الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والماء استعارة بالكناية عن الغذاء، وقد تكون حقيقة؛ كما فى: أنبت الربيع.
[فصل]: فى شرائط حسن الاستعارة:
(حسن كل من) الاستعارة (التحقيقية والتمثيل) على سبيل الاستعارة
===
(قوله: استعارة بالكناية عن الغذاء) أى: الذى يأكله الحيوان؛ لأن البلع إنما يناسب بحسب أصله الطعام، ووجه الشبه فى الاستعارتين ظاهر، أما فى البلع فهو إدخال ما يكون به الحياة إلى مقر خفى أى: من ظاهر إلى باطن من مكان معتاد للإدخال من أعلى إلى أسفل، وهذه الاستعارة فى غاية الحسن لكثرة التفصيل فى وجه الشبه فيها، وأما فى الماء فهو كون كل من الطعام والماء مما تقوم به الحياة ويتقوى به، فالأرض يتقوى نباتها وأشجارها بالماء، والحيوان يتقوى بالغذاء، ويدخل كل منهما بالتدريج غالبا، والحاصل أنه شبه الماء بالغذاء بجامع أن كلا منهما تقوم به الحياة ويتقوى به على طريق الاستعارة بالكناية، وابلعى مستعار لغورى بجامع أن كلا إدخال ما يكون به الحياة إلى مقر خفى (استعارة تحقيقية وهى قرينة للمكنية).
فصل فى شرائط حسن الاستعارة
(قوله: فى شرائط إلخ) أطلق الجمع على ما فوق الواحد، إذ المشترط فى حسنها شرطان: رعاية جهات التشبيه وعدم شمها رائحته لفظا،
و(قوله: فى شرائط حسن الاستعارة) أى: فى بيان ما به أصل الحسن وما يزيد فى حسنها، ويدور عليه مراتب الحسن ولا يقتصر على ما لو أهمل لخرج عن الحسن إلى القبح قاله فى الأطول
(قوله: التحقيقية) قد تقدم أنها هى التى تحقق معناها حسا أو عقلا وهى ضد التخييلية
(قوله: والتمثيل على سبيل الاستعارة) زاد الشارح ذلك لأجل الإيضاح لا للاحتراز عن مجرد التشبيه التمثيلى لما عرف من أن التشبيه التمثيلى لا يسمى التمثيل على الإطلاق وقد تقدم أن الاستعارة التمثيلية هى اللفظ المنقول من معنى مركب إلى ما شبه بمعناه، فإن خصصت التحقيقية بالإفرادية كان عطف التمثيلية على التحقيقية من عطف المباين، وإن كانت التمثيلية من التحقيقية بأن لم تخص التحقيقية بالإفرادية كان عطف التمثيلية
(برعاية جهات حسن التشبيه) كأن يكون وجه الشبه شاملا للطرفين، والتشبيه وافيا بإفادة ما علق به من الغرض،
…
===
عليها من عطف الخاص على العام
(قوله: برعاية جهات حسن التشبيه) خبر عن حسن أى: حسن الاستعارة حاصل بملاحظة جهات أى: أسباب حسن التشبيه أى: بملاحظة الأسباب المحصلة لحسن التشبيه؛ لأن بقاءهما عليه فيتبعانه فى الحسن والقبح، فإذا روعيت تلك الجهات حصل حسن الاستعارة وإلا فات حسنها بفوات حسن أصلها
(قوله: كأن يكون وجه الشبه شاملا للطرفين) هذا بيان للجهات التى يحسن التشبيه بمراعاتها، والمراد بكون وجه الشبه شاملا للطرفين أن يكون متحققا فيهما وذلك كالشجاعة مثلا فى زيد والأسد، فإذا وجد وجه الشبه فى أحدهما دون الآخر فات الحسن كاستعارة اسم الأسد للجبان من غير قصد التهكم بعد تقرير تشبيهه به، وقد يقال: إن هذا الوجه من شروط الصحة لا من شروط الحسن، إذ لا تشبيه مع انتفاء الجامع، فالأولى إسقاط هذا أعنى قوله: كأن يكون التشبيه شاملا للطرفين، وجواب بعض أرباب الحواشى عن ذلك بأن المراد الشمول الحسى، إذ هو الشرط فى الحسن، وأما الذى يكون شرطا فى الصحة فمطلق الشمول الصادق بالادعائى لا وجه له؛ لأن الشمول الادعائى إن كان مقبولا كما فى التهكم فإنما قبل لكونه فى حكم الحسى فيكون شرط الصحة، وإلا فهو فاسد لانتفائه عن حكم الحسى فكيف يجعل الحسى من شروط الحسن مع أن الصحة إنما هى باعتباره كذا فى ابن يعقوب؟ ! وقرر شيخنا العلامة العدوى أن المراد بكون وجه الشبه شاملا للطرفين أن يكون متحققا فيهما على أنه جزء من مفهوم كل منهما أو لازم لهما، فإن وجد فى أحدهما بأن كان جزءا من مفهومه دون الآخر بأن كان لازما له فات الحسن وذلك كما فى استعارة الطيران للعدو فى قوله عليه الصلاة والسلام:" كلما سمع هيعة طار إليها"(1)
والجامع قطع المسافة بسرعة فى كل وهو داخل فى مفهوم أحدهما ولازم للآخر على ما مر الشارح، وعلى هذا يندفع الاعتراض فتأمل.
