المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دقيقة فى الوجه المركب: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٣

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الفن الثانى علم البيان

- ‌تعريف علم البيان:

- ‌[أبواب علم البيان]:

- ‌ التشبيه

- ‌[وجه التشبيه]:

- ‌الوجه الداخل فى الطرفين والخارج عنهما:

- ‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

- ‌دقيقة فى الوجه المركب:

- ‌[أداة التشبيه]:

- ‌[الغرض من التشبيه]:

- ‌وعالم يعرف بالسجزى

- ‌أشهى إلى النفس من الخبز

- ‌[أقسام التشبيه باعتبار طرفيه]:

- ‌[إما تشبيه مركب بمفرد

- ‌[التشبيه الملفوف والمفروق]:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار أداته:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌مراتب التشبيه:

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة:

- ‌[بقية الكلام عن الحقيقة]:

- ‌[أمثلة على استعمال الكلمة على حقيقتها وعلى غير حقيقتها]:

- ‌[تعريف الوضع]:

- ‌كلامه عن الحروف ومعانيها

- ‌الفرق بين المعنى الإفرادى والمعنى التركيبى

- ‌[إنكار الوضع]:

- ‌[كلامه عن صفات الحروف]:

- ‌بداية الكلام عن المجاز

- ‌أنواع المجاز:

- ‌أقسام المجاز

- ‌[تقسيم المفرد إلى مرسل واستعارة]:

- ‌[الكلام فى المجاز المرسل]:

- ‌[علاقة الجزئية والكلية]:

- ‌[علاقة السببية]:

- ‌[اعتبار ما كان وما يكون]:

- ‌[الاستعارة]:

- ‌[الكلام فى الاستعارة]:

- ‌هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى:

- ‌[مفارقة الاستعارة للكذب]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار المستعار الأصلية والتبعية]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

- ‌[المجاز المركب]:

- ‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

- ‌[اعتراضات على السكاكى]:

- ‌فصل عرف السكاكى إلخ:

- ‌[فصل]: فى شرائط حسن الاستعارة:

- ‌[فصل]: [قد يطلق المجار]

- ‌الكناية

- ‌تعريف الكناية:

- ‌أقسام الكناية:

- ‌الكناية العرضية:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

الفصل: ‌دقيقة فى الوجه المركب:

(بكسر السين)، وهو الكتاب؛ فإنه أمر عقلى منتزع من عدة أمور؛ لأنه روعى من الحمار فعل مخصوص هو الحمل، وأن يكون المحمول أوعية العلوم، وأن الحمار جاهل بما فيها، وكذا فى جانب المشبه.

‌دقيقة فى الوجه المركب:

(واعلم أنه قد ينتزع) وجه الشبه (من متعدد فيقع الخطأ لوجوب انتزاعه

===

حملهم كلا حمل لعدم عملهم

(قوله: بكسر السين) أى: وسكون الفاء لا جمع سفر- بفتح السين والفاء-، إذ ليس المعنى كمثل الحمار يتحمل مشاقّ السفر (وقوله: وهو الكتاب) أى: الكبير كما فى القاموس

(قوله: فإنه) أى: الحرمان المذكور

(قوله: لأنه روعى من الحمار) أى: فى الحمار أى: فى صفته وهو المشبه به

(قوله: جاهل بما فيها) أراد بجهل الحمار عدم انتفاعه؛ لأن الجهل- أى: عدم العلم- يستلزم عدم الانتفاع فذكر الملزوم وأراد اللازم، فاندفع ما يقال: إن الحمار لا يوصف بالجهل؛ لأنه عدم العلم عما من شأنه أن يعلم- أى: عما من شأن نوعه أن يعلم- ونوع الحمار شأنه لا يعلم.

