَا الشَّرْحِ فَقَالَ كَإِطَالَةِ وُقُوفِهِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ اهـ وَلَمْ يَعْزُهُ أَيْضًا، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمَا، وَيَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ، نَعَمْ رَأَيْت فِي سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ الْحِلْيَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالتَّتِمَّةِ نَقْلًا عَنْ غَرِيبِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْبَلْخِيّ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَأَطَالَ تَفَكُّرَهُ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ قَوْمَتِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَوْ قَعْدَتِهِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَإِنْ فِي جُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَعَلَيْهِ السَّهْوُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطِيلَ اللُّبْثَ فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا إلَّا فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي الْقُعُودِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ اهـ وَقَوْلُهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ فِي كُتُبِ الْمُذَهَّبِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ غَرِيبَةٌ نَادِرَةٌ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَرَأَيْت فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ الْوِتْرِ عِنْدَ قَوْلِ الْكَنْزِ وَيَتَّبِعُ الْمُؤْتَمُّ قَانِتَ الْوِتْرِ لَا الْفَجْرِ إنْ طَوَّلَ الْقِيَامَ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ (قَوْلُهُ وَإِنْصَاتُ الْمُقْتَدِي) فَلَوْ قَرَأَ خَلْفَ إمَامِهِ كُرِهَ تَحْرِيمًا وَلَا تَفْسُدُ فِي الْأَصَحِّ كَمَا سَيَأْتِي قُبَيْلَ بَابِ الْإِمَامَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ سُجُودُ سَهْوٍ لَوْ قَرَأَ سَهْوًا لِأَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَى الْمُقْتَدِي، وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُتَعَمِّدَ الْإِعَادَةُ جَزَمَ ح وَتَبِعَهُ ط بِوُجُوبِهَا، وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلِ الْوَاجِبَات.
مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي تَحْقِيقِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ
(قَوْلُهُ وَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: لَا خِلَافَ فِي لُزُومِ الْمُتَابَعَةِ فِي الْأَرْكَانِ الْفِعْلِيَّةِ إذْ هِيَ مَوْضُوعُ الِاقْتِدَاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي الرُّكْنِ الْقَوْلِيِّ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ؛ فَعِنْدَنَا لَا يُتَابِعُ فِيهَا بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَفِيمَا عَدَا الْقِرَاءَةَ مِنْ الْأَذْكَارِ يُتَابِعُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَاجِبَةٌ، فَإِنْ عَارَضَهَا وَاجِبٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفُوتَهُ بَلْ يَأْتِي بِهِ ثُمَّ يُتَابِعُ، كَمَا لَوْ قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي التَّشَهُّدَ فَإِنَّهُ يُتِمُّهُ ثُمَّ يَقُومُ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهِ لَا يُفَوِّتُ الْمُتَابَعَةَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُهَا، وَالْمُتَابَعَةُ مَعَ قَطْعِهِ تُفَوِّتُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَكَانَ تَأْخِيرُ أَحَدِ الْوَاجِبَيْنِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِهِمَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَارَضَهَا سُنَّةٌ كَمَا لَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ تَسْبِيحِ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ لِأَنَّ تَرْكَ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ اهـ مُلَخَّصًا. ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ لِلْإِمَامِ فِي الْوَاجِبَاتِ فِعْلًا، وَكَذَا تَرْكًا إنْ لَزِمَ مِنْ فِعْلِهِ مُخَالَفَتُهُ الْإِمَامَ فِي الْفِعْلِ كَتَرْكِهِ الْقُنُوتَ أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَوْ الْقَعْدَةَ الْأُولَى أَوْ سُجُودَ السَّهْوِ أَوْ التِّلَاوَةَ فَيَتْرُكُهُ الْمُؤْتَمُّ أَيْضًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَالْمَنْسُوخِ، وَمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُتَابِعُهُ لَوْ زَادَ سَجْدَةً أَوْ زَادَ عَلَى أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ أَوْ عَلَى أَرْبَعٍ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِي السُّنَنِ فِعْلًا وَكَذَا تَرْكًا فَلَا يُتَابِعُهُ فِي تَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّحْرِيمَةِ وَالثَّنَاءِ وَتَكْبِيرِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّسْبِيحِ فِيهِمَا وَالتَّسْمِيعِ، وَكَذَا لَا يُتَابِعُهُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ الْقَوْلِيِّ الَّذِي لَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ الْمُخَالَفَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[رد المحتار]
فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ كَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ إذْ يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِمَا الْمُخَالَفَةُ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ الْقِيَامُ مَعَ رُكُوعِ الْإِمَامِ. اهـ.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُتَابَعَةَ لَيْسَتْ فَرْضًا، بَلْ تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ الْفِعْلِيَّةِ، وَتَكُونُ سُنَّةً فِي السُّنَنِ وَكَذَا فِي غَيْرِهَا عِنْدَ مُعَارَضَةِ سُنَّةٍ، وَتَكُونُ خِلَافُ الْأَوْلَى إذَا عَارَضَهَا وَاجِبٌ آخَرُ أَوْ كَانَتْ فِي تَرْكٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ وَنَظَائِرِهِ، وَتَكُونُ غَيْرَ جَائِزَةٍ إذَا كَانَتْ فِي فِعْلِ بِدْعَةٍ أَوْ مَنْسُوخٍ أَوْ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ أَوْ فِي تَرْكِ مَا يَلْزَمُ مِنْ فِعْلِهِ مُخَالَفَةُ الْإِمَامِ فِي وَاجِبٍ فِعْلِيٍّ
وَيُشْكَلُ عَلَى هَذَا مَا فِي شَرْحِ الْقُهُسْتَانِيِّ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْكَيْدَانِيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الْمُتَابَعَةَ فَرْضٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَأَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ الْأَذْكَارِ كَمَا فِي الْمُنْيَةِ اهـ وَكَذَا مَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَوْ قَامَ سَاهِيًا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى يَعُودُ وَيَقْعُدُ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ، حَتَّى قَالَ فِي الْبَحْرِ: ظَاهِرَةٌ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ. وَقَالَ فِي النَّهْرِ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الْوَاجِبِ فَرْضٌ فِي الْفَرْضِ. اهـ.
أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْفَرْضِ الْوَاجِبَ، وَكَوْنُ الْمُتَابَعَةِ فَرْضًا لَا يَصِحُّ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ قَامَ قَبْلَ قُعُودِ إمَامِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ إنْ قَرَأَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ بَعْدَ قُعُودِ الْإِمَامِ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَإِلَّا لَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ، فَلَوْ كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ فَرْضًا فِي الْفَرْضِ مُطْلَقًا لَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا، نَعَمْ تَكُونُ الْمُتَابَعَةُ فَرْضًا؛ بِمَعْنَى أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَرْضِ مَعَ إمَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ، كَمَا لَوْ رَكَعَ إمَامُهُ فَرَكَعَ مَعَهُ مُقَارِنًا أَوْ مُعَاقِبًا وَشَارَكَهُ فِيهِ أَوْ بَعْدَ مَا رَفَعَ مِنْهُ، فَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ أَصْلًا أَوْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ إمَامُهُ وَلَمْ يُعِدْهُ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي ذَاتِهَا ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مُقَارِنَةٌ لِفِعْلِ الْإِمَامِ مِثْلَ أَنْ يُقَارِنَ إحْرَامُهُ لِإِحْرَامِ إمَامِهِ وَرُكُوعُهُ لِرُكُوعِهِ وَسَلَامُهُ لِسَلَامِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا مَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ وَدَامَ حَتَّى أَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ. وَمُعَاقَبَةً لِابْتِدَاءِ فِعْلِ إمَامِهِ مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي بَاقِيهِ. وَمُتَرَاخِيَةٌ عَنْهُ، فَمُطْلَقُ الْمُتَابَعَةِ الشَّامِلُ لِهَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ يَكُونُ فَرْضًا فِي الْفَرْضِ، وَوَاجِبًا فِي الْوَاجِبِ، وَسُنَّةً فِي السُّنَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ أَوْ عَدَمِ لُزُومِ الْمُخَالَفَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَلَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ الْمَسْبُوقِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا لَكِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ الَّتِي يَقْضِيهَا بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ، فَقَدْ وُجِدَتْ الْمُتَابَعَةُ الْمُتَرَاخِيَةُ فَلِذَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَالْمُتَابَعَةُ الْمُقَيَّدَةُ بِعَدَمِ التَّأْخِيرِ وَالتَّرَاخِي الشَّامِلَةُ لِلْمُقَارَنَةِ وَالْمُعَاقَبَةِ لَا تَكُونُ فَرْضًا بَلْ تَكُونُ وَاجِبَةً فِي الْوَاجِبِ وَسُنَّةً فِي السُّنَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا، وَالْمُتَابَعَةُ الْمُقَارِنَةُ بِلَا تَعْقِيبٍ وَلَا تَرَاخٍ سُنَّةٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، وَهَذَا مَعْنَى مَا فِي الْمُقَدِّمَةِ الْكَيْدَانِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُتَابَعَةَ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَهَا فِي السُّنَنِ، وَمُرَادُهُ بِالثَّانِيَةِ الْمُقَارِنَةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِهَا.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّ الْمُتَابَعَةَ فَرْضٌ أَوْ شَرْطٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ أَرَادَ بِهِ مُطْلَقًا بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَمَنْ قَالَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَغَيْرِهِ أَرَادَ بِهِ الْمُقَيَّدَةَ بِعَدَمِ التَّأْخِيرِ، وَمَنْ قَالَ إنَّهَا سُنَّةٌ أَرَادَ بِهِ الْمُقَارِنَةَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى تَوْفِيقِهِ، وَأَسْأَلُهُ هِدَايَةَ طَرِيقِهِ.
يَعْنِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ كَقُنُوتِ فَجْرٍ
وَإِنَّمَا تَفْسُدُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي الْفُرُوضِ كَمَا بَسَطْنَاهُ فِي الْخَزَائِنِ. قُلْت: فَبَلَغَتْ أُصُولُهَا
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبُ الْمُرَادِ بِالْمُجْتَهَدِ فِيهِ
(قَوْلُهُ يَعْنِي فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ) الْمُرَادُ بِالْمُجْتَهِدِ فِيهِ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى دَلِيلٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا بِحَيْثُ يُسَوَّغُ لِلْمُجْتَهِدِ بِسَبَبِهِ مُخَالَفَةُ غَيْرِهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَكَمِ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَإِذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إمْضَاؤُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ كَحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ كَالِاكْتِفَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى مُجْتَهَدًا فِيهِ، حَتَّى إذَا رَفَعَ حُكْمَهُ إلَى مَنْ لَا يَرَاهُ يَنْقُضُهُ وَلَا يُمْضِيهِ. وَأَفَادَ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى وَعَدَمُ جَوَازِهَا فِيمَا كَانَ بِدْعَةً أَوْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالصَّلَاةِ كَمَا لَوْ زَادَ سَجْدَةً أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا كَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ. وَمِثَالُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْمُتَابَعَةُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ مَا ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ فِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ عَنْ الْجُلَابِيِّ بِقَوْلِهِ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَسَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الْوِتْرِ. اهـ.
