الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثالث: ما تحتمل التخييلية والتحقيقية.
فصل: فى مباحث من الحقيقة، والمجاز، والاستعارة بالكناية، والاستعارة التخييلية وقعت فى المفتاح مخالفة لما ذكره المصنف، والكلام عليها:
[اعتراضات على السكاكى]:
(عرف السكاكى الحقيقة اللغوية) أى: غير العقلية (بالكلمة المستعملة فيما وضعت هى له من غير تأويل فى الوضع، واحترز بالقيد الأخير) وهو قوله:
من غير تأويل فى الوضع.
===
إلخ
(قوله: والثالث: ما تحتمل إلخ) أى الثالث كلام تحتمل الاستعارة فيه التخييلية والتحقيقية، ففاعل تحتمل ضمير عائد على الاستعارة، والتخييلية بالنصب مفعوله.
فصل عرف السكاكى إلخ:
(قوله: من الحقيقة إلخ) من بمعنى فى، وفى الكلام حذف مضاف، أى فى أحكام الحقيقة، وظرفية الفصل فى المباحث من ظرفية الكل فى أجزائه؛ لأن الفصل اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعانى المخصوصة، والمراد بالمباحث القضايا؛ لأن المباحث جمع مبحث بمعنى محل البحث، وهو إثبات المحمولات للموضوعات، ومحل ذلك هو القضايا، وظرفية المباحث فى أحكام الحقيقة وما معها من ظرفية الدالّ فى المدلول، أو أن من باقية على حالها وهى للتبعيض، أى من جملة مباحث الحقيقة إلخ
(قوله: وقعت فى المفتاح) صفة لمباحث
(قوله: والكلام عليها) عطف على مباحث أى وفى الكلام عليها من الاعتراضات
(قوله: أى غير العقلية) أشار بهذا إلى أن المراد باللغوية ما قابل العقلية، التى هى إسناد الفعل أو معناه لما هو له، وحينئذ فتشمل العرفية والشرعية، وليس المراد باللغوية ما قابلهما
(قوله: بالكلمة) هى جنس خرج عنه اللفظ المهمل وغير اللفظ مطلقا، (وقوله: المستعملة) فصل خرج به الكلمة الموضوعة قبل الاستعمال فلا تسمى حقيقة ولا مجازا
(قوله: فيما) أى فى المعنى الذى وضعت هى أى تلك الكلمة له، فصل ثان خرج به الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له بكل اصطلاح، فإنه مجاز قطعا أو غلط (وقوله: من غير تأويل فى الوضع) أى الذى استعملت تلك الكلمة بسببه.
(عن الاستعارة على أصح القولين) وهو القول بأن الاستعارة مجاز لغوى؛ لكونها مستعملة فى غير الموضوع له الحقيقى، فيجب الاحتراز عنها.
وأما على القول بأنها مجاز عقلى، واللفظ مستعمل فى معناه اللغوى،
…
===
فصل ثالث خرجت به الاستعارة؛ لأنها كلمة استعملت فيما وضعت له مع التأويل فى ذلك الوضع، بخلاف الحقيقة فإنها كلمة مستعملة فيما وضعت له من غير تأويل فى الوضع، وإلى هذا أشار بقوله: واحترز أى السكاكى بالقيد الأخير إلخ.
(قوله: على أصح القولين) متعلق باحترز، أى وهذا الاحتراز بناء على أصح القولين، ويصح أن يكون حالا من الاستعارة، وحاصل ما فى المقام أن الاستعارة موضوعة قطعا على كل قول، وإنما الخلاف فى أنها مجاز لغوى، بمعنى أن التصرف فى أمر لغوى وهو اللفظ؛ لأنه استعمل فى غير ما وضع له ابتداء، أو عقلى بمعنى أن التصرف فى أمر عقلى وهو جعل غير الأسد أسدا وأما اللفظ فهو مستعمل فيما وضع له على ما سبق بيانه فعلى أنها مجاز عقلى فهى حقيقة لغوية لا يصح إخراجها، وإنما يخرج به المجاز المرسل، وعلى أنها مجاز لغوى وهو الأصح يحتاج لإخراجها بقيد زائد على قوله: فيما وضعت له، إذ لا تخرج بالوضع للاتفاق على وضعها، لكن وضعها للمشبه بتأويل، أى ادعاء أنه من جنس المشبه به الذى وضع له اللفظ أصالة، فلما بنى السكاكى تعريفه على هذا القول الأصح- وهو أنها مجاز لغوى- احتاج لزيادة قيد لإخراجها، وذلك القيد هو أن وضع الحقيقة لا تأويل فيه ولا ادعاء، ووضع الاستعارة فيه تأويل وادعاء، وهو معنى قوله: من غير تأويل فى الوضع.
(قوله: وأما على القول بأنها مجاز عقلى) أى مجاز سببه التصرف فى أمور عقلية، أى غير ألفاظ كجعل الفرد الغير المتعارف من أفراد المعنى المتعارف للفظ مثل جعل الشجاع فردا من أفراد الحيوان المفترس الذى هو معنى متعارف للأسد، فليس المراد بكون الاستعارة مجازا عقليّا على هذا القول أنها من أفراد المجاز العقلى المصطلح عليه فيما تقدم، وهو إسناد الفعل أو ما فى معناه لغير من هو له
(قوله: مستعمل فى معناه اللغوى) أى وهذا الفرد الغير المتعارف كالشجاع مثلا معنى لغوى للأسد بسبب الادعاء
فلا يصح الاحتراز عنها (فإنها) أى: إنما وقع الاحتراز بهذا القيد عن الاستعارة لأنها (مستعملة فيما وضعت له بتأويل) وهو ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به بجعل أفراده قسمين: متعارفا، وغير متعارف.
(وعرف) السكاكى (المجاز اللغوى بالكلمة المستعملة) فى غير ما هى موضوعة له بالتحقيق استعمالا فى الغير
…
===
وجعل الأسد شاملا له
(قوله: فلا يصح الاحتراز عنها) أى لوجوب دخولها فى التعريف؛ لأنها من جملة المحدود على هذا القول، وإنما ضعف ذلك القول لأن الاستعارة ولو بولغ فى التشبيه فيها حتى ادعى دخول المشبه فى جنس المشبه به لا يقتضى ذلك كونها مستعمله فيما وضعت له ابتداء، وإنما استعملت فى غير ما وضعت له بالأصالة، فتأمل.
(قوله: بتأويل) أى بواسطة تأويل فى الوضع، أو أن الباء للملابسة متعلقة بوضعت أى فيما وضعت له وضعا ملتبسا بتأويل، وصرف للوضع عن الظاهر، فإن الظاهر فيه ليس الادعاء بل على سبيل التحقيق.
(قوله: وعرف المجاز اللغوى) أراد به ما قابل الحقيقة اللغوية، التى عرفها أولا وحينئذ فالمراد به غير العقلى فيشمل الشرعى والعرفى
(قوله: المستعملة فى غير ما هى موضوعة له) أى: المستعملة فى معنى مغاير للمعنى الذى وضعت الكلمة له
(قوله: بالتحقيق) الباء للملابسة متعلقة بالموضوعة، أى: المستعملة فى معنى مغاير للمعنى الذى وضعت له الكلمة وضعا ملابسا للتحقيق، أى لتحقيقه أى تثبيته وتقريره فى أصله، بأن يبقى ذلك الوضع على حاله الأصلى الذى هو تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسها، فخرج بقوله: فى غير ما وضعت له الكلمة المستعملة فيما وضعت له وضعا حقيقيّا، وأدخل بقيد التحقيق الكلمة المستعملة فيما وضعت له بالتأويل؛ لأنه إنما أخرج المستعملة فى المعنى الموضوع له وضعا تحقيقيّا لا تأويليّا، بأن تكون الكلمة مستعملة فيما هى موضوعة له وضعا مصاحبا للتأويل، الذى هو كون اللفظ، بحيث يستعمل فيما أدخل بالادعاء فى جنس الموضوع له بالتحقيق،
(قوله: استعمالا فى الغير) مفعول مطلق لقوله: المستعملة وإنما صرح به مع فهمه من قوله: المستعملة فى غير ما هى موضوعة له
بالنسبة إلى نوع حقيقتها،
…
===
توطئة ذكر الغير بعده، ليتعلق به قوله: بالنسبة إلخ، ولو حذفه وعلق قوله: بالنسبة بغير من قوله: فى غير ما هى موضوعة له ما ضر، لكنه صرح به لطول الفصل.
(قوله: بالنسبة إلى نوع حقيقتها) متعلق بالغير كما قال الشارح، وحينئذ فالمعنى: المجاز اللغوى هو الكلمة المستعملة فى معنى مغاير للمعنى الذى وضعت له الكلمة وضعا حقيقيّا، وتلك المغايرة بين المعنيين بالنسبة إلى نوع حقيقتها- أى الكلمة- عند المستعمل، وأورد عليه أن الحقيقة هى اللفظ ويجب أن يكون نوعها لفظا آخر، وحينئذ فينحل كلامه إلى قولنا: المجاز هو الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له، بالنسبة إلى نوع أى لفظ آخر هو حقيقة لهذا اللفظ المجازى، فأسد مثلا إذا استعمل فى الرجل الشجاع كان مستعملا فى غير ما وضع له، بالنسبة إلى كلمة أخرى حقيقة لتلك الكلمة أعنى لفظ أسد، فيكون لفظ أسد له كلمة أخرى حقيقة فى ذلك اللفظ، هذا ظاهره ولا معنى لذلك بل اللفظ واحد، لكن إن استعمل فى معنى كالحيوان المفترس كان فيه حقيقة، وإن استعمل فى معنى آخر كالرجل الشجاع كان فيه مجازا، وأجيب بأن إضافة نوع إلى حقيقتها إضافة بيانية أى إلى نوع هو حقيقة عند المتكلم بها، ومحصله أن المجاز اللغوى هو الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له وضعا حقيقيّا، وتلك المغايرة بين المعنيين بالنسبة إلى كونها حقيقة، أى بالنسبة إلى معناها الموضوع له عند المتكلم، فلفظ الصلاة إذا استعمله الشرعى فى الدعاء صدق عليه أنه كلمة مستعملة فى معنى مغاير لما هى موضوعة له، ومغايرته لذلك بالنسبة إلى معناها الحقيقى عند الشرعى؛ لأن الدعاء مغاير للأقوال والأفعال، وكذا يقال فى الأسد إذا استعمله اللغوى فى الرجل الشجاع، فإنه يصدق عليه أنه كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له بالنسبة لمعناها الحقيقى عنده، وإنما أتى بقوله: بالنسبة إلخ؛ لأن التعريف بدونه غير مانع وغير جامع.
أما كونه غير مانع فلدخول بعض أفراد الحقيقة فيه، كالصلاة يستعملها اللغوى فى الدعاء، فإنه يصدق عليها أنها كلمة استعملت فى غير ما وضعت له بالتحقيق؛ لأنها وضعت بالتحقيق لذات الأركان أيضا، فهى فى الدعاء مستعملة فى غير الموضوع له فى
مع قرينة مانعة عن إرادة معناها فى ذلك النوع، وقوله: بالنسبة متعلق بالغير، واللام فى الغير
…
===
الجملة وهى ذات الأركان، وكذا يقال فى الصلاة إذا استعملها الشرعى فى الأركان أى إنه يصدق عليها أنها كلمة مستعملة فى غير ما هى موضوعة له بالتحقيق؛ لأنها وضعت بالتحقيق للدعاء أيضا، فهى فى الأركان مستعملة فى غير الموضوع له فى الجملة، ولما كان التعريف بدون ذلك القيد صادقا بما ذكر مع أنه من أفراد الحقيقة احتيج إلى إخراج مثل ذلك، بقوله: بالنسبة إلى نوع حقيقتها؛ وذلك لأن اللغوى إذا استعمل الصلاة فى الدعاء وإن صدق عليه أن الصلاة كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له فى الجملة وهو الأركان، إلا أن تلك المغايرة ليست بالنسبة للمعنى الحقيقى للصلاة عند المستعمل، بل عند غيره وهو الشارع، وأما بالنسبة لذلك المستعمل فالصلاة مستعملة فيما وضعت له لا فى غيره، وكذا يقال فى الشرعى إذا استعمل الصلاة فى الأركان.
وأما كون التعريف غير جامع بدون ذلك القيد فلأنه لولا هذا القيد لخرج مثل لفظ الصلاة إذا استعمله الشرعى فى الدعاء؛ لأنه يصدق أنه كلمة مستعملة فيما هى موضوعة له فى الجملة- أى فى اللغة- ولما زاد هذا القيد دخل ذلك فى التعريف؛ لأنه يصدق على الصلاة حينئذ أنها مشتملة فى غير ما هى موضوعة له، بالنسبة لنوع حقيقتها عند المستعمل، وأما كونها مستعملة فيما هى موضوعة له، فذلك ليس بالنسبة إلى نوع حقيقتها عند المستعمل، بل عند غيره، فظهر لك أن هذا القيد مذكور فى التعريف للإدخال والإخراج.
(قوله: مع قرينة إلخ) خرجت الكناية
(قوله: فى ذلك النوع) أى النوع الحقيقى عند المستعمل، لغويّا كان أو شرعيّا أو من أهل العرف
(قوله: متعلق بالغير) يحتمل وجهين.
أحدهما: أن يكون التعلق على ظاهره، فيكون التقدير هكذا استعمالا فى معنى مغاير للأصل، بالنسبة إلى ذلك النوع من الحقيقة التى عند المستعمل.
ثانيهما: أن يكون التعلق معنويّا بأن يكون المجرور نعتا للغير، فيكون التقدير استعمالا فى غير كائنة مغايرته وحاصلة بالنسبة إلى ذلك النوع، وإلى ما ذكر أشار
للعهد أى: المستعملة فى معنى غير المعنى الذى الكلمة موضوعة له فى اللغة، أو الشرع، أو العرف، غيرا بالنسبة إلى نوع حقيقة تلك الكلمة حتى لو كان نوع حقيقتها لغويّا تكون الكلمة قد استعملت فى غير معناها اللغوى فتكون مجازا لغويّا؛ وعلى هذا القياس، ولما كان قوله: استعمالا فى الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها بمنزلة قولنا: فى اصطلاح به التخاطب مع كون هذا أوضح
…
===
العلامة سم بقوله: قوله: متعلق بالغير أى تعلقا معنويّا أو نحويّا لأنه بمعنى المغاير
(قوله: للعهد) أى والغير المعهود هو غير ما وضعت له، ثم إن الغير المعهود هو ما غاير أفراد الحقيقة، أعنى اللغوية والشرعية والعرفية، ولا نعين واحدا من تلك الأفراد، ولهذا أتى بقوله: بالنسبة إلى نوع حقيقتها، فإذا كانت الكلمة موضوعة فى عرف الشرع لمعنى ثم استعملت فى شىء آخر كانت مجازا شرعيّا، وإن كانت موضوعة فى اللغة لمعنى ثم استعملها اللغوى فى معنى آخر كانت مجازا لغويّا وكذا إذا كانت موضوعة فى العرف لمعنى واستعملها أهل العرف فى غيره كان العرف عامّا أو خاصّا كانت مجازا عرفيّا
(قوله: بالنسبة إلى نوع حقيقة تلك الكلمة) أى بالنسبة إلى نوع كون تلك الكلمة حقيقة
(قوله: حتى لو كان إلخ) أى كما إذا استعمل اللغوى الصلاة فى الأركان فإن حقيقتها عنده الدعاء، فيكون قد استعملها فى غير ما وضعت له من حيث اللغة، فتكون مجازا لغويّا
(قوله: ولما كان هذا القيد) أى قوله: استعمالا فى الغير بالنسبة إلخ، وإن كان محط القيدية قوله بالنسبة إلخ، وأما قوله: استعمالا فى الغير فهو توطئة لذكر القيد، معلوم من قوله: المستعملة فى غير ما وضعت له، وهذا جواب عما يقال: إن السكاكى لم يقل فى اصطلاح به التخاطب فما نقلته عنه تقول عليه، وحاصل ما أجاب به الشارح أن المصنف نقل ذلك عنه بالمعنى، فورد عليه أنه لم لم ينقل عنه اللفظ الصادر منه؟ فأجاب الشارح بأن ما عدل إليه المصنف أوضح وأدل على المقصود.
(قوله بمنزلة قولنا: فى اصطلاح إلخ) وإنما كان بمنزلته لأن معناه أن المجاز هو الكلمة المستعملة فى غير المعنى الذى يقع به التخاطب والاستعمال، بمعنى أن المغايرة إنما هى بالنسبة إلى حقيقة تلك الكلمة عند المستعمل، فإن كانت حقيقتها شرعية وكان
وأدلّ على المقصود، أقامه المصنف مقامه آخذا بالحاصل من كلام السكاكى فقال:(فى غير ما وضعت له بالتحقيق فى اصطلاح به التخاطب مع قرينة مانعة عن إرادته) أى: إرادة معناها فى ذلك الاصطلاح (وأتى) السكاكى (بقيد التحقيق) حيث قال: موضوعة له بالتحقيق (لتدخل) فى تعريف المجاز (الاستعارة) التى هى مجاز لغوى (على ما مرّ) من أنها مستعملة فيما وضعت له بالتأويل، لا بالتحقيق. فلو لم يقيد الوضع بالتحقيق لم تدخل هى فى التعريف؛
…
===
المعنى الذى استعملت فيه غيرا بالنسبة إليه عند المستعمل الذى هو المخاطب بعرف الشرع كان مجازا شرعيّا، وإن كانت حقيقتها لغوية وكان المعنى الذى استعملت فيه غيرا بالنسبة إليه عند المستعمل اللغوى كانت مجازا لغويّا، وهكذا يقال فى المجاز العرفى العام والخاص، ولا شك أن هذا المعنى هو ما أفاده قوله: استعمالا فى الغير، بالنسبة إلى نوع حقيقتها، لما علمت أن إضافة نوع لحقيقتها إضافة بيانية، وأن المعنى بالنسبة إلى حقيقتها من كونها شرعية أو لغوية أو عرفية، وهذا يرجع لقولنا: بالنسبة لما عند المستعمل من كونه لغويّا أو شرعيّا أو عرفيّا، فتأمل.
(قوله وأدل على المقصود) عطف علّة على معلول أو سبب على مسبب، وإنما كان أدل؛ لأن قوله: بالنسبة إلى نوع حقيقتها ربما يتوهم منه أن المراد بنوع حقيقتها نوع مخصوص، أى كونها حقيقة لغوية أو شرعية أو عرفية، مع أن المراد ما هو أعم من ذلك، بخلاف قوله: فى اصطلاح به التخاطب فإنه لا توهم فيه لأن المعنى بشرط أن تكون تلك المغايرة فى الاصطلاح الذى يقع به التخاطب، والاستعمال أعم من أن يكون المستعمل لغويّا أو شرعيّا أو عرفيّا
(قوله: فى اصطلاح إلخ) يجوز تعلقه بغير وتعلقه بوضعت
(قوله: وأتى السكاكى) أى فى تعريف المجاز.
(قوله: لتدخل الاستعارة) أى لأن قوله: فى غير ما وضعت له بالتحقيق، صادق باستعمالها فى غير الموضوعة له أصلا، كما فى المجاز المرسل، وباستعمالها فى الموضوعة له بالتأويل كما فى الاستعارة، فلو لم يزد قيد التحقيق كان المنفى الاستعمال فى مطلق الوضع الصادق بالوضع بالتأويل، فتخرج عن تعريف المجاز فيفسد الحد؛ لأنها لا يصدق
لأنها ليست مستعملة فى غير ما وضعت له بالتأويل. وظاهر عبارة المفتاح هاهنا فاسد لأنه قال: وقولى بالتحقيق احتراز عن ألّا تخرج الاستعارة، وظاهر أن الاحتراز إنما هو عن خروج الاستعارة، لا عن عدم خروجها، فيجب أن تكون لا زائدة، أو يكون المعنى: احتراز لئلا تخرج الاستعارة (ورد) ما ذكره السكاكى
===
عليها أنها كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له، ويصدق عليها أنها كلمة مستعملة فيما وضعت له فى الجملة، فظهر مما قاله السكاكى أن قيد التحقيق لإدخالها
(قوله: لأنها ليست مستعملة فى غير ما وضعت له بالتأويل) أى: بل هى مستعملة فيما وضعت له بالتأويل، فهى مستعملة فيما وضعت له فى الجملة، فمجرد قولنا: فى غير ما وضعت له لا يدخلها
(قوله: احتراز عن ألّا تخرج إلخ) أى فظاهره أن المحترز عنه والمتباعد عنه عدم خروجها، وإذا احترزنا بالقيد عن عدم خروجها كان خروجها من التعريف ثابتا؛ لأن المحترز عنه منفى عن التعريف، وإذا كان المنفى عن التعريف عدم خروجها كان الثابت له خروجها عنه، إذ لا واسطة بين النقيضين، ومن المعلوم أن المطلوب بقيد التحقيق دخولها فى التعريف لا خروجها منه، فقد ظهر فساد ظاهر عبارته.
(قوله: وظاهر) أى من كلامهم
(قوله: إنما هو عن خروج الاستعارة) أى لأنه إذا تحرز وتبوعد عن خروجها من التعريف ثبت دخولها فيه
(قوله: عن عدم خروجها) أى لأنه إذا تحرز عن عدم خروجها من التعريف كان الثابت للتعريف خروجها عنه، كما علمت وهذا خلاف المطلوب
(قوله: فيجب أن تكون لا زائدة) أى على حد قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ (1) إذ المقصود ليعلم أهل الكتاب أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ
(قوله: أو يكون المعنى احتراز لئلا تخرج إلخ) أى فعن فى كلامه للتعليل وعلى هذا فصلة الاحتراز محذوفة، فالمعنى احترازا عن خروج الاستعارة لأجل تحقق عدم خروجها الذى هو دخولها.
(قوله: ورد ما ذكره السكاكى) أى رد مقتضى ما ذكره السكاكى من الاحتياج إلى زيادة قيدى التحقيق، ومن غير تأويل فى الوضع، وحاصله أن السكاكى
(1) الحديد: 29.
(بأن الوضع) وما يشتق منه كالموضوعة- مثلا- (إذا أطلق لا يتناول الوضع بتأويل)؛ لأن السكاكى نفسه
…
===
ادعى أنه إنما زاد فى تعريف المجاز اللغوى قيد بالتحقيق لأجل دخول الاستعارة فيه، وزاد فى تعريف الحقيقة اللغوية قيد من غير تأويل فى الوضع لأجل أن تخرج الاستعارة عنه، ومقتضى هذا أن قيد التحقيق محتاج إليه فى تعريف المجاز، وأنه لو لم يزد ذلك القيد فى تعريفه لخرجت عن الاستعارة مع أنها مجاز لغوى وإن قيد من غير تأويل فى الوضع محتاج إليه فى تعريف الحقيقة وأنه لو لم يزد ذلك القيد فى تعريفها لدخلت فيه الاستعارة، وحاصل الرد على السكاكى: أن ما اقتضاه كلامه من الحاجة إلى زيادة القيدين المذكورين فى التعريفين مردود بأنه لا يحتاج إلى زيادتهما أصلا، وذكرهما محض حشو، ودخول الاستعارة فى تعريف المجاز وخروجها من تعريف الحقيقة لا يتوقف على شىء منها؛ وذلك لأن ذكر الوضع فى التعريفين مطلقا من غير تقييد بتحقيق ولا تأويل كاف فى إخراج الاستعارة من تعريف الحقيقة، وفى إدخالها فى تعريف المجاز؛ لأن الوضع إذا أطلق ولم يقيد بما ذكر لا يتناول الوضع بالتأويل بل ينصرف للفرد الكامل وهو الوضع الحقيقى، وحينئذ فلا يحتاج إلى زيادة التحقيق، لكون المنفى عن التعريف هو الوضع الحقيقى، فيبقى التأويلى وهو الذى للاستعارة، فلا تخرج ولا إلى زيادة قوله: من غير تأويل لأجل خروج الاستعارة عن الحقيقة؛ لأن الاستعارة وإن كانت موضوعة لكن بالتأويل
(قوله: كالموضوعة) أى التى عبر بها السكاكى فى تعريف المجاز (وقوله:
مثلا) أى كالفعل فى قول السكاكى فى تعريف الحقيقة وضعت له
(قوله: إذا أطلق) أى عن التقييد بالتحقيق أو بالتأويل
(قوله: لا يتناول إلخ) أى لا يراد به المعنى الأعم المتناول لكل من التحقيقى والتأويلى، بل يراد به خصوص الفرد الكامل منه وهو التحقيقى (وقوله: الوضع بالتأويل) أى بواسطته والمراد بالتأويل: ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به كما مر.
قد فسر الوضع بتعيين اللفظ بإزاء المعنى بنفسه، وقال: وقولى: بنفسه احتراز عن المجاز المعين بإزاء معناه بقرينة، ولا شك أن دلالة الأسد على الرجل الشجاع إنما هو بالقرينة؛ فحينئذ لا حاجة إلى تقييد الوضع فى تعريف الحقيقة بعدم التأويل، وفى تعريف المجاز بالتحقيق، اللهم إلا أن يقصد زيادة الإيضاح، لا تتميم الحد،
===
(قوله: قد فسر الوضع) أى المطلق
(قوله: بازاء المعنى) أى فى مقابلته
(قوله: بنفسه) أى ليدل عليه بنفسه من غير قرينة
(قوله: بقرينة) أى حالة كون ذلك التعيين ملتبسا بقرينة (وقوله: ولا شك أن دلالة الأسد على الرجل الشجاع) يعنى على وجه الاستعارة،
(قوله: إنما هو بالقرينة) أى: والتأويل، أى وحينئذ فلم يدخل وضع الاستعارة فى الوضع إذا أطلق
(قوله: فحينئذ) أى فحين إذ كان الوضع إذا أطلق لا يتناول الوضع بالتأويل
(قوله: لا حاجة إلى تقييد الوضع فى تعريف الحقيقة بعدم التأويل) أى لإخراج الاستعارة؛ وذلك لأنه لا يقال إن الكلمة مستعملة فيما وضعت له إلا إذا لم يكن هناك تأويل، بأن استعملت فيما وضعت له تحقيقا، فالاستعارة خارجة بقيد الوضع، وقيد عدم التأويل بعده غير محتاج له فى إخراجها
(قوله: وفى تعريف المجاز) أى ولا حاجة لتقييد الوضع فى تعريف المجاز بالتحقيق، يعنى لإدخال الاستعارة فيه؛ وذلك لأنه حيث قيل: كلمة مستعملة فى غير ما هى موضوعة له لا ينصرف لغير الوضع الحقيقى، فيكون الوضع الحقيقى منفيّا، فيبقى التأويلى وهو الذى للاستعارة، وحينئذ فالاستعارة داخلة فى التعريف بقيد الوضع، ولا يحتاج لقيد التحقيق بعده لإدخالها فيه
(قوله: اللهم إلخ) جواب أول من طرف السكاكى بالتسليم، وحاصله أنا لا نسلم أن الوضع إذا أطلق لا يتناول الوضع بالتأويل، بل لا يدل إلا على الوضع بالتحقيق، وأن السكاكى لاحظ ما ذكر لكنه زاد لفظ التحقيق وزاد قوله: من غير تأويل فى الوضع، ليتضح المراد من الوضع كل الاتضاح، بمنزلة أن يقال: جاء الإنسان الناطق بالتصريح بفصله حتى لا يتطرق إليه إمكان حمله على معناه الحقيقى بادعاء قرينة تجوز مثلا، وعلى هذا فقول السكاكى: وقولى بالتحقيق للاحتراز إلخ، معناه لزيادة ظهور الاحتراز الحاصل بالوضع، لا أنه لأصل الاحتراز، وإلا كان ذلك القيد تتميما للحدّ لا لزيادة الإيضاح.
ويمكن الجواب بأن السكاكى لم يقصد أن مطلق الوضع بالمعنى الذى ذكره يتناول الوضع بالتأويل، بل مراده أنه قد عرض للفظ الوضع اشتراك بين المعنى المذكور، وبين الوضع بالتأويل كما فى الاستعارة فقيده بالتحقيق ليكون قرينة على أن المراد بالوضع معناه المذكور، لا المعنى الذى يستعمل فيه أحيانا- وهو الوضع بالتأويل-
===
(قوله: ويمكن الجواب إلخ) هذا جواب ثان من طرف السكاكى بالمنع، وكان اللائق تقديمه على الجواب الأول؛ لأنه بالتسليم، وحاصل هذا الجواب أنا لا نسلم ما قاله المصنف من أن الوضع إذا أطلق لا يتناول الوضع بالتأويل، بل هو متناول له بحسب ما عرض للوضع من غير الاشتراك اللفظى، فأتى السكاكى بالقيد ليكون قرينة على أن المراد بالوضع فى التعريفين الوضع التحقيقى، لا مطلق الوضع الصادق بالتحقيقى والتأويلى، وعبر الشارح بالإمكان لعدم اطّلاعه على مقصود السكاكى. قال" العلامة عبد الحكيم": وفى هذا الجواب نظر إذ لا نسلم عروض الاشتراك للفظ الوضع؛ لأن المتبادر من الوضع عند الإطلاق الوضع التحقيقى، وإنما أطلق على التأويلى وضع تجوزا.
(قوله: لم يقصد أن مطلق الوضع) أى لم يقصد أن الوضع المطلق الذى لم يقيد بقيد
(قوله: بالمعنى) أى المفسر بالمعنى الذى ذكره، وهو تعيين اللفظ بإزاء المعنى بنفسه
(قوله: يتناول الوضع بالتأويل) أى بحيث يكون الوضع المطلق المفسر بما ذكره من قبيل المتواطئ، حتى يعترض عليه بما تقدم من عدم التناول
(قوله: اشتراك) أى لفظى بين الأمرين المذكورين، بحيث إنه وضع لكلّ منهما بوضع على حدة
(قوله: فقيده بالتحقيق) أى فى تعريف المجاز، وقيده بعدم التأويل فى تعريف الحقيقة
(قوله: ليكون قرينة إلخ) أى ليكون قرينة على أن المراد بالوضع- أى الواقع فى التعريف- أحد معنييه وهو الوضع التحقيقى؛ لأن المشترك اللفظى إذا وقع فى التعريف لا بدّ له من قرينة تعين المراد منه، (فقوله: على أن المراد بالوضع) أى الواقع فى التعريف (وقوله: معناه المذكور) أى الذى ذكره السكاكى وهو تعيين اللفظ بإزاء المعنى بنفسه الذى هو الوضع التحقيقى.
(قوله: لا المعنى الذى يستعمل فيه أحيانا) أى بطريق عروض الاشتراك اللفظى، وقد يقال: الواجب عند عدم التقييد إرادة جميع معانى الوضع الشاملة للمعنى المذكور،
وبهذا يخرج الجواب عن سؤال آخر، وهو أن يقال: لو سلم تناول الوضع للوضع بالتأويل فلا تخرج الاستعارة أيضا؛ لأنه يصدق عليها أنها مستعملة فى غير ما وضعت له فى الجملة- أعنى: الوضع بالتحقيق-
…
===
وللمعنى الذى يستعمل فيه أحيانا لا الثانى فقط، وحينئذ فالأولى للشارح أن يقول: لا المعنى الذى يستعمل فيه أحيانا أيضا
(قوله: وبهذا) أى الجواب الثانى الذى هو بالمنع
(قوله: يخرج) أى يحصل الجواب عن سؤال آخر وارد على السكاكى من حيث تعبيره بالتحقيق فى تعريف المجاز، ومعنى خروج جواب السؤال الآخر من هذا الجواب أن يجعل هذا الجواب بعينه جوابا لذلك السؤال الآخر، وحاصل ذلك السؤال الآخر أن يقال: لا نسلم تناول الوضع للوضع بالتأويل حتى يحتاج لتقييده بالتحقيق لأجل دخول الاستعارة، ولو سلم تناوله فلا نسلم خروج الاستعارة من تعريف المجاز، إذ لم يقيد الوضع بالتحقيق، لأن قوله: فى تعريفه هو الكلمة المستعملة فى غير ما هى موضوعة له، لو اقتصر عليه ولم يزد قوله: بالتحقيق لم يتعين أن يراد بالوضع المنفى الوضع بالتأويل، بل يقبل اللفظ أن يحمل على الوضع بالتحقيق فيحمل عليه، ويفيد دخول الاستعارة فى المجاز، نعم تخرج لو خصص الوضع بالتأويل لكنه لا وجه للتخصيص، وحينئذ فلا حاجة للتقييد المذكور، وحاصل الجواب عن ذلك السؤال أن يقال: إن السكاكى لم يرد أن مطلق الوضع يتناول الوضع بالتأويل حتى يقال عليه ما ذكر، بل أراد أن الوضع عرض له الاشتراك بين المذكور الذى هو تعيين اللفظ بإزاء المعنى، ليدل عليه بنفسه، وبين الوضع بالتأويل فقيده بالتحقيق ليكون قرينة على المراد
(قوله: لو سلم تناول الوضع) أى المنفى المذكور فى التعريف
(قوله: للوضع بالتأويل) أى بحيث يجعل الوضع من قبيل المتواطئ
(قوله: فلا تخرج الاستعارة) أى من تعريف المجاز أى على تقدير عدم زيادة القيد الأخير (وقوله: أيضا) أى كما لا تخرج عند زيادة القيد الأخير، أى وحيث كانت غير خارجة عن التعريف على تقدير عدم تناول الوضع للوضع التأويلى، وعلى تقدير تناوله له، فلا حاجة لتقييد الوضع بالتحقيق لأجل دخولها فى تعريف المجاز لدخولها فيه بدون ذلك القيد
(قوله: فى الجملة) أى بالنظر لبعض الأوضاع وهو الوضع
إذ غاية ما فى الباب أن الوضع يتناول الوضع بالتحقيق والتأويل، لكن لا جهة لتخصيصه بالوضع بالتأويل فقط حتى تخرج الاستعارة البتة.
(و) رد أيضا ما ذكره (بأن التقييد باصطلاح التخاطب)
…
===
التحقيقى، لا باعتبار جميع الأوضاع؛ لأنها مستعملة فيما وضعت له باعتبار الوضع التأويلى.
(قوله: إذ غاية ما فى الباب) أى ما فى هذا المقام، وهذا علة للمعلل مع علته
(قوله: لكن لا جهة) أى لا وجه ولا سبب، (وقوله: لتخصيصه) أى الوضع المنفى الواقع فى تعريف المجاز
(قوله: حتى تخرج الاستعارة) أى من تعريف المجاز، وهذا تفريع على تخصيصه بالوضع التأويلى، أى لكن لا وجه لتخصيص الوضع فى تعريف المجاز بالوضع التأويلى، فتخرج الاستعارة من التعريف البتة، فيحتاج للتقييد بالتحقيق لإدخالها فيه، بل الوجه تخصيصه بالتحقيقى، وحينئذ فتدخل الاستعارة فى التعريف ولا يحتاج لذلك القيد لإدخالها، لا يقال: تخصيص الوضع بالتحقيقى لا وجه له أيضا، بل هو تحكم كتخصيصه بالتأويلى؛ لأنا نقول: المرجح لحمل الوضع على التحقيقى وتخصيصه به موجود، وهو كون الوضع إذا أطلق يكون حقيقة فى التحقيقى.
(قوله: ورد أيضا ما ذكره) أى ورد مقتضى ما ذكره السكاكى فى تعريف الحقيقة والمجاز، من جهة تقييد الاستعمال فى تعريف المجاز باصطلاح التخاطب، وعدم تقييد الاستعمال فى تعريف الحقيقة بذلك القيد فإن صنيعة هذا يقتضى الاحتياج لذلك القيد فى تعريف المجاز، وعدم الاحتياج له فى تعريف الحقيقة، وحاصل الرد عليه أن ما اقتضاه هذا الصنيع مردود بل ذلك القيد محتاج إليه فى التعريفين معا؛ وذلك لأن وجه الحاجة إليه فى تعريف المجاز هو أنه لو لم يذكر فيه لكان غير جامع لأنه يخرج عنه نحو لفظ الصلاة إذا استعمله الشرعى فى الدعاء، فإنه يصدق عليه أنه كلمة مستعملة فيما وضعت فى الجملة، أى باعتبار وضع اللغويين واصطلاحهم مع أنها مجاز، وعند ذكر ذلك القيد تدخل فى حد المجاز إذ يصدق عليها أنها كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له باصطلاح التخاطب، وإن كانت مستعملة فيما وضعت له باعتبار اصطلاح آخر مغاير
أو ما يؤدى معناه، كما لا بدّ منه فى تعريف المجاز ليدخل فيه نحو لفظ الصلاة إذا استعمله الشارع فى الدعاء مجازا.
كذلك (لا بدّ منه فى تعريف الحقيقة) أيضا ليخرج عنه نحو هذا اللفظ لأنه مستعمل فيما وضع له فى الجملة وإن لم يكن ما وضع له فى هذا الاصطلاح.
ويمكن الجواب بأن قيد الحيثية
…
===
لاصطلاح التخاطب، ووجه الحاجة إليه فى تعريف الحقيقة هو أنه لو لم يذكر فيه لكان غير مانع؛ لأنه لو لم يذكر ذلك القيد فى التعريف دخل فيه نحو لفظ الصلاة إذا استعمله الشرعى فى الدعاء، فإنه يصدق عليه أنه كلمة مستعملة فى معنى وضعت له فى الجملة مع أنه مجاز، وعند ذكر ذلك القيد يخرج من حد الحقيقة؛ لأنها وإن كانت مستعملة فيما وضعت له فى الجملة أى باعتبار وضع اللغة إلا أنها لم تكن مستعملة فى المعنى الذى وضع له اللفظ فى اصطلاح التخاطب وهو اصطلاح أهل الشرع، فظهر أن قيد فى اصطلاح التخاطب يحتاج إلى التقييد به فى التعريفين، وحينئذ فما اقتضاه صنيع السكاكى من احتياج تعريف المجاز له دون تعريف الحقيقة مردود
(قوله: أو ما يؤدى معناه) أى كالذى عبر به السكاكى.
(قوله: ليخرج عنه نحو هذا اللفظ) أى لفظ الصلاة إذا استعمله الشارع فى الدعاء
(قوله: فى الجملة) أى باعتبار بعض الاصطلاحات وهو اصطلاح اللغويين
(قوله: وإن لم يكن) أى والحال أنه لم يكن مستعملا فى المعنى الذى وضع له فى هذا الاصطلاح أى الشرعى، وحينئذ فهو مجاز، فلولا زيادة ذلك القيد لكان تعريف الحقيقة غير مانع من دخول هذه الصورة فيه.
(قوله: ويمكن الجواب إلخ) حاصله أن السكاكى استغنى عن ذكر قيد اصطلاح التخاطب فى تعريف الحقيقة؛ لأن الحيثية تفيد ما يفيده ذلك القيد والحيثية مرعية عرفا ولو لم تذكر فى تعريف الأمور الاعتبارية، وهى التى يكون مدلولها واحدا، وإنما اختلفت فيه بالاعتبار، ولا شك أن الحقيقة والمجاز والكناية من ذلك القبيل، فإن مدلول الثلاثة الكلمة المستعملة وإنما اختلفت بالاعتبار، فإذا قيل: المجاز هو الكلمة المستعملة فى
مراد فى تعريف الأمور التى تختلف باختلاف الاعتبارات والإضافات، ولا يخفى أن الحقيقة والمجاز
…
===
غير ما وضعت له فقط كان المراد هو الكلمة من تلك الحيثية وهى كونها مستعملة فى غير الموضوع له فقط، وهى بذلك الاعتبار تخالف نفسها باعتبار آخر، وإذا قيل:
الحقيقة هى الكلمة المستعملة فيما وضعت له، كان المراد أن الحقيقة هى الكلمة من تلك الحيثية، وهى كونها مستعملة فى الموضوع له فقط، وهى بذلك الاعتبار تكون غير المجاز والكناية، وإن كان الجميع شيئا واحدا فى نفسه، وإذا قيل: الكناية هى الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له مع جواز إرادة المعنى الموضوع له، كان المراد أن الكناية هى الكلمة من تلك الحيثية، أى كونها مستعملة فى الغير مع صحة إرادة الموضوع له، وهى بهذا الاعتبار تخالف نفسها حالة كونها موصوفة بغير معنى الكناية.
وإذا علمت أن قيد الحيثية مرعى فى تعريف الأمور الاعتبارية، وأن الحقيقة والمجاز من ذلك القبيل، تعلم أن قول السكاكى فى تعريف الحقيقة هى الكلمة المستعملة فيما وضعت له مفيد للمراد من غير حاجة لزيادة قيد اصطلاح التخاطب، إذ مفاده حينئذ أنها هى الكلمة المستعملة فيما وضعت له من حيث إنها وضعت له، فإن قلت:
هلا اكتفى بقيد الحيثية بالنسبة للمجاز أيضا، قلت: الأصل ذكر القيد، وأيضا إذا اعتبرت الحيثية فى تعريفه يصير المعنى أن المجاز الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له، من حيث إنه غير ما وضعت له، واستعمال المجاز فى غير الموضوع له ليس من حيث إنه غير الموضوع له بل من حيث إن بينه وبين الموضوع له نوع وعلاقة.
(قوله: مراد فى تعريف الأمور التى تختلف إلخ) احترز بذلك عن الماهيات الحقيقية التى تختلف بالفصول، وهى الأمور المتباينة التى لا تجتمع فى شىء كالإنسان والفرس، فليس قيد الحيثية معتبرا فى تعريفها، إذ لا التباس فيها لعدم اجتماعها، فإذا عرفت الإنسان بالحيوان الناطق، والفرس بالحيوان الصاهل، لم يحتج إلى أن يراعى فى الإنسان من حيث إنه ناطق لإخراج الإنسان الذى هو فرس من حيث إنه صاهل، ولا أن يراعى فى الفرس من حيث إنه صاهل، إذ لا التباس بين الصاهل والناطق فى الماصدق
(قوله: والإضافات)
كذلك؛ لأن الكلمة الواحدة بالنسبة إلى المعنى الواحد قد تكون حقيقة، وقد تكون مجازا بحسب وضعين مختلفين، فالمراد أن الحقيقة هى الكلمة المستعملة فيما هى موضوعة له من حيث إنها موضوعة له، لا سيما أن تعليق الحكم بالوصف مفيد لهذا المعنى، كما يقال: الجواد لا يخيب سائله- أى: من حيث إنه جواد- وحينئذ يخرج عن التعريف مثل لفظ الصلاة المستعملة فى عرف الشرع فى الدعاء؛ لأن استعماله فى الدعاء ليس من حيث إنه موضوع للدعاء،
…
===
عطف مرادف
(قوله: كذلك) أى مختلفان بالإضافة والاعتبار
(قوله: لأن الكلمة الواحدة) أى كلفظ صلاة (وقوله: بالنسبة إلى المعنى الواحد) أى كالدعاء، (وقوله: قد تكون حقيقة) أى باعتبار وضع اللغة، (وقوله: وقد تكون مجازا) أى باعتبار وضع الشرع، وكذلك لفظ صلاة بالنسبة للأفعال المخصوصة فإنه حقيقة باعتبار وضع الشرع ومجاز باعتبار وضع اللغة.
(قوله: فالمراد إلخ) هذا تفريع على ما مر من أن قيد الحيثية مراد فى تعريف الأمور الاعتبارية، وأن الحقيقة والمجاز منها، أى وإذا علمت ذلك فمراد السكاكى أن الحقيقة إلخ
(قوله: لا سيما أن تعليق الحكم بالوصف) المراد بالحكم الاستعمال المأخوذ من مستعمله، والمراد بالوصف الوضع المأخوذ من قوله: وضعت وقوله: لهذا المعنى أى المراد المشار له بقوله: فالمراد إلخ وهذا تأييد لما ذكره من أن مراد السكاكى ما ذكر من اعتبار الحيثية، فكأنه قال: ويؤيد ما ذكر من أن مراد السكاكى أن الحقيقة هى الكلمة المستعملة فيما وضعت له من حيث إنها وضعت له، أنه علق الاستعمال بما يشعر بكونه علّة له وهو الوضع؛ لأن الوضع يناسب الاستعمال، ضرورة أن اللفظ إنما يوضع لمعنى ليستعمل فيه، وتعليق الحكم على وصف مناسب يشعر بعليته.
(قوله: لا يخيب سائله) هو بالرفع فاعل يخيب محققا أى أن سائله لا يرد خائبا من غير عطية، أو أنه بالنصب مفعول يخيب مشدد أى لا يرد سائله خائبا فقد علق الحكم وهو عدم الرد خائبا على الوصف وهو جواد، فيشعر بأن العلة فى ذلك الحكم كونه جوادا لا كونه إنسانا، وإلا فهو من هذه الحيثية قد يخيب سائله لعروض البخل
بل من حيث إن الدعاء جزء من الموضوع له، وقد يجاب بأن قيد [اصطلاح التخاطب] مراد فى تعريف الحقيقة لكنه اكتفى بذكره فى تعريف المجاز لكون البحث عن الحقيقة غير مقصود بالذات فى هذا الفن، وبأن اللام فى الوضع للعهد- أى: الوضع الذى وقع به التخاطب- فلا حاجة إلى هذا القيد
…
===
بعد مفارقة الوصف، فتسليم القضية إنما هو باعتبار الوصف
(قوله: بل من حيث إن الدعاء جزء من الموضوع له) أى وهى الهيئة المجتمعة من الأقوال والأفعال أى وإذا كان استعمال الصلاة فى الدعاء ليس من حيث إنها موضوعة له، بل من حيث إن الدعاء جزء من المعنى الذى وضعت له فتكون مجازا.
بقى شىء آخر وهو أن رعاية الحيثية فى التعريف إحالة على أمر خفى، فإنه بعد تسليم أنه أمر عرفى يراعى ولو لم يذكر يكون خفيّا إلا على الخواص أهل العرف، والمطلوب فى التعريف البيان البليغ فيجب ذكر الحيثية فى الحد وإلا كان معيبا بالإحالة المذكورة وقد يجاب بأن الأمر وإن كان كذلك، لكن الكلام مع من له دخل فى العرف، وأيضا هذا نهاية ما يمكن من الاعتذار، ولذا قال الشارح، ويمكن الجواب ولم يقل هذا الجواب جزما. قاله اليعقوبى
(قوله: وقد يجاب) أى بجواب ثان وحاصله أن هذا القيد وهو فى اصطلاح التخاطب وإن كان متروكا فى تعريف الحقيقة إلا أنه مراد للسكاكى، فهو محذوف من تعريفها لدلالة القيد المذكور فى تعريف المجاز عليه (قوله لكنه) جواب عما يقال: حيث اكتفى بذكر القيد فى أحد التعريفين لدلالته على اعتباره فى الآخر فهلا عكس وذكره فى تعريف الحقيقة وحذفه من تعريف المجاز، لدلالة ذكره فى تعريف الحقيقة على اعتباره فى تعريف المجاز.
(قوله: وبأن اللام إلخ) عطف على قوله: بأن قيد فى
(قوله: فى فرق بين الشارح والمتن) اصطلاح التخاطب مراد إلخ فهو جواب ثالث، وحاصله أن اللام فى قوله: فى تعريف الحقيقة من غير تأويل فى الوضع لام العهد، والمعهود هو الوضع الذى وقع بسببه التخاطب، والوضع الذى وقع بسببه التخاطب هو الوضع المصطلح عليه عند المخاطب، وحينئذ فلا حاجة لزيادة قيد فى اصطلاح التخاطب فى تعريف الحقيقة.
وفى كليهما نظر.
واعترض أيضا على تعريف المجاز بأنه يتناول الغلط؛ لأن الفرس فى: خذ هذا الفرس- مشيرا إلى كتاب بين يديه- مستعمل فى غير ما وضع له، والإشارة إلى الكتاب قرينة على أنه لم يرد بالفرس معناه الحقيقى.
===
(قوله: وفى كليهما نظر) أى فى كل من الجوابين الأخيرين وهما المتعاطفان نظر، أما النظر فى الأول: فهو أن التعريفان يجب أن يكون كل واحد منها مستقلا منقطعا عن غيره، فلا دلالة لغيره على ما حذف منه، لكمال العناية فيها ببيان الماهية، فلا يجوز أن يترك قيد من تعريف ويتكل فى فهمه على ما فى تعريف آخر، وأما النظر فى الثانى فحاصله: أن المعهود هو الوضع المدلول لقوله، فيما وضعت له، ولا شك أنه يدل على مطلق الوضع؛ لأن الاستعمال إنما يفتقر لمطلق الوضع الذى هو أعم من الوضع الذى روعى فى اصطلاح التخاطب ومن غيره، فإذا كان ذلك هو المعهود وهو أعم فلا إشعار له بالأخص، الذى هو الوضع المرعى فى اصطلاح التخاطب، فلا يخرج به ما ذكر، إذ معنى الكلام حينئذ أن الحقيقة هى الكلمة المستعملة فى مطلق ما وضعت له من غير تأويل فى ذلك الوضع المطلق، ولا شك أن الصلاة إذا استعملت فى عرف الشرع فى الدعاء صدق عليها أنها كلمة استعملت فى مطلق ما وضعت له وهو اللغة، من غير تأويل فى ذلك الوضع المطلق الصادق باللغوى فى الحالة الراهنة، فالعهدية التى وجدت فى التعريف ليس فيها عهدية الوضع المعتبر فى التخاطب، فلا بد من التصريح بها وإلا فالكلام على أصله فيبقى البحث. اه يعقوبى.
(قوله: واعترض أيضا إلخ) المعترض هو المصنف فى الإيضاح، فقد اعترض فيه على تعريف السكاكى للمجاز بأنه غير مانع؛ لأنه يتناول الغلط فكان على السكاكى أن يزيد بعد قوله: مع قرينة مانعة عن إرادته على وجه يصح بأن تكون القرينة ملاحظة لأجل إخراج ذلك، وأجيب عنه بأن قوله: مع قرينة على حذف مضاف أى مع نصب قرينة، ولا شك أن نصب المتكلم قرينة يستدعى اختياره فى المنصوب والشعور به، لأن النصب فعل اختيارى مسبوق بالقصد والإرادة، وذلك مفقود فى الغلط لأن الغالط لا
(وقسم) السكاكى (المجاز اللغوى) الراجع إلى معنى الكلمة المتضمن للفائدة
…
===
يقصد نصب قرينة تدل على عدم إرادته معنى الفرس مثلا، نعم إن كان المعنى مع وجود قرينة مانعة دخل الغلط قطعا فى تعريف المجاز واعلم أن الاعتراض بتناول تعريف المجاز للغلط إنما يراد إن كان المراد بالغلط سبق اللسان؛ لأن الغالط حينئذ قد استعمل لفظ الفرس فى الكتاب وإن كان المراد به الخطأ فى الاعتقاد فلا يرد بناء على أن اللفظ موضوع للمعنى الذهنى؛ لأن الغالط إنما أطلق الفرس على معناه. قاله سم.
(قوله: وقسم المجاز إلى آخر قوله: وعد التمثيل منها) القصد من نقل هذا التقسيم قوله بعد: وعد التمثيل منها؛ لأنه محط الاعتراض عليه وما قبله كله تمهيد له، واحترز بقوله: اللغوى من العقلى وبقوله: الراجع إلى معنى الكلمة من الراجع إلى حكمها، كما فى قوله تعالى وَجاءَ رَبُّكَ (1) فالأصل وجاء أمر ربك، فالحكم الأصلى فى الكلام لقوله ربك هو الجر وأما الرفع فمجاز، ومدار المجاز الراجع لحكم الكلمة على اكتساء اللفظ حركة لأجل حذف كلمة لا بد من معناها، أو لأجل إثبات كلمة مستغنى عنها استغناء واضحا، كالكاف فى قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (2)
(قوله: المتضمن للفائدة) بالنصب نعت للمجاز اللغوى بأن استعملت الكلمة فى المعنى غير ما وضعت له، فتلك الكلمة التى هى مجاز فهم منها فائدة وهى المعنى المستعملة فيه واحترز بذلك عن اللفظ الدالّ على المقيد إذا استعمل فى المطلق ك مرسن فإنه أنف البعير يستعمل فى أنف الإنسان من حيث إنه مطلق أنف لا من حيث تشبيهه به فى الانبطاح، فإنه مجاز لم يتضمن فائدة لأن المعنى الأصلى للكلمة موجود فى ضمن المعنى الذى استعملت فيه الآن.
قال العلامة اليعقوبى: وفيه نظر لأنه إن عنى فائدة مخصوصة كالمبالغة فى التشبيه عند اقتضاء المقام إياه كما فى الاستعارة، وكإطلاق اسم الجزء على الكل حيث أريد
(1) الفجر: 22.
(2)
الشورى: 11.
(إلى الاستعارة وغيرها) بأنه إن تضمن المبالغة فى التشبيه فاستعارة، وإلا فغير استعارة.
(وعرف الاستعارة بأن تذكر أحد طرفى التشبيه وتريد به) أى: بالطرف المذكور (الآخر) أى: الطرف المتروك
…
===
إقامته فى مقامه للإشعار بأن لذلك الجزء خصوصية الكل وأنه لا يتم إلا به، كالعين يطلق مجازا مرسلا على الربيئة فهو مسلم ولا يفيد نفى مطلق الفائدة حتى يكون قسيما لكل ما يفيد هاتين الفائدتين أو غيرهما، وإن أريد أنه لا فائدة فيه أصلا لم يسلم فإن المجاز مطلقا لا يخلو عن فائدة، ولو كانت تلك الفائدة هى أن دلالته على معناه كدعوى الشىء بالدليل المقيد للتقرر فى الذهن، حيث تضمن ملاحظة الأصل، إذ بذلك يحصل مع القرينة والعلاقة الانتقال منه إلى لازمه. اه
(قوله: إلى الاستعارة) أى إلى مطلق الاستعارة أعم من التصريحية والمكنية
(قوله: بأنه) أى بسبب أنه أى المجاز اللغوى المتضمن لفائدة (إن تضمن المبالغة فى التشبيه) كالأسد يستعمل فى الرجل الشجاع فهو استعارة، وإن لم يتضمنها ولكن فيه فائدة أخرى كما تقدم فى إطلاق العين على الربيئة فإنه يشعر بأن العين الذى هو العضو المعلوم جزؤه وأن الكل الذى هو الربيئة لا يتم إلا به فهو غير استعارة، بل هو مجاز مرسل، فالمجاز المرسل عنده ما تضمن فائدة غير المبالغة فى التشبيه، وأما اسم المقيد المستعمل فى المطلق، فهو قسم خارج عن المجاز المرسل عنده، يسميه المجاز الخالى عن الفائدة.
(قوله: وعرف الاستعارة) أى التى هى أحد قسمى المجاز اللغوى المتضمن للفائدة
(قوله: بأن تذكر أحد طرفى التشبيه) لا يخفى أن أحد طرفى التشبيه فى الحقيقة هو المعنى، وأن الموصوف بالذكر حقيقة هو اللفظ، وحينئذ فيجب أن يجعل فى الكلام حذف مضاف أى: بأن تذكر اسم أحد طرفى التشبيه، ولا يقال: إن المراد أن تذكر أحد الطرفين بواسطة ذكر لفظه؛ لأن هذا يقتضى أن المراد به معناه وليس كذلك بل المراد الطرف الآخر
(قوله: أى بالطرف المذكور) أى باسم الطرف المذكور (وقوله: أى الطرف المتروك) أى المتروك اسمه، وحاصله: أن تذكر اسم أحد طرف التشبيه وتريد باسم ذلك
(مدّعيا دخول المشبه فى جنس المشبه به) كما تقول: فى الحمام أسد- وأنت تريد به الرجل الشجاع- مدعيا أنه من جنس الأسد؛ فتثبت له ما يخص المشبه به، وهو اسم جنسه.
وكما تقول: أنشبت المنية أظفارها- وأنت تريد بالمنية السبع- بادّعاء السبعية لها، فتثبت لها ما يخص السبع المشبه به- وهو الأظفار-
…
===
الطرف المذكور الطرف الآخر المتروك اسمه، وكذا يقال فى قوله الآتى: وعنى بالمصرح بها أن يكون الطرف المذكور هو المشبه به أى الطرف المذكور اسمه هو المشبه به.
ومقتضى قوله: (بأن تذكر إلخ) أن مسمى الاستعارة نفس الذكر، وهو يوافق ما مر من أن الاستعارة تطلق على استعمال الكلمة فى غير ما وضعت له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة عن إرادة معناها الأصلى، لكنه غير مناسب لكون الاستعارة قسما من أقسام المجاز، فيكون لفظا لأن المجاز لفظ
(قوله: مدعيا) حال من فاعل تذكر أى أن تذكر اسم أحد الطرفين وتريد به الطرف الآخر حالة كونك مدّعيا دخول المشبه فى جنس ذلك المشبه به أى فى حقيقته، وبتلك الدعوى صح إطلاق اسم المشبه به على المشبه فى المصرحة، وصح إطلاق اسم المشبه على المشبه به فى المكنية؛ لاشتراكهما فى الجنس بالدعوى
(قوله: كما تقول إلخ) لما كان قوله: أن تذكر اسم أحد طرفى التشبيه وتريد به الآخر يشمل ما إذا ذكر اسم المشبه به وأريد به المشبه كما فى المصرحة، ويشمل ما إذا ذكر اسم المشبه وأريد به المشبه به كما فى المكنية عنده، مثل الشارح بمثالين الأول للأول والثانى للثانى
(قوله: فتثبت له ما يخص المشبه به) أى فلما ادعيت دخول المشبه وهو الرجل الشجاع فى جنس المشبه به وهو الأسد أثبت له ما يخص المشبه به وهو اسم جنسه، أى اسم حقيقته الذى هو لفظ الأسد، فإنه اسم لجنسه وحقيقته الذى هو الحيوان المفترس.
(قوله: وكما نقول: أنشبت المنية إلخ) فأنت لم ترد بالمنية التى هى اسم المشبه معناها الحقيقى الذى هو الموت المجرد عن السبعية الادعائية، بل أردت بها معنى السبع الذى هو المشبه به، لكن لم ترد بها السبع الحقيقى بل السبع الادعائى وهو الموت الذى
ويسمى المشبه به- سواء كان هو المذكور أو المتروك- مستعارا منه، ويسمى اسم المشبه به مستعارا، ويسمى المشبه مستعارا له.
===
ادعيت سبعيته، ولما أطلق لفظ المنية على السبع الادعائى- وهو الموت المدعى له السبعية- أثبت لها ما يخص السبع المشبه به وهو الأظفار، هذا حاصل كلامه. وأنت خبير بأن هذا لا يلائمه قول المصنف: وتريد به الآخر؛ لأنه لم يرد بالمنية هنا الطرف الآخر الذى هو السبع الحقيقى، إلا أن يقال: إن قول السكاكى: أن تذكر أحد الطرفين وتريد الآخر معناه وتريد الآخر حقيقة أو ادّعاء.
وحاصل تقرير الاستعارة بالكناية فى أنشبت المنية أظفارها بفلان على مذهب السكاكى، أن تقول: شبهت المنية وهى الموت بالسبع وادعينا أنها فرد من أفراده، وأن له فردين الفرد المعلوم وهو السبع الحقيقى أعنى الحيوان المفترس، والفرد الادعائى وهو الموت المدعى سبعيته، ثم أطلقنا لفظ المنية على السبع الادعائى، ولما أطلقناه عليه أثبتنا له ما يخص السبع وهو الأظفار
(قوله: ويسمى) بالبناء للفاعل، وفاعله ضمير عائد على السكاكى وكذا يقال فيما بعد
(قوله: سواء كان هو المذكور) أى كما فى المثال الأول (وقوله: أو المتروك) أى كما فى المثال الثانى والمراد سواء كان مذكورا اسمه أو متروكا اسمه كما علمت
(قوله: ويسمى اسم المشبه به مستعارا) أى سواء كان اسم المشبه به هو المذكور كما فى المثال الأول أو المتروك كما فى المثال الثانى، ومعنى كونه مستعارا مع أنه متروك أنه يستحق الاستعارة اللفظية، لكنها تركت مكنيا عنها بلوازم المشبه به، هذا كلام السكاكى، وهو دالّ على أن المستعار فى قولنا، أظفار المنية نشبت بفلان هو لفظ السبع والمستعار له المنية، وسيأتى له ما يخالف ذلك وهو أن المستعار فى الاستعارة بالكناية هو لفظ المنية المعبر به عن الأسد الادعائى، وهو مقتضى قوله: أولا أن تذكر اسم أحد الطرفين وتريد به الآخر؛ وذلك لأنه فسر الاستعارة بالذكر ومتعلق الذكر هو المستعار، فعلمت مما ذكر أن فى كلام السكاكى بالنسبة للاستعارة بالكناية تناقضا؛ لأن كلامه فى بعض المواضع يفيد أن الاستعارة بالكناية لفظ المشبه به المتروك، وفى بعض المواضع يفيد أنها لفظ المشبه المذكور.
(وقسمها) أى: الاستعارة (إلى المصرح بها، والمكنى عنها. وعنى بالمصرح بها أن يكون) الطرف (المذكور) من طرفى التشبيه (هو المشبه به، وجعل منها) أى: من الاستعارة المصرح بها (تحقيقية، وتخييلية) وإنما لم يقل: وقسمها إليهما؛ لأن المتبادر
…
===
(قوله: وقسمها إلى المصرح بها والمكنى عنها) يستفاد منه أنهما لا يجتمعان، وهو كذلك من حيث المفهوم، وأما من حيث الصدق فى مادة فقد يجتمعان، كما فى قوله تعالى: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ (1) فقد اجتمع الاستعارتان فى لباس، فإنه شبه ما غشى الإنسان عند الجوع من أثر الضرر كالنحول والاصفرار من حيث الاشتمال باللباس واستعير له اسمه، ومن حيث الكراهة بالطعم المر البشع، فتكون استعارة مصرحة نظرا للأول ومكنية نظرا للثانى، وتكون الإذاقة تخييلا
(قوله: أن يكون الطرف المذكور) أى المذكور اسمه هو المشبه به، أى وعنى بالمكنى عنها أن يكون الطرف المذكور اسمه هو المشبه، ولا يخفى ما فى كلامه من التسامح؛ لأن كون الطرف المذكور اسمه مشبها أو مشبها به ليس هو المصرح بها أو المكنى عنها؛ لأن المصرح بها والمكنى عنها هو اللفظ لا الكون المذكور.
(قوله: وجعل منها أى من الاستعارة المصرح بها تحقيقية وتخييلية) أى: ولم يجعل مثل ذلك فى المكنية، ولعل ذلك أن المشبه به فى التحقيقية لا يكون إلا ثابتا فى الحس أو العقل، والمشبه به فى التخييلية لم يكن ثابتا إلا فى الوهم، والمكنية عند السكاكى لا يكون المشبه به فيها إلا تخييليا، كالسبع الادعائى فى أنشبت المنية أظفارها بفلان، فإن المشبه عنده المنية، والمشبه به السبع الادعائى، وهو الموت المدعى سبعيته، فلما كان المشبه به فيها عنده لا يكون إلا تخييليا امتنع تقسيمها للتحقيقية والتخييلية، وأما على رأى المصنف فى المكنية فامتناع تقسيمها إليهما ظاهر (قوله وإنما لم يقل) أى المصنف (وقسمها إليهما) المشعر بانحصارها فى القسمين، بل عدل إلى قوله: جعل منها كذا وكذا، المشعر ببقاء شىء آخر وراء التحقيقية والتخييلية (لأن المتبادر إلخ)
(قوله: لأن المتبادر
(1) النحل: 112.
إلى الفهم من التحقيقية، والتخييلية ما يكون على الجزم؛ وهو قد ذكر قسما آخر سماه: المحتملة للتحقيق والتخييل؛ كما ذكر فى بيت زهير.
===
إلى الفهم من التحقيقية إلخ) أى من إطلاق لفظ التحقيقية وإطلاق لفظ التخييلية (وقوله: ما يكون على الجزم) أى ما يكون استعارة تحقيقية جزما وما يكون استعارة تخييلية جزما لا على سبيل الاحتمال، وإنما كان المتبادر إلى الفهم ما ذكر؛ لأن الأصل إطلاق اللفظ على ما يوجد فيه معناه، فتكون تسميته به جزما، وإطلاقه على ما يحتمل أن يوجد فيه معناه، فتكون التسمية به احتمالا خلاف المتبادر
(قوله: وهو قد ذكر) أى السكاكى، أى والحال أنه قد ذكر للمصرحة قسما آخر.
(قوله: كما ذكر فى بيت زهير) أى وهو قوله سابقا:
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله
…
وعرّى أفراس الصّبا ورواحله (1)
فقد وجه فيه وجهين كما تقدم أحدهما: أن يكون شبه الصبا بالجهة المقضى منها الوطر، وأضمر التشبيه فى النفس استعارة بالكناية، وعليه تكون الأفراس والرواحل تخييلا قرينة للمكنية.
والآخر: أن يكون شبه أسباب استيفاء اللذة أو أن الصبا بالأفراس والرواحل، فتكون الأفراس والرواحل تحقيقية، وذكر الصبا على هذا تجريد، والحاصل أنه لو قال المصنف: وقسمها إلى التحقيقية والتخييلية لاقتضى أن السكاكى حصرها فى القسمين وهو لا يصح؛ لأنه ذكر للمصرحة قسما آخر وهى المحتملة للتحقيقية والتخييلية، فلهذا عدل عن قوله: وقسمها إلى قسمين وجعل منها إلخ، المقتضى أن ثم قسما آخر وهو قسم الاحتمال، ولا يقال قسم الاحتمال داخل فى التحقيقية والتخييلية، لأنا إذا قلنا المصرحة تنقسم للتحقيقية والتخييلية، فمعناه للتحقيقية جزما أو احتمالا، وللتخييلية جزما أو احتمالا، لأنا نقول المتبادر من إطلاق لفظ التحقيق والتخييل ما يكون كذلك جزما لا احتمالا كما تقدم، وقد يقال: إن هذا التقسيم- أعنى قولنا هذه الاستعارة مجزوم بتحقيقيتها وهذه الاستعارة مجزوم بتخييليتها وهذه محتملة للتحقيقية والتخييلية-
(1) البيت من قصيدة لزهير فى ديوانه ص 55.
(وفسر التحقيقية بما مر) أى: بما يكون المشبه المتروك متحققا حسا، أو عقلا.
(وعد التمثيل) على سبيل الاستعارة؛ كما مر فى قولك: أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى.
(منها) أى: من التحقيقية مع القطع، قال: ومن الأمثلة استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف صورة أخرى
…
===
تقسيم فى الأمثلة، وليس كلامنا فى تقسيم الأمثلة إلى ما يجزم بأن الاستعارة فيه تحقيقية أو تخييلية أو محتملة، وإنما كلامنا فى تقسيم مفهوم الاستعارة المصرحة، ولا شك أنه منحصر فى نوعى التحقيقية والتخييلية، والمثال المحتمل غير خارج عن النوعين فتأمل (قوله أى بما يكون إلخ) لا يخفى ما فى هذا الكلام من المسامحة، لأن الاستعارة التحقيقية ليست كون المشبه المتروك متحققا حسا أو عقلا ولم يتقدم له هذا أصلا، فكان الأولى أن يقول: أى لفظ المشبه به المنقول للمشبه المتروك لفظه المتحقق حسا أو عقلا، والأول كلفظ أسد المنقول للرجل الشجاع فى قولك: رأيت أسدا فى الحمام، والثانى كلفظ الصراط المستقيم المنقول للدين القيم بمعنى الأحكام الشرعية فى قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (1)(قوله وعد التمثيل) أى الاستعارة التمثيلية، وتقدم أنها تسمى التمثيل على سبيل الاستعارة، وتسمى تمثيلا مطلقا، فحينئذ فلا حاجة لتقدير الشارح
(قوله: على سبيل الاستعارة) قاله فى الأطول.
وقد يقال قصد الشارح بزيادته على سبيل الاستعارة الإيضاح بذكر الاسم الأعرف
(قوله: أى من التحقيقية) أى التى هى قسم من أقسام المجاز المفرد، ولذا جاء الاعتراض الآتى
(قوله: مع القطع) أى لا التحقيقية مع الاحتمال (قوله ومن الأمثلة) أى ومن أمثلة التحقيقية على القطع، وهذا مقول القول
(قوله: التحقيقية مع القطع) صفة للاستعارة.
(قوله: استعارة وصف إحدى صورتين منتزعتين من أمور لوصف صورة أخرى) فيه بحث؛ لأن المستعار أبدا هو اللفظ الدال على الصورة المشبه بها لا وصفها
(1) الفاتحة: 6.
(ورد) ذلك (بأنه) أى: التمثيل (مستلزم للتركيب المنافى للإفراد) فلا يصح عده من الاستعارة التى هى من أقسام المجاز المفرد؛ لأن تنافى اللوازم يدل على تنافى الملزومات،
…
===
كما يدل عليه ظاهر العبارة، فإن تأول ذلك بأن المراد بالوصف اللفظ بناء على أن اللفظ كوصف يكتسبه المعنى فلا يتأتى هذا التأويل فى قوله: لوصف صورة أخرى؛ لأن المستعار له نفس المشبه لا لفظه، اللهم إلا أن يقدر مضاف وهو بيان، فكأنه قال: ومن الأمثلة استعارة لفظ إحدى صورتين منتزعتين من أمور لبيان الصورة الأخرى، فتكون اللام فى قوله: لوصف صورة أخرى، للغرض لا صلة لاستعارة اه فنرى.
أو يقال: المراد بالوصف الهيئة وتكون إضافته لما بعده بيانية، ويجعل فى الكلام مضاف محذوف، والمعنى استعارة دال هيئة هى إحدى هيئتين منتزعتين من عدة أمور بهيئة هى الهيئة الأخرى فتأمل.
هذا وكان الأولى للسكاكى أن يقول: لوصف الصورة، الأخرى بالتعريف؛ لأن التنكير يوهم أن المستعار له غير إحدى الصورتين المنتزعتين والفرض أن لفظ أحدهما استعير للأخرى لا لغيرها، كما تقدم فى استعارة اللفظ الدال على حالة الذى يريد الذهاب فيقدم رجلا ثم يريد الرجوع فيؤخرها، وذلك اللفظ هو: أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، لبيان حالة المتردد بين فعل الأمر وتركه، ومعنى بيانها الدلالة عليها، وقد تقدم أن تلك الحالة فى الطرفين انتزعت من متعدد وذلك ظاهر.
(قوله: ورد ذلك) أى عد التمثيل من الاستعارة التحقيقية التى هى قسم من المجاز المفرد
(قوله: مستلزم للتركيب) أى لأن التمثيل كما تقدم أن ينقل اللفظ المركب من حالة تركيبية وضع لها إلى حالة أخرى
(قوله: المنافى للإفراد) أى الذى هو لازم للاستعارة التحقيقية، وذلك لأن الاستعارة من أقسام المجاز المفرد فهى مستلزمة للإفراد، إذ هو وصف غير مفارق لها كما أن التركيب وصف لازم للتمثيل لا يفارقه
(قوله: فلا يصح إلخ) أى وإذا كان التركيب الذى هو لازم التمثيل منافيا للإفراد اللازم للاستعارة فلا يصح إلخ
(قوله: لأن تنافى اللوازم) أى كالإفراد والتركيب (وقوله: يدل على تنافى
وإلا لزم اجتماع المتنافيين ضرورة وجود اللازم عن وجود الملزوم. والجواب: أنه عد التمثيل قسما من مطلق الاستعارة التصريحية التحقيقية، لا من الاستعارة التى هى مجاز مفرد. وقسمة المجاز المفرد إلى الاستعارة وغيرها لا توجب كون كل استعارة مجازا مفردا؛ كقولنا: الأبيض إما حيوان، أو غيره، والحيوان قد يكون أبيض، وقد لا يكون.
===
الملزومات) أى كالتمثيل والاستعارة التحقيقية، فلا يجتمعان فى شىء واحد، بأن يكون استعارة تحقيقية وتمثيلا، فوجب أن التمثيل لا يكون استعارة تحقيقية
(قوله: وإلا لزم إلخ) أى: وإلا يدل تنافى اللوازم على تنافى الملزومات، بأن كان يمكن اجتماع الملزومات مع تنافى اللوازم لزم اجتماع اللازمين المتنافيين كالإفراد والتركيب، ضرورة وجود كل لازم عند وجود ملزومه، واجتماع اللازمين المتنافيين- كالإفراد والتركيب- محال بالبداهة لأدائه؛ لاجتماع النقيضين وهو إفراد ولا إفراد وتركيب ولا تركيب.
(قوله: والجواب إلخ) هذا شروع فى أجوبة خمسة أتى بها الشارح انتصارا للسكاكى.
وحاصل الأول: أن السكاكى عد التمثيل قسما من مطلق الاستعارة التصريحية التحقيقية الشاملة للإفرادية والتركيبية، ولا شك أن مطلق الاستعارة التحقيقية يكون تمثيلا مستلزما للتركيب، ولم يعد التمثيلية من الاستعارة التحقيقية الإفرادية حتى يرد البحث
(قوله: وقسمة المجاز المفرد إلخ) جواب عما يقال: السكاكى قد قسم المجاز المتضمن للفائدة كما مر إلى استعارة وغيرها بعد أن سماه لغويا، وعرف اللغوى كما تقدم بأنه الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له، فلزم أن يكون المتضمن للفائدة قسما من المفرد، وإذا كانت الاستعارة قسما من المتضمن لزم أن تكون مفردة، لأن قسم الشىء أخص منه، ولازم الأعم لازم للأخص، وإذا كانت الاستعارة يلزم أن تكون مفردة فيلزم على عد التمثيل منها كون المركب مفردا وهو باطل، فلا يصح دفع البحث بما ذكر من الجواب
(قوله: لا توجب إلخ) أى بل يصح تقسيم الشىء إلى ما هو فى نفسه ليس أخص من القسم، بل بينه وبين المقسم عموم وخصوص من وجه، كما
على أن لفظ المفتاح صريح فى أن المجاز الذى جعله منقسما إلى أقسام
…
===
فى تقسيم المجاز المفرد إلى الاستعارة وغيرها، فإن المجاز والاستعارة يجتمعان فى نحو الأسد يطلق على الرجل الشجاع بواسطة المبالغة فى التشبيه، وينفرد المجاز المفرد فى نحو العين تطلق على الربيئة مجازا مرسلا، وتنفرد الاستعارة عن المفرد فى نحو أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، وكما فى تقسيم الأبيض إلى حيوان وغيره فإن الحيوان الذى- قسمت إليه الأبيض- بينه وبين الأبيض عموم وخصوص، من وجه يجتمعان فى الحيوان الأبيض، وينفرد الأبيض فى الجص وينفرد الحيوان فى الزنجى، وإذا صح كون الاستعارة ليست أخص من المفرد، بل بينها وبينه عموم وخصوص من وجه، صح تقسيمها للتمثيل وغيره، فيلزم التركيب فى التمثيل ويلزم الإفراد فى غيره، فيكون صدق المجاز المفرد عليها إنما هو فى الفرد الذى تجتمع معه فيه، لا فيما تنفرد عنه، وإنما قلنا: بل يصح تقسيم الشىء إلى ما هو فى نفسه، أى من حيث ذاته، ليس أخص من المقسم إشارة إلى أنه من حيث إنه قسم لا بد أن يكون أخص؛ لأن الحيوان من حيث إنه قسم إنما يصدق على الحيوان الأبيض، لكن الذى يخبر به عنه يجوز ألّا يكون مفهومه أخص كما فى المثال، وبهذا اندفع ما يقال: محصل هذا الجواب الذى أشار له الشارح بقوله: وقسمة إلخ أن قسم الشىء قد يكون أعم منه وهذا خال عن التحقيق، إذ العقلاء مطبقون على أن قسم الشىء لا بد أن يكون أخص منه، والحاصل أنه ليس غرضه بقوله: كقولنا إلخ الاستدلال بأن قسم الشىء قد يكون أعم منه، بل غرضه أن تقسيم المجاز المفرد للاستعارة وغيرها لا يقتضى حصر الاستعارة فى المجاز المفرد، كما أن تقسيم الأبيض إلى الحيوان وغيره لا يقتضى انحصار الحيوان فى الأبيض فتأمل.
(قوله: على أن إلخ) هذا جواب ثان يمنع كون المقسم الذى قسمه السكاكى للاستعارة وغيرها المجاز المفرد، وحاصله لا نسلم أن المقسم فى كلامه المجاز المفرد حتى يقال: كيف يجعل التمثيل الذى هو مركب من أقسام المفرد، بل المقسم فى كلامه مطلق المجاز، فقسمه إلى الاستعارة وغيرها، ثم قسم الاستعارة إلى التمثيلية وغيرها، وحينئذ فالمقسم صادق بالمركب الذى هو بعض الاستعارة، فلا يلزم اجتماع الإفراد من حيث إن
ليس هو المجاز المفرد المفسر بالكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له؛ لأنه قال بعد تعريف المجاز: إن المجاز عند السلف قسمان: لغوى، وعقلى.
واللغوى قسمان: راجع إلى معنى الكلمة، وراجع إلى حكم الكلمة.
والراجع إلى المعنى قسمان: خال عن الفائدة، ومتضمن لها.
والمتضمن للفائدة قسمان: استعارة، وغير استعارة.
وظاهر أن المجاز العقلى، والراجع إلى حكم الكلمة خارجان عن المجاز بالمعنى المذكور؛
…
===
المقسم مفرد، والتركيب من حيث كون المقسم مركبا، والدليل على أن المقسم فى كلامه مطلق المجاز لا المجاز المفرد أنه قال بعد تعريف المجاز إلخ، وأما الجواب الأول فهو بتسليم أن المقسم فى كلامه المجاز المفرد ومنع كون القسم أخص من المقسم مطلقا فحاصله أنا نسلم أن المقسم هو المجاز المفرد، لكن لا مانع من كون قسم الشىء كالاستعارة أعم منه، وحيث كان الجواب الأول بالتسليم والثانى بالمنع فكان الواجب تقديم الجواب الثانى على الأول؛ لأن الجواب بالمنع يجب تقديمه صناعة فى مقام المناظرة على الجواب بالتسليم
(قوله: ليس هو المجاز المفرد) أى بل مطلق المجاز
(قوله: لأنه قال بعد تعريف المجاز) أى بعد تعريف المجاز المفرد بالتعريف المذكور
(قوله: أن المجاز عند السلف) يعنى مطلق المجاز لا المعرف بما ذكره أولا الذى هو المفرد
(قوله: راجع إلى معنى الكلمة) وهو أن تنقل الكلمة عن معناها الأصلى إلى غيره
(قوله: وراجع إلى حكم الكلمة) أى وهو أن تنقل الكلمة عن إعرابها الأصلى إلى إعراب آخر، بسبب نقصان كلمة أو زيادتها مع بقاء اللفظ على معناه كما سيجىء فى الفصل الآتى
(قوله: خال عن الفائدة) وهو اسم المطلق المستعمل فى المقيد وعكسه، فهو عند السكاكى ليس بمجاز مرسل كما هو عند القوم.
(قوله: وغير استعارة) أى وهو المجاز المرسل
(قوله: وظاