المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٣

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الفن الثانى علم البيان

- ‌تعريف علم البيان:

- ‌[أبواب علم البيان]:

- ‌ التشبيه

- ‌[وجه التشبيه]:

- ‌الوجه الداخل فى الطرفين والخارج عنهما:

- ‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

- ‌دقيقة فى الوجه المركب:

- ‌[أداة التشبيه]:

- ‌[الغرض من التشبيه]:

- ‌وعالم يعرف بالسجزى

- ‌أشهى إلى النفس من الخبز

- ‌[أقسام التشبيه باعتبار طرفيه]:

- ‌[إما تشبيه مركب بمفرد

- ‌[التشبيه الملفوف والمفروق]:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار أداته:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌مراتب التشبيه:

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة:

- ‌[بقية الكلام عن الحقيقة]:

- ‌[أمثلة على استعمال الكلمة على حقيقتها وعلى غير حقيقتها]:

- ‌[تعريف الوضع]:

- ‌كلامه عن الحروف ومعانيها

- ‌الفرق بين المعنى الإفرادى والمعنى التركيبى

- ‌[إنكار الوضع]:

- ‌[كلامه عن صفات الحروف]:

- ‌بداية الكلام عن المجاز

- ‌أنواع المجاز:

- ‌أقسام المجاز

- ‌[تقسيم المفرد إلى مرسل واستعارة]:

- ‌[الكلام فى المجاز المرسل]:

- ‌[علاقة الجزئية والكلية]:

- ‌[علاقة السببية]:

- ‌[اعتبار ما كان وما يكون]:

- ‌[الاستعارة]:

- ‌[الكلام فى الاستعارة]:

- ‌هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى:

- ‌[مفارقة الاستعارة للكذب]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار المستعار الأصلية والتبعية]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

- ‌[المجاز المركب]:

- ‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

- ‌[اعتراضات على السكاكى]:

- ‌فصل عرف السكاكى إلخ:

- ‌[فصل]: فى شرائط حسن الاستعارة:

- ‌[فصل]: [قد يطلق المجار]

- ‌الكناية

- ‌تعريف الكناية:

- ‌أقسام الكناية:

- ‌الكناية العرضية:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

الفصل: ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

ويتبين أمرهما فى الهوادى وسائر الأجزاء المستند إليها فى الحركة، وتتبعها فى الثقل والخفة.

[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

(و) الاستعارة (باعتبار الثلاثة) المستعار منه، والمستعار له، والجامع (ستة أقسام) لأن المستعار منه، والمستعار له: إما حسيان، أو عقليان، أو المستعار منه حسى، والمستعار له عقلى، أو بالعكس؛ تصير أربعة. والجامع فى الثلاثة الأخيرة عقلى لا غير؛ لما سبق فى التشبيه، لكنه فى القسم الأول: إما حسى، أو عقلى، أو مختلف- تصير ستة،

===

تابعة لها، وإسناد السير إلى الأعناق الذى تضمنه كلامه مجاز آخر من إسناد الشىء إلى ما هو كالسبب فيه، فلما أن أضاف إلى استعارة السيلان هذين التجوّزين وهما إسناده إلى مكانه لفظا وإسناده إلى سببه ضمنا صارت الاستعارة غريبة

(قوله: ويتبيّن أمرهما) أى: أمر السرعة والبطء

(قوله: فى الهوادى) جمع هادية- وهى العنق- يقال: أقبلت هوادى الخيل إذا بدت أعناقها، وسميت الأعناق هوادى؛ لأن البهيمة تهتدى بعنقها إلى الجهة التى تميل إليها، وقيل: إن الهادية مقدم العنق وهو ما فى الصحاح، وعلى الأول- وهو أن الهوادى هى الأعناق- يكون قول الشارح: ويتبين أمرهما فى الهوادى من قبيل الإظهار فى محل الإضمار إشارة إلى أن الأعناق تسمى بالهوادى

(قوله: فى الثقل والخفة) أى: ثقل السير وخفته.

(قوله: لما سبق فى التشبيه) أى: من أن وجه الشبه المسمى هنا بالجامع لا بدّ أن يقوم بالطرفين معا، فإذا كانا أو أحدهما عقليّا وجب كون الجامع عقليّا وامتنع كونه حسيّا لاستحالة قيام الحسى بذلك العقلى منهما أو من أحدهما

(قوله: لكنه) أى:

الجامع، (وقوله: أو مختلف) أى: بعضه حسى وبعضه عقلى

(قوله: تصير ستة) أى: لأن القسم الأول باعتبار الجامع ثلاثة أقسام والأقسام بعده ثلاثة، فالمجموع ستة، وحاصلها:

أن الطرفين إن كانا حسيين، فالجامع إما حسى أو عقلى أو بعضه حسى وبعضه عقلى- فهذه ثلاثة، وإن كانا غير حسيين- فإما أن يكونا عقليين، أو المستعار منه حسيّا،

ص: 330

وإلى هذا أشار بقوله: (لأن الطرفين إن كان حسيين فالجامع: إما حسى، نحو:

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ (1) فإن المستعار منه ولد البقرة، والمستعار له الحيوان الذى خلقه الله تعالى من حلىّ القبط) التى سبكتها نار السامرىّ عند إلقائه فى تلك الحلى التربة التى أخذها من موطئ فرس جبريل- عليه الصلاة والسلام.