وَالْمُرَادُ بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِمَّا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ؛ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَرَاهَا خَمْسًا مَثَلًا كَشَافِعِيٍّ، وَمَثَّلَ لِمَا لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ فِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ عَنْ الْجُلَابِيِّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ: كَالْقُنُوتِ فِي الْفَجْرِ وَالتَّكْبِيرِ الْخَامِسِ فِي الْجِنَازَةِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ، قَالَ فَالْمُتَابَعَةُ فِيهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ اهـ لَكِنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ قَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا كَأَئِمَّةِ بَلْخٍ، فَكَوْنُهُ مِمَّا لَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فِي بَابِ الْجِنَازَةِ: إنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا: أَيْ مِمَّا قَالَهُ أَئِمَّةُ بَلْخٍ أَنَّ الْأَوْلَى مُتَابَعَةُ الْحَنَفِيِّ لِلشَّافِعِيِّ بِالرَّفْعِ إذَا اقْتَدَى بِهِ، وَلَمْ أَرَهُ. اهـ.
أَيْ فَإِنَّ اخْتِلَافَ أَئِمَّتِنَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَتَأَمَّلْ، وَقَالَ الْأَوْلَى وَلَمْ يَقُلْ يَجِبُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْوَاجِبِ أَوْ الْفَرْضِ وَهَذَا الرَّفْعُ غَيْرُ وَاجِبٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ) كَمَا لَوْ كَبَّرَ فِي الْجِنَازَةِ خَمْسًا، فَإِنَّ الْآثَارَ اخْتَلَفَتْ فِي فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَرَوَى الْخَمْسَ وَالسَّبْعَ وَالتِّسْعَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ آخِرَ فِعْلِهِ كَانَ أَرْبَعًا، فَكَانَ نَاسِخًا لِمَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الْإِمْدَادِ (قَوْلُهُ كَقُنُوتِ فَجْرٍ) فَإِنَّهُ إمَّا مَقْطُوعٌ بِنَسْخِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَانَ سُنَّةً أَوْ بَعْدَ سُنِّيَّتِهِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَانَ دُعَاءً عَلَى قَوْمٍ شَهْرًا كَمَا فِي الْفَتْحِ مِنْ النَّوَافِلِ، فَهُوَ مِثَالٌ لِلْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ سُنِّيَّتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ ح
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَفْسُدُ) أَيْ الصَّلَاةُ بِمُخَالَفَتِهِ فِي الْفُرُوضِ الْمُرَادُ بِالْمُخَالَفَةِ هُنَا عَدَمُ الْمُتَابَعَةِ أَصْلًا بِأَنْوَاعِهَا الثَّلَاثِ الْمَارَّةِ، وَالْفَسَادُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِتَرْكِ الْفَرْضِ لَا بِتَرْكِ الْمُتَابَعَةِ، لَكِنْ أُسْنِدَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهَا تَرْكُهُ، وَخَصَّ الْفَرْضَ لِأَنَّهُ لَا فَسَادَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ (قَوْلُهُ فِي الْخَزَائِنِ) وَنَصُّهُ: وُجُوبُ الْمُتَابَعَةِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ هِيَ تَارَةً تُفْرَضُ وَتَارَةً تَجِبُ وَتَارَةً لَا تَجِبُ، فَفِي وِتْرِ الْفَتْحِ إنَّمَا تَجِبُ الْمُتَابَعَةُ فِي الْفِعْلِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ لَا فِي الْمَقْطُوعِ بِنَسْخِهِ أَوْ بِعَدَمِ كَوْنِهِ سُنَّةً مِنْ الْأَصْلِ كَقُنُوتِ الْفَجْرِ. وَفِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا يَتَّبِعُهُ فِي الْمَشْرُوعِ دُونَ غَيْرِهِ. وَفِي الْبَحْرِ: الْمُخَالَفَةُ فِيمَا هُوَ مِنْ الْأَرْكَانِ أَوْ الشَّرَائِطُ مُفْسِدَةٌ لَا فِي غَيْرِهَا. اهـ. مَطْلَبُ سُنَنِ الصَّلَاةِ
(قَوْلُهُ قُلْت فَبَلَغَتْ أُصُولَهَا إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى مَا زَادَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي الْفَاتِحَةِ سِتَّ آيَاتٍ، وَقَدْ عَدَّهَا فِي الْمَتْنِ وَاجِبًا وَاحِدًا، وَكَذَا تَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ سِتٌّ وَعَدَّهَا وَاحِدًا فَيُزَادُ عَلَيْهِ عَشْرَةٌ، وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ عَدَّهُ وَاحِدًا وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُزَادُ ثَلَاثَةً فَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالرَّابِعَ عَشَرَ
نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ، وَبِالْبَسْطِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ إذْ أَحَدُهَا يُنْتِجُ 390 مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ قَعْدَةَ الْمَغْرِبِ بِتَشَهُّدِهَا وَتَرْكِ نَقْصٍ مِنْهُ أَوْ زِيَادَةٍ فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فِي 78 كَمَا مَرَّ، التَّتَبُّعُ يَنْفِي الْحَصْرَ فَتَبَصَّرْ، فَيُلْغَزُ أَيُّ وَاجِبِ يَسْتَوْجِبُ 390 وَاجِبًا (وَسُنَنُهَا) تَرْكُ السُّنَّةِ
ــ
[رد المحتار]
