الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والطّير أغربة عليه (1)
أى: باكية وقد استوفينا ذلك فى الشرح.
هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى:
واعلم أنهم قد اختلفوا فى أن الاستعارة مجاز لغوى، أو عقلى؛
…
===
كما قيل فى قوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) فإن" بمجنون" متعلق بما فيها من معنى الفعل أى: انتفى ذلك بنعمة ربك، وكذا يقال هنا: المعنى أنت تشبه الأسد بالنسبة إلى، وحذف ما يتعلق به الجار والمجرور شائع
(قوله: والطير أغربة عليه .. إلخ) هذا بعض بيت لأبى العلاء المعرى من قصيدة يرثى بها الشريف الطاهر الموسوى مطلعها:
أودى فليت الحادثات كفاف
…
حال المسيف وعنبر المستاف (3)
وتمام البيت المذكور فى الشرح:
…
بأسرها
…
فتح السّراة وساكنات لصاف
أودى أى: هلك وفاعله حال المسيف، وكفاف: اسم معدول مثل قطام أى: ليت الحادثات تكف الأذى، واستاف الرجل إذا ذهب ماله، والفتح بالضم: جمع فتحاء من الفتح وهو اللين يقال: عقاب فتحاء؛ لأنها إذا انحطت كسرت جناحها وهذا لا يكون إلا من اللين. والسراة بفتح السين المهملة: جبال باليمن يكون فيها هذا وغيره، وبضم الشين المعجمة جبال بالشام، ولصاف: جبل طيئ، والشاهد فى قوله:" والطير أغربة عليه" فإنه ليس المراد بالأغربة الطير المعروف، إذ لا معنى له هنا، بل المراد الطير باكية عليه، فعليه متعلق بأغربة وهى فى الأصل اسم للطير المعروف وهو جامد، ولا يصح تعلق الجار به، فاستعمله الشاعر فى الباكية فصح تعلق الجار به، وإنما نقل لفظ الأغربة إلى معنى الباكية؛ لأن الغراب يشبه به الباكى الحزين، إذ يزعمون أن الغراب يعلم بالموت ومن لازم ذلك التحزن وعلى ما قال المصنف فالمعنى: أن كل الطيور فى الحزن على ذلك المرثى مثل الأغربة الباكية عليه
(قوله: واعلم .. إلخ) أشار الشارح بهذا إلى أن كلام المصنف مرتب على محذوف
(قوله: أو عقلى) أى: لا بمعنى الإسناد إلى غير من هو له، بل بالمعنى الآتى.
(1) بعض بيت لأبى العلاء المعرى من قصيدة يرثى بها الشريف الطاهر الموسوى؛ مطلعها:
أودى فليت الحادثات كفاف
…
حال المسيف وعنبر المستاف.
(2)
القلم: 2.
(3)
لأبى العلاء المعرى.
فالجمهور على أنها مجاز لغوى- بمعنى: أنها لفظ استعمل فى غير ما وضع له لعلاقة المشابهة (ودليل أنها) أى: الاستعارة (مجاز لغوى: كونها موضوعة للمشبه به، لا للمشبه، ولا للأعم منهما) أى: من المشبه والمشبه به فأسد فى قولنا: رأيت أسدا يرمى" موضوع للسبع المخصوص، لا للرجل الشجاع، ولا لمعنى أعم من السبع والرجل كالحيوان المجترئ مثلا؛
…
===
(قوله: فالجمهور على أنها مجاز لغوى) أى: وعليه مشى المصنف سابقا، حيث قال فيما مرّ: وقد يقيدان- أى: الحقيقة والمجاز- باللغويين، ثم قسم المجاز اللغوى إلى استعارة ومجاز مرسل فتكون الاستعارة حينئذ مجازا لغويا
(قوله: بمعنى .. إلخ) أتى بهذه العناية دفعا لتوهم أن المراد باللغوى ما قابل الشرعى والعرفى والعقلى، فأفاد بها أن المراد باللغوى ما قابل العقلى فقط.
(قوله: ودليل .. إلخ) حاصل ما ذكره من الدليل أن تقول: الاستعارة لفظ استعمل فى غير ما وضع له لعلاقة وقرينة وكل ما هو كذلك فهو مجاز لغوى، فالاستعارة مجاز لغوى ودليل كلّ من الصغرى والكبرى النقل عن أئمة اللغة، وأشار المصنف بقوله: كونها موضوعة للمشبه به لا للمشبه إلى الصغرى؛ لأن هذا فى قوة قولنا: الاستعارة لفظ استعمل فى غير ما وضع له؛ لأنها موضوعة للمشبه به لا للمشبه المستعمل فيه اللفظ
(قوله: أى الاستعارة) يعنى المصرحة؛ لأن الكلام فيها
(قوله: للمشبه به) أى: كالأسد بالنسبة إلى السبع المخصوص (وقوله: لا للمشبه) أى: كالرجل الشجاع
(قوله: ولا للأعم منهما) أى:
وهو الشجاع مطلقا أى: رجلا كان أو أسدا، إذ لو كان اللفظ موضوعا للأعم منهما لكان متواطئا أو مشككا فيكون حقيقة بالنسبة لكلّ منهما، وإذا كان اللفظ لم يوضع للمشبه ولا للقدر المشترك بين المشبهين المستلزم لكون إطلاقه على كلّ منهما حقيقة كان استعماله فى المشبه مجازا لغويّا، إذ يصدق عليه حينئذ أنه لفظ استعمل فى غير ما وضع له، وهذا هو معنى المجاز اللغوى
(قوله: موضوع للسبع المخصوص) أى: والقرينة المانعة من إرادة المعنى الموضوع له كيرمى فى المثال لا تمنع من الوضع له أو إنما تمنع من إرادة المعنى الحقيقى الموضوع له
(قوله: كالحيوان المجترئ) مثال للمعنى الأعم
ليكون إطلاقه عليهما حقيقة، كإطلاق الحيوان على الأسد والرجل، وهذا معلوم بالنقل عن أئمة اللغة قطعا، فإطلاقه على الرجل الشجاع إطلاق على غير ما وضع له مع قرينة مانعة عن إرادة ما وضع له- فيكون مجازا لغويّا.