===

والمستعار له عقليّا، أو بالعكس- فهذه ثلاثة أيضا، ولا يكون الجامع فيها إلا عقليّا

(قوله: وإلى هذا) أى: إلى وجود تلك الأقسام الستة، وإلى أمثلتها أشار بقوله .. إلخ

(قوله: فالجامع إما حسى) أى: لأن الحسى يقوم بالحسيين

(قوله: فأخرج لهم) أى:

فأخرج موسى السامرى لبنى إسرائيل

(قوله: جسدا) أى: بدنا بلحم ودم (وقوله: له خوار) أى: له صوت البقر، وهذا بدل من عجلا

(قوله: فإن المستعار منه ولد البقرة) أى: فإن الذى استعير منه لفظ العجل ولد البقرة؛ لأنه موضوع له

(قوله: والمستعار له) وهو الذى أطلق عليه لفظ العجل فى الآية

(قوله: الذى خلقه الله تعالى) أى: على شكل العجل

(قوله: من حلىّ القبط) بضم الحاء وكسر اللام والياء المشددة: جمع حلى بفتح الحاء وسكون اللام كثدىّ وثدى، والقبط: بكسر القاف وسكون الباء: قبيلة فرعون من أهل مصر وإليهم تنسب الثياب القبطية [بالضم] على غير قياس- كما فى الأطول.

(قوله: التى سبكتها) صفة للحلىّ؛ لأنه اسم جنس، والسامرىّ كان رجلا حدّادا فى زمن سيدنا موسى- عليه الصلاة والسلام واسم ذلك الرجل أيضا موسى منسوب لسامرة قبيلة من بنى إسرائيل

(قوله: التربة) هى لغة فى التراب.

(قوله: من موطئ فرس جبريل) أى: من محل وطء فرس جبريل الأرض بحوافرها، واسم تلك الفرس: حيزوم- كما فى شرح الإيضاح، وكانت إذا وطئت الأرض بحوافرها يخضرّ محل وطئها بالنبات فى الحال، فكشف للسامرىّ عن جبريل وهو راكب لتلك الفرس ورأى اخضرار محل وطئها فى الحال، فسوّلت له نفسه أن التراب الذى وطئته تلك الفرس يكون روحا لما ألقى فيه، فأخذ منه شيئا، وقد كان بنو إسرائيل

(1) طه: 88.

ص: 331

(والجامع الشكل) فإن ذلك الحيوان كان على شكل ولد البقرة (والجميع) من المستعار منه، والمستعار له، والجامع (حسى) أى: مدرك بالبصر.

(وإما عقلى؛ نحو: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ (1) فإن المستعار منه)

===

استعاروا حليّا من القبط لعرس عندهم، فقال لهم: ائتونى بالحلىّ أجعل لكم الإله الذى تطلبونه من موسى- يعنى حين قالوا له: اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ (2) فأتوه بذلك الحلىّ وصنع منه صورة العجل وألقى فيه ذلك التراب، فصار الحلىّ حيوانا بلحم ودم وله خوار- أى: صوت كصوت العجل- فقال هو وأتباعه لبنى إسرائيل: هذا إلهكم وإله موسى الذى تطلبونه من موسى، نسيه هنا وذهب يطلبه، وكان ذلك وقت ذهاب موسى ببنى إسرائيل للمناجاة، وسبقهم موسى طلبا لرضوان الله، فوقعت هذه الفتنة بأثره، قيل: إن سبب اختصاص السامرى بمعرفة ذلك: أن أمه كانت ألقته عام ولد فى كهف لينجو من ذبح فرعون، إذ كانت ولادته فى سنة تذبيح أبناء بنى إسرائيل، فبعث الله له فى ذلك الكهف جبريل ليربيه فعرف أثر فرسه، وذلك لما قضى الله من الفتنة

(قوله: والجامع الشكل) أى: الصورة الحاصلة فى الحيوان وولد البقرة، إذ شكلهما أى: صورتهما المشاهدة واحدة، إن قلت: إن كون الآية من قبيل الاستعارة فيه بحث، إذ قوله: جسدا له خوار:

صريح فى أنه لم يكن عجلا، إذ لا يقال للبقر: إنه جسد له صوت البقر، وقد أبدل الكل، فظهر أنه ليس عين العجل، فالمراد من العجل مثل العجل فهو نظير قوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (3) فإن البيان أخرجه من الاستعارة إلى التشبيه، قلت: إن البدل إنما أخرجه عن كون المراد به العجل الحقيقى وعين أن المراد منه العجل الادعائى أعنى: الحيوان المخلوق من الحلى، فالبدل قرينة على الاستعارة: كيرمى فى: رأيت أسدا يرمى، بخلاف قوله: من الفجر فإنه أخرج الخيط الأبيض عن أن يكون المراد به الخيط الحقيقى وهو ظاهر، وأخرجه عن أن يكون المراد به الخيط الادعائى أعنى: الفجر، إذ لا يبين الشىء نفسه، فلا بد من تقدير المثل

(قوله: نحو وَآيَةٌ لَهُمُ) أى: وعلامة لهم على قدرة الله (وقوله: نسلخ منه النهار)

(1) يس: 37.

(2)

الأعراف: 138.

(3)

البقرة: 187.

ص: 332

معنى: السلخ، وهو (كشط الجلد عن نحو الشاة، والمستعار له: كشف الضوء عن مكان الليل) وهو موضع إلقاء ظله

===

أى: نكشف ونزيل عنه أى: عن مكان ظلمته أى: عن المكان الذى فيه ظلمته فمن بمعنى عن التى للمجاوزة على حد قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ (1) وفى الكلام حذف مضافين، وقوله: النهار أى: ضوء النهار ففيه حذف مضاف وتقدير الكلام هكذا: وآية لهم الليل نكشف ونزيل عن مكان ظلمته ضوء النهار، فإذا هم مظلمون، فشبه إزالة ضوء النهار عن المكان الذى فيه ظلمة الليل بكشط الجلد واستعير السلخ للإزالة، واشتق من السلخ نسلخ بمعنى نزيل، والجامع ترتب أمر على آخر كترتب ظهور اللحم على السلخ، وترتب حصول الظلمة على إزالة ضوء النهار عن مكان ظلمة الليل

(قوله: معنى السلخ) أى: معنى لفظ السلخ فالإضافة حقيقية ويصح جعلها بيانية ولا تقدير