تَرْكُ تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ سُورَةِ الْأُولَيَيْنِ، وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَفِيمَا تَكَرَّرَ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ، وَالسَّابِعَ عَشَرَ تَرْكُ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّشَهُّدِ، وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَالتَّاسِعَ عَشَرَ تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَةُ رُكُوعِهِ، وَالْعِشْرُونَ وَالْحَادِي وَالْعِشْرُونَ تَكْبِيرَةُ رُكُوعِ ثَانِيَةِ الْعِيدِ وَلَفْظًا التَّكْبِيرُ فِي الِافْتِتَاحِ. ثُمَّ ذَكَرَ سَبْعَةً تَحْتَ قَوْلِهِ وَبَقِيَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ إلَخْ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ، فَتَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَاجِبًا بِدُونِ ضَرْبٍ وَبَسْطٍ فَلِذَا سَمَّاهَا أُصُولًا (قَوْلُهُ وَبِالْبَسْطِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ) أَقُولُ: أَكْثَرُهَا صُوَرٌ عَقْلِيَّةٌ لَا خَارِجِيَّةٌ كَمَا سَتَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ إذْ أَحَدُهَا) الْمُرَادُ بِهِ التَّشَهُّدُ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ جِهَةِ النَّوْعِ: أَيْ إنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ نَوْعِ الْوَاجِبَاتِ النَّيِّفِ وَأَرْبَعِينَ، وَإِلَّا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُتَعَدِّدٌ لِأَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ هُوَ الْمَضْرُوبُ فِيهِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ تَشَهُّدًا (قَوْلُهُ مِنْ ضَرْبِ خَمْسَةٍ) أَيْ خَمْسِ وَاجِبَاتٍ هِيَ قَعْدَةُ الْمَغْرِبِ الْأُولَى مَعَ تَشَهُّدِهَا وَتَرْكُ نَقْصٍ مِنْ كَلِمَاتِهِ وَتَرْكُ زِيَادَةٍ فِيهِ: أَيْ فِي أَثْنَاءِ كَلِمَاتِهِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَنْظُومٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ وَتَرْكُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ أَيْ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَهَذَا لَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِنْ غَيْرِ النَّوَافِلِ (قَوْلُهُ فِي ثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِينَ) مُتَعَلِّقٌ بِضَرَبَ، وَقَوْلُهُ كَمَا مَرَّ: أَيْ فِي كَلَامِهِ حَيْثُ ذَكَرَ أَنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ يَتَكَرَّرُ عَشْرًا ثُمَّ زَادَ أَرْبَعًا ثُمَّ سِتِّينَ ثُمَّ أَرْبَعًا فَبَلَغَتْ ثَمَانِيَةً وَسَبْعِينَ تَشَهُّدًا كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَرَّ، وَإِذَا ضَرَبْتهَا فِي الْخَمْسَةِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا هُنَا بَلَغَتْ ثَلَثَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ التَّشَهُّدَ فِي نَفْسِهِ وَاجِبٌ وَيَجِبُ لَهُ الْقَعْدَةُ وَأَنْ يَتْرُكَ نَقْصًا مِنْهُ أَوْ زِيَادَةً فِيهِ أَوْ عَلَيْهِ فَهَذِهِ خَمْسُ وَاجِبَاتٍ تَجِبُ فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ وَالسَّبْعِينَ الْمَارَّةِ فَتَبْلُغُ مَا ذُكِرَ، وَأَرَادَ بِالْوَاجِبِ مَا يَشْمَلُ الْفَرْضَ لِأَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ لَيْسَتْ كُلَّ قَعَدَاتِهَا وَاجِبَةً بَلْ الْوَاجِبُ مِنْهَا مَا كَانَ قَعْدَةً أُولَى أَوْ بَعْدَ سُجُودِ سَهْوٍ، أَمَّا مَا كَانَ قَعْدَةً أَخِيرَةً أَوْ بَعْدَ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةً أَوْ تِلَاوِيَّةٍ فَإِنَّهَا فَرْضٌ وَالْفَرْضُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْوَاجِبِ، فَهَذَا وَاجِبٌ وَاحِدٌ مِنْ نَوْعِ الْوَاجِبَاتِ النَّيِّفِ وَأَرْبَعِينَ الْمَارَّةِ وَهُوَ التَّشَهُّدُ اسْتَلْزَمَ ثَلَثَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ وَاجِبًا فَيَصْلُحُ لُغْزًا، ثُمَّ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ تَشْتَمِلُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَجْدَةٍ مَا بَيْنَ سَهْوِيَّةٍ وَصُلْبِيَّةٍ وَتِلَاوِيَّةٍ كُلُّ سَجْدَةٍ مِنْهَا يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثُ وَاجِبَاتٍ: الطُّمَأْنِينَةُ وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ وَوَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْكَمَالُ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا ضَرَبْت ثَلَاثَةً فِي مِائَةٍ تَبْلُغُ ثَلَثَمِائَةٍ، وَكَذَا يَجِبُ بَيْنَ كُلِّ سَجْدَتَيْ سَهْوٍ الرَّفْعُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَتَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ، وَإِذَا ضُمَّ ذَلِكَ إلَى مَا مَرَّ تَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةٍ، وَإِذَا ضَرَبْتهَا فِي بَقِيَّةِ النَّيِّفِ وَأَرْبَعِينَ الْمَارَّةِ تَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَسَبْعِمِائَةٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَسْتَلْزِمُ تَرْكُهُ سَجْدَتَيْ سَهْوٍ وَتَشَهُّدًا وَقَعْدَةً، وَكُلُّ سَجْدَةٍ يَجِبُ فِيهَا الطُّمَأْنِينَةُ وَالرَّفْعُ بَيْنَهُمَا وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ، وَالتَّشَهُّدُ لِلسَّهْوِ يَجِبُ فِيهِ تَرْكُ نَقْصٍ مِنْهُ وَزِيَادَةٍ فِيهِ، أَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ فَتَجُوزُ فَهَذِهِ عَشْرُ وَاجِبَاتٍ.
فَإِذَا ضَرَبْتهَا فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا وَسَبْعِمِائَةٍ بَلَغَتْ مِائَتِي أَلْفٍ وَسَبْعَةً وَثَمَانِينَ أَلْفًا، وَإِذَا نَظَرْت إلَى أَنَّ مُتَابَعَةَ الْمُقْتَدِي لِإِمَامِهِ وَاجِبَةٌ فِي الْفَرَائِضِ النَّيِّفِ وَعِشْرِينَ وَفِي الْوَاجِبَاتِ النَّيِّفِ وَأَرْبَعِينَ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ نَيِّفٌ وَسِتُّونَ، فَإِذَا ضَرَبْتهَا فِيمَا مَرَّ بَلَغَتْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا، وَبَقِيَ وَاجِبَاتٌ أُخَرُ لَمْ يَذْكُرْهَا؛ كَالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ، وَعَدَمِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ، وَعَدَمِ الْقِيَامِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ أَوْ قَبْلَ السَّلَامِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَبْلُغُ جُمْلَتُهُ بِالضَّرْبِ عَدَدًا كَثِيرًا أَكْثَرُهَا صُوَرٌ عَقْلِيَّةٌ كَمَا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ ضَيَاعَ وَقْتِهِ، وَلَوْلَا ضَرُورَةُ بَيَانِ كَلَامِ الشَّارِحِ لَكَانَ الْإِعْرَاضُ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَسُنَنُهَا) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى السُّنَّةِ وَتَعْرِيفِهَا وَتَقْسِيمِهَا إلَى سُنَّةِ هَدْيٍ وَسَنَةِ زَوَائِدَ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِيَةِ وَبَيْنَ الْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ، وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَرَاجِعْهُ
لَا يُوجِبُ فَسَادًا وَلَا سَهْوًا بَلْ إسَاءَةً لَوْ عَامِدًا غَيْرَ مُسْتَخِفٍّ.
وَقَالُوا الْإِسَاءَةُ أَدْوَنُ مِنْ الْكَرَاهَةِ، ثُمَّ هِيَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ (رَفْعُ الْيَدَيْنِ لِلتَّحْرِيمَةِ) فِي الْخُلَاصَةِ إنْ اعْتَادَ تَرْكَهُ أَثِمَ (وَنَشْرُ الْأَصَابِعِ) أَيْ تَرْكُهَا بِحَالِهَا
ــ
[رد المحتار]
(قَوْلُهُ لَا يُوجِبُ فَسَادًا وَلَا سَهْوًا) أَيْ بِخِلَافِ تَرْكِ الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ، وَتَرْكُ الْوَاجِبِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ (قَوْلُهُ لَوْ عَامِدًا غَيْرَ مُسْتَخِفٍّ) فَلَوْ غَيْرَ عَامِدٍ فَلَا إسَاءَةَ أَيْضًا بَلْ تُنْدَبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَحْثِ الْوَاجِبَاتِ، وَلَوْ مُسْتَخِفًّا كَفَرَ، لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: لَوْ لَمْ يَرَ السُّنَّةَ حَقًّا كَفَرَ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ. اهـ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ السُّنَّةَ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا عِنْدَ عُلَمَاءِ الدِّينِ، فَإِذَا أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا ثَابِتًا وَمُعْتَبَرًا ثَابِتًا فِي الدِّينِ يَكُونُ قَدْ اسْتَخَفَّ بِهَا وَاسْتَهَانَهَا وَذَلِكَ كُفْرٌ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ فِي قَوْلِهِمْ الْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَقَالُوا إلَخْ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي التَّحْقِيقِ وَفِي التَّقْرِيرِ الْأَكْمَلِيِّ مِنْ كُتُبِ الْأُصُولِ، لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ نَجِيمٍ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ بِأَنَّ الْإِسَاءَةَ أَفْحَشُ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا لِقَوْلِ التَّحْرِيرِ: وَتَارِكُهَا يَسْتَوْجِبُ إسَاءَةً: أَيْ التَّضْلِيلَ وَاللَّوْمَ. وَفِي التَّلْوِيحِ تَرْكُ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَرَامِ، وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمِيَّةُ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ التَّنْزِيهِيَّةُ، فَهِيَ دُونَ الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا وَفَوْقَ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ مَعْزِيًّا إلَى أُصُولِ أَبِي الْيُسْرِ: حُكْمُ السُّنَّةِ أَنْ يُنْدَبَ إلَى تَحْصِيلِهَا وَيُلَامَ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ لُحُوقِ إثْمٍ يَسِيرٍ اهـ. وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِثْمَ مَنُوطٌ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِإِثْمِ مَنْ تَرَكَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِإِثْمِ مَنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ مَعَ أَنَّهَا سُنَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِثْمَ بَعْضُهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَالْإِثْمُ لِتَارِكِ السُّنَّةِ الْمُؤَكَّدَةِ أَخَفُّ مِنْهُ لِتَارِكِ الْوَاجِبِ اهـ مُلَخَّصًا. وَظَاهِرُهُ حُصُولُ الْإِثْمِ بِالتَّرْكِ مَرَّةً، وَيُخَالِفُهُ مَا فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ التَّرْكُ بِلَا عُذْرٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْخُلَاصَةِ، وَكَذَا مَا مَرَّ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اكْتَفَى بِالْغُسْلِ مَرَّةً، إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ وَإِلَّا لَا، وَكَذَا مَا فِي شَرْحِ الْكَيْدَانِيَّةِ عَنْ الْكَشْفِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمِصْرَيْنِ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ بِالْقِتَالِ وَأَبُو يُوسُفَ بِالتَّأْدِيبِ اهـ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ التَّرْكِ فِيمَا مَرَّ عَنْ الْبَحْرِ عَلَى التَّرْكِ عَلَى سَبِيلِ الْإِصْرَارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ (قَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ) وَإِلَّا فَهِيَ أَكْثَرُ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَدْ عَدَّ مِنْهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مُقَدَّمَتِهِ نُورِ الْإِيضَاحِ إحْدَى وَخَمْسِينَ (قَوْلُهُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ) أَنَّثَ لَفْظَ الْعَدَدِ لِحَذْفِ الْمَعْدُودِ ح (قَوْلُهُ لِلتَّحْرِيمَةِ) أَيْ قَبْلَهَا، وَقِيلَ مَعَهَا كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) حَكَى فِي الْخُلَاصَةِ أَوَّلًا خِلَافًا، قِيلَ يَأْثَمُ، وَقِيلَ لَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ إنْ اعْتَادَهُ أَثِمَ لَا إنْ كَانَ أَحْيَانًا. اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْفَيْضِ وَكَذَا فِي الْمُنْيَةِ. قَالَ شَارِحُهَا: يَأْثَمُ لَا لِنَفْسِ التَّرْكِ، بَلْ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ وَعَدَمُ مُبَالَاةٍ بِسُنَّةٍ وَاظَبَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُدَّةَ عُمْرِهِ، وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ اهـ وَالتَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْفَتْحِ. وَرَدَّهُ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْإِثْمِ فِي تَرْكِ الرَّفْعِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى فَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَالْقَائِلُ بِعَدَمِهِ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الزَّوَائِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَبِّ إلَخْ.
قُلْت: لَكِنَّ كَوْنَهُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِثْمَ بِتَرْكِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِلَا عُذْرٍ، فَيَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُ التَّرْكِ بِالِاعْتِيَادِ وَالْإِصْرَارِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَى التَّرْكِ هُوَ الِاسْتِخْفَافُ بِمَعْنَى التَّهَاوُنِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ، لَا بِمَعْنَى الِاسْتِهَانَةِ وَالِاحْتِقَارِ، وَإِلَّا كَانَ كُفْرًا كَمَا مَرَّ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي النَّهْرِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ أَيْ تَرَكَهَا بِحَالِهَا) قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّشْرِ تَفْرِيجَ الْأَصَابِعِ وَهُوَ غَلَطٌ، بَلْ أَرَادَ بِهِ النَّشْرَ
(وَأَنْ لَا يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ عِنْدَ التَّكْبِيرِ) فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ (وَجَهْرُ الْإِمَامِ بِالتَّكْبِيرِ) بِقَدْرِ حَاجَتِهِ لِلْإِعْلَامِ بِالدُّخُولِ وَالِانْتِقَالِ. وَكَذَا بِالتَّسْمِيعِ وَالسَّلَامِ. وَأَمَّا الْمُؤْتَمُّ وَالْمُنْفَرِدُ فَيُسْمِعُ نَفْسَهُ
(وَالثَّنَاءِ وَالتَّعَوُّذِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالتَّأْمِينِ)
ــ
[رد المحتار]
عَنْ الطَّيِّ يَعْنِي بِرَفْعِهِمَا مَنْصُوبَتَيْنِ لَا مَضْمُومَتَيْنِ حَتَّى تَكُونَ الْأَصَابِعُ مَعَ الْكَشْفِ مُسْتَقْبِلَةً لِلْقِبْلَةِ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا تَتَوَقَّفُ السُّنَّةُ عَلَى ضَمِّ الْأَصَابِعِ أَوَّلًا، بَلْ لَوْ كَانَتْ مَنْشُورَةً غَيْرَ مُتَفَرِّجَةٍ كُلَّ التَّفْرِيجِ وَلَا مَضْمُومَةً كُلَّ الضَّمِّ ثُمَّ رَفَعَهَا كَذَلِكَ مُسْتَقْبِلًا بِهِمَا الْقِبْلَةَ فَقَدْ أَتَى بِالسُّنَّةِ اهـ (قَوْلُهُ وَأَنْ لَا يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ) أَيْ لَا يَخْفِضَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ لِلْإِعْلَامِ إلَخْ) وَإِنْ زَادَ كُرِهَ ط.
قُلْت: هَذَا إنْ لَمْ يَفْحُشْ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ بَابِ الْإِمَامَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَقَائِمٌ بِقَاعِدٍ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالِانْتِقَالُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ هُنَا مَا يَشْمَلُ تَكْبِيرَ الْإِحْرَامِ وَغَيْرَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الضِّيَاءِ.
