المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٣

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الفن الثانى علم البيان

- ‌تعريف علم البيان:

- ‌[أبواب علم البيان]:

- ‌ التشبيه

- ‌[وجه التشبيه]:

- ‌الوجه الداخل فى الطرفين والخارج عنهما:

- ‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

- ‌دقيقة فى الوجه المركب:

- ‌[أداة التشبيه]:

- ‌[الغرض من التشبيه]:

- ‌وعالم يعرف بالسجزى

- ‌أشهى إلى النفس من الخبز

- ‌[أقسام التشبيه باعتبار طرفيه]:

- ‌[إما تشبيه مركب بمفرد

- ‌[التشبيه الملفوف والمفروق]:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار أداته:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌مراتب التشبيه:

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة:

- ‌[بقية الكلام عن الحقيقة]:

- ‌[أمثلة على استعمال الكلمة على حقيقتها وعلى غير حقيقتها]:

- ‌[تعريف الوضع]:

- ‌كلامه عن الحروف ومعانيها

- ‌الفرق بين المعنى الإفرادى والمعنى التركيبى

- ‌[إنكار الوضع]:

- ‌[كلامه عن صفات الحروف]:

- ‌بداية الكلام عن المجاز

- ‌أنواع المجاز:

- ‌أقسام المجاز

- ‌[تقسيم المفرد إلى مرسل واستعارة]:

- ‌[الكلام فى المجاز المرسل]:

- ‌[علاقة الجزئية والكلية]:

- ‌[علاقة السببية]:

- ‌[اعتبار ما كان وما يكون]:

- ‌[الاستعارة]:

- ‌[الكلام فى الاستعارة]:

- ‌هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى:

- ‌[مفارقة الاستعارة للكذب]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار المستعار الأصلية والتبعية]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

- ‌[المجاز المركب]:

- ‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

- ‌[اعتراضات على السكاكى]:

- ‌فصل عرف السكاكى إلخ:

- ‌[فصل]: فى شرائط حسن الاستعارة:

- ‌[فصل]: [قد يطلق المجار]

- ‌الكناية

- ‌تعريف الكناية:

- ‌أقسام الكناية:

- ‌الكناية العرضية:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

الفصل: ‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

كاتصاف الشىء بكونه مطلوب الوجود، أو العدم عند النفس، أو كاتصافه بشىء تصورى وهمى محض.

[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

(وأيضا) لوجه الشبه تقسيم آخر وهو أنه (إما واحد، وإما بمنزلة الواحد؛ لكونه مركبا من متعدد) تركيبا حقيقيّا بأن يكون حقيقة ملتئمة من أمور مختلفة، أو اعتباريّا بأن يكون هيئة انتزعها العقل من عدة أمور (وكل منهما) أى: من الواحد، وما هو بمنزلته (حسى أو عقلى، وإما متعدد)

===

وحينئذ فلا دليل فيه- اه

(قوله: كاتصاف الشىء بكونه مطلوب الوجود) أى: إذا كان أمرا مرغوبا فيه محبوبا للطالب، وهذا المعنى أعنى كون الشىء مطلوبا أمر نسبى يتوقف تعقله على تعقل الطالب والمطلوب

(قوله: أو العدم) أى: كون الشىء مطلوب العدم أى:

إذا كان مكروها مرغوبا عنه

(قوله: أو كاتصافه .. إلخ) هذا تمثيل للاعتبارى الوهمى وذلك مثل اتصاف السنة وكل ما هو علم بما يتخيل فيها من البياض والإشراق واتصاف البدعة وكل ما هو جهل بما يتخيل فيها من السواد والإظلام

(قوله: محض) أى: خالص من الثبوت خارج الأذهان

(قوله: إما واحد) أى: إما أن يكون واحدا، والمراد بالواحد ما يعد فى العرف واحد إلا الذى لا جزء له أصلا، وذلك كقولك: خده كالورد فى الحمرة فهذا واحد وإن اشتملت الحمرة على مطلق اللونية ومطلق القبض للبصر- اه يعقوبى

(قوله: بأن يكون) أى: ذلك المركب

(قوله: ملتئمة) أى: مركبة من أمور مختلفة، والمراد بالجمع ما فوق الواحد وذلك كالحقيقة الإنسانية الواقعة وجه شبه فى قولك: زيد كعمرو فى الإنسانية فهى حقيقة مركبة تركيبا حقيقيّا من أمرين مختلقين، وإنما كان التركيب حقيقيّا؛ لأن الجزأين صارا به شيئا واحدا فى الخارج فتأثير هذا التركيب فى تقريب المركب من الواحد أحق وأقوى، والغرض من التركيب إفادة هذا المعنى فكان باسم التركيب أحق وأولى

(قوله: انتزعها العقل) أى: استحضرها العقل، (وقوله: من عدة أمور) أى: ملاحظة عدة أمور أى: وتلك الأمور لم يصر مجموعها حقيقة واحدة بخلاف أمور التركيب الحقيقى، وحاصله: أن المركب تركيبا اعتباريّا لا حقيقة له

ص: 105

عطف على قوله: إما واحد، وإما بمنزلة الواحد، والمراد بالتعدد: أن ينظر إلى عدة أمور، ويقصد اشتراك الطرفين فى كل منها ليكون كل منها وجه شبه، بخلاف المركب المنزل منزلة الواحد؛ فإنه لم يقصد اشتراك الطرفين فى كل من تلك الأمور،

===

فى حد ذاته، بل هو هيئة يلاحظها من اجتماع أمور بحيث لا يصح التشبيه إلا باعتبار تعلقها بمجموع الأجزاء كالهيئة المنتزعة فى قول الشاعر:

كأنّ مثار النقع فوق رءوسنا

وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه (1)

فإن وجه الشبه على ما يأتى هو الهيئة الحاصلة من هوى أجرام مشرقة على وجه مخصوص فى جنب شىء مظلم، فإن من المعلوم أنه يلتئم من المجموع حقيقة واحدة، ولكن تلك الهيئة وإن اعتبر فيها متعدد، لكنها كالشىء الواحد فى عدم استقلال كل جزء منها فى التشبيه، ثم إن ما ذكره الشارح من التعميم فى المركب من متعدد هو ظاهر المصنف ويشعر به كلام المفتاح الذى هو أصل لهذا المتن. قال فى المطول: وما يشعر به كلام المفتاح من التعميم فيه نظر ستعرفه، وحاصله: أن المركب تركيبا حقيقيّا كالحقيقة الملتئمة من عدة أمور من قبيل الواحد لا من قبيل ما هو منزل منزلة الواحد، فالأولى قصر المركب من متعدد على المركب تركيبا اعتباريّا

(قوله: عطف على قوله إما واحد وإما بمنزلة الواحد) ظاهره أنه عطف على مجموع الأمرين؛ وذلك لأنهما بمنزلة شىء واحد، فكأنه قيل وجه الشبه إما غير متعدد وإما متعدد وغير المتعدد صادق بالأمرين أعنى الواحد والمنزل منزلته، فلما كان بمنزلة الشىء الواحد صح العطف على مجموعهما- كذا قرر شيخنا العدوى، والذى فى المطول: أن قوله وإما متعدد عطف على قوله: إما بمنزلة الواحد، وحينئذ تؤول تلك المنفصلة ذات الأجزاء الثلاثة إلى منفصلتين ذاتى جزئين، لأن الحكم الانفصالى لا يمكن أن يتحقق إلا بين أمرين فكأنه قال وجه الشبه إما بواحد أو غيره، وغير الواحد إما بمنزلة الواحد أو متعدد

(قوله: أن ينظر) أى: ذو (2) أن ينظر

(قوله: إلى عدة أمور) أى: اثنين فأكثر

(قوله: ليكون كل منها وجه شبه) أى: وهذا إنما يكون إذا كان التشبيه فى أمور كثيرة لا يتقيد

(1) البيت لبشار بن برد، ديوانه 1/ 318، والمصباح ص 106.

(2)

كذا بالمطبوعة.

ص: 106

بل فى الهيئة المنتزعة، أو فى الحقيقة الملتئمة منها (كذلك) أى: المتعدد أيضا حسى، أو عقلى (أو مختلف) بعضه حسى، وبعضه عقلى (والحسى) من وجه الشبه سواء كان بتمامه حسيّا، أو ببعضه (طرفاه حسيان لا غير) أى: لا يجوز أن يكون كلاهما، أو أحدهما عقليّا (لامتناع أن يدرك

===

بعضها ببعض، بل كل واحد منها منفرد بنفسه أى: بحيث لو حذف البعض واقتصر على البعض لم يختل التشبيه كقولنا: هذه الفاكهة مثل هذه الفاكهة فى شكلها ولونها وحلاوتها وطعمها وريحها، وزيد كعمرو فى علمه وحلمه وأدبه وإيمانه وشجاعته

(قوله: بل فى الهيئة المنتزعة) أى: إذا كان مركبا تركيبا اعتباريّا (وقوله: أو فى الحقيقة الملتئمة) أى: فيما إذا كان مركبا تركيبا حقيقيّا نحو: زيد كعمرو فى الإنسانية، فالذى قصد اشتراك الطرفين فيه الإنسانية وهى حقيقة مركبة من الحيوانية والناطقية

(قوله: كذلك) خبر لمبتدأ محذوف كما قال اليعقوبى أى: وهو كذلك أى: مثل المذكور من الواحد وما هو بمنزلته فى التقسيم إلى حسىّ وعقلىّ، وهذا هو الأنسب بما قبله، وجعله فى الأطول صفة لمتعدد

(قوله: أو مختلف) عطف على ما تضمنه قوله كذلك، والتقدير المتعدد إما حسى كله أو مختلف أى: بعضه حسى وبعضه عقلى فهو مرتبط بالمتعدد، وهذا يقتضى أن الاختلاف لا يكون فى القسمين السابقين، مع أنه يتأتى فى الثانى وهو المركب المنزل منزلة الواحد باعتبار الأجزاء التى انتزعت منها الهيئة إلا أن يقال لما كان وجه الشبه فى الثانى هو المجموع المركب وهو إما حسىّ فقط أو عقلىّ فقط لم يلتفت إلى تقسيمه- كذا فى العروس

(قوله: والحسى) أى: ووجه الشبه الحسى

(قوله: سواء كان بتمامه حسيّا) أى: كان واحدا أو مركبا أو متعددا

(قوله: أو ببعضه) أى:

أو كان بعضه حسيّا وذلك بأن كان متعددا مختلفا واحد منه حسى والآخر عقلى، وفى كلامه تنبيه على أن الحسى هنا مأخوذ بالمعنى الأعم من الحسى فيما قبل؛ لأنه فيما قبل يقابل المختلف بخلافه هنا فإنه يشمل المختلف.

(قوله: أى لا يجوز أن يكون كلاهما أو أحدهما عقليّا) أما إذا كان وجه الشبه بتمامه حسيّا فظاهر، لأن الحسى لا يقوم إلا بالحسى، وأما إذا كان وجه الشبه متعددا

ص: 107

بالحس من غير الحسى شىء) فإن وجه الشبه أمر مأخوذ من الطرفين، موجود فيهما، والموجود فى العقلى إنما يدرك بالعقل دون الحس؛ إذ المدرك بالحس لا يكون إلا جسما، أو قائما بالجسم (والعقلىّ) من وجه الشبه (أعم) من الحسى (لجواز أن يدرك بالعقل من الحسىّ شىء) أى: لجواز أن يكون طرفاه حسيين أو عقليين، أو أحدهما حسيّا والآخر عقليّا؛

===

مختلفا فلأنه لا بد من انتزاع كل واحد من ذلك المتعدد من الطرفين، ويمتنع انتزاع الذى هو حسى من العقلى بخلاف وجه الشبه المركب من الحسى والعقلى فإنه عقلى، وإن كان بعض أجزائه حسيّا فيجوز أن يكون طرفاه أحدهما عقليّا مركبا من الحسى والعقلى- فتدبر- قاله عبد الحكيم

(قوله: بالحس) أى: الظاهرى كالسمع والبصر .. إلخ

(قوله: من غير الحسى) أى: من الطرف غير الحسى وهو العقلى (وقوله: شىء) هو وجه الشبه

(قوله: من غير الحسى) من للابتداء متعلقة ب" يدرك" على تضمنه معنى يوجد فلذا عداه بمن أى:

لامتناع أن يوجد شىء من غير الحسيات وهى العقليات مدركا بالحواس وليست" من" بيانا لشىء، وقد أشار لذلك الشارح

(قوله: والموجود) أى: والوصف الموجود من وجه الشبه فى الطرف العقلى

(قوله: لا يكون إلا جسما) هذا بناء على قول أهل السنة (وقوله: أو قائما بالجسم) بناء على قول الحكماء: إن الحواس لا تدرك الأجسام، بل الأعراض القائمة بها فأوفى كلامه لتنويع الخلاف، ثم إن الجسم عبارة عن الجوهر المركب فيفيد أن الجوهر المفرد لا يدرك بالحس

(قوله: والعقلى من وجه الشبه) أى: سواء كان عقليّا صرفا أو بعض أجزائه عقليّا وبعضها حسيّا

(قوله: أعم) أى: من حيث الطرفين، أو فى العبارة مضاف محذوف والتقدير: وطرف العقلى من وجه الشبه أعم من طرفه الحسى، وإنما جعلنا العموم والخصوص فيهما باعتبار محليهما أى: طرفيهما لا باعتبار ذاتيهما لتباينهما، إذ لا يتصور تصادق بين حسى وعقلى؛ لأن الوجه الحسى هو الذى لا يدرك أولا إلا بالحس والوجه العقلى هو الذى لا يدرك أوّلا إلا بالعقل، وليس المراد بالعقلى مطلق المدرك بالعقل، إذ لو أريد ذلك لم تصح مقابلته بالحسى فى التقسيم ضرورة أن كل مدرك بالحس مدرك بالعقل ولا ينعكس فيكون العقلى على هذا أعم فلا يقابله الحسى

(قوله: أو عقليين) أى: صرفين

ص: 108

إذ لا امتناع فى قيام المعقول بالمحسوس، وإدراك العقل من المحسوس شيئا (ولذلك يقال: التشبيه بالوجه العقلى أعم) من التشبيه بالوجه الحسى؛ بمعنى: أن كل ما يصح فيه التشبيه بالوجه الحسى يصح بالوجه العقلى من غير عكس (فإن قيل هو) أى: وجه الشبه

===

أو مركبين من المحسوس والمعقول

(قوله: لجواز .. إلخ) علة لقوله أعم أى: لجواز أن يدرك بالعقل شىء من الأمر الحسى كما يجوز أن يدرك بالعقل شىء من الأمر العقلى.

(قوله إذ لا امتناع فى قيام المعقول بالمحسوس) أى: اتصاف المحسوس بالمعقول كاتصاف الإنسان بالإيمان والعلم والجهل والشجاعة والكرم- وغير ذلك، فالقيام على جهة الاتصاف

(قوله: وإدراك العقل) عطف على قيام، وإضافة الإدراك لما بعده من إضافة المصدر لفاعله، وشيئا بعده مفعوله

(قوله: ولذلك يقال) أى: لأجل ما قلناه من أن وجه الشبه إذا كان عقليّا يكون أعم من وجه الشبه الحسى باعتبار الطرفين لجواز كون طرفى العقلى عقليين دون الحسى.

قال علماء البيان: التشبيه حال كونه كائنا بالوجه العقلى أعم من التشبيه حال كونه كائنا بالوجه الحسى

(قوله: بمعنى .. إلخ) أشار بهذا إلى أن العموم باعتبار التحقق أى: أن كل طرفين يتحقق فيهما التشبيه بوجه حسى يتحقق فيهما بوجه عقلى، وليس كل طرفين يتحقق فيهما التشبيه بوجه عقلى يتحقق فيهما بوجه حسى

(قوله: أن كل ما يصح) أى: كل موضع يصح فيه التشبيه بالوجه الحسى بأن يكون الطرفان حسيين

(قوله: من غير عكس) أى: بالمعنى اللغوى، وأما عكس ذلك عكسا منطقيّا فهو صحيح

(قوله: فإن قيل) هذا وارد على قوله وكل منهما حسى أو عقلى، وحاصل ما ذكره المصنف: قياس مفصول النتائج مركب من قياسين: أولهما من الشكل الأول مؤلف من موجبتين كليتين ينتج موجبة كلية، وثانيهما من الشكل الثانى مؤلف من موجبة كلية صغرى هى نتيجة القياس الأول، وسالبة كلية كبرى تنتج سالبة كلية هى المطلوب وهى أنه لا شىء من وجه الشبه بحسى وهى مناقضة لما تقدم من أن وجه الشبه يكون حسيّا، وتقرير السؤال أن تقول: كل وجه شبه فهو مشترك فيه وكل مشترك فيه فهو

ص: 109

(مشترك فيه) ضرورة اشتراك الطرفين فيه (فهو كلى) ضرورة أن الجزئى يمتنع وقوع الشركة فيه (والحسى ليس بكلى) قطعا ضرورة أن كل حسى فهو موجود فى المادة، حاضر عند المدرك، ومثل هذا لا يكون إلا جزئيّا ضرورة؛ فوجه الشبه لا يكون حسيّا فقط (قلنا: المراد) بكون وجه الشبه حسيّا (أن أفراده) أى:

جزئياته (مدركة بالحس) كالحمرة التى تدرك بالبصر جزئياتها الحاصلة فى المواد، فالحاصل أن وجه الشبه إما واحد، أو مركب، أو متعدد، وكل من الأوّلين إما حسى، أو عقلى،

===

كلىّ ينتج كل وجه شبه فهو كلى، ثم تضم إليها كبرى القياس الثانى وتقول: لا شىء من الحسى بكلى ينتج ولا شىء من وجه الشبه بحسى وهو المطلوب

(قوله: مشترك فيه) أى: محكوم عليه بالاشتراك فيه (وقوله: ضرورة اشتراك الطرفين فيه) أى: فى الواقع فلم يلزم تعليل الشىء بنفسه لاختلاف العلة والمعلول (وقوله: ضرورة .. إلخ) الأول دليل للصغرى، والثانى دليل للكبرى فى القياس الأول (وقوله: ضرورة أن كل حسى ..

إلخ) هذا دليل للكبرى فى القياس الثانى القائلة ولا شىء من الحسى بكلى وتقرير دليلها الذى ذكره كل حسى فهو موجود فى المادة خاص عند المدرك، وكل ما هو موجود فى المادة وخاص عند المدرك فهو جزئى ينتج كل حسى فهو جزئى

(قوله: فهو موجود فى المادة) أى: فى الجزئيات المادية أى: أن كل ما يدرك بإحدى الحواس موجود فى مادة معينة أى: فى جسم معين كالحمرة القائمة بالخد والقائمة بالورد

(قوله: قولنا .. إلخ) حاصله جواب بالتسليم أى: سلمنا ما قلت: وهو أن وجه الشبه لا يكون حسيّا ولكن إطلاقنا عليه حسيّا تسامح نظرا لكون جزئياته حسية لا أنه فى ذاته حسى، بل هو عقلى لكونه كليّا

(قوله: الحاصلة فى المواد) أى: فى الأجسام المادية المعينة كحمرة هذا الخد وهذا الورد فإنها مدركة بالحس، وأما الحمرة الكلية من حيث هى حمرة فغير مدركة بالبصر ولا بغيره من الحواس؛ لأن الماهية من حيث هى أمر كلى معقول لا مدخل للحس فيه، وإنما يدرك بالعقل

(قوله: أو مركب) وهو المعبر عنه فيما تقدم بالمنزل منزلة الواحد

(قوله: وكل من الأولين) أى: الواحد والمركب (وقوله: إما

ص: 110

والأخير إما حسى، أو عقلى، أو مختلف؛ تصير سبعة، والثلاثة العقلية طرفاها إما حسيان، أو عقليان، أو المشبه حسى والمشبه به عقلى، أو بالعكس؛ صارت ستة عشر قسما.

(الواحد الحسى كالحمرة) من المبصرات (والخفاء) يعنى خفاء الصوت من المسموعات (وطيب الرائحة) من المشمومات (ولذة الطعم) من المذوقات (ولين الملمس) من الملموسات (فيما مر) أى: فى تشبيه الخد بالورد، والصوت الضعيف بالهمس، والنكهة بالعنبر، والريق بالخمر، والجلد الناعم بالحرير، وفى كون الخفاء من المسموعات والطيب من المشمومات واللذة من المذوقات

===

حسى أو عقلى) أى: فتصير أربعة

(قوله: والأخير) أى: المتعدد من وجه الشبه إما حسى بتمام جزئياته أو عقلى بجميع جزئياته، أو مختلف بعض جزئياته حسى وبعضها عقلى

(قوله: تصير سبعة) أى: حاصلة من مجموع الأربعة الأول والثلاثة الأخيرة

(قوله: والثلاثة والعقلية) وهى الواحد العقلى والمركب العقلى والمتعدد العقلى، واحترز بالعقلية عن الحسية لوجوب كون الطرفين فيها حسيينو وعن المختلف أيضا؛ لأنه يقتضى حسية الطرف بالتمام (وقوله: طرفاها إما حسيان .. إلخ) أى: فإذا ضربت الثلاثة العقلية فى أحوال الطرفين الأربعة صارت اثنى عشر، ويضاف إلى ذلك الأربعة الباقية من السبعة:

وهى وجه الشبه الواحد الحسى، والمركب الحسى، والمتعدد الحسى، والمتعدد المختلف بعضه حسى وبعضه عقلى، وهذه الأربعة لا يكون طرفاها إلا حسيين كما تقدم فصار المجموع ستة عشر كما ذكر الشارح.

(قوله: الواحد الحسى) أى: وجه الشبه الواحد الحسى وهذا شروع فى تمثيل الأقسام المذكورة، وقد علمت أن الواحد الحسى لا يكون طرفاه إلا مفردين حسيين، وحينئذ فمقتضاه أن يقتصر فى التمثيل له على مثال واحد لكن المصنف مثّل له بأمثلة خمسة نظرا لتعدد الحواس وكونها خمسة

(قوله: من المبصرات) حال من الحمرة أى: حالة كونها من المبصرات وكذا يقال فى نظائره الآتية

(قوله: فيما مر) أى: فى تشبيهات مرت بينّها الشارح بقوله أى: فى تشبيه الخد .. إلخ، فيقال: خده كالورد فى الحمرة وصوت زيد كالهمس

ص: 111

تسامح. (و) الواحد (العقلى كالعراء عن الفائدة، والجرأة) على وزن الجرعة- أى: الشجاعة، وقد يقال: جرؤ جراءة- بالمد (والهداية) أى: الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب

===

فى الخفاء ونكهته كالعنبر فى طيب الرائحة وريقه كالخمرة فى لذة الطعم وجلده كالحرير فى لين الملمس

(قوله: تسامح) وجهه: أن الخفاء والطيب واللذة أمور عقلية غير مدركة بالحواس، وإنما المدرك بالسمع الصوت الخفىّ لا الخفاء وبالشم رائحة الطيب لا الطيب وبالذوق طعم الخمر لا لذته، فقد أثبت ما للموصوف للصفة أو عبّر باسم اللازم عن الملزوم، فأطلق الخفاء وأراد الصوت الخفى، وطيب الرائحة وأراد الرائحة الطيبة، وبلذة الطعم عن الطعم اللذيذ

(قوله: والواحد العقلى) أى: ووجه الشبه الواحد العقلى وتحته أربعة؛ لأن طرفيه إما حسيان أو عقليان أو المشبه به حسى والمشبه عقلى أو عكسه؛ فلذا مثل له المصنف بأمثلة أربعة

(قوله: كالعراء) بالمد أى: الخلو

(قوله: على وزن الجرعة) بضم الجيم- كحسوة وزنا ومعنى وهو ملء الفم من الماء، والجرأة مصدر جرؤّ كظرف، ويقال فى مصدره أيضا: جراءة- بالمد وفتح الجيم- كما قال الشارح: ككراهة، ويقال فيه أيضا جرائية ككراهية، ويقال فيه أيضا جرة ككرة، وأما جراءة- بضم الجيم والمد- فهو لحن.

(قوله: أى الشجاعة) تفسير الجرأة بالشجاعة مبنىّ على اصطلاح اللغويين من ترادفهما، وأن اقتحام المهالك سواء كان صادرا عن رويّة أو لا يقال: جرأة وشجاعة، وهذا خلاف اصطلاح الحكماء من أن الجرأة أعم من الشجاعة؛ لأن الاقتحام المذكور إن كان عن رويّة فهو شجاعة، وأما الجرأة فهى اقتحام المهالك مطلقا، واعلم أن الشجاعة كما تطلق على الملكة كما تقدم تطلق على آثارها من اقتحام المهالك، وحينئذ فلا اعتراض، وإنما عبر المصنف بالجرأة دون الشجاعة مع اشتهار جعلها وجه شبه فى تشبيه الإنسان بالأسد لأجل صحة المثال على كل من اصطلاح الحكماء واللغويين ولو عبر بالشجاعة لورد عليه أن المثال إنما يصح على مذهب اللغويين لا على مذهب الحكماء لاختصاص الشجاعة بالعقلاء- تأمل.

(قوله: أى: الدلالة) قال عبد الحكيم: فسر الهداية على مذهب الاعتزال متابعة للسكاكى ولأنه الأنسب فى تشبيه العلم بالنور فى كون كلّ منهما موصلا إلى شىء

ص: 112

(واستطابة النفس فى تشبيه وجود الشىء العديم النفع بعدمه) فيما طرفاه عقليان؛ إذ الوجود والعدم من الأمور العقلية (و) تشبيه (الرجل الشجاع بالأسد) فيما طرفاه حسيان (و) تشبيه (العلم بالنور) فيما المشبه عقلى، والمشبه به حسى، فبالعلم يوصل إلى المطلوب، ويفرق بين الحق والباطل، كما أن بالنور يدرك المطلوب، ويفصل بين الأشياء، فوجه الشبه بينهما الهداية (و) تشبيه (العطر بخلق) شخص (كريم) فيما المشبه حسى، والمشبه به عقلى، ولا يخفى ما فى الكلام من اللف والنشر، وما فى وحدة بعض الأمثلة من التسامح

===

(قوله واستطابة) مصدر مضاف للفاعل يقال: استطاب الشىء أى: وجده طيبا

(قوله: فى تشبيه) متعلق بالظرف المتقدم الواقع خبرا عن الواحد العقلى

(قوله: العديم النفع) أى: الذى لا نفع له يعنى ولا ضرر كرجل هرم، أو لا عقل له فيقال: وجود هذا كعدمه فى العراء عن الفائدة. قال الشيخ يس: العديم بمعنى فاعل فهو من عدم ككرم بمعنى انعدم، والانعدام لحن لم يثبت فى اللغة والمتكلمون يستعملونه مع عدم ثبوته وإن كان بمعنى مفعول فهو من عدمه كعلمه أى: فقده- اه.

(قوله: بعدمه) متعلق بتشبيه

(قوله: فيما طرفاه) أى: فى تشبيه طرفاه .. إلخ، وكذا يقال فى نظائره الآتية

(قوله: إذ الوجود والعدم من الأمور العقلية) أى: سواء كان العدم عاريا عن الفائدة أم لا

(قوله: وتشبيه الرجل الشجاع بالأسد) أى: فيقال:

زيد- مثلا- كالأسد فى الجرأة.

(قوله: وتشبيه العلم بالنور) أى: فيقال: العلم كالنور فى الهداية به

(قوله: فبالعلم يوصل إلى المطلوب) أى: وهو السلامة فى الدنيا والآخرة؛ وذلك لأنه يدل على الحق ويفرق بينه وبين الباطل، فإذا اتبع الحق وصل إلى المطلوب الذى هو السلامة المذكورة فقد صدق على العلم أنه يدل على الطريق الموصلة للمطلوب وكذلك النور يفرق ويميز بين طريقى السلامة والهلاك، فإذا سلك الطريق الأول حصل المطلوب الذى هو السلامة فقد ظهر أن كلّا من العلم والنور يدل على الطريق الموصلة للمطلوب وتلك الدلالة هى الهداية كما مر

(قوله: ويفرق) أى: لأنه يفرق .. إلخ (وقوله: ويفصل) أى:

يميز

(قوله: وتشبيه العطر .. إلخ) أى: فيقال: العطر كخلق شخص كريم فى استطابة

ص: 113

كالعراء عن الفائدة مثلا (والمركب الحسى) من وجه الشبه طرفاه إما مفردان، أو مركبان، أو أحدهما مفرد والآخر مركب، ومعنى التركيب هاهنا أن تقصد إلى عدة أشياء مختلفة فتترع منها هيئة وتجعلها مشبها أو مشبها بها؛ ولهذا صرح صاحب المفتاح فى تشبيه المركب بالمركب بأن كلّا من المشبه والمشبه به هيئة منتزعة، وكذا المراد بتركيب وجه الشبه أن تعمد إلى عدة أوصاف لشىء

===

النفس لكلّ أى: ميلها لكلّ أو عدّها لكلّ منهما طيبا بالتشديد

(قوله: كالعراء عن الفائدة) أى: واستطابة النفس وذلك لما فيها من شائبة التركيب لتقييد الأول بالظرف والثانى بالمضاف إليه وفى دعوى الشارح التسامح نظر؛ لأن المراد بالواحد ما ليس هيئة منتزعة من عدة أمور ولا أمورا كل واحد منها وجه شبه لا ما ليس فيه تركيب أصلا، وحينئذ فالتقييد بأمر لا يقتضى التركيب ولا يخرج المقيد عن كونه شيئا واحدا- كذا فى السيرامى.

(قوله: والمركب الحسى من وجه الشبه) قد علمت مما سبق أن وجه الشبه متى كان حسيّا سواء كان واحدا أو مركبا أو متعددا لا يكون طرفاه إلا حسيين، فلذا قسم الشارح الطرفين هنا إلى المفرد والمركب، ولم يقسمهما إلى الحسى والعقلى، إذ لا يكونان إلا حسيين كما تقدم ولم يتعرض الشارح لهذا التقسيم فى وجه الشبه الواحد الحسى لكون الطرفين المركبين لا يتأتيان فيه وكذلك المفرد والمركب؛ وذلك لأن تركيب الطرفين هو أن يقصد إلى متعددين فينتزع منهما هيئتين، ثم يقصد اشتراك الهيئتين فى هيئة تعمّهما، وإنما يكون ذلك إذا كان وجه الشبه مركبا ليمكن انتزاع الهيئة التى تعمّهما منه بقى شىء آخر وهو أن تقسيم وجه الشبه إلى واحد ومركب يتوقف على تقسيم الطرفين إلى مفردين ومركّبين ومختلفين، وسيأتى ذلك فى كلام المصنف فهلّا قدّمه على الكلام على وجه الشبه وتقسيمه وذكره عند تقسيم الطرفين إلى حسيين وعقليين ومختلفين خصوصا وفى ذلك جمع يشمل تقسيمات الطرفين- تأمل.

(قوله: هاهنا) أى: فى الطرفين إذا كان وجه الشبه مركبا

(قوله: أن تقصد .. إلخ) أى: فالمراد به هنا أحد مسمى ما هو بمنزلة المفرد وهو الذى تركيبه اعتبارى، والحاصل:

ص: 114

فتنتزع منها هيئة، وليس المراد بالمركب هاهنا ما يكون حقيقة مركبة من أجزاء مختلفة؛ بدليل أنهم يجعلون المشبه والمشبه به فى قولنا: زيد كالأسد مفردين لا مركبين، ووجه الشبه فى قولنا: زيد كعمرو فى الإنسانية واحدا، لا منزلا منزلة الواحد، (فالمركب الحسى فيما) أى: فى التشبيه الذى (طرفاه مفردان كما فى قوله:

===

أن المراد بالمركب هنا- أى: فى تقسيم الطرفين- أخص منه فيما سبق- أى: التركيب فى وجه الشبه؛ لأنه فيما سبق المراد به ما كان حقيقة ملتئمة وما كان هيئة والمراد هنا الثانى

(قوله: فتنتزع منها هيئة) أى: وهى لا وجود لها خارجا، وحينئذ فمعنى كون الطرفين اللذين هما الهيئتان محسوسين أن تكون الهيئة منتزعة من أمور محسوسة

(قوله: ولهذا) أى: لأجل أن المراد بالتركيب ما ذكر

(قوله: أن تعمد إلى عدة أوصاف .. إلخ) بيان للمراد بتركيب وجه الشبه

(قوله: وليس المراد بالمركب هاهنا) أى: فى الطرفين ووجه الشبه

(قوله: ما يكون حقيقة مركبة من أجزاء مختلفة) أى: كحقيقة زيد الحسية وهى ذاته فإنها مركبة من أجزاء مختلفة وهى أعضاؤه، أو عقلية وهى ماهيته فإنها مركبة من أجزاء مختلفة وهى الحيوانية والناطقية

(قوله: مفردين لا مركبين) مع أن زيدا فيه حيوانية وناطقية وتشخص والأسد فيه الحيوانية والافتراس، فلو أريد بالمركب ما يكون حقيقة مركبة من أجزاء مختلفة ما ساغ جعل هذين مفردين.

(قوله: لا منزلا منزلة الواحد) أى: وإن كانت الإنسانية مركبة من أمور مختلفة، وبما ذكره الشارح هنا من أن المركب سواء كان طرفا أو وجه شبه لا يكون إلا هيئة منتزعة لا حقيقة مركبة من أجزاء- تعلم أن جعل الشارح سابقا عند قول المصنف أو منزلا منزلة الواحد الحقيقة الملتئمة من أمور مختلفة من قبيل المركب المنزل منزلة الواحد- فيه نظر كما نبهنا عليه سابقا

(قوله: كما فى قوله) أى: كوجه الشبه الذى فى قول أحيحة بن الجلّاح- بضم الهمزة وبحاءين مهملتين مفتوحتين بينهما ياء ساكنة- والجلّاح- بضم الجيم وتشديد اللام- وقيل: إن البيت لأبى قيس بن الأسلت

ص: 115

وقد لاح فى الصّبح الثّريّا كما ترى

كعنقود ملّاحيّة (1)

بضم الميم، وتشديد اللام: عنب أبيض فى حبه طول؛ وتخفيف اللام أكثر (حين نوّرا) أى: تفتح نوره.

===

(قوله: وقد لاح) أى: ظهر (وقوله: الثريا) اسم لجملة أنجم مجتمعة

(قوله: كما ترى) الكاف لتشبيه مضمون جملة" قد لاح" بمضمون جملة" ترى" كما فى تشبيه مفرد بمفرد ولا فعل يتعلق به الجارّ هنا كما نص عليه الرضى، والمعنى: الثريا الشبيهة بعنقود الملّاحية لاحت فى الصبح كما ترى أى: لاحت على حالة شبيهة بالحالة التى تراها عليها بقطع النظر عن صغرها أو كبرها، ويصح جعل قوله" كما ترى" حالا من الثريا أو صفة لها والكاف بمعنى" على" أى: قد ظهر فى الصبح الثريا حالة كونها كائنة على الحالة التى تراها عليها كعنقود .. إلخ، فهو يشير إلى أن التشبيه بحسب الرؤية لا بحسب الحقيقة؛ لأنها فى نفس الأمر كواكب كبار، ويصح جعل قوله" كما ترى" صفة لمصدر محذوف أى: قد ظهرت الثريا ظهورا مثل ما تراه من المرئىّ المحسوس حالة كونها مماثلة لعنقود الملّاحية

(قوله: كعنقود ملاحية) الإضافة بيانية

(قوله: فى حبه طول) ليس المراد بحبه بذره، بل المراد بحبه وحداته كما يدل له قول القاموس الملّاحية عنب أبيض طويل

(قوله: وتخفيف اللام أكثر) أى: وإن كانت الرواية فى البيت التشديد- قال ابن قتيبه: لا أعلم هل التشديد فيه ضرورة أو لغة فيه

(قوله: حين نوّرا) أى: حالة كون العنقود حين نور، وفى هذا تنبيه على أن المقصود تشبيه الثريا بالعنب فى حال صغره؛ لأنه فى حال تفتح نوره يكون صغيرا- كذا قرر بعضهم، وفيه أنه حين تفتح نوره يكون أخضر لا أبيض فيلزم إلغاء البياض فى التشبيه، وقد اعتبره الشاعر، وأيضا يكون صغيرا جدّا كالكزبرة أو الحمص وهو أصغر فى المرأى بالنسبة للأنجم، ولذا قرر شيخنا العدوى أن المراد بقوله: حين نوّر حين قارب الانتفاع به لا حقيقته كما يتبادر من الكلام وعبر عن ذلك المراد بنوّر أى: تفتح نوره؛ لأن انفتاح النور يحصل معه ويلابسه الانتفاع فى الجملة والنور الزهر ونور العنب أبيض مستدير خلافا لمن وهم، وقال: إنه لا نور له

(1) البيت لأبى قيس بن الأسلت أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 180.

ص: 116

(من الهيئة) بيان لما كما فى قوله: (الحاصلة من تقارن الصور البيض المستديرة الصغار المقادير فى المرأى) وإن كانت كبارا فى الواقع حال كونها (على الكيفية المخصوصة) أى: لا مجتمعة اجتماع التضامّ، والتلاصق،

===

(قوله: بيان لما) أى: الواقعة على وجه الشبه، فالهيئة المذكورة هى وجه الشبه المركب الحسى لانتزاع تلك الهيئة من محسوس وهذه الهيئة قائمة بطرفين مفردين كما يأتى.

(قوله: الحاصلة) أى: المتحققة- قال اليعقوبى: وفسرنا الحاصلة بالمتحققة إشارة إلى أن حقيقة الهيئة متحققة خارجا بالتقارن كتحقق الأعم بالأخص وأنها نفس ذلك التقارن، ويحتمل أن يحمل الكلام على ظاهره من كون التقارن سببا لحصول هيئة أخرى وهى كون تلك الأجرام متقارنة على الوجه المخصوص على قاعدة حصول الحال لموجبها

(قوله: من تقارن الصور)" من" ابتدائية أى: الحاصلة حصولا ناشئا من الصور المتقارنة فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والمراد بالصور المتقارنة: صور النجوم فى الثريا وصور حبات العنب فى العنقود (وقوله: البيض) أراد القائم بها مطلق البياض أى: الصفاء الذى لا يشوبه حمرة ولا سواد وإن كان بياض النجوم فى المرأى أشد- تأمل.

(قوله: المستديرة) فيه أن هذا يخالف ما مر من أن العنب الملاحى فيه طول، وأجيب بأن الطول يحدث فيه بعد طيبه، وأما فى حال صغره فهو مستدير والتشبيه به فى حال صغره أى: حين مقاربة الانتفاع به لا فى حال كبره بدليل قوله حين نوّر.

(قوله: الصغار المقادير) أى: التى مقاديرها صغيرة

(قوله: فى المرأى) قيد فى التقارن والبيض والمستديرة والصغار؛ لأنه لا تقارن فى الحقيقة، ولأنه لا لون للفلكيات أو لا نعلم لونها ولا نعلم استدارتها وهى فى الواقع كبار فما أشعر به (قول الشارح: وإن كانت .. إلخ) من أنه قيد فى قوله الصغار فقط فهو قصور- قاله العصام فى الأطول.

(قوله: حال كونها) أى: الصور كائنة على الكيفية المخصوصة، وأشار الشارح بهذا إلى أن قوله على الكيفية المخصوصة حال من الصور

(قوله: أى: لا مجتمعة .. إلخ)

ص: 117

منضمة (إلى المقدار المخصوص) من الطول والعرض فقد نظر إلى عدة أشياء، وقصد إلى هيئة حاصلة منها، والطرفان مفردان؛ لأن المشبه هو الثريا، والمشبه به هو العنقود؛ مقيدا بكونه عنقود الملاحية فى حال إخراج النور، والتقييد لا ينافى الإفراد، كما سيجىء إن شاء الله تعالى.

===

تفسير للكيفية المخصوصة وعطف التلاصق على ما قبله عطف تفسير (وقوله: ولا شديدة الافتراق) أى: بل تلك الصور متقاربة مجتمعة اجتماعا متوسطا بين التلاصق وشدة الافتراق.

(قوله: منضمة إلى المقدار المخصوص) أى: حال كون تلك الكيفية السابقة منضمة إلى مقدار كل منهما القائم بمجموعه من الطول والعرض، ولا يقال لا حاجة لهذا مع قوله أولا الصغار المقادير؛ لأن ذلك باعتبار كل حبة وكل نجمة، والمراد هنا المقدار القائم بالمجموع، وأشار الشارح بقوله: منضمة إلى تقدير متعلق الجار والمجرور، ولك أن تجعل" إلى" بمعنى" مع" أى: حال كون تلك الكيفية مصاحبة للمقدار المخصوص ولا يحتاج حينئذ لتقدير" منضمة" لفهم الانضمام من المصاحبة، وهذا أعنى قوله: إلى المقدار المخصوص تصريح بما علم التزاما؛ لأن الكيفية من لوازمها مصاحبتها للمقدار- تأمل.

ولا يلزم على جعل قوله إلى المقدار حالا من الكيفية مجىء الحال من الحال؛ لأن الكيفية فى الجملة الظرفية مفعول بالواسطة فصح مجىء الحال منها- قاله العصام، وما اقتضاه كلامه من أن الحال لا تأتى من الحال صحيح كما هو مصرح به فى متن الكافية، وكذلك التمييز والمفعول المطلق

(قوله: فقد نظر) أى: فى وجه هذا التشبيه

(قوله: إلى عدة أشياء) أى: وهى الصفات القائمة بالثريّا والعنقود من التقارن والاستدارة والصغر وإن كان ذلك بحسب المرأى والكيفية المخصوصة والمقدار المخصوص

(قوله: والطرفان) أى: المشبه والمشبه به (وقوله: مفردان) أى: حسيان

(قوله: مقيدا) أى: كما أن المشبه مقيد بكونه فى الصبح، فقوله بعد والتقييد أى: فى كل من المشبه والمشبه به

(قوله: لا ينافى الأفراد) أى: لأن المراد بالمفرد هنا ما ليس هيئة منتزعة

ص: 118

(وفيما) أى: والمركب الحسى فى التشبيه الذى (طرفاه مركبان كما فى قول بشار (1):

كأنّ مثار النقع) من: أثار الغبار: هيجه (فوق رءوسنا وأسيافنا ليل

===

من متعدد فيصدق حتى على مجموع المقيد والقيد خلافا لما يفهم من الشارح، وأتى بقوله: والتقييد لا ينافى: إلخ دفعا لما يتوهم من أن المشبه به هو عنقود الملّاحية حين كان كذا فهو مركب لا مفرد

(قوله: أى والمركب الحسى) أى: ووجه الشبه المركب الحسى فى التشبيه الذى طرفاه مركبان

(قوله: كما فى قول بشار) أى: كوجه الشبه الذى فى قول بشار بن برد

(قوله: كأن مثار النقع) مثار- بضم الميم- اسم مفعول من أثار الغبار: هيجه وحركه، والنقع: الغبار، والإضافة من إضافة الصفة للموصوف أى:

كأن الغبار المثار أى: المهيج والمحرك من أسفل لأعلى بحوافر الخيل (وقوله: فوق رءوسنا) أى: المنعقد فوق رءوسنا، وأنشد ابن جنى فى مجموعه" فوق رءوسهم وأسيافنا"، وكذلك أنشده الخفاجى فى سر الفصاحة، وابن رشيق فى العمدة، وهذه الرواية أحسن من جهة المعنى؛ لأن السيوف ساقطة على رءوسهم فلا بد أن يكون النقع على رءوسهم ليحصل التشبيه- كذا فى عروس الأفراح، وفى الأطول: مثار النقع اسم مفعول وإضافته لما بعده بيانية ولو جعل كأن للتشبيه لم يكن المحذوف من أركان التشبيه إلا الوجه، وإن جعل للظن كانت أداة التشبيه أيضا محذوفة ويكون كقولهم:

أظن زيدا أسدا فيكون أبلغ، وهكذا كل تشبيه مشتمل على كلمة كأن- اه.

(قوله: وأسيافنا) الواو بمعنى مع فأسيافنا مفعول معه والعامل فيه مثار؛ لأن فيه معنى الفعل وحروفه ولم تجعله منصوبا ب كأن عطفا على اسمها وهو مثار لئلا يتوهم أنهما تشبيهان مستقلّان كل منهما تشبيه مفرد بمفرد، وأن المعنى: كأن النقع المثار ليل وكأن أسيافنا كواكبه، وهذا لا يصح الحمل عليه لما صرحوا به من أنه متى أمكن حمل التشبيه على المركب فلا يعدل عنه إلى الحمل على المفرد؛ لأنه تفوت معه الدقة التركيبية المرعية فى وجه الشبه، ولأن قوله:" تهاوى كواكبه" تابع لليل؛ لأنه صفة له فتكون الكواكب

(1) البيت لبشار بن برد، ديوانه 1/ 318، والمصباح 106، ويروى [رءوسهم] بدل [رءوسنا].

ص: 119

تهاوى كواكبه) أى: يتساقط بعضها إثر بعض، والأصل تتهاوى؛ حذفت إحدى التاءين (من الهيئة الحاصلة من: هوى) بفتح الهاء؛ أى: سقوط (أجرام مشرقة

===

مذكورة على سبيل التبع غير مستقلة فى التشبيه باعتبار الصناعة قطعا فيكون مقابلها الذى يتوهم كونه مشبها به تبعا لغيره أيضا

(قوله: تهاوى كواكبه) أى: طائفة بعد طائفة لا واحدا بعد واحد- قاله فى الأطول.

(قوله: حذفت إحدى التاءين) وهل المحذوف الأولى أو الثانية خلاف وإنما لم يجعله فعلا ماضيا مذكرا لإسناده للاسم الظاهر المجازىّ التأنيث لما يلزم عليه من الإخلال بكثير من اللطائف والأحوال التى قصدها الشاعر من العلو تارة والسفل أخرى- وغير ذلك مما قاله الشاعر، وتوضيح ذلك أن صيغة المضارع تدل على الاستمرار التجددىّ والتجدد الاستمرارىّ يدل على كثرة الحركات والتساقط فى جهات كثيرة من العلو والسفل واليمين واليسار والتدخل والتلاقى، فيكون مشعرا باللطائف المشار لها بقول الشارح وهى تعلو وترسب بخلاف الماضى، فإنه يدل على وقوع التساقط مرة فى الزمان الماضى، ولا يشعر بكونه فى الجهات كثيرة فيكون مخلّا بتلك اللطائف وإن كان صحيحا أيضا، لأن التهاوى يشعر بتعددها وسقوط بعضها إثر بعض فيؤخذ منها هيئة- هذا محصل ما فى المطول من توجيه عدم جعل الفعل ماضيا.

وفى الأطول توجيه آخر وحاصله: أن قوله" ليل تهاوى كواكبه": يفيد وصف الليل بالخلوّ عن الكواكب، فيلزم تشبيه مثار النقع والسيوف بالليل الخالى عن الكواكب بخلاف ليل تتهاوى كواكبه فإنه يفيد وصفه بكونه ذا كواكب تسقط بالتدريج وهذا هو المطابق لوجود الليل والمناسب للمشبه

(قوله: من الهيئة) بيان لما فى قوله كما فى قول بشار الواقعة على وجه الشبه.

(قوله: بفتح الهاء) أى: وكسر الواو وتشديد الياء أى: سقوط، وأما الهوى- بضم الهاء- فمعناه الصعود كما فى الأساس، وفى القاموس كل من الفتح والضم للسقوط أو بالضم للسقوط وبالفتح للصعود، فعلى كلامه المناسب أن يقول: بضم الهاء

(قوله: أجرام مشرقة) وهى السيوف والنجوم فإن كلّا منهما مشرق بالبياض.

ص: 120

مستطيلة متناسبة المقدار متفرقة فى جوانب شىء مظلم) فوجه الشبه مركب- كما ترى- وكذا الطرفان؛ لأنه لم يقصد تشبيه الليل بالنقع، والكواكب بالسيوف، بل عمد إلى تشبيه هيئة السيوف

===

قال العصام: وقد تعورف إطلاق الجرم على الجسم العلوى كما تعورف إطلاقه على السفلى.

(قوله: مستطيلة) الاستطالة ظاهرة فى السيوف، وكذلك الكواكب فإنها تستطيل أشكالها عند التهاوى وإن كانت قبل التهاوى تكون على الاستدارة فى المرأى

(قوله: متناسبة المقدار) أى: بالنظر للمشبه وحده والمشبه به وحده، فالسيوف متناسبة المقدار فيما بينها، وكذلك النجوم فيما بينها، وأما تناسب طول النجوم مع طول السيوف أو العرض مع العرض فمبنىّ على التساهل؛ لأن الطول فى النجوم أكثر منه فى السيوف فيما يظهر ويكفى فى التشبيه المتناسب فى الجملة

(قوله: فى جوانب شىء مظلم) أما السيوف ففى ظلمة الغبار، وأما الكواكب ففى ظلمة الليل

(قوله: كما ترى) أى: كما رأيت وعلمت من كلام المصنف

(قوله: وكذا الطرفان) لمّا بيّن المصنف وجه كون وجه الشبه فى البيت مركبا ولم يبيّن وجه كون الطرفين فيه مركبين تعرّض الشارح لبيان ذلك

(قوله: لأنه لم يقصد تشبيه الليل بالنقع والكواكب بالسيوف) فيه قلب وكان من حق العبارة أن يقال: لأنه لم يقصد تشبيه النقع بالليل والسيوف بالكواكب؛ وذلك لأنه على تقدير أن يكون التشبيه فى البيت من تشبيه المفرد بالمفرد يكون النقع مشبها والليل مشبها به، وكذلك تكون السيوف مشبهة والكواكب مشبها بها، ويمكن الجواب عن الشارح بجعل الباء فى قوله: بالنقع، وفى قوله بالسيوف بمعنى مع.

(قوله: بل عمد) بابه ضرب (وقوله: إلى تشبيه هيئة السيوف) الأولى إلى تشبيه هيئة النقع والسيوف فيه وقد سلت .. إلخ؛ لأن المشبه الهيئة المنتزعة من النقع والسيوف الموصوفة بتلك الأوصاف، والمشبه به الهيئة المنتزعة من الليل والنجوم الموصوفة بما ذكره لا أن التشبيه بين هيئة السيوف وهيئة النجوم من غير اعتبار النقع والليل؛ لأن صريح البيت خلافه، ويمكن الجواب بأن المراد عمد إلى تشبيه الهيئة المشتملة على السيوف .. إلخ،

ص: 121

وقد سلت من أغمادها وهى تعلو وترسب وتجئ وتذهب وتضطرب اضطرابا شديدا، وتتحرك بسرعة إلى جهات مختلفة وعلى أحوال تنقسم بين الاعوجاج والاستقامة، والارتفاع والانخفاض مع التلاقى والتداخل والتصادم والتلاحق، وكذا فى جانب المشبه به فإن للكواكب فى تهاويها تواقعا، وتداخلا، واستطالة لأشكالها

===

وقوله وكذا فى جانب المشبه به فإن للكواكب .. إلخ أى: التى اشتملت عليها هيئة المشبه به

(قوله: وقد سلت) أى: أخرجت، (وقوله: من أغمادها) جمع غمد وهو غلاف السيف بكسر الغين المعجمة

(قوله: وهى تعلو) أى: ترتفع، (وقوله: وترسب) أى: تنزل وتتسفل من رسب الشىء فى الماء أى: سفل وجعله من رسب السيف أى:

مضى فى الضرب لا يلائم قوله تعلو- كما فى الفنرى، وإنما ذكر العلو لكون الرسوب مبتدءا منه وإلا فليس فى تهاوى النجوم استعلاء- قاله يس.

(قوله: وتجىء) أى: من العلو (وقوله: وتذهب) أى: إلى العلو فهو راجع لما قبله، (وقوله: وتضطرب) أى: فى العلو والنزول

(قوله: وعلى أحوال تنقسم) أى:

وتنقسم تلك الحركة على أحوال دائرة بين .. إلخ أى: إنها لا تخرج عن تلك الأحوال الثمانية التى بيّنها بقوله بين الاعوجاج، والمراد بالاعوجاج: الذهاب يمنة ويسرة وخلفا، والمراد بالاستقامة: الذهاب أمام

(قوله: مع التلاقى) أى: لما يقابلها من الجهة الأخرى

(قوله: والتداخل) أى: عند تعاكس الحركتين بذهاب كل منهما إلى جهة ابتداء الأخرى

(قوله: والتصادم) هو التلاقى وكذلك التلاحق بمعنى التتابع كتتابع سيفين فى ذهابهما لمضروب واحد، فقد ظهر لك ما فى عبارة الشارح من التداخل باعتبار العلو والانخفاض والذهاب والمجىء، وكذا فى التداخل والتلاقى والتصادم والتلاحق، والغرض المبالغة فى الجامع

(قوله: وكذا فى جانب المشبه به) أى: ومثل ما ذكر يقال فى جانب المشبه به فى الجملة؛ فإن للكواكب فى تهاويها فى الليل تواقعا أى: تدافعا وتداخلا واستطالة لأشكالها عند السقوط، فانتزع من الليل والكواكب التى على هذه الصفات هيئة وشبه بها، وإنما قلنا فى الجملة؛ لأنه قد اعتبر فى جانب المشبه الارتفاع وهو لا يأتى

ص: 122

(و) المركب الحسى (فيما طرفاه مختلفان) أحدهما مفرد، والآخر مركب (كما مر فى تشبيه الشقيق) بأعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد- من الهيئة الحاصلة من نشر أجرام حمر مبسوطة على رؤوس أجرام خضر مستطيلة، فالمشبه مفرد، وهو الشقيق، والمشبه به مركب وهو ظاهر، وعكسه تشبيه نهار مشمس شابه زهر الربا بليل مقمر- على ما سيجىء.

(ومن بديع المركب الحسى ما) أى: وجه الشبه الذى (يجىء فى الهيئات

===

فى جانب المشبه به

(قوله: والمركب الحسى) أى: ووجه الشبه المركب الحسى فى التشبيه الذى طرفاه مختلفان

(قوله: كما مر) أى: كوجه الشبه الذى مر (وقوله: فى تشبيه) أى: فى ضمن تشبيه .. إلخ وإنما قدرنا ضمن؛ لأن الوجه لم يذكر فى المتن سابقا فى هذا التشبيه

(قوله: الشقيق) أى: المحمر

(قوله: من الهيئة الحاصلة) بيان لوجه الشبه الذى مر فى ضمن التشبيه المذكور (وقوله: مبسوطة) أى: فيها اتساع فهو غير المنشور مع عدم الاتساع كالخيط، فلذا ذكر قوله مبسوطة مع قوله نشر أجرام- اه يس.

(قوله: فالمشبه مفرد) وهو محمر الشقيق؛ لأنه اسم لمسمّى واحد وأجزاؤه التى اعتبر اجتماعها كاليد من زيد

(قوله: والمشبه به مركب) أى: لأن القصد إلى التشبيه بالهيئة الحاصلة من مجموع الأعلام الياقوتية المنشورة على الرماح الزبرجدية وليس للأعلام قصد ذاتىّ حتى يكون مفردا بدليل أن المشبه لم يعتبر فيه الجزء المناسب للأعلام فقط بل المعتبر مجموع الشقيق الذى هو مجموع الأصل وفروعه، وسيأتى الفرق بين المركب والمقيد بنحو هذا

(قوله: وعكسه) أى: المشبه مركب والمشبه به مفرد

(قوله: شابه) أى: خالطه زهر الربا فالمشبه هو الهيئة الحاصلة من النهار المشمس الذى خالطه زهر الربا فهو مركب، والمشبه به هو الليل المقمر فهو مفرد مقيد.

(قوله: ومن بديع .. إلخ) البديع هو البالغ الغاية فى الشرف والبلاغة، ففى القاموس البديع هو الغاية فى كل شىء، وذلك إذا كان عالما أو شجاعا أو شريفا، وحاصل المعنى المراد ومن وجه الشبه المركب الحسى ما بلغ الغاية فى الشرف والبلاغة وهو ما يجىء ..

إلخ

(قوله: ما يجىء فى الهيئات) ظاهر هذه العبارة يفيد أن وجه الشبه يجىء فى الهيئة لا

ص: 123

التى تقع عليها الحركة) أى: يكون وجه الشبه الهيئة التى تقع عليها الحركة، من الاستدارة، والاستقامة، وغيرهما،

===

أنه نفسها، مع أنه المراد كما صرح به الشارح فى قوله أى: يكون وجه الشبه الهيئة وحينئذ لا بد أن يقال: إنه من قبيل اعتبار مجىء العام فى الخاص بمعنى تحققه فيه كما يقال الحيوان يجىء فى الإنسان أى: إنه يتحقق فيه، وحينئذ فمعنى كلام المصنف ومن المركب الحسى البديع الوجه الذى يتحقق فى الهيئات أى: يكون هيئة

(قوله: التى تقع عليها الحركة) ظاهرة: أن الحركة تقع على الهيئة ولا معنى لذلك فلا بد من جعل" تقع" بمعنى" توجد" و" على" بمعنى" مع" أى: هيئة الجسم التى توجد معها مركبة من وجود الجزء مع الكل؛ لأن الحركة جزء من الهيئة، أما فى الوجه الأول من الوجهين الآتيين فظاهر؛ لأن الهيئة منتزعة من حركات وغيرها من أوصاف الجسم، وأما فى الوجه الثانى فلأن الهيئة منتزعة من حركات فقط فيراد بالهيئة مطلق الحركات وبالحركة التى هى جزء منها الحركة المخصوصة، ويصح جعل" على" بمعنى" من" أى: التى توجد منها الحركة ويكون فى الكلام قلب، والأصل: التى توجد من الحركة أى: من جنس الحركة- يعنى فقط- أو منها مع غيرها من أوصاف الجسم، ومحصل كلام المصنف: أن من بديع المركب الحسى وجه الشبه الذى هو هيئة منتزعة من حركات فقط أو من حركات وغيرها من أوصاف الجسم، فالأول كحركة المصحف فإنه لم يعتبر معها شىء من أوصافه، والثانى وهو الهيئة الحاصلة بين الحركة وما قرن بها من صفات الجسم كالشكل واللون كما فى المرآة فى كف الأشلّ

(قوله: أى: يكون وجه الشبه الهيئة .. إلخ) أشار بهذا إلى أن وجه الشبه هو نفس الهيئة، وأن ظرفيته فيها فى كلام المصنف من ظرفية العام فى الخاص بمعنى تحققه فيه، وقوله التى تقع عليها الحركة أى: توجد معها الحركة.

(قوله: من الاستدارة) أى: من استدارة الحركة واستقامتها كما فى حركة الدولاب والسهام، وهذا بيان للهيئة التى توجد معها الحركة.

(وقوله: وغيرهما) كالسرعة والبطء، والحاصل: أن الهيئة التى توجد معها الحركة مثل استدارة الحركة واستقامتها وسرعتها وبطئها.

ص: 124

ويعتبر فيها التركيب (ويكون) كما يجىء فى تلك الهيئات (على وجهين: أحدهما:

أن يقرن بالحركة غيرها من أوصاف الجسم؛ كالشكل، واللون) والأوضح عبارة أسرار البلاغة: اعلم أن مما يزداد به التشبيه

===

(قوله: ويعتبر فيها) أى: فى الهيئة التى تقع عليها الحركة التركيب أى: بأن تكون منتزعة من الحركة وأوصاف الجسم كما فى الوجه الأول أو من حركات مختلفة كما فى الوجه الثانى، كما يعلم ذلك مما يأتى فى تقرير الشارح لكلام المصنف

(قوله: ويكون ما يجىء) أى: وجه الشبه الذى يجىء فى الهيئات التى توجد معها الحركة على وجهين، وحاصل الأول منهما: أن وجه الشبه هيئة مركبة من حركة وغيرها، وحاصل الثانى: أنه هيئة مركبة من حركات فقط

(قوله: أن يقرن بالحركة غيرها من أوصاف الجسم) أى: هيئة أن يقرن أى: هيئة اقتران الحركة بغيرها أى: الهيئة الحاصلة من مقارنة الحركة لغيرها، وإنما قدرنا هيئة لأجل صحة الإخبار عن الأحد؛ لأن الأحد هيئة لا الاقتران المذكور أو المعنى أحدهما المقرون فيه الحركة بغيرها من أوصاف الجسم وهذا التأويل إنما يحتاج له إذا جعلنا قوله على وجهين بمعنى على نوعين وأن كلّا منهما قسم من الهيئة، أما إن كان بمعنى إنه مشتمل على صفتين فلا يحتاج لذلك؛ لأن كلّا من الاقتران والتجرد صفة للهيئات.

(قوله: أن يقرن بالحركة) أى: أن يوصل بها. مأخوذ من قرنت الشىء بالشىء وصلته به، والمراد أن يقرن فى اعتبار العقل غير الحركة بها أو ينتزع منهما هيئة.

(قوله: كالشكل) أى: الذى هو الهيئة الحاصلة من إحاطة حد أو حدود به

(قوله: والأوضح) وجه الأوضحية أن المجعول وجه الشبه هو الهيئة، وتنقسم إلى الهيئة المقرونة بالحركة وبغيرها وإلى هيئة الحركة المجردة، وعبارة أسرار البلاغة أظهر فى ذلك من عبارة المصنف؛ لإيهامها أن الهيئة متحققة فى نفسها ووقعت عليها الحركة مع أن الهيئة هى هيئة تقارن الحركة مع غيرها أو هيئة اختلاف الحركة، وإنما قال أوضح لإمكان أن يجاب عن المصنف بأنه من مجىء العام فى الخاص كما مر

(قوله: اعلم أن مما يزداد ..

إلخ) لفظ" ما" فى قوله" مما يزداد" ليس عبارة عن وجه الشبه حتى يلزم فيه ما لزم فى

ص: 125

دقة وسحرا أن يجئ فى الهيئات التى تقع عليها الحركات، والهيئة المقصودة فى التشبيه على وجهين: أحدهما: أن تقترن بغيرها من الأوصاف. والثانى: أن تجرد هيئة الحركة حتى لا يزاد عليها غيرها.

===

عبارة المصنف بل عبارة عن الأحوال أى: من الأحوال التى يزداد بها التشبيه دقة وسحرا هذه الحالة وهى مجىء التشبيه فى الهيئات التى توجد معها الحركات سواء كانت تلك الهيئات أطرافا للتشبيه أو كانت وجه شبه، فأنت ترى الشيخ جعل الدقة والسحر وصفا للتشبيه المشتمل على تلك الحالة أعنى كون طرفيه أو وجهة هيئة بخلاف المصنف فقد جعل ذلك وصفا لوجه الشبه، وأيضا كلام الشيخ يفيد أن الهيئة المركبة من الحركات تارة تقترن بغيرها وتارة لا تقترن، وكلام المصنف يفيد أن الهيئة إما مركبة من الحركات أو منها ومن غيرها، فعلى كلام الشيخ لا تكون الهيئة إلا من الحركات بخلاف كلام المصنف- تأمل.

(قوله: دقة) أى: لطافة (وقوله: وسحرا) أى: تمييلا للعقول

(قوله: أن يجىء) أى: التشبيه، وقوله: التى تقع عليها الحركات سواء كانت طرفا للتشبيه أو وجها له.

(قوله: أن تقترن) أى: الحركات بغيرها من أوصاف الجسم فقد جعل الحركة مقترنة بأوصاف الجسم، والظاهر: أنه أراد أن تقترن هيئة الحركة بغيرها بدليل قوله:

والثانى أن تجرد هيئة الحركة فيكون حاصل كلامه أن هيئة الحركة تارة تقترن فى الاعتبار بأوصاف الجسم، ويجعل المجموع وجه شبه أو طرفا وتارة تجرد عن غيرها وتجعل وحدها وجه شبه أو طرفا، والمصنف قد جعل المقترن بالأوصاف هو الحركة وجعل الهيئة مأخوذة من مجموع الأمرين كما هو المتبادر منه. قال الشيخ يس: فإن أراد المصنف بقوله أن يقرن بالحركة غيرها- أى: أن يقترن بهيئة الحركة غيرها- وافق كلام الشيخ، لكن يكون الإخبار بذلك عن الأحد مشكلا- فتأمل

(قوله: أن تجرد هيئة الحركة) من وضع الظاهر موضع المضمر اعتناء بشأنه (وقوله: هيئة الحركة) أى: الهيئة المأخوذة من الحركات، فالمراد بالحركة الجنس المتحقق فى متعدد والمراد أن تجرد عن

ص: 126

فالأول: (كما فى قوله (1): والشمس كالمرآة فى كف الأشلّ؛ من الهيئة) بيان لما فى قوله: كما (الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق، والحركة السريعة المتصلة مع تموج الإشراق حتى يرى الشعاع كأنه يهمّ بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة، ثم يبدو له)

===

أوصاف الجسم (وقوله: لا يزاد عليها غيرها) أى: من أوصاف الجسم

(قوله: كما فى قوله) أى كوجه الشبه الذى فى قول القائل وهو ابن المعتز أو أبو النجم وتمامه: لما رأيتها بدت فوق الجبل

(قوله: والشمس) أى: عند طلوعها

(قوله: الأشلّ) الشلل هو يبس اليد أو ذهابها، والمراد هنا المرتعش؛ لأن عديم اليد أو يابسها لا يكون فى كفّه مرآة، ولأن المرآة إنما تؤدى الهيئة المقصودة فى كف المرتعش

(قوله: من الاستدارة مع الإشراق) أى: من استدارة الجسم المصاحبة لإشراقه، أى: شعاعه، وكان الظاهر أن يضم إليه تموجه فيقول: من الاستدارة والحركة السريعة المتصلة مع الإشراق المتموج لكنه أخّره عن قوله: والحركة السريعة المتصلة؛ لأنه مسبب عنها.

(قوله: والحركة) أى: ومع الحركة (وقوله: المتصلة) أى: المتتابعة

(قوله: مع تموج الإشراق) أى: الشعاع أى: تدافع بعضه بعضا كتدافع الموج بسبب تلك الحركة

(قوله: حتى يرى الشعاع) أى: المعبر عنه أولا بالإشراق فقد تفنّن فى التعبير، والمراد بالشعاع ما تراه من الشمس كالجبال مقبلا عليك أو ما تراه ممتدّا كالرماح بعيد الطلوع

(قوله: كأنه يهمّ) بفتح الياء وضم الهاء، وبابه ردّ يقال همّ بكذا إذا قصد فعله وأراده، وإسناد الهم إلى الشعاع تجوّز أى: كأن ذلك الشعاع يريد الانبساط لوفور تموّجه

(قوله: حتى يفيض) غاية للانبساط. من أفاض إذا خرج قال تعالى فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ (2) أى: خرجتم منها، أو من فاض الوادى إذا سال أى: حتى يخرج من جوانب الدائرة أو يسيل من محله ويخرج من جوانب الدائرة

(قوله: ثم يبدو له) أى:

(1) شطر البيت من أرجوزة ابن المعتز أو أبى النجم وعجزه، لما رأيتها فوق الجبل، والبيت فى الأسرار ص 207، والإشارات ص 180.

(2)

البقرة: 198.

ص: 127

يقال: بدا له: إذا ندم، والمعنى: ظهر له رأى غير الأوّل (فيرجع) من الانبساط الذى بدا له (إلى الانقباض) كأنه يرجع من الجوانب إلى الوسط، فإن الشمس إذا أحدّ الإنسان النّظر إليها ليتبيّن جرمها وجدها مؤديّة لهذه الهيئة الموصوفة، وكذلك المرآة فى كفّ الأشلّ.

===

للشعاع، وفاعل يبدو ضمير عائد على مصدر الفعل أى: البداء، أو على الرأى المفهوم من قوة الكلام وهو عطف على قوله: يفيض، أو على قوله يهم أى: كأنه يهمّ بالانبساط، ثم يبدو له فيرجع عنه إلى الانقباض

(قوله: يقال بدا له .. إلخ) هذا تفسير للفظ بحسب أصل اللغة، (وقوله: والمعنى: ظهر له) أى: للشعاع رأى .. إلخ بيان للمعنى المراد من اللفظ

(قوله: فيرجع من الانبساط الذى بدا له) الأولى: فيرجع عن الانبساط الذى همّ به إلى الانقباض الذى بدا له وهو عطف على ما يبدو أى: فيتسبب عن البدو الرجوع

(قوله: إلى الوسط) أى: وسط الدائرة

(قوله: فإن الشمس .. إلخ) بيان لكون تلك الهيئة جامعا حاصلا فى الطرفين، وأشار بقوله: إذا أحدّ .. إلخ إلى أن الهيئة إنما تظهر فى الشمس بعد إحداد النظر إليها بخلاف المرآة فإنها تظهر فيها فى بادئ الرأى؛ فلذا جعلت الشمس مشبها والمرآة مشبها بها- قاله فى الأطول

(قوله: ليتبين) أى: ليعلم

(قوله: وجدها مؤديّة لهذه الهيئة) أى: لأن جرم الشمس مستدير وفيه حركة سريعة خيالية وفى شعاعها أيضا حركة خيالية، وإنما قلنا: خيالية؛ لأنا نقطع بأن حركة الشمس ليست على الاضطراب، بل هى من الجنوب إلى الشمال على سبيل التمهّل حتى إنها لولا ذلك التخييل لرؤيت كالثابتة، والشعاع المعبر عنه بالإشراق أجرام لطيفة منبسطة على ما يقابل الشمس هذا هو المحقق فى نفس الأمر، فالاضطراب والتموّج خيالىّ لكن التشبيه بالوجه الثابت بالتخيل صحيح- اه يعقوبى.

(قوله: وكذلك المرآة فى كف الأشلّ) أى: مؤدية لهذه الهيئة فإنها مستديرة وفيها حركة دائمة متصلة سريعة حقيقية وإشراق متصل بها من شعاع الشمس، إلا أن ذلك الشعاع المتصل بها لا يتحقق فيه اضطراب إلى الجوانب والرجوع للوسط، بل المتحقق فيه الثبوت والاتصال مع اضطرابه وتموجه بدوام الحركة، وحينئذ فتحقيق وجه

ص: 128

(و) الوجه (الثانى: أن تجرد) الحركة (عن غيرها) من الأوصاف (فهناك أيضا) يعنى: كما أنه لا بد فى الأول من أن يقترن بالحركة غيرها من الأوصاف فكذا فى الثانى (لا بد من اختلاط حركات) كثيرة للجسم (إلى جهات مختلفة) له كأن يتحرك بعضه إلى اليمين، وبعضه إلى الشمال، وبعضه إلى العلو، وبعضه إلى السفل ليتحقق التركيب، وإلا لكان وجه الشبه مفردا، وهو الحركة (فحركة الرحى والسهم لا تركيب فيها) لاتحادها (بخلاف حركة المصحف

===

الشبه فى المرآة على الوجه المذكور فى الشمس مبنىّ على التساهل، فلذا جعلت مشبها- اه يعقوبى.

(قوله: أن تجرد الحركة عن غيرها من الأوصاف) أى: وتنتزع الهيئة من الحركات فقط

(قوله: فهناك) أى: فى القسم الثانى وعبّر بإشارة البعيد؛ لأن المعنى معدوم خارجا فهو بعيد

(قوله: أيضا) إلا بصيغة على ما قال الشارح فى مطلق التركيب لا فى خصوص التركيب من الحركات مع الصفات؛ لأن الثانى إنما فيه تركيب من الحركات المختلفة فقط بخلاف الأول فإن التركيب فيه من الحركة والصفات.

وفى الأطول: إن معنى قوله أيضا أى: كما أنه لا بد فى هذا الثانى من حركات لا بدّ من كونها إلى جهات مختلفة. قال: وهذا أظهر مما فسّر به الشارح- وتأمله

(قوله: يعنى كما أنه لا بد فى الأول من أن يقترن بالحركة غيرها) لم يعتبر فى الحركة هنا تعدّد فضلا عن الجمع فضلا عن الكثرة- قاله يس

(قوله: لا بد من اختلاط) أى: اجتماع

(قوله: كثيرة) أخذ الكثرة من تنوين حركات واعتبار الكثرة إنما هو لازدياد الدقة وإلا فمجرد التعدد كاف فى وجود تركيب الهيئة التى هى مناط الدقة

(قوله: كأن يتحرك بعضه ..

إلخ) أى: أو يتحرك تارة لليمين وتارة لليسار كما فى الأطول

(قوله: ليتحقق .. إلخ) علة لقوله: لا بد من اختلاط حركات .. إلخ

(قوله: وإلا لكان .. إلخ) أى: وإلا تكن الحركات المختلطة إلى جهات مختلفة بأن كانت الحركات المختلطة كلها لجهة واحدة.

(قوله: لاتحادها) أى: لأن حركة كل منهما لجهة واحدة وجعل كل من الحركتين مفردة لا تركيب فيها إذا لم يلاحظ معها وصف الجسم من الاستقامة والاستدارة

ص: 129

فى قوله (1): وكأنّ البرق فى مصحف قار) بحذف الهمزة، أى: قارئ (فانطباقا مرة وانفتاحا) أى: فينطبق انطباقا مرة، وينفتح انفتاحا أخرى،

===

وانتزاع الهيئة من المجموع، وإلا كان وجه الشبه مركبا كما مر

(قوله: فى قوله) أى:

قول القائل وهو ابن المعتز، وهذا البيت من قصيدة من المديد أولها:

عرف الدار فحيّا وناحا

بعد ما كان صحا واستراحا

ظلّ يلحاه العذول ويأبى

فى عنان العذل إلا جماحا

علّمونى كيف أسلو وإلا

فخذوا من مقلتىّ الملاحا

من رأى برقا يضىء التماحا

ثقب الليل سناه فلاحا

وكأنّ البرق

البيت، وبعده:

لم يزل يلمع بالليل حتّى

خلته نبّه فيه صباحا

وكأن الرّعد فحل لقاح (*)

كلّما يعجبه البرق صاحا

(قوله: بحذف الهمزة) أى: بعد قلبها ياء، فالأصل قارئ فأبدلت الهمزة ياء، ثم أعل إعلال قاض- كذا فى الفنرى.

(قوله: فانطباقا .. إلخ) الفاء لتعليل التشبيه المستفاد من كأن، أو اعتراضية لبيان وجه الشبه بين البرق والمصحف، وحاصل ما يفيده: أن وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من تقارن هذه الحركات المختلفة بحسب الجهات مع تكررها وهذه الهيئة حسية فى المصحف وتخييلية فى البرق، ثم إن الانطباق والانفتاح للسحاب الذى يخرج منه البرق؛ لأنه ينفتح فيخرج منه البرق، ثم ينطبق فليلتئم آخرا، وأما البرق فلا انفتاح فيه ولا انطباق، إلا أن يقال: المراد بانفتاحه ظهوره من خلال السحاب منتشرا ضوءه وانطباقه بانضمام أجزائه بحيث يضمحل عن الأبصار بالكلية، وبهذا ظهر لك وجه الشبه فى البرق؛ وذلك لأن الواقع فيه ظهور بالوجود وخفاء بالانعدام، فإذا وجد تخيل أن إشراقه لانفتاح أظهر باطنه، وإذا انعدم تخيل أن ثم باطنا خفى لانطباق فيه كما فى المصحف- تأمل.

(1) البيت لابن المعتز فى كتاب الإيضاح.

(*) وقعت في المطبوع بالفاء وما أثبت كما في الديوان. ط دار صادر ص 141.

ص: 130

فإن فيها تركيبا؛ لأن المصحف يتحرك فى حالتى الانطباق والانفتاح إلى جهتين؛ فى كل حالة إلى جهة.

(وقد يقع التركيب فى هيئة السكون

===

(قوله: فإن فيها تركيبا .. إلخ) علة لقوله: بخلاف حركة المصحف

(قوله: لأن المصحف يتحرك) أى: يتحرك طرفاه فى حالتى .. إلخ

(قوله: إلى جهتين) أى: جهة العلو وجهة السفل

(قوله: فى كل حالة إلى جهة) ففى حالة الانطباق يتحرك إلى جهة العلو، وفى حالة الانفتاح يتحرك إلى جهة السفل، ولم ينظر لجهة اليمين والشمال وإلا لقال:

فى كل حالة إلى ثلاث جهات، وتوضيح ذلك: أن المصحف فى كل من حالتى الانطباق، والانفتاح متحرك بعضه إلى اليمين وبعضه إلى الشمال ومجموعه متحرك إلى العلو فى حال الانطباق وإلى السفل فى حال الانفتاح، وحينئذ يكون تحركه فى حال الانطباق إلى ثلاث جهات: جهة اليمين وجهة اليسار باعتبار أبعاضه وجهة العلو باعتبار مجموعه، ويتحرك فى حال الانفتاح إلى ثلاث جهات أيضا: جهة اليمين وجهة اليسار باعتبار أبعاضه وجهة السفل باعتبار مجموعه، فقول الشارح: فى كل حالة إلى جهة أراد جهة العلو فى الانطباق وجهة السفل فى الانفتاح، فقد التفت لحركة مجموعه ولم يلتفت لحركة أبعاضه لجهة اليمين وجهة اليسار فى الانطباق والانفتاح، إلا أن يقال: إنه أراد بقوله" لجهة" جنس الجهة، أو أنه لاحظ اتحاد جهة السفل وجهة العلو مع جهة اليمين والشمال وإن اختلفتا بالاعتبار- تأمل- قرره شيخنا العدوى.

(قوله: وقد يقع التركيب) أى: البديع. فأل للعهد الذكرى، والمراد بوقوع التركيب فى هيئة السكون: تحققه فيها من تحقق الكلىّ فى جزئيه أى: وقد يتحقق التركيب البديع فى هيئة السكون كما يتحقق فى هيئة الحركة، وأل فى السكون للجنس الصادق بالواحد والمتعدد، وسواء كانت تلك الهيئة طرفا للتشبيه أو وجه شبه، وأشار المصنف" بقد" إلى قلة ذلك بالنسبة إلى وقوع التركيب فى هيئة الحركات.

ص: 131

كما فى قوله فى صفة كلب: يقعى

===

واعلم أن هيئة السكون على وجهين أيضا أحدهما: أن تكون الهيئة التركيبية منتزعة من السكون وحده مجردا عن غيره من أوصاف الجسم ولا بد أيضا من تعدد أفراد السكون.

والثانى: أن يعتبر فى تلك الهيئة مع السكون غيره ولا يشترط فى هذا تعدد أفراد السكون، وقد مثل المصنف للوجه الأول. ومثال الثانى قول بعضهم يصف مصلوبا:

كأنّه عاشق قد مدّ صفحته

يوم الوداع إلى توديع مرتحل (1)

فقد اعتبر سكون عنقه وصفحته فى حال امتدادها واعتبر مع ذلك السكون صفة اصفرار الوجه بالموت؛ لأن تلك الهيئة موجودة فى العاشق المادّ عنقه وصفحته لوداع المعشوق

(قوله: كما فى قوله) قال فى المطول أى: كوجه الشبه فى قول أبى الطيب المتنبى، ونازعه العصام فى الأطول: بأن" ما" واقعة على التركيب بشهادة سوق الكلام، وبيان المصنف لكلمة ما فإنه ذكر فى بيانه تركيب المشبه لا وجه الشبه، إذ الهيئة الحاصلة من موقع كل عضو من الكلب فى إقعائه هى المشبه، والهيئة الحاصلة من جلوس البدوى المصطلى وموقع كل عضو منه فى جلوسه المشبه به- اه.

والحق أن كلام المصنف عامّ كما مر، والبيت ذكر على سبيل التمثيل فلا يخصص عموم الكلام

(قوله: يقعى .. إلخ)(2) هذا أول البيت وهو مقول القول، وتمامه:

بأربع مجدولة لم تجدل أى: على أربع قوائم وهى يداه ورجلاه، وقوله مجدولة أى:

محكمة الخلق من جدل الله أى: تقديره، وقوله لم تجدل أى: لم يجدلها ولم يفتلها الإنسان فلا تناقض لاختلاف الجهة لما علمت أن الجدل المثبت جدل الله أى: إحكامه وإتقانه، والجدل المنفى جدل الإنسان بمعنى فتله- كذا فى المطول، وقال فى الأطول:

يحتمل أن يراد بنفى الجدل نفى جمعها كما يكون للكلب فى غير صورة الإقعاء، وحينئذ فالمعنى: وأربع مجموعة لا غير مجموعة، والغرض من تشبيه الكلب فى حال إقعائه

(1) البيت لأبى الطيب المتنبى فى كتاب التلخيص فى علوم البلاغة.

(2)

البيت للأخطل فى صفة مصلوب، وهو فى شرح عقود الجمان 2/ 17.

ص: 132

أى: يجلس على أليتيه (جلوس البدوى المصطلى) من: اصطلى بالنار (من الهيئة الحاصلة من موقع كل عضو منه) أى: من الكلب (فى إقعائه) فإنه يكون لكل عضو منه فى الإقعاء موقع خاص، وللمجموع صورة خاصة مؤلفة من تلك المواقع، وكذلك صورة جلوس البدوى عند الاصطلاء بالنار الموقدة على الأرض.

(و) المركب (العقلى) من وجه الشبه (كحرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب فى استصحابه

===

بحالة البدوى المصطلى مدح الكلب بشدة الحراسة؛ لأن جلوسه على هذه الحالة فى الغالب إنما هو وقت الحراسة.

(قوله: أى يجلس) أى: ذلك الكلب

(قوله: جلوس) منصوب بيقعى لموافقته له فى المعنى كقعدت جلوسا أى: يجلس كجلوس، ويحتمل أن يقال: إن التقدير يجلس جلوسا كجلوس، فحذف المشبه وأداة التشبيه للدلالة عليهما وبقى المشبه به وخصّ البدوى بالذكر لغلبة الاصطلاء بالنار منه.

(قوله: من اصطلى بالنار) أى: استدفأ بها

(قوله: من موقع كل عضو) أى: فى وقوعه وسكونه فى موضعه فى حال إقعائه وليس الموقع هنا اسم مكان

(قوله: فى الإقعاء) أى: فى حال الإقعاء (وقوله: موقع) أى: وقوع وسكون خاص

(قوله: وللمجموع) أى: لمجموع الأعضاء (وقوله: صورة) أى: هيئة، (وقوله: مؤلفة من تلك المواقع) أى: الوقوعات والسكونات، وهذا محل الشاهد فإن الهيئة قد تركبت من سكونات.

(قوله: وكذلك صورة جلوس البدوىّ) أى: فإنها مركبة من سكونات؛ لأن لكل عضو منه فى حال اصطلائه وقوعا خاصا ولمجموع أعضائه هيئة مؤلفة من تلك الوقوعات.

(قوله: والمركب العقلى) هذا هو القسم الثانى من القسم الثانى وهو المركب المنزل منزلة الواحد، وقد تقدم أنه إما حسّى، وقد تقدم الكلام عليه. وإما عقلى:

وهو ما ذكره هنا

(قوله: كحرمان الانتفاع .. إلخ) الحاصل: أنه شبه فى هذه الآية مثل اليهود

ص: 133

فى قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً (1) جمع سفر

===

الذين حمّلوا التوراة أى: حالتهم وهى الهيئة المنتزعة من حملهم التوراة وكون محمولهم وعاء للعلم وعدم انتفاعهم بذلك المحمول، بمثل الحمار الذى يحمل الكتب الكبار أى:

بحالته وهى الهيئة المنتزعة من حمله للكتب وكون محموله وعاء للعلم وعدم انتفاعه بذلك المحمول، والجامع حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب فى استصحابه وظاهر المصنف: أن وجه الشبه- وهو الجامع المذكور- مركب عقلى وفيه أن كونه عقليّا مسلّم، وكونه مركبا غير مسلّم لما تقدم أن المراد بالمركب فى وجه الشبه أو الطرفين الهيئة المنتزعة من عدة أمور، والحرمان المذكور ليس هيئة، وقد يجاب بأن قول المصنف كحرمان الانتفاع على حذف مضاف أى: كهيئة حرمان الانتفاع .. إلخ أى: كالهيئة الحاصلة من حرمان الانتفاع بأبلغ نافع مع تحمل التعب، والطرفان مركبان عقليّان، وكذا وجه الشبه- قرر ذلك شيخنا العدوى، وقد يقال لا داعى لذلك بل الحرمان المذكور هيئة منتزعة من متعدد كما يأتى بيانه، ثم إن الحرمان مصدر حرمه الشىء كعلمه وضرّ به: منعه الشىء وهو مضاف لمفعوله الثانى، (وقوله: بأبلغ) صلة للانتفاع، وقوله مع متعلق بالحرمان، (وقوله: فى استصحابه به) صفة للتعب أى: الكائن فى استصحابه والضمير لأبلغ نافع

(قوله: فى قوله تعالى .. إلخ) هو صفة للحرمان وفى الكلام حذف مضاف أى: كحرمان الانتفاع الواقع فى التشبيه الكائن فى قوله تعالى

(قوله: مَثَلُ الَّذِينَ) أى: صفة اليهود الذين حمّلوا التوراة أى: تحملوها وكلّفوا العمل بما فيها من إظهار نعته- الصلاة والسّلام- عليه والإيمان به إذا جاء وغير ذلك، ثم لم يحملوها أى: لم يعملوا بجميع ما فيها حيث أخفوا نعته- عليه الصلاة والسلام (وقوله: كمثل الحمار) أى: كحال الحمار وصفته، وجملة" يحمل أسفارا" حال من الحمار والعامل فى محلها النصب معنى المثل أو صفة للحمار، إذ ليس المراد منه حمارا معيّنا وعبر عن عدم العمل بعدم الحمل مشاكلة، أو لأنهم لما لم يعملوا بما فيها كأنهم لم يحملوها فجعل

(1) سورة: الجمعة، آية:5.

ص: 134