(قوله: عن نحو الشاة) أى: عن الشاة ونحوها

(قوله: والمستعار له كشف الضوء) أى: إزالته وانتزاعه (وقوله: عن مكان الليل) المراد بمكان الليل الهواء الذى بين السماء والأرض وقيل: على سطح الأرض، وعلى كل حال: فالمراد بكون ما ذكر مكانا لليل أنه مكان لظله أى لظلمته أى: أنه مكان تظهر فيه ظلمته، وإلا فالليل والنهار عبارتان عن زمان كون الشمس فوق الأفق وتحته، ولا معنى لكون أحدهما له مكان، ففى الزمان الذى تكون فيه الشمس فوق الأفق يقوم الضوء بذلك المكان المتقدم وتزال الظلمة عنه فيحصل الإبصار، وفى الزمان الذى تكون فيه الشمس تحت الأفق تقوم الظلمة الحاصلة فى ذلك الزمان بالمكان المتقدم ويزال الضوء عنه فيحصل الإظلام وعدم الإبصار

(قوله: وهو موضع إلقاء ظله) أى: ظل الليل والمراد بإلقاء الظل ظهوره، والمراد بظله ظلمته، وأشار الشارح بهذا إلى أن قول المصنف: عن مكان الليل على حذف مضاف أى: عن مكان ظله أى: ظلمته أى: عن المكان الذى يظهر فيه ظله وظلمته، وقد علمت أن ذلك المكان الذى يظهر فيه ظله وظلمته، إما الهواء أو سطح الأرض على ما فيه من الخلاف، وإنما قال الشارح: إلقاء ظله، ولم يقل إلقاء ظلمته تبعا للإيضاح والكشاف، إشارة إلى أن الظلمة أمر وجودى كما ذهب إليه بعض المتكلمين،

(1) الزمر: 22.

ص: 333

(وهما حسيان، والجامع: ما يعقل من ترتب أمر على آخر) أى حصوله عقيب حصوله دائما، أو غالبا، كترتب ظهور اللحم على الكشط وترتب ظهور الظلمة على كشف الضوء

===

ويؤيده قوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ (1)، وحينئذ فيصح القول بظهورها بعد زوال الضوء

(قوله: وهما حسيان) أى: مدركان بحاسة البصر إن قلت: إن كلا من كشط الجلد وإزالة الضوء أمر عقلى لا وجود له فى الخارج لأنهما مصدران والمعنى المصدرى لا وجود له فى الخارج، وحينئذ فلا يكونان محسوسين قلت: جعله الكشط والإزالة محسوسين باعتبار الهيئة المحسوسة الحاصلة عندهما، أو باعتبار متعلقهما وهو اللحم والضوء وذلك كاف فى حسيتهما، ولا يقال: إن الترتب إذا نظر لمتعلقه أيضا كان محسوسا فهلا نظر لمتعلقه وجعلت الاستعارة فى الآية المذكورة طرفاها وجامعها حسيات؛ لأنا نقول:

ترتب أمر على آخر هذا كلى صادق بترتب محسوس على محسوس وترتب معقول على معقول كترتب العلم بالنتيجة على العلم بالمقدمات فمتعلق الترتب ليس دائما محسوسا وإن كان فى خصوص ما نحن فيه محسوسا، فلذا لم ينظر لمتعلقه بخلاف السلخ وإزالة الضوء، ثم ما قلناه من أن الضوء حسى هو مبنى على القول بأنه أجرام لطيفة تتصل بمحسوس توجب إبصاره عادة وأن الظلمة أجرام لطيفة تتصل بالأجرام الحسية توجب عدم الإبصار لما اتصلت به عادة، وأما إن قلنا: إن الضوء كون الأجرام بحيث ترى لاتصال الأجرام اللطيفة الإشراقية بها، والظلمة كون الأجرام بحيث لا ترى لاتصال الأجرام اللطيفة غير الإشراقية بها كان كل من الضوء والظلمة عقليّا

(قوله: والجامع:

ما يعقل) أى: والجامع بين الطرفين الأمر الذى يعقل أى: يدرك بالعقل وهو مطلق ترتب أمر على آخر، ولا شك أن فى الأول ترتب ظهور اللحم على كشط الجلد وفى الثانى ترتب ظهور ظلمة الليل على كشف ضوء النهار

(قوله: دائما أو غالبا) أى:

سواء كان حصوله عقب حصول الأمر الآخر دائما أو غالبا (وقوله: كترتب ظهور اللحم على الكشط) راجع لقوله: غالبا؛ لأن ترتب ظهور اللحم على الكشط ليس دائما؛

(1) الأنعام: 1.

ص: 334

عن مكان الليل، والترتب أمر عقلى. وبيان ذلك: أن الظلمة هى الأصل، والنور طار عليها يسترها بضوئه، فإذا غربت الشمس فقد سلخ النهار من الليل؛ أى:

كشط وأزيل- كما يكشط عن الشىء الشىء الطارئ عليه الساتر له- فيجعل ظهور الظلمة بعد ذهاب ضوء النهار بمنزلة ظهور المسلوخ بعد سلخ

===

لأنه قد يكشط الجلد عن اللحم بدس عود ونحوه بينهما بحيث لا يصير لازقا به من غير إزالة له عنه، فقد وجد الكشط بدون ظهور اللحم (وقوله: وترتب ظهور الظلمة .. إلخ) راجع لقوله: دائما فهو لف ونشر مشوش، وقال العلامة السيد: هذا الترديد لبيان معنى الترتب من حيث هو لا بالنظر لخصوص المقام، وحينئذ فقوله: دائما إشارة لمذهب الحكماء من أن النتيجة لازمة للمقدمتين لزوما عقليّا، فيكون حصولها عقيب حصولهما دائما، وقوله: أو غالبا إشارة إلى المذهب المختار من أن لزومها لهما عادى بطريق الفيض وجرى العادة من الله تعالى، والمولى سبحانه قد يفيض وقد لا يفيض، فيكون حصول النتيجة عقيب حصول المقدمتين غالبا بهذا الاعتبار لا دائما

(قوله: عن مكان الليل) متعلق بكشف

(قوله: وبيان ذلك) أى: وبيان ترتب ظهور الظلمة على كشف الضوء عن مكان الليل وفى سم أى: وبيان التشبيه بين كشط الجلد وكشف الضوء عن مكان ظلمة الليل

(قوله: هى الأصل) أى: فى كل حادث، إذ مرجعها لعدم الظهور وعدم ظهوره أصله:

وإنما يظهر إذا طرأ الضوء عليه، ويدل لهذا قوله عليه الصلاة والسلام:" خلق الله الخلق من ظلمة، ثم رش عليهم من نوره"

(قوله: والنور) أى: والضوء طار عليها (وقوله: بضوئه) الأولى حذفه، وجعل الضوء ساترا للظلمة مبنى على أن الظلمة وجودية وحيث كان الضوء طارئا على الظلمة يسترها كان كالجلد الطارئ على عظام الشاة ولحمها فيسترها

(قوله: فقد سلخ النهار) أراد به النور والضوء لا الزمان المقدر بحركة الفلك من طلوع الشمس لغروبها، أو المراد فقد سلخ ضوء النهار، (وقوله: من الليل) أى: عن مكان ظلمة الليل، فمن بمعنى: عن، وفى الكلام حذف مضافين

(قوله: فجعل ظهور الظلمة .. إلخ) كان الأولى أن يقول: فجعل إظهار الظلمة كإظهار المسلوخ؛ لأن السلخ فى الآية بمعنى الإظهار لكن لما كان تشبيه الإظهار بالإظهار مستلزما لتشبيه

ص: 335

إهابه عنه، وحينئذ صح قوله تعالى: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ لأن الواقع عقيب إذهاب الضوء عن مكان الليل هو الإظلام.

وأما على ما ذكر فى المفتاح: من أن المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل ففيه إشكال؛ لأن الواقع بعده إنما هو الإبصار دون الإظلام. وحاول بعضهم التوفيق بين الكلامين بحمل كلام المفتاح

===

الظهور بالظهور اختار التعبير به

(قوله: إهابه) أى: جلده

(قوله: وحينئذ) أى: وحين إذ جعل السلخ بمعنى كشف الضوء أى: نزعه وإزالته لا بمعنى ظهوره

(قوله: صح قوله تعالى فإذا هم مظلمون) أى: داخلون فى الظلام ولعله تعرض للصحة دون الحسن لانتفائه على ما يأتى للشارح فى آخر العبارة عن العلامة فى قوله: ولو جعلنا السلخ إلخ

(قوله: لأن الواقع إلخ) علة لقوله صح (وقوله: عن مكان الليل) أى: عن مكان ظلمته

(قوله: وأما على ما ذكر فى المفتاح إلخ) مقابل لمحذوف أى: أما على ما ذكره المصنف من أن المستعار له كشف ضوء النهار وإزالته عن مكان ظلمة الليل، فلا إشكال فى قوله: فإذا هم مظلمون؛ لأن الواقع عقب إزالة الضوء عن مكان ظلمة الليل هو الإظلام وإما على إلخ

(قوله: من أن المستعار له ظهور النهار) الأولى إظهار ضوء النهار من ظلمة الليل بطلوع الفجر فهو يقول: شبه إظهار ضوء النهار من ظلمة الليل بطلوع الفجر بكشط الجلد عن نحو الشاة، واستعير اسم المشبه به وهو السلخ للمشبه، واشتق منه نسلخ بمعنى نظهر منه النهار

(قوله: ففيه) أى: ففى قوله: فإذا هم مظلمون إشكال

(قوله: لأن الواقع بعده) أى: بعد ظهور النهار من ظلمة الليل

(قوله: إنما هو الإبصار) أى: فلو كان المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل لقيل: فإذا هم مبصرون ولم يقل:

فإذا هم مظلمون أى: داخلون فى الظلام

(قوله: وحاول بعضهم التوفيق بين الكلامين) أى: كلام المصنف القائل: إن المستعار له كشف الضوء وإزالته عن مكان ظلمة الليل، وكلام السكاكى القائل: إن المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل، وحاصل ما ذكره ذلك البعض أوجه ثلاثة يحصل بكل منها التوفيق، وذكر العلامة الحفيد فى حواشى المطول وجها رابعا وحاصله: أن المراد بالنهار فى قول السكاكى المستعار له ظهور النهار:

ص: 336

على القلب- أى ظهور ظلمة الليل من النهار، أو بأن المراد من الظهور: التمييز،

===

مجموع المدة التى هى من طلوع الشمس إلى غروبها لا ظهوره بطلوع الفجر، ولا شك أن الواقع عقيب جميع المدة الدخول فى الظلام، ومعنى الآية على هذا وآية لهم الليل نظهر أى: نخرج منه جميع النهار فيعقب هذا الإظهار الدخول فى الظلام

(قوله: على القلب) قد سبق أن السكاكى يقبل القلب مطلقا، وإن لم يظهر فيه اعتبار لطيف، فاندفع ما يقال: إن القلب إذا لم يتضمن اعتبارا لطيفا فهو كالغلط ولم يظهر هنا اعتبار لطيف، وحينئذ فلا يصح حمل كلام السكاكى عليه لقبحه

(قوله: أى ظهور ظلمة الليل من النهار) هذا قلب لقول السكاكى ظهور النهار من ظلمة الليل، ثم إن قوله: من النهار يحتمل التضمين أى: ظهور ظلمة الليل منفصلة من النهار أى: بفراغه أو أن من للابتداء أى: ظهور ظلمة الليل مبتدأ ذلك الظهور من مكان النهار أى: من مكان ضوئه، هذا وما ذكره من الجواب بالقلب يشكل على المفاجأة؛ لأن ظهور الظلمة يكون معه الإظلام لا عقبه حتى تتأتى المفاجأة، إلا أن يراد بظهور الظلمة ابتداؤها، وبالإظلام التوغل فى الظلام والاستمرار فيه.

واعلم أن جعل المستعار له ظهور ظلمة الليل من النهار بناء على ارتكاب القلب فى كلام السكاكى يؤدى لارتكاب القلب فى الآية أيضا؛ لأن المعنى حينئذ: وآية لهم الليل نسلخه من النهار أى: نظهر ظلمته بانفصاله من النهار فإذا هم مظلمون، تأمل.

(قوله: أو بأن المراد من الظهور التمييز) أى: ومن فى كلام المفتاح بمعنى عن، والمعنى أن المستعار له تمييز النهار عن ظلمة الليل والواقع بعد تمييز النهار عن ظلمة الليل هو الإظلام ويرد على هذا الوجه الثانى أنه إن أريد بالتمييز إزالة النهار عن مكان الليل بإعدامه فى مرأى العين فهذا بعينه الوجه الذى ذكره بعد بقوله، أو بأن الظهور بمعنى الزوال إلخ، وإن أريد تمييزه عنه مع بقاء وجوده فى مكان الليل فهو فاسد، إذ الضوء والظلمة لا يجتمعان فى محل لتضادهما، وإن أريد تمييزه عنه حال كونه موجودا فى مكان آخر وهو تحت الأرض فهو فاسد؛ لأنه من قبيل نقل الأعراض من محل إلى محل آخر فلم يبق لهذا الوجه للثانى فى كلام البعض معنى مستقل صحيح، فتأمل ا. هـ يعقوبى.

ص: 337

أو بأن الظهور بمعنى: الزوال؛ كما فى قول الحماسى:

وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر

وفى قول أبى ذؤيب:

... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

===

(قوله: أو بأن الظهور) أى: فى كلام المفتاح

(قوله: بمعنى الزوال) أى: وحينئذ فالمعنى أن المستعار له زوال ضوء النهار عن ظلمة الليل، ولا شك أن الواقع بعد زوال ضوء النهار عن ظلمة الليل هو الإظلام، فقد عاد كلام المفتاح لكلام المصنف

(قوله: كما فى قول الحماسى) أى: كالظهور الذى فى قول الشاعر الحماسى فإنه بمعنى الزوال

(قوله: وذلك عار إلخ) هذا عجز بيت من أبيات الحماسة صدره:

أعيّرتنا ألبانها ولحومها (1)

وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر

وقبله:

أتنسى دفاعى عنك إذ أنت مسلم

وقد سال من ذلّ عليك قراقر

ونسوتكم فى الرّوع باد وجوهها

يخلن إماء والإماء حرائر

الاستفهام للإنكار ومسلم على صيغة المفعول أى: مخلى من أسلمته خليت بينه وبين من يريد النكاية به، وقراقر: اسم واد أى: اشتد الذل عليك فى ذلك الوادى حتى صار مثل السيل الذى يسيل به عليك، والروع: الخوف، ويخلن أى: يظن تلك النسوة إماء لكونهن مكشوفات الوجوه والحال أنهن حرائر فى نفس الأمر، والاستفهام فى أعيرتنا أيضا للإنكار أى: لم تعيرنا بألبان الإبل ولحومها مع أن اقتناء الإبل مباح والانتفاع بلحومها وألبانها جائز فى الدين وفى العقل وتفريقها فى المحتاجين إليها إحسان فذلك عار ظاهر أى: زائل لا يعتبر

(قوله: وتلك شكاة) بفتح الشين مصدر بمعنى الشكاية، وصدر البيت:

وعيّرها الواشون أنّى أحبّها

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (2)

(1) الأبيات للحماسى.

(2)

من أشعار الهذليين ص 70 والتنبيه والإيضاح 2/ 159.

ص: 338

أى: زائل، وذكر العلامة فى شرح المفتاح: أن السلخ قد يكون بمعنى النزع، مثل: سلخت الإهاب عن الشاة، وقد يكون بمعنى الإخراج، نحو: سلخت الشاة عن الإهاب.

فذهب صاحب المفتاح إلى الثانى. وصح قوله: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ بالفاء؛ لأن التراخى وعدمه مما يختلف باختلاف الأمور والعادات،

===

كأنه يقول: وتلك شكاية زائل عنك عارها فتأذيك بما ذكر مجرد أذى لا عار عليك فيه

(قوله: عنك عارها) هو بكسر الكاف

(قوله: وذكر العلامة إلخ) هذا إشارة إلى وجه رابع لتصحيح كلام المفتاح ودفع الإشكال الوارد عليه من غير احتياج لدعوى قلب فى كلامه ولا تأويل الظهور فى كلامه بالتمييز أو الزوال؛ لأن الكلام إنما هو مسوق لهذا صريحا

(قوله: مثل سلخت الإهاب عن الشاة) أى: نزعته عنها

(قوله: سلخت الشاة عن الإهاب) أى: أخرجتها منه

(قوله: فذهب صاحب المفتاح إلى الثانى) أى: وعليه فمعنى الآية: وآية لهم الليل نخرج منه النهار، فالسلخ مستعار لإخراج النهار من ظلمة الليل، فقول صاحب المفتاح: المستعار له ظهور النهار من ظلمة الليل: مراده بالظهور: الإخراج، وفيه أنه لا يصح حينئذ التعبير بقوله بعد: فإذا هم مظلمون؛ لأن إخراج النهار من ظلمة الليل بطلوع الفجر والإظلام عند الغروب، وحينئذ فلا يصح الإتيان بإذا الفجائية، وأجاب الشارح عنه بقوله: وصح قوله إلخ

(قوله: فذهب صاحب المفتاح إلى الثانى) أى: وذهب المصنف إلى الأول؛ لأنه قال: فإن المستعار منه كشط الجلد أى: نزعه عن نحو الشاة، ومعلوم أن الذى يناسب أن ينقل إليه اسمه وهو السلخ إزالة الضوء، ولذا قال: والمستعار له كشف الضوء أى: نزعه، تأمل.

(قوله: وصح قوله إلخ) حاصله أن الليل لما كان عمومه لجميع الأقطار أمرا مستعظما كان الشأن أنه لا يحصل إلا بعد مضى مقدار النهار بأضعاف، ولما جاء عقب ظهور النهار ومضى زمانه فقط ولم يحصل بعد ما ينبغى له فيما يتبادر نزل منزلة ما لم يحل بينه وبين ظهور النهار شىء، وعبر بالفاء الموضوعة لما يعد فى العادة مترتبا غير متراخ

(قوله: مما يختلف باختلاف الأمور والعادات) أى فقد يطول الزمان بين أمرين

ص: 339

وزمان النهار وإن توسط بين إخراج النهار من الليل وبين دخول الظلام لكن لعظم شأن دخول الظلام بعد إضاءة النهار، وكونه مما ينبغى أن لا يحصل إلا فى أضعاف ذلك الزمان- عد الزمان قريبا، وجعل الليل كأنه يفاجئهم عقب إخراج النهار من الليل بلا مهلة؛ وعلى هذا حسن إذا المفاجأة؛ كما يقال: أخرج النهار من الليل

===

ولا يعد ذلك الزمان متراخيا لكون العادة تقتضى أطول منه فيستصغر المتكلم ويلحقه بالعدم، ويجعل الأمر الثانى غير متراخ فيستعمل الفاء، كما فى قولك: تزوج زيد فولد له، مع أن بين التزوج والولادة مدة الحمل، إلا أن العادة تعده معاقبا للتزوج، وكما فى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ (1) وقد يقصر الزمان بين أمرين، والعادة فى مثله تقتضى اعتبار المهلة فيؤتى ب ثم كما فى قولك: جاء الشيخ ثم الطلبة فتأخرهم عنه ولو درجة تعده العادة مهلة؛ لأن الشأن مقارنة مجيئهم لمجيئه، وكما فى قوله تعالى: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ (2) بعد قوله: فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً (3)

(قوله: وزمان النهار) أى: الذى مبدؤه طلوع الفجر وإضافة زمان للنهار بيانية

(قوله: وإن توسط بين إخراج النهار من الليل) أى: بين إخراجه من الليل السابق بطلوع الفجر

(قوله: وبين دخول الظلام) أى دخول الظلام اللاحق بالغروب

(قوله: لكن لعظم إلخ) أى: لكن لما كان دخول الظلام بعد إضاءة النهار شأنه عظيم، حتى إن من حقه أنه لا يحصل إلا بعد نهارات متعددة صار حصوله بعد نهار واحد أمرا قريبا فلذا أتى بالفاء

(قوله: وكونه مما ينبغى) من عطف المسبب على السبب

(قوله: ذلك الزمان) أى: وهو النهار.

(قوله: عد الزمان قريبا) أى: فلذا أتى بالفاء

(قوله: وجعل الليل كأنه يفاجئهم إلخ) أى: فلذا أتى بإذا الفجائية (وقوله: كأنه يفاجئهم عقب إلخ) أى: يحصل لهم من غير توقع له حينئذ

(قوله: وعلى هذا) أى: ما ذكر من قوله لكن لعظم إلخ

(قوله: حسن إذا المفاجأة)

(1) الحج: 63.

(2)

المؤمنون: 14.

(3)

المؤمنون: 14.

ص: 340

ففاجأه دخول الليل.

ولو جعلنا السلخ بمعنى: النزع، وقلنا: نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام- لم يستقم، أو لم يحسن، كما إذا قلنا: كسرت الكوز ففاجأه الانكسار. (وإما مختلف) بعضه حسى، وبعضه عقلى (كقولك: رأيت شمسا- وأنت تريد إنسانا كالشمس فى حسن الطلعة، ) وهو حسى.

===

أى: لأن دخول الظلام غير خروج النهار ومفاجئ له بهذا الاعتبار

(قوله: ففاجأه) أى:

الخروج المفهوم من أخرج.

(قوله: ولو جعلنا السلخ بمعنى النزع) أى: كما ذهب إليه المصنف

(قوله: عن الهواء) أى: الذى هو مكان الليل أى: المكان الذى يلقى ظلمته فيه.

(قوله: لم يستقم) أى: لأن الدخول فى الظلام مصاحب لنزع الضوء، وحينئذ فلا يعقل الترتيب الذى تفيده المفاجأة، فإن قلت: إنه مستقيم نظرا لكون نزع الضوء علة فى دخول الظلام ودخول الظلام معلول له، والعلة والمعلول مترتبان فى التعقل من حيث اختلافهما فى الرتبة، فالعلة تلاحظ أولا والمعلول يلاحظ ثانيا قلنا:

الاستقامة وإن حصلت بذلك لكن الحمل على ذلك لا يحسن؛ لأن المتبادر من قولنا نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام أن الترتيب بينهما باعتبار الزمان، والمعنى عليه غير مستقيم كما علمت والحاصل أن قولنا: نزع ضوء الشمس عن الهواء ففاجأه الظلام إما غير مستقيم إن اعتبر أن الترتيب الذى تفيده المفاجأة زمانى، وإما غير مستحسن إن اعتبر أن ذلك الترتيب رتبى.

(قوله: ففاجأه الانكسار) أى: فالانكسار مطاوع للكسر وحاصل مع حصوله، وحينئذ فلا يعقل الترتيب بينهما كما هو قضية المفاجأة فهو غير مستقيم، فقد ظهر مما قاله الشارح العلامة صحة كلام السكاكى وظهر حسن المفاجأة على ما قاله، لا على ما قاله المصنف

(قوله: كقولك إلخ) قد نبه بجعل مثال هذا القسم مصنوعا على أنه لم يوجد فى القرآن ولا فى كلام من يوثق به، فلذا تركه فى المفتاح ا. هـ أطول.

(قوله: فى حسن الطلعة) أى: الوجه وسمى الوجه طلعة؛ لأنه المطلع عليه عند الشهود والمواجهة،

ص: 341

(ونباهة الشأن) وهى عقلية (وإلا) عطف على قوله: وإن كانا حسيين- أى: وإن لم يكن الطرفان حسيين (فهما) أى: الطرفان (إما عقليان، نحو: مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا (1) فإن المستعار منه الرقاد) أى: النوم على أن يكون المرقد مصدرا، وتكون الاستعارة أصلية، أو على أنه بمعنى المكان

===

وقد تقدم أن الحسن يرجع للشكل واللون وهما حسيان فيكون حسن الطلعة المعتبر فى التشبيه حسيّا.

(قوله: ونباهة الشأن) أى: شهرته ورفعته عند النفوس وعلو الحال فى القلوب للاشتمال على أوصاف حميدة توجب شهرة الذكر كالكرم والعلم والنسب وشرف القدر

(قوله: وهى عقلية) أى: لأنها ترجع لاستعظام النفوس لصاحبها وكونه بحيث يبالى به وهذا أمر غير محسوس، ومن اعتبر أن نقل اللفظ يصح بكلّ من حسن الطلعة ونباهة الشأن على الانفراد كالسكاكى جعل هذا القسم استعارتين إحداهما بجامع حسى والأخرى بجامع عقلى، فأسقط عد هذا القسم من هذه الأقسام لعوده إلى الجامع الحسى أو العقلى، ومن اعتبر صحة النقل باعتبارهما كالمصنف عده منها وهو الحق كما عد فى التشبيه

(قوله: عطف على قوله إلخ) ظاهره أن المعطوف على قوله: إن كانا حسيين الشرط فقط وليس كذلك، بل المعطوف مجموع الشرط وجوابه وهو قوله:

فهما إما عقليان إلخ عطف الجمل

(قوله: إما عقليان) أى: ويلزم أن يكون الجامع بينهما عقليّا لما مر من عدم صحة قيام المحسوس بالمعقول

(قوله: نحو من بعثنا) أى: نحو قوله تعالى حكاية عن قول الكفار يوم القيامة

(قوله: فإن المستعار منه الرقاد) اعلم أن المرقد فى الآية يحتمل أن يكون مصدرا ميميّا بمعنى الرقاد، ويحتمل أن يكون اسم مكان أى:

مكان الرقاد فإن أريد الأول فلا شك أن المستعار منه الرقاد وتكون الاستعارة أصلية وتقريرها أن يقال: شبه الموت بالرقاد بجامع عدم ظهور الفعل مع كلّ منهما واستعير اسم الرقاد للموت استعارة تصريحية أصلية، وإن أريد الثانى فيكون المستعار منه محل الرقاد والمستعار له القبر الذى يوضع فيه الميت، وحينئذ فلا يتم قول المصنف: فإن المستعار

(1) يس: 52.

ص: 342

إلا أنه اعتبر التشبيه فى المصدر؛ لأن المقصود بالنظر فى اسم المكان، وسائر المشتقات إنما هو المعنى القائم بالذات، لا نفس الذات، واعتبار التشبيه فى المقصود الأهم أولى، وستسمع لهذا زيادة تحقيق فى الاستعارة التبعية (والمستعار له الموت، والجامع عدم ظهور الفعل والجميع عقلى) وقيل: عدم ظهور الأفعال فى المستعار له- أعنى: الموت- أقوى.

===

منه الرقاد والمستعار له الموت، وأجاب الشارح بقوله: إلا أنه إلخ، وحاصله أن المنظور له فى هذا التشبيه هو الموت والرقاد؛ لأن المقصود بالنظر فى اسم المكان وسائر المشتقات إنما هو المعنى القائم بالمكان والذات كالرقاد، والموت هنا لا نفس المكان والذات والتشبيه فى المقصود الأهم أولى، وحينئذ فعلى هذا الاحتمال الثانى يشبه الموت بالرقاد ويقدر استعارة اسم الرقاد للموت ويشتق من الرقاد مرقد بمعنى محل الموت أى: المحل الذى يتقرر فيه دوام معنى الموت وهو القبر على طريق الاستعارة التصريحية التبعية فتحصل مما ذكر أن المستعار منه الرقاد والمستعار له الموت على كل من الاحتمالين، إلا أنه على الأول المستعار منه الرقاد والمستعار له الموت أصالة، وكذا على الثانى باعتبار الأصل، وأما باعتبار التبعية فالمستعار منه محل الرقاد والمستعار له القبر الذى هو المكان الذى يتقرر فيه دوام معنى الموت

(قوله: إلا أنه اعتبر التشبيه فى المصدر) أى: أولا وفى المشتق تبعا

(قوله: إنما هو المعنى القائم بالذات) أى: وهو المصدر

(قوله: وستسمع لهذا) أى: لما ذكر من أن المقصود بالنظر فى اسم المكان والمشتقات إنما هو المعنى القائم بالذات

(قوله: والجامع) أى: بين الموت والنوم (وقوله: عدم ظهور الفعل) أى: مع كل منهما فكل من النائم والميت لا يظهر منه فعل، وقد يشكل بأن النائم يصدر منه أفعال، إلا أن يقال: ليس المراد بالظهور الوجود، بل الكثرة والوضوح أو المراد الأفعال الاختيارية المعتد بها

(قوله: والجميع عقلى) أراد بالجميع الموت والنوم وعدم ظهور الفعل، أما الموت وعدم ظهور الفعل فكون كل منهما عقليّا واضح، وأما النوم فالمراد به انتفاء الإحساس الذى يكون فى اليقظة لا آثار من ذلك الغطيط، ولا شك أن انتفاء الإحساس المذكور عقلى

(قوله: وقيل إلخ) هذا إشارة لاعتراض وارد على قول المصنف

ص: 343

ومن شرط الجامع أن يكون المستعار منه أقوى، فالحق أن الجامع هو البعث الذى هو فى النوم أظهر وأشهر وأقوى؛ لكونه مما لا شبهة فيه لأحد.

وقرينة الاستعارة هو كون هذا الكلام كلام الموتى مع قوله: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (1).

===

والجامع عدم ظهور الفعل مع كل، وحاصله أن الجامع يجب أن يكون فى المستعار منه أقوى وأشهر ولا شك أن عدم ظهور الأفعال فى الموت الذى هو المستعار له أقوى منه فى الرقاد الذى هو المستعار منه، وحينئذ فلا يصح جامعا فالحق إلخ

(قوله: أقوى) أى:

لأن فى الموت تزال الروح والإدراك بالحواس، بخلاف النوم فإنه وإن أزيل معه الإدراك بالحواس لا يزال معه الروح فعدم ظهور الفعل لازم للموت بحيث لا يظهر فعل معه أصلا لزوال الروح، بخلاف النوم فإن الفعل معه موجود فى الجملة، وإنما تسلط العدم فيه على الأفعال التى يعتد بها وهى الاختيارية التى تقصد لأغراضها ولم يعتد بغيرها لعدم الفائدة مع قلتها

(قوله: فالحق إلخ) هو من جملة القيل (وقوله: أن الجامع) أى: بين الرقاد والموت

(قوله: هو البعث) أى: بناء على أنه موضوع للقدر المشترك بين الإيقاظ والنشر بعد الموت وذلك القدر هو رد الإحساس السابق، أما إذا قيل: إنه مشترك بين الإيقاظ والإحياء، أو أنه حقيقة شرعية فى الإحياء بعد الموت فلا يصح كونه جامعا لعدم وجود معناه فى الطرفين معا

(قوله: أظهر) أى: من حيث الإدراك

(قوله: وأقوى) أى: فى الشهرة فهو مرادف لما قبله، وليس المراد أنه فى النوم أقوى بالنظر لمعناه؛ لأن معناه فى الموت أقوى؛ لأن فيه رد الحياة وإحساسها وفى النوم رد الإحساس فقط.

(قوله: لكونه مما لا شبهة فيه لأحد) أى: بخلافه فى الموت فقد أنكره قوم وهذا علة لكونه أشهر فى النوم

(قوله: وقرينة الاستعارة) أى: فى هذه الآية أى: القرينة المانعة من إرادة الرقاد بمعنى النوم الذى هو المعنى الحقيقى وأن المراد الموت (وقوله: هو كون هذا الكلام كلام الموتى) أى: بعد بعثهم، ولا شك أن الموتى لا يريدون الرقاد بمعنى النوم؛ لأنه لم يكن حاصلا لهم

(قوله: مع قوله: هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)

(1) يس: 52.

ص: 344

(وإما مختلفان) أى: أحد الطرفين حسى والآخر عقلى.

(والحسى هو المستعار منه نحو: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ (1) فإن المستعار منه: كسر الزجاجة- وهو حسّىّ،

===

أى: لأن ما وعد به الرحمن وصدق فيه المرسلون وأنكره القائلون أولا هو البعث من الموت لا الرقاد الحقيقى، وأشار الشارح بقوله: والقرينة كذا مع إلخ إلى أن لتلك الاستعارة قرينتين أولاهما معنوية والثانية لفظية، ثم إن ظاهر الشارح أن قرينة الاستعارة المذكورة فى هذه الآية ما ذكره من كون هذا الكلام كلام الموتى بعد البعث، سواء قلنا: إن الجامع عدم ظهور الفعل، أو قلنا: إن الجامع مطلق البعث وهو كذلك، أما على الثانى: فلأن البعث جامع، والجامع لا يكون قرينة لاشتراكه بين الطرفين، وأما على الأول فقد ذكر بعضهم أن ذكر البعث هو القرينة، واعترضه الشارح فى المطول بأن البعث لا اختصاص له بالموت؛ لأنه يقال بعثه من نومه إذا أيقظه وبعث الموتى إذا أنشرهم والقرينة يجب أن يكون لها اختصاص بالمستعار له، وحينئذ فتعين أن قرينة الاستعارة ما ذكره الشارح هنا على كلا القولين فى الجامع

(قوله: أى أحد الطرفين حسى والآخر عقلى) أى: ويلزم أن يكون الجامع عقليّا- كما مر.

(قوله: والحسى هو المستعار منه) أى: والمستعار له عقلى

(قوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) أى: بلغ الأمة الأحكام التى أمرت بتبليغها لهم تبليغا واضحا فشبه التبليغ بالصدع وهو كسر الشىء الصلب واستعير اسم المشبه به للمشبه، واشتق من الصدع اصدع بمعنى: بلغ، والجامع التأثير فى كل، أما فى التبليغ فلأن المبلغ أثر فى الأمور المبلغة بيانها بحيث لا تعود لحالتها الأولى من الخفاء، وأما فى الكسر: فلأن فيه تأثيرا لا يعود المكسور معه إلى الالتئام وهو فى كسر الشىء الصلب أقوى وأبين، ولذلك قال الشارح فى تفسير" اصدع": أبن الأمر إبانة لا تنمحى أى: لا تعود إلى الخفاء كما أن كسر الزجاجة لا يعود معه التئام

(قوله: كسر الزجاجة إلخ) فى القاموس الصدع: كسر الشىء الصلب، وحينئذ فذكر الزجاجة على سبيل التمثيل، فالمراد كسر الزجاجة ونحوها

(1) الحجر: 94.

ص: 345