الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يفيد اللزوم- قلنا: ليس معنى اللزوم هاهنا امتناع الانفكاك فى الذهن، أو الخارج، بل تلاصق واتصال ينتقل بسببه من أحدهما إلى الآخر فى الجملة، وفى بعض الأحيان، وهذا متحقق فى كل أمرين بينهما علاقة وارتباط.
[الاستعارة]:
(والاستعارة) وهى مجاز تكون علاقته المشابهة-
…
===
فإن معناه الحقيقى لا يستلزم معناه المجازى وهو البالغون، وكذلك العصير لا يستلزم الخمر، وكذلك النادى لا يستلزم أهله لصحة خلوه عنهم، وكذا الرحمة لا تستلزم الجنة لصحة وقوعها فى غيرها كما فى الدنيا، وكذا اللسان لا يستلزم الذكر لصحة السكوت
(قوله: لا يفيد اللزوم) أى: وإذا كان لا يفيد اللزوم فلا وجه لجعلها علاقات؛ لأن العلاقة أمر يحصل بسببه الانتقال من المعنى الحقيقى للمعنى المجازى لاستلزامه له.
(قوله: قلنا .. إلخ) حاصله: أنه ليس المراد باللزوم هنا اللزوم الحقيقى- أعنى:
امتناع الانفكاك فى الذهن أو الخارج، بل المراد به الاتصال ولو فى الجملة فينتقل بسببه من أحدهما إلى الآخر وهذا متحقق فى جميع أنواع العلاقة
(قوله: تلاصق) أى: تعلق (وقوله: واتصال) أى: ارتباط وعطف الاتصال تفسير (وقوله: فى الجملة) متعلق بينتقل، وكان الأولى أن يقول: ولو فى الجملة (وقوله: وفى بعض الأحيان) تفسير للانتقال فى الجملة
(قوله: وهذا متحقق فى كل أمرين بينهما علاقة وارتباط) أى: فثبت أن أنواع العلاقة كلها تفيد اللزوم وبطل ما قاله السائل.
[الكلام فى الاستعارة]:
(قوله: والاستعارة) مبتدأ، وقوله: قد تقيد خبره، والجملة عطف على قوله:
والمرسل كاليد، وأعاد الشارح فيما يأتى المبتدأ لطول الفصل، وكتب شيخنا الحفنى: أن الظاهر حذف الواو من قوله: وهى مجاز ليكون مدخولها خبر الاستعارة؛ لأن الشارح قدر خبرها فى المتن وهو قد تقيد خبرا لمبتدأ محذوف- اه.
ثم إن المراد بالاستعارة فى كلام المصنف الاستعارة التصريحية: وهى التى يذكر فيها المشبه به دون المشبه، وأما المكنية: وهى التى لا يذكر فيها إلا المشبه فسيأتى، يفردها
أى: قصد أن الإطلاق بسبب المشابهة، فإذا أطلق المشفر على شفة الإنسان فإن قصد تشبيهها بمشفر الإبل فى الغلظ والتدلّى- فهو استعارة، وإن أريد أنه من إطلاق المقيد على المطلق، كإطلاق المرسن على الأنف من غير قصد إلى التشبيه- فمجاز مرسل
…
===
المصنف فى فصل ويأتى حكمة ذلك
(قوله: أى: قصد .. إلخ) أشار بهذا إلى أن وجود المشابهة فى نفس الأمر بدون قصدها لا يكفى فى كون اللفظ استعارة، بل لا بدّ من قصد أن إطلاق اللفظ على المعنى المجازى بسبب التشبيه بمعناه الحقيقى لا بسبب علاقة أخرى غيرها مع تحققها
(قوله: فإذا أطلق المشفر) بكسر الميم: شفة البعير
(قوله: وإن أريد أنه من إطلاق المقيد) أى: اسم المقيد وهو مشفر فإنه اسم للمقيد وهو شفة البعير وتوضيح المقام: أن المشفر إذا أطلق- أى: جرد عن قيده وهو إضافته للبعير- واستعمل فى شفة الإنسان من حيث إنها فرد من أفراد مطلق شفة- كان مجازا مرسلا بمرتبة وهى التقييد بناء على التحقيق من اعتبار العلاقة وصف المنقول عنه، أما على القول باعتبار العلاقة وصف المنقول إليه فهى الإطلاق وإن أطلق المشفر عن قيده، ثم قيد بالإنسان كان مجازا مرسلا بمرتبتين التقييد ثم الإطلاق؛ لاستعمال المقيد أولا فى المطلق، ثم استعمل ثانيا المطلق فى مقيد آخر، فقول الشارح: وإن أريد أنه من إطلاق اسم المقيد أى: شفة البعير وقوله: على المطلق هو شفة الإنسان باعتبار ما تحقق فيها من مطلق شفة فمشفر أطلق على شفة الإنسان باعتبار ما تحقق فيها من مطلق شفة، لا من حيث كونها شفة مقيدة بالإنسان وإلا كان من إطلاق المقيد على المقيد.
(قوله: كإطلاق المرسن على الأنف) المرسن: [بفتح الميم وكسر السين وفتحها أيضا] وأما ضبط الجوهرى له بكسر الميم فهو غلط، والمرسن: مكان الرسن من البعير أو الدابة مطلقا ومكان الرسن هو الأنف؛ لأن الرسن عبارة عن حبل يجعل فى أنف البعير فالمرسن فى الأصل أنف البعير، فإذا أطلق عن قيده واستعمل فى أنف الإنسان باعتبار ما تحقق فيه من مطلق أنف كان مجازا مرسلا وإذا استعمل فى أنف الإنسان للمشابهة كأن يكون فيه اتساع وتسطيح كأنف الدابة كان استعارة، والمرسن كالمشفر يجوز فيه الأمران
فاللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد قد يكون استعارة، وقد يكون مجازا مرسلا.
والاستعارة (قد تقيد بالتحقيقية) لتتميز عن التخييلية والمكنّى عنها (لتحقق معناها)
…
===
بالاعتبارين خلافا لما يوهمه كلام الشارح من أن إطلاق المرسن على الأنف يتعين أن يكون من المجاز المرسل
(قوله: فاللفظ الواحد) أى: كمشفر قد يكون استعارة .. إلخ بحث فيه بأنه مجاز مرسل بالنسبة إلى المفهوم الكلى وهو مطلق شفة واستعارة بالنسبة إلى خصوص شفة الإنسان، ولا شك فى تغاير المعنيين وتعددهما، وحينئذ فلم يتم قول الشارح بالنسبة للمعنى الواحد، وقد يقال: مراد الشارح: أن اللفظ الواحد إطلاقه على المعنى الواحد قد يكون سبيله الاستعارة، وقد يكون سبيله المجاز المرسل، فشفة الإنسان لها اعتباران: خصوص كونها شفة الإنسان، وكونها تحقق فيها المفهوم الكلى وهو مطلق شفة، فاستعمال مشفر فى شفة الإنسان بالاعتبار الأول سبيله الاستعارة واستعماله فيها بالاعتبار الثانى سبيله المجاز المرسل، فظهر أن اللفظ الواحد يصح فيه الإرسال، والاستعارة فى ما صدق واحد باعتبارين والمفهوم مختلف كما علمت
(قوله: قد تقيد) قد للتحقيق كقوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ (1) وليست للتقليل؛ لأن تقييدها بالتحقيقية كثير فى نفسه، ويحتمل أن تكون للتقليل؛ لأن إطلاق الاستعارة عن التقييد المذكور هو الأكثر وعند إطلاقها تكون شاملة للتحقيقية والتخييلية والمكنى عنها.
(قوله: لتتميز عن التخييلية والمكنّى عنها) لأن معنى التحقيقية محققة فتخرج التخييلية؛ لأنها عند المصنف كالسلف ليست لفظا فلا تكون محققة المعنى، وأما السكاكى فهى وإن كانت لفظا عنده إلا أنها غير محققة المعنى؛ لأن معناها عنده أمر وهمىّ وتخرج المكنية أيضا عند المصنف؛ لأنها عنده التشبيه المضمر فى النفس وهو ليس بلفظ فلا تكون محققة المعنى، وأما عند السلف فهى داخلة فى التحقيقية؛ لأنها اللفظ المستعار المضمر فى النفس وهو محقق المعنى فكذا هى داخلة فيها على مذهب السكاكى؛
(1) النور: 64.
أى: ما عنى بها واستعملت هى فيه (حسّا أو عقلا) بأن يكون اللفظ قد نقل إلى أمر معلوم يمكن أن ينصّ عليه، ويشار إليه إشارة حسية، أو عقلية.