مَطْلَبٌ فِي التَّبْلِيغِ خَلْفَ الْإِمَامِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ فَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ مِنْ قَصْدِهِ بِالتَّكْبِيرِ الْإِحْرَامَ، وَإِلَّا فَلَا صَلَاةَ لَهُ إذَا قَصَدَ الْإِعْلَامَ فَقَطْ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ قَصَدَ الْإِحْرَامَ وَالْإِعْلَانَ لِلْإِعْلَامِ فَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ مِنْهُ شَرْعًا، وَكَذَلِكَ الْمُبَلِّغُ إذَا قَصَدَ التَّبْلِيغَ فَقَطْ خَالِيًا عَنْ قَصْدِ الْإِحْرَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا لِمَنْ يُصَلِّي بِتَبْلِيغِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ قَصَدَ بِتَكْبِيرِهِ الْإِحْرَامَ مَعَ التَّبْلِيغِ لِلْمُصَلِّينَ فَذَلِكَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ شَرْعًا، كَذَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْغَزِّيِّ الْمُلَقَّبِ بِشَيْخِ الشُّيُوخِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهَا مِنْ قَصْدِ الْإِحْرَامِ أَيْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا التَّسْمِيعُ مِنْ الْإِمَامِ وَالتَّحْمِيدُ مِنْ الْمُبَلِّغِ وَتَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالَاتِ مِنْهُمَا إذَا قُصِدَ بِمَا ذُكِرَ الْإِعْلَامُ فَقَطْ فَلَا فَسَادَ لِلصَّلَاةِ، كَذَا فِي [الْقَوْلِ الْبَلِيغِ فِي حُكْمِ التَّبْلِيغِ] لِلسَّيِّدِ أَحْمَدَ الْحَمَوِيُّ، وَأَقَرَّهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّ قَصْدَ الْإِعْلَامِ غَيْرُ مُفْسِدٍ كَمَا لَوْ سَبَّحَ لِيَعْلَمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ. وَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ هُوَ التَّكْبِيرَ عَلَى قَصْدِ الذِّكْرِ وَالْإِعْلَامِ، فَإِذَا مَحَضَ قَصْدَ الْإِعْلَامِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ، وَعَدَمُ الذِّكْرِ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمَةِ غَيْرُ مُفْسِدٍ. وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ تَنْبِيهَ ذَوِي الْأَفْهَامِ عَلَى حُكْمِ التَّبْلِيغِ خَلْفَ الْإِمَامِ هَذَا وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ لَغَتْ نِيَّتُهُ وَصَحَّ شُرُوعُهُ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَهُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهَا الْإِعْلَامَ صَحَّ أَيْضًا، عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا شَرْطٌ لَا رُكْنٌ، وَالشَّرْط يَلْزَمُ حُصُولُهُ لَا تَحْصِيلُهُ، لَكِنْ سَيَأْتِي جَوَابُهُ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَصَدَ الْإِعْلَامَ بِنَفْسِ التَّكْبِيرَةِ، أَمَّا إذَا قَصَدَ بِهَا التَّحْرِيمَةَ وَقَصَدَ بِالْجَهْرِ بِهَا الْإِعْلَامَ، بِأَنْ كَانَ لَوْلَا الْإِعْلَامُ لَمْ يَجْهَرْ وَأَنَّهُ يَأْتِي بِهَا وَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ كَمَا مَرَّ، وَالزَّائِدُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا هُوَ مَكْرُوهٌ لِلْإِمَامِ يُكْرَهُ لِلْمُبَلِّغِ.
وَفِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ: وَاعْلَمْ أَنَّ التَّبْلِيغَ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِأَنْ بَلَغَهُمْ صَوْتُ الْإِمَامِ مَكْرُوهٌ. وَفِي السِّيرَةِ الْحَلَبِيَّةِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى أَنَّ التَّبْلِيغَ حِينَئِذٍ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ أَيْ مَكْرُوهَةٌ وَأَمَّا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَمُسْتَحَبٌّ، وَمَا نُقِلَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ: إذَا بَلَغَ الْقَوْمَ صَوْتُ الْإِمَامِ فَبَلَّغَ الْمُؤَذِّنُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَلَا وَجْهَ لَهُ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِمَا هُوَ ذِكْرٌ بِصِيغَتِهِ. وَقَالَ الْحَمَوِيُّ: وَأَظُنُّ أَنَّ هَذَا النَّقْلَ مَكْذُوبٌ عَلَى الطَّحَاوِيِّ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ اهـ (قَوْلُهُ وَالتَّسْمِيَةُ) وَقِيلَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَعَلَى بَقِيَّةِ السُّنَنِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْله وَالتَّأْمِينُ) أَيْ عَقِبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَإِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ. اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ
وَكَوْنُهُنَّ (سِرًّا، وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ) وَكَوْنُهُ (تَحْتَ السُّرَّةِ) لِلرِّجَالِ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: «مِنْ السُّنَّةِ وَضْعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ» وَلِخَوْفِ اجْتِمَاعِ الدَّمِ. رُءُوسِ الْأَصَابِعِ
(وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ و) كَذَا (الرَّفْعُ مِنْهُ) بِحَيْثُ يَسْتَوِي قَائِمًا (وَالتَّسْبِيحُ فِيهِ ثَلَاثًا) وَإِلْصَاقُ كَعْبَيْهِ (وَأَخْذُ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ) فِي الرُّكُوعِ (وَتَفْرِيجُ أَصَابِعِهِ) لِلرَّجُلِ، وَلَا يُنْدَبُ التَّفْرِيجُ إلَّا هُنَا، لَا الضَّمُّ إلَّا فِي السُّجُودِ (وَتَكْبِيرُ السُّجُودِ و) كَذَا نَفْسُ (الرَّفْعِ مِنْهُ) بِحَيْثُ يَسْتَوِي جَالِسًا (وَ) كَذَا (تَكْبِيرُهُ، وَالتَّسْبِيحُ فِيهِ ثَلَاثًا، وَوَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) فِي السُّجُودِ، فَلَا تَلْزَمُ طَهَارَةُ مَكَانِهِمَا عِنْدَنَا مَجْمَعٌ،
ــ
[رد المحتار]
