الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خمس سحائب) (1)
أى: أنامله الخمس التى هى فى الجود وعموم العطايا كالسحائب، أى:
يصبها على أكفائه فى الحرب فيهلكهم بها، ولما استعار السحائب لأنامل الممدوح ذكر أن هناك صاعقة، وبيّن أنها من نصل سيفه، ثم قال: على أرؤس الأقران، ثم قال: خمس فذكر العدد الذى هو عدد الأنامل فظهر من جميع ذلك أنه أراد بالسحائب الأنامل.
[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين]:
(وهى) أى: الاستعارة (باعتبار الطرفين) المستعار منه، والمستعار له (قسمان؛ لأن اجتماعهما) أى: اجتماع الطرفين (فى شىء إما ممكن، نحو:
فَأَحْيَيْناهُ فى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (2) أى: ضالّا فهديناه)
…
===
للقلّة. نعم، يستعار جمع القلّة للكثرة كما هنا
(قوله: خمس سحائب) فاعل تنكفى بها وهو من إضافة الصفة للموصوف كما أشار له الشارح بقوله أى: أنامله الخمس، والمراد العليا فقط، وإلا فالأنامل كثيرة، وعبّر الشارح بالأنامل دون الأصابع مع أن الذى يقبض على السيف وينقلب به على الأعداء الأصابع لا الأنامل للمبالغة فى شجاعة الممدوح أى: إنه لشجاعته وقوته لا كلفة عليه ولا مشقّة فى قلب السيف على الأقران بالأنامل، وهذا إذا أريد بالأنامل حقيقتها، ويحتمل أنه أراد بالأنامل الخمس الأصابع مجازا وعلى هذا فلا مبالغة
(قوله: التى هى فى الجود .. إلخ) أشار بهذا إلى أن البيت فيه من المحسّنات البديعية والاستتباع، حيث ضمن الشاعر مدح الممدوح بالشجاعة مدحه بالسخاوة
(قوله: وعموم العطايا) أخذ العموم من السحائب.
(قوله: فذكر العدد) بتخفيف الكاف أى: ولا شك أن ذكر العدد قرينة على أن المراد بالسحائب الأنامل، إذ السحائب الحقيقية ليست خمسا فقط
(قوله: فظهر من جميع ذلك) أى: من ذكر الصاعقة ومن كونها ناشئة من حدّ سيفه ومن انقلابها على
(1) للبحترى فى ديوانه 1/ 179، الطراز 13/ 1/ 231، ورواية الديوان:
وصاعقة من كفه ينكفى بها
…
على أرؤس الأعداء خمس سحائب
(2)
الأنعام: 122.
استعار الإحياء من معناه الحقيقى- وهو جعل الشىء حيّا- للهداية- التى هى الدلالة على طريق يوصل إلى المطلوب-، والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما فى شىء واحد، وهذا أولى من قول المصنف: إن الحياة والهداية مما يمكن اجتماعهما فى شىء واحد؛ لأن المستعار منه هو الإحياء، لا الحياة، وإنما قال: نحو: أحييناه؛ لأن الطرفين فى استعارة الميت للضالّ
…
===
أرؤس الأقران ومن كون المنقلب بها خمسا- وفى كون مجموع ما ذكر هو الدالّ على أن المراد بالسحائب أنامل الممدوح نظر، إذ لو أسقط بعضها كلفظ الخمس وأرؤس الأقران بأن يراد بالقلب تحريك السيف باليد فهم المراد على أن إضافة الصاعقة لنصل السيف كاف فى القرينة المذكورة، فيخالف ما مرّ من قوله: مربوط بعضها ببعض يكون الجميع قرينة، اللهم إلا أن يراد الدلالة الواضحة البالغة فى الوضوح، والحاصل: أن الدلالة الواضحة على المراد متوقفة على الجميع، وهذا لا ينافى كفاية بعضها فى أصل الدلالة على المراد، وحينئذ فقول الشارح سابقا: مربوط بعضها ببعض يكون الجميع قرينة .. إلخ ناظر للدلالة الواضحة البالغة فى الوضوح لا لأصل الدلالة- فلا منافاة.
(قوله: استعار الإحياء) أى: استعار هذه اللفظ (وقوله: للهداية متعلق باستعار) أى: استعاره لها بعد تشبيه الهداية بمعنى الدلالة على طريق توصل بالإحياء بمعنى جعل الشىء حيّا، وادعاء أنه فرد من أفرادها، ووجه الشبه بين الإحياء والهداية ترتب الانتفاع والمآثر على كلّ منهما، كما أن وجه الشبه بين الإماتة والإضلال ترتب نفى الانتفاع على كلّ منهما، وإنما قال استعار الإحياء مع أن المستعار الفعل أعنى أحييناه؛ لأن استعارته تبعية لاستعارة المصدر أعنى الإحياء
(قوله: مما يمكن اجتماعهما) أى: من الشيئين اللذين يمكن اجتماعهما فى شىء أى: فقد اجتمعا فى الله سبحانه وتعالى فإنه محيى وهادى
(قوله: وهذا) أى: قولنا والإحياء والهداية مما يمكن اجتماعهما
(قوله: أولى من قول المصنف) أى: فى الإيضاح
(قوله: لأن المستعار منه هو الإحياء لا الحياة) إن قلت: مقتضى هذا التعليل أن يكون ما قاله المصنف خطأ، وأن ما قاله الشارح هو الصواب- قلت: إنما قال الشارح: وهذا أولى لإمكان أن يقال: مراد المصنف بالحياة الإحياء لكونها أثرا له
(قوله: وإنما قال: نحو أحييناه) أى: ولم يقل نحو أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً
مما لا يمكن اجتماعهما فى شىء إذ الميت لا يوصف بالضلال.
(ولتسمّ) الاستعارة التى يمكن اجتماع طرفيها فى شىء (وفاقية) لما بين الطرفين من الاتفاق.
(وإما ممتنع) عطف على: إما ممكن (كاستعارة اسم المعدوم للموجود لعدم غنائه)
…
===
فَأَحْيَيْناهُ (1) حتى يكون ميتا داخلا فى التمثيل أيضا
(قوله: مما لا يمكن اجتماعهما) أى: فقد اجتمع فى الآية الاستعارتان الوفاقية والعنادية
(قوله: إذ الميت لا يوصف بالضلال) أى: لأن الموت عدم الحياة والضلال هو الكفر والميت العادم للحياة لا يتصف بالكفر إلا باعتبار ما كان، لا حقيقة؛ لأن الكفر جحد الحق، والجحد لا يقع من الميت لانتفاء شرطه وهو الحياة
(قوله: ولتسم وفاقية) إنما سموها وفاقية لا اتفاقية؛ لأن وفاقية أنسب بعنادية، واللام فى قوله: ولتسم: لام الأمر- أى: أدع إلى تسميتها وفاقية، وإنما لم يقل: وتسمى إشعارا بأن هذه التسمية من جهة المصنف لا قديمة
(قوله: لما بين الطرفين من الاتفاق) أى: الاجتماع وعدم المباينة، وكان الأولى أن يقول: لما بين الطرفين من الوفاق؛ لأن المفاعلة على بابها، إذ كلّ من الطرفين وافق صاحبه فى الاجتماع معه فى موصوف واحد.
(قوله: كاستعارة اسم المعدوم) أى: وكاستعارة الميت للضالّ، إذ لا يجتمع الموت والضلال فى شىء، ثم إن إضافة استعارة للاسم بيانية، وأما إضافة اسم للمعدوم فيصح جعلها بيانية أيضا، ويصح جعلها حقيقية بأن يراد بالمعدوم الأمر الغير الموجود، ويراد باسمه اللفظ الدالّ عليه وهو لفظ معدوم، وذلك بأن تقول فى زيد الذى لا نفع به: رأيت اليوم معدوما فى المسجد، أو تقول: جاء المعدوم ونحو ذلك، فشبه الوجود الذى لا نفع فيه بالعدم، واستعير العدم للوجود، واشتق من العدم معدوم بمعنى موجود لا نفع فيه فهو استعارة مصرحة تبعية عنادية؛ لأن من المعلوم أن الوجود والعدم لا يجتمعان فى شىء. قال فى الأطول: ولا تتوقف استعارة اسم المعدوم للموجود على عدم نفعه أصلا،
(1) الأنعام: 122.
هو بالفتح: النفع- أى: لانتفاء النفع فى ذلك الموجود- كما فى المعدوم، ولا شك أن اجتماع الوجود والعدم فى شىء ممتنع، وكذلك استعارة اسم الموجود لمن عدم وفقد لكن بقيت آثاره الجميلة التى تحيى ذكره، وتديم فى الناس اسمه.
(ولتسمّ) الاستعارة التى لا يمكن اجتماع طرفيها فى شىء (عنادية) لتعاند الطرفين وامتناع اجتماعهما.
(ومنها) أى: من العنادية: الاستعارة (التهكّمية، والتمليحية- وهما ما استعمل فى ضده) أى: الاستعارة التى استعملت
…
===
بل يمكن الاستعارة للنافع فى أمر غير نافع فى أمر آخر باعتبار عدم نفعه
(قوله: هو بالفتح) أى: والمد وإما بكسر الغين مع المد فهو الترنم بالصوت، وبكسر الغين مع القصر فاسم لليسار والاستغناء، وأما بالفتح مع القصر فهو لفظ مهمل
(قوله: ولا شك أن اجتماع الوجود) وهو المستعار له أصالة (وقوله: والعدم) أى: وهو المستعار منه أصالة
(قوله: وكذلك استعارة اسم الموجود .. إلخ) هذا عكس مثال المصنف فيشبه عدم الشىء مع بقاء آثاره الجميلة بوجوده ويستعار الوجود للعدم، ويشتق من الوجود موجود بمعنى معدوم بقيت آثاره الجميلة فهو استعارة مصرحة تبعية عنادية؛ لأن اجتماع الوجود والعدم فى شىء ممتنع.
(قوله: لتعاند الطرفين) أى: تنافيهما
(قوله: وامتناع اجتماعهما) عطف تفسير.
إن قلت: إن الوفاق بين الطرفين والعناد بينهما كما يتأتّيان فى الاستعارة يتأتّيان فى التشبيه، فلم لم يذكرا هناك؟ أجيب بأن المقصود المبالغة، ولا يخفى أن جعل أحد المتعاندين من جنس الآخر متحدا به أشد مبالغة وغرابة من تشبيه أحدهما بالآخر- اه يس.
(قوله: التهكّمية) أى: ما كان الغرض منها التهكّم والهزء والسخرية
(قوله: والتمليحية) أى: ما كان الغرض منها إيراد القبيح بصورة شىء مليح للاستظراف
(قوله: أى: الاستعارة التى استعملت .. إلخ) أشار بهذا الضابط إلى كلّ من التهكمية والتمليحية، وحاصله: أن يطلق اللفظ الدال على وصف شريف على ضده: كإطلاق
فى ضد معناها الحقيقى (أو نقيضه؛ لما مرّ) أى: لتنزيل التضادّ، أو الناقض منزلة التناسب بواسطة تمليح، أو تهكم- على ما سبق تحقيقه فى باب التشبيه- (نحو:
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (1) أى: أنذرهم، استعيرت البشارة- التى هى الإخبار
…
===
الكريم على البخيل، والأسد على الجبان، ولا يصح فيهما إطلاق البخيل على الكريم، ولا إطلاق الجبان على الأسد، وقد علمت من هذا أن التهكمية والتمليحية بمعنى، إلا أن الفارق بينهما من جهة أنه إن كان الغرض الحامل على استعمال اللفظ فى ضد معناه الهزء والسخرية بالمقول فيه كانت تهكمية، وإن كان الغرض الحامل على ذلك الغرض الحامل على ذلك بسط السامعين وإزالة السآمة عنهم بواسطة الإتيان بشىء مليح مستظرف كانت تمليحية، فإذا أطلق الأسد على الجبان فقد نزل التضادّ منزلة التناسب تهكّما أو تمليحا، وشبه الجبان بالأسد بجامع الشجاعة الموجودة فى المشبه- وهو الجبان- تنزيلا والموجودة فى المشبه به- وهو الأسد- حقيقة، واستعير اسم الأسد للجبان استعارة مصرحة
(قوله: فى ضدّ معناها الحقيقى أو نقيضه) الضدّان: هما الأمران الوجوديان اللذان لا يجتمعان وقد يرتفعان، والنقيضان: الأمران اللذان لا يجتمعان ولا يرتفعان، وأحدهما وجودىّ والآخر عدمّى
(قوله: أى لتنزيل .. إلخ) تفسير لما مرّ
(قوله: بواسطة تمليح) أى: الإتيان بشىء مليح مستظرف (وقوله: أو تهكّم) أى:
استهزاء وسخرية
(قوله: فبشّرهم بعذاب أليم) نزل التضادّ منزلة التناسب فشبه الإنذار بالبشارة بجامع إدخال السرور فى كلّ وإن كان تنزيليّا بالنسبة للمشبه، واستعير اسم البشارة للإنذار بسبب إدخال الإنذار فى جنس البشارة، واشتق من البشارة بشّر بمعنى أنذر على طريق الاستعارة التصريحية التبعية التهكمية أو التمليحية العنادية، فقول الشارح: استعيرت البشارة للنذارة أى: بعد تشبيه النذارة بالبشارة، ثم إنه إن أريد بالبشارة لفظها لم يصح وصفها بقوله التى هى .. إلخ، وإن أريد معناها لم يصح الحكم باستعارتها إذ المستعار إنما هو اللفظ، وقد يجاب بأن المراد الثانى، لكن فى الكلام حذف مضاف، والأصل: استعير اسم البشارة الذى هو لفظ البشارة.
(1) التوبة: 34.