فالحسىّ (كقوله (1):
===
لأنها عنده لفظ المشبه ومعناه محقق وهو المشبه به كالأسد
(قوله: أى: ما عنى بها) وهو المعنى المجازى لا المعنى الحقيقى كما قد يتبادر من المتن
(قوله: واستعملت هى فيه) صفة جرت على غير من هى له فلذا أبرز الضمير بخلاف ما قبله
(قوله: حسّا أو عقلا) منصوبان على نزع الخافض أو على الظرفية المجازية والعامل فيهما تحقق، والمراد بتحقق معناها فى الحس: أن يكون معناها مما يدرك بإحدى الحواسّ الخمس فيصح أن يشار إليه إشارة حسية بأن يقال: نقل اللفظ لهذا المعنى الحسى وبالتحقق العقلى أن لا يدرك معناه بالحواس، بل بالعقل بأن كان له تحقق وثبوت فى نفسه، بحيث لا يصح للعقل نفيه فى نفس الأمر والحكم ببطلانه، فتصح الإشارة إليه إشارة عقلية بأن يقال: هذا الشىء المدرك الثابت عقلا هو الذى نقل له اللفظ، وهذا بخلاف الأمور الوهمية، فإنها لا ثبوت لها فى نفسها، بل بحسب الوهم، ولذا كان العقل لا يدركها ثابتة ويحكم ببطلانها دون الوهم
(قوله: بأن يكون) أى: بسبب أن يكون
(قوله: إلى أمر معلوم) أى: وهو المعنى المجازى.
(قوله: ويشار إليه إشارة حسية) أى: لكونه مدركا بإحدى الحواسّ الخمس، وكلام الشارح يومئ للقول بأن اسم الإشارة موضوع للمحسوس مطلقا، وتقدم أنه خلاف التحقيق والحق أنه موضوع للمحسوس بحاسة البصر فقط وأن استعماله فى المحسوس بغير تلك الحاسة مجاز، (وقوله: ويشار إليه
…
إلخ) عطف تفسير لما قبله
(قوله: أو عقلية) أى: لكونه له ثبوت فى نفسه وإن كان غير مدرك بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، بل بالعقل
(قوله: كقوله) أى: كالأسد فى قول زهير بن أبى سلمى [بضم السين وسكون اللام وفتح الميم] وتمام البيت:
له لبد أظفاره لم تقلّم
(1) شطر بيت لزهير بن أبى سلمى من معلقته المشهورة، ديوانه ص 73، المعلقات العشر ص 84، شرح المرشدى على عقود الجمان ص 40 ج 2، ص 48 ج 2.
لدى أسد شاكى السلاح) أى: تامّ السلاح (مقذّف- أى: رجل شجاع)
…
===
وبعده:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
…
ثمانين عاما لا أبا لك يسأم
ومهما يكن عند امرئ من خليقة
…
وإن خالها تخفى على النّاس تعلم
(قوله: لدى أسد) أى: أنا عند أسد أى: رجل شجاع فشبه الرجل الشجاع بالحيوان المفترس، وادعى أنه فرد من أفراده واستعير اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية التحقيقية؛ لأن المستعار له وهو الرجل الشجاع محقق حسّا لإدراكه بحاسة البصر
(قوله: أى تامّ السلاح) تفسير لشاكى السلاح، فشاكى صفة مشبهة أى:
تامّ سلاحه فإضافته لفظية لا تفيده تعريفا، فلذا وقع صفة للنكرة وهو مأخوذ من الشوكة يقال: رجل ذو شوكة أى: رجل ذو أضرار، فأصله شاوك قلب قلبا مكانيّا، فصار شاكو فقلبت الواو ياء لوقوعها متطرفة بعد كسرة، وفسرت شوكة السلاح بتمامه؛ لأن تمام السلاح عبارة عن كونه أهلا للإضرار فيكون معنى تمامه شدة حدته وجودة أصله ونفوذه عند الاستعمال، ويحتمل أن يكون تفسيرها هنا بالتمام؛ لأن تمامه- أى: اجتماع آلاته- يدل على قوة مستعمله فيفهم منه أنه ذو شوكة أى إضرار ونسب إلى السلاح لاستلزامه هذا المعنى فى صاحبه والخطب فى ذلك سهل- اه يعقوبى.
