المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٣

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الفن الثانى علم البيان

- ‌تعريف علم البيان:

- ‌[أبواب علم البيان]:

- ‌ التشبيه

- ‌[وجه التشبيه]:

- ‌الوجه الداخل فى الطرفين والخارج عنهما:

- ‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

- ‌دقيقة فى الوجه المركب:

- ‌[أداة التشبيه]:

- ‌[الغرض من التشبيه]:

- ‌وعالم يعرف بالسجزى

- ‌أشهى إلى النفس من الخبز

- ‌[أقسام التشبيه باعتبار طرفيه]:

- ‌[إما تشبيه مركب بمفرد

- ‌[التشبيه الملفوف والمفروق]:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار أداته:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌مراتب التشبيه:

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة:

- ‌[بقية الكلام عن الحقيقة]:

- ‌[أمثلة على استعمال الكلمة على حقيقتها وعلى غير حقيقتها]:

- ‌[تعريف الوضع]:

- ‌كلامه عن الحروف ومعانيها

- ‌الفرق بين المعنى الإفرادى والمعنى التركيبى

- ‌[إنكار الوضع]:

- ‌[كلامه عن صفات الحروف]:

- ‌بداية الكلام عن المجاز

- ‌أنواع المجاز:

- ‌أقسام المجاز

- ‌[تقسيم المفرد إلى مرسل واستعارة]:

- ‌[الكلام فى المجاز المرسل]:

- ‌[علاقة الجزئية والكلية]:

- ‌[علاقة السببية]:

- ‌[اعتبار ما كان وما يكون]:

- ‌[الاستعارة]:

- ‌[الكلام فى الاستعارة]:

- ‌هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى:

- ‌[مفارقة الاستعارة للكذب]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار المستعار الأصلية والتبعية]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

- ‌[المجاز المركب]:

- ‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

- ‌[اعتراضات على السكاكى]:

- ‌فصل عرف السكاكى إلخ:

- ‌[فصل]: فى شرائط حسن الاستعارة:

- ‌[فصل]: [قد يطلق المجار]

- ‌الكناية

- ‌تعريف الكناية:

- ‌أقسام الكناية:

- ‌الكناية العرضية:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

الفصل: ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

تبعية تهكمية وإنما قال: ومدار قرينتها على كذا؛ لأن القرينة لا تنحصر فيما ذكر بل قد تكون حالية كقولك: قتلت زيدا إذا ضربته ضربا شديدا.

[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

(و) الاستعارة (باعتبار آخر) غير اعتبار الطرفين والجامع واللفظ (ثلاثة أقسام) لأنها إما أن لا تقترن بشىء يلائم المستعار له أو المستعار منه أو تقترن بما يلائم المستعار له أو تقترن بما يلائم المستعار منه الأول (مطلقة

===

ووجه الشبه منتزع من التضاد بواسطة التهكم كما مر فى التشبيه، واستعير التبشير للإنذار واشتق من التبشير بشر بمعنى أنذر على طريق الاستعارة التصريحية التبعية التهكمية، فصار ذكر العذاب الذى هو المجرور قرينة على أنه أريد بالتبشير ضده

(قوله: تبعية تهكمية) فيه أن ذكر العذاب إنما يدل على أن بشر استعارة، وأما كونها تبعية وتهكمية فإنما هو معلوم من خارج، فكونها تبعية إنما علم من كون بشر فعلا، وكونها تهكمية فمن تنزيل التضاد منزلة التناسب ووضع البشارة موضع الإنذار.

(قوله: وإنما قال: ومدار قرينتها على كذا) أى: ولم يقل: وقرينتها الفاعل والمفعول والمجرور

(قوله: لأن القرينة لا تنحصر) أى: ولو قال: قرينتها الفاعل والمفعول والمجرور لاقتضى أن قرينة التبعية منحصرة فيما ذكر؛ لأن الجملة المعرفة الطرفين تفيد الحصر، بخلاف قوله: ومدار قرينتها على كذا، فإنه لا يفيد الانحصار فيما ذكر؛ لأن دوران الشىء على الشىء لا يقتضى ملازمته أبدا عرفا لصحة انفكاك الدوران، كما يقال: مدار عيش بنى فلان البر، ويصح أن يتعيشوا بغيره، فقوله: ومدار قرينتها على كذا بمنزلة قوله: والأكثر فى قرينتها، أو الأصل فى قرينتها أن تكون كذا

(قوله: غير اعتبار الطرفين والجامع واللفظ) وجود لأحد الطرفين وعدم وجوده

(قوله: لأنها إما أن لا تقترن بشىء يلائم إلخ) أى: بعد تمام القرينة، إذ هى مما يلائم المستعار له فلو اعتبرت لم توجد مطلقة- كذا قيل، وفيه أنه لا حاجة لذلك؛ لأن القرينة من جملة الاستعارة فبدونها لا يقال لها استعارة

(قوله: يلائم المستعار له أو المستعار منه) أى: يناسبه بحسب اللفظ أو المعنى كما قال سم

(قوله: الأول مطلقة) أى: الاستعارة التى تسمى مطلقة لإطلاقها عن وجود الملائمات، ثم إن تقدير

ص: 369

وهى ما لم تقترن بصفة ولا تفريع) أى تفريع كلام مما يلائم المستعار له والمستعار منه نحو عندى أسد (والمراد) بالصفة (المعنوية) التى هى معنى قائم بالغير (لا النعت) النحوى الذى هو أحد التوابع

===

الأول والثانى والثالث يشعر بأن قوله: مطلقة ومجردة ومرشحة أخبار لمقدرات ثلاثة وهو بعيد، ويمكن أنه حل معنى والقريب الإبدال، أو أن الثلاثة خبر مبتدأ محذوف أى: هى مطلقة ومجردة ومرشحة، وملاحظة العطف سابقة على الإخبار ليصح جعلها خبرا عن ضمير الأقسام الثلاثة

(قوله: وهى ما لم تقترن) أى: وهى الاستعارة التى لم تقترن بصفة أى: بصفة تلائم أى: تناسب أحد الطرفين ولا بتفريع كلام يناسب ويلائم أحد الطرفين ولا عبرة بوجود صفة أو تفريع فى الكلام لا يلائم أحدهما (فقوله: مما يلائم إلخ) بيان لكل من الصفة والتفريع، والمراد لم تقترن بصفة ولا تفريع حقيقة أو حكما، فيشمل ما إذا اشتملت الاستعارة على تجريد وترشيح والفرق بين الصفة والتفريع أن الملائم إن كان من بقية الكلام الذى فيه الاستعارة فهو صفة، وإن كان كلاما مستقلّا جىء به بعد ذلك الكلام الذى فيه الاستعارة مبينا عليه كما فى قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ بعد قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى (1) فهو تفريع سواء كان بحرف التفريع أولا، قال الشارح فى شرح المفتاح فى قولنا: رأيت بحرا ما أكثر علومه: إن جعل صفة فبتقدير القول، وإن جعل تفريع كلام كان كلاما مستقلّا، وكذا نحو: رأيت أسدا يرمى، إن جعل جملة يرمى مستأنفة كأنه قيل: ما شأنه؟ فقيل: يرمى كان تفريعا، وإن جعلت نعتا لأسد كان صفة

(قوله: نحو عندى أسد) هذا مثال للاستعارة التى لم تقترن بشىء وعند قرينة

(قوله: والمراد بالصفة) أى: والمراد هنا بالصفة التى قلنا: إن الاستعارة قد لا تقترن بها ولا بالتفريع فتكون مطلقة

(قوله: معنى قائم بالغير) أى سواء كان مدلولا لنعت نحوى أولا (وقوله لا النعت النحوى) أى: فقط، واعلم أن بين ذاتيهما التباين؛ لأن النحوى من قبيل اللفظ، والمعنوية من قبيل المعنى، وبين دال المعنوية والنحوى، وكذا بين المعنوية ومدلول النحوى عموم من وجه لتصادقهما فى أعجبنى هذا القائم وتفارقهما فى العلم حسن، فالحسن صفة معنوية لا نعت نحوى، وفى مررت

(1) البقرة: 16.

ص: 370

(و) الثانى (مجردة وهى ما قرن بما يلائم المستعار له كقوله: غمر الرداء) أى كثير العطاء استعار الرداء للعطاء لأنه يصون عرض صاحبه كما يصون الرداء ما يلقى عليه ثم وصفه بالغمر الذى يناسب العطاء

===

بهذا الرجل فإن الرجل نعت نحوى لا صفة معنوية

(قوله: والثانى) أى: من أقسام هذه الاستعارات المنظور إليها باعتبار وجود الملائم وعدمه

(قوله: مجردة) أى: تسمى مجردة لتجردها عما يقويها من إطلاق أو ترشيح؛ لأن المشبه الذى هو المستعار له صار بذكر ملائمه بعيدا من دعوى الاتحاد التى فى الاستعارة ومنها تنشأ المبالغة

(قوله: وهى ما قرن) أى: وهى الاستعارة التى قرنت بما يلائم المستعار له فذكر الفعل نظرا للفظ ما أو نظرا إلى أن الاستعارة لفظ، والمراد أنها قرنت بذلك الملائم زيادة على القرينة، إذ بدونها لا تسمى استعارة، وسواء كان ذلك الملائم تفريعا نحو: رأيت أسدا يرمى فلجأت إلى ظل رمحه، أو كان صفة نحوية نحو: رأيت أسدا راميا مهلكا أقرانه، أو كان صفة معنوية كما فى مثال المصنف.

(قوله: كقوله) أى: كقول كثير عزة بن عبد الرحمن الخزاعى الشاعر المشهور أحد عشاق العرب، وإنما صغروه لشدة قصره، قال الوقاص: رأيت كثيرا يطوف بالبيت فمن حدثك أنه يزيد على ثلاثة أشبار فلا تصدقه! ! وكان إذا دخل على عبد الملك بن مروان أو على أخيه عبد العزيز يقول له: طأطئ رأسك لا يصبه السقف! ! !

(قوله: غمر الرداء)(1) بفتح الغين خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو أى: الممدوح فى الأبيات السابقة غمر الرداء

(قوله: أى كثير العطاء) أراد بالعطاء الإعطاء الذى هو بذل المال فهو اسم مصدر بمعنى المصدر، وليس المراد بالعطاء الأخذ للمال

(قوله: لأنه يصون إلخ) بيان للجامع، وحاصله أن وجه الشبه مطلق الصون عما يكره، إذ هو مشترك بينهما؛ لأن الرداء يصون ما يلقى عليه من كل ما يكره حسّا والإعطاء يصون عرض صاحبه

(قوله: ثم وصفه) أى: الرداء وصفا معنويّا

(قوله: الذى يناسب العطاء) أى: إذا كان من غمر الماء غمارة وغمورة إذا كثر، وأما إذا كان من قولهم: ثوب غامر

(1) شرح المرشدى 2/ 48، الإيضاح 269.

ص: 371

دون الرداء تجريدا للاستعارة والقرينة سياق الكلام أعنى قوله (إذا تبسم ضاحكا) أى شارعا فى الضحك آخذا فيه وتمامه غلقت لضحكته رقاب المال، أى إذا تبسم غلقت رقاب أمواله فى أيدى السائلين يقال: غلق الرهن فى يد المرتهن

===

أى: واسع فهو ترشيح- قاله عبد الحكيم

(قوله: دون الرداء) أى: لأن الذى يلائم الرداء سابغ دون كثير؛ لأن الرداء شأنه الاتحاد وعدم التعدد، بخلاف الإعطاء فإن شأنه التعدد والكثرة

(قوله: والقرينة) أى: على أن الرداء مستعار للإعطاء، لا أنه مستعمل فى معناه الحقيقى وهو الثوب

(قوله: سياق الكلام) أى: الكلام المسوق والمذكور بعد

(قوله: أعنى قوله) أى: أعنى بسياق الكلام

(قوله: إذا تبسم) أى: إنه إذا تبسم ضاحكا أخذ الفقراء ماله، فهذا يدل على أن المراد بالرداء الإعطاء لا حقيقته التى هى الثوب الذى يجعل على الكتفين، وقال العلامة عبد الحكيم: ويؤخذ منه أنه إذا كان فى الكلام ملائمات للمستعار له كل منها يعين المعنى المجازى يجوز أن يكون كل واحد منها قرينة وتجريدا، إلا أن اعتبار الأول قرينة أولى لتقدمه والبقية تتمة للاستعارة، فعلى هذا كون الغمر تجريدا وسياق الكلام قرينة محل نظر

(قوله: أى شارعا فى الضحك) لما كان التبسم دون الضحك على ما فى الصحاح ولم يكن الضحك مجامعا له فسره بشارعا فى الضحك، فجعلها حالا مقارنة؛ لأن الشروع فيه عبارة عن الأخذ فى مباديه وهو مقارن للتبسم فى الوقوع (وقوله: آخذا) تفسير لقوله: شارعا، ويصح حمل الضحك على حقيقته فتكون الحال منتظرة، وفى قوله: تبسم ضاحكا مدح بأنه وقور لا يقهقه وأنه باش بسام بالسائلين

(قوله: غلقت لضحكته رقاب المال) غلق بفتح الغين المعجمة وكسر اللام كطرب بمعنى تمكن، والضحكة بفتح الضاد المرّة من الضحك

(قوله: أى: إذا تبسم غلقت رقاب أمواله فى أيدى السائلين) أى: تمكنت من أيديهم ولا يقدر على نزعها منهم، وحاصل المعنى على ما قاله الفنرى أن السائلين يأخذون أموال ذلك الممدوح من غير علمه ويأتون بها إلى حضرته فيتبسم ولا يأخذها منهم فضحكه موجب لتمكنهم من المال بحيث لا ينفك من أيديهم فكأنه يباح لهم بضحكه، قال العلامة عبد الحكيم: وفى قوله:

غلقت إشارة إلى أن الممدوح يعلم أن للسائلين حقّا عليه بواسطته صارت

ص: 372

إذا لم يقدر على انفكاكه (و) الثالث (مرشحة وهى ما قرن بما يلائم المستعار منه نحو أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ (1) استعير الاشتراء للاستبدال والاختيار ثم فرع عليها ما يلائم الاشتراء من الربح والتجارة

===

الأموال مرهونة عندهم وأنه عاجز عن أداء ذلك الحق، فلذلك لم يقدر على انفكاك الأموال منهم.

(قوله: إذا لم يقدر على انفكاكه) أى: إذا لم يقدر الراهن على انفكاكه لمضى أجل الدين، وحاصله أن عادة الجاهلية إذا حل أجل الدين الذى له رهن ولم يوف فإن المرتهن يتملك الرهن ويتمكن منه ولا يباع- قاله فى الأطول.

(قوله: مرشحة) من الترشيح وهو التقوية سميت الاستعارة التى ذكر فيها ما يلائم المستعار منه مرشحة؛ لأنها مبنية على تناسى التشبيه حتى كأن الموجود فى نفس الأمر هو المشبه به دون المشبه، فإذا ذكر ما يلائم المشبه به دون المشبه كان ذلك موجبا لقوة ذلك المبنى فتقوى الاستعارة بتقوى مبناها لوقوعها على الوجه الأكمل أخذا من قولك:

رشحت الصبى إذا ربيته باللبن قليلا قليلا حتى يقوى على المص

(قوله: وهى ما قرن) أى:

وهى استعارة قرنت بما يلائم المستعار منه أى: زيادة على القرينة فلا تعد قرينة المكنية ترشيحا، وسواء كان ما يلائم المستعار منه الذى قرنت به الاستعارة صفة كقولك: رأيت أسدا ذا لبد يرمى، وجاورت اليوم بحرا زاخرا متلاطم الأمواج، أو كان تفريعا كما فى الآية التى مثل بها المصنف

(قوله: استعير الاشتراء للاستبدال) أى: أنه شبه استبدال الحق بالباطل، واختياره عليه بالشراء الذى هو استبدال مال بآخر بجامع ترك مرغوب عنه عند التارك والتوصل لبدل مرغوب فيه عنده، واستعير اسم المشبه به للمشبه، والقرينة على أن الاشتراء ليس مستعملا فى حقيقته استحالة ثبوت الاشتراء الحقيقى للضلالة بالهدى.

(قوله: ثم فرع عليها) أى: على الاستعارة المذكورة

(قوله: من الربح والتجارة) الأولى من نفى الربح فى التجارة أى: ولا شك أن نفيه يلائم المشبه به، وذلك مما يزيد

(1) البقرة: 16.

