المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وهذا المعنى من الغرابة والملاحة بحيث لا يخفى.   ‌ ‌[المجاز المركب]: (وأما) المجاز - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٣

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الفن الثانى علم البيان

- ‌تعريف علم البيان:

- ‌[أبواب علم البيان]:

- ‌ التشبيه

- ‌[وجه التشبيه]:

- ‌الوجه الداخل فى الطرفين والخارج عنهما:

- ‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

- ‌دقيقة فى الوجه المركب:

- ‌[أداة التشبيه]:

- ‌[الغرض من التشبيه]:

- ‌وعالم يعرف بالسجزى

- ‌أشهى إلى النفس من الخبز

- ‌[أقسام التشبيه باعتبار طرفيه]:

- ‌[إما تشبيه مركب بمفرد

- ‌[التشبيه الملفوف والمفروق]:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار أداته:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌مراتب التشبيه:

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة:

- ‌[بقية الكلام عن الحقيقة]:

- ‌[أمثلة على استعمال الكلمة على حقيقتها وعلى غير حقيقتها]:

- ‌[تعريف الوضع]:

- ‌كلامه عن الحروف ومعانيها

- ‌الفرق بين المعنى الإفرادى والمعنى التركيبى

- ‌[إنكار الوضع]:

- ‌[كلامه عن صفات الحروف]:

- ‌بداية الكلام عن المجاز

- ‌أنواع المجاز:

- ‌أقسام المجاز

- ‌[تقسيم المفرد إلى مرسل واستعارة]:

- ‌[الكلام فى المجاز المرسل]:

- ‌[علاقة الجزئية والكلية]:

- ‌[علاقة السببية]:

- ‌[اعتبار ما كان وما يكون]:

- ‌[الاستعارة]:

- ‌[الكلام فى الاستعارة]:

- ‌هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى:

- ‌[مفارقة الاستعارة للكذب]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار المستعار الأصلية والتبعية]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

- ‌[المجاز المركب]:

- ‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

- ‌[اعتراضات على السكاكى]:

- ‌فصل عرف السكاكى إلخ:

- ‌[فصل]: فى شرائط حسن الاستعارة:

- ‌[فصل]: [قد يطلق المجار]

- ‌الكناية

- ‌تعريف الكناية:

- ‌أقسام الكناية:

- ‌الكناية العرضية:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

الفصل: وهذا المعنى من الغرابة والملاحة بحيث لا يخفى.   ‌ ‌[المجاز المركب]: (وأما) المجاز

وهذا المعنى من الغرابة والملاحة بحيث لا يخفى.

[المجاز المركب]:

(وأما) المجاز (المركب فهو اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلى) أى بالمعنى الذى يدل عليه ذلك اللفظ بالمطابقة (تشبيه التمثيل) وهو ما يكون وجهه منتزعا من متعدد

===

(قوله: وهذا المعنى إلخ) اسم الإشارة مبتدأ، (وقوله: بحيث إلخ) خبر أى: وهذا المعنى وهو البناء الواقع فى كلام بعض العجم ملتبس بحالة كائنة من الغرابة والملاحة لا تخفى.

[المجاز المركب]:

(قوله: وأما المركب) عطف على قوله: أما المفرد من قوله سابقا، والمجاز إما مفرد أو مركب، أما المفرد فهو الكلمة إلخ، ثم قال: وأما المركب فهو اللفظ إلخ

(قوله: فهو اللفظ) أى: المركب كما فى الإيضاح وترك المصنف التقييد هنا اعتمادا على أن تقييد المعرف بالتركيب يفيده فخرج عن الجنس وهو اللفظ المجاز العقلى

(قوله: المستعمل) خرج به اللفظ قبل الاستعمال (وقوله: فيما) أى: فى معنى شبه ذلك المعنى بمعنى اللفظ الأصلى أى: من حيث أنه شبه بمعناه الأصلى، فخرج المجاز المرسل الذى ليس معناه مشبها بمعناه الأصلى قبل الاستعمال لعدم وجود الشبه بين المعنيين، وكذا المرسل الذى استعمل فيما شبه بمعناه قبل ذلك لوجود الشبه، لكن إنما استعمل لعلاقة غير الشبه؛ لأنه لم يستعمل من حيث الشبه

(قوله: أى بالمعنى الذى يدل عليه ذلك اللفظ بالمطابقة) أى:

بالوضع وهذا بيان للمراد بمعنى اللفظ الأصلى، وما ذكره الشارح مثله فى الأطول، ثم قال: بقى أن كون الصورة المنتزعة معنى مطابقيّا للفظ المستعار غير ظاهر ا. هـ.