وفى هذا الكلام دلالة على أن لفظ العامّ إذا أطلق على الخاصّ لا باعتبار خصوصه بل باعتبار عمومه فهو ليس من المجاز فى شىء- كما إذا لقيت زيدا فقلت: لقيت رجلا، أو إنسانا، أو حيوانا، بل هو حقيقة إذ لم يستعمل اللفظ إلا فى معناه الموضوع له.
===
والمجترئ مأخوذ من الجراءة
(قوله: ليكون .. إلخ) علّة للمنفى- أعنى: الوضع للمعنى الأعم، وقوله: عليهما أى: على السبع والرجل الشجاع
(قوله: كإطلاق الحيوان .. إلخ) أى: فحيوان موضوع للمعنى الأعم من الأسد والرجل، وهو الجسم النامى الحساس المتحرك بالإرادة، وحينئذ فاستعماله فى كلّ من الأسد والرجل حقيقة.
(قوله: وهذا) أى: كون الأسد موضوعا للسبع المخصوص وليس موضوعا للرجل ولا للمعنى الأعم منه ومن السبع
(قوله: فإطلاقه) أى: الأسد فى قولنا: رأيت أسدا يرمى
(قوله: فيكون مجازا لغويّا) أى: لا عقليّا
(قوله: وفى هذا الكلام) أعنى قول المصنف ولا للأعم منهما
(قوله: بل باعتبار عمومه) أى: تحقق العام فيه وأنه فرد من أفراده وهل هذا شرط حين الإطلاق أو الشرط إنما هو إطلاقه عليه من غير ملاحظة الخصوص- كذا نظر يس، والظاهر من إضراب الشارح الأول
(قوله: فهو ليس من المجاز فى شىء) أى:
وأما لو أطلق عليه باعتبار خصوصه كان مجازا، وعبارة ابن يعقوب: وقد تقرر بهذا أن اللفظ الموضوع للمعنى الأعم إذا استعمل فيما يوجد فيه ذلك الأعم من حيث إنه متحقق فيه فهو حقيقة، فإذا قلت: رأيت إنسانا وأردت بالإنسان زيدا، ولكن من حيث إنه إنسان لا من حيث إنه زيد- أى: شخص مسمى بهذا الاسم- فإنه يكون حقيقة، وكذلك قولك: رأيت رجلا تريد زيدا من حيث وجود الرجولية فيه فإنه يكون حقيقة، ولو استعمل العام فى الخاص من حيث خصوصه أى: للإشعار بخصوصه وجعل ارتباطه بمعنى العام الموجود فيه واسطة للاستعمال، وجعل إطلاق
(وقيل إنها) أى: الاستعارة: (مجاز عقلى- بمعنى: أن التصرف ....
===
اللفظ من حيث استعمال لفظ العام فى الخاص بسبب ملابسة العام للخاص فى الجملة كان مجازا، ومن ثم كان العام الذى أريد به الخصوص مجازا عند الأصوليين قطعا ومثل العام المتواطئ إذا استعمل فى أحد أفراده من غير قصد إشعار بالأعم فيه ولا يضر فى التجوز عدم إشعار الأعم بالأخص وعدم استلزامه إياه من حيث خصوصه لما تقدم أن الملازمة فى الجملة تكفى فى التجوز- اه.
