الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفن الثانى علم البيان
تعريف علم البيان:
قدمه على البديع للاحتياج إليه فى نفس البلاغة وتعلق البديع بالتوابع، (وهو علم)
…
===
الفن الثانى علم البيان
الفن عبارة عن الألفاظ كما هو مقتضى ظاهر قول المصنف أول الكتاب ورتبته على مقدمة إلخ، فإن جعل علم البيان عبارة عن المسائل احتيج لتقدير مضاف أى: مدلول الفن الثانى علم البيان أو الفن الثانى دال علم البيان، وإن جعل علم البيان عبارة عن الملكة أو الإدراك احتيج لتقدير مضاف آخر وهو متعلق.
(قوله: قدمه على البديع) أى: أتى به مقدما عليه لا أنه كان مؤخرا عنه ثم قدمه، وتقدم فى أول الفن الأول وجه تقديمه على البيان، وحاصله أنه قدم المعانى على البيان لكونه منه بمنزلة المفرد من المركب؛ لأن رعاية المطابقة لمقتضى الحال التى هى مرجع علم المعانى معتبرة فى علم البيان مع زيادة شىء آخر وهو إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة
(قوله: للاحتياج إليه فى نفس البلاغة) الأنسب بما بعده أن يقول: لتعلقه بالبلاغة وتعلق البديع بتوابعها وإنما كان علم البيان محتاجا إليه فى نفس البلاغة؛ لأنه يحترز به عن التعقيد المعنوى كما سبق وهو شرط فى الفصاحة وهى شرط فى البلاغة وشرط الشرط شرط، والحاصل أن الاحتراز عن التعقيد المعنوى مأخوذ فى مفهومها بواسطة أخذ الفصاحة فيه والاحتراز المذكور لا يتيسر لغير العرب العرباء إلا بهذا العلم، فما قاله بعضهم من أن علم البيان يحتاج إليه فى نفس البلاغة فى الجملة لا أنه لا تتم بلاغة كلام بدون أعمال علم البيان، إذ الكلام المركب من الدلالة المطابقية لا يحتاج فى تحصيل بلاغته إلا إلى علم المعانى، إذ لا حاجة إلى علم البيان فى الدلالة المطابقية كما ستعرف فليس بشىء؛ لأن المقصود احتياج بلاغة الكلام إلى علم البيان لا إلى أعماله، ولا شك أن الاحتراز عن التعقيد المعنوى لا يمكن إلا بعلم البيان
(قوله: وتعلق البديع بالتوابع) أى: توابع البلاغة؛
أى: ملكة يقتدر بها على إدراكات جزئية، أو أصول وقواعد معلومة
…
===
وذلك لأن البديع علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة كما يأتى، فلا جرم أنه لا تعلق له بالبلاغة، وإنما يفيد حسنا عرضيّا للكلام البليغ، وكلام الشارح المذكور يشير إلى أن البديع من توابع البلاغة وهو ما جزم به بعضهم خلافا لمن قال: إنه من تتمة علم المعانى، ولمن قال: إنه قال من تتمة علم البيان.
(قوله: أى ملكة) هى كيفية راسخة فى النفس حاصلة من كثرة ممارسة قواعد الفن
(قوله: يقتدر بها إلخ) الإتيان بهذا نظرا لشأن الملكة فى ذاتها وإن كان متروكا فى الملكة الواقعة فى التعريف؛ لئلا يلزم التكرار مع قوله: يعرف به إلخ
(قوله: أو أصول وقواعد معلومة) عطف على ملكة إشارة إلى أن المراد بالعلم هنا إما الملكة أو الأصول بمعنى القواعد المعلومة؛ لأن بها يعرف إيراد المعانى بطرق مختلفة فى الوضوح والخفاء وإنما قيد القواعد بالمعلومة؛ لأنه لا يطلق عليها علم بدون كونها معلومة من الدلائل وإنما كان المراد بالعلم هنا أحد الأمرين المذكورين؛ لأن العلم مقول بالاشتراك على هذين المعنيين فيجوز إرادة كل منهما، ولا يقال: يلزم على ذلك استعمال المشترك فى التعريف بلا قرينة معينة وذلك لا يجوز؛ لأنا نقول: محل منع استعمال المشترك فى التعريف إذا أريد أحد معنييه أو معانيه فقط، وأما إذا صح أن يراد به كل معنى فإنه يجوز كما هنا فإنه يجوز إرادة كل من الملكة والأصول كما أشار إليه الشارح؛ لأن علة المنع الوقوع فى الحيرة من جهة أنه لا يدرى المعنى المراد من المشترك، وهذا ينافى الغرض من التعريف من البيان والكشف على أن محل منع استعمال المشترك فى التعريف إذا لم يكن بين المعنيين مثلا استلزام، وأما إذا كان بينهما ذلك فإنه يجوز كما هنا؛ لأن تعريف كل منهما يستلزم الآخر؛ لأن الملكة كيفية راسخة فى النفس يقتدر بها على إدراكات جزئية والإدراكات الجزئية ينشأ عنها القواعد؛ لأن القواعد شأنها أن تحصل من تتبع الجزئيات، والقاعدة قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئيات موضوعها والقضايا المذكورة ينشأ عنها الملكة بسبب ممارستها فقد استلزم كل منهما الآخر فكانا بمنزلة الشىء الواحد، فالمقصود حينئذ بالتعريف الذى يؤتى به لبيان الحقيقة واحد فكأنه لا اشتراك
(يعرف به إيراد المعنى الواحد)
…
===
وحصل المقصود من التعريف؛ لأن المقصود منه حصول البصيرة بالمعرف وقد وجد، ثم إن الشارح سوى بين إرادة المعنيين وإن رجح إرادة المعنى الأول فى الفن الأول، لكن الأرجح المعنى الثانى؛ لأن الكتاب فى بيان المسائل والقواعد والعلم المذكور جزئى منه فإن قلت: إن العلم كما يطلق على الملكة والقواعد يطلق على الإدراك فلم لم يذكره الشارح؟ قلت: لاحتياج الكلام معه إلى تقدير المتعلق بلا ضرورة داعية إلى تقدير ذلك ولكن الذى اختاره العلامة السيد أن المراد بالعلم هنا الإدراك والتزم التقدير المذكور؛ لأن الإدراك هو المعنى الأصلى للعلم؛ لأنه مصدر واستعمال العلم فى المعانى الأخر إما حقيقة عرفية أو اصطلاحية أو مجاز مشهور. قال العلامة عبد الحكيم: العلم حقيقة هو الإدراك، وقد يطلق على متعلقه وهو المعلوم إما مجازا مشهورا أو حقيقة اصطلاحية وعلى ما هو تابع له فى الحصول ووسيلة إليه فى البقاء وهو الملكة كذلك، ثم المراد الإدراك الحاصل عن الدلائل، والمسائل المعلومة من الدلائل والملكة الحاصلة عن التصديقات بالمسائل المدللة لما تقرر أن علم المسائل بدون الدلائل يسمى تقليدا لا علما، ولا يصح أن يراد بالعلم هنا اعتقاد مسائل الفن؛ لأن مجرد اعتقادها لا يعرف به أحكام الجزئيات ما لم تحصل الملكة.
(قوله: يعرف به إيراد المعنى الواحد) أى: كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم، فاللام للاستغراق العرفى، والمراد بقوله يعرف به يعرف برعايته؛ لأنه إذا لم يراع لا يعرف إيراد المعنى الواحد الوارد على قصد المتكلم بطرق مختلفة، وخرج بتقييد المعنى بالواحد إيراد المعانى المتعددة بطرق موزعة على تلك المعانى مختلفة فى الوضوح بأن يكون هذا الطريق مثلا فى معناه أوضح من الطريق الآخر فى معناه فلا تكون معرفة إيرادها كذلك من علم البيان، واعلم أن الغرض من معرفة هذا الإيراد أن يحترز المتكلم عن الخطأ فى تأدية الكلام بحيث لا يورد من الكلام ما يدل على مقصوده دلالة خفية عند اقتضاء المقام دلالة واضحة أو واضحة عند اقتضائه دلالة خفية، أو أوضح عند اقتضائه دلالة متوسطة فى الوضوح والخفاء، أو متوسطة عند اقتضائه أوضح أو أخفى
أى: المدلول عليه بكلام مطابق لمقتضى الحال (بطرق) وتراكيب (مختلفة فى وضوح الدلالة عليه) أى: على ذلك المعنى؛
…
===
(قوله: أى المدلول عليه إلخ) قيد بهذا إشارة إلى أن اعتبار علم البيان إنما هو بعد اعتبار علم المعانى، وأن هذا من ذاك بمنزلة المفرد من المركب؛ لأن علم المعانى علم يعرف به إيراد المعنى بكلام مطابق لمقتضى الحال وعلم البيان علم يعرف به إيراد المعنى بكلام مطابق لمقتضى الحال بطرق مختلفة، مثلا إذا كان المخاطب ينكر كون زيد مضيافا، فالذى يقتضيه الحال بحسب المقام جملة مفيدة لرد الإنكار سواء كان إفادتها إياه بدلالة واضحة أو أوضح أو خفية أو أخفى، نحو: إن زيدا لمضياف، أو لكثير الرماد، أو لمهزول الفصيل، أو لجبان الكلب، فإفادتها لذلك المعنى بدلالة المطابقة كالمثال الأول من وظيفة علم المعانى وإفادتها له بغيرها من وظيفة علم البيان
(قوله: بطرق إلخ) يستفاد منه أنه لا بد فى البيان بالنسبة لكل معنى من طرق ثلاثة على ما هو مفاد الجمع ولا بعد فيه؛ لأن المعنى الواحد الذى نحن بصدده له مسند ومسند إليه ونسبة لكل منها دال يجرى فيه المجاز، فيحصل للمركب طرق ثلاثة لا محالة، واختلاف الطرق فى الوضوح والخفاء كما يكون باعتبار قرب المعنى المجازى وبعده من المعنى الحقيقى يكون بوضوح القرينة المنصوبة وخفائها، فتقييد إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة بقولنا على تقدير أن يكون له طرق مما لا حاجة له. اه. أطول.
(قوله: وتراكيب) عطف تفسير
(قوله: مختلفة فى وضوح الدلالة عليه) أى:
سواء كانت تلك الطرق من قبيل الكناية أو المجاز أو التشبيه، فمثال إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى الوضوح من الكناية أن يقال فى وصف زيد مثلا بالجود: زيد مهزول الفصيل، وزيد جبان الكلب، وزيد كثير الرماد، فهذه التراكيب تفيد وصفه بالجود من طريق الكناية؛ لأن هزال الفصيل إنما يكون بإعطاء لبن أمه للضيفان، وجبن الكلب لإلفه للواردين عليه من الأضياف بكثرة فلا يعادى أحدا، وكثرة الرماد من كثرة إحراق الحطب للطبخ من أجل كثرة الضيفان، وهذه الطرق مختلفة فى الوضوح، فكثرة الرماد أوضحها فيخاطب به عند المناسبة كأن يكون المخاطب لا يفهم بغير ذلك، ومثال
بأن يكون بعض الطرق واضح الدلالة عليه، وبعضها أوضح، والواضح خفى بالنسبة إلى الأوضح فلا حاجة إلى ذكر الخفاء،
…
===
إيراده بطرق مختلفة الوضوح من الاستعارة أن يقال فى وصفه مثلا به: رأيت بحرا فى الدار فى الاستعارة التحقيقية، وطم زيد بإنعامه جميع الأنام فى الاستعارة المكنية؛ لأن الطموم وهو الغمر بالماء من أوصاف البحر، فدل ذلك على أنه أضمر تشبيهه بالبحر فى النفس وهو الاستعارة بالكناية على ما يأتى، ولجة زيد تتلاطم بالأمواج؛ لأن اللجة والتلاطم بالأمواج من لوازم البحر، وذلك مما يدل على إضمار تشبيهه به فى النفس أيضا، وأوضح هذه الطرق الأول، وأخفاها الوسط ومثال إيراده بطرق مختلفة الوضوح من التشبيه: زيد كالبحر فى السخاء وزيد كالبحر وزيد بحر، وأظهرها ما صرح فيه بوجه الشبه كالأول، وأخفاها ما حذف فيه الوجه والأداة معا كالأخير فيخاطب بكل من هذه الأوجه الكائنة من هذه الأبواب بما يناسب المقام من الوضوح والخفاء.
بقى شىء آخر وهو أن قول المصنف: مختلفة فى وضوح الدلالة عليه، فيه إشكال وهو أن الدلالة- كما يأتى- كون اللفظ بحيث يلزم من العلم به العلم بشىء آخر ولا معنى لوصف ذلك الكون بالوضوح والخفاء، وأجيب عن ذلك بأجوبة، منها:
أن وصف ذلك الكون بهما من وصف الشىء بما لمتعلقه، والمراد وضوح المدلول أو خفاؤه بأن يكون قريبا بحيث يفهم بسرعة أو لا يفهم بسرعة وكأنه قيل: بطرق مختلفة الدلالة الواضح مدلولها أو الخفى مدلولها. ومنها: أن وصف الكون بذلك باعتبار أن ثبوت ذلك الكون للفظ معلوم بسرعة أو بدون سرعة وعلامة ذلك سرعة الانتقال من اللفظ إلى المدلول أو بطؤه.
(قوله: بأن يكون إلخ) يحتمل أن تكون الباء للسببية ويحتمل أنها للتصوير أى:
واختلاف تلك الطرق فى وضوح الدلالة بسبب كون بعض تلك الطرق أوضح أو مصور بكون بعض تلك الطرق أوضح
(قوله: فلا حاجة إلخ) أى: وإذا علمت أن المراد باختلاف الطرق فى وضوح الدلالة ما ذكرناه بقولنا: بأن يكون إلخ، تعلم أنه لا حاجة إلى ما قاله الخلخالى حيث قدر الخفاء بعد قول المصنف: فى وضوح الدلالة عليه، فقال: وخفائها،
وتقييد الاختلاف بالوضوح ليخرج معرفة إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى اللفظ والعبارة، واللام فى" المعنى الواحد" للاستغراق العرفى،
…
===
وحاصل ما رد به الشارح عليه أنه لا حاجة لقوله: وخفائها؛ وذلك لأن الاختلاف فى الوضوح يقتضى أن بعضها أوضح من بعض مع وجود الوضوح فى كل، ومن المعلوم أن الواضح بالنسبة إلى الأوضح خفى، فالاختلاف فى الوضوح يستلزم الاختلاف فى الخفاء، وحينئذ فلا حاجة لذكر الخفاء. على أن إسقاط لفظ الخفاء فيه فائدة وهى الإشارة إلى أن الخفاء الحقيقى- أعنى: الخفاء فى نفس الأمر وهو الذى ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق- لا بد من انتفائه عن تلك الطرق، وإلا كان فيما وجد فيه تعقيد، والخفاء الموجود فيها إنما هو بحسب إضافة بعضها إلى بعض فكلها واضحة والتفاوت إنما هو فى شدة الوضوح وضعفه.
(قوله: وتقييد) مبتدأ، وقوله:" ليخرج" خبر
(قوله: ليخرج معرفة إيراد المعنى الواحد) أى: ليخرجها عن كونها مشمولة لعلم البيان وجزءا من مسماه، وإلا فالمعرفة بالنسبة إلى معنى واحد لا يصدق عليه الحد بطريق الاستقلال أصلا؛ لأن المراد بالمعنى جميع المعانى الداخلة تحت القصد والإرادة
(قوله: إيراد المعنى الواحد) أى: ككرم زيد وكالحيوان المفترس، وقوله:" بطرق مختلفة" فى اللفظ والعبارة أى: مع كونها متماثلة فى الوضوح، وذلك كالتعبير عن كرم زيد بقولنا: زيد كريم وزيد جواد، وكالتعبير عن الحيوان المفترس بالأسد والغضنفر، فمعرفة إيراد هذا المعنى بهذه الطرق ليست من البيان فى شىء، وعطف العبارة على اللفظ من عطف المرادف، وحاصل ما ذكره الشارح أن تقييد المصنف الاختلاف بوضوح الدلالة مخرج لمعرفة إيراد المعنى الواحد بتراكيب مختلفة فى اللفظ متماثلة فى الوضوح، وذلك بأن يكون اختلافها بألفاظ مترادفة، إذ التفاوت فى الوضوح لا يتصور فى الألفاظ المترادفة؛ لأن الدلالة فيها وضعية فإن عرف المخاطب وضعها تماثلت وإلا لم يعرف منها أو من بعضها شيئا والتوقف فى تصور معنى بعضها ليس اختلافا فى الوضوح؛ إذ لا وضوح قبل تذكر الوضع ومعرفته ضرورة أن المخاطب لا يدرك شيئا حتى يتذكر الوضع وبعد تذكره لا تفاوت
(قوله: للاستغراق العرفى)
أى: كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم وإرادته، فلو عرف أحد إيراد معنى قولنا: زيد جواد بطرق مختلفة لم يكن بمجرد ذلك عالما بالبيان، ثم لما لم يكن كل دلالة قابلا للوضوح والخفاء، أراد أن يشير إلى تقسيم الدلالة، وتعيين ما هو المقصود هنا فقال:
…
===
أى: لا الحقيقى؛ لأن القوى البشرية لا تقدر على استحضار جميع المعانى؛ لأنها لا تتناهى ولا يصح جعلها للعهد؛ إذ لا عهد ولا للجنس للزوم كون من له ملكة الاقتدار على معرفة إيراد معنى واحد فى تراكيب مختلفة فى الوضوح عالما بالبيان، ولا يقال جعلها للاستغراق العرفى يقتضى أن كل من عرف علم البيان يتمكن من إيراد أى معنى أراده بطرق مختلفة فى وضوح الدلالة مع أنه ممتنع فيما ليس له لازم بين أوله لازم واحد؛ لأنا نقول: هذا لا يرد إلا إذا أريد باللازم ما يمتنع انفكاكه كما هو مصطلح المناطقة، وسيأتى أن المراد أعم من ذلك ووجود ما ليس له لازم بالمعنى الأعم ممنوع
(قوله: أى كل معنى إلخ) فإن قلت: المعانى التى يقصدها المتكلم غير متناهية عرفا، وكما أن الإحاطة بما لا يتناهى عقلا محال كذلك الإحاطة بما لا يتناهى عرفا، فكيف يقدر بعلم البيان على إحاطتها. قلت: لا استحالة فى الإحاطة بما لا يتناهى إجمالا كما فى سائر العلوم
(قوله: فلو عرف إلخ) تفريع على كون اللام للاستغراق، وقوله:" فلو عرف أحد" أى: ممن ليس له تلك الملكة.
(قوله: بمجرد ذلك) أى: بل لا بد من معرفة إيراد كل معنى دخل تحت قصده وإرادته
(قوله: قابلا) فى نسخة: قابلة للوضوح والخفاء أى: بل منها ما لا يكون إلا واضحا كالوضعية، ومنها ما يكون قابلا للوضوح والخفاء وهو العقلية، وقد علمت أن وصف الدلالة بهما إما بحسب المدلول أو بحسب سرعة الانتقال من اللفظ وعدمه، فعلى الأول يكون وصف الدلالة بهما مجازا وعلى الثانى يكون وصفها بهما حقيقة
(قوله: أراد أن يشير إلخ) أراد بالإشارة الذكر أى: أراد أن يذكر تقسيم الدلالة والقصد من ذكر هذا التقسيم التوصل إلى بيان المقصود، فقوله:" وتعيين" عطف على" أن يشير" أو على" تقسيم" عطف مسبب على سبب
(قوله: ما هو المقصود هنا) أى: فى هذا الفن وهو قوله الآتى: والإيراد المذكور إلخ.
(ودلالة اللفظ) يعنى: دلالته الوضعية؛ وذلك لأن الدلالة هى كون الشىء بحيث يلزم من العلم به العلم بشىء آخر،
…
===
(قوله: ودلالة اللفظ) احترز بإضافة الدلالة إلى اللفظ عن الدلالة الغير اللفظية، سواء كانت عقلية كدلالة تغير العالم على حدوثه، أو وضعية كدلالة الإشارة على معنى نعم، أو طبيعية كدلالة الحمرة على الخجل، والصفرة على الوجل، والنبات على المطر، فإنها لا تنقسم إلى الأقسام الآتية، ثم إنه لما كان المتبادر من المصنف أن مراده بدلالة اللفظ هنا الدلالة المفهومة من قوله السابق فى وضوح الدلالة وهى اللفظية العقلية دفع الشارح ذلك بقوله: يعنى دلالته الوضعية، فخرج دلالة اللفظ العقلية كدلالة الكلام على حياة المتكلم، واللفظية الطبيعية كدلالة" أح" على وجع الصدر، فلا ينقسم شىء منهما إلى الأقسام الآتية، وظهر لك من هذا أن فى كلام المصنف شبه استخدام حيث ذكر الدلالة أولا بمعنى، ثم ذكرها ثانيا بمعنى آخر، واعترض على الشارح بأن الدلالة اللفظية الوضعية خاصة بالمطابقة فى اصطلاح البيانيين، وحينئذ فيلزم على تقسيمها للأقسام الآتية تقسيم الشىء إلى نفسه وإلى غيره لكون المقسم أخص من الأقسام، وأجيب بأن المراد بالوضعية ما للوضع فيها مدخل سواء كان العلم بالوضع كافيا فيها لكونه سببا تامّا كما فى المطابقية، أو لا بد معه من انتقال عقلى كما فى التضمنية والالتزامية، وهذا وجه جعل المناطقة الدلالات الثلاث وضعيات، كذا قرر شيخنا العدوى.
(قوله: وذلك) أى: وبيان ذلك أى: بيان تقسيم الدلالة وتعيين ما هو المقصود منها هنا.
(قوله: لأن الدلالة) أى: من حيث هى لا خصوص دلالة اللفظ
(قوله: كون الشىء) ليس المراد بالشىء خصوص الموجود كما هو اصطلاح المتكلمين، بل مطلق الأمر الأعم من ذلك كما أنه ليس المراد بالعلم ما قابل الظن وهو الجزم، بل مطلق الإدراك والحصول فى الذهن الأعم من ذلك
(قوله: بحيث) أى: بحالة والباء للملابسة وإضافة حيث لما بعدها بيانية أى: كون الشىء ملتبسا بحالة هى أنها يلزم إلخ، والضمير فى" به" للشىء على حذف مضاف أى: يلزم من العلم بحاله مثلا اللفظ الموضوع دال على
والأول: الدال، والثانى: المدلول، ثم الدال إن كان لفظا فالدلالة لفظية، وإلا فغير لفظية كدلالة الخطوط والعقد والإشارات والنّصب، ثم الدلالة اللفظية إما أن يكون للوضع مدخل فيها، أو لا؛
…
===
معناه ودلالته كونه ملتبسا بحالة وهى أن يلزم من العلم بوضعه لذلك المعنى العلم بذلك المعنى، وكذلك تغير العالم فإنه دال على حدوثه ودلالته كونه (1) ملتبسا بحالة وهى أن يلزم من العلم بثبوته للعالم العلم بحدوثه، وقوله:" يلزم إلخ" أى: سواء كان اللزوم بواسطة أو لا
(قوله: والأول) أى: الشىء الأول وهو ما يلزم من العلم به العلم بشىء آخر، وأما الشىء الثانى فهو ما يلزم من العلم بشىء آخر العلم به
(قوله: فالدلالة لفظية) أى: وهى ثلاثة أقسام؛ لأنها إما عقلية بألا يمكن تغيرها كدلالة اللفظ على وجود لافظه، وإما طبيعية بأن يكون الربط بين اللفظ والمدلول يقتضيه الطبع كدلالة" أح" على الوجع، فإن طبع اللافظ يقتضى التلفظ به عند عروض الوجع، وإما وضعية بأن يكون الربط بين اللفظ الدال والمدلول بالوضع كدلالة الأسد على الحيوان المفترس
(قوله: وإلا فغير لفظية) أى: وإلا يكن الدال لفظا، فالدلالة غير لفظية، وهى ثلاثة أقسام أيضا؛ لأنها إما عقلية لا يمكن تغيرها كدلالة التغير على الحدوث، وإما طبيعية بأن يكون الربط بين الدال والمدلول يقتضيه الطبع كدلالة الحمرة على الخجل والصفرة على الوجل أى: الخوف، وإما وضعية بأن يكون الربط بين الدال والمدلول بالوضع كدلالة الإشارة المخصوصة مثلا على معنى" نعم" أو على معنى" لا"
(قوله: كدلالة الخطوط والعقد والإشارات والنصب) أمثلة للدلالة الوضعية الغير اللفظية، وأدخل بالكاف أمثلة العقلية والطبيعية الغير اللفظيتين كما تقدم، والمراد بالخطوط الكتابة أو الخطوط الهندسية كالمثلث والمربع، والنّصب جمع نصبة كغرف جمع غرفة، وهى العلامة المنصوبة على الشىء كالعلامة المنصوبة على محل الطهارة من النجاسة
(قوله: إما أن يكون للوضع مدخل فيها) وهى اللفظية الوضعية كدلالة الأسد على الحيوان المفترس، وقوله:" إما أن يكون للوضع مدخل فيها" أى: دخول، بأن كان سببا تامّا فيها كما فى المطابقية أو جزء سبب كما فى التضمنية والالتزامية
(قوله: أو لا) بأن كانت باقتضاء العقل وهى اللفظية
(1) في النسخة المطبوعة: كون.
فالأولى: هى المقصودة بالنظر هاهنا؛ وهى كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى عند الإطلاق بالنسبة إلى العالم بوضعه، وهذه الدلالة
…
===
العقلية أو باقتضاء الطبع وهى اللفظية الطبيعية كدلالة اللفظ على وجود لافظه ودلالة" أح" على الوجع
(قوله: المقصود بالنظر هاهنا) أى: من حيث تقسيمها إلى مطابقية وتضمنية والتزامية- كما يأتى- وهذا لا ينافى أن المقصود بالذات فى هذا الفن هو الدلالة العقلية لا الوضعية؛ لأن إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة لا يتأتى بالوضعية كما يأتى فى قول المصنف، والإيراد المذكور لا يتأتى بالوضعية؛ لأن السامع إلخ، ومن هذا تعلم أن المراد بالدلالة السابقة فى التعريف الدلالة العقلية
(قوله: وهى) أى: الدلالة اللفظية التى للوضع فيها مدخل
(قوله: كون اللفظ إلخ) جنس فى التعريف خرج عنه الدلالة الغير اللفظية بأقسامها الثلاثة، وقوله:" بحيث" أى: ملتبسا بحالة هى أن يفهم منه المعنى أى:
المطابقى أو التضمنى أو الالتزامى، وقوله:" عند الإطلاق" أى: إطلاق اللفظ عن القرائن وتجرده عنها، وقوله:" بالنسبة إلخ" متعلق ب" يفهم" وخرج به اللفظية العقلية، وكذلك اللفظية الطبيعية فإنهما يحصلان للعالم بوضع اللفظ ولغيره، لعدم توقفهما على العلم بوضعه، ولا يقال: إن توقفهما على العلم بالوضع وإن كان منتفيا عنهما إلا أنهما لا ينافيانه؛ إذ كل منهما متحققة سواء وجد العلم بالوضع أو لم يوجد، وحينئذ فكيف يصح الاحتراز عنهما بهذا القيد؛ لأنا نقول: المتبادر من قول الشارح بالنسبة إلى العالم بوضعه الحصر والقيود التى تذكر فى التعاريف يجب أن تحمل على المتبادر منها مهما أمكن، فلهذا صح الاحتراز عن الطبيعية والعقلية اللفظيتين بهذا القيد، كذا قرر شيخنا العدوى.
(قوله: وهذه الدلالة) أى: اللفظية التى للوضع مدخل فيها إما على تمام إلخ، إن قلت: هذا الكلام يقتضى حصر الدلالة المذكورة فى هذه الأقسام الثلاثة، وفيه نظر؛ لأن دلالة اللفظ الفصيح على فصاحة المتكلم خارجة عن الأقسام المذكورة؛ لأن فصاحة المتكلم ليست تمام ما وضع له اللفظ المذكور كما هو ظاهر، وليست جزءا من الموضوع له، وليست خارجة عنه، بل هى فرد من أفراد الفصاحة التى هى جزء الفصيح الذى هو جزء ما وضع له اللفظ المذكور مع مدخلية الوضع فيها. قلت: لا مدخلية للوضع
(إما على تمام ما وضع) اللفظ (له) كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق (أو على جزئه) كدلالة الإنسان على الحيوان، أو الناطق (أو على خارج عنه)
…
===
فيها؛ لأن المراد بمدخلية الوضع أن يوضع اللفظ لنفس المعنى كما فى الدلالة الوضعية، أو لما يتعلق بذلك المعنى من الكل والملزوم كما فى دلالة التضمن والالتزام، واللفظ المذكور لم يوضع لفصاحة المتكلم ولا لكله ولا لملزومه، بل وضع لمركب فصاحة المتكلم فرد من جزء جزئه، فخروجها من الأقسام لعدم وجود المقسم فيها، والظاهر أنها من قبيل الدلالة العقلية؛ لأنه يستحيل وجود لفظ فصيح بدون فصاحة المتكلم فتكون كدلالة اللفظ على حياة اللافظ.
(قوله: على تمام إلخ) أى: على مجموع ما وضع له، والمراد بالمجموع ما قابل الجزء فدخل فى ذلك المعنى البسيط والمركب، فاندفع ما يقال: الأولى حذف تمام؛ لأنه يخرج دلالة اللفظ على الماهية البسيطة الموضوع هو لها، فإن قلت: هلا حذف قوله: " تمام"، واكتفى بقوله:" إما على ما وضع له" وهو شامل للمعنى البسيط والمركب، قلت: ذكر لفظة" تمام" لأجل حسن مقابلته بالجزء، وقد تبين لك مما قلناه أن" تمام" لا محترز له، وما قيل من أنه احترز به عن دلالة اللفظ على نفسه نحو: زيد ثلاثى ففيه نظر؛ وذلك لأنه على مذهب الشارح من أن دلالة اللفظ على نفسه وضعية وضعا نوعيّا ويكتفى بالمغايرة بين الدال والمدلول بالاعتبار، تكون تلك الدلالة مطابقية، فلم يكن" تمام" احترازا عن شىء، وعلى أن تلك الدلالة عقلية- كما اختاره العلامة السيد- كانت خارجة عن المقسم وهو دلالة اللفظ الوضعية وحيث كانت خارجة عن المقسم فلا يكون تمام احتراز عنها لعدم دخولها
(قوله: ما) أى: المعنى الذى وضع أو معنى وضع، و" اللفظ" نائب فاعل وضع، وجملة" وضع" صفة، أو صلة جرت على غير من هى له، لأن الموصوف بالوضع اللفظ لا المعنى وكان الواجب إبراز الضمير، ولعل المصنف ترك الإبراز جريا على المذهب الكوفى الذى يرى عدم وجوب الإبراز عند أمن اللبس كما هنا
(قوله: الناطق) الأولى:
والناطق بالعطف
(قوله: أو على جزئه) أى: جزء ما وضع له
(قوله: على الحيوان) أى:
فقط أو الناطق فقط، إذ كل منهما جزء من الموضوع له
(قوله: أو على خارج عنه)
كدلالة الإنسان على الضاحك. (وتسمى الأولى) أى: الدلالة على تمام ما وضع له (وضعية) لأن الواضع إنما وضع اللفظ لتمام المعنى (و) يسمى (كل من الأخيرتين) أى: الدلالة على الجزء والخارج (عقلية) لأن دلالة اللفظ على كل من الجزء والخارج إنما هى من جهة حكم العقل
…
===
أى: عن تمام ما وضع له اللفظ
(قوله: كدلالة الإنسان على الضاحك) أى: وكدلالة السقف على الحائط
(قوله: أى الدلالة على تمام ما وضع له) أى: الدلالة على تمام المعنى الذى وضع اللفظ له
(قوله: وضعية) مفعول ثان لتسمى
(قوله: لأن الواضع إنما وضع اللفظ لتمام المعنى) أى: لا لجزئه ولا للازمه، وحينئذ فالسبب فى حصولها عند سماع اللفظ أو تذكره هو معرفة الوضع فقط دون حاجة لشىء آخر، بخلاف الأخيرتين فإنه انضم فيهما للوضع أمران عقليان توقف فهم الكل على الجزء وامتناع انفكاك فهم الملزوم عن اللازم
(قوله: وكل من الأخيرتين عقلية) لتوقف كل منهما على أمر عقلى زائد على الوضع.
(قوله: إنما هى من جهة حكم العقل إلخ) هذا الحصر يقتضى أن الوضع لا مدخل له فيهما وليس كذلك إذ هو جزء سبب؛ لأن كلّا من التضمنية والالتزامية يتوقف على مقدمتين: إحداهما وضعية والأخرى عقلية، وهما كلما فهم اللفظ فهم معناه وكلما فهم معناه فهم جزؤه أو لازمه، ينتج أنه كلما فهم اللفظ فهم جزء معناه أو لازمه، والمقدمة الأولى متوقفة على الوضع؛ لأن فهم المعنى متوقف على العلم بوضع اللفظ لذلك المعنى، والمقدمة الثانية متوقفة على العقل؛ لأن فهم الجزء أو اللازم متوقف على انتقال العقل من الكل إلى الجزء من الملزوم إلى اللازم بواسطة حكم أنه كلما وجد الكل وجد جزؤه وكلما وجد الملزوم وجد لازمه، فمن نظر إلى المقدمة الأولى سمى التضمنية والالتزامية وضعيتين كالمناطقة، ومن نظر للثانية سماها عقليتين كالبيانيين، وأجيب بأن هذا حصر إضافى أى: إنما هى من جهة حكم العقل لا من جهة الوضع وحده للجزء أو اللازم، فلا ينافى أنه من جهة العقل والوضع معا، وإنما اقتصر على العقل فى بيان التسمية؛ لأنه سبب قريب بخلاف الوضع فإنه سبب بعيد وهو غير ملتفت إليه عند أهل هذا الفن، قرر ذلك شيخنا العلامة العدوى.
بأن حصول الكل، أو الملزوم يستلزم حصول الجزء، أو اللازم. والمنطقيون يسمون الثلاثة وضعية باعتبار أن للوضع مدخلا فيها، ويخصون العقلية بما يقابل الوضعية والطبيعية كدلالة الدخان على النار (وتقيد الأولى) من الدلالات الثلاث (بالمطابقة)
…
===
وقوله من جهة حكم العقل أى: من جهة هى منشأ حكم العقل المصور بأن ..
إلخ سواء تحقق الحكم بالفعل أو لا كذا ذكر العلامة عبد الحكيم
(قوله: بأن حصول الكل) أى: وهو المعنى المطابقى، والمراد حصوله فى الذهن أو فى الخارج
(قوله: يستلزم حصول الجزء) هذا راجع للكل، وقوله: أو اللازم يرجع إلى الملزوم
(قوله: والمنطقيون) أى: أكثرهم وإلا فبعضهم كأثير الدين الأبهرى يسمى الأخيرتين عقليتين كالبيانيين، واختار الآمدى وابن الحاجب أن التضمنية وضعية كالمطابقية وأن الالتزامية عقلية. قال سم: والظاهر أن كلا من الدلالتين الأخيرتين سواء قلنا إنها لفظية أو عقلية لا يصدق عليها أنها مجاز، إذ ليس اللفظ مستعملا فى غير ما وضع له العلاقة مع قرينة
(قوله: باعتبار أن للوضع مدخلا فيها) أى: سواء كان دخوله قريبا كما فى المطابقية؛ لأنه سبب تام فيها إذ لا سبب لها سوى العلم به أو كان بعيدا كما فى الأخيرتين؛ لأنه جزء سبب فيهما؛ وذلك لأن كل واحدة منهما متوقفة على أمرين، فالتضمنية متوقفة على وضع اللفظ للكل وعلى انتقال العقل من الكل للجزء، والالتزامية متوقفة على وضع اللفظ للملزوم، وعلى انتقال العقل من الملزوم للازم فقد اعتبروا فى تسميتهما وضعيتين السبب البعيد وهو مدخلية الوضع
(قوله: ويخصون العقلية) أى: سواء كانت لفظية أو لا، وكذا يقال فى الاثنين بعدها
(قوله: بما يقابل الوضعية والطبيعية) أى: فتكون الدلالة عندهم ثلاثة أقسام: عقلية كدلالة الدخان على النار، ووضعية كالدلالات الثلاث، وطبيعية كدلالة الحمرة على الخجل والصفرة على الوجل. فقوله كدلالة الدخان مثال للعقلية، وقوله ويخصون .. إلخ أى: بخلاف البيانيين فإن العقلية عندهم لا تقابل الوضعية، إذ الوضعية قد تكون عقلية- فتأمل
(قوله: وتقيد الأولى) أى: تقييدا إضافيّا لا وصفيّا فيقال دلالة مطابقة بالإضافة لا دلالة مطابقة بالوصف، وكذا يقال فى التضمن والالتزام
لتطابق اللفظ والمعنى (والثانية بالتضمن) لكون الجزء فى ضمن المعنى الموضوع له (والثالثة بالالتزام) لكون الخارج لازما للموضوع له،
…
===
- كذا نقل الحفيد عن الشارح فى حواشى المطول، وذكر العلامة يس: أن المراد بالتقييد ما يشمل تقييد الإضافة كأن يقال: دلالة المطابقة وتقييد الصفة كما يقع فى عباراتهم من قولهم الدلالة المطابقية، ولا ينافى ذلك قول المصنف بالمطابقة؛ لأن المراد بهذه المادة فيشمل نحو المطابقية لا بهذا اللفظ، وفى بعض النسخ وتختص الأولى وهى بمعنى النسخة الأولى؛ لأن تختص من الخصوص لا من الاختصاص، وحينئذ فالمعنى تختص الأولى بالمطابقة ولا يطلق هذا الاسم على غيرها
(قوله: الأولى) أى: وهى الدلالة على تمام ما وضع له اللفظ
(قوله: لتطابق اللفظ والمعنى) أى: توافقهما بمعنى أن اللفظ انحصرت داليته على هذا المعنى ولم يزد بالدلالة على غيره، كما أن المعنى انحصرت مدلوليته لهذا اللفظ فلا يكون مدلولا لغيره
(قوله: والثانية) أى: وهى الدلالة على جزء ما وضع له اللفظ
(قوله: لكون الجزء) أى: المفهوم من اللفظ وذلك كالحيوان، وقوله فى ضمن المعنى الموضوع له وذلك المعنى هو مجموع الناطق، وحيث كان الجزء فى ضمن المعنى الموضوع له فيفهم عند فهمه، وكلام الشارح هذا يشير إلى أن دلالة التضمن فهم الجزء فى ضمن الكل، ولا شك أنه إذا فهم المعنى فهمت أجزاؤه معه فليس فيها انتقال من اللفظ إلى المعنى ومن المعنى إلى الجزء بل هو فهم واحد.
يسمى بالقياس إلى تمام المعنى مطابقة وبالقياس إلى جزئه تضمنا فيكون اللفظ مستعملا فى الكل أعنى مجموع الجزأين مثلا، وأما إذا استعمل اللفظ فى الجزء مجازا كان فهمه منه مطابقة؛ لأنه تمام ما عنى به بالوضع الثانوى المجازى، وقال بعضهم: إن التضمن فهم الجزء من اللفظ مطلقا سواء استعمل اللفظ فيه أو فى الكل، واختاره العلامة السيد ضرورة أنك إذا استعملته فى الجزء فلعلاقة الجزئية فما زالت الجزئية ملاحظة، واعلم أن هذا الخلاف جار فى دلالة الالتزام أيضا، فقيل أنها فهم اللازم فى ضمن الملزوم، وقيل فهم اللازم مطلقا، وقد تعلمت ما يترتب على الخلاف، فإن قلت: إن الفهم وصف للشخص الفاهم والدلالة التضمنية والالتزامية وصف اللفظ الدال، فكيف تعرف دلالة
فإن قيل: إذا فرضنا لفظا مشتركا بين الكل وجزئه ولازمه كلفظ الشمس المشترك- مثلا- بين الجرم والشعاع ومجموعهما، فإذا أطلق على المجموع مطابقة، واعتبر دلالته على الجرم تضمنا، والشعاع التزاما
…
===
التضمن بفهم الجزء فى تضمن الكل أو بفهم الجزء مطلقا، وتعرف الالتزامية بفهم اللازم فى ضمن الملزوم أو بفهم اللازم مطلقا، وهذا تعريف للشىء بما يغايره؟ قلت:
المراد بالفهم الانفهام، أو هو مصدر المبنى للمفعول، فالمراد انفهام الجزء أو اللازم فى ضمن الكل أو الملزوم أو انفهامهما مطلقا أو كون الجزء أو اللازم فهم فى ضمن الكل أو الملزوم أو مطلقا، أو يقال: إن الدلالة وإن كانت حالة للفظ لكن لما كان سبببها يفهم الجزء فى ضمن الكل أو مطلقا أو ينتقل من الملزوم لللازم تسمحوا فى التعبير عنهما بما ذكر؛ تنبيها على أن الثمرة المقصودة من تلك الحالة هى الفهم والانتقال- فتأمل
(قوله: فإن قيل .. إلخ) الغرض من هذا الاعتراض إفساد تعاريف الدلالات الثلاث المستفادة من التقسيم المذكور بأنها غير مانعة؛ وذلك لأنه يستفاد منه أن المطابقة تعرف بأنها دلالة اللفظ على تمام ما وضع له والتضمن دلالته على جزء ما وضع له، والالتزام دلالته على الخارج عن معناه لازم له فيرد على كل تعريف منها أنه فاسد الطرد لدخول فرد من أفراد كل منها فى الآخر فقول الشارح، فإن قيل أى: بسبب تعريف الدلالات بما استفيد مما نقدم
(قوله: كلفظ الشمس) فيه أنه لا يصدق عليه أنه مشترك بين الكل وجزئه ولازمه، إذ الكل المجموع والشعاع غير لازم له بل للجرم، وأجبيب بأنه إذا كان لازما للجرم كان لازما للمجموع قطعا- قاله سم.
ومبنى هذا الإشكال على رجوع ضمير لازمه إلى المجموع وهو غير متعين، إذ يصح رجوعه للجزء وعليه فلا إشكال- اه.
(قوله: المشترك) أى: اشتراكا لفظيا
(قوله: بين الجرم) أى: القرص، وقوله الشعاع أى: الضوء. أى: إن فرض أن لفظ شمس موضوع لمجموع القرص والشعاع بوضع وللقرص الذى هو أحد الجزأين بوضع وللشعاع الذى هو أحد الجزأين ولازم للقرص بوضع.
(قوله: فإذا أطلق) جواب إذا وضمير أطلق راجع للفظ شمس
(قوله: والشعاع التزاما) أى: لا باعتبار هذا الوضع أعنى الوضع للمجموع، إذ هو باعتباره جزء لا لازم،
فقد صدق على هذا التضمن والالتزام أنها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له، وإذا أطلق على الجرم أو الشعاع مطابقة صدق عليها أنها دلالة اللفظ على جزء الموضوع له، أو لازمه،
…
===
بل باعتبار وضع آخر وهو وضع الشمس للجرم فقط فقوله: واعتبر دلالته على الجرم تضمنا أى: باعتبار الوضع للمجموع، وقوله: وعلى الشعاع التزاما أى: باعتبار الوضع للجرم فقط فاستقامت عبارة الشارح وإن كان هذا التأويل بعيدا من كلام الشارح؛ لما فيه من الخروج عن الموضوع وهو إطلاق الشمس على المجموع
(قوله: فقد صدق ..
إلخ) جواب إذا الثانية، وقوله: صدق أنها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له أى: وإن كان ذلك الصدق بالنظر لوضع آخر وهو الوضع لكل واحد منهما على حدته أى:
وإذا صدق على هذا التضمن والالتزام أنه دلالة اللفظ على تمام ما وضع له صار تعريف المطابقة منتقضا منعا لدخول فردين من أفراد التضمنية والالتزامية فيه، وهاتان صورتان
(قوله: وإذا أطلق على الجرم أو الشعاع مطابقة) عطف على قوله: فإذا أطلق على المجموع
(قوله: صدق عليها) أى: على دلالة الشمس على الجرم مطابقة، أو على الشعاع مطابقة
(قوله: أنها دلالة اللفظ على جزء الموضوع له) أى: نظرا لوضع الشمس للمجموع.
(قوله: أو لازمه) أى: بالنظر لوضع الشمس للجرم وحده أى: وحيث صدق على دلالة الشمس على الجرم أو الشعاع مطابقة أنها دلالة اللفظ على جزء المعنى الموضوع له أو لازمه، فتكون المطابقة داخلة فى تعريف كل من التضمن والالتزام، فيكون تعريف كل منهما غير مانع لدخول المطابقة فيه وهاتان صورتان أيضا، فجملة ما ذكره الشارح من الصور أربعة وهى: انتقاض المطابقة بكل من التضمن والالتزام، وانتقاض كل من التضمن والالتزام بالمطابقة، وبقى على الشارح انتقاض التضمن بالالتزام وعكسه، فكان عليه أن يقول زيادة على ما تقدم: وإذا أطلق الشمس على الشعاع التزاما بالنظر لوضعه للجرم وحده فقد صدق عليه أنها دلالة اللفظ على جزء معناه بالنظر لوضع الشمس للمجموع فيكون الالتزام داخلا فى تعريف التضمن، وإذا أطلق
وحينئذ ينتقض تعريف كل من الدلالات الثلاث بالأخريين؛ فالجواب:
…
===
الشمس على الشعاع تضمنا بالنظر لوضع الشمس للمجموع، فقد صدق عليها أنها دلالة اللفظ على لازم معناه بالنظر لوضع الشمس للجرم وحده فيكون التضمن داخلا فى تعريف الالتزام، وبهذا تمت الصور الست
(قوله: وحينئذ) أى: وحين إذ صدق ما ذكر على ما ذكره ينتقض .. إلخ، وفيه أنه لم يستوف الصور الست حتى يتم ما ذكره من التفريع، والذى يتفرع على ما ذكره إنما هو انتفاض المطابقة بكل من الأخيرتين وانتقاض كل من الأخيرتين بالأولى فقط إلا أن يقال: إنه علم مما مر أن دلالة لفظ الشمس على الشعاع يكون مطابقة تضمنا والتزاما، فمن أجل أنها تكون تضمنا والتزاما ينتقض تعريف كل منهما بالأخرى
(قوله: ينتقض تعريف كل من الدلالات الثلاث) أى: الحاصل من التقسيم
(قوله: بالأخريين) أى: بالدلالتين الأخريين لا بتعريفهما كما قد يتبادر من العبارة. أى: وإذا كان تعريف كل من الدلالات الثلاث منقوضا بما ذكر فيكون غير مانع، وسكت الشارح عن انتقاض تعاريف الثلاثة بعدم جمعها مع أنه ممكن بأن يقال: إذا أطلق لفظ شمس على الجرم مطابقة لا يشمله تعريف المطابقة؛ لكونها دلالة اللفظ على جزء معناه باعتبار الوضع للمجموع، وكذا يقال فى الباقى، ويجاب عن هذا أيضا باعتبار قيد الحيثية فى التعريف، فإن اعتبرت الدلالة على الجرم من حيث الوضع له فهى المطابقة لا غير وإن اعتبرت الدلالة عليه من حيث إنه جزء المعنى الموضوع له فهى التضمنية لا غير، وكذا يقال فى الباقى. قرر ذلك شيخنا العلامة العدوى.
(قوله: بالأخريين) بضم الهمزة مفرده أخرى- بضم الهمزة- أنثى آخر- بفتح الخاء- أفعل تفضيل، إذ أصله" أأخر" بهمزتين مفتوحة فساكنة أبدلت الساكنة ألفا ومعناه مغاير، وأفعل التفضيل إذا كان بأل طابق موصوفه وهنا الأخريين موصوفه مقدر مؤنث وهو الدلالتان، فلذلك طابق فكان مضموم الهمزة مفرده أخرى مؤنث آخر بفتح الخاء، وأما لو كان الموصوف مذكرا بأن يقدر بالأمرين الآخرين لكانت الهمزة مفتوحة؛ لأن مفرده آخر- بفتح الهمزة- ومثناه آخرين- بفتحها أيضا- ولا يصح أن يكون الأخريين هنا مثنى أخرى- بالضم- بمعنى آخرة- بكسر الخاء-؛ لأنه كذلك بمعنى مقابل الأول فيصير المعنى
أن قيد الحيثية مأخوذ فى تعريف الأمور التى تختلف باعتبار الإضافات، حتى إن المطابقة هى الدلالة على تمام ما وضع له من حيث إنه تمام ما وضع له والتضمن الدلالة على جزء ما وضع له من حيث إنه جزء ما وضع له، والالتزام الدلالة على لازمه من حيث إنه لازم ما وضع له، وكثيرا ما يتركون هذا القيد اعتمادا على شهرة ذلك، وانسياق الذهن إليه.
===
حينئذ وينتقض تعريف كل من الدلالات الثلاثة بالمتأخرين منها وهو فاسد كما لا يخفى- اه يس.
(قوله: أن قيد الحيثية) الإضافة بيانية
(قوله: مأخوذ) أى: معتبر وملاحظ
(قوله: الأمور التى تختلف) أى: تتغاير وتتباين باعتبار الإضافات أى: النسب، وذلك كالدلالات الثلاث فإنها تختلف بالنسبة والإضافة للكل أو الجزء أو اللازم، فدلالة الشمس على الشعاع يقال لها مطابقية وتضمنية والتزامية باعتبار إضافة تلك الدلالة لكل ما وضع له اللفظ أو لجزئه أو لازمه، واحترز بقوله: التى تختلف باعتبار الإضافات عن الأمور المختلفة المتباينة لذواتها لأمور لا تجتمع، كالإنسان مع الفرس؛ فإنهما لا يتصادقان لاختصاص الأول بالناطقية المباينة لذاتها للصاهلية المختصة بالثانى، فلا يحتاج إلى اعتبار قيد الحيثية فى تعاريفها لكفاية تلك المباينات عن رعاية الحيثية فى تعاريفها
(قوله: حتى إن
…
إلخ) حتى تفريعية أى:
وحيث كان قيد الحيثية معتبرا فى تعريف الأمور المتباينة بالإضافة كالدلالات فتعرف المطابقية بالدلالة على تمام ما وضع له من حيث إنه تمام الموضوع له أى: لا من حيث إنه جزء الموضوع له أو لازمه فلا تدخل التضمنية والالتزامية فيها، وتعرف التضمنية بأنها الدلالة على جزء ما وضع له من حيث إنه جزء ما وضع له أى: لا من حيث إنه تمام المعنى الموضوع له أو لازمه فلا تدخل المطابقية والالتزامية فيها بسبب اعتبار قيد الحيثية، وتعرف الالتزامية بأنها الدلالة على لازم الموضوع له من حيث إنه لازم لا من حيث إنه تمام الموضوع له أو جزؤه فلا تدخل المطابقية والتضمنية فيها بسبب اعتباره قيد الحيثية.
(قوله: وانسياق الذهن إليه) أى: انقياده واهتدائه إليه، وقوله: كثيرا ما يتركون هذا القيد أى: من التعريف المذكور قصدا أو من التقسيم المشعر بالتعريف. فإن قلت:
(وشرطه) أى: الالتزام (اللزوم الذهنى) أى: كون المعنى الخارجى
…
===
كلام الشارح فى المطول يدل على أنه يجوز ترك بعض القيود من التقسيم المشعر بالتعريف اعتمادا على الوضوح والشهرة ولا يجوز ذلك فى التعريف، بل لا بد فيه من المبالغة فى رعاية القيود وكلامه هنا فى المختصر يخالف ذلك.
قلت: لعل ما ذكره فى المطول بالنظر إلى مطلق القيد وما ذكره فى المختصر بالنظر إلى خصوص قيد الحيثية فلا تخالف بينهما- كذا فى عبد الحكيم.