(قوله: مقذّف) هو اسم مفعول من قذفه رمى به، وهو يحتمل معنيين- أحدهما: أنه قذف به فى الحروب ورمى به فيها كثيرا حتى صار عارفا بها فلا تهوله، وثانيهما: أنه قذف باللحم ورمى به أى: زيد فى لحمه حتى صار له جسامة- أى:
سمن- ونبالة- أى: غلظ- فعلى المعنى الأول يكون قوله: مقذّف تجريدا لملاءمته المستعار له، وعلى المعنى الثانى لا يكون مقذف تجريدا ولا ترشيحا لملاءمته لكل من المستعار منه والمستعار له، ويحتمل أن يكون مقذف اسم فاعل ويكون المعنى: أن هذا الأسد من الرجال قذف بلحم أعدائه ورمى به عند تقطيع أجسامهم فصار من جملة المعدودين من أهل القوة الأسدية التى بها توصل وتمكن من تقطيع لحم الحيوانات ورميه به، وعلى هذا فيكون قوله: مقذف ترشيحا لملاءمته المستعار منه بتمحل- فتأمل.
أى: قذف به كثيرا إلى الوقائع، وقيل: قذف باللحم ورمى به فصار له جسامة ونبالة. ف الأسد هاهنا مستعار للرجل الشجاع؛ وهو أمر متحقق حسّا.
(وقوله) أى: والعقلى كقوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (1) أى:
الدين الحق) وهو ملّة الإسلام، وهذا أمر متحقق عقلا. قال المصنف- رحمه الله تعالى- فالاستعارة ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له،
…
===
(قوله: أى قذف) بكسر الذال مخففة فى المحلين لا مشددة كما قيل، وإلا صار قوله كثيرا ضائعا
(قوله: ورمى به) تفسيرا لما قبله أى: زاد الله أجزاء لحمه حتى صار لحمه كثيرا فالباء للتعدية
(قوله: جسامة) أى: سمن ونبالة أى: غلظ وهو عطف لازم
(قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أى: فالصراط المستقيم فى الأصل: هو الطريق الذى لا اعوجاج فيه استعير للدين الحق بعد تشبيهه به استعارة تصريحية تحقيقية ووجه الشبه التوصل إلى المطلوب فى كلّ، وإنما كانت تحقيقية؛ لأن المستعار له وهو الدين الحق محقق عقلا؛ وذلك لأن الدين الحق المراد به ملّة الإسلام بمعنى الأحكام الشرعية وهى لها تحقق وثبوت فى نفسها
(قوله: قال المصنف) أى: فى الإيضاح والقصد من نقله لكلام المصنف إفادة أن المصنف يجعل" زيد أسد" تشبيها بليغا لا استعارة؛ لأن حد الاستعارة لا يصدق عليه، والاعتراض عليه بما سيأتى بقوله: وفيه بحث
(قوله: فالاستعارة) أى: مطلقا من غير تقييد بكونها تحقيقية؛ بدليل أنه لم يذكر فى هذا التعريف تحقق المعنى حسّا أو عقلا.
(قوله: ما تضمن تشبيه معناه بما وضع له) أى: لفظ تضمن تشبيه معناه المراد منه حين إطلاقه وهو المعنى المجازى بمعناه الحقيقى الذى وضع هو له فالضمير فى وضع راجع لما الأولى لا الثانية، فالصلة جارية على غير من هى له، والمراد بتضمن اللفظ لتشبيه معناه بشىء: إفادة ذلك التشبيه بواسطة القرينة من حيث إنه لا يصلح أن يستعمل فيه إلا بعلاقة المشابهة لعدم صحة الحمل حينئذ. قال فى الأطول: وقد أفاد هذا التعريف الذى ذكره المصنف أن اللفظ لا يستعار من المعنى المجازى، وإن كان مشهورا فيه لمعنى مجازى آخر؛ لأن المعنى المجازى لم يوضع له اللفظ- اه أى: وأما تشبيه
(1) سورة الفاتحة، آية:6.
والمراد ب معناه: ما عنى باللفظ، واستعمل اللفظ فيه؛ فعلى هذا يخرج من تفسير الاستعارة نحو: زيد أسد، ورأيت أسدا، ومررت بزيد أسدا؛ مما يكون اللفظ مستعملا فيما وضع له، وإن تضمن تشبيه شىء به؛ وذلك لأنه إذا كان معناه
===
المعنى المجازى بشىء آخر وإثبات لازمه له فهذا لا ضرر فيه كما فى قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (1) فإنه شبه ما غشى أهل تلك القرية التى كفرت بنعم الله عند جوعهم وخوفهم من الصفرة وانتقاع اللون والنحول- باللباس بجامع الاشتمال فى كلّ واستعير اللباس لذلك استعارة تصريحية تحقيقية، ثم شبه أيضا ما غشيهم عند جوعهم وخوفهم بمطعوم مرّ بشع تشبيها مضمرا فى النفس على طريق الاستعارة بالكناية، وإثبات الإذاقة تخييل. ففى الآية ثلاث استعارات: تحقيقية ومكنية وتخييلية
(قوله: والمراد بمعناه ما عنى باللفظ واستعمل اللفظ فيه) يعنى الآن حال إطلاقه أى: وليس المراد بمعناه المعنى الذى وضع له اللفظ وضعا مقيدا بكونه أصليّا ولا يضرّ بيان هذه الإرادة فى التعريف وإن كان المراد بالمعنى عند الإطلاق ما ذكر؛ لأن التنبيه عليه لزيادة البيان
(قوله: فعلى هذا) أى:
فإذا فرعنا على هذا الحدّ المذكور- وهو أن الاستعارة لفظ تضمن تشبيه معناه بما وضع له- يخرج من تفسيرها أسد ونحوه: كحمار وبدر من قولك: زيد أسد أو حمار أو بدر فلا يكون استعارة، بل هو تشبيه بليغ بحذف الأداة، فقول الشارح: نحو: زيد أسد فيه حذف كما علمت أى: نحو: أسد من قولك: زيد أسد
(قوله: مما يكون اللفظ) بيان للنحو وكان الأولى أن يقول من كل لفظ استعمل فيما وضع له
(قوله: وإن تضمن) أى: ذلك اللفظ المستعمل فيما وضع له، (وقوله: به) أى: بمعناه الموضوع له، ولا شك أن لفظ الأسد فى الأمثلة السابقة مستعمل فى المعنى الذى وضع هو له وهو الحيوان المفترس وإن تضمن تشبيه شىء وهو زيد به، لكن ذلك الشىء ليس معنيّا بذلك اللفظ، وحينئذ فلا يكون ذلك اللفظ مجازا فلا يكون استعارة
(قوله: وذلك) أى: وبيان ذلك أى: خروج لفظ الأسد فى الأمثلة المذكورة عند حدّ الاستعارة
(قوله: لأنه) أى الحال والشأن (وقوله: إذا كان معناه) أى: معنى لفظ
(1) النحل: 112.
عين المعنى الموضوع له لم يصح تشبيه معناه بالمعنى الموضوع له؛ لاستحالة تشبيه الشىء بنفسه، على أن ما فى قولنا: ما تضمن عبارة عن المجاز بقرينة تقسيم المجاز إلى الاستعارة وغيرها، وأسد فى الأمثلة المذكورة ليس بمجاز؛
…
===
الأسد المستعمل فيه فى الأمثلة المذكورة
(قوله: عين الموضوع له) أى: لا المعنى المجازى وهو الرجل الشجاع
(قوله: لم يصح تشبيه معناه) أى: المستعمل فيه وهو عين الموضوع له أى: لا يصح أن يقال فيه: شبه معناه المستعمل فيه بمعناه الموضوع له لما فيه من تشبيه الشىء بنفسه وتشبيه الشىء بنفسه محال، والحاصل: أن قولنا: تضمن هذا تشبيه معناه بما وضع له يقتضى أن هاهنا معنى استعمل فيه اللفظ وآخر وضع له شبه أحدهما بالآخر، فإذا كان ما استعمل فيه هو معناه الذى وضع له اتحد المشبه والمشبه به وهذا فاسد، وحينئذ فيؤخذ من تعريف الاستعارة السابق أن نحو: الأسد فى الأمثلة المذكورة خارج بطريق اقتضاء التعريف المغايرة فيكون هذا الخارج من قبيل التشبيه البليغ لا من الاستعارة
(قوله: لاستحالة .. إلخ) أورد عليه أن كون اللفظ مستعملا فيما وضع له مشبها بما وضع له لا يقتضى تشبيه الشىء بنفسه- ألا ترى أن المشترك إذا شبه بعض معانيه ببعض، واستعمل فى المشبه صدق عليه أنه لفظ استعمل فى معناه الذى وضع له متضمنا تشبيهه بالمعنى الذى وضع له ضرورة أنه وضع لهما معا وليس فيه تشبيه الشىء بنفسه، وأجيب بأنا لا نسلم أن المشترك إذا استعمل بتلك الحيثية يصدق عليه أنه لفظ استعمل فى معناه الذى وضع له متضمنا تشبيهه بالمعنى الذى وضع له؛ لأن المشترك موضوع بأوضاع متعددة فهو من حيث وضعه لمعنى يكون ما عداه غير ما وضع له من حيث ذلك الوضع وإن كان موضوعا له بوضع آخر، وحينئذ فالمشترك المذكور داخل فى الاستعارة لصدق حدّها عليه حيث استعمل المشترك بتلك الحيثية
(قوله: على أن ما .. إلخ) هذه العلاوة من تتمّة كلام المصنف مقوية لما ذهب إليه من إخراج الأسد فى الأمثلة المذكورة عن الاستعارة، وحاصلها: أنه لا يحتاج فى إخراج الأسد فى تلك الأمثلة عن الاستعارة إلى اقتضاء التشبيه المغايرة بين المعنى وما وضع له وإلا لزم تشبيه الشىء بنفسه؛ لأن لنا شيئا يغنينا عن هذا التطويل المذكور وهو أن تقول: إن لفظ الأسد فى الأمثلة كلها خارج عن التعريف بقوله ما تضمن؛ لأن ما واقعة على المجاز، وأسد فى
لكونه مستعملا فيما وضع له- وفيه بحث؛ لأنا لا نسلّم أنه مستعمل فيما وضع له، بل فى معنى الشجاع،
…
===
الأمثلة ليس بمجاز وليست واقعة على لفظ حتى يحتاج للإخراج بما ذكر وإن صح الإخراج به أيضا، وإنما كانت ما واقعة على مجاز؛ لأنا إذا قسمنا المجاز أولا إلى استعارة وغيرها، ثم أردنا تفسير الاستعارة من القسمين بعد التقسيم، فالأنسب: أن يؤخذ فى تعريفها الجنس الجامع لقسمى المجاز دون ما هو أبعد لخروجه عن تعريف مطلق المجاز، وإنما كان الأنسب: أن يؤخذ المجاز جنسا؛ لأنه هو الأقرب للنوع الذى أريد تمييزه عن مقابله، وحينئذ تكون ما عبارة عنه
(قوله: لكونه مستعملا فيما وضع له) هذا آخر كلام المصنف فى الإيضاح
(قوله: وفيه بحث) أى: فى كلام المصنف بحث من حيث إخراجه الأسد فى الأمثلة المذكورة عن الاستعارة
(قوله: لا نسلّم أنه) أى: الأسد فى الأمثلة المذكورة.
(قوله: مستعمل فيما وضع له) أى: الحيوان المفترس
(قوله: بل فى معنى الشجاع) أى: وحينئذ لفظ أسد له معنيان شبه معناه المراد منه وهو الشجاع الذى زيد فرد من أفراده بالمعنى الموضوع له وهو الحيوان المفترس، واستعير اسمه له فيكون أسد حينئذ مجازا بالاستعارة لصدق تعريفها الذى ذكره المصنف عليه، وليس هناك جمع بين الطرفين لما علمت أن زيدا ليس هو المشبه بالأسد الحقيقى، بل المشبه كلى زيد المذكور وهو الشجاع، (وقوله: بل فى معنى الشجاع) أى: بل يختار ويرجح أنه مستعمل فى معنى الشجاع، فالشارح لا يمنع جواز أن يكون مستعملا فيما وضع له وأن يكون التركيب من باب التشبيه البليغ بأن يكون سوق الكلام لإثبات تشبيه زيد بالأسد- كذا قيل، وهذا بعيد من عبارة الشارح المذكورة- فتأمل.