(قوله: وكذا فى جانب المشبه) أى: صفة اليهود فقد روعى فيها فعل مخصوص وهو الحمل المعنوى وكون المحمول أوعية العلم وكونهم جاهلين أى: غير منتفعين بما فيها، والحاصل: أنه قد روعى فى كلّ من الطرفين ثلاثة أمور وقد تقرر أن الطرفين إذا كان فيهما تركيب جاء وجه الشبه مركبا مرعيّا فيه ما يشير إلى ما اعتبر فى الطرفين، فأخذ حرمان الانتفاع الذى اشترك فيه الطرفان من الجهل المعتبر فيهما، وأخذ كون ما حرم الانتفاع به أبلغ نافع من اعتبار كون المحمول فيهما أوعية العلم التى هى أولى ما ينتفع به، وأخذ تحمل التعب فى الاستصحاب من اعتبار حملهم الأمر الغير الخفيف فيهما، ويجب أن يراد بالتعب مطلق المشقة على القوة الحيوانية الصادقة بالمحسوسة كما فى مشقة الحمار، وبالمعقولة كما فى مشقة اليهود، فقد ظهر لك أن حرمان الانتفاع بأبلغ نافع المصاحب لتحمل التعب فى استصحابه مركب عقلى منتزع من عدة أمور، وحينئذ فلا داعى لتقدير هيئة قبل حرمان فى كلام المصنف- تأمل.

(قوله: أنه) أى: وجه الشبه

(قوله: وقد ينتزع) أى: يلاحظ، (وقوله: لوجوب انتزاعه) أى: ملاحظته واستحضاره

(قوله: فيقع الخطأ) أى: من المتكلم حيث لم يأت بما

ص: 135

من أكثر) من ذلك المتعدد (كما إذا انتزع) وجه الشبه (من الشطر الأول من قوله (1):

كما أبرقت قوما عطاشا) فى الأساس: أبرقت لى فلانة: إذا تحسنّت لك وتعرّضت، فالكلام هاهنا على حذف الجار، وإيصال الفعل؛ أى: أبرقت لقوم عطاش؛ جمع عطشان (غمامة فلمّا رأوها أقشعت وتجلّت) أى: تفرّقت وانكشفت،

===

يجب أو من السامع حيث لم يتحقق ما قصده المتكلم مما يجب

(قوله: من أكثر من ذلك المتعدد) أى: فالاقتصار على ذلك المتعدد فى الأخذ يبطل به المعنى المراد

(قوله: كما إذا انتزع من الشطر الأول) أى: مما اشتمل عليه الشطر الأول

(قوله: كما أبرقت) الكاف:

للتشبيه، و" ما" مصدرية، وأبرقت بمعنى ظهرت وتعرضت أى: حال هؤلاء القوم المذكورين فى الأبيات السابقة كحال إبراق أى: ظهور غمامة لقوم عطاش

(قوله: عطاش) فى المختار عطش ضد روى وبابه طرب فهو عطشان وقوم عطشى بوزن سكرى وعطاشى بوزن حبالى وعطاش بالكسر

(قوله: فى الأساس) كتاب فى اللغة للزمخشرى

(قوله: إذا تحسّنت لك) أى: تقول ذلك إذا تزّينت لك

(قوله: وتعرّضت) أى: ظهرت، وهذا محل الشاهد

(قوله: فالكلام هاهنا .. إلخ) هذا تفريع على كلام الأساس أى: إذا علمت ذلك فالكلام هاهنا .. إلخ

(قوله: وإيصال الفعل) أى: للمفعول وهو" قوما" بلا واسطة حرف فإن أبرق لا يتعدى إلا باللام كما علم من كلام الأساس، وقد حذفها الشاعر للضرورة وعدّى الفعل للمفعول

(قوله: أى أبرقت) أى:

الغمامة لقوم أى: ظهرت وتعرضت لهم

(قوله: فما رأوها) أى: وقصدوها بالشرب منها كما يدل عليه فحوى الكلام

(قوله: أقشعت) أى: اضمحلت وذهبت، وهو معنى تجلّت، فهو مرادف لما قبله.

يقال: قشعت الريح السحاب أقشع أى: صار ذا قشع أى: ذهاب- اه.

(1) أورده الطيبى فى شرحه على مشكاة المصابيح بتحقيقي 1/ 107، وأورده القزوينى فى الإيضاح ص 345.