(قوله: أى الالتزام) أشار بذلك إلى أن تذكير الضمير فى شرطه لتذكير لفظ الالتزام وإن كان معناه مؤنثا أى: الدلالة ولا يقال شأن الشرط أن لا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، والأمر هنا ليس كذلك إذ متى تحقق اللزوم الذهنى تحققت دلالة الالتزام؛ لأنا نقول لا نسلم ذلك، إذ قد يوجد اللزوم الذهنى فى نفسه من غير لفظ يدل عليه فلم يلزم من وجوده وجود دلالة الالتزام؛ لأنها لفظية كما مر
(قوله: اللزوم الذهنى) اعلم أن اللزوم إما ذهنى وخارجى كلزوم الزوجية للأربعة، أو ذهنى فقط كلزوم البصر للعمى، أو خارجى فقط كلزوم السواد للغراب. والمعتبر فى دلالة الالتزام باتفاق البيانيين والمناطقة اللزوم الذهنى صاحبه لزوم خارجى أو لا، ولذا قال المصنف:
وشرطه اللزوم الذهنى أى: وأما الخارجى فليس بشرط لكن ليس المراد شرط انتفائه، بل المراد عدم شرطه فقط سواء وجد أو لا فوجوده غير مضر، والمراد باللزوم الذهنى عند البيانيين ما يشمل اللزوم غير البين وهو ما لا يكفى فى جزم العقل به تصور اللازم والملزوم، بل يتوقف على وسائط كلزوم كثرة الرماد للكرم وما يشمل اللزوم البين بقسميه أعنى البين بالمعنى الأخص: وهو ما يكفى فى جزم العقل به تصور الملزوم وذلك كلزوم البصر للعمى، والبين بالمعنى الأعم: وهو ما يجزم العقل به عند تصور اللازم والملزوم سواء توقف جزم العقل به على تصور الأمرين كلزوم الزوجية للأربعة أو كان تصور الملزوم وحده كافيا، وأما المناطقة فقد اختلفوا فى المراد باللزوم الذهنى المعتبر فى دلالة الالتزام فالمحققون منهم على أن المراد به خصوص البين بالمعنى الأخص، وقال بعضهم المراد به البين مطلقا سواء كان بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم
(قوله: الخارجى)
بحيث يلزم من حصول المعنى الموضوع له فى الذهن حصوله فيه؛ إما على الفور، أو بعد التأمل فى القرائن والأمارات، وليس المراد باللزوم عدم انفكاك تعقل المدلول الالتزامى عن تعقل المسمى فى الذهن أصلا؛ أعنى: اللزوم البين المعتبر عند المنطقيين، وإلا لخرج كثير من معانى المجازات، والكنايات عن أن تكون مدلولات التزامية،
===
أى: المنسوب إلى الخارج عن معنى اللفظ من نسبة الجزئى إلى الكلى لا إلى الخارج بمعنى الواقع ونفس الأمر؛ لأن اللازم قد لا يكون خارجا بهذا المعنى وبقولنا: من نسبة الجزئى .. إلخ يندفع ما يقال: إن المعنى إذا لم يكن مدلولا للفظ ولا جزءا لمدلوله كان خارجا عن مدلوله فجعله خارجيا نسبة للخارج يلزم عليه اتحاد المنسوب والمنسوب إليه
(قوله: بحيث يلزم) أى: ملتبسا بحالة هى أن يلزم من حصول .. إلخ، فلزوم الضحك للإنسان عبارة عن كون الضحك ملتبسا بحالة هى أن يلزم من حصول معنى الإنسان الموضوع له وهو حيوان ناطق فى الذهن حصوله فيه
(قوله: إما على الفور) أى: فور حصول الملزوم فى الذهن وذلك فى اللزوم البين بقسميه
(قوله: أو بعد التأمل فى القرائن) أى: الوسائط وذلك فى اللزوم الغير البين كلزوم كثرة الرماد للكرم ولزوم الحدوث للعالم؛ لأنك إذا تصورت العالم لا يجزم عقلك، ولا يحصل فيه حدوثه إلا بعد التأمل فى القرائن كالتغير وعطف الأمارات على القرائن عطف تفسير.
(قوله: وليس المراد باللزوم) أى: الذهنى المعتبر فى دلالة الالتزام عند البيانيين عدم انفكاك .. إلخ أى: ليس المراد ذلك فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك
(قوله: عدم انفكاك .. إلخ) أى: سواء كفى فى جزم العقل باللزوم تصور الملزوم أو توقف على تصور اللازم أيضا
(قوله: أعنى) أى: بهذا اللزوم المنفى إراداته وحده عند البيانيين
(قوله: اللزوم البين) أى: سواء كان بينا بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم خلافا لمن قصره على الأول؛ لأن اللازم على جعله بينا بالمعنى الأخص وهو ما ذكره الشارح من الخروج- لازم على جعله بينا بالمعنى الأعم، وحينئذ فلا وجه لقصره على ما ذكر
(قوله: المعتبر) أى: فى دلالة الالتزام وهذا نعت للزوم البين، وقوله: عند المنطقيين أى: عند بعضهم كما تقدم
(قوله: وإلا لخرج .. إلخ) أى: وإلا بأن كان المراد باللزوم المعتبر فى دلالة الالتزام
ولما تأتى الاختلاف بالوضوح فى دلالة الالتزام أيضا. وتقييد اللزوم بالذهنى
…
===
عدم انفكاك .. إلخ يعنى اللزوم البين بقسميه فقط لخرج كثير من معانى المجازات والكنايات عن كونها مدلولات التزامية، لكن القوم جعلوها مدلولات التزامية، وحينئذ فاللازم باطل فكذلك الملزوم وثبت المدعى، والمراد بذلك الكثير من معانى المجاز ماعدا الجزء واللازم البين بالمعنى الأخص، والمراد بالكثير من معانى الكناية ما كان مفتقرا إلى مطلق التأمل فى القرائن وهى التى لا يحكم بالربط بين طرفيها عقلا بعد تصورهما، وبيان خروج ما ذكر أن الدال إن كان لفظ اللازم، فانفكاك المعانى المجازية والكنائية عنه فى غاية الظهور وإن كان لفظ الملزوم مع القرينة فلا انفكاك، ولكن المجموع لم يوضع للمعنى الملزوم الذى لزمه تلك المعانى، بل الموضوع لذلك المعنى الملزوم اللفظ بدون القرينة فلا يكون من دلالة الالتزام؛ لأنه يجب فيها أن يكون الدال على اللازم موضوعا للملزوم ولم يوجد، فإن كان الدال لفظا لملزوم بشرط القرينة فيمكن انفكاك المعانى المجازية والكنائية عن ذلك الملزوم مع القرينة المانعة.
بقى شىء آخر وهو أن كلام الشارح يقتضى دلالة المجاز على معناه بالالتزام وهو مخالف لما صرح به هو فى شرح الشمسية من أن دلالة المجاز على معناه المجازى بالمطابقة، وأن المراد بالوضع فى تعريف الدلالات أعم من الشخصى والنوعى حتى يدخل المجاز والمركبات- اه يس.
وقد يجاب: بأن المراد بقوله عن أن تكون مدلولات التزامية أى: بحسب الوضع الأصلى فلا ينافى أنها بحسب الوضع المجازى مدلولات مطابقية وإنما قال الشارح كثير؛ لأن اللزوم البين المعتبر عند المناطقة قد يكون فى بعضها
(قوله: ولما تأتى الاختلاف بالوضوح فى دلالة الالتزام) وذلك لأنه إذا كان معنى اللزوم عدم الانفكاك كان كل لازم بهذا المعنى لا ينفك عن الملزوم فيكون كل واحد من لوازم الشىء مساويا للآخر فى الوضوح والخفاء؛ لأن كل واحد من اللوازم لا ينفك عن الملزوم بهذا المعنى- اه سم، وقوله أيضا: أى كما لم يتأت الاختلاف المذكور فى الدلالة المطابقية، لكن عدم الاختلاف بالوضوح فى دلالة الالتزام باطل فبطل الملزوم وهو كون المراد باللزوم المعتبر
إشارة إلى أنه لا يشترط اللزوم الخارجى كالعمى؛ فإنه يدل على البصر التزاما؛ لأنه عدم البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا
…
===
هنا اللزوم البين، فقوله: ولما تأتى عطف على قوله لخرج .. إلخ، واعترض على الشارح بأنا لا نسلم الشرطية القائلة: لو كان المراد باللزوم المعتبر عدم الانفكاك لما تأتى الاختلاف فى دلالة الالتزام بالوضوح؛ لأن دلالة اللفظ على لازمه أوضح من دلالته على لازم لازمه؛ لأن الذهن ينتقل من ملاحظة اللفظ إلى ملاحظة الملزوم أولا، ومن ملاحظة الملزوم إلى ملاحظة اللازم ثانيا، ومن ملاحظة اللازم إلى ملاحظة لازم اللازم ثالثا فبسبب هذه الملاحظة يتأتى الاختلاف المذكور، وأجيب بأن مراد الشارح بالاختلاف المذكور التفاوت بحسب الزمان بأن يكون زمن الانتقال من الملزوم إلى اللازم فى بعض الصور أطول من زمن الانتقال فى بعض آخر بسبب خفاء القرائن ووضوحها لا بحسب ذات الانتقال بأن يوجد انتقالان فأكثر والتفاوت فى دلالة اللفظ على لازمه ودلالته على لازم لازمه من قبيل الثانى؛ لأن فى دلالة اللفظ على لازم معناه انتقالين، وفى دلالته على لازم لازمه ثلاثة كما علمت، وهذا التفاوت لا يعتد به عندهم، وحينئذ فلا إيراد، واعترض هذا الجواب بأن الدلالة التضمنية المعتبر فيها تتفاوت بحسب الذات لا بحسب الزمان فإنه ينتقل من اللفظ إلى الكل أولا ومن الكل إلى جزئه ثانيا ومن الجزء إلى جزء جزئه ثالثا، ففى دلالة اللفظ على جزء المعنى انتقالان وعلى جزء جزئه ثلاثة، وهذا التفاوت معتبر عند القوم، والتفرقة بين دلالة الالتزام ودلالة التضمن تفرقة من غير فارق فتأمل.
(قوله: إشارة .. إلخ) ولو أطلق اللزوم ولم يقيده بالذهنى لانتفت الإشارة المذكورة وصار صادقا باشتراط الخارجى وعدم اشتراطه لصيرورة اللزوم حينئذ مطلقا أعم من الذهنى والخارجى
(قوله: لا يشترط اللزوم الخارجى) هو كون المعنى الالتزامى بحيث متى يحصل المسمى فى الخارج حصل هو فى الخارج، والمراد لا يشترط اللزوم الخارجى أى: لا استقلالا ولا منضمّا للذهنى
(قوله: كالعمى) مثال للنفى
(قوله: لأنه عدم البصر .. إلخ) أى: فهو عدم مقيد بالإضافة للبصر لا أن البصر جزء من مفهومه حتى
مع التنافى بينهما فى الخارج، ومن نازع فى اشتراط اللزوم الذهنى فكأنه أراد باللزوم اللزوم البين؛ بمعنى عدم انفكاك تعقله عن تعقل المسمى.
والمصنف أشار إلى أنه ليس المراد باللزوم الذهنى اللزوم البين المعتبر عند المنطقيين بقوله: (ولو لاعتقاد المخاطب بعرف) أى: ولو كان ذلك اللزوم
…
===
تكون دلالته على البصر تضمنية
(قوله: مع التنافى) أى: التعاند والتضاد بينهما فى الخارج، فلو قلنا باشتراط اللزوم الخارجى لخرج هذا عن كونه مدلولا التزاميا مع أن القصد دخوله
(قوله: ومن نازع) هو العلامة ابن الحاجب حيث قال فى مختصره الأصولى: ودلالته الوضعية على كمال معناه مطابقية وعلى جزئه تضمنية وغير الوضعية التزام، وقيل: إن كان اللازم ذهنيا فظاهره حيث قدم الأول أنه لا يشترط فى دلالة الالتزام اللزوم الذهنى
(قوله: فكأنه أراد) أى: فأظن أنه أراد؛ إذ من معانى كأن: الظن، وحاصله: أن مراد ابن الحاجب باللزوم الذهنى المنفى اشتراطه فى دلالة الالتزام على القول الأول فى كلامه خصوص الذهنى البين بالمعنى الأخص، وهذا لا ينافى اشتراط اللزوم الذهنى مطلقا، ومحصله: أن القول الأول فى كلام ابن الحاجب يقول باعتبار اللزوم الذهنى مطلقا ولا يشترط خصوص اللزوم الذهنى البيّن بالمعنى الأخص، والقول الثانى يقول لا بد من اللزوم الذهنى البين بالمعنى الأخص، فاللزوم الذهنى لا بد منه بلا نزاع، وإنما الخلاف فى النوع المعتبر منه، وعلى هذا فالقول الأول فى كلام ابن الحاجب هو عين ما قاله المصنف، وعلى كل حال فاللزوم الخارجى غير معتبر- كذا قرر شيخنا العلامة العدوى، ويدل عليه كلام حواشى المطول
(قوله: اللزوم البين) أى: بالمعنى الأخص
(قوله: والمصنف أشار إلى أنه ليس المراد باللزوم الذهنى اللزوم البين) أى: فقط بل المراد به ما يشمل البين وغير البين
(قوله: ولو لاعتقاد المخاطب) أى: هذا إذا كان اللزوم الذهنى عقليا بأن كان لا يمكن انفكاكه، بل ولو كان ذلك اللزوم لأجل اعتقاد المخاطب إياه بسبب عرف عام أو غيره، وذلك بأن يفهم المخاطب من اللفظ بواسطة عرف عام أو خاص أن بين معناه وبين معنى آخر لزوما بحيث صار استحضار أحدهما فى الذهن مستلزما لاستحضار الآخر فيه، فهذا كاف فى اللزوم الذهنى، فمثال اللزوم
مما يثبته اعتقاد المخاطب بسبب عرف عام؛
…
===
باعتقاد المخاطب بواسطة العرف العام: الأسد مثلا أهل العرف قاطبة يفهمون من معناه لازما هو الجراءة والشجاعة، وإن كان لا لزوم عقلا بين تلك الجثة والجراءة، فإذا قيل هل زيد شجاع؟ فأجبت بقولك: هو أسد. فهم المخاطب منه أنه شجاع، وكما فى طنين الأذن إذا فهم منه المخاطب بسبب العرف العام أن صاحب ذلك الطنين مذكور، فيجوز أن يقال لمن يعتقد ذلك: إن لفلان طنينا فى إذنه ليفهم منه أنه مذكور، وكاختلاج العين إذا فهم منه المخاطب بسبب العرف العام لقاء الحبيب، فيجوز أن يقال لمن يعتقد ذلك: اختلجت عين فلان؛ ليفهم منه أنه لقى حبيبه، وكما إذا اعتقد إنسان بسبب العرف العام أن من لم يتزوج فهو عنين، فيجوز أن يقال له: فلان غير متزوج؛ ليفهم منه أنه عنين بسبب اعتقاده اللزوم بينهما بواسطة العرف العام وإن كان اللزوم العقلى منتفيا، وظهر مما قررنا أن إضافة اعتقاد للمخاطب فى كلام المصنف من إضافة المصدر لفاعله وأن المفعول محذوف وأن المعتبر فى تحقيق اللزوم ما عند المخاطب من الربط؛ لأن الدلالة كون اللفظ بحيث يفهم منه المخاطب أمرا لازما عند المتكلم وإلا لربما خلا الخطاب عن الفائدة، ولذا قال المصنف: ولو لاعتقاد المخاطب ولم يقل:
ولو لاعتقاد المتكلم
(قوله: مما يثبته اعتقاد المخاطب) اعترض بأن اعتقاد المخاطب متعلق باللزوم لا مثبت له، والمثبت له إنما هو ذهن المخاطب وعقله فأولا يثبته بعقله ثم بعد ذلك يعتقده، فكان الأولى أن يقول: مما يثبته ذهن المخاطب، وأجيب بأن الاعتقاد فى كلامه مصدر بمعنى اسم الفاعل أى: مما يثبته معتقد المخاطب وهو ذهنه، أو يقال:
إن المراد بالإثبات التعلق على سبيل المجاز المرسل من إطلاق اسم اللازم وإرادة الملزوم؛ لأن تعلق الاعتقاد باللزوم يستلزم ثبوته فى الذهن بالوجود الظنى أى: يجعله ثابتا فيه على وجه الظن.
(قوله: بسبب عرف عام) اعترض بأنه لم يظهر المراد به؛ لأنه إن أريد به ما اتفق عليه جميع أهل العلم أو جميع العوام كما هو المتبادر منه ففيه بعد؛ لأنه يبعد اتفاق جميع أهل العلم أو العوام على شىء، وأجيب بأن المراد به ما لم يتعين واضعه كأهل
إذ هو المفهوم من إطلاق العرف (أو غيره) يعنى: العرف الخاص؛ كالشرع، واصطلاحات أرباب الصناعات، وغير ذلك (والإيراد المذكور) أى: إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة فى الوضوح (لا يتأتى بالوضعية) أى: بالدلالات المطابقية
===
الشرع أو النحاة أو المتكلمين وحينئذ فلا يراد
(قوله: إذ هو المفهوم من إطلاق العرف) علة لمحذوف أى: وإنما قيدنا العرف بالعام ولم نجعله شاملا للخاص؛ لأنه المفهوم .. إلخ فالعرف العام كاللزوم الذى بين الأسد والجراءة كما مر، والعرف الخاص كاللزوم الذى بين بلوغ الماء قلتين وعدم قبول النجاسة، فإن هذا اللزوم عند أهل الشرع خاصة، فإذا قيل: هل ينجس هذا الماء إذا وقع فيه نجاسة ولم تغيره؟ فأجبت بقولك هذا الماء بلغ قلتين. فهم المخاطب منه- إذا كان من أهل الشرع- عدم قبوله للنجاسة، وكاللزوم الذى بين التسلسل والبطلان، فإن هذا اللزوم عند أهل الكلام؛ لأنهم يقولون: إن التسلسل يستلزم البطلان، فإذا قلت لإنسان يلزم على كلامك الدور أو التسلسل وكان ذلك المخاطب من أهل الكلام فهم منه أنه باطل، وكلزوم الرفع للفاعل فإنه خاص بالنجاة، فإذا قال إنسان: جاء زيدا بالنصب، فقلت له: زيد فاعل فهم منه- إذا كان نحويا- أنه مرفوع
(قوله: واصطلاحات .. إلخ) عطف على الشرع؛ لأن اصطلاح أرباب كل صنعة من قبيل العرف الخاص وذلك كلزوم القدوم للنجار؛ فإنه خاص بالنجارين فيجوز أن يقال: هذا قدوم زيد ليفهم المخاطب أن زيدا نجار، وكذا ما تقدم من لزوم الرفع للفاعل والبطلان للتسلسل، فإن الأول خاص باصطلاح أهل صنعة النحو، والثانى خاص باصطلاح أهل صنعة الكلام
(قوله: وغير ذلك) عطف على العرف الخاص وذلك كقرائن الأحوال كما إذا كان المقام مقام ذم إنسان بالبخل، فإن من لوازم استحضار البخل استحضار الكرم فإذا قلت: إنه كريم. فهم المخاطب بخله وكالتعريض كقولك:
أما أنا فلست بزان وتريد أن مخاطبك زان لقرينة
(قوله: أى بالدلالات المطابقية) عبر بالجمع؛ لأن الاختلاف فى الوضوح إنما يتأتى فيه، وفسر الوضعية بالمطابقية لئلا يتوهم أن المراد الوضعية بالمعنى الذى جعله مقسما للدلالات الثلاث فيما تقدم، أعنى ما للوضع فيها مدخل فتدخل العقلية الآتية وهو فاسد، واعلم أن المطابقية يندرج
(لأن السامع إن كان عالما بوضع الألفاظ) لذلك المعنى (لم يكن بعضها أوضح دلالة عليه من بعض، وإلا) أى: وإن لم يكن عالما بوضع الألفاظ (لم يكن كل واحد) من الألفاظ (دالا عليه)
…
===
فيها دلالة سائر المجازات مرسلة كانت أو لا؛ لأنها دلالة اللفظ على تمام الموضوع له بالوضع النوعى بناء على أن المراد بالوضع فى تعريف المطابقة أعم من الشخصى والنوعى كما صرح به الشارح فى شرح الشمسية حيث قال: لا نسلم أن دلالة المجاز على معناه تضمن أو التزام بل مطابقة، إذ المراد بالوضع فى الدلالات الثلاث أعم من الجزئى الشخصى كما فى المفردات والكلى النوعى كما فى المركبات، وإلا لبقيت دلالة المركبات خارجة عن الأقسام، والمجاز موضوع بازاء معناه بالنوع كما تقرر فى موضعه- انتهى.
وإذ قد علمت أن سائر المجازات دلالتها بالمطابقة وأنها وضعية فكيف يتأتى قول المصنف تبعا لغيره من أهل هذا الفن أن الإيراد المذكور لا يتأتى بالوضعية ويتأتى بالعقلية- اللهم إلا أن يراد بالوضعية والمطابقية ما كان بطريق الحقيقة فقط؟ ، أو يقال:
إن أهل هذا الفن يمنعون أن دلالة المجاز وضعية، ويدل لهذا كلام السيرامى عند تعريف الدلالة ونصه الوضع المعتبر سواء كان شخصيا أو نوعيا تعيين اللفظ نفسه بلا واسطة قرينة بإزاء المعنى لا تعيينه مطلقا بإزائه، وصرح بذلك الشارح أيضا فى التلويح فانتفى الوضع مطلقا فى المجاز، فدلالته تضمنية أو التزامية نظرا إلى تحقق الفهم ضمنا فتكون عقلية كدلالة المركبات على مدلولها والقياس على النتيجة- اه يس.
(قوله: لأن السامع .. إلخ) إنما خصه بالذكر؛ لأنه الذى يعتبر نسبة الخفاء والوضوح إليه غالبا
(قوله: إن كان عالما بوضع الألفاظ) أى: بوضع كل واحد منها
(قوله: لم يكن بعضها أوضح دلالة عليه من بعض) أى: بل هى مستوية فى الدلالة عليه ضرورة تساويها فى العلم بالوضع المقتضى لفهم المعنى عند سماع الموضوع، وإذا تساوت فلا يتأتى الاختلاف فى دلالتها وضوحا وخفاء.
(قوله: أى وإن لم يكن عالما بوضع الألفاظ) أى: بوضع جميعها وهذا صادق بأن لا يعلم شيئا منها أصلا، أو يعلم البعض دون البعض
(قوله: لم يكن كل واحد دالّا عليه)
لتوقف الفهم على العلم بالوضع- مثلا- إذا قلنا: خده يشبه الورد؛ فالسامع إن كان عالما بوضع المفردات والهيئة التركيبية امتنع أن يكون كلام آخر يؤدى هذا المعنى بطريق المطابقة دلالة أوضح، أو أخفى؛ لأنه إذا أقيم مقام كل لفظ ما يرادفه فالسامع إن علم الوضع فلا تفاوت فى الفهم،
…
===
أى: وما انتفت دلالته منها على ذلك المعنى لا يوصف بخفاء الدلالة ولا بوضوحها
(قوله: لتوقف الفهم) أى: فهم المعنى على العلم بالوضع، أورد عليه أن الموقوف على العلم بالوضع فهم المعنى بالفعل والدلالة كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى، وهذه الحيثية ثابتة للفظ بعد العلم بوضعه وقبله، ولا تكون منتفية على تقدير انتفاء العلم بالوضع، وحينئذ فلا يلزم من نفى الفهم الموقوف على العلم بالوضع نفى الدلالة فبطل ما ذكره من التعليل، وأجيب بأن المراد بالدلالة فى قول المصنف: وإلا لم يكن كل واحد دالّا عليه فهم المعنى من اللفظ بالفعل لا كون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى، وحينئذ فالمعنى وإلا لم يكن كل واحد من الألفاظ مفهما له، ويدل لهذا قول الشارح الآتى، وإلا لم يتحقق الفهم أى: وإن لم يكن عالما بالوضع لم يتحقق فهم ذلك المعنى من المرادفات، فقول الشارح هنا لتوقف الفهم أى: المعبر عنه فى كلام المصنف هنا بالدلالة، وقوله على العلم بالوضع أى: فيلزم من نفى العلم بالوضع نفى الدلالة؛ لأن المتوقف على الشىء ينتفى بانتفاء المتوقف عليه
(قوله: إن كان عالما بوضع المفردات) بأن علم أن الخد موضوع للوجنة والورد موضوع للنبت المعلوم وأن يشبه معناه يماثل
(قوله: والهيئة التركيبية) أى:
وعالما بهيئته التركيبية وهى إسناد يشبه إلى الخد أى: وعالما بمدلولها وهو ثبوت شبه الخد للورد بناء على أن هيئته التركيبية موضوعة
(قوله: امتنع أن يكون) جواب" إن" و" كلام" اسم" يكون" وجملة" يؤدى" خبرها أى: امتنع أن يوجد كلام مؤديا هذا المعنى بدلالة المطابقة وقوله دلالة منصوب على المصدرية، وقوله أوضح أو أخفى صفة لدلالة أى:
أوضح من خده يشبه الورد أو أخفى منه، فقد حذف المفضل عليه
(قوله: لأنه
…
إلخ) علة لقوله امتنع
…
إلخ
(قوله: ما يرادفه) أى: كأن يقال: وجنته تماثل الورد
(قوله: إن علم الوضع) أى: وضع هذه المرادفات
(قوله: فلا تفاوت فى الفهم)
وإلا لم يتحقق الفهم.
وإنما قال: لم يكن كل واحد؛ لأن قولنا: هو عالم بوضع الألفاظ معناه:
أنه عالم بوضع كل لفظ فنقيضه المشار إليه بقوله: وإلا يكون سلبا جزئيا؛ أى: إن لم يكن عالما بوضع كل لفظ فيكون اللازم عدم دلالة كل لفظ، ويحتمل أن يكون البعض منها دالا لاحتمال أن يكون عالما بوضع البعض، ولقائل أن يقول:
…
===
أى: بل يكون فهمه من الكلام الثانى كفهمه من الكلام الأول، والمراد بالفهم الدلالة كما مر
(قوله: وإلا لم يتحقق الفهم) أى: وإن لم يعلم أن هذه الألفاظ الجديدة المرادفة للألفاظ الأولى موضوعة لذلك المعنى لم يفهم شيئا أصلا، فعلى كلا التقديرين لم يكن تفاوت فى الدلالة وضوحا وخفاء، ومثل ما ذكره الشارح من المثال إذا قلنا: فلان يشبه البحر فى السخاء وبدلنا كل لفظ برديفه، فإن كان مساويا له فى العلم بالوضع لم يختلف الفهم، وإن كان غير مساو لم يتحقق الفهم بخلاف ما إذا دللنا على معنى الكرم مثلا بمستلزمه: كفلان مهزول الفصيل، وجبان الكلب، وكثير الرماد وأنه يجوز أنه يكون استلزام بعض هذه المعانى لمعنى الكرم أوضح من بعض فتختلف الدلالة وضوحا وخفاء كما يأتى فى الدلالة العقلية.
(قوله: وإنما قال لم يكن كل واحد) يعنى مما يدل على السلب الجزئى دون أن يقول لم يكن واحد منها مما يدل على السلب الكلى، وإنما كان الأول سلبا جزئيّا؛ لوقوع كل فى حيز النفى المفيد لسلب العموم وهو سلب جزئى، وإنما كان الثانى سلبا كليا؛ لأن واحد نكرة واقعة فى سياق النفى فتعم عموما شموليا فيكون المراد عموم السلب وهو سلب كلى.