واعلم أنه ليس المراد بمعنى الشجاع صورته الذهنية من حيث وجودها وحصولها فى الذهن، إذ لا يصح تشبيهها بالأسد قطعا مع أن التشبيه معتبر فى الاستعارة، بل المراد به الذات المبهمة المشبهة بالأسد وتعلق الجار بالأسد على هذا باعتبار أنه إنما يطلق على تلك الذات مأخوذة مع ذلك الوصف، فكان الوصف جزء مفهومه المجازى- اه فنرى.
فيكون مجازا، واستعارة؛ كما فى: رأيت أسدا يرمى- بقرينة حمله على زيد- ولا دليل لهم على أن هذا على حذف أداة التشبيه، وأن التقدير: زيد كأسد.
واستدلالهم على ذلك بأنه قد أوقع الأسد على زيد- ومعلوم أن الإنسان لا يكون أسدا، فوجب المصير إلى التشبيه بحذف أداته؛ قصدا إلى المبالغة- فاسد؛
…
===
(قوله: فيكون مجازا) أى: لأنه مستعمل فى غير ما وضع له (وقوله: واستعارة) أى: لأنه لفظ تضمن تشبيه معناه المراد منه بالمعنى الذى وضع له
(قوله: بقرينة حمله) متعلق بمستعمل المقدر فى قوله، بل فى معنى الشجاع أى: بل مستعمل فى معنى الشجاع بقرينة حمله، ويصح أن يكون متعلقا بقوله: فيكون مجازا، وحينئذ يكون جوابا عمّا يقال المجاز مشروط بوجود القرينة المانعة من إرادة الحقيقة ولا قرينة هنا، وحاصل الجواب: أنا لا نسلّم عدم القرينة هنا، بل هنا قرينة وهى حمله على زيد، ولا يقال: إنه لا دلالة للحمل على كون الأسد مستعملا فى معنى الشجاع لجواز أن يراد به المعنى الموضوع له وتقدر الأداة؛ لأنا نقول يكفى فى القرينة ما هو الظاهر ومسخ الكلام بالتقدير مما لا يلتفت إليه
(قوله: ولا دليل لهم) أى: للقوم التابع لهم المصنف أى: لا دليل لهم صحيح منتج لدعواهم من أن أسدا فى الأمثلة المذكورة مستعمل فى حقيقته، وعلى هذا فلا منافاة بين قوله: ولا دليل لهم، وبين قوله: بعد واستدلالهم
…
إلخ- تأمل.
(قوله: على أن هذا) أى: نحو زيد أسد.
(قوله: على حذف أداة .. إلخ) أى: محمول على حذف أداة التشبيه وأن التقدير: زيد كالأسد حتى يكون أسد مستعملا فيما وضع له
(قوله: واستدلالهم) مبتدأ خبره فأسد الآتى (وقوله: على ذلك) أى: على ما ذكر من أن أسدا ونحوه فى الأمثلة المذكورة مستعمل فى حقيقته، وأنه محمول على حذف أداة التشبيه
(قوله: بأنه قد أوقع الأسد على زيد) أى: حمل عليه وأخبر به عنه
(قوله: أن الإنسان لا يكون أسدا) أى:
فمقتضاه أن يكون حمله عليه غير صحيح لوجوب كون المحمول عين الموضوع فى المعنى
(قوله: فوجب المصير) أى: الرجوع
(قوله: بحذف أداته) الباء للملابسة أى: الملابس لحذف أداته
(قوله: قصدا إلى المبالغة) علّة للحذف أى: وإنما حذفت الأداة لأجل قصد
لأن المصير إلى ذلك إنما يجب إذا كان أسد مستعملا فى معناه الحقيقى.
وأما إذا كان مجازا عن الرجل الشجاع- فحمله على زيد صحيح، ويدل على ما ذكرنا: أن المشبه به فى مثل هذا المقام كثيرا ما يتعلق به الجارّ والمجرور،
===
المبالغة فى زيد بإيهام أنه عين الأسد
(قوله: لأن المصير إلى ذلك) أى: التشبيه بحذف الأداة
(قوله: فحمله على زيد صحيح) لأن المعنى زيد رجل شجاع، والحاصل: أن قولنا: زيد أسد أصله: زيد رجل شجاع كالأسد، فحذف المشبه وأداة التشبيه، وتنوسى التشبيه، واستعمل المشبه به فى معنى المشبه على سبيل الاستعارة؛ لأن المشبه- وهو الذات المتصفة بالشجاعة- لم يذكر لفظه، وقد ذكر المشبه به مكانه مخبرا به عن زيد، وأما زيد فليس مشبها به إلا من حيث كونه ذاتا صدقت عليها الشجاعة، وبتلك الحيثية أخبر عنه، وأما من حيث إنه شخص عين بهذا العلم فليس مشبها. هذا وقد ضعف بعضهم ما قاله الشارح من البحث: بأنه لا بدّ من المبالغة فى الاستعارة ولا مبالغة فى قولنا: زيد رجل شجاع كالأسد، فإن الحكم باتحاد زيد بالرجل الشجاع والتشبيه بالأسد يفيد تشبيه زيد بالأسد ولا مبالغة فيه، وردّ بأنه إذا استعمل لفظ المشبه به فى المشبه وهو الرجل الشجاع كان تشبيهه به مفروغا منه مسلما والمقصود الحكم بالاتحاد كما فى: رأيت أسدا يرمى، فإن تشبيه الرجل الشجاع بالأسد مفروغ منه والمقصود إيقاع الرؤية عليه، فحصلت المبالغة فى الرجل الشجاع باستعمال لفظ المشبه به فيه وجعله فردا ادعائيّا له- فتأمل.
(قوله: على ما ذكرنا) أى: من أن أسدا مستعمل فى الرجل الشجاع لا فى الحيوان المفترس الذى وضع له
(قوله: فى مثل هذا المقام) أى: فى هذا المقام وما ماثله من كل تركيب ذكر فيه المشبه به والمشبه بحسب الصورة ولم تذكر الأداة
(قوله: كثيرا ما يتعلق به الجارّ والمجرور) أى: وتعلق الجارّ والمجرور به دليل على أنه مؤول بمشتق:
كشجاع ومجترئ ونحوهما، فإن الشجاع مشتق من الشجاعة والمجترئ من الجراءة، ولو كان المشبه به مستعملا فى معناه الحقيقى ما تعلق به الجارّ والمجرور لكونه جامدا
كقوله:
أسد علىّ وفى الحروب نعامة (1)
أى: مجترئ صائل علىّ، وكقوله:
===
حينئذ، والجامد لا يتعلق به الجار والمجرور
(قوله: كقوله: أسد علىّ) أى: كقول عمران ابن قحطان مفتى الخوارج وزاهدهم- خطابا للحجاج توبيخا له أى: أنت أسد علىّ وأنت نعامة فى الحروب.
فعلى متعلق بأسد لكونه بمعنى مجترىء صائل، وفى الحروب متعلق بنعامة لكونه بمعنى جبان؛ لأن النعامة من أجبن الحيوانات، وتمام البيت:
فتحاء تنفر من صفير الصّافر
والفتحاء بالحاء المهملة والمد: المسترخية الجناحين عند النزول والمراد من قوله تنفر من صفير الصافر: أنه يترعج من مجرد الصدى. وبعد البيت المذكور:
هلا برزت إلى غزالة فى الوغى
…
بل كان قلبك فى جناحى طائر
الخطاب فى برزت للحجاج، وغزالة هى امرأة شبيب الخارجى، وكان يضرب المثل بشجاعتها، نقل أنها هجمت الكوفة ليلا فى ثلاثين فارسا، وكان الحجاج فى الكوفة وصحبته ثلاثون ألف مقاتل، فخرج هاربا بهم فصلّت صلاة الصبح فيها وقرأت فى تلك الصلاة سورة البقرة
(قوله: أى مجترئ) تفسير للمعنى المجازى المشبه بالأسد؛ وذلك لأن أسدا لا يصح تعلق الجارّ والمجرور به، إلا إذا كان فيه معنى الفعل ولا يكون فيه معنى الفعل إلا إذا قصد منه الاجتراء، والاجتراء لا يكون مقصودا منه إلا إذا استعمل فيه مجازا، وأما عند استعماله فى المعنى الحقيقى فلا يقصد منه الاجتراء وإن كان الاجتراء حاصلا وفرق بين حصول الشىء قصدا وحصوله من غير قصد. نعم، يمكن أن يقال من طرف المصنف: إن الجار والمجرور متعلق بالأداة لما فيها من معنى الفعل وهو أشبه
(1) هو لعمران بن قحطان مفتى الخوارج، شعر الخوارج 64، اتجاهات الشعر فى العصر الأموى [ط دار الثقافة العربية] ص 190.