المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الغرض من التشبيه]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٣

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الفن الثانى علم البيان

- ‌تعريف علم البيان:

- ‌[أبواب علم البيان]:

- ‌ التشبيه

- ‌[وجه التشبيه]:

- ‌الوجه الداخل فى الطرفين والخارج عنهما:

- ‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

- ‌دقيقة فى الوجه المركب:

- ‌[أداة التشبيه]:

- ‌[الغرض من التشبيه]:

- ‌وعالم يعرف بالسجزى

- ‌أشهى إلى النفس من الخبز

- ‌[أقسام التشبيه باعتبار طرفيه]:

- ‌[إما تشبيه مركب بمفرد

- ‌[التشبيه الملفوف والمفروق]:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار أداته:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌مراتب التشبيه:

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة:

- ‌[بقية الكلام عن الحقيقة]:

- ‌[أمثلة على استعمال الكلمة على حقيقتها وعلى غير حقيقتها]:

- ‌[تعريف الوضع]:

- ‌كلامه عن الحروف ومعانيها

- ‌الفرق بين المعنى الإفرادى والمعنى التركيبى

- ‌[إنكار الوضع]:

- ‌[كلامه عن صفات الحروف]:

- ‌بداية الكلام عن المجاز

- ‌أنواع المجاز:

- ‌أقسام المجاز

- ‌[تقسيم المفرد إلى مرسل واستعارة]:

- ‌[الكلام فى المجاز المرسل]:

- ‌[علاقة الجزئية والكلية]:

- ‌[علاقة السببية]:

- ‌[اعتبار ما كان وما يكون]:

- ‌[الاستعارة]:

- ‌[الكلام فى الاستعارة]:

- ‌هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى:

- ‌[مفارقة الاستعارة للكذب]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار المستعار الأصلية والتبعية]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

- ‌[المجاز المركب]:

- ‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

- ‌[اعتراضات على السكاكى]:

- ‌فصل عرف السكاكى إلخ:

- ‌[فصل]: فى شرائط حسن الاستعارة:

- ‌[فصل]: [قد يطلق المجار]

- ‌الكناية

- ‌تعريف الكناية:

- ‌أقسام الكناية:

- ‌الكناية العرضية:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

الفصل: ‌[الغرض من التشبيه]:

[الغرض من التشبيه]:

(والغرض منه) أى: من التشبيه (فى الأغلب يعود إلى المشبه، وهو) أى:

الغرض العائد إلى المشبه (بيان إمكانه) أى: المشبه، وذلك إذا كان أمرا غريبا يمكن أن يخالف فيه ويدعى امتناعه (كما فى قوله:

===

(قوله: فى الأغلب) أى: أغلب الاستعمال يعود إلى المشبه لما كان التشبيه بمنزلة القياس فى ابتناء شىء على آخر كان الوجه أن يكون الغرض منه عائدا إلى المشبه الذى هو كالمقيس، ولذا كان عوده إليه أغلب وأكثر، وقوله: فى الأغلب مقابله ما يأتى فى قوله: وقد يعود إلى المشبه به، فإن قلت: ما يأتى يفيد أنه قليل، وتعبيره هنا بالأغلب يفيد أن الآتى غالب. قلت: القلة بالإضافة لا تنافى الغلبة.

(قوله: بيان إمكانه) أى: بيان أن المشبه أمر ممكن الوجود

(قوله: وذلك) أى:

والسبب فى ذلك أى: فى بيان إمكانه (وقوله: إذا كان) أى: المشبه.

(قوله: ويدعى امتناعه) أى: امتناعه الوقوعى من أجل غرابته فيؤتى بالتشبيه على طريق الدليل على إثباته

(قوله: كما فى قوله) أى: كبيان إمكان المشبه الذى فى قول أبى الطيب المتنبى من قصيدته التى رثى بها والدة سيف الدولة بن حمدان، ومطلعها:

نعدّ المشرفية والعوالى

وتقتلنا المنون بلا قتال

وترتبط السّوابق مقرنات (*)

وما ينجين من خبب الليالى

وهى طويلة، وقبل البيت قوله يخاطب سيف الدولة:

نظرت إلى الذين أرى ملوكا

كأنّك مستقيم فى محال

فإن تفق الأنام إلخ (1)

:

وقد أحسن بعضهم فى تضمين هذا البيت حيث قال:

وقالوا بالعذار تسلّ عنه

وما أنا عن غزال الحسن سالى

وإن أبدت لنا خدّاه مسكا

فإنّ المسك بعض دم الغزال

(*) كذا فى الأصل وتروى: مقربات.

(1)

الأبيات من قصيدة للمتنبى يرثى والدة سيف الدولة ويعزيه بها، وهو فى ديوانه 2/ 12، وهو فى الإشارات ص 187.

ص: 151

فإن تفق الأنام وأنت منهم

فإنّ المسك بعض دم الغزال) (1)

فإنه لما ادعى أن الممدوح قد فاق الناس حتى صار أصلا برأسه وجنسا بنفسه، وكان هذا فى الظاهر كالممتنع- احتج لهذه الدعوى،

===

(قوله: فإن تفق) أى: تعل بالشرف والأنام- قيل: هم الإنس والجن، وقيل:

جميع ما على وجه الأرض، وأراد الشاعر الأنام الموجودين فى زمانه ومن تعميم الأنام يستفاد أنه صار بكونه فائقا لهم جنسا آخر بواسطة أن الداخل فى الجنس لا بد أن يساويه فرد منه غالبا

(قوله: وأنت منهم) جملة حالية أى: والحال أنك منهم أى:

بحسب الأصل؛ لأنك آدمىّ بالأصالة فلا ينافى دعوى صيرورته جنسا برأسه

(قوله: فإن المسك .. إلخ) ليس جوابا للشرط الذى هو قوله: فإن تفق الأنام؛ لعدم الارتباط المعنوى وإنما هو علة للجواب أقيم مقامه والأصل فلا بعد فى ذلك؛ لأن المسك .. إلخ أى: إن خرجت عن جنسك بكمال أوصافك فلا بعد فى ذلك ولا استغراب؛ لأن المسك بعض دم الغزال وقد فاقه بكمال أوصافه، فحالك كحال المسك، فالشاعر لما ادّعى أن الممدوح فاق الناس فوقانا صار به كأنه جنس آخر وأصل مستقلّ برأسه، وكان فوقانه لهم على الوجه المذكور مما يمكن أن يدعى استحالته احتجّ لمدعاه بأن حالته مماثلة لحالة مسلّمة الإمكان لوقوعها، فشبه حالته بتلك الحالة فتبيّن أن حالته ممكنة.

(قوله: فإنه) أى: الشاعر وهذا علّة لصحة التمثيل بالبيت لكون الغرض من التشبيه بيان إمكان المشبه.

(قوله: حتى صار أصلا) أى: كأنه أصل

(قوله: وجنسا بنفسه) أى: وجنسا مستقلّا بنفسه، وهذا مرادف لما قبله.

(قوله وكان هذا) أى: ما ذكر من فوقان الممدوح جميع الأنام فوقانا صار به كأنه جنس مستقلّ بنفسه.

(قوله: فى الظاهر) أى: فى بادئ الرأى قبل التأمّل فى الدلالة بل والالتفات للنظائر

(قوله: احتجّ لهذه الدعوى) أى: أقام الحجة أى: الدليل على إثبات هذه الدعوى

(1) البيت للمتنبى من قصيدة يرثى فيها والدة سيف الدولة، ديوانه 3/ 1651، والإشارات ص 187.

ص: 152

وبين إمكانها بأن شبه هذه الحال بحال المسك الذى هو من الدماء، ثم إنه لا يعد من الدماء لما فيه من الأوصاف الشريفة التى لا توجد فى الدم، وهذا التشبيه ضمنىّ، ومكنّى عنه.

(أو حاله) عطف على إمكانه، أى: بيان حال المشبه بأنه على أىّ وصف من الأوصاف (كما فى تشبيه ثوب بآخر فى السواد) إذا علم السامع لون المشبه به دون المشبه.

(أو مقدارها) أى: بيان مقدار حال المشبه فى القوة والضعف، والزيادة والنقصان

===

وهى فوقانه لهم على الوجه المذكور لدفع إنكارها لغرابتها

(قوله: شبه هذه الحال) أى:

الهيئة المأخوذة من فوقان الممدوح جميع الناس حتى صار كأنه أصل برأسه (وقوله: بحال المسك) أى: بالهيئة المأخوذة من فوقانه لجميع الدماء التى فى الغزال، فهو من تشبيه المركب بالمركب، والجامع فوقان الأصل فى كلّ.

(قوله: ضمنىّ) أى: مدلول عليه باللازم؛ لأنه ذكر فى الكلام لازم التشبيه وهو وجه الشبه- أعنى: فوقان الأصل- وأراد الملزوم وهو التشبيه (فقوله: ومكنّى عنه) تفسير لما قبله، والحاصل: أن التشبيه لم يذكر صراحة بل كناية بذكر لازمه، وذكر بعضهم فى قول المطول: وليسمّ هذا التشبيه ضمنيّا ومكنيا عنه أنه إنما سمى ضمنيّا؛ لأنه يفهم من الكلام ضمنا وسمّى مكنيا عنه؛ لأنه مكنى أى: خفىّ ومستتر- وتأمله.

(قوله: حال المشبه) أى: صفته

(قوله: بأنه على أىّ وصف من الأوصاف) أى: هل هو متصف بالبياض أو السواد أو الحمرة مثلا؟ وهو متعلق ببيان أى: بيان حاله بجواب أنه على أىّ وصف .. إلخ

(قوله: كما فى تشبيه .. إلخ) أى: كبيان الحال الذى فى تشبيه ثوب .. إلخ

(قوله: فى السواد) أى: أو فى غيره من الألوان

(قوله: إذا علم .. إلخ) شرط فى مقدر أى: وإنما يكون هذا التشبيه لبيان حال المشبه إذا علم .. إلخ، وأما لو كان حال المشبه معلوما له قبل التشبيه لم يكن ذلك التشبيه لبيان حال المشبه؛ لأنها مبيّنة ومعلومة وتبيين المبيّن عبث

(قوله: أو مقدارها) أى: إذا علم السامع مقدار حال المشبه به دون المشبه وإنما ترك الشارح هذا القيد لظهوره مما ذكره أولا

(قوله: أى بيان مقدار .. إلخ)

ص: 153

أى: تشبيه الثوب الأسود (بالغراب فى شدته) أى: شدة السواد.

(أو تقريرها) مرفوع عطفا على: بيان إمكانه، أى: تقرير حال المشبه فى نفس السامع، وتقوية شأنه (كما فى تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل

===

أى: كميتها (وقوله: كما فى تشبيهه) أى: كبيان المقدار فى تشبيهه

(قوله: أى تشبيه الثوب الأسود) أى: المعلوم أصل سواده وإلا كان التشبيه لبيان أصل الحال لا لبيان مقدارها، وفى قول الشارح: أى: تشبيه الثوب الأسود إشارة إلى أن الضمير فى قول المصنف تشبيهه راجع للثوب الأسود المفهوم من قوله: فى السواد.

(قوله: مرفوع) أى: لا مجرور. عطفا على مدخول البيان وهو الإمكان؛ لأن التقرير أخص من مطلق البيان، إذ هو بيان على وجه التمكن فلو جرّ لكان المعنى أو بيان البيان الخاص، ولا يخفى ما فى ذلك من العجرفة

(قوله: أى تقرير حال المشبه) أى:

وصفه الذى هو وجه الشبه القائم به

(قوله: وتقوية شأنه) أى: المشبه والمراد بشأنه حاله، وهذا عطف على تقرير حاله مفسر له، واعلم أن تقرير حال المشبه فى نفس السامع إنما يفيده التشبيه إذا كان المشبه به حسيّا كان المشبه كذلك أو عقليّا كما يستفاد من كلام الشارح الآتى.

(قوله: كما فى تشبيه .. إلخ) أى: كالتقرير الكائن فى تشبيه من لا يحصل .. إلخ، وذلك كأن يقال: فلان فى سعيه كالراقم على الماء بجامع عدم حصول الفائدة فى كلّ، فهذا التشبيه قرر وثبت حال فلان وهو عدم الفائدة فى ذهن السامع

(قوله: من سعيه) أى: عمله أو كسبه

(قوله: على طائل) الطائل: هو الفضل أو الفائدة. يقال: هذا أمر لا طائل فيه أى: لا فائدة فيه ولا فضل. مأخوذ من الطّول- بالفتح- وهو الفضل يقال: لفلان على فلان طول- بالفتح- أى: فضل وامتنان، و" على" يحتمل أن تكون زائدة فاعل يحصل كما فى قوله:

إنّ الكريم وأبيك يعتمل

إن لم يجد (*) يوما على من يتّكل

ويحتمل أنها غير زائدة، وفاعل يحصل ضمير عائد على الموصول كما هو الظاهر وضمّن يحصل معنى يطلع- كذا فى الفنرى.

(*) وقعت فى المطبوع: يوجد، وما أثبت من العقد الفريد، وخزانة الأدب ونكت الهميان.

ص: 154

بمن يرقم على الماء) فإنك تجد فيه من تقرير عدم الفائدة، وتقوية شأنه ما لا تجده فى غيره؛ لأن الفكر بالحسيات أتم منه بالعقليات؛ لتقدم الحسيات، وفرط إلف النفس بها.

===

وفى عبد الحكيم: من لا يحصل من سعيه على طائل بمعنى: من لا يبقى لأجل سعيه على طائل، فعلى صلة يحصل كذا يستفاد من الأساس حيث قال: حصل عليه من حقّى كذا أى: بقى عليه منه كذا- اه.

(قوله: بمن يرقم) بابه نصر أى: يخطط على الماء كان ذلك التخطيط كتبا أو تزويقا.

(قوله: فإنك تجد) أى: تعلم (وقوله: فيه) أى: فى هذا التشبيه المخصوص (وقوله: من تقرير عدم الفائدة) أى: من تقرير المتكلم عدم الفائدة الذى هو حال المشبه (وقوله:

وتقوية شأنه) أى: شأن عدم الفائدة الذى هو الحال.

(قوله: ما لم تجده) مفعول تجد أى: شيئا لا تجده فى غيره أى: من التشبيه بالمعقول

(قوله: لأن الفكر) هو فى الأصل التأمّل، والمراد به هنا الجزم أى: لأن الجزم بالأمور الحسية أتمّ من الجزم بالأمور العقلية والشىء وإن كان معلوما يقينا كحال المشبه إلا أن تمثيله بالمحسوس يفيد زيادة قوة؛ لأن الإلف بالمحسوسات أتم منه بالعقليات

(قوله: لتقدم الحسيات) علة للأتميّة أى: لتقدم الحسيات فى الحصول عند النفس على العقليات؛ لأن النفس فى مبدأ الفطرة خالية عن العلوم، ثم بعد إحساسها بالجزئيات بواسطة الآلات وتنبهها لما بينها من المشاركات والمباينات إجمالا يحصل لها علوم كلية هى العقليات

(قوله: وفرط) أى: شدة إلف النفس بها ومما يؤيد ما ذكره الشارح أنك لو أردت وصف يوم بالطول، فقلت: هذا يوم كأنه لا آخر له. لم يكن فى تأثيره فى النفس طول ذلك اليوم مثل قول الشاعر حيث شبهه بالمحسوس.

ويوم كظلّ الرّمح قصّر طوله

دم الزّقّ عنّا واصطكاك المزاهر (1)

(1) البيت لابن الطثرية فى ديوانه ص 81، ولسان العرب (صفف) وأساس البلاغة (رمح) وورد (واصطفاف) مكان (واصطكاك).

ص: 155

(وهذه) الأغراض (الأربعة تقتضى أن يكون وجه الشبه فى المشبه به أتمّ، وهو به أشهر) أى: وأن يكون المشبه به بوجه الشبه أشهر وأعرف؛ ظاهر هذه العبارة: أن كلّا من الأربعة يقتضى الأتميّة والأشهريّة، لكن التحقيق أن بيان الإمكان، وبيان الحال لا يقتضيان إلا الأشهريّة

===

وكذلك إذا قلت فى وصفه بالقصر يوم كلمح البصر، أو كأنه ساعة لم يكن فى تأثيره فى النفس قصر ذلك اليوم مثل قولك: يوم كإبهام القطاة حيث شبهه بمحسوس

(قوله: الأربعة) أى: بيان الإمكان والحال والمقدار والتقرير

(قوله: تقتضى) أى: تستلزم وتوجب

(قوله: أتم) أى: أقوى، واعلم أن الأتميّة والأشهرية ولو باعتبار ما عند المخاطب بالتشبيه؛ لأن الأمر يتفاوت بحسب الرسوم والعادات، فقلّما يوجد وصف لأمر يعمّ اشتهاره عند كل الناس- قاله الفنرى.

(قوله: أتم) أى: منه فى المشبه (وقوله: وهو به أشهر) أى: عند السامع وإن لم يكن أشهر فى الواقع (وقوله: به) يحتمل أنه حال من الضمير فى أشهر أى: أشهر هو فى حال كونه ملتبسا به، أو حال كونه فيه، على أن الباء بمعنى فى.

(قوله: أى وأن يكون .. إلخ) أشار بهذا إلى أن قوله وهو به: عطف على اسم يكون وهو وجه الشبه، وأشهر عطف على خبرها والضمير المرفوع راجع للمشبه به ولذا أبرزه، وليست الجملة من المبتدأ والخبر واقعة موقع الحال، إذ المقصود أن هذه الأغراض تقتضى الأمرين لا أنها تقتضى الأتمية فى حال كونه أشهر، ثم إن الأشهرية كناية عن الأعرفية ومعنى الأعرف الأشد معرفة أى: إذا كان المشبه معروفا بوجه الشبه يكون المشبه به أشد معرفة به منه

(قوله: ظاهر هذه العبارة .. إلخ) ويمكن الجواب بأن مراد المصنف: أن مجموع الأغراض الأربعة يقتضى الأمرين، ويرتكب التوزيع فترجع الأشهرية لما يقتضيها وهو الجميع، وترجع الأتمية لما يقتضيها وهو التقرير، وليس المراد:

أن كل واحد من الأغراض الأربعة يقتضى الأتمية والأشهرية معا كما هو معنى الاعتراض

(قوله: أن كلّا من الأربعة) أى: أن كل واحد من هذه الأغراض الأربعة

(قوله: لا يقتضيان) أى: لا يستلزمان

(قوله: إلا الأشهرية) أى: شدة المعرفة لا الأتمية

ص: 156

ليصح القياس، ويتم الاحتجاج فى الأول، ويعلم الحال فى الثانى، وكذا بيان المقدار لا يقتضى الأتمية، بل يقتضى أن يكون المشبه به على حد مقدار المشبه، لا أزيد، ولا أنقص؛ ليتعين مقدار المشبه على ما هو عليه،

===

(قوله: ليصح القياس) أى: الإلحاق فيهما

(قوله: ويتم الاحتجاج فى الأول) أى: وهو بيان الإمكان، وقوله: ويعلم الحال فى الثانى أى: وهو بيان الحال لامتناع تعريف المجهول بالمجهول إن كان المشبه به أخفى معرفة بوجه الشبه من المشبه وبما يساويه إن ساواه فى المعرفة، وتوضيح ما ذكره من أن بيان الإمكان والحال إنما يقتضيان الأشهرية دون الأتمية: أن المطلوب فى بيان الإمكان إنما هو مجرد وقوع وجه الشبه فى الخارج فى ضمن المشبه به ليفيد عدم الاستحالة، وغاية ما يقتضى ذلك مجرد العلم بالوجود الخارجى ليسلم الإمكان ولا يتوقف الإمكان على الأتمية؛ لأن مطلق وقوع الحقيقة فى فرد ما يكفى فى إمكانها فإذا قلت: إنك فى خروجك عن أهل جنسك كالمسك- كفى فى المراد العلم بخروج المسك عن جنسه ولا يطلب كونه أتم منك فى الخروج، بل ربما يوجب ذلك تقصيرا فى المدح فصح التشبيه ولو كنت أتم منه فى الخروج، وأما بيان الحال فالغرض- كما تقدم- أن المخاطب جاهل به طالب لمجرد تصوره وذلك يكفى فيه كونه معروفا فى المشبه به ليفيد معرفته فى المشبه، فإذا قيل ما لون ثوبك المشترى؟

قلت: كهذا، فيحصل الغرض بمجرد العلم بكون هذا له سواد؛ لأن ذلك هو المطلوب ولا يتوقف على كون هذا أتم فى السواد؛ لأنه زائد على مطلق التصور، والزائد على مطلق التصور غير مطلوب

(قوله: بيان المقدار) أى: مقدار حال المشبه

(قوله: بل يقتضى أن يكون المشبه به) أى: مع كونه أعرف وأشهر بوجه الشبه

(قوله: على حد) أى: نهاية مقدار المشبه أى: أن يكون مساويا للمشبه فى وجه الشبه لا أزيد منه ولا أنقص، ولو قال الشارح على حد .. إلخ، وأن يكون أشهر لكان أحسن ليتضح به قوله:

ليتعين مقدار المشبه كل الاتضاح ليوافق صنيع هنا صنيع ما قبله وصنيع ما بعده.

(قوله: ليتعين) أى: عند المخاطب (وقوله: مقدار المشبه) أى: فى وجه الشبه، (وقوله: على ما هو عليه) أى: فى نفس الأمر. وتوضيح ذلك: أن التشبيه الذى قصد به بيان

ص: 157

وأما تقرير الحال فيقتضى الأمرين جميعا؛ لأن النفس إلى الأتم والأشهر أميل، فالتشبيه به بزيادة التقرير والتقوية أجدر.

(أو تزيينه) مرفوع عطفا على: بيان إمكانه، أى: تزيين المشبه فى عين السامع (كما فى تشبيه وجه أسود

===

مقدار حال المشبه المخاطب به يعرف الحال فى المشبه وطالب لبيان مقدار تلك الحال فلا بدّ أن يكون الوجه الذى هو الحال المطلوب مقداره فى المشبه به على قدره فى المشبه من غير زيادة ولا نقصان وإلا لزم الكذب والخلل فى الكلام، فإنه إذا قيل: كيف بياض الثوب الذى اشتريته والحال أنه فى مرتبة التوسط أو التسفل فى البياض وقلت هو كالثلج ليكون وجه الشبه فى المشبه به أتم؟ كان الكلام كذبا.

(قوله: وأما تقرير الحال) أى: حال المشبه

(قوله: الأمرين) أى: الأتمية والأشهرية معا.

(قوله: لأن النفس إلى الأتم) أى: إلى المشبه به الأتم أميل

(قوله: فالتشبيه به) أى: بالأتم الأشهر، وهو مبتدأ خبره أجدر (وقوله: بزيادة) متعلق بأجدر، والباء فيه للسببية، والمعنى: فالتشبيه به أولى من التشبيه بالخالى من الأتمية والأشهرية بسبب إفادته زيادة التقرير أى: التقرير الزائد فى نفسه والتقوية، وحينئذ فتقرير الحال مقتض للأمرين، وتوضيح ذلك: أن المراد من تقرير حال المشبه تمكن حال ذلك الحال فى نفس السامع بحيث تطمئن إليه، ولا يمكن لها مدافعة فيه بالوهم لغرض من الأغراض كالتنفير عن السعى بلا فائدة، فإن صاحبه ربما يدافع بوهمه عدم حصول الفائدة بتوهم الحصول، فإذا ألحق له بالرقم على الماء الذى لا يمكن مدافعة عدم الحصول فيه لقوته فيه وظهوره تحقق عند النفس فى الأول كما تحقق فى الثانى، فتقع نفرته عن ذلك السعى، وقد تقرر أن تحقق الشىء بالأقوى والأظهر مع قصد ذلك التحقق واجب؛ لأن الأضعف سبيل للتساهل فيه والتغافل عن مقتضاه ودفاعه عن النفس بإثبات ضده وهما.

(قوله: أو تزيينه) أى: جعله ذا زينة بأن يصوره للسامع بما يزيّنه ويحسّنه، فيخيّل السامع حينئذ حسن المشبه فإذا تخيّله كذلك كان ذلك داعيا لرغبته فيه

(قوله: عطفا على بيان إمكانه) أى: لا بالجر. عطفا على إمكانه

(قوله: فى عين السامع) أى:

لأجل ترغيبه فيه لكونه يصوّره له بصورة حسنة تدرك بالعين.

ص: 158

بمقلة الظبى، أو تشويهه) أى: تقبيحه (كما فى تشبيه وجه مجدور بسلحة جامدة قد نقرتها الديكة) جمع: ديك (أو استطرافه) أى: عدّ المشبه طريفا حديثا بديعا

===

قال العصام: وكان الأولى أن يقول: أى: تزيين المشبه عند السامع لأجل أن يشمل تشبيه صوت حسن بصوت داود وتشبيه جلد ناعم بالحرير وتشبيه نكهة شخص بريح المسك وتشبيه طعم البطيخ بالعسل، وعلى هذا فالمراد بتزيينه تصويره للسامع بصورة حسنة سواء كانت تدرك بالعين أو بغيرها

(قوله: بمقلة الظبى) أى: التى سوادها مستحسن طبعا وهى الشحمة التى تجمع السواد والبياض، فالسواد الكائن فى مقلة الظبى أوجب لها حسنا؛ لأن السواد فى العين حسن بالجبلة وذلك لما يلازمه من الصفاء العجيب والاستدارة مع إحاطة لون مخالف له غالبا من نفس العين أو خارجها، فلما شبه الوجه الأسود بالمقلة المذكورة صار مصوّرا للسامع بصورة حسنة.

قال فى الأطول: والتشبيه مبنىّ على ما قال الأصمعى من أن عين الظبى وبقر الوحش فى حال الحياة كلها سواد وإنما يظهر فيها البياض مع السواد بعد الموت

(قوله: أى تقبيحه) أى: لأجل أن ينفر المخاطب عنه

(قوله: كما فى تشبيه) أى: كالتشويه الذى فى تشبيه

(قوله: مجدور) أى: عليه آثار الجدرىّ

(قوله: بسلحة) بحاء مهملة أى: عذرة جامدة أى: يابسة

(قوله: نقرتها) أى: نقبتها بالمنقار فى حال رطوبتها، وقوله الدّيكة- بكسر الدال وفتح الياء- جمع ديك، والديكة تطلق على الدجاج، وفى لفظ" قد" إشعار بأن أثر النقر باق فى السلحة؛ لأنه يزول بطول الزمان، وإنما أشعر ببقائه؛ لأنه للتقريب، ووصف السلحة بالجمود ليتم الشبه بلزوم تلك الحفر وتقررها كما فى الوجه المجدور والجامع بين الطرفين الهيئة الحاصلة من شكل الحفر وما أحاط بها، ووجه تقبيح المشبه فى هذا التشبيه: أن المشبه به وهو السلحة المذكورة صورتها فى غاية القباحة، فلما ألحق بها الوجه المجدور تخيل قبحه ولو كان فيه حسن باستقامة رسومه وأعضائه وسار مظهرا فى أقبح صورة لأجل التنفير عنه.

(قوله: استطرافه) بالطاء المهملة من استطرفت الشىء اتخذته طريفا أى: جديدا والمال الطريف هو المقابل للقديم، وحينئذ فالمراد باستطراف المشبه: جعله جديدا بديعا لأجل الاستلذاذ به؛ لأن لكل جديد لذة ووجه جعله جديدا: أنه أظهر ملتبسا بوصف أمر غريب

ص: 159

(كما فى تشبيه فحم فيه جمر موقد ببحر من المسك موجه الذهب لإبرازه) أى:

إنما استطرف المشبه فى هذا التشبيه لإبراز المشبه (فى صورة الممتنع عادة) وإن كان ممكنا عقلا، ولا يخفى أن الممتنع عادة مستطرف غريب

===

مستحدث لم يعهد على ما يأتى، ويحتمل أن يكون بالظاء المشالة، وحينئذ فالمراد باستظرافه جعله ظريفا أى: جميلا حسنا بالوجه المذكور وكلام الشارح يشير إلى الأول (فقوله: أى: عد المشبه طريفا) المراد بعده طريفا جعله كذلك، (وقوله: حديثا) بمعنى جديدا تفسير لما قبله وكذا قوله بديعا

(قوله: كما فى تشبيه) أى: كالاستطراف الذى فى تشبيه .. إلخ

(قوله: فحم) هو كنهر ونهر وكأمير الجمر المطفأ

(قوله: فيه جمر موقد) فى القاموس: الجمر النار المتقدة، وحينئذ فلا حاجة إلى قوله موقد، والمراد تشبيه فحم سرت النار فيه سريانا يتوهم منه الاضطراب كاضطراب الموج

(قوله: ببحر من المسك) أى: الذائب (وقوله: موجه الذهب) أى: الذائب، وإنما قلنا المسك الذائب والذهب الذائب؛ لأن البحر لا يتصور بصورة الجامد ووجه الشبه: هو الهيئة الحاصلة من وجود شىء مضطرب مائل إلى الحمرة فى وسط شىء أسود

(قوله: لإبرازه) متعلق بمفهوم ما فإنه عبارة عن استطراف أو تشبيه والشارح جعله متعلقا بمحذوف، حيث قال:

أى: إنما استطرف .. إلخ، وهو غير متعين- قاله فى الأطول.

(قوله: لإبراز المشبه) أى: مع كونه مبتذلا

(قوله: فى صورة الممتنع) أى: وهو البحر من المسك الذى موجه الذهب، والمراد بإبرازه فى صورته إبرازه بصفته حيث ألحق به؛ لأنه لما ألحق به نقل وصفه وهو الامتناع إليه، ولا شك أن إبراز الشىء المبتذل فى صورة الممنوع يتخيل أنه كهو، وهذا موجب لغاية الاستطراف؛ لأن الفحم يتخيل فيه صورة المسك الذائب وإن كان غير ذائب، والجمر وإن لم يكن ذائبا يتخيل فيه صورة الذهب الذائب المتموج، وإنما قلنا المسك الذائب والذهب الذائب؛ لأن ذلك هو المشبه به كما علمت، ومما زاد به استطراف المشبه هنا كونه شيئا تافها محتقرا أظهر فى وصف شىء رفيع لا تصل إليه الأثمان.

(قوله: وإن كان ممكنا عقلا) بأن يذوب المسك مع كثرته جدّا حتى يعد بحرا ويذاب الذهب ويجعل فيه ويكون موجا له

(قوله: ولا يخفى أن الممتنع عادة) أى:

صيرورة الواقع المبتذل ممتنعا عادة مستطرف (وقوله: غريب) تفسير لما قبله.

ص: 160

(وللاستطراف وجه آخر) غير الإبراز فى صورة الممتنع عادة (وهو أن يكون المشبه به نادر الحضور فى الذهن؛ إما مطلقا، كما مر) فى تشبيه فحم فيه جمر موقد (وإما عند حضور المشبه؛ كما فى قوله:

===

(قوله: وللاستطراف) أى: المطلق لا الاستطراف فى خصوص المثال المذكور، ولذا لم يأت بالضمير لتبادر الذهن منه إلى الاستطراف فى المثال المذكور، والحاصل: أن الاستطراف من حيث هو له وجهان- الأول: إبراز المشبه فى صورة الممتنع فى الخارج.

والثانى: إبرازه فى صورة النادر الحضور فى الذهن وهما مفهومان مختلفان، والثانى أعمّ فيلزم من كون الشىء ممتنع الحصول فى الخارج ندرة حضوره فى الذهن دون العكس، فكلما أبرز المشبه للسامع بصورة أحدهما حصل الاستطراف

(قوله: نادر الحضور فى الذهن) أى: لأن ندرة الحضور موجبة لغرابة ذلك النادر ولكل غريب لذة، وإذا شبه غير النادر بالنادر المستطرف انتقل وصف الندرة لذلك المشبه وصار مبرزا فى صورته أى: بصفته فينجرّ الاستطراف إليه

(قوله: إما مطلقا) أى: ندورا مطلقا من غير تقييد بحالة حضور المشبه فى الذهن أى: عند حضور المشبه فى الذهن وعند عدمه

(قوله: كما مر فى تشبيه .. إلخ) من هذا تعلم أن الاستطراف فى تشبيه الفحم الذى فيه جمر موقد بالبحر من المسك الذى موجه الذهب له جهتان: إبراز المشبه فى صورة الممتنع وإبرازه فى صورة النادر الحضور، ولا منافاة بين الجهتين، وتقدم لك وجه ثالث للاستطراف فى التشبيه المذكور.

(قوله: وإما عند حضور المشبه) أى: وإما أن تكون تلك الندرة حاصلة فى المشبه به عند حضور المشبه لا مطلقا لكون المشبه به مشاهدا معتادا، لكن مواطنه غير مواطن المشبه لكون كل منهما من واد غير وادى الآخر فيبعد حضور أحدهما فى الذهن عند حضور الآخر.

(قوله: كما فى قوله) أى: كندرة حضور المشبه به عند حضور المشبه فى قول أبى العتاهية يصف البنفسج- كذا فى المطول، وفى شرح الشواهد: أن هذين البيتين لابن الرومى وقبلهما:

ص: 161

ولازوردية) يعنى: البنفسج (تزهو) قال الجوهرى فى الصحاح: زهى الرجل فهو مزهو: إذا تكبر. وفيه لغة أخرى حكاها ابن دريد: زها يزهو زهوا

(بزرقتها

بين الرياض على حمر اليواقيت) (1) يعنى: الأزهار والشقائق الحمر

===

بنفسج جمعت أوراقه فحكى

كحلا تشرّب دمعا يوم تشتيت

(قوله: ولازوردية) الواو واو رب، ولا: من بنية الكلمة، لا نافية، وهو بكسر الزاى المعجمة الخالصة- معرب. لازوردية بالزاء الغليظة وهى المشربة شيئا؛ لأنها لا تستعمل فى لغة العرب، وبفتح الواو وسكون الراء المهملة، واللازوردية صفة لمحذوف أى: رب أزهار من البنفسج لازوردية، نسبها الشاعر للحجر المعروف باللّازورد لكونها على لونه فهى نسبة تشبيهية

(قوله: يعنى البنفسج) هو بوزن سفرجل كما ضبطه شيخنا العدوى

(قوله: تزهو) أى: تتكبر. ونسبة التكبر للبنفسج تجوّز، والمراد أن لها علوّا وارتفاعا فى نفسها

(قوله: قال الجوهرى .. إلخ) أشار بهذا إلى أن زهى من الأفعال الملازمة للبناء للمفعول وإن كان المعنى للبناء للفاعل فيقال زهى الرجل كما يقال جنّ الرجل وعنى بالأمر ونتجت الناقة

(قوله: وفيه لغة أخرى .. إلخ) حاصلها: أنه يجوز استعمال زها مبنيّا للفاعل لفظا وما فى البيت وارد على هذه اللغة، إذ لو كان واردا على اللغة الأولى لقيل تزهى- بضم أوله وفتح ثالثه- إذ هو مضارع زهى المبنى للمجهول

(قوله: بزرقتها) الباء للسببية إن كانت الزرقة راجحة على الحمرة عند القائل أو بمعنى مع إن كانت مرجوحة عنده، والمعنى حينئذ على التعجب من تكبرها

(قوله: بين الرياض) حال من ضمير تزهو، والرياض جمع روض وهو البستان.

قال العصام: ولا يبعد أن يكون قصد به معنى علانية أى: أنها تزهو علانية لا على وجه الخفاء

(قوله: على حمر اليواقيت) صلة لتزهو وهو من إضافة الصفة للموصوف

(قوله: يعنى الأزهار والشقائق) أى: شقائق النعمان وعطف الشقائق على ما قبله من

(1) البيت وما بعده لابن المعتز أورده الطيبى فى التبيان 1/ 273 بتحقيقى، والعلوى فى الطراز 1/ 267، واللازوردية: البنفسجة نسبة إلى اللازورد وهو حجر نفيس.

ص: 162

(كأنّها فوق قامات ضعفن بها

أوائل النّار فى أطراف كبريت)

فإن صورة اتصال النار بأطراف الكبريت لا يندر حضورها فى الذهن ندرة حضور بحر من المسك موجه الذهب، لكن يندر حضورها عند حضور صورة البنفسج فيستطرف بمشاهدة

===

عطف الخاص على العام، والحمر نعت للأزهار والشقائق، وأشار بهذا إلى أنه استعار اليواقيت الحمر للأزهار الحمر كالورد والشقائق، والمعنى: أنها تزهو وتتكبر على الأزهار الحمر الشبيهة باليواقيت الحمر وهذا غير متعين، إذ يجوز أن يكون أراد اليواقيت الحمر نفسها أى: أنها تزهو على اليواقيت الحمر الحقيقية، إلا أن المناسب للبنفسج المعنى الأول، ولذا اقتصر الشارح عليه

(قوله: كأنها) أى: اللازوردية بمعنى البنفسجة وعنى بها رأسها من الأوراق، وأما أحاطت به لا مع الساق بدليل قوله: فوق قامات

(قوله: فوق قامات) أى: ساقات وهو حال من اسم كأن وجمعها مع أن البنفسجة فوق ساق واحد باعتبار الأفراد (قوله ضعفن بها) أى: ضعفن عن تحملها؛ لأن ساقها فى غاية الضعف واللين، أو ضعفن بسببها لثقلها وطول مكثها فوقه، وإنما قال ضعفن؛ لأن الساق الذى عليه البنفسج إذا طال انحنى

(قوله: أوائل النار) خبر كأنها أى: النار المتصلة بالكبريت التى تضرب إلى الزرقة لا الشعلة المرتفعة، وإنما قيد بأوائل؛ لأن النار متى طال مقامها فى الكبريت وتمكنت منه، واشتعلت: احمرّت وصفت وزال ما فيها من الزرقة، ولهذا قيد أيضا بقوله: فى أطراف، ولم يقل: فى كبريت؛ لأن أوائل النار الواقعة فى أواسط الكبريت لا فى أطرافه لا زرقة فيها- قاله يس

(قوله: لا يندر حضورها فى الذهن) أى: لأن الناس يستعملون فى الغالب الكبريت فى النار عند إيقادها

(قوله: لكن يندر حضورها .. إلخ) لأن الإنسان إذا خطر البنفسج بباله لا تخطر بباله النار لا سيما فى أطراف الكبريت لما بينهما من غاية البعد؛ لأن البنفسج جرم ندى ونور رياضى والنار جرم حارّ يابس ديارى، فإذا خطر البنفسج فى الذهن فإنما ينتقل منه عند إرادة التشبيه لما يضاهيه من جنس الأزهار؛ لأنه هو الذى يخطر بالبال عند خطور البنفسج

(قوله: فيستطرف) أى:

المشبه وهو صورة البنفسج بسبب مشاهدة أى: بسبب ندرة مشاهدة المعانقة والاتصال،

ص: 163

عناق بين صورتين متباعدتين.

(وقد يعود) الغرض من التشبيه (إلى المشبه به، وهو ضربان- أحدهما:

إيهام أنه أتم من المشبه) فى وجه الشبه (وذلك فى التشبيه المقلوب) الذى يجعل فيه الناقص مشبها به قصدا إلى ادعاء أنه أكمل

===

والجمع بين صورتين متباعدتين وهما صورة البنفسج وصورة اتصال النار بأوائل الكبريت، والحاصل: أن بين صورة البنفسج وصورة اتصال النار بأوائل الكبريت غاية البعد فعند حضور أحدهما فى الذهن يبعد حضور الآخر، فإحضار أحدهما مع الآخر فى غاية الندور، وحينئذ فالاستطراف فى التشبيه المذكور من حيث إنه حقق فيه المعانقة بين صورتين بينهما غاية المباعدة لا يقال الاستطراف لأجل المعانقة المذكورة يعم الطرفين؛ لأنا نقول لما كان الكلام المشتمل على التشبيه مسوقا للمشبه كان المعتدّ به هنا استطرافه

(قوله: عناق) بكسر العين المهملة بمعنى المعانقة والضم. قال فى الخلاصة: (1) لفاعل الفعال والمفاعلة.

(قوله: وهو ضربان) الضمير للغرض العائد على المشبه به

(قوله: أحدهما) أى:

وهو الكثير الشائع

(قوله: إيهام .. إلخ) أى: إيقاع المتكلم فى وهم السامع أى: ذهنه أن المشبه به أتمّ من المشبه فى وجه الشبه أى: مع أنه ليس كذلك فى الواقع

(قوله: وذلك) أى: الإيهام الذى هو الغرض

(قوله: الذى يجعل .. إلخ) تفسير للتشبيه المقلوب

(قوله: الناقص) أى: فى نفس الأمر مشبها به أى: ويجعل فيه الكامل فى نفس الأمر مشبها، فإذا جعل كذلك وقع فى وهم السامع أن المشبه به الناقص أتم من المشبه فى وجه الشبه؛ لأن مقتضى أصل تركيب التشبيه كمال المشبه به عن المشبه فى وجه الشبه

(قوله: قصدا) علّة لجعل الناقص مشبها به (وقوله: أكمل) أى: من المشبه الذى هو أكمل فى نفس الأمر، وليس من التشبيه المقلوب قوله تعالى مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ (2) وإن كان نوره أتمّ من المشكاة؛ لأن المقصود تشبيه ما لم يعلمه البشر بما علموه لكون المشكاة فى الذهن أوضح، والقوة فى المشبه به قد تكون باعتبار الوضوح.

(1) ألفية ابن مالك.

(2)

النور: 35.

ص: 164

(كقوله:

وبدا الصباح كأن غرّته) (1) هى بياض فى جبهة الفرس فوق الدرهم استعير

===

(قوله: كقوله) أى: قول محمد بن وهيب فى مدح المأمون بن هارون الرشيد العباسىّ وأول القصيدة:

العذر إن أنصفت متّضح

وشهود حبّك أدمع سفح

فضحت ضميرى عن ودائعه

إنّ الجفون نواطق فصح

وإذا تكلّمت العيون على

إعجامها فالسّر مفتضح

مهما أبيت معانقى قمر

للحسن فيه مخايل تضح

نشر الجمال على محاسنه

بدعا وأذهب همّه الفرح

يختال فى حلل الشباب به

مرح وداؤك أنّه مرح

ما زال يلثمنى مراشفه

ويعلّنى الإبريق والقدح

حتى استردّ الليل خلعته

وفشا خلال سواده وضح

وبعد البيت:

نشرت بك الدنيا محاسنها

وتزيّنت بصفاتك المدح

وإذا سلمت فكلّ حادثة

جلل فلا بؤس ولا ترح

(قوله: وبدا الصباح) أى: ظهر الصباح بمعنى الصبح.