(قوله: بالمطابقة) هذا يقتضى أن دلالة اللفظ على المعنى المجازى ليست بالمطابقة وهو خلاف ما صرح به الشارح فى شرح الشمسية وغيره، وأجيب بأن مراد الشارح بالمطابقة المطابقة التى لا يحتاج معها إلى توسط قرينة، وهذا إنما يكون فى الحقيقة

(قوله: تشبيه التمثيل) معمول لقوله شبه، وأتى المصنف بذلك للتنبيه على أن التشبيه الذى يبنى

ص: 384

واحترز بهذا عن الاستعارة فى المفرد

===

عليه المجاز المركب لا يكون إلا تمثيلا ولم يكتف بقوله: تمثيلا؛ لأن التمثيل مشترك بين التشبيه الذى وجهه منتزع من متعدد وإن كان الطرفان مفردين كما فى تشبيه الثريا بعنقود الملاحية وبين الاستعارة التمثيلية، فاحترز عن أخذ اللفظ المشترك فى التعريف

(قوله: واحترز بهذا) أى: بقوله: تشبيه التمثيل.

(قوله: عن الاستعارة فى المفرد) أى: لأن وجه الشبه لا يكون فيها منتزعا من متعدد، واعترض بأنه قد مر فى مبحث التشبيه أن تشبيه الثريا بعنقود الملاحية من قبيل تشبيه المفرد بالمفرد ووجه الشبه منتزع من متعدد، وحينئذ فيجوز أن يطوى المشبه ويذكر المشبه به ويتناسى التشبيه ويكون استعارة فى مفرد ووجه الشبه منتزع من متعدد فيكون التعريف صادقا بتلك الاستعارة، وحينئذ فلا يصح إخراجها من التعريف، وأجاب العلامة عبد الحكيم بما حاصله: أنا لا نسلم جواز جريان الاستعارة فى مفرد ووجه الشبه فيها منتزع من متعدد؛ لأن الاستعارة لا بد فيها من جعل الكلام خلوا عن المستعار له والجامع، فإذا ذكر المستعار منه وكان مفردا ووجه الشبه منتزع من متعدد فى الواقع كما لو قيل: رأيت عنقود ملاحية فى السماء لا يدرى هل وجه الشبه منتزع من متعدد أولا؟ فيصير الكلام لغوا، وهذا بخلاف التشبيه، فإنه إذا ذكر فيه كل من المشبه والمشبه به وكانا مفردين، فإنه قد يدرك العقل تركب وجه الشبه من مجموع أوصاف لهما إذا لم يكن وجه الشبه مذكورا، وبالجملة فليس كل تشبيه تجرى فيه الاستعارة لما علمت أن تشبيه المفرد بالمفرد مع كون وجه الشبه منتزعا من متعدد صحيح ولا تجرى فيه الاستعارة وإلا كان الكلام لغوا فتم ما ذكره الشارح من الاحتراز والحاصل أن قول المصنف: تشبيه التمثيل خرج به مجاز الإفراد؛ لأن وجهه منتزعا من متعدد ومجاز الإفراد لا يكون وجهه منتزعا من متعدد وإلا كان الكلام لغوا، هذا محصل كلام الشارح، فإن قلت: إن تقييد المعرف بالتركيب يفيد أن المراد بقول المصنف: فهو اللفظ أى: المركب وأن فى الكلام حذف الصفة، فتكون تلك الصفة المحذوفة للدليل مخرجة للمجاز المفرد استعارة أو غير استعارة، وشارحنا قد أخرج الاستعارة فى المفرد

ص: 385

(للمبالغة) فى التشبيه (كما يقال للمتردد فى أمر إنى أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى)

===

بقوله: تشبيه التمثيل، قلت: الشارح لم يلتفت لتلك الصفة لكونها محذوفة من التعريف، وإنما يحترز بالفصول المصرح بها ولو التفت لتلك الصفة لجعل المجاز المفرد خارجا بها، وكان قوله: تشبيه التمثيل بيانا للماهية لا للاحتراز عن شىء كما هو الأصل فى القيود المذكورة فى التعاريف، وعلم مما ذكر أن تشبيه التمثيل عبارة عن التشبيه الذى وجهه منتزع من أمور متعددة، سواء كان الطرفان مركبين أو مفردين، وأما اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلى تشبيه التمثيل المسمى بالمجاز المركب وبالاستعارة التمثيلية لا بد فيه من كونه مركبا، كما أن وجه الشبه لا بد فيه من كونه مركبا، ثم المراد بالتركيب المعتبر فى المجاز المركب أى تركيب كان ولا يشترط خصوص الإسنادى ولا غيره، ثم هل يشترط التصريح بتمام اللفظ المركب، أو يكفى الاقتصار على بعضه؟ خلاف بين الشارح والعلامة السيد، فالسيد يقول: لا بد فى المجاز المركب من التصريح بتمام المركب الدالّ على الصورة المشبه بها، والشارح يقول: يكفى التصريح ببعضه

(قوله: للمبالغة فى التشبيه) علّة لقوله: المستعمل فيما شبه إلخ أى: وإنما استعمل اللفظ المركب فيما شبه بمعناه لأجل المبالغة فى التشبيه، وأشار المصنف بهذا إلى اتحاد الغاية فى الاستعارة فى المفرد والمركب، وحاصل المجاز المركب أن يشبه إحدى الصورتين المنتزعتين من متعدد بالأخرى، ثم يدعى أن الصورة المشبهة من جنس الصورة المشبه بها فيطلق على هذه الصورة المشبهة اللفظ الدال بالمطابقة على الصورة المشبه بها.

(قوله: كما يقال) أى: كالقول الذى يقال، (وقوله: للمتردد فى أمر) أى: فى فعل أمر وعدم فعله بأن يتوجه إليه بالعزم تارة، ويتوجه للإحجام عنه بالعزم تارة أخرى، (وقوله: إنى إلخ) بيان لما وليس مقول القول- تأمل.

(قوله: إنى أراك تقدم رجلا) أى: تارة (وقوله: وتؤخر) مفعوله محذوف أى:

وتؤخرها يعنى تلك الرجل المتقدمة، (وقوله: أخرى) نعت لمرة، والتقدير: إنى أراك تقدم رجلا مرة وتؤخرها مرة أخرى، وإنما لم يجعل أخرى نعتا لرجل أى: وتؤخر رجلا أخرى،

ص: 386

شبه صورة تردده فى ذلك الأمر بصورة تردد من قام ليذهب فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريد فيؤخر أخرى فاستعمل فى الصورة الأولى الكلام الدالّ بالمطابقة على الصورة الثانية ووجه الشبه وهو الإقدام تارة والإحجام أخرى منتزع من عدة أمور كما ترى (و) هذا المجاز المركب (يسمى التمثيل)

===

لئلا يفيد الكلام أن الرجل المؤخرة غير المقدمة، وليس هذا صورة التردد فى الذهاب وعدمه؛ لأن الإنسان إذا أراد الذهاب رمى رجله أماما وإذا أحجم عنه رد تلك الرجل إلى موضعها، ويسمى ردها لموضعها تأخيرا باعتبار ما انتهت إليه أولا

(قوله: شبه صورة إلخ) أى: وإنما كان هذا القول مجازا مركبا مبنيا على تشبيه التمثيل؛ لأنه شبه صورة تردده فى ذلك الأمر أى: الهيئة الحاصلة من تردده فى ذلك الأمر، فتارة يقدم على فعله بالعزم عليه، وتارة يحجم عنه.

(قوله: بصورة تردد إلخ) أى: بالهيئة الحاصلة من تردد من قام ليذهب إلخ، ولا شك أن الصورة الأولى عقلية والثانية حسية، وبهذا التقرير تعلم أن المشبه ليس هو التردد فى الأمر والمشبه به ليس هو التردد فى الذهاب، بل كل من المشبه والمشبه به هيئة يلزمها التردد، وحينئذ فالإضافة فى قوله صورة: تردده لامية وليست بيانية، وإلا لو رد عليه أن التردد ليس معنى مطابقيّا للفظ المذكور، بل لازم لمعناه المطابقى الذى هو الصورة المنتزعة من التردد وقد صرح الشارح سابقا بأن المشبه به إنما يكون معنى مطابقيّا

(قوله: وهو الإقدام تارة إلخ) أى: وهو الهيئة المركبة من الإقدام والإحجام، وحاصله أن وجه الشبه وهو الجامع بين الصورة المشبهة والصورة المشبه بها ما يعقل من الصورة التركيبية التى هى كون كل واحد منهما له مطلق إقدام بالانبعاث لأمر تارة والإحجام عن ذلك الأمر بذلك الانبعاث تارة أخرى، وهذا أمر عقلى قائم بالصورتين مركب باعتبار تعلقه بمتعدد؛ لأنه هيئة اعتبر فيها إقدام متقدم وإحجام مستعقب.

بقى شىء آخر وهو أن قوله: إنى أراك هل له دخل فى التجوز والنقل، أو هو حقيقة والتجوز فيما بعده؟ قلت: ذكر العلامة اليعقوبى: أن الظاهر أنه لا دخل له، لأنا لو قلنا: فلان يقدم رجلا ويؤخر أخرى حصل التمثيل على وجه الاستعارة، ويحتمل

ص: 387

لكون وجهه منتزعا من متعدد (على سبيل الاستعارة) لأنه قد ذكر فيه المشبه به وأريد المشبه كما هو شأن الاستعارة (وقد يسمى التمثيل مطلقا) من غير تقييد بقولنا: على سبيل الاستعارة ويمتاز عن التشبيه بأن يقال له: تشبيه تمثيل أو تشبيه تمثيلى

===

أن له دخلا فى خصوص المثال؛ لأن أصله الرؤية الحسية ولم توجد فى المنقول إليه- فتأمل.

(قوله: لكون وجهه منتزعا إلخ) قضيته أن التمثيل لا بد فيه من انتزاع وجهه من متعدد وهو كذلك، ووجه ذلك أن التمثيل فى الأصل هو التشبيه- يقال: مثله تمثيلا إذا جعل له مثيلا أى: شبيها، ثم خص بالتشبيه المنتزع وجهه من متعدد؛ لأنه أجدر أن يكون صاحبه مثيلا وشبيها لكثرة ما اعتبر فيه، إذ كثرة ما اعتبر فى التشبيه مما يوجب غرابته، وكل ما اعتبر فيه ازدادت غرابته فهو أحق بالمماثلة؛ لأن المماثلة الحقيقية لا تكون إلا بعد وجود أشياء ووجود أشياء أصعب من وجود الجملة

(قوله: لأنه قد ذكر فيه المشبه به) أى: لفظه

(قوله: وقد يسمى) أى: المجاز المركب

(قوله: ويمتاز إلخ) حاصله أن المجاز المركب يسمى تمثيلا على سبيل الاستعارة ويسمى أيضا تمثيلا مطلقا، والتسمية الأولى لا تلتبس بتشبيه التمثيل وهو التشبيه بالكاف ونحوها المنتزع وجهه من متعدد كقولك للمتردد فى أمر: أنت كمن يقدم رجلا ويؤخر أخرى وكتشبيه الثريا بعنقود الملاحية، وكتشبيه الشمس بالمرأة فى كف الأشل للتقييد فيها بقولهم: على سبيل الاستعارة، وكذلك التسمية الثانية لا تلتبس بتشبيه التمثيل؛ لأنه لا يطلق عليه اسم التمثيل مطلقا، بل مقيدا فقول الشارح: ويمتاز أى: التمثيل عند الإطلاق (وقوله: عن التشبيه) أى: التمثيلى (وقوله: بأن يقال له) أى: للتشبيه تشبيه تمثيل إلخ أى: فلا يطلق اسم التشبيه عليه مطلقا، بل مقيدا، وبعبارة قوله: ويمتاز إلخ: جواب عما يقال إن تسمية المجاز المركب بالتمثيل على سبيل الاستعارة ظاهرة لا لبس فيها، وأما تسميته تمثيلا من غير تقييد فقد يقال: إنها تلتبس بالتشبيه المسمى بالتمثيل، وحاصل الجواب أن الاصطلاح جار على أن التمثيل إذا أطلق انصرف للاستعارة، وإذا أريد التشبيه قيل:

ص: 388

وفى تخصيص المجاز المركب بالاستعارة نظر لأنه كما أن المفردات موضوعة بحسب الشخص فالمركبات موضوعة بحسب النوع فإذا استعمل المركب فى غير ما وضع له فلا بد أن يكون ذلك لعلاقة فإن كانت هى المشابهة فاستعارة

===

تشبيه التمثيل أو تشبيه تمثيلى

(قوله: وفى تخصيص إلخ) التخصيص مستفاد من تعريف الطرفين باللام، وحاصله أن قول المصنف: تبعا للقوم فى تعريف المجاز المركب هو اللفظ المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلى يقتضى أن المجاز المركب لا يوجد فى غير ما شبه بمعناه لامتناع صدق المعرف على غير التعريف، وكون المجاز المركب لا يوجد فى غير ما شبه بمعناه يقتضى أنه مختص بالاستعارة ومنحصر فيها وجعله منحصرا فيها عدول عن الصواب، ووجهه أن الواضع كما وضع المفردات لمعانيها بحسب الشخص وضع المركبات لمعانيها التركيبية بحسب النوع، وقد اتفقوا على أن المفرد إذا استعمل فى غير ما وضع له فلا بد أن يكون ذلك الاستعمال لعلاقة، فإن كانت تلك العلاقة غير المشابهة فهو مجاز مرسل وإلا فاستعارة فكذلك المركب إذا استعمل فى غير ما وضع له فلا بد أن يكون ذلك الاستعمال لعلاقة، فإن كانت هى المشابهة فاستعارة تمثيلية، وإن كانت غير المشابهة كاللزوم كان مجازا تركيبيا، وهذا مما أهملوا تسميته والتعرض له مع أن الوجه الذى صح به التمثيل يصح به غيره من المجاز المذكور فلم يظهر لإهماله وجه

(قوله: بحسب الشخص) أى: التشخص والتعين بأن يعين الواضع اللفظ المفرد للدلالة على معناه وإن كان كليّا

(قوله: بحسب النوع) أى: من غير نظر لخصوص لفظ بل يلتفت الواضع لقانون كلى كأن يقول: وضعت هيئة التركيب فى نحو: قام زيد من كل فعل أسند لفاعل للدلالة على ثبوت معنى الفعل لذلك الفاعل ووضعت هيئة التركيب فى نحو: زيد قائم لثبوت المخبر به للمخبر عنه، فالهيئة التركيبية المخصوصة فى زيد قائم موضوعة لثبوت القيام لزيد وكذا غيرها من الهيئات التركيبية المخصوصة تبعا لوضع نوعها

(قوله: فلا بد أن يكون ذلك) أى: الاستعمال (وقوله: لعلاقة) أى: بين المعنى المنقول عنه والمنقول إليه وإلا كان الاستعمال فاسدا

(قوله: فإن كانت هى المشابهة) نحو: إنى أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فإنه نقل لما يشبه الحالة التى وضع لها نوعه،

ص: 389

وإلا فغير استعارة وهو كثير فى الكلام كالجمل الخبرية التى لم تستعمل فى الإخبار (ومتى فشا استعماله) أى المجاز المركب

===

وأعنى بنوعه هيئة إن واسمها مع كون خبرها فعلا متعديا

(قوله: وإلا) أى: وإن لم تكن العلاقة المشابهة، بل كانت غيرها كاللزوم

(قوله: فغير استعارة) أى: فهو مجاز مركب غير استعارة

(قوله: وهو كثير) أى: استعمال المركب فى غير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة كثير.

(قوله: كالجمل الخبرية التى لم تستعمل فى الإخبار) أى: وذلك نحو قوله:

هواى مع الركب اليمانىّ مصعد

جنيب وجثمانى بمكة موثق

فإن هذا المركب موضوع للإخبار بكون هواه أى: مهويه ومحبوبه مصعدا أى:

مبعدا مع الركب اليمانيين وجسمه موثق ومقيد بمكة، لكن ذلك المركب لم يستعمل فى ذلك المعنى، بل الغرض منه إظهار التحسر والتحزن على مفارقة المحبوب اللازم ذلك للإخبار بها؛ لأن الإخبار بوقوع شىء مكروه يلزمه إظهار التحسر والتحزن- فالعلاقة اللازمية، فقد صدق على ذلك المركب أنه نقل لغير ما وضع له لعلاقة غير المشابهة فلا يكون حقيقة ولا استعارة تمثيلية فتعين أن يكون مجازا مرسلا تركيبيّا، وهذا مما أهمل القوم التعرض له ولم يظهر لإهماله وجه، قال العلامة الفنارى: وقد يعتذر عنهم بأنهم لم يتعرضوا لهذا القسم الأخير من المجاز المركب أعنى: ما ليس استعارة تمثيلية لقلته وقلة لطائفه ا. هـ.

وأجاب بعضهم: بأن المركب المنقول لأجل اللزوم كالبيت المذكور من قبيل الكناية فهو مستعمل فيما وضع له لينتقل إلى لازمه، وحينئذ فهو حقيقة، فلذا تركوا التعرض له فقول المعترض: اللفظ المركب إن استعمل فى غير ما وضع له لعلاقة المشبه، فاستعارة تمثيلية وإن استعمل لعلاقة غيرها فهو مجاز غير استعارة ممنوع؛ لأن اللفظ المركب متى استعمل فى غير ما وضع له لا يكون إلا لعلاقة المشابهة، وما أورد من المركبات المنقولة لأجل اللزوم فلا نسلم أنها مجازات- لم لا يجوز أن تكون كنايات مستعملة فيما وضعت له لينتقل إلى لوازمها، وقد يقال على ذلك الجواب: إن اللفظ

ص: 390

(كذلك) أى على سبيل الاستعارة

===

الذى يراد به اللازم مع صحة إرادة الملزوم كناية يجوز أن يعرض له قرينة مانعة عن إرادة المعنى الأصلى فيكون مجازا متفرعا عن الكناية، وحينئذ فلا يتم ما ذكر حجة فى ترك التعرض.

بقى هنا شىء وهو الاستعارة التمثيلية هل تكون تبعية أم لا؟ ظاهر كلام القوم: أن التبعية إنما تكون فى المجاز المفرد، وفى الكشاف ما يقتضى جواز كون التمثيلية تكون تبعية، فإنه قال: ومعنى الاستعلاء فى قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (1) أنه مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به فشبهت حالتهم بحالة من اعتلى الشىء وركبه، قال الشارح فى حواشيه: يعنى أن هذه استعارة تمثيلية تبعية، أما التبعية:

فلجريانها أولا فى متعلق معنى الحرف وتبعيتها فى الحرف، وأما التمثيل: فلكون كل من طرفى التشبيه حالة منتزعة من عدة أمور- ا. هـ

وردّه السيد بأن معانى الحروف مفردة، إذ المعنى المفرد ما دل عليه بلفظ مفرد وإن كان ذلك المعنى مركبا فى نفسه، بدليل أن تشبيه زيد بالأسد تشبيه مفرد بمفرد وإن كان كلّ منهما ذا أجزاء، ولما صرح بأن كل واحد من طرفى التشبيه هاهنا حالة منتزعة من عدة أمور لزمه أن يكون كل واحد منهما مركبا، وحينئذ لا يكون معنى الاستعلاء مشبها به أصالة ولا معنى على مشبها به تبعا فى هذا التشبيه المركب الطرفين؛ لأنهما معنيان مفردان، وإذا لم يكن شىء منهما مشبها به سواء جعل جزءا من المشبه به أو خارجا عنه لم يكن شىء منهما مستعارا منه فكيف سرى التشبيه من أحدهما إلى الآخر؟ فتأمل.

(قوله: كذلك) حال من الضمير المضاف إليه أى: فشا استعمال المجاز المركب حال كونه على حسب الاستعارة أى: مماثلا لها، واعترض بما حاصله أن الأولى حذف قوله: كذلك؛ لأنه إن احترز به عن شيوع استعماله على سبيل التشبيه أو فى معناه الأصلى، ورد عليه أن شيوع الاستعمال على سبيل التشبيه، أو فى المعنى الأصلى غير داخل فى فشو المجاز المركب حتى يحترز عنه بقوله: كذلك ويلزم عليه تشبيه الشىء

(1)[البقرة: 5].

ص: 391

(سمى مثلا ولهذا) أى ولكون المثل تمثيلا فشا استعماله على سبيل الاستعارة (لا تغير الأمثال) لأن الاستعارة يجب أن تكون لفظ المشبه به المستعمل فى المشبه

===

بنفسه؛ لأن المجاز المركب لا يكون إلا استعارة، وإن احترز به عن مجاز التركيب الذى ليس على حسب الاستعارة، فهذا لم يذكروه ولم يعتبروه كما تقدم- نعم لو وجد واعتبر أمكن تصحيح الكلام بجعل الضمير فى فشا عائدا على مطلق المجاز المركب من باب الاستخدام، لكنه لم يعتبر، فعلى كل حال قوله: كذلك لم يظهر لذكره وجه مستقيم إذا جعل المشار إليه الاستعارة كما فعل الشارح، والوجه أن المراد بقوله:

كذلك عدم التعبير أى: متى فشا استعماله حالة كونه كذلك أى: باقيا على هيئته فى حال المورد بحيث إنه لم يغير فى حالة مضربه عن هيئته فى حالة المورد تأنيثا ولا تذكيرا ولا إفرادا ولا تثنية ولا جمعا، والمراد بفشو استعماله كذلك أن يستعمل كثيرا فى مثل ما استعمله فيه الناقل الأول، مع عدم التغيير مثلا" الصيف ضيعت اللبن" أصل مورده أن دسوس بنت لقيط بن زرارة تزوجت شيخا كبيرا وهو عمرو بن عويس وكان ذا مال، فكرهته وطلبت منه الطلاق فى زمن الصيف، فطلقها وتزوجت شابّا فقيرا وهو عمرو بن معبد بن زرارة، ثم أصابها جدب وقحط فى زمان الشتاء، فأرسلت للشيخ الذى طلقها تطلب منه شيئا من اللبن فقال للرسول: قل لها: الصيف ضيعت اللبن أى:

لما طلبت الطلاق فى زمن الصيف أوجب لها ذلك أن لا تعطى لبنا، فقال لها الرسول ذلك، فوضعت يدها على زوجها الشاب وقالت: مذق هذا خير من لبن ذاك أى: لبن هذا القليل المخلوط بالماء على جماله وشبابه مع فقره خير من الشيخ ولبنه الكثير، ثم نقله الناقل الأول لمضرب وهو قضية تضمنت طلب الشىء بعد تضييعه والتفريط فيه، ثم فشا استعماله فى مثل تلك القضية مما طلب فيه الشىء بعد التسبب فى ضياعه فى وقت آخر من غير تغيير له فى حالة المضرب عن هيئته فى حالة المورد

(قوله: سمى) أى:

التمثيل

(قوله: لا تغير الأمثال) أى: لا تغير بتذكير ولا بتأنيث ولا بإفراد أو تثنية أو جمع فى حال مضربها عن حال موردها

(قوله: لأن الاستعارة) علّة للمعلل مع علته أى:

وصح هذا الحكم وهو عدم تغير الأمثال لهذه العلة لأن الاستعارة إلخ.

ص: 392