ص: 136

فانتزاع وجه الشبه من مجرّد قوله: كما أبرقت قوما عطاشا غمامة- خطأ (لوجوب انتزاعه من الجميع) أعنى: جميع البيت (فإن المراد التشبيه) أى: تشبيه الحالة المذكورة فى الأبيات السابقة بحالة ظهور غمامة للقوم العطاش، ثم تفرقها وانكشافها، وبقائهم متحيرين (باتصال) أى: باعتبار اتصال؛ فالباء هاهنا مثلها

===

وفى يس: أن تفرقت تفسير لأقشعت (وقوله: وانكشفت) تفسير لتجلت فيفيد أن العطف مغاير

(قوله: فانتزاع وجه الشبه .. إلخ) الحاصل: أن الشاعر قصد تشبيه الحالة المذكورة قبل هذا البيت وهى حال من ظهر له شىء وهو فى غاية الحاجة إلى ما فيه وبنفس ظهور ذلك الشىء انعدم وذهب ذهابا أوجب الإياس مما يرجيه- بحال قوم تعرضت لهم غمامة وهم فى غاية الاحتياج إلى ما فيها من الماء لشدة عطشهم وبمجرد ما تهيئوا للشرب منها تفرقت وذهبت، فإذا سمع السامع قول الشاعر: كما أبرقت قوما عطاشا غمامة وتوهم أن ما يؤخذ منه يكفى فى التشبيه كان ذلك خطأ؛ لأن المأخوذ منه أن قوما ظهرت لهم غمامة وأن تلك الغمامة رجوا منها ما يشرب وأنهم فى غاية الحاجة لذلك الماء لعطشهم، فإذا انتزع ذلك المعنى من هذا الشطر كان حاصل التشبيه: أن الحالة الأولى كالحالة الثانية التى هى إبراق الغمامة لقوم .. إلخ فى كون كل منهما حالة فيها ظهور شىء لمن هو فى غاية الحاجة إلى ما فيه، وهذا خلاف المقصود للشاعر، وكذا لو فرض أن المتكلم اقتصر على هذا الشطر كان خطأ منه؛ لأن المعنى المفاد منه خلاف ما يناسب أن يراد فى التشبيه؛ لأن كل جزء من طرف له نظير من الطرف الآخر فإذا أسقط ما يؤخذ منه ذلك الوجه بطل اعتبار المجموع

(قوله: أى باعتبار) أى: بواسطة اتصال ابتداء مطمع بانتهاء مؤيس أى: ولا شك أن انتهاء الشىء المؤيس إنما يؤخذ من الشطر الثانى، وأشار الشارح بقوله: أى: باعتبار .. إلخ، إلى أن الباء فى قوله باتصال للآلة مثلها فى قوله: نجرت بالقدوم أى: بواسطته، وحينئذ فهى داخلة فى كلام المصنف على وجه الشبه لا أنها صلة للتشبيه كما فى قولك: شبهت زيدا بالأسد، وإلا لاقتضى أن اتصال ابتداء المطمع بانتهاء المؤيس مشبه به مع أن المشبه به هو حال ظهور الغمامة

ص: 137

فى قولهم: التشبيه بالوجه العقلى أعم إذ الأمر المشترك فيه هاهنا هو اتصال (ابتداء مطمع بانتهاء مؤيس) وهذا بخلاف التشبيهات المجتمعة؛ كما فى قولنا: زيد كالأسد، والسيف، والبحر. فإن القصد فيها إلى التشبيه بكل واحد من الأمور على حدة حتى لو حذف ذكر البعض لم يتغير حال الباقى فى إفادة معناه، بخلاف المركب؛ فإن المقصود منه يختل بإسقاط بعض الأمور.