(قوله: لأن قولنا) الأولى أن يقول: لأن قوله بضمير الغيبة العائدة على المصنف، إلا أن يقال: إنه لما ذكر عبارة المصنف بالمعنى لم ينسبها له
(قوله: معناه أنه عالم بوضع كل لفظ) أى: فيكون إيجابا كليا، وقوله معناه خبر أن
(قوله: فنقيضه) مبتدأ، وقوله يكون أى: ذلك النقيض، وقوله سلبا جزئيا خبر يكون، وجملة يكون خبر المبتدأ، وإنما كان نقيضه ما ذكر لما تقرر فى المنطق من أن الإيجاب الكلى إنما يناقضه
لا نسلم عدم التفاوت فى الفهم على تقدير العلم بالوضع، بل يجوز أن يحضر فى العقل معانى بعض الألفاظ المخزونة فى الخيال بأدنى التفات لكثرة الممارسة والمؤانسة، وقرب العهد بها بخلاف البعض فإنه يحتاج إلى التفات أكثر
…
===
السلب الجزئى لا الكلى، ولذا لم يقل لم يكن أحد منها دالا الذى هو سلب كلى، ثم إن من المعلوم أن السلب الجزئى أعم من السلب الكلى؛ وذلك لتحقق السلب الجزئى عند انتفاء الحكم عن كل الأفراد الذى هو السلب الكلى وعند انتفائه عن بعض الأفراد، ولذا قال الشارح فى بيان معنى قول المصنف وإلا لم يكن كل واحد دالّا عليه أى: وإن لم يكن عالما بوضع كل لفظ، فاللازم عدم دلالة كل لفظ عليه، وهذا اللازم أعنى: عدم دلالة كل لفظ عليه صادق بألا يكون للفظ منها دلالة أصلا وصادق بأن يكون لبعض منها دلالة. فقول الشارح: ويحتمل .. إلخ، الأولى أن يقول فيحتمل عدم كون كل واحد منها دالا، ويحتمل إلخ، كما قلنا، واعلم أن ما ذكره الشارح من توجيه تعبير المصنف بقوله لم يكن كل واحد دون لم يكن واحد إنما يتم على مذهب من يقول: إن المسند إليه المسور بكل إذا أخر عن أداة السلب يفيد سلب العموم، وأما على مذهب الشيخ عبد القاهر من أنه إذا أخر عن أداه النفى وما فى معناها يفيد النفى عن الكل مع بقاء أصل الفعل فلا يتم وهو ظاهر- كذا قرر شيخنا العدوى
(قوله: لا نسلم .. إلخ) هذا وارد على قول المصنف؛ لأن السامع إن كان عالما بوضع الألفاظ لم يكن بعضها أوضح دلالة من بعض
(قوله: بعض الألفاظ المخزونة) مثل ليث وأسد وسبع وغضنفر، وقوله بأدنى التفات: متعلق ب يحضر
(قوله: لكثرة الممارسة) أى:
ممارسة استعماله فى معناه وهو متعلق بيحضر، ففهم المعنى من أسد أو سبع أقرب من فهمه من ليث وغضنفر مع العلم بوضع هذه الألفاظ الأربعة؛ وذلك لكثرة استعمال هذين اللفظين فى المعنى الموضوع له دون الآخرين
(قوله: وقرب العهد بها) أى: بالألفاظ أى: باستعمالها فى معناها أو بالعلم بوضعها، وقوله والمؤانسة: عطف لازم على ملزوم، وكذا قوله: وقرب العهد بها
(قوله: فإنه يحتاج .. إلخ) أى: وحينئذ فقد وجد الوضوح والخفاء فى دلالة المطابقة مع العلم بالوضع فقول المصنف؛ لأن السامع إن كان عالما
ومراجعة أطول مع كون الألفاظ مترادفة، والسامع عالما بالوضع، وهذا مما نجده من أنفسنا، والجواب: أن التوقف إنما هو من جهة تذكر الوضع، وبعد تحقق العلم بالوضع، وحصوله بالفعل؛ فالفهم ضرورى
…
===
بوضع الألفاظ لم يكن بعضها أوضح من بعض لا يسلم
(قوله: ومراجعة أطول) مرادف لما قبله
(قوله: أن التوقف) أى: والمراجعة
(قوله: من جهة تذكر الوضع) أى: المنسى أى: وليس التوقف والمراجعة لخفاء الدلالة بعد العلم بالوضع، وحاصله: أن المراد بالاختلاف فى الوضوح والخفاء أن يكون ذلك بالنظر لنفس الدلالة ودلالة الالتزام كذلك؛ لأنها من حيث إنها دلالة التزام قد تكون واضحة كما فى اللوازم القريبة، وقد تكون خفية كما فى اللوازم البعيدة بخلاف المطابقة، فإن فهم المعنى المطابقى واجب قطعا عند العلم بالوضع، والتفاوت فى سرعة الحضور وبطئه إنما هو من جهة سرعة تذكر السامع للوضع وبطئه، ولهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأوقات.
(قوله: وبعد تحقق .. إلخ) الأوضح وبعد تذكر الوضع المنسى تعلم المعنى من غير توقف؛ لأن الفرض أنه عالم بالوضع لكنه غفل عنه إلا أن يقال: إنه أراد بالعلم بالوضع تذكره، وقوله وحصوله تفسير لتحققه، وأورد على كلام المصنف أيضا أن التركيب الذى فيه التعقيد اللفظى بسبب تقديم بعض المعمولات على بعض لا يفهم معناه إلا بعد التأمل بعد العلم بوضع جميع ألفاظه، فإذا أبدلت ألفاظه بما يرادفه من غير اشتمال على ذلك التعقيد بأن قدم فى أحد التركيبين ما أخر فى الآخر وذكر فى أحدهما ما حذف فى الأخر فقد تصور الوضوح والخفاء فى دلالة الألفاظ الوضعية بعد العلم بوضعها من غير طلب تذكر الوضع، وأجيب بأن الهيئة مختلفة والكلام عند اتفاق الهيئة؛ لأن لها دخلا فى الفهم الوضعى على أن المراد أنه لا يتأتى الاختلاف بالوضوح والخفاء فى الدلالة الوضعية مع بقاء فصاحة الكلام، وأورد عليه أيضا اختلاف الحد والمحدود فى الدلالة، فإن كلا منهما يدل على الماهية مع العلم بالوضع فى الكل وكون الدلالة فى الكل مطابقة مع اختلافهما فى الدلالة عليها وضوحا وخفاء، فإن دلالة الحد أخفى لاحتياجها إلى استخراج الأجزاء وتمييز ألفاظها الدالة عليها تفصيلا، وأجيب بأن الكلام
(ويتأتى) الإيراد المذكور (بالعقلية) من الدلالات (لجواز أن تختلف مراتب اللزوم فى الوضوح) أى: مراتب لزوم الأجزاء للكل فى التضمن، ومراتب لزوم اللوازم للملزوم فى الالتزام؛
…
===
عند اتحاد المعنى من كل وجه حتى لا يبقى إلا نفس الدلالة والحد والمحدود معناهما مختلف بالإجمال والتفصيل؛ لأن الحد معناه الماهية المفصلة والمحدود معناه الماهية المجملة، وحينئذ فالأوضحية باعتبار التفصيل، فرجع الاختلاف فى المدلول دون الدلالة، وأورد عليه أيضا أن الوضع لا يشترط فيه القطع، بل الظن كاف وهو قابل للشدة والضعف فيتأتى الاختلاف فى الوضعية باعتبار ذلك، وأجيب بأن إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة باعتبار ظنون المخاطب مما لا ينضبط ولا يرتكب أصلا على أن تصور المعنى الموضوع له اللفظ يحصل مع كل ظن ولو كان ضعيفا، فلم يختلف فهم الموضوع له وضوحا وخفاء، وإنما اختلف فى كون ما فهم هل هو ذلك فى الوضع أو لا؟ والكلام فى تصور المعنى لا فى تحقق كون ما تصور منه هو الموضوع له أو لا؟ فتأمل
(قوله: ويتأتى بالعقلية) المراد بها ما تقدم وهى دلالة التضمن والالتزام فأل عهدية.
(قوله: مراتب اللزوم) أراد باللزوم ما يشمل لزوم الجزء للكل فى التضمن ولزوم اللازم للملزوم فى الالتزام، ولهذا لم يقل مراتب اللازم لئلا يكون قاصرا على دلالة الالتزام
(قوله: أى مراتب) لزوم الأجزاء للكل كالحيوان والجسم النامى والجسم المطلق والجوهر، فهذه كلها أجزاء للإنسان، لكن بعضها بواسطة فأكثر وبعضها بلا واسطة، فالربط بين المنتقل منه الذى هو الكل وبين المنتقل إليه الذى هو الجزء قد يكون خفيا؛ لوجود الواسطة فتختفى دلالة لفظ المنتقل منه على الجزء المنتقل إليه، وقد يكون الربط المذكور واضحا لعدم الواسطة فتظهر تلك الدلالة.
(قوله: ومراتب لزوم اللوازم) أى: التى هى المدلول الالتزامى لما مر من أن دلالة الالتزام دلالة اللفظ على الخارج اللازم مثلا الوصف بالكرم له لوازم: كالوصف بكثرة الضيفان وبكثرة الرماد والوصف بجبن الكلب والوصف بهزال الفصيل، وبعض هذه اللوازم واضح وبعضها خفى، فإذا كان الربط بين الملزوم المنتقل منه وبين ذلك اللازم
وهذا فى الالتزام ظاهر؛ فإنه يجوز أن يكون للشىء لوازم متعددة بعضها أقرب إليه من بعض، وأسرع انتقالا منه إليه لقلة الوسائط، فيمكن تأدية الملزوم بالألفاظ الموضوعة لهذه اللوازم المختلفة الدلالة عليه وضوحا وخفاء،
…
===
المنتقل إليه خفيا كانت دلالة لفظ المنتقل منه على ذلك المنتقل إليه خفية، وإن كان الربط بينهما واضحا كانت تلك الدلالة واضحة، والسبب فى الوضوح فى دلالة الالتزام إما كون اللزوم ذهنيا بينا تستوى فيه العقول وإما قلة الوسائط مع ضميمة الاستعمال العربى أو مع ضميمة ظهور القرينة جدا حتى كأنها المشهود، وقد يكون الوضوح مع كثرة الوسائط عند ضميمة كثرة الاستعمال، والسبب فى الخفاء فيها كثرة الوسائط المحوجة لمزيد التأمل وذلك لقلة الاستعمال
(قوله: وهذا) أى: اختلاف مراتب اللزوم فى الوضوح
(قوله: للشىء) أى: الذى هو الملزوم كالكرم
(قوله: لوازم متعددة) ككثرة الضيفان وكثرة إحراق الحطب وكثرة الرماد
(قوله: بعضها) أى: بعض تلك اللوازم ككثرة الضيفان
(قوله: أقرب إليه) أى: إلى ذلك الشىء
(قوله: منه) أى: من ذلك الشىء
(قوله: إليه) أى: إلى ذلك البعض
(قوله: لقلة الوسائط) أراد بالقلة: ما يشمل العدم بالنظر للبعض
(قوله: فيمكن تأدية الملزوم) أى: المعنى الملزوم كالكرم بالألفاظ ..
إلخ بأن يقال: زيد كثير الضيفان، أو كثير إحراق الحطب، أو كثير الرماد، ولا شك أن انتقال الذهن من كثرة الضيفان للكرم أسرع من انتقاله من كثرة إحراق الحطب للكرم لعدم الواسطة بينهما، وانتقاله من كثرة إحراق الحطب للكرم أسرع من انتقاله من كثرة الرماد للكرم؛ لأن بين الكرم وكثرة إحراق الحطب واسطة وبينه وبين كثرة الرماد واسطتان، وقوله لقلة الوسائط أى: أو كثرة الاستعمال كالكرم فإن له لوازم:
ككثرة الرماد وهزال الفصيل وجبن الكلب فتمكن تأدية الكرم بالألفاظ الموضوعة لهذه اللوازم بأن يقال: زيد كثير الرماد أو هزيل الفصيل أو جبان الكلب، ولا شك أن هذه اللوازم مختلفة فى الدلالة على الكرم من جهة الوضوح والخفاء، إذ ليس الانتقال من هذه اللوازم إلى الكرم مستويا فإن الانتقال من كثرة الرماد إليه أسرعها لكثرة الاستعمال ولو كثرت وسائطه، واعترض على الشارح بأن الكلام فى دلالة الالتزام
وكذا يجوز أن يكون للازم ملزومات لزومها لبعضها أوضح منه للبعض الآخر، فيمكن تأدية اللازم بالألفاظ الموضوعة للملزومات المختلفة وضوحا وخفاء، وأما فى التضمن فلأنه يجوز أن يكون المعنى جزءا من شىء، وجزء الجزء من شىء آخر،
===
وهى مؤدية للازم بلفظ الملزوم لا العكس فكيف يقول الشارح فيمكن تأدية .. إلخ؟
وأجيب بأنه أراد باللازم هنا التابع وبالملزوم المتبوع معتبرا فى كل منهما اللازمية فوافق كلام الشارح هنا ما مر من أن دلالة الالتزام دلالة اللفظ على اللازم هذا، وذكر بعضهم: أن هذا الكلام من الشارح إشارة إلى مذهب السكاكى فى الكناية، فإن الانتقال فيها عنده من اللازم إلى الملزوم بعكس المجاز.