ص: 373

(وقد يجتمعان) أى التجريد والترشيح (كقوله: لدى أسد شاكى السلاح)(1) هذا تجريد لأنه وصف يلائم المستعار له أعنى الرجل الشجاع (مقذف، له لبد أظفاره لم تقلم) هذا ترشيح؛ لأن هذا الوصف مما يلائم المستعار منه أعنى الأسد الحقيقى واللبد جمع لبدة وهى ما تلبد من شعر الأسد على منكبيه والتقليم مبالغة القلم وهو القطع

===

فى قوة تناسى التشبيه، حتى كأن المشبه به هو الموجود فكان ترشيحا أى: تقوية للاستعارة فتكون الاستعارة مرشحة، ثم ينبغى أن يعلم أن الربح المنفى عنهم مستعار للانتفاع الأخروى، وأن التجارة مستعارة لارتكابهم الضلالة واتخاذهم إياها بدلا عن الهدى، فكونهما ترشيحا إنما هو باعتبار المعنى المراد من التركيب، وبهذا تعلم أن الترشيح وكذا التجريد قد يكونان باعتبار المعنى المراد فى الحين، كما فى قوله: غمر الرداء بالنسبة للتجريد، وقد يكونان باعتبار الأصل كما فى هذا المثال بالنسبة للترشيح.

(قوله: وقد يجتمعان) أى: فى استعارة واحدة بأن يذكر معها ما يلائم المشبه فقط وما يلائم المشبه به فقط، وأما ذكر ما يلائمهما معا فليس من قبيل اجتماعهما كما قاله سم، قيل: والأقرب أن هذا القسم أى: قسم اجتماعهما لا يسمى بأحدهما ولا بهما، وأنه فى مرتبة الإطلاق لتساقطهما بتعارضهما.

(قوله: كقوله) أى: قول الشاعر وهو زهير بن أبى سلمى

(قوله: شاكى السلاح) أى: تامه

(قوله: هذا تجريد) أى: لأن إضافة لدى إلى الأسد قرينة (وقوله: لدى أسد) خبر محذوف تقديره أنا لدى أسد أو خبر لكان المحذوفة مع اسمها أى: أنا كنت لدى أسد

(قوله: مقذف) يحتمل أن المراد قذف به ورمى به فى الوقائع والحروب كثيرا، ولا شك أن المقذف بها المعنى مخصوص بالمستعار له فيكون تجريدا مثل الوصف الذى قبله وهو شاكى السلاح، ويحتمل أن يراد به قذف باللحم ورمى به فيكون ملائما لهما فلا يكون تجريدا ولا ترشيحا، بل هو فى معنى الإطلاق (وقوله: له لبد) جمع لبدة وهى ما تلبد وتضامّ من شعر الأسد المطروح على منكبيه، ولا شك أن هذا من ملائمات

(1) سبق تخريجه.

ص: 374

(والترشيح أبلغ) من الإطلاق والتجريد ومن جمع التجريد والترشيح

===

المستعار منه وهو الأسد الحقيقى فيكون ترشيحا (وقوله: أظفاره لم تقلم) يحتمل أن المراد ليس ذلك الأسد من الجنس الذى تقلم أظفاره فيكون ترشيحا أيضا؛ لأن الأسد الحقيقى هو الذى ليس من شأنه تقليم الأظفار، ويحتمل أن المراد مجرد نفى تقليم أظفاره، وحينئذ فيحتمل أن يكون النفى منصبا على المبالغة؛ لأن التقليم مبالغة القلم أى أن أظفاره انتفت المبالغة فى تقليمها، ولا شك أن هذا ملائم للأسد المجازى وهو الرجل الشجاع فيكون تجريدا، ويحتمل أن يكون هذا من قبيل المبالغة فى النفى؛ لأن نفى المبالغة يرد كثيرا فى كلام العرب مرادا منه المبالغة فى النفى، وحينئذ فالمعنى أظفاره انتفى تقليمها انتفاء مبالغا فيه، ولا شك أن هذا مما يلائم المستعار منه وهو الأسد الحقيقى نظير ما قيل فى قوله تعالى: وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (1) إن هذا من المبالغة فى النفى أى: انتفى الظلم عن المولى انتفاء مبالغا فيه، لا من نفى المبالغة، وإلا لاقتضى ثبوت أصل الظلم لله وهو محال: فيكون هذا ترشيحا إذا علمت هذا فقول الشارح: هذا ترشيح المشار إليه ما بعد مقذف بقرينة عدم تفسيره، أما جعل له لبد ترشيحا فظاهر، وأما جعل قوله: أظفاره لم تقلم ترشيحا، فبالنظر للاحتمال الأول أو الاحتمال الأخير، وأما قوله: مقذف، فقد علمت أنه لا يصلح أن يكون ترشيحا، بل هو إما تجريد أو مشترك فلا يجعل تجريدا ولا ترشيحا

(قوله: والترشيح) أى: الذى هو ذكر ملائم المستعار منه

(قوله: أبلغ) أى: أقوى فى البلاغة وأنسب بمقتضى الحال، وليس المراد أنه أقوى فى المبالغة فى التشبيه؛ لأنه معلوم من ذكر حقيقته فلا يحتاج للنص عليه، وإنما كان أقوى فى البلاغة؛ لأن مقام الاستعارة هو حال إيراد المبالغة فى التشبيه والترشيح يقوى تلك المبالغة فيكون أنسب بمقتضى حال الاستعارة وأحق بذلك المقتضى من الإطلاق ومن التجريد لعدم تأكد مناسبتهما لحال الاستعارة. اه يعقوبى.

وحاصله أن الترشيح أقوى فى بلاغة الكلام بمعنى أنه موجب لزيادة بلاغته؛ لأنه أنسب بمقتضى الحال على ما بينه، وهذا معنى قول بعضهم الترشيح أبلغ كلامه

(1) فصلت: 46.