(قوله: والتشبيه وافيا) أى: وأن يكون التشبيه موفيا بالغرض الذى علق به أى:
وقصد إفادته كبيان إمكان المشبه أو تشويهه أو تزيينه، وكغير ذلك مما مر فى بيان الغرض
(1) أخرجه مسلم في الإمارة (1889).
ونحو ذلك (وألّا يشم رائحته لفظا)
…
===
من التشبيه، فإذا كان الغرض تزيين وجه أسود فيشبه بمقلة الظبى، ثم استعار له لفظ المقلة فهذا واف بالغرض، ولو شبه لإفادة هذا الغرض بالغراب واستعير لفظ الغراب له فات الحسن، وإذا كان الغرض إفادة تشويه وجه منقب بالجدرى فيشبه بالسلحة التى نقرتها الديكة، ثم يستعار له لفظها فهذا واف بالغرض، ولو شبه لإفادة هذا الغرض بشىء آخر منقب واستعير له لفظه فات الحسن
(قوله: ونحو ذلك) أى: مثل ذلك كون وجه الشبه غير مبتذل بأن يكون غريبا لطيفا لكثرة ما فيه من التفصيل، أو نادر الحضور فى الذهن كتشبيه الشمس بالمرآة فى كف الأشل، وتشبيه البنفسج بأوائل النار فى أطراف كبريت، ثم يستعار كل واحد منهما لما شبه به بخلاف تشبيه الوجه الجميل بالشمس، ثم يستعار له وتشبيه الشجاع بالأسد ثم يستعار له، فإن ذلك مما فات فيه الحسن لفوات حسن التشبيه فيه لعدم الغرابة لوجود الابتذال
(قوله: وألّا يشم رائحته إلخ) يشم بضم أوله مبنيا للمفعول من أشم ورائحته نائب الفاعل، وأما قول الشارح:
أى: وبألا يشم إلخ: فهو بفتح أوله وضم ثانيه مبنيا للفاعل.
(قوله: أى وبأن لا يشم إلخ) أشار بهذا إلى قول المصنف: وألّا يشم عطف على رعاية أى: حسن الاستعارة حاصل برعاية الجهات المحصلة لحسن التشبيه، وحاصل بعدم شمها رائحة التشبيه، وأشار بقوله: من جهة اللفظ إلى أن لفظا فى كلام المصنف نصب على التمييز وهو محول عن المضاف إليه أى: وألّا يشم شىء منها رائحة لفظ التشبيه، ويحتمل نصبه على نزع الخافض أى: ألّا يشم رائحة التشبيه بلفظ يدل عليه، وإنما قال لفظا؛ لأن شم التشبيه معنى موجود فى كل استعارة بواسطة القرينة؛ لأن الاستعارة لفظ أطلق على المشبه بمعونة القرينة بعد نقله عن المشبه به بواسطة المبالغة فى التشبيه فلا يمكن نفى إشمام الرائحة مطلقا أى: من جهة اللفظ والمعنى؛ لأن المعنى على التشبيه قطعا.
واعلم أن شم رائحة لفظ التشبيه إما أن يكون ببيان المشبه كما فى قوله تعالى:
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (1) فإن قوله: من الفجر
(1) البقرة: 187.