===

للقوم العطاش

(قوله: فى قولهم) أى: أهل هذا الفن

(قوله: بالوجه العقلى) أى: باعتباره وبواسطته (وقوله: أعم) أى: من التشبيه بالوجه الحسى أى: باعتباره وبواسطته وذلك لما مرّ من أنه متى كان الوجه حسيّا فلا يكون الطرفان إلا حسيين، وأما إذا كان الوجه عقليّا فتارة يكونان حسيين، وتارة عقليين، وتارة مختلفين

(قوله: ابتداء مطمع) أى: ابتداء شىء مطمع، وهذا مأخوذ من الشطر الأول وذلك كظهور السحابة للقوم العطاش فى المشبه به وظهور الأمر المحتاج لما فيه فى المشبه (وقوله: بانتهاء مؤيس) أى: شىء مؤيس، وهذا مأخوذ من الشطر الثانى، وذلك كتفرق السحابة وانجلائها فى المشبه به وزوال الأمر المرغوب لما فيه فى المشبه فمصدوق الشىء المؤيس تفرق السحابة، والمراد بانتهائه تمام ذلك التفرق، وإذا علمت أن التشبيه بواسطة الوجه المذكور- أعنى: اتصال ابتداء المطمع بانتهاء المؤيس- وجب انتزاعه من مجموع البيت وكان الانتزاع من الشطر الأول خطأ، لأنه لا يفيد ذلك المعنى بتمامه وذكر اتصال الابتداء بالانتهاء إشارة للسرعة وقصر ما بينهما

(قوله: وهذا) أى: التشبيه المركب المذكور بخلاف التشبيهات المجتمعة، وحاصل ما ذكره من الفرق بينهما: أن الأول لا يجوز فيه حذف بعض ما اعتبره، وإلا اختلّ المعنى ولا تقديم بعض ما اعتبر على بعض بخلاف الثانى

(قوله: زيد كالأسد والسيف والبحر) أى: فى الشجاعة والإضاءة والجود، والمراد بالتشبيهات المجتمعة التى يكون الغرض منها مجرد الاجتماع فى إفادة معناه- أعنى التشبيه المستقل- وفوات اجتماع الصفات فى المخبر عنه ليس تغييرا فى إفادة التشبيه، بل ذلك من عدم ذكر العطف- كما قاله عبد الحكيم.

(قوله حتى لو حذف) تفريع على ما قبله، والمراد بالحذف لازمه وهو الترك، وليس المراد أنه ذكر ثم حذف.

ص: 138

(والمتعدد الحسى كاللون، والطعم، والرائحة فى تشبيه فاكهة بأخرى و) المتعدد (العقلى كحدة النظر، وكمال الحذر، وإخفاء السفاد) أى: نزو الذكر على الأنثى (فى تشبيه طائر بالغراب و) المتعدد (المختلف) الذى بعضه حسى، وبعضه عقلى (كحسن الطلعة) الذى هو حسى (ونباهة الشأن) أى: شرفه، واشتهاره؛ الذى هو عقلى (فى تشبيه إنسان بالشمس) ففى المتعدد يقصد اشتراك الطرفين فى كل من الأمور المذكورة، ولا يعمد إلى انتزاع هيئة منها تشترك هى فيها.

===

(قوله: والمتعدد) أى: ووجه الشبه المتعدد الحسى، وقد مر أن وجه الشبه ثلاثة أقسام: واحد ومركب ومتعدد، ولما فرغ من الأوّلين شرع فى الثالث وهو إما حسى أو عقلى أو مختلف.

(قوله: فى تشبيه فاكهة بأخرى) أى: كتشبيه التفاح الحامض بالسفرجل فى اللون والطعم والرائحة، وكتشبيه النبق بالتفاح فيما ذكر من الأمور الثلاثة، ولا شك أنها إنما تدرك بالحواس، فاللون بالبصر والطعم بالذوق والرائحة بالشم

(قوله: كحدة النظر) أى: الموجبة لإدراك الخفيات؛ لأنها قوته أو سرعته أو جودته، وعلى كل حال فهى أمر عقلى

(قوله: وكمال الحذر) أى: الموجب لكونه لا يؤخذ عن غرة، والحذر بوزن نظر: وهو الاحتراس من العدو

(قوله: أى نزو الذكر على الأنثى) أى: وثوبه عليها، والنّزو- بفتح النون وسكون الزاى- مصدر نزا: كعدا.