ص: 375

(لاشتماله على تحقيق المبالغة) فى التشبيه لأن فى الاستعارة مبالغة فى التشبيه فترشيحها بما يلائم المستعار منه تحقيق لذلك وتقوية (ومبناه) أى مبنى الترشيح (على تناسى التشبيه) وادعاء أن المستعار له نفس المستعار منه لا شىء شبيه به (حتى إنه يبنى على علو القدر) الذى يستعار له علو المكان (ما يبنى على علو المكان

===

أى: أنه موجب لزيادة بلاغة الكلام المشتمل عليه، فكلامه بالجر بإضافته لأبلغ لا بالرفع بدل من الضمير فى أبلغ كما قيل- فتأمل.

وذكر بعضهم أن المراد بكون الترشيح أبلغ أنه أعظم بلوغا ووصولا للمقصود الذى هو اتحاد المستعار منه والمستعار له

(قوله: لاشتماله على تحقيق المبالغة) أى:

تقويتها فأصل المبالغة جاء من الاستعارة بجعل المشبه فردا من أفراد المشبه به وتقويتها حصلت بالترشيح

(قوله: لذلك) أى: لما ذكر من المبالغة (وقوله: وتقوية) تفسير للتحقيق

(قوله: ومبناه) أى: والأمر الذى بنى عليه الترشيح تناسى التشبيه أى: إظهار نسيان التشبيه الكائن فى الاستعارة وإن كان موجودا فى نفس الأمر، وما ذكره المصنف من بناء الترشيح على التناسى لا يقتضى أنه لا يبنى على التناسى غيره، بل يبنى عليه أيضا غيره كالاستعارة فإنها مبنية عليه أيضا، وإنما خص الترشيح بالذكر فى هذا البناء لما فيه من شدة ظهور الدلالة على التناسى، ولو قال المصنف ومبناه على كمال تناسى التشبيه أى: كمال إظهار نسيانه كان واضحا

(قوله: وادعاء) عطف تفسير للتناسى، أو أنه عطف سبب على مسبب أى: ويحصل ذلك التناسى بسبب ادعاء إلخ، ولا شك أن هذا الإدعاء يقتضى تفرع لوازم المستعار منه على المستعار له وإثباتها له

(قوله: نفس المستعار منه) الأولى جزئى من جزئيات المستعار منه، أو من أفراد المستعار منه، لكنه نظر لتحقق الماهية فى الفرد، فلذا جعله نفس المستعار منه- تأمل.

(قوله: حتى إنه إلخ) حتى تفريعية وضمير إنه للحال والشأن (وقوله: يبنى) أى:

يجرى وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أى: فإن الحال والشأن لأجل ذلك التناسى بنى، وأجرى على علو القدر الذى يستعار له لفظ علو المكان ما يبنى على علو المكان

ص: 376

كقوله:

ويصعد حتى يظنّ الجهول

بأنّ له حاجة فى السماء)

استعار الصعود لعلو القدر والارتقاء فى مدارج الكمال ثم بنى عليه ما يبنى على علو المكان والارتقاء إلى السماء من ظن الجهول أن له حاجة فى السماء وفى لفظ الجهول زيادة مبالغة فى المدح لما فيه من الإشارة إلى أن هذا

===

الذى يستعار منه، والحاصل أنه لما وجد تناسى التشبيه فى الاستعارة صح لك الإتيان بالترشيح كما صح أن يبنى على علو القدر المستعار له علو المكان ما بنى على علو المكان المستعار منه، وصح التعجب والنهى عنه فى البيتين الآتيين، فلولا وجود التناسى ما صح شىء من ذلك

(قوله: كقوله) أى: كقول أبى تمام من قصيدة يرثى بها خالد بن يزيد الشيبانى، ويذكر فيها مدح أبيه، وهذا البيت فى مدح أبيه وذكر علو قدره

(قوله: ويصعد)(1) أى: ويرتقى ذلك الممدوح فى مدارك الكمال فليس المراد بالصعود هنا معناه الأصلى الذى هو الارتقاء فى المدارج الحسية، إذ لا معنى له هنا وإنما المراد به العلو فى مدارج الكمال والارتقاء فى الأوصاف الشريفة فهو استعارة من الارتقاء الحسى إلى الارتقاء المعنوى، والجامع مطلق الارتقاء المستعظم فى النفوس بحيث يبعد التوصل إليه، وإلى هذا أشار الشارح بقوله: استعار إلخ

(قوله: حتى يظن) أى: إلى أن يبلغ إلى حيث يظن الجهول وهو الذى لا ذكاء عنده أن له حاجة فى السماء لبعده عن الأرض وقربه من السماء.

(قوله: فى مدارج) أى: مراتب

(قوله: ثم بنى عليه) أى: ثم رتب عليه أى: على علو القدر المستعار له (وقوله: ما يبنى على علو المكان) أى: وهو الارتفاع الحسى الذى هو المستعار منه، وذلك البناء بعد تناسى تشبيه علو القدر بالعلو الحسى وادعاء أنه ليس ثم إلا الارتفاع الحسى الذى وجه الشبه به أظهر

(قوله: من ظن الجهول إلخ) بيان لما، ولا شك أن القرب من السماء وظن أن له حاجة فيها مما يختص بالصعود الحسى

(1) البيت لأبى تمام فى شرح المرشدى على عقود الجمان 2/ 49 والبيت فى ديوانه 335 (ط. دار الكتب العلمية)، وفى المصباح ص 138 والإشارات ص 225.