(قوله: وكذا يجوز أن يكون للازم ملزومات .. إلخ) هذا إذا استعمل لفظ الملزوم لينتقل منه إلى اللازم كما فى المجاز وكما فى الكناية على مذهب المصنف، وقوله: أن يكون للازم ملزومات كالحرارة، فإن لها ملزومات كالشمس والنار والحركة الشديدة، ولكن لزوم الحرارة لبعض هذه الملزومات:
كالنار أوضح من لزومها للبعض الآخر وهو الشمس والحركة، وقوله فيمكن .. إلخ أى:
بأن يقال: زيد أحرقته النار أو الشمس أو فى جسمه نار أو شمس أو حركة قوية، ومثل الحرارة- فيما قلنا- الكرم فإنه يصح جعله لازما وملزوماته: كثرة الضيفان وكثرة إحراق الحطب وكثرة الطبخ وكثرة الرماد، ولزوم الكرم لبعض هذه الملزومات وهو كثرة الضيفان أوضح من لزومه للبعض الآخر، فيمكن تأدية ذلك اللازم بالألفاظ الموضوعة لتلك الملزومات بأن يقال: زيد كثير الضيفان أو كثير الرماد أو كثير الطبخ أو كثير إحراق الحطب
(قوله: أوضح منه) أى: من اللزوم
(قوله: المختلفة وضوحا وخفاء) لا حاجة إلى ذكر الخفاء كما يعلم من كلام الشارح سابقا ويوجد فى بعض النسخ إسقاطها
(قوله: وأما فى التضمن) أى: وأما اختلاف مراتب اللزوم وضوحا فى التضمن، وجواب أما محذوف أى: فغير ظاهر ويحتاج للبيان فنقول: لأنه .. إلخ، فظهرت معادلة قوله: وأما فى التضمن .. إلخ، لقوله سابقا: وهذا فى الالتزام ظاهر
(قوله: فلأنه يجوز أن يكون المعنى جزءا من شىء) أى كالجسم مثلا بالنسبة للحيوان فإنه جزء منه
(قوله: وجزء الجزء .. إلخ) أى: ويجوز أن يكون ذلك المعنى بعينه وهو الجسم جزء الجزء من شىء
فدلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء منه على ذلك المعنى أوضح من دلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء من جزئه، مثلا: دلالة الحيوان على الجسم أوضح من دلالة الإنسان عليه، ودلالة الجدار على التراب أوضح من دلالة البيت عليه، فإن قلت:
بل الأمر بالعكس؛
…
===
آخر كالجسم فإنه جزء من الحيوان والحيوان جزء من الإنسان
(قوله: فدلالة الشىء) هو على حذف مضاف أى: فدلالة دال الشىء أعنى لفظ حيوان وإنما احتجنا لذلك؛ لأن الدال هو اللفظ لا المعنى
(قوله: ذلك المعنى) أى: كالجسم، وقوله: جزء منه أى:
من ذلك الشىء كالحيوان، وقوله: على ذلك المعنى أى: كالجسم
(قوله: أوضح من دلالة الشىء) أى: كالإنسان، وقوله: الذى ذلك المعنى وهو الجسم، وقوله من جزئه أى: كالحيوان، وفى الكلام حذف والأصل أوضح من دلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء من جزئه على ذلك المعنى
(قوله: دلالة الحيوان على الجسم أوضح) وذلك لأن دلالة الحيوان على الجسم من غير واسطة؛ لأن الجسم جزء من الحيوان؛ لأن حقيقة الحيوان جسم نام حساس متحرك بالإرادة، ودلالة الإنسان على الجسم بواسطة الحيوان؛ لأن الحيوان جزء من الإنسان والجسم جزء من الحيوان، فالجسم بالنسبة إلى الحيوان جزء وإلى الإنسان جزء الجزء، وحينئذ فالإنسان يدل على الحيوان ابتداء وعلى الجسم ثانيا، بخلاف الحيوان فإنه يدل ابتداء على الجسم فكانت دلالته عليه أوضح من دلالة الإنسان، فكما أن مراتب لزوم اللوازم للملزوم متفاوتة فى الوضوح كذلك مراتب لزوم الأجزاء للكل متفاوتة فيه
(قوله: ودلالة الجدار على التراب أوضح) وذلك لأن التراب جزء الجدار والجدار جزء البيت، فتكون دلالة الجدار على التراب أوضح من دلالة البيت عليه؛ لأن دلالة الأول بلا واسطة ودلالة الثانى بواسطة. ومثل بمثالين إشارة إلى أن كون دلالة اللفظ على جزء المعنى أوضح من دلالته على جزء جزئه لا فرق فيه بين أن يكون الجزء معقولا أو محسوسا
(قوله: فإن قلت .. إلخ) هذا وارد على قوله: فدلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء منه ..
إلخ، وحاصله: أن ما ذكره من أن دلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء منه على ذلك المعنى أوضح من دلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء من جزئه على ذلك
فإن فهم الجزء سابق على فهم الكل؛
…
===
المعنى ممنوع، بل الأمر بالعكس: وهو أن دلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء من جزئه على ذلك المعنى أوضح من دلالة الشىء الذى ذلك المعنى جزء منه عليه- اه سم.
فدلالة إنسان على الجسم أوضح من دلالة حيوان عليه عكس ما ذكرتم من أن دلالة حيوان عليه أوضح
(قوله: فإن فهم الجزء) أى: من اللفظ الدال على الكل سابق على فهم الكل أى: وما كان أسبق فى الفهم فهو أوضح، وإنما كان فهم الجزء سابقا على فهم الكل؛ لأن الشخص إذا طلب فهم مدلول اللفظ الذى سمعه وكان كلا وجب فهم أجزائه أولا، فإذا سمع لفظ الكل- كالإنسان مثلا- وتوجه عقله إلى فهم المراد منه فهم أولا الأجزاء الأصلية ومنها الجسمية، ثم ينتقل إلى ما يجمع الجسمية مع غيرها وهو ما تكون الجسمية جزءا له كالحيوانية، ثم ينتقل إلى ما يجمع تلك الحيوانية مع غيرها وهو ما تكون الحيوانية جزءا له وهو الإنسانية، واعترض على الشارح بأن هذا الدليل مخالف للمدعى من وجهين: الأول: أنه إنما يفيد أن دلالة اللفظ الذى ذلك المعنى جزؤه أوضح من دلالة ذلك اللفظ على الكل كدلالة الإنسان على الحيوانية فإنها أوضح من دلالته على الإنسانية، فاللفظ الدال ثانيا فى هذا الدليل هو عين الدال أولا وهذا خلاف العكس المدعى أوضحيته، فإنه قد اعتبر فيه أن اللفظ الدال ثانيا مغاير للدال أولا. الأمر الثانى:
أن المدعى أوضحيته الدلالة على جزء الجزء من الدلالة على الجزء والدليل إنما يفيد أوضحية الدلالة على الجزء من الدلالة على الكل، فلو قال الشارح: لأن فهم جزء الجزء سابق على فهم الجزء لسلم من هذا الأخير، وأجيب عن الأول بأن المراد بقوله: بل الأمر بالعكس أى: بعكس ما يفهم لزوما مما سبق، وتوضيح ذلك: أنه يفهم مما سبق أن دلالة الشىء على جزئه أوضح من دلالة شىء آخر على جزء جزئه لوجود الواسطة كدلالة الحيوان على الجسم فإنها أوضح من دلالة الإنسان عليه؛ لعدم الواسطة فى الأول ووجودها فى الثانى، ويلزم هذا الذى قد فهم أن تكون دلالة الشىء على جزئه أوضح من دلالة ذلك الشىء على جزء جزئه كدلالة الإنسان على الحيوان فإنها أوضح من دلالة الإنسان على الجسم؛ لأن كلا منهما دلالة الشىء على
قلت: نعم،
…
===
جزئه والمساوى للأوضح أوضح، فيقال هذا اللازم لما فهم مما سبق الأمر بعكسه وهو أن دلالة الشىء على جزء جزئه أوضح من دلالته على جزئه؛ لأن فهم الجزء سابق على فهم الكل، وأجيب عن الثانى بأن فى الكلام حذفا والأصل لأن فهم الجزء سابق على فهم الكل أى: وحينئذ فيكون فهم جزء الجزء سابقا على فهم الجزء لكونه كلا بالنسبة إلى جزء الجزء، أو أن مراد الشارح بالجزء جزء الجزء وبالكل الجزء من كل آخر كالجسم فإنه بالنسبة للإنسان جزء جزئه وبالنسبة للحيوان جزؤه، وكالحيوان فإنه بالنسبة للإنسان جزء وبالنسبة للجسم كل- فتأمل.
(قوله: نعم) أى: الأمر بالعكس من أن دلالة الشىء على جزء جزئه أوضح من دلالته على جزئه كما ذكرتم لما تقرر أن الجزء سابق على الكل فى الوجود، وإلا لبطلت الجزئية، لكن الذى حملنا على ما قلناه سابقا ما صرح به القوم من أن التضمن تابع للمطابقة فى الوجود، فيكون المقصود فى دلالة التضمن انتقال الذهن إلى الجزء وملاحظته على حدة بعد فهم الكل، فالإنسان إذا سمع لفظا وكان عارفا بوضعه وفاهما لجميع أجزاء الموضوع له أول ما يفهم منه المعنى الموضوع له اللفظ إجمالا، ثم ينتقل لفهم جزء ذلك المعنى على حدة إن كان له جزء، ثم إن كان لذلك الجزء جزء انتقل إليه على حدة وهلم جرا، فيرتكب التدلى فصح ما ذكرناه من أن دلالة لفظ الكل على الجزء أوضح من دلالته على جزء الجزء لتأخره عن فهم الجزء، وما فى السؤال من أن الأمر بالعكس فهو منظور فيه لجهة أخرى وهى جهة قصد فهم ما يراد من اللفظ فيرتكب فى تلك الجهة الترقى، والحاصل: أنه عند قصد فهم ما يراد من اللفظ يراعى جهة الترقى فى التركيب بأن يفهم أولا جزء الجزء ثم الجزء ثم الكل، وهذا ملحظ السائل، وأما إذا كان المخاطب فاهما لجميع أجزاء الموضوع له فيراعى جهة التدلى والتحليل بأن يفهم معنى اللفظ الموضوع له إجمالا ثم ينتقل لجزئه على حدة لا فى ضمن الكل ثم ينتقل لجزء جزئه على حدة لا فى ضمن الجزء، وهذا ملحظ ما ذكرناه سابقا من أن دلالة لفظ الكل على الجزء أوضح من دلالته على جزء الجزء.
ولكن المراد هنا انتقال الذهن إلى الجزء وملاحظته بعد فهم الكل، وكثيرا ما يفهم الكل من غير التفات إلى الجزء؛ كما ذكره الشيخ الرئيس فى الشفاء: أنه يجوز أن يخطر النوع بالبال ولا يلتفت الذهن إلى الجنس.
===
(قوله: ولكن المراد هنا) أى: لكن المراد بالتضمن هنا أى: فى مقام بيان تأتى الإيراد المذكور بالدلالة العقلية
(قوله: انتقال الذهن إلى الجزء) أى: المراد من اللفظ أى:
على حدة لا فى ضمن الكل أى: وحينئذ فلا يكون فهم الجزء سابقا على فهم الكل فتم ما ذكره فى البيان السابق، وقوله وملاحظته: عطف على انتقال مفسر له، وقوله بعد فهم الكل أى: لا على أنه مقصود من اللفظ لا يقال كيف يفهم الجزء ثانيا وقد فهم أولا فى ضمن الكل؟ وأى ثمرة لذلك؟ ؛ لأنا نقول يظهر هذا عند قصد إحضار الجزء على حدة لغرض من الأغراض، فإن فهم الشىء على حدة خلاف فهمه مع الغير
(قوله: وكثيرا ..
إلخ) أى: على أن كثيرا .. إلخ وهذا جواب بالمنع والأول بالتسليم، وحاصله: أنا لا نسلم أن فهم الجزء لازم أن يكون سابقا على فهم الكل، إذ قد يخطر الكل بالبال ولا يخطر جزؤه فيه أصلا، وحينئذ فلا يكون فهم الجزء سابقا على فهم الكل فتم ما ذكره سابقا من البيان- كذا قرر شيخنا العدوى، وفى سم أن قوله وكثيرا .. إلخ: دفع لما يرد على الجواب من أنه لا يمكن فهم الجزء وملاحظته بعد فهم الكل بل فهم الجزء وملاحظته سابقة دائما
(قوله: أن يخطر النوع بالبال) أى: على سبيل الإجمال لا التفصيلى، إذ خطوره بالبال مفصلا بدون خطور الجنس محال- اه فنرى. وقوله: وكثيرا ما يفهم الكل أى: ما يفهم الشىء الذى يصدق عليه أنه كل فى نفسه من غير ملاحظة أنه كل وإلا لزم تقدم معرفة أجزائه عليه
(قوله: أن يخطر النوع) أى: كالإنسان، وقوله بالبال أى: بالذهن
(قوله: إلى الجنس) أى: الذى هو جزء من النوع كالحيوان، وفى تعبيره أولا بالبال وبالذهن ثانيا تفنن، واعترض هذا الجواب بأنه يلزم عليه أن دلالة التضمن لا تلزم فى الألفاظ الموضوعة للمركبات ضرورة عدم لزوم الالتفات إلى جزء من الأجزاء على حدة لصحة الغفلة عن ذلك الجزء، وقد نصوا على أن التضمن فى المركبات لازم للمطابقة، وقد يجاب عن هذا بأن المراد بلزوم التضمن للمطابقة فى المركبات