لِكُلِّ أَحَدٍ، فَمَا قِيلَ لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ وَقَرَأَ نَحْوَ - {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: 286]- الْآيَةَ هَلْ يُسَنُّ التَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالتَّأْمِينُ اهـ فَفِيهِ نَظَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَوَقُّفِهِ فِي التَّأْمِينِ، فَإِنَّ الْوَارِدَ فِي التَّأْمِينِ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ خَاصٌّ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَأَمَّا التَّعَوُّذُ وَالتَّسْمِيَةُ فَغَيْرُ خَاصَّيْنِ بِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُنَّ سِرًّا) جَعَلَ سِرًّا خَبَرَ الْكَوْنِ الْمَحْذُوفِ، لِيُفِيدَ أَنَّ الْإِسْرَارَ بِهَا سُنَّةٌ أُخْرَى، فَعَلَى هَذَا سُنِّيَّةُ الْإِتْيَانِ بِهَا تَحْصُلُ وَلَوْ مَعَ الْجَهْرِ بِهَا ط عَنْ أَبِي السُّعُودِ (قَوْلُهُ وَكَوْنُهُ إلَخْ) قَدَّرَ الْكَوْنَ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لِلرِّجَالِ) سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَيَانُ مُحْتَرِزِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ (قَوْلُهُ وَلِخَوْفٍ إلَخْ) بَيَانٌ لِحِكْمَةِ عَدَمِ الْإِرْسَالِ
(قَوْلُهُ وَكَذَا الرَّفْعُ مِنْهُ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الرَّفْعَ مَرْفُوعٌ بِالْعَطْفِ عَلَى تَكْبِيرٍ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ اهـ لَكِنْ سَنَذْكُرُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي الْقَوْلَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ فِيهِ أَيْضًا لِحَدِيثِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ» وَعَلَى تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ ذِكْرٌ فِيهِ تَعْظِيمٌ يُقَالُ مِثْلُهُ هُنَا فَيَجُوزُ الْجَرُّ لِئَلَّا يَفُوتَ الْمُصَنِّفَ ذِكْرُ التَّسْمِيعِ فِي السُّنَنِ، لَكِنْ يَفُوتُهُ ذِكْرُ نَفْسِ الرَّفْعِ، فَالتَّأْوِيلُ فِي عِبَارَةِ الْكَنْزِ أَظْهَرُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي حَوَاشِينَا عَلَى الْبَحْرِ.
هَذَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مُخْتَارَ الْكَمَالِ وَغَيْرِهِ رِوَايَةُ وُجُوبِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِمَا، وَأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلْأَدِلَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ رِوَايَةَ السُّنِّيَّةِ (قَوْلُهُ وَالتَّسْبِيحُ فِيهِ) الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَتَكْبِيرُ الرُّكُوعِ كَمَا لَا يَخْفَى وَنَظِيرُهُ مَا يَأْتِي فِي السُّجُودِ ح (قَوْلُهُ ثَلَاثًا) فَلَوْ تَرَكَهُ أَوْ نَقَصَهُ كُرِهَ تَنْزِيهًا كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَإِلْصَاقُ كَعْبَيْهِ) أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ (قَوْلُهُ لِلرَّجُلِ) أَيْ سُنَّةٌ لِلرَّجُلِ فَقَطْ، وَهَذَا قَيْدٌ لِلْأَخْذِ وَالتَّفْرِيجِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَضْعًا وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ فَافْهَمْ وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ أَنَّهَا تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ وَكَذَا نَفْسُ الرَّفْعِ مِنْهُ) زَادَ لَفْظَةَ نَفْسٍ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ تَكْبِيرُ الرَّفْعِ، فَيَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ وَكَذَا تَكْبِيرُهُ أَوْ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ أَصْلَ الرَّفْعِ سُنَّةٌ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ، حَتَّى إنَّهُ لَوْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ نَزَعَ مِنْ تَحْتِ جَبْهَتِهِ وَسَجَدَ ثَانِيًا عَلَى الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ، لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا، وَإِذَا كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا اهـ.
وَإِذَا كَانَ الرَّفْعُ الْمَذْكُورُ فَرْضًا فَالْمَسْنُونُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَسْتَوِي جَالِسًا فَلِذَا قَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِذَلِكَ، لَكِنَّهُ يَتَكَرَّرُ مَعَ قَوْلِهِ الْآتِي وَالْجِلْسَةُ فَالْأَصْوَبُ إسْقَاطُ قَوْلِهِ بِحَيْثُ يَسْتَوِي جَالِسًا، وَيَكُونُ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالرَّفْعِ أَصْلُهُ بِدُونِ اسْتِوَاءٍ جَرْيًا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِ، وَبِالْجِلْسَةِ الْآتِيَةِ الِاسْتِوَاءَ فَلَا تَكْرَارَ، وَقَدْ مَرَّ تَصْحِيحُ وُجُوبِهَا وَسَيَأْتِي تَمَامُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي الْفَصْلِ الْآتِي (قَوْلُهُ وَوَضْعُ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ) هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَاخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الِافْتِرَاضَ، وَمَشَى عَلَيْهِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ وَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمِهِ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَ فِي الْفَتْحِ الْوُجُوبَ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ مَعَ الْمُوَاظَبَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِمُوَافَقَتِهِ الْأُصُولَ. اهـ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَهُوَ حَسَنٌ مَاشٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِيَّةِ ثُمَّ ذُكِرَ مَا يُؤَيِّدُهُ.
(قَوْلُهُ فَلَا تَلْزَمُ) لِأَنَّ وَضْعَهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فَإِذَا وَضَعَهُمَا عَلَى نَجَسٍ كَانَ كَعَدَمِ الْوَضْعِ أَصْلًا،