وما ذكره من أن استعمال العامّ فى الخاصّ باعتبار عمومه حقيقة، وأما استعماله فيه من حيث خصوصه فمجاز مثله فى بحث المعرف باللام فى المطول حيث قال ما حاصله: أن اسم الجنس وعلم الجنس إذا أطلقا على الفرد باعتبار الخصوص كان مجازا، وإذا أطلقا على الحقيقة فى ضمن الفرد كان حقيقة، ونقل شيخنا الحفنى فى حاشيته على رسالة الوضع عن الكمال بن الهمام: أن استعمال العام فى الخاص حقيقة مطلقا بناء على أن اللام فى قولهم فى تعريف الحقيقة: الكلمة المستعملة فيما وضعت له لام الأجل أى: فيما وضعت لأجله واسم الكلى إنما وضع ليستعمل فى الجزئى- وتأمله
(قوله: بمعنى: أن التصرف .. إلخ) الأولى بمعنى أنها تصرف عقلى أى: ذات تصرف عقلى وأشار المصنف بقوله: بمعنى .. إلخ إلى أنه ليس المراد بالمجاز العقلى هنا إسناد الشىء لغير من هو له؛ لأنه إنما يكون فى الكلام المركب المحتوى على إسناد وهو غير متحقق هنا، بل المراد هنا بالمجاز العقلى التصرف فى أمر عقلى- أى: يدرك بالعقل- وهو المعانى العقلية والتصرف فيها بادعاء أن بعضها وهو المشبه داخل فى البعض الآخر وهو المشبه به وجعل الآخر شاملا له على وجه التقدير، ولو لم يكن كذلك فى نفس الأمر وحسن ذلك الإدخال وجود المشابهة بينهما فى نفس الأمر، ثم إنه يلزم من كون التصرف فى أمر عقلى كون التصرف نفسه عقليّا؛ لأن جعل ما ليس بواقع واقعا فى التقدير والاعتقاد بناء على مناسبة المشابهة أمر عقلى: وعلم مما ذكرنا: أن المجاز العقلى يطلق على أمرين- أحدهما: إسناد الشىء لغير من هو له، والثانى: التصرف فى المعانى العقلية على خلاف ما فى الواقع
(قوله: أن التصرف) أى: وهو الادعاء المذكور.
فى أمر عقلى لا لغوى؛ لأنها لم تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله) أى:
دخول المشبه (فى جنس المشبه به) بأن جعل الرجل الشجاع فردا من أفراد الأسد (كان استعمالها) أى: الاستعارة فى المشبه استعمالا (فيما وضعت له)
…
===
(وقوله: فى أمر عقلى) أى: وهو جعل الرجل الشجاع فردا من أفراد الأسد حقيقة
(قوله: لا لغوى) أى: لا فى أمر لغوى وهو اللفظ بمعنى أن المتكلم لم ينقل اللفظ إلى غير معناه وإنما استعمله فى معناه بعد أن تصرف فى تلك المعانى وصيّر بعضها نفس غيرها، وبعد تصيير المعنى معنى آخر جىء باللفظ وأطلق على معناه بالجعل وإن لم يكن معناه فى الأصل
(قوله: لأنها .. إلخ) هذا دليل لكونها ليست مجازا لغويّا، وحاصله: أن الاستعارة مستعملة فيما وضعت له بعد الادعاء وكل ما هو كذلك لا يكون مجازا لغويّا. ينتج أن الاستعارة ليست مجازا لغويّا، بل عقليّا؛ لأن الكلام فى المجاز لا فى الحقيقة وسند الصغرى قوله: لأنها لما لم تطلق .. إلخ
(قوله: لأنها) أى: الاستعارة بمعنى الكلمة كلفظ أسد (وقوله: على المشبه) أى: كالرجل الشجاع.
(قوله: بأن جعل .. إلخ) الباء للسببية
(قوله: استعمالا) الظاهر أنه حل معنى ولا حاجة له فى حل الإعراب، إذ يصح تعلق قوله: فيما وضعت له بقوله: استعمالها على أن كان تامّة، وعلى أنها ناقصة فالخبر الجار والمجرور
(قوله: استعمالا فيما وضعت له) أى: لأن العقل صيّر المشبه من أفراد المشبه به الذى وضع اللفظ المستعار لحقيقتها، فتصير الاستعارة حينئذ مستعملة فيما وضعت له لا فيما لم توضع له، وقد تقدم أن المجاز اللغوى: هو ما استعمل فى غير ما وضع له، وحينئذ فلا تكون الاستعارة مجازا لغويّا، بل هى على هذا التقدير حقيقة لغوية لاستعمالها فيما وضعت له بعد الادعاء والإدخال فى جنس المشبه به فالتجوّز فى الحقيقة إنما كان فى المعانى بجعل بعضها نفس غيرها، ثم أطلق اللفظ فتسميته مجازا عقليّا ظاهر نظرا لسبب إطلاقه، وأما تسميتها استعارة فباعتبار إعطاء حكم المعنى للفظ؛ لأن المستعار فى الحقيقة على هذا هو معنى المشبه به بجعل حقيقته لما ليس حقيقة له وهو المشبه، ولما تبع ذلك إطلاق اللفظ سمى استعارة- ا. هـ يعقوبى.
وإنما قلنا: إنها لم تطلق على المشبه إلا بعد ادّعاء دخوله فى جنس المشبه به؛ لأنها لو لم تكن كذلك لما كانت استعارة؛ لأن مجرد نقل الاسم لو كان استعارة لكانت الأعلام المنقولة استعارة، ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة؛ إذ لا مبالغة فى إطلاق الاسم المجرد عاريا عن معناه،
…
===
(قوله: وإنما قلنا) أى: على لسان المصنف وإلا فالمناسب إنما قال
(قوله: لو لم تكن كذلك) أى: مطلقة على المشبه بعد الادعاء، بل أطلقت عليه بدون الادعاء المذكور، وهذا الدليل الذى أشار له بقوله: لأنها .. إلخ: من قبيل دليل الخلف وهو المثبت للمدعى بإبطال نقيضه واللوازم التى ذكرها الشارح ثلاثة- فقوله: لما كانت استعارة لازم أول أى: ولكن التالى باطل فكذا المقدم فثبت نقيضه وهو المدعى، وكذا يقال فى بقية اللوازم الآتية.
(قوله: لما كانت استعارة) أى: لأن حقيقة الاستعارة نقل اللفظ بمعناه للمستعار لا نقل مجرد اللفظ خاليا عن المعنى
(قوله: لأن مجرد نقل الاسم) أى: لأن نقل الاسم عن معناه لمعنى آخر مجردا عن المبالغة والادعاء
(قوله: لكانت الأعلام المنقولة) - أى: كزيد مسمى به رجل بعد تسمية آخر به- استعارة لمجرد وجود النقل فيه ولا قائل به، ويرد بأن نفى الادعاء لا يستلزم أن اللفظ لم يبق فيه إلا مجرد الإطلاق حتى يصح كون الأعلام المنقولة التى هى من الحقيقة استعارة؛ وذلك لأن النقل بواسطة علاقة التشبيه والأعلام لا علاقة فيها أصلا، فلم يلزم من نفى ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به كون الأعلام المنقولة يصح أن تكون استعارة لعدم وجود أصل التشبيه فيها
(قوله: ولما كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة) أى: إنه يلزم لو لم تراع المبالغة المقتضية لإدخال المشبه فى جنس المشبه به الذى بنى عليه كون الاستعارة مجازا عقليّا أن لا تكون الاستعارة أبلغ من الحقيقة، بل تكون مساوية لها مع أنهم جازمون بأن الاستعارة أبلغ من الحقيقة
(قوله: إذ لا مبالغة فى إطلاق الاسم المجرد) أى: عن الادعاء (وقوله: عاريا عن معناه) أى: الحقيقى ولو بحسب الادعاء، والمعنى: أن الاسم إذا نقل إلى معنى ولم يصحبه اعتبار معناه الأصلى فى ذلك المعنى المنقول إليه لم يكن فى إطلاق ذلك الاسم على ذلك المعنى المنقول
ولما صح أن يقال لمن قال: رأيت أسدا-
…
===
إليه مبالغة فى جعله كصاحب ذلك الاسم، كما فى الحقيقة المشتركة والمنقولة، فإنه لما لم يصحبها معناها الأصلى انتفت المبالغة فى إلحاق المعنى المنقول إليه بالغير، ورد ما ذكره من أن نفى الادعاء المذكور يلزم منه مساواة الاستعارة للحقيقة فى نفى المبالغة بأنه إن أريد بنفى المبالغة نفى المبالغة فى التشبيه فيصير كأصل التشبيه أو كما لا تشبيه فيه أصلا ففاسد من وجهين- أحدهما: أنه مصادرة حيث علّل الشىء بنفسه؛ لأن نفى المبالغة فى التشبيه يعود إلى معنى نفى ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به. والآخر: أن نفى تلك المبالغة لا يستلزم نفى كون الاستعارة أبلغ من الحقيقة؛ لأن الأبلغية الموجودة فى الاستعارة دون الحقيقة هى الأبلغية الموجودة فى سائر أنواع المجاز وهى كون المجاز كادعاء الشىء بالدليل على ما سيأتى، وتلك لم توجد فى الحقيقة سواء كانت تشبيها أو غيره، وإن أريد بنفى المبالغة شىء آخر فلم يتصور حتى يحكم عليه
(قوله: ولما صح أن يقال .. إلخ) يعنى أنه يلزم من نفى ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به فى الاستعارة أن من قال: رأيت أسدا يرمى وأراد بالأسد زيدا لا يقال فيه إنه جعله أسدا، كما لا يقال لمن سمى ولده أسدا أنه جعله أسدا لاستواء الإطلاقين فى عدم ادعاء دخول ما أطلق عليه اللفظ فى جنس صاحب الاسم، مع أن من قال: رأيت أسدا يرمى وأراد بالأسد زيدا على سبيل الاستعارة يقال فيه: إنه جعل زيدا أسدا قطعا وما ذاك إلا باعتبار دخول المشبه فى جنس المشبه به، فثبت المدعى وهو أن الاستعارة لم تطلق إلا بعد إدخال المشبه فى جنس المشبه به فكانت مجازا عقليّا، فإن قلت:
يخدش هذا الوجه الثالث فى كلام الشارح أن قولهم: جعله أسدا يجرى فى زيد أسد مع أنه لم يوجد فيه الادعاء المذكور ضرورة أنه تشبيه وليس باستعارة، وجوابه: أن الادعاء المذكور متحقق أيضا فى زيد أسد، إذ ليس المعنى على تقدير أداة التشبيه لما سبق تحقيقه، بل جعله فردا من أفراد الأسد ادعاء. فإن قلت: ذلك الادعاء لا يتحقق فى المعرف- يعنى زيد الأسد- بل المعنى على تقدير أداة التشبيه، مع أنه يقال لمن قاله أيضا جعل زيدا أسدا. قلت:
إن ثبت قولهم بذلك فى الصورة المذكورة كان مرادهم أنه جعله شبيها بالأسد فهو على حذف مضاف ولا يجرى هذا فى الاستعارة- ا. هـ فنرى.
وأراد به زيدا- أنه جعله أسدا، كما لا يقال لمن سمى ولده أسدا أنه جعله أسدا؛ إذ لا يقال: جعله أميرا- إلا وقد أثبت فيه صفة الإمارة، وإذا كان نقل اسم المشبه به إلى المشبه تبعا لنقل معناه إليه- بمعنى: أنه أثبت له معنى الأسد الحقيقى ادّعاء ثم أطلق عليه اسم الأسد- كان الأسد مستعملا فيما وضع له، فلا يكون مجازا لغويّا، بل عقليّا- بمعنى: أن العقل جعل الرجل الشجاع من جنس الأسد- وجعل ما ليس فى الواقع واقعا مجاز عقلى.
===
(قوله: وأراد .. إلخ) أى: بالأسد زيدا.
(قوله: إنه جعله أسدا) أى: صيّره أسدا وإنما كان لا يقال لمن قال ذلك إنه جعل زيدا أسدا؛ لأن جعل إذا كان بمعنى صيّر- كما هنا- تعدى إلى مفعولين، ويفيد إثبات صفة لشىء فيكون مدلول قولك: فلان جعل زيدا أسدا أنه أثبت الأسدية له، ولا شك أن مجرد نقل لفظ الأسد لزيد وإطلاقه عليه من غير ادّعاء دخوله فى جنسه ليس فيه إثبات أسدية له.
(قوله: أنه جعله أسدا) أى صيّره
(قوله: إذ لا يقال جعله أميرا إلا وقد أثبت فيه صفة الإمارة) أى: ومن سمى ولده أسدا لم يثبت فيه الأسدية بمجرد إطلاق لفظ الأسد عليه
(قوله: وإذا كان) هذا مرتبط بما أنتجه الدليل السابق، وحاصله: أنه رتب على انتفاء الادعاء المذكور فى الاستعارة ثلاثة لوازم وكل منها باطل فيكون ملزومها- وهو انتفاء الادعاء المذكور فى الاستعارة- باطلا فيثبت نقيضه وهو اعتبار الادعاء المذكور فى الاستعارة، وإذا كان الادعاء المذكور معتبرا فيها فيكون اسم المشبه به إنما نقل للمشبه تبعا لنقل معناه إليه وإذا كان .. إلخ
(قوله: بمعنى أنه .. إلخ) أى: لأنك لما جعلت الرجل الشجاع فردا من أفراد الحيوان المفترس كان ذلك المعنى الكلى وهو الحيوان المفترس متحققا فيه، فحينئذ يكون نقل لفظ الأسد للرجل الشجاع بعد نقل معناه له، فيكون استعمال اسم الأسد فى الرجل الشجاع استعمالا فيما وضع له، وظهر لك من هذا أن المستعار فى الحقيقة على هذا هو معنى المشبه به بجعل حقيقته لما ليس حقيقة له وهو المشبه، ولما تبع ذلك إطلاق اللفظ سمى استعارة تبعا لاستعارة
(ولهذا) أى: ولأن إطلاق اسم المشبه به على المشبه إنما يكون بعد ادعاء دخوله فى جنس المشبه به (صح التعجب فى قولك: قامت تظلّنى)(1) أى:
توقع الظلّ علىّ (من الشمس
…
نفس أعزّ علىّ من نفسى
قامت تظلّلنى ومن عجب شمس)
…
===
المعنى
(قوله: ولهذا) أى: ولأن إطلاق اسم المشبه به أى: ولأجل أن إطلاق اسم المشبه به المسمى بالاستعارة
(قوله: إنما يكون بعد ادعاء دخوله فى جنس المشبه به) أى:
المترتب عليه كون الاستعارة مستعملة فيما وضعت له وأنها مجاز عقلى، فهذا له مدخل فى صحة التعجب عند هذا القائل- وسيأتى الجواب عنه، وأنه لا مدخل له فى الصحة.
(قوله: فى قوله) أى: قول ابن العميد فى غلام جميل قام على رأسه يظلّله من حرّ الشمس، وهو أبو الفضل محمد بن الحسين كاتب ديوان الإنشاء والرسائل للملك نوح بن نصر، مدحه الصاحب بن عباد بقصائد كثيرة منها (2):
قالوا ربيعك قد قدم
…
فلك البشارة بالنعم
قلت الربيع أخو الشتا
…
أم الربيع أخو الكرم
قالوا الذى بنواله
…
يغنى المقلّ من العدم
قلت الرئيس ابن العمي
…
د إذن فقالوا لى نعم
(قوله: أى توقع الظل علىّ) فسره بذلك؛ لأن التظليل على ما فى التاج إيقاع الظل
(قوله: من الشمس) أى: من حرّها وضمن التظليل معنى المنع فلذا عدّاه بمن أى: تمنعنى من حر الشمس
(قوله: نفس) فاعل قامت ولذلك اتصلت به تاء التأنيث وإن كان القائم غلاما
(قوله: أعزّ علىّ) صفة لنفس وجملة تظلّلنى فى محل نصب على الحال، والتقدير قامت نفس هى أعزّ علىّ من نفسى مظلّلة لى من الشمس
(قوله: قامت) فاعله ضمير يعود على النفس، والجملة مؤكدة لما قبلها (وقوله: ومن عجب) خبر مقدم،
(1) شرح المرشدى على عقود الجمان ج 2 ص 40، والشعر لأبى الفضل بن العميد، نهاية الإيجاز ص 252، والطراز 1/ 203، والمصباح 129.
(2)
الشعر لأبى الفضل بن العميد، ونسبته إليه فى شرح المرشدى على عقود الجمان 2/ 40 ونهاية الإيجاز 252، والمصباح 129.
أى: غلام كالشمس فى الحسن والبهاء (تظلّلنى من الشمس)
فلولا أنه ادعى لذلك الغلام معنى الشمس الحقيقى وجعله شمسا على الحقيقة لما كان لهذا التعجب معنى؛ إذ لا تعجب فى أن يظلّل إنسان حسن الوجه إنسانا آخر.
(والنهى عنه) أى: ولهذا صحّ النهى عن التعجب
…
===
وشمس: مبتدأ مؤخر، والجملة حال، والتقدير: قامت تلك النفس مظلّلة لى وشمس مظلّلة من الشمس من العجب
(قوله: أى غلام كالشمس فى الحسن والبهاء) أى: فقد شبه الغلام بالشمس وادّعى أنه فرد من أفرادها وأن حقيقتها متحققة فيه، ثم استعار له اسمها
(قوله: وجعله شمسا على الحقيقة) أى: من حيث إنه جعله فردا من أفرادها وأن حقيقتها موجودة فيه
(قوله: إذ لا تعجب فى أن يظلّل إنسان .. إلخ) أى: لعدم الغرابة بخلاف تظليل الشمس الحقيقية إنسانا من الشمس، فإنه مستغرب؛ وذلك لأن الشمس لا يرتسم ظلّ تحتها على إنسان مثلا، إلا إذا حال بينه وبينها شىء كثيف يحجب نورها، وأما إذا كان الحائل بينهما شيئا له نور فلا يرتسم ظل تحتها على الإنسان المظلّل؛ لأن النور لا يحجب النور، فإذا جعل ذلك الغلام شمسا حقيقة استغرب إيقاعه الظل على من ظلله. الاستغراب: كون الشمس التى من شانها طى الظل وإذهابه توجب ظلّا على تقدير حيلولتها بين الشمس وبين الإنسان المظلل
(قوله: لما كان لهذا التعجب معنى) قال العصام: فيه نظر؛ لأنه يجوز أن يكون التعجب من استخدامه من بلغ فى الحسن درجة الشمس أو من انقياده له وخدمته له.
فى قول الآخر
لا تعجبوا من بلى غلالته
…
قد زرّ أزراره على القمر (1)
وقوله:
ترى الثياب من الكتّان يلمحها
…
نور من البدر أحيانا فيبليها (2)
(1) شرح المرشدى ج 2/ 40 وهو لأبى الحسن بن طباطبا العلوى، الطراز 2/ 203، نهاية الإيجاز ص 253، والمصباح 129.
(2)
لأبي المطاع ناصر الدولة الحمداني، الإيضاح ص 259.
(فى قوله:
لا تعجبوا من بلى غلالته) (1) هى شعار يلبس تحت الثوب، وتحت الدرع أيضا (قد زرّ أزراره على القمر) تقول: زررت القميص عليه، أزرّه: إذا شددت أزراره عليه،
…
===
فكيف تنكر أن تبلى معاجرها
…
والبدر فى كل وقت طالع فيها
(قوله: فى قوله) أى: فى قول الشريف أبى الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن على بن أبى طالب- رضى الله عنه- وهو شاعر مفلق وعالم محقق مولده بأصبهان وبها مات، والبيت من المنسرح وقبله:
يا من حكى الماء فرط رقّته
…
وقلبه فى قساوة الحجر
يا ليت حظّى كحظّ ثوبك من
…
جسمك يا واحدا من البشر
لا تعجبوا .. إلخ
(قوله: لا تعجبوا من بلى غلالته) البلى بكسر الباء مقصورا من بلى الثوب يبلى إذا فسد أى: لا تعجبوا من تسارع بلى وفساد غلالته ففى الكلام حذف مضاف
(قوله: هى) أى الغلالة شعار أى: ثوب صغير ضيّق الكمّين كالقميص يلاقى البدن يلبس تحت الثوب الواسع ويلبس أيضا تحت الدرع. سمىّ شعارا؛ لأنه يلى الشعر (قوله قد زرّ) أى: لأنه قد زرّ أى: شدّ وهو بالبناء للفاعل والفاعل ضمير المحبوب وضمير أزراره المنصوب على المفعولية راجع للمحبوب أيضا أو للغلالة، وذكره باعتبار أنها قميص أو شعار شبه المحبوب الذى هو مرجع الضمير المستتر فى الفعل بالقمر واستعار اسم المشبه به للمشبه استعارة تصريحية والبلى ترشيح، ويحتمل أن" زرّ" بالبناء للمفعول، وإزاراه نائب فاعل والضمير للغلالة، وعلى هذا فالمشبه هو المحبوب الذى هو مرجع الضمير فى غلالته
(قوله: تقول .. إلخ) أفاد بهذا أن تعدية زرّ إلى الأزرار فيه ضرب من
(1) شرح المرشدى ج 2 ص 40، وهو لأبى الحسن ابن طباطبا العلوى، الطراز 2/ 203، نهاية الإيجاز ص 253، والمصباح 129.
فلولا أنه جعله قمرا حقيقيّا لما كان للنهى عن التعجب معنى؛ لأن الكتان إنما يسرع إليه البلى بسبب ملابسة القمر الحقيقى، لا بملابسة إنسان كالقمر فى الحسن. لا يقال: القمر فى البيت ليس باستعارة؛ لأن المشبه مذكور- وهو الضمير فى غلالته وأزراره-؛ لأنا نقول: لا نسلم أن الذكر على هذا الوجه ينافى الاستعارة المذكورة،
…
===
التسامح؛ لأنه إنما يتعدى للقميص ويتضمن الدلالة على الأزرار، ولا يتعدى إلى الأزرار والشاعر قد عدّاه إليها
(قوله: فلولا أنه جعله .. إلخ) حاصله: أنه لما خشى أن يتوهم أن صاحب الغلالة إنسان تسارع البلى لغلالته فيتعجب من ذلك؛ لأن العادة أن غلالة الإنسان لا يتسارع البلى إليها قبل الأمد المعتاد لبلاها نهى الشاعر عن ذلك التعجب وبين سبب النهى وهو أنه لم يبق فى الإنسانية، بل دخل فى جنس القمرية، والقمر لا يتعجب من سرعة بلى ما يباشر ضوءه؛ لأن هذا من خواصّه- ومتى ظهر السبب بطل العجب- ولكون ما ذكر من خواص القمر قيل: إن من جملة عيوب القمر أنه يهدم العمر ويحل الدين ويوجب أجرة المنزل ويسخن الماء ويفسد اللحم ويقرض الكتان ويعين السارق ويفضح العاشق الطارق
(قوله: لأن الكتان) أى: الذى كانت منه الغلالة
(قوله: لا نسلم أن الذكر على هذا الوجه ينافى الاستعارة) أى: لأنه لا ينبئ عن التشبيه، والمنافى لها إنما هو الجمع بين الطرفين على وجه ينبئ عن التشبيه بحيث يكون المشبه به واقعا خبرا عن المشبه كما فى: زيد أسد، أو حالا منه أو صفة له نحو: مررت بزيد أسدا، وجاءنى رجل أسد، فذلك الجمع ينبئ عن التشبيه ضرورة أنه لا يصح صدقه على ما جرى عليه فتقدر أداة التشبيه نفيا لما يلزم من فساد الصدق كما تقدم على ما فيه، وأما إذا ذكر المشبه لا على وجه ينبئ عن التشبيه- كما فى البيت- لعدم جريان المشبه به عليه حتى يسهل تقدير الأداة نظرا للمعنى فهو استعارة، وقد سبق كلّ من هذا البحث وجوابه فى بحث المجاز العقلى، وأنت خبير بأن هذا الجواب يقتضى أن نحو: على لجين الماء استعارة وهم صرحوا بكونه تشبيها إلا أن يقال: تصريحهم بكونه تشبيها لا ينافى صحة كونه استعارة- فتأمل.
كما يقال: سيف زيد فى يد أسد؛ فإن تعريف الاستعارة صادق على ذلك.
(وردّ) هذا الدليل (بأن الادّعاء) أى ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به (لا يقتضى كونها) أى: الاستعارة (مستعملة فيما وضعت له) للعلم الضرورى بأن أسدا- فى قولنا: رأيت أسدا يرمى- مستعمل فى الرجل الشجاع، والموضوع له هو السبع المخصوص؛ وتحقيق ذلك: أن ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به مبنىّ على أنه جعل أفراد الأسد
…
===
(قوله: كما يقال) أى: كقولنا أى كعدم المنافاة فى قولنا: سيف زيد فى يد أسد المراد فى يده فقد شبه زيد بالأسد، وادعى أنه فرد من أفراده واستعير اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية، فقد جمع بين المشبه- وهو زيد- والمشبه به- وهو الأسد- على وجه لا ينبئ عن التشبيه؛ لأن هذا التركيب ونحوه لا يتأتى فيه تقدير الأداة إلا بزيادة فى التركيب أو نقص منه بحيث يتحول الكلام عن أصله كأن يقال رأيت فى يد رجل كالأسد سيفا
(قوله: ورد هذا الدليل) حاصله: منع الصغرى القائلة:
الاستعارة لفظ مستعمل فيما وضع له بعد الادعاء أى: لا نسلم ذلك، وهذا الادعاء لا يخرج اللفظ عن كونه مستعملا فى غير ما وضع له هذا، وقد علم من مضمون الكلام أولا وآخرا: أن ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به مسلم عند القائل بأن الاستعارة مجاز لغوى، ومعلوم أن كون اللفظ أطلق على غير معناه الأصلى فى نفس الأمر مسلم عند القائل بأنها مجاز عقلى، وبقى النزاع فى أن الاستعارة هل تسمى مجازا لغويّا نظرا لما فى نفس الأمر، أو عقليّا نظرا للمبالغة والادعاء؟ فالخلاف على هذا عائد إلى اللفظ والتسمية- فتدبر.
(قوله: مستعمل فى الرجل الشجاع) أى: وإن ادعى أن الرجل الشجاع فرد من أفراد الأسد بعد تشبيهه به، إذ تقدير الشىء نفس الشىء لا يقتضى كونه إياه حقيقة
(قوله: وتحقيق ذلك) أى: تحقيق أن الادعاء المذكور لا يقتضى كون الاستعارة مستعملة فيما وضعت له، وحاصل ما ذكره من التحقيق: أن ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به لا يقتضى كونها مستعملة فيما وضعت له، إذ ليس معناه ما فهمه المستدلّ
بطريق التأويل قسمين:
أحدهما: المتعارفا، وهو الذى له غاية الجراءة، ونهاية القوة فى مثل تلك الجثة المخصوصة.
والثانى: غير المتعارف: وهو الذى له تلك الجراءة لكن لا فى تلك الجثة المخصوصة، والهيكل المخصوص، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف؛ فاستعماله فى غير المتعارف استعمال فى غير ما وضع له، والقرينة مانعة عن إرادة المعنى المتعارف ليتعين المعنى الغير المتعارف. وبهذا يندفع ما يقال: إن الإصرار على دعوى الأسدية للرجل الشجاع ينافى نصب القرينة المانعة عن إرادة
…
===
من ادعاء ثبوت المشبه به له حقيقة حتى يكون لفظ المشبه به فيه استعمال لما وضع له والتجوّز فى أمر عقلى وهو جعل غير المشبه به مشبها به، بل معناه: جعل المشبه به مؤولا بوصف مشترك بين المشبه والمشبه به، وادعاء أن لفظ المشبه به موضوع لذلك الوصف، وأن أفراده قسمان: متعارف وغير متعارف، ولا خفاء فى أن الدخول بهذا المعنى لا يقتضى كونها مستعملة فيما وضعت له؛ لأن الموضوع له هو المفرد المتعارف والمستعمل فيه هو المفرد الغير المتعارف.
(قوله: بطريق التأويل قسمين) متعلق بجعل. إن قلت: إن الذى بطريق التأويل إنما هو أحد القسمين وهو غير المتعارف، وأما الآخر وهو المتعارف فبطريق التحقيق- فكيف يقول الشارح على أنه جعل أفراد الأسد قسمين بطريق التأويل؟ قلت: جعل الأفراد قسمين مبنىّ على كون الأسد موضوعا للقدر المشترك بينهما الصادق على كلّ منهما وهو مجترىء، وكونه موضوعا لذلك ليس إلا بطريق التأويل وأما بطريق التحقيق فهو منحصر فى قسم واحد وهو المتعارف. اه يس.
(قوله: فى مثل) أى: المودعين فى مثل .. إلخ
(قوله: والهيكل المخصوص) عطف تفسير
(قوله: والقرينة مانعة عن إرادة .. إلخ) أى: لا عن إرادة الجنس بقسميه
(قوله: وبهذا يندفع .. إلخ) أى: ببيان أن القرينة مانعة عن إرادة المعنى المتعارف ليتعين غير المتعارف، فيندفع ما يقال: إن الإصرار على دعوى الأسدية للرجل ينافى القرينة المانعة من إرادة الأسدية، ووجه الاندفاع: أن
السبع المخصوص.
(وأما التعجب والنهى عنه) كما فى البيتين المذكورين (فللبناء على تناسى التشبيه قضاء لحق المبالغة) ودلالة على أن المشبه بحيث لا يتميز عن المشبه به أصلا حتى إن كل ما يترتب على المشبه به من التعجب والنهى عن التعجب يترتب على المشبه أيضا.
===
الإصرار على دعوى الأسدية بالمعنى الغير المتعارف، ونصب القرينة إنما يمنع من إرادة الأسدية بالمعنى المتعارف، وحينئذ فلا منافاة
(قوله: السبع المخصوص) الأنسب أن يقول: عن إرادة الأسد ويحذف قوله المخصوص؛ لأن ذكره فى السؤال يشير إلى الجواب- تأمل.
(قوله: وأما التعجب .. إلخ) هذا إشارة إلى جواب عن سؤال نشأ من الجواب المتقدم، وهو إذا كان الادعاء لا يقتضى استعمال الاستعارة فيما وضعت له فلا يصح التعجب والنهى عنه فى البيتين السابقين؛ لأنهما لا يتمّان إلا بجعل المشبه من أفراد المشبه به حقيقة، وحاصل الجواب الذى أشار له المصنف: أن التعجب والنهى عنه لتناسى التشبيه، وجعل الفرد الغير المتعارف مساويا للمتعارف فى حقيقته، حتى إن كل ما يترتب على المتعارف يترتب عليه، وبما تقرر من جعل كلام المصنف إشارة لجواب سؤال مقدر، اندفع ما ذكره العلّامة العصام: من أن التعجب والنهى لم يجعلا دليلا على كون الاستعارة مستعملة فيما وضعت له، بل استدل بهما على الادعاء، فلما سلم المجيب الادعاء ومنع اقتضاءه كون الاستعارة مستعملة فيما وضعت له، فلا حاجة إلى المنازعة فى كون التعجب والنهى مبنيّين على الادعاء، إذ بناؤهما عليه لا ينافى مجازا لغويّا، فالأولى إسقاط قوله: وأما التعجب والنهى عنه
(قوله: وأما التعجب) أى: من المشبه (وقوله: والنهى عنه) أى: عن التعجب
(قوله: فللبناء) أى: فلبناء الاستعارة
(قوله: على تناسى التشبيه) أى: إظهار التناسى، والمراد بالتناسى النسيان أى: على إظهار نسيان التشبيه
(قوله: قضاء .. إلخ) وإنما تنوسى فيه التشبيه توفية لحق المبالغة فى دعوى الاتحاد
(قوله: ودلالة .. إلخ) عطف تفسير على قوله: قضاء لحق المبالغة.