ويصح أن يكون مصدر نزا على وزن الفعول فهو كغدا بالغين المعجمة (وقوله: فى تشبيه طائر بالغراب) إنما قال طائر ولم يقل فى تشبيه إنسان بالغراب؛ لأن الإنسان أخفى منه سفادا- كذا قيل، وفيه بعد، لأن الإنسان قد يرى فى تلك الحالة والغراب قيل: إنه لم ير عليها قط، وفى المثل أخفى سفادا من الغراب حتى قيل إنه لا سفاد له معتاد، وإنما له إدخال منقره فى منقر الأنثى

(قوله: كحسن الطلعة) المراد بالطلعة الوجه

(قوله: الذى هو حسى) أى: لأن الحسن مجموع الشكل واللون وهو حسى؛ لأنهما مدركان بالبصر فكذلك الحسن الذى هو مجموعهما

(قوله: ونباهة الشأن) مصدر نبه مثلثا كما رواه ابن طريف- قاله يس.

(قوله: أى شرفه) أى: الشأن، وهذا تفسير للنباهة، (وقوله: واشتهاره) عطف تفسيرىّ بيّن به المراد من الشرف هنا، وقال سم فى حواشى المطول: الظاهر أن مجموع

ص: 139

(واعلم أنه قد ينتزع الشبه) أى: التماثل؛ يقال: بينهما شبه- بالتحريك- أى: تشابه، والمراد به هاهنا ما به التشابه أعنى: وجه الشبه (من نفس التضاد لاشتراك الضدين فيه) أى: فى التضادّ؛ لكون كلّ منهما مضادّا للآخر

===

قوله شرفه واشتهاره تفسير لنباهة الشأن فليس مجرد أحدهما هو التفسير ولا أن الاشتهار تفسير للشرف، خلافا لما تقدم من تقرير شيخنا اللقانى، إذ ليس مجرد الاشتهار بدون الشرف نباهة إلا أن يراد الاشتهار بالشرف ومحصل ذلك: أن المجموع تفسير، ولا شك أن الشرف والاشتهار لا يدركان بالبصر ولا بغيره من الحواس وإنما يدركان بالعقل وإن كان سبب كلّ منهما قد يكون حسيّا

(قوله: أنه) أى: الحال والشأن

(قوله: أى التماثل) أشار به إلى أن الشبه- بفتح الشين والباء- اسم مصدر بمعنى التشابه والتماثل

(قوله: أى تشابه) أى: تماثل

(قوله: والمراد به هاهنا .. إلخ) أشار به إلى أنه ليس المراد بالشبه هنا المعنى المصدرى وهو التشابه بل ما يقع به التشابه من إطلاق المصدر على المفعول، إذ هو الذى يتعلق به الانتزاع

(قوله: من نفس التضادّ ..

إلخ) حاصله: أنا إذا قلنا: ما أشبه الجبان بالأسد فى الشجاعة أو زيد الجبان كالأسد فى الشجاعة كان وجه الشبه منتزعا من التضاد أى: من ذى التضاد أى: من المتضادّين؛ وذلك لأننا ننزل تضاد الجبن والشجاعة منزلة تناسبهما لأجل التمليح أو التهكم، فصار الجبن مناسبا للشجاعة وبمنزلتها؛ لأن التناسب التنزيلى مشترك بين الجبن والشجاعة ليكون كلّ منهما مناسبا للآخر وصار الجبان مناسبا للشجاع، فإذا شبهناه به صار كأنه قام به شجاعة، فإذا أخذ وجه الشبه منهما كان هو الشجاعة وإن كانت فى المشبه به حقيقة وفى المشبه ادّعاء وأخذ وجه الشبه من المتناسبين تنزيلا لا يخرج عن كونه مأخوذا من المتضادين فى الواقع؛ لأن التناسب تنزيلى إذا علمت هذا فقول المصنف قد ينتزع وجه الشبه من نفس التضاد أى: من ذى التضاد من غير ملاحظة أمر سوى التضاد بمعنى أن التضادّ يجعل وسيلة لجعل الشىء وجه شبه لا أنه يعتبر ما يتعلق بالتضاد كما تعتبر الهيئة المنتزعة من أشياء فيما تقدم؛ لأن هذا لا يصح هنا، والمراد بالتضاد التنافى سواء كان تضادّا وتناقضا أو شبه تضادّ، وإنما صح جعل التضاد وسيلة

ص: 140

(ثم ينزل) التضاد (منزلة التناسب بواسطة تمليح)

===

لما ذكر لاشتراك الضدين اللذين هما الطرفان هنا فيه فلما اشتركا فيه صح أن يتخيل أن التضاد كالتناسب فينزل منزلته بواسطة أن كلّا منهما مشترك فيه فترتفع الضدية الكائنة بين الطرفين، فإن قلت: إذا كان الاشتراك فى التضاد كافيا فى أخذ الوجه المقتضى لنفى الضدية بواسطة تنزيل ذلك التضاد منزلة التناسب صح أن يقال:

السماء كالأرض فى الانخفاض، والأرض كالسماء فى الارتفاع، والسواد كالبياض فى تفريق البصر، والبياض كالسواد فى عدمه، ونحو هذا مما لم يصح وروده عن البلغاء، وإنما قلنا بصحته ضرورة أن كل ذلك وجد فيه الاشتراك فى التضاد المصحح لتنزيله منزلة التناسب على ما مر.

قلت: اعتبار الاشتراك لتصحيح أخذ الوجه بواسطة التنزيل المقتضى للمناسبة إنما هو لزيادة توجيه الصحة دفعا لاستغراب أخذ المناسبة من التضاد، وإلا فلا يكفى مجرد الاشتراك، وإلا لزم ما ذكر، بل لا بد فى صحة الأخذ من زيادة وجود تمليح أو تهكّم- كما أشار لذلك المصنف بقوله: بواسطة .. إلخ، وما ذكر من هذه الأمور ليس فيه تمليح ولا تهكّم.

(قوله: ثم ينزل .. إلخ) المتبادر أنه عطف على قوله: ينتزع الشبه من نفس التضاد- وفيه نظر، فإن التنزيل سابق على انتزاع الوجه من المتضادين؛ لأن التضاد ينزل منزلة التناسب ثم ينتزع الوجه من الضدين لا أن التنزيل مفرع على الانتزاع كما توهمه عبارة المصنف، وأجيب بأن ثم للترتيب الإخبارى فكأنه قال قد ينتزع الشبه من نفس التضاد، ثم أخبرك أنه ينزل .. إلخ وإن كان التنزيل متقدما على الانتزاع، أو يقال: المراد بالانتزاع قصده أى: قد يقصد انتزاع الشبه من نفس التضاد، ثم ينزل ..

إلخ لا يقال: هذا وإن أفادته جهة الترتيب، لكن لم تقع ثم فى موقعها، إذ المحل للفاء؛ لأنه لا تراخى بين القصد المذكور والتنزيل؛ لأنا نقول كما تكون ثم لتراخى أول المعطوف عن المعطوف عليه تكون لتراخى آخره والتنزيل منزلة التناسب إنما يتم بالتهكم والتمليح- كما أشار له بقوله: بواسطة تمليح أو تهكم فهو من تتمّته فتراخى

ص: 141

أى: إتيان بما فيه ملاحة وظرافة. يقال: ملّح الشاعر إذا أتى بشىء مليح، وقال الإمام المرزوقى فى قول الحماسى:

أتانى من أبى أنس وعيد

فسلّ لغيظة الضحّاك جسمى (1)

===

التنزيل بآخره عن قصد الانتزاع، أو يجاب بأن قوله: ثم ينزل بالنصب بأن مضمره عطفا على قوله: لاشتراك من عطف الفعل على الاسم الخالص من التأويل بالفعل، فكأنه قال للاشتراك والتنزيل وعبر بثم لتباعد ما بينهما فإن الاشتراك حقيقىّ والتنزيل ادعائىّ محض

(قوله: أى إتيان بما فيه ملاحة وظرافة) أى: من حيث إزالة السآمة والكدر عن السامع وجلب الانشراح له

(قوله: ملّح الشاعر) بتشديد اللام ومصدره التمليح كفرّح بالتشديد تفريحا

(قوله: وقال الإمام المرزوقى) القصد من نقل كلامه شيئان.

الأول: الإشارة إلى أن" أو" فى قول المصنف بواسطة تمليح أو تهكم لمنع الخلو فتجوز الجمع، ووجه الإشارة من كلام المرزوقى إلى ذلك أنه عبر بالواو دون أو.

الثانى: أفاد أن المقابل للهزؤ والتهكم هو التمليح بتقديم الميم أعنى الإتيان بكلام فيه ملاحة وظرافة لا التلميح الذى هو الإشارة إلى قصة أو شعر أو مثل، ووجه الإشارة من كلامه إلى ذلك أنه جعل البيت من قبيل التمليح، ومعلوم أنه ليس فيه إشارة إلى قصة أو شعر أو مثل فيعلم أن التمليح خلاف التلميح المفسر بما ذكر، وحينئذ فتكون تسوية الشارح العلّامة الشيرازى بينهما فاسدة، والإمام المرزوقى قدوة فيما يفهم من كلام العرب لممارسته له، فلا يصح أن يرد عليه جعل البيت من قبيل التمليح

(قوله: أتانى ..

إلخ) البيت لشقيق بن سليك الأسدى. والوعيد: التخويف، وسل على صيغة المبنى للمجهول وجسمى نائب الفاعل أى: ذاب أو أبلى بالسّلّ وهو مرض خاص، والغيظ:

الغضب الكامن، وفى نسخة فسل تغير الضحاك جسمى وعلى هذه النسخة فسّل بالبناء للفاعل بمعنى أذاب وتغير الضحاك فاعل، وجسمى: مفعوله، والضحاك: اسم أبى أنس وعبّر بالظاهر موضع المضمر بيانا لعين المستهزأ به بذكر الاسم العلم تحقيرا لشأنه، وقيل

(1) البيت للحماسى فى شرح عقود الجمان 2/ 18.

ص: 142

إن قائل هذه الأبيات قد قصد بها الهزؤ والتمليح، وأما الإشارة إلى قصة، أو مثل، أو شعر؛ فإنما هو التلميح- بتقديم اللام على الميم- وسيجىء ذكره فى الخاتمة.

والتسوية بينهما إنما وقعت من جهة العلامة الشيرازى- رحمه الله تعالى- وهو سهو.

(أو تهكم) أى: سخرية واستهزاء (فيقال للجبان: ما أشبهه بالأسد، وللبخيل: هو حاتم) كل من المثالين صالح للتمليح، والتهكم، وإنما يفرق بينهما بحسب المقام؛ فإن كان القصد إلى ملاحة وظرافة دون استهزاء وسخرية بأحد فتمليح، وإلا فتهكم.

===

إن الضحاك اسم ملك من الملوك الماضية قتله الملك إفريزون أطلق على أبى أنس زيادة فى التهكم لتضمنه تشبيه به على وجه الهزؤ والسخرية أو التمليح، فكأنه قال: فسل جسمى من غيظ هذا الذى هو كالملك الفلانى، ولا يخفى ما فيه من الاستهزاء والتمليح

(قوله: قصد بها الهزؤ والتمليح) أى: الاستهزاء بأبى أنس وإضحاك السامعين وإزالة الملل عنهم

(قوله: فى الخاتمة) أى: خاتمة البديع

(قوله: بينهما) أى: بين مقدم الميم ومؤخرها هنا؛ حيث فسر التمليح هنا بتقديم الميم بالإشارة إلى قصة أو مثل أو شعر وجعل ما أشبهه بالأسد إذا قيل للجبان مثالا للتهكم لا للتمليح، وجعل: هو حاتم مثالا للتمليح فقط.

(قوله: وهو سهو) أى: من وجهين: - الأول: أن الإشارة إلى قصة أو شعر أو مثل إنما هو التمليح بتقديم اللام، وأما التمليح بتقديم الميم فهو الإتيان بما فيه ملاحة وظرافة. الأمر الثانى: أن قولنا للجوّاد هو حاتم ليس فيه إشارة لشىء من قصة حاتم فلا وجه لتعين جعله للتمليح على ما قال.

(قوله: صالح للتمليح والتهكم) أى: صالح لكل منهما

(قوله: وإلا فتهكم) ظاهره وإلا يكن كذلك وهو صادق بأن لا يقصد الملاحة والظرافة وإن كانا حاصلين وقصد ما بعدهما من الهزؤ والسخرية، وبما إذا لم يقصد شيئا، وبما إذا يقصد كلّا من الملاحة والظرافة والاستهزاء والسخرية، مع أنه لا يكون تهكما إلا فى الأولى، وأما فى الأخيرة فهو تهكم وتمليح، ثم إن قصد الشارح بيان مفهوم كل واحد على انفراده فلا ينافى اجتماعهما كما قلنا.

ص: 143

وقد سبق إلى بعض الأوهام- نظرا إلى ظاهر اللفظ- أن وجه التشبيه- فى قولنا للجبان: هو أسد، وللبخيل: هو حاتم هو التضاد المشترك بين الطرفين باعتبار الوصفين المتضادين- وفيه نظر؛ لأنا إذا قلنا: الجبان كالأسد فى التضاد أى: فى كون كلّ منهما مضادّا للآخر لا يكون هذا من التمليح والتهكم فى شىء، كما إذا قلنا: السواد كالبياض فى اللونية، أو فى التقابل، ومعلوم أنا إذا أردنا التصريح بوجه الشبه فى قولنا للجبان: هو أسد- تمليحا، أو تهكما- لم يتأتّ لنا إلا أن نقول:

فى الشجاعة، لكن الحاصل فى الجبان إنما هو ضد الشجاعة فنزلنا تضادّهما منزلة التناسب، وجعلنا الجبن بمنزلة الشجاعة على سبيل التمليح والهزؤ.

===

(قوله: نظرا إلى ظاهر اللفظ) أى: لفظ المصنف وهو قوله: اشتراك الضدين فيه، ونظرا: منصوب على التمييز، أو على الحال من بعض المضاف، أو من المضاف إليه لا مفعولا لأجله لعدم الاتحاد فى الفاعل؛ لأن فاعل سبق أن وجه الشبه وفاعل النظر ذلك المتوهم

(قوله: هو التضاد) الجملة خبر أن

(قوله: الوصفين المتضادين) وهما الجبن والشجاعة والكرم والبخل لا باعتبار حقيقتى الموصوفين

(قوله: لا يكون هذا من التمليح والتهكم فى شىء) أى: وحينئذ لا حاجة لقول المصنف، ثم ينزل منزلة التناسب بل لا معنى له أصلا؛ لأنه خلاف الواقع وكذلك لا حاجة لقوله بواسطة تمليح أو تهكم، بل لا معنى له، بل لا معنى لقوله: قد ينتزع الشبه من نفس التضاد لاتحاد المنتزع والمنتزع منه ولا معنى له

(قوله: كما إذا قلنا .. إلخ) تنظير بما قبله

(قوله: ومعلوم .. إلخ) هذا ردّ آخر لما سبق لبعض الأوهام، وحاصله: أن وجه التشبيه يصح التصريح به والتضاد لا يصح التصريح به فى قولك تمليحا أو تهكما للجبان هو كالأسد، إذ لو قلت فى التضاد لخرجت عن مقام التمليح والتهكم، وإنما تقول فى مقامهما فى الشجاعة، (وقوله: لكن الحاصل .. إلخ) دفع لما يرد من أن وجه الشبه ما يشترك فيه الطرفان، والجبان ليس بشجاع فلا اشتراك، فكيف صح جعل الشجاعة وجه الشبه؟ وحاصل الدفع: أننا نزلنا تضادهما منزلة تناسبهما وجعلنا الجبن بمنزلة الشجاعة، فالجبان شجاع تنزيلا فجاء الاشتراك

(قوله: تمليحا .. إلخ) أى: على وجه التمليح أو التهكم.

ص: 144