ص: 377

إنما يظنه الجهول، وأما العاقل فيعرف أنه لا حاجة له فى السماء لاتصافه بسائر الكمالات وهذا المعنى مما خفى على بعضهم فتوهم أن فى البيت تقصيرا فى وصف علوه حيث أثبت هذا الظن للكامل الجهل بمعرفة الأشياء (ونحوه) أى مثل البناء على علو القدر ما يبنى على علو المكان لتناسى التشبيه (ما مر من التعجب) فى

===

ويترتب عليه لا على علو القدر، ثم إن ظن الجهول أن له حاجة فى السماء لم ينقل من معناه الأصلى الملائم للمستعار منه لمعنى ملائم للمستعار له، وإنما هو ذكر لازم من لوازم المشبه به لإظهار أنه الموجود فى التركيب لا شىء شبيه به، وبهذا يعلم أن الترشيح قد يستعمل فى معناه الأصلى الملائم للمستعار منه- وليس ذلك من الكذب؛ لأن الغرض إفادة المبالغة وتقوية الاستعارة بذكر اللازم وذلك كاف فى نفى الكذب كما أنه قد ينقل من معناه الأصلى لمعنى ملائم للمستعار له

(قوله: إلى أن هذا) أى: كونه له حاجة فى السماء

(قوله: إنما يظنه الجهول) أى: لأنه الذى لا كمال لعقله

(قوله: لاتصافه بسائر الكمالات) أى: فلم يكن هناك كمال لم يتصف به حتى إنه يحتاج له فيطلبه من جهة السماء، وحيث كان العاقل يعرف أنه لا حاجة له فى السماء لاتصافه بسائر الكمالات- كان عالما بأن إفراطه فى العلو لمجرد التعالى على الأقران، وفى قوله:

لاتصافه إلخ إشارة إلى أن المراد بالحاجة المنتفية هنا المعتادة للطلب فى الأرض، فلا يرد أن نفى حاجة السماء سوء أدب لما فيه من نفى الحاجة إلى الرحمة السماوية والتوجه لها بالدعاء لا بالصعود

(قوله: وهذا المعنى) أى: التفصيل بين العاقل والجاهل

(قوله: فتوهم أن فى البيت إلخ) منشأ ذلك التوهم أن القصد من البيت الإشارة بمزيد صعوده المشار له بقوله: حتى يظن إلخ إلى علو قدره، وإذا كان مزيد الصعود إنما هو فى ظن كامل الجهل لا العارف بالأشياء فلا يكون له ثبوت فلا يحصل كبير مدح بذلك، وحاصل الرد أن مزيد الصعود مجزوم به ومسلم من كل أحد، وإنما النزاع فى أنه هل له حاجة فى السماء أم لا فذكر أن كثير الجهل هو الذى يتوهم أن ذلك الارتقاء المفرط لحاجة، وأما العاقل ذو النظر الصحيح فيعلم أن ذلك الإفراط فى العلو لمجرد التعالى على الأقران لا

ص: 378

قوله:

قامت تظللنى ومن عجب

شمس تظللنى من الشمس

(والنهى عنه) أى عن التعجب فى قوله:

لا تعجبوا من بلى غلالته

قد زرّ أزراره على القمر

إذ لو لم يقصد تناسى التشبيه وإنكاره لما كان للتعجب والنهى عنه جهة على ما سبق

===

لحاجة له فى السماء لاتصافه بسائر الكمالات واستغنائه عن جميع الحاجات

(قوله: قامت تظللنى ومن عجب إلخ)(1) إنما كان هذا التعجب نحو ما ذكر من البناء؛ لأن إيجاد هذا التعجب لولا تناسى التشبيه لم يوجد له مساغ كما أن إيجاد ذلك البناء لولا التناسى لم يكن له معنى وتحقيقه فى التعجب ما تقدم من أنه لا عجب من تظليل إنسان جميل كالشمس من الشمس الحقيقية، وإنما يتحقق التعجب من تظليل الشمس الحقيقية من الشمس المعلومة؛ لأن الإشراق مانع من الظل فكيف يكون صاحبه موجبا للظل؟ ! ومعلوم أنه لولا التناسى ما جعل ذلك الإنسان الجميل نفس الشمس ليتعجب من تظليله، بل شبيه بها

(قوله: لا تعجبوا إلخ)(2) من المعلوم أن القمر الحقيقى هو المعتاد لبلى الغلالة فلا يتعجب من بلاها معه، لا الإنسان المشبه بالقمر وكونه جعل المستعار له قمرا حقيقيّا إنما هو لتناسى التشبيه حتى كأنه الموجود فى الخارج، والخاطر فى القلب هو القمر الحقيقى، وإلا فالتشبيه ما دام متذكرا ينفى النهى عن التعجب.

واعلم أن مذهب التعجب هنا عكس مذهب النهى عنه؛ لأن التعجب هنا سببه إثبات مالا يناسب المستعار منه والنهى عنه سببه إثبات ما هو مناسب للمستعار منه، ألا ترى أنه فى الأول قد أثبت التظليل للشمس وهو ممتنع، فلذا تعجب من تظليلها، وفى الثانى قد أثبت بلى الغلالة والقمر وهو من خواصه، فلا يصح حينئذ أن يتعجب منه، فلذا نهاهم عن التعجب من ذلك

(قوله: وإنكاره) عطف لازم (وقوله: جهة) أى: وجه،

(1) شرح المرشدى على عقود الجمان 2/ 40 والشعر لأبى الفضل بن العميد، والطراز 1/ 203، والمصباح 129، ونهاية الإيجاز ص 252.

(2)

شرح المرشدى على عقود الجمان 2/ 40، وهو لأبى الحسن بن طباطبا العلوى، الطراز 2/ 203.

ص: 379

ثم أشار إلى زيادة تقرير لهذا الكلام فقال (وإذا جاز البناء على الفرع) أى المشبه به (مع الاعتراف بالأصل) أى المشبه وذلك لأن الأصل فى التشبيه

===

(وقوله: على ما سبق) أى: من أنه لا معنى للتعجب من كون ذات جميلة تظلل شخصا من الشمس ولا معنى للنهى عن التعجب من كون ذات جميلة تبلى غلالة

(قوله: ثم أشار إلى زيادة تقرير لهذا الكلام) أى: قوله: ومبناه على تناسى التشبيه حتى إنه يبنى على علو القدر ما يبنى على علو المكان (وقوله: لهذا الكلام) فيه حذف أى: لما تضمنه هذا الكلام وهو صحة البناء على تناسى التشبيه.

(قوله: وإذا جاز إلخ) حاصل ذلك أنه إذا جاز البناء على الفرع أعنى المشبه به فى التشبيه ففى الاستعارة أولى وأقرب؛ لأن وجود المشبه الذى هو الأصل كأنه ينافى ذلك البناء، فإذا جاز البناء مع وجود منافيه فالبناء مع عدمه أولى وأقرب

(قوله: وإذا جاز البناء على الفرع إلخ) المراد بالبناء عليه ذكر ما يلائمه، والمراد بالاعتراف بالأصل ذكره، وحينئذ فالمعنى وإذا جاز ذكر ما يلائم المشبه به فى التشبيه الخالى عن الاستعارة وهو الذى ذكر طرفاه

(قوله: وذلك) أى: وبيان ذلك أى: كون المشبه به فرعا والمشبه أصلا، وهذا جواب عما يقال: كيف سمى المصنف المشبه به فرعا والمشبه أصلا مع أن المعروف عندهم عكس هذه التسمية؛ لأن المشبه به هو الأصل المقيس عليه؛ ولأنه أقوى من المشبه غالبا فى وجه الشبه وأعرف به، وحاصل ما أجاب به الشارح أن المصنف إنما سمى المشبه أصلا نظرا لكونه هو المقصود فى التركيب من جهة أن الغرض من التشبيه يعود إليه كبيان حاله أو مقداره أو إمكانه أو تزيينه وغير ذلك مما مر فى باب التشبيه، ولكونه هو المقصود فى الكلام بالنفى والإثبات فإن النفى والإثبات فى الكلام يعود إليه أى: إلى شبهه فإنك إذا قلت: زيد كالأسد فقد أثبت للمشبه شبهه بالأسد وهو المقصود بالذات وإذا قلت: ليس زيد كالأسد فقد نفيت شبهه به أيضا بالقصد الأول، وإن كان ثبوت الشبه أو نفيه للمشبه به حاصلا أيضا لكن تبعا، وتحصل من هذا أن المشبه أصل باعتبار رجوع الغرض إليه، وكونه المقصود بالنفى والإثبات، والمشبه به أصل باعتبار كونه أقوى وأعرف بوجه الشبه فكل من المشبه والمشبه به أصل باعتبار وفرع باعتبار،

ص: 380

وإن كان هو المشبه به من جهة أنه أقوى وأعرف إلا أن المشبه هو الأصل من جهة أن الغرض يعود إليه وأنه المقصود فى الكلام بالنفى والإثبات (كما فى قوله:

هى الشمس مسكنها فى السماء، فعزّ) أمر من عزاه حمله على العزاء وهو الصبر (الفؤاد عزاء جميلا فلن تستطيع) أنت (إليها) أى إلى الشمس (الصعود، ولن تستطيع) الشمس (إليك النزولا) والعامل فى إليها وإليك هو المصدر بعدهما إن جوزنا تقديم الظرف على المصدر وإلا فمحذوف يفسره الظاهر فقوله: هى الشمس

===

وحينئذ فلا معارضة بين ما ذكره المصنف من التسمية وبين ما هو معروف عندهم

(قوله: وإن كان إلخ) جملة حالية (وقوله: إلا أن إلخ) هذه الجملة دالة على خبر أن والأصل؛ لأن الأصل فى التشبيه هو المشبه من جهة أن الغرض إلخ، وإن كان المشبه به أصلا من جهة أنه أقوى إلخ

(قوله: كما فى قوله) أى: قول الشاعر وهو العباس بن الأحنف

(قوله: هى الشمس)(1) مبتدأ وخبر أى: هذه الحبيبة هى الشمس، (وقوله:

مسكنها فى السماء) خبر بعد خبر أوصفه للشمس؛ لأن تعريفها للعهد الذهنى

(قوله: أمر من عزاه إلخ) أى: وحينئذ فالمعنى فاحمل فؤادك على الصبر

(قوله: عزاء جميلا) أى:

لا قلق معه ولا تطلب وذلك بالتنبه لعدم إمكان الوصول؛ لأن طلب ما لا يمكن ليس من العقل فى شىء.

(قوله: فلن تستطيع إلخ) أى: لأنك لا تستطيع الوصول إلى تلك الشمس، إذ هى فى السماء الممتنع الوصول إليها عادة

(قوله: هو المصدر بعدهما) أى: وهو الصعود والنزول

(قوله: إن جوزنا تقديم الظرف على المصدر) أى: على عامله المصدر وهو الحق على ما سبق له فى شرح الخطبة عند قوله: أكثرها للأصول جميعا

(قوله: وإلا فمحذوف) أى: وإن لم نجوز تقديم الظرف على عامله المصدر فيكون العامل فى إليها وفى إليك محذوفا، والتقدير فلن تستطيع أن تصعد إليها الصعود ولن تستطيع الشمس أن

(1) شرح عقود الجمان 2/ 49، وهو لعباس بن الأحنف فى ديوانه ص 221، والمصباح 139، وأسرار البلاغة 2/ 168.

ص: 381

تشبيه لا استعارة وفى التشبيه اعتراف بالمشبه ومع ذلك فقد بنى الكلام على المشبه به أعنى الشمس وهو واضح فقوله: وإذا جاز البناء شرط جوابه قوله: (فمع جحده) أى جحد الأصل كما فى الاستعارة البناء على الفرع (أولى) بالجواز لأنه قد طوى فيه ذكر المشبه أصلا

===

تنزل إليك النزول ويكون المصدر المذكور مفسرا لذاك العامل المحذوف

(قوله: تشبيه) أى: بليغ بحذف الأداة والأصل هى كالشمس، فحذفت الأداة للمبالغة فى التشبيه بجعل المشبه عين المشبه به

(قوله: لا استعارة) أى: لأنه يشترط فيها أن لا يذكر الطرفان على وجه ينبئ عن التشبيه وهما هنا مذكوران كذلك المشبه بضميره والمشبه به بلفظه الظاهر

(قوله: اعتراف بالمشبه) أى: ذكر له

(قوله: ومع ذلك) أى: ومع الاعتراف بالمشبه

(قوله: فقد بنى الكلام على المشبه به) أى: ذكر ما يناسبه. وهو قوله:

مسكنها فى السماء، (وقوله: أعنى) أى: بالمشبه به، قال الفنرى: إن قلت: الاستشهاد على ما ذكره من جواز ذكر ما يناسب المشبه به مع ذكر المشبه بهذا البيت ممنوع لجواز أن يحمل الضمير المنفصل- أعنى هى- على ضمير القصة، لا على المحبوبة.

قلت: قوله: فعز الفؤاد عزاء جميلا يدل على أن الضمير راجع للحبيبة؛ لأنها المأمور بالعزاء عنها، وأيضا شرط ضمير القصة أن يكون ما بعده من النسب المشكوكة فى الجملة حتى يفيد التأكيد، وكون الشمس الحقيقية فى السماء جلى لكل أحد، ويجاب أيضا بأن الغرض التمثيل وهو يكفى فيه الاحتمال

(قوله: فمع جحده أولى) مع ظرف لمحذوف أى: فالبناء على الفرع مع جحد الأصل وإنكاره وعدم ذكره أولى بالجواز، ووجه الأولوية أنه عند الاعتراف بالأصل قد وجد ما ينافى البناء؛ لأن ذكر المشبه يمنع تناسى التشبيه المقتضى للبناء على الفرع، ومع جحد الأصل يكون الكلام قد نقل للفرع الذى هو المشبه به لطى ذكر المشبه فيناسبه التناسى المقتضى أنه لا خطور للمشبه فى العقل ولا وجود له فى الخارج، وذلك مناسب لذكر ما يلائم ذلك الفرع، فإذا جاز البناء فى الأول مع وجود ما ينافى فجوازه مع عدم المنافى أحرى وأولى، فإن قلت: إذا كان البناء على الفرع أى: ذكر ما هو له موقوفا على تناسى التشبيه كما تقدم، والتناسى

ص: 382

وجعل الكلام خلوا عنه ونقل الحديث إلى المشبه به وقد وقع فى بعض أشعار العجم النهى عن التعجب مع التصريح بأداة التشبيه وحاصله لا تعجبوا من قصر ذوائبه فإنها كالليل ووجهه كالربيع والليل فى الربيع مائل إلى القصر

===

ينافيه الاعتراف بالأصل كما قررت كان البناء على الفرع عند ذكر الأصل ممتنعا فكيف يدعى جوازه؟ قلت: تناسى التشبيه عند جحد الأصل ظاهر، وأما عند ذكره فنقول: المنافى للبناء على الفرع هو ذكر المشبه مع الإشعار بأنه باق على أصله وهو أنه لم يقو قوة المشبه به ومجرد ذكر الطرفين لا إشعار فيه بما ذكر، فيتأتى معه تناسى التشبيه بأن يجعل الطرفان ولو ذكرا متحدين ويدعى أنهما شىء واحد فى الحقيقة، وإنما اختلفا بالعوارض التى لا ينافى بناؤها هذا التناسى لأصل التشبيه، وهذا ظاهر فى التشبيه الخالى عن الأداة، وأما عند ذكرها ففيه بعد؛ لأن الأداة تشعر بضعف المشبه عن المشبه به، وقد يقال: يمكن دعوى الاتحاد فيه أيضا، إذ لا مانع من تشبيه أحد المتحدين فى الحقيقة بالآخر بآلة التشبيه، وتحصل مما تقدم أن الاعتراف بالأصل المنافى للبناء على الفرع بحسب الظاهر فقط وأما عند جحد الأصل فليس هناك مناف للبناء على الفرع لا بحسب الظاهر ولا فى الواقع- فتأمل.

(قوله: وجعل الكلام خلوا عنه) أى: لأنه تنوسى التشبيه وادعى دخول المشبه فى جنس المشبه به وأنه فرد منه

(قوله: وقد وقع إلخ) هذا مغاير لما سبق فى المتن؛ لأن ما سبق فيه البناء على الفرع وهو المشبه به مع الاعتراف بالأصل من غير ذكر لأداة التشبيه وما هنا فيه البناء على الفرع مع الاعتراف بالأصل والتصريح بأداة التشبيه وهذا مما يقرر الكلام المذكور

(قوله: لا تعجبوا من قصر ذوائبه) أى: شعره (وقوله: كالربيع) أى: فى البهجة والنضارة

(قوله: والليل فى الربيع مائل إلى القصر) من المعلوم أن المائل إلى القصر فى الربيع الليل الحقيقى، والذى لا يتعجب من قصر ليله هو الربيع، فلما تنوسى التشبيه وادعى أن الذوائب نفس الليل الحقيقى، وأن وجه المحبوب نفس الربيع الحقيقى؛ نهى من التعجب من قصر الذوائب التى هى الليل الحقيقى الكائن فى زمان الربيع، فقد بنى على الفرع ما يناسبه مع الاعتراف بالأصل والتصريح بالأداة- فتأمل.

ص: 383