قال العلامة اليعقوبى: يحتمل أن يراد به الضياء التام الحاصل عند الإسفار، ويحتمل أن يراد به الضياء المخلوط بظلمة آخر الليل وذلك قبل الإسفار، فعلى الأول: تكون الإضافة فى قوله: كأن غرّته إضافة للبيان أى: كأن الغرة التى هى الصباح؛ وذلك لأن الغرّة فى الأصل بياض فى جبهة الفرس. فوق الدرهم استعارها الشاعر للضياء التامّ الحاصل عند الإسفار فيكون المراد بالغرة نفس الصباح، وعلى الثانى: تكون الإضافة على

(1) البيت لمحمد بن وهيب الحميرى فى مدح الخليفة المأمون، الإشارات ص 191، والطيبى فى شرح المشكاة 1/ 108.

ص: 165

لبياض الصبح (وجه الخليفة حين يمتدح) فإنه قصد إيهام أن وجه الخليفة أتم من الصباح فى الوضوح والضياء، وفى قوله: حين يمتدح دلالة على اتصاف الممدوح بمعرفة حق المادح وتعظيم شأنه عند الحاضرين بالإصغاء إليه، والارتياح له، وعلى كماله فى الكرم؛ حيث يتصف بالبشر والطلاقة عند استماع المديح.

(و) الضرب (الثانى) من الغرض العائد إلى المشبه به

===

أصلها لإحاطة الظلمة فى ذلك الوقت بإشراق هو كالغرة المحاطة بالمشبه بذلك الإظلام- اه.

وربما كان كلام الشارح يميل للأول؛ وذلك لأن الشاعر قد جعل المشبه الغرة لا نفس الصباح، وقد قال الشارح بعد ذلك فإنه قصد إيهام أن وجه الخليفة أتمّ من الصباح ولم يقل من غرّة الصباح مع أنها هى التى جعلها الشاعر مشبهة، فهذا يشير إلى أنهما شىء واحد وإن كان يمكن أن يقال: إن فى كلامه حذف مضاف، وظهر لك من هذا أن الصباح ليس أول النهار، وفى الأطول: أن الصباح أول النهار أعنى: الوقت الذى يختلط فيه ضوء الشمس بظلمة آخر الليل، وأن مراد الشاعر بغرته: الضياء التام الحاصل عند الإسفار، وحينئذ فالإضافة حقيقية وعلى هذا فيقدر مضاف فى قول الشارح أتم من الصباح أى من غرته

(قوله: لبياض الصبح) أى: للضياء التام الحاصل عند الإسفار وقت الصباح

(قوله: فإنه قصد إيهام .. إلخ) أى: بقلب التشبيه وجعل وجه الخليفة مشبها به؛ لأن جعله مشبها به يوهم أنه أقوى من غرة الصباح على قاعدة ما يفيده التشبيه بالاصالة من كون المشبه به أقوى من المشبه فى وجه الشبه

(قوله: والضياء) عطف تفسير.

(قوله: اتصاف الممدوح) وهو الخليفة (وقوله: بمعرفة حق المادح) أى: بمعرفة ما يستحقه من التعظيم وغيره أى: والشأن أن من عرف شيئا عمله (فقوله: وتعظيم شأنه عند الحاضرين) تفسير لحق المادح (وقوله: بالإصغاء إليه) متعلق بتعظيم أى: بالإصغاء من ذلك الممدوح للمادح (وقوله: والارتياح له) أى: الاطمئنان لذلك المادح

(قوله: وعلى كماله فى الكرم) عطف على اتصاف والضمير للممدوح

(قوله: حيث) أى: لأنه يتصف بالبشر

ص: 166

(بيان الاهتمام به) أى: بالمشبه به (كتشبيه الجائع وجها كالبدر فى الإشراق والاستدارة بالرغيف؛ ويسمى هذا) أى: التشبيه المشتمل على هذا النوع من الغرض (إظهار المطلوب هذا) الذى ذكر من جعل أحد الشيئين مشبها، والآخر مشبها به إنما يكون (إذا أريد إلحاق الناقص) فى وجه الشبه (حقيقة)

===

أى: طلاقة الوجه وعدم عبوسه، والمراد بالمديح المدح، وحاصل ما ذكره الشارح: أن تقييد الشاعر إشراق وجه الممدوح على وجه يقتضى أكمليته على الصباح بحين الامتداح يدل على معرفته لحق المادح وعلى كرمه؛ وذلك لأن إشراق الوجه حال الامتداح يدل على شيئين أحدهما: قبول المدح وإلا لعبس وجهه وهذا مستلزم معرفة حق صاحبه بمقابلته بالسرور التام، والثانى: كون الممدوح طبعه الكرم؛ لأن الكريم هو الذى يهزّه الانبساط حال المدح حتى يظهر أثره على وجهه، ولو كان لئيما لعبس وجهه.

(قوله: بيان الاهتمام به) أى: إظهار المتكلم للسامع أنه مهتمّ به، ولا بد فى هذا من قرينة تدل على القصد كالعدول عما يناسبه إلى غيره مع قرينة الحال

(قوله: كتشبيه الجائع) من إضافة المصدر لفاعله ووجها مفعوله أى: كأن يشبه الجائع وجها (وقوله: كالبدر) صفة لوجها أى: وجها كائنا كالبدر (وقوله: فى الإشراق) أى:

الضياء، (وقوله: بالرغيف) متعلق بتشبيه أى: كأن يشبه الجائع الوجه المذكور بالرغيف فى الاستدارة واستلذاذ النفس بكلّ، فعدول المتكلم عن تشبيه الوجه المذكور بالبدر الذى هو المناسب إلى تشبيهه بالرغيف يدل على اهتمامه بالرغيف ورغبته فيه لجوعه وأنه لم يزل عن خاطره

(قوله: على هذا النوع) أى: بيان الاهتمام، وقوله من الغرض أى: الذى هو من أفراد الغرض فهو بيان لهذا النوع

(قوله: إظهار المطلوب) أى: ذا إظهار المطلوب، أو أنها تسمية اصطلاحية ووجه تسميته بذلك أنه لما عدل عن تشبيه الوجه بالبدر إلى الرغيف علم أنه إنما شبه الوجه به لكون الرغيف فى خياله وطالبا له والعادة أنه لا يطلبه إلا الجائع. قال السكاكى: ولا يحسن المصير إليه إلا فى مقام الطمع فى حصول المطلوب كما يحكى أن قاضى سجستان دخل على الصاحب بن عباد فوجده متفنّنا أى: عالما بفنون العلوم فأخذ بمدحه حتى قال:

ص: 167