أى: وبألّا يشم شىء من التحقيقية والتمثيل رائحة التشبيه من جهة اللفظ؛ لأن ذلك يبطل الغرض من الاستعارة؛ أعنى: ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به لما فى التشبيه من الدلالة على أن المشبه به أقوى فى وجه الشبه (ولذلك)
…
===
هو المشبه بالخيط الأبيض، والكلام وإن لم يكن على صورة التشبيه، لكن لما فسر الخيط الأبيض بالفجر كان التشبيه مقدرا فهو فى تقدير حتى يتبين لكم الفجر الذى هو شبيه بالخيط الأبيض، وإما أن يكون بذكر وجه الشبه نحو رأيت أسدا فى الشجاعة؛ لأن ذكر الوجه ينبئ عن التشبيه ويهدى إليه فى التركيب، وإما أن يكون بذكر الأداة نحو زيد كالأسد، وإما أن يكون بذكر الشبه على وجه لا ينبئ عن التشبيه كما فى قوله: قد زرّ أزراره على القمر، فإنه ذكر فيه ضمير المشبه وهو المحبوب، لكن ليس على وجه ينبئ عن التشبيه كما تقدم بيانه فإشمام رائحة لفظ التشبيه فى الثلاثة الأول مبطل للاستعارة، وأما إشمام رائحته على الوجه الرابع فلا يبطلها، إلا أنها تكون قبيحة إذا علمت هذا:
تعلم أن شرط الحسن هو انتفاء الإشمام الذى لا يخرج به الكلام عن الاستعارة كما فى القسم الرابع، وأما ما يخرج به الكلام عن الاستعارة فهو شرط فى الصحة فمراد المصنف الأول لا الثانى
(قوله: أى وبألّا يشم شىء) المناسب لقول المتن حسن كل أن يقول أى: وبألّا يشم كل من التحقيقية إلخ فيبدل شىء بكل
(قوله: لأن ذلك إلخ) أى:
شم رائحة التشبيه لفظا أى: وإنما اشترط فى حسن الاستعارة عدم شمها لرائحة التشبيه؛ لأن ذلك يبطل الغرض من الاستعارة، وفيه أن هذا يقتضى أنه من شرائط صحتها لا من شرائط حسنها؛ لأنه إذا بطل الغرض من الاستعارة انتفت وعاد الكلام تشبيها، إلا أن يقال: إن فى الكلام حذف مضاف أى: لأن ذلك يبطل كمال الغرض من الاستعارة ومعلوم أن كمال الغرض من إيجاد الشىء حسنه ونقصانه قبحه
(قوله: أعنى) أى:
بالغرض من الاستعارة
(قوله: لما فى التشبيه إلخ) علة للعلة أعنى قوله: لأن ذلك يبطل إلخ أى: وإنما كان شم رائحة التشبيه مبطلا لكمال الغرض من الاستعارة لما فى التشبيه إلخ، وحاصل ما ذكره أن شم رائحة التشبيه إنما أبطل كمال الغرض من الاستعارة، لأن الغرض منها إظهار المبالغة فى التشبيه، ويحصل ذلك الإظهار بادعاء دخول
أى: ولأن شرط حسنه ألّا يشم رائحة التشبيه لفظا (يوصى أن يكون الشبه) أى: ما به المشابهة (بين الطرفين جليا) بنفسه
…
===
المشبه فى جنس المشبه به وادعاء أنهما مشتركان فى الحقيقة الجامعة لهما، وأن اللفظ موضوع لتلك الحقيقة، إلا أن أحد الفردين متعارف والآخر غير متعارف، ومقتضى هذا الغرض استواؤهما فى ذلك الجامع الذى جعل كالحقيقة الجامعة؛ لأن استواء الأفراد فى الحقيقة هو الأصل، ولا شك أن إشمام رائحة التشبيه فيه إشعار ما بأصل التشبيه، والإشعار بأصله يتضمن الإيماء إلى ما علم من الأصل فى التشبيه والكثير فيه وهو كون المشبه به أقوى من المشبه فى الجامع وكونه أقوى منه ينافى الاستواء فيه الذى هو مقتضى الغرض، فقوله: لما فى التشبيه أى: الذى أشم رائحته من الدلالة على أن المشبه به أقوى من المشبه فى وجه الشبه أى: والغرض من الاستعارة يقتضى مساواتهما فيه، وبقولنا: لأن استواء الأفراد فى الحقيقة هو الأصل يندفع قول سم: لا نسلم أن الغرض المذكور يقتضى مساواة المشبه، والمشبه به فى الجامع الذى هو جعل كالحقيقة الجامعة بدليل المشكك، فإن بعض أفراده أقوى من البعض مع شمول الجنس لجميعها، وحينئذ فلا منافاة بين التفاوت فى القوة وبين الاشتراك فى الجنس فتأمل.
(قوله: أى ولأن شرط حسنه) أى: ولأجل ما قلنا من أن من شروط الحسن فى كل من الاستعارتين ألّا يشم رائحة التشبيه لفظا فضمير حسنه راجع لكل من الاستعارتين.
(قوله: يوصى) بالبناء للمفعول أى: يوصى البلغاء بعضهم بعضا عند تحقق حسن الاستعارة لوجود هذا الشرط وهو عدم إشمام رائحة التشبيه لفظا
(قوله: أى ما به المشابهة) أى: وهو وجه الشبه فكأنه قال: ولذلك يوصى البلغاء بعضهم بعضا على جلاء وجه الشبه، وإنما رتب التوصى المذكور على ذلك الشرط وهو عدم إشمام رائحة التشبيه لفظا لا باشتراط رعاية جهات حسن التشبيه؛ لأن التوصى إنما يحتاج إليه؛ لأنه هو الذى له دخل فى الخفاء وصيرورة الاستعارة لغزا بخلاف رعاية جهات حسن التشبيه، فإنه لا دخل له فى ذلك كما يعلم مما يأتى
(قوله: جليا بنفسه) أى: لكونه يرى
أو بواسطة عرف، أو اصطلاح خاص (لئلا تصير) الاستعارة (إلغازا) وتعمية إن روعى شرائط الحسن، ولم تشم رائحة التشبيه، وإن لم يراع فات الحسن.
يقال: ألغز فى كلامه: إذا عمى مراده؛
…
===
مثلا كما فى تشبيه الثريا بعنقود الملاحية
(قوله: أو بواسطة عرف) أى: عام كما فى تشبيه زيد مثلا بإنسان عريض القفا فى البلادة، فإن العرف حاكم بأن عرض القفا معه البلادة وكما فى تشبيه الرجل بالأسد فى الجراءة، فإن وصف الجراءة ظاهر فى الأسد عرفا
(قوله: أو اصطلاح خاص) أى: أو بواسطة اصطلاح خاص كما فى تشبيه النائب عن الفاعل بالفاعل فى حكم الرفع، فإن الرفع فى الفاعل ظاهر فى اصطلاح النحاة فيشبه به عند ما يحتاج المعلم للتشبيه مثلا
(قوله: لئلا تصير إلخ) أى: وإنما يوصى بكون وجه الشبه جليا فى الاستعارة التى فيها عدم إشمام رائحة التشبيه لئلا تصير تلك الاستعارة إلغازا أى: سبب إلغاز أو ملغزة فالإلغاز: بكسر الهمزة مصدر ألغز فى كلامه إذا عمى مراده وأخفاه أطلق على اسم المفعول أو على حذف مضاف كما علمت، وذلك لأنه إذ لم يكن وجه الشبه ظاهرا- بل كان خفيا، وانضم ذلك لخفاء التشبيه بواسطة عدم شم رائحته- لاجتمع خفاء على خفاء فتكون الاستعارة لغزا كما قال
(قوله: إن روعى إلخ) شرط فى قوله لئلا تصير الاستعارة إلغازا.
(قوله: ولم تشم رائحة التشبيه) من عطف المباين إن أريد بشرائط الحسن شرائط حسن التشبيه؛ لأن عدم إشمام رائحة التشبيه ليس من شرائط حسن التشبيه كما لا يخفى، لكن المقصود بالذات ذلك المعطوف وغيره لا مدخل له فى التعمية، وإن كان من شرائط حسن الاستعارة ومن عطف الخاص على العام إن أريد بشرائط الحسن شرائط حسن الاستعارة أتى به بعد العام اهتماما به إشارة إلى أن المراد من ذلك العام ذلك الخاص، لأن مناط التعمية والإلغاز عليه عند خفاء الوجه
(قوله: وإن لم يراع إلخ) مقابل لقوله: إن روعى إلخ أى: وإن لم يراع عدم الإشمام بأن حصل إشمام رائحة التشبيه لفظا فات الحسن ولم تكن الاستعارة لغزا فقوله: وإن لم يراع بالياء التحتية والضمير لعدم الإشمام أو بالمثناة فوق، والضمير لشرائط الحسن، والحاصل أنه إذا خفى وجه الشبه
ومنه اللغز، وجمعه: ألغاز؛ مثل: رطب وأرطاب (كما لو قيل) فى التحقيقية (رأيت أسدا، وأريد به إنسان أبخر) فوجه الشبه بين الطرفين خفى (و) فى التمثيل (رأيت إبلا مائة لا تجد فيها راحلة؛ وأريد به الناس)
…
===
إنما تكون الاستعارة إلغازا عند عدم إشمام رائحة التشبيه؛ لأن عدم الإشمام يبعد عن الأصل وخفاء الوجه يزيد ذلك بعدا، وإذا انتفى عدم إشمام الرائحة بوجود إشمامها فذلك مما يقرب إلى الأصل، لكن يفوت الحسن
(قوله: ومنه اللغز) بضم اللام وفتح الغين وهو المعنى الملغز فيه أو اللفظ المستعمل فى المعنى المذكور (وقوله: ومنه) أى: ومن هذا الفعل وهو ألغز فى كلامه أى: من مصدره
(قوله: وجمعه) أى: جمع اللغز (وقوله ألغاز) أى: بفتح الهمزة
(قوله: مثل رطب وأرطاب) أى: مثله فى وزن المفرد والجمع
(قوله: كما لو قيل فى التحقيقية) أى: التى خفى فيها وجه الشبه
(قوله: وأريد إنسان أبخر) أى: منتن رائحة الفم
(قوله: فوجه الشبه) أى: هو البخر بين الطرفين أى: الأسد والرجل المنتن الفم خفى أى: وحينئذ فلا ينتقل من الأسد مع القرينة المانعة من إرادة الأصل إلى الإنسان الموصوف بما ذكر، إذ لا ينتقل من الأسد مع القرينة المذكورة إلا إلى الإنسان الموصوف بلازم الأسد المشهور وهو الشجاعة، والانتقال إلى الرجل بدون الوصف لا يفيد فى التجوز
(قوله: مائة لا تجد فيها إلخ) يحتمل أن تكون جملة استئنافية أى: مائة منها لا تجد فيها راحلة فهى جواب عن سؤال مقدر، كأنه قيل على أى حال رأيتهم؟ فقيل: مائة منها لا تجد فيها راحلة، ويحتمل أن يكون مائة نعتا للإبل وما بعده وصف للمائة أى: إبلا معدودة بهذا القدر الكثير الموصوف بأنك لا تجد فيها راحلة
(قوله: وأريد) أى: بالإبل الموصوفة بالأوصاف المذكورة حال الناس من حيث عزة وجود الكامل مع كثرة أفراد جنسه، ولا شك أن وجه الشبه المذكور خفى، إذ لا ينتقل إلى الناس من الإبل من هذه الحيثية، وإنما كانت هذه استعارة تمثيلية؛ لأن الوجه منتزع من متعدد؛ لأنه اعتبر وجود كثرة من جنس وكون تلك الكثرة يعز فيها وجود ما هو من جنس الكامل، واعترض على المصنف فى التمثيل بما ذكر بأن الكلام إذا كان هكذا كان الخفاء فيه من عدم ذكر القرينة المانعة عن إرادة الأصل لا من جهة خفاء وجه الشبه،
من قوله- عليه الصلاة والسلام: " الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة"(1).
وفى الفائق: الراحلة: البعير الذى يرتحله الرجل؛ جملا كان أو ناقة؛ يعنى:
أن المرضى المنتخب من الناس فى عزة وجود؛ كالنجيبة المنتخبة التى لا توجد فى كثير من الإبل. (وبهذا ظهر أن التشبيه أعم محلا)
…
===
إذ لو قيل رأيت يوم الجمعة فى المسجد إبلا مائة لا تجد فيها راحلة تبين المراد فالأولى فى التمثيل أن يقال: رأيت يوم الجمعة فى المسجد والإمام يخطب إبلا مائة لا تجد فيها راحلة، فإن هذه صورة التجوز مع الخفاء إذ المفهوم أن الناس المرئيين فى المسجد كالإبل والمتبادر أنهم كالإبل فى كثرة الأكل، وقلة الفهم وكبر الأعضاء وطولها مثلا، إذ هذا هو المتبادر، أو أنهم كالإبل فى غاية الصبر، لأن الإبل مشهورة بالصبر؛ على ما تستعمل، وأما عزة الكمال مع كثرة أفراد الجنس فلا تفهم، وإنما كان الأولى ذلك الذى قلناه من المثال؛ لأن كلامنا فيما تحقق فيه التجوز مع الخفاء ولا يتحقق التجوز إلا بالقرينة ولو ذكرت القرينة فى المثال مع الإيماء للوجه انتفى الخفاء- اه يعقوبى.
(قوله: من قوله) أى: وهذا المثال مأخوذ من قوله- عليه الصلاة والسلام لا أن قصد المصنف التمثيل بالحديث
(قوله: يرتحله الرجل) أى يعده للارتحال عليه- كذا قال بعضهم- وفى الأطول أى: يعده لوضع رحله وحمل الأثقال عليه
(قوله: المنتخب من الناس) أى: المختار منهم لحسن خلقه وزهده، وقوله: فى عزة وجوده (2) أى: فى قلة وجوده مع كثرة أفراد جنسه، وهذا وجه الشبه
(قوله: المنتخبة) أى: المختارة لحمل الأثقال لقوتها وهى مرادفة للراحلة، وأشار بقوله: التى لا توجد فى كثير من الإبل إلى أن المراد من العدد الكثرة
(قوله: وبهذا) أى: بما ذكر- وهو أن ما يكون فيه الوجه خفيا لا تنبغى فيه الاستعارة لئلا تصير إلغازا وتعمية- ظهر أن التشبيه أعم أى: من الاستعارة أى: عموما مطلقا؛ لأن العموم إذا أطلق إنما ينصرف له ونبه بقوله: محلا على أن العموم من حيث التحقق لا من حيث الصدق، إذ لا يصدق التشبيه على الاستعارة كما أن الاستعارة لا تصدق على التشبيه، ثم إنه لم يعلم مما مر إلا أن التشبيه ينفرد عن الاستعارة
(1) السنن الكبرى للبيهقى 10/ 135 بلفظ (الناس كالإبل المائة لا يجد الرجل فيها راحلة).
(2)
كذا، وفي المتن: وجود.
إذ كل ما يتأتى فيه الاستعارة يتأتى فيه التشبيه من غير عكس؛ لجواز أن يكون وجه الشبه غير جلى فتصير الاستعارة إلغازا؛ كما فى المثالين المذكورين؛ فإن قيل:
قد سبق أن حسن الاستعارة برعاية جهات حسن التشبيه، ومن جملتها: أن يكون وجه التشبيه بعيدا غير مبتذل. فاشتراط جلائه فى الاستعارة ينافى ذلك.
قلنا: الجلاء، والخفاء مما يقبل الشدة والضعف؛ فيجب أن يكون من الجلاء بحيث لا يصير ألغازا، ومن الغرابة بحيث لا يصير مبتذلا.
===
فتضم له ما هو معلوم من اجتماع التشبيه والاستعارة، فبذلك يثبت أن التشبيه أعم مطلقا واعلم أن ما ذكر هنا من العموم المطلق باعتبار المحل منظور فيه للنسبة بين التشبيه مطلقا، سواء كان حسنا أو لا وبين الاستعارة الحسناء وما سيأتى عند قوله: ويتصل به إلخ، مما يفيد أن بينهما العموم والخصوص الوجهى، فذلك منظور فيه للنسبة بين التشبيه الحسن والاستعارة الحسناء فيتصادقان حيث لا خفاء ولا اتحاد وتنفرد الاستعارة حيث الاتحاد كما فى مسألة العلم والنور الآتية وينفرد التشبيه حيث الخفاء، وحينئذ فلا منافاة بين ما هنا وما يأتى
(قوله: إذ كل ما يتأتى) أى: إذ كل محل تتأتى فيه الاستعارة أى:
الحسناء يتأتى فيه التشبيه، وذلك حيث لا خفاء فى وجه الشبه ولم يقو الشبه بين الطرفين بحيث يصيران كأنهما متحدان.
(قوله: كما فى المثالين المذكورين) أى: فى المتن وهما رأيت أسدا مريدا به إنسانا أبخر ورأيت إبلا إلخ، فتمتنع فيها الاستعارة الحسناء، ويجب أن يؤتى بالتشبيه فى صورة إلحاق الناس بالإبل كما فى الحديث الشريف، ويؤتى بالتشبيه فى صورة إلحاق الرجل بالسبع فى البخر، ويفرق بأن التشبيه يتصور فيه إجمال لما يتعلق الغرض به فى بعض التراكيب، والمجاز ليس كذلك وإن كانا مستويين فى الامتناع عند الخفاء إذ لم يذكر الوجه فى التشبيه وذلك عند قصد خصوص الوجه فى ذلك التشبيه، وإذا صح التشبيه فيما ذكر من المثالين دون الاستعارة كان أعم محلا
(قوله: ينافى ذلك) أى: لأن من لوازم كون الشبه بعيدا غير مبتذل أن يكون غير جلى، فكأنهم اشترطوا فى حسنها كون وجه الشبه جليا وكونه غير جلى وهذا تناف
(قوله: فيجب أن يكون) أى: وجه
(ويتصل به) أى: بما ذكرنا من أنه إذا خفى التشبيه لم تحسن الاستعارة، ويتعين التشبيه (أنه إذا قوى التشبيه بين الطرفين حتى اتحدا؛ كالعلم والنور، والشبهة والظلمة- لم يحسن التشبيه وتعينت الاستعارة) لئلا يصير كتشبيه الشىء بنفسه.
فإذا فهمت مسألة تقول:
…
===
الشبه ملتبسا بحالة من الجلاء هى ألّا يصير إلغازا وأن يكون ملتبسا بحالة من الغرابة هى ألا يصير مبتذلا فالمطلوب فيه أن يكون متوسطا بين المبتذل والخفى
(قوله: ويتصل به) أى: وينبغى أن يذكر متصلا بما ذكرنا وعقبه أنه إذا قوى إلخ، وذلك للمناسبة بينهما من حيث التقابل؛ لأن كلا منهما يوجب عكس ما يوجبه الآخر، وذلك لأن ما ذكر سابقا من خفاء الوجه يوجب حسن التشبيه، وما ذكر هنا يوجب حسن الاستعارة دون التشبيه- كذا فى اليعقوبى- وذكر بعضهم أن قوله: ويتصل به معناه ويناسب ذلك من حيث قياسه عليه قياس عكس
(قوله: أى بما ذكرنا من أنه إلخ) فيه أنه لم يصرح فيما مر بذلك، لكنه يفهم من قوله: ولذلك إلخ: أن الاستعارة لا تحسن إذا كان وجه الشبه خفيا، وإذا لم تحسن تعين التشبيه، فالمراد ما ذكرنا ضمنا لا صريحا
(قوله: إذا خفى التشبيه) أى: وجه الشبه
(قوله: ويتعين التشبيه) أى: عند البلغاء لأنهم يحترزون عن غير الحسن، لا أنه لا تصح الاستعارة فيكون منافيا لما تقدم من أن كل ما تتأتى فيه الاستعارة يتأتى فيه التشبيه
(قوله: أنه) أى: الحال والشأن
(قوله: إذا قوى التشبيه) أى:
وجه الشبه، وقوته تكون بكثرة الاستعمال للتشبيه بذلك الوجه
(قوله: حتى اتحدا) أى:
صارا كالمتحدين فى ذلك المعنى بحيث يفهم من أحدهما ما يفهم من الآخر، وليس المراد أنهما اتحدا حقيقة، والكلام محمول على المبالغة.
(قوله: كالعلم والنور والشبهة والظلمة) أى: فقد كثر تشبيه العلم بالنور فى الاهتداء، والشبهة بالظلمة فى التحير حتى صار كل من المشبهين يتبادر منه المعنى الموجود فى المشبه بهما فصارا كالمتحدين فى ذلك المعنى، فيختل اتحادهما، وفى الحقيقة لا يحسن تشبيه أحدهما بالآخر، لئلا يصير كتشبيه الشىء بنفسه
(قوله: وتعينت الاستعارة) أى: بنقل لفظ المشبه به للمشبه، ثم إن هذا ينافى قوله سابقا: إن التشبيه أعم محلا؛ لأنه
حصل فى قلبى نور، ولا تقول: علم كالنور، وإذا وقعت فى شبهة تقول: قد وقعت فى ظلمة، ولا تقول: فى شبهة كالظلمة.
(و) الاستعارة (المكنى عنها؛ كالتحقيقية) فى أن حسنها برعاية جهات حسن التشبيه؛
…
===
هنا قد تعينت الاستعارة ولم يصح التشبيه، والجواب أن المراد تعينت الاستعارة عند إرادة الإتيان بالحسن لا أن التشبيه ممتنع، ويجب الاستعارة، بل التشبيه فى تلك الحالة جائز إلا أنه غير حسن كما يدل لذلك قوله: لم يحسن التشبيه، فتحصل أن الاستعارة والتشبيه الحسنين بينهما عموم وخصوص من وجه لتصادقهما حيث لا اتحاد ولا خفاء وانفراد الاستعارة حيث يوجد الاتحاد كما فى مسألة العلم والنور، وانفراد التشبيه حيث وجد الخفاء كما فى الإبل والناس، وأما مطلق الاستعارة ومطلق التشبيه فهما متحدان محلا، وأما التشبيه مطلقا والاستعارة الحسنة فبينهما العموم المطلق، وأن التشبيه أعم محلا- وهو مجمل بقول المصنف سابقا، بهذا ظهر أن التشبيه أعم محلا فتأمل- كذا قرر شيخنا العدوى.
(قوله: حصل فى قلبى نور) أى: مستعيرا للعلم الحاصل فى قلبك لفظ النور
(قوله: ولا تقول علم كالنور) أى: ولا تقول حصل فى قلبى علم كالنور مشبها للعلم بالنور بجامع الاهتداء فى كل، إذ هو كتشبيه الشىء بنفسه لقوة الوجه فى العلم وهو الاهتداء به كما فى النور
(قوله: وإذا وقعت فى شبهة) أى: وإذا وقع فى قلبك شبهة
(قوله: وقعت فى ظلمة) أى: وقع فى قلبى ظلمة مستعيرا لفظ الظلمة للشبهة
(قوله: ولا تقول فى شبهة كالظلمة) أى مشبها للشبهة بالظلمة لقوة وجه الشبه فى الشبهة وهو عدم الاهتداء والتحير كما فى الظلمة، فيصير ذلك التشبيه كتشبيه الشىء بنفسه.
(قوله: برعاية جهات حسن التشبيه) لم يقل وبألا تشم رائحة التشبيه لفظا لعدم تأتيه؛ لأن من لوازم الاستعارة بالكناية ذكر ما هو من خواص المشبه به وذلك يدل على التشبيه فلا ضرر فى خفاء وجه الشبه هناك، وأما القرينة الموجودة فى الاستعارة مطلقا فهى وإن ظهر بها قصد التشبيه لكن خفاء وجه الشبه يكسر سورتها لا
لأنها تشبيه مضمر (و) الاستعارة (التخييلية حسنها بحسب حسن المكنى عنها) لأنها لا تكون إلا تابعة للمكنى عنها، وليس لها فى نفسها تشبيه، بل هى حقيقة؛ فحسنها تابع لحسن متبوعها.
===
يقال يلزم أن يكون فى ترشيح التحقيقية إشمام لرائحة التشبيه؛ لأنه من لوازم المشبه به فلا يكون أبلغ؛ لأنا نقول الفرق أن المذكور فى المكنية لفظ المشبه فذكر خاصية المشبه به يدل على التشبيه والمذكور فى التحقيقية لفظ المشبه به فذكر ما هو من خواصه يبعد التشبيه فضلا عن كونه يدل عليه وبما علمت من أن حسن المكنية إنما هو برعاية جهات حسن التشبيه فقط بخلاف التحقيقية والتمثيلية، فإن حسنهما برعاية جهات حسن التشبيه وعدم شم رائحة التشبيه لفظا كما مر ظهر لك حكمة تكلم المصنف على حسن الاستعارة التحقيقية والتمثيلية أولا، ثم تشبيه المكنية بالتحقيقية ثانيا ولم يذكر المكنية معهما أولا، إذ لو كان ما ثبت للتحقيقية من اشتراط الأمرين المذكورين فى حسنها ثابتا للمكنية لم يكن لصنيع المصنف وجه، وكان الأولى أن يذكرها أولا، مع التحقيقية والتمثيلية
(قوله: لأنها تشبيه مضمر) هذا على مذهب المصنف كما مر لا على مذهب القوم من أنها لفظ المشبه به المضمر فى النفس المرموز إليه بذكر لوازمه
(قوله: حسنها بحسب حسن المكنى عنها) أى: حسنها فى حساب المكنى عنها بمعنى أنه يعد بعد عد حسن المكنى عنها تابعا له، وإذا حصل عد حسنها بعد عد حسن المكنى عنها كان حسنها تابعا لحسنها؛ لأن ما يقال فيه إنه معدود فى عد الشىء الفلانى، أو بعدّ الشىء الفلانى إنما ذلك إذا كان ذكر ذلك الأمر عند قصده يغنى عنه الشىء الفلانى، ومن لازم هذا المعنى عرفا التبعية وهى المرادة هنا بهذه العبارة، فالحسب على هذا بمعنى الإحساب والعد ويحتمل أن يكون اسما من الإحساب وهو الكفاية فيكون المعنى والتخييلية يستغنى عن ذكر حسنها بكفاية حسن المكنى عنها، ولا شك أن كفاية الثانية عن الأولى تفيد التبعية، فالمعنى أن التخييلية تابعة فى الحسن والقبح للمكنى عنها. اه يعقوبى.
(قوله: بل هى حقيقة) أى: عند المصنف؛ لأنها مستعملة فى الموضوع له، وأما عند صاحب المفتاح القائل بعدم وجوب تبعيتها للمكنى عنها، فيقول إن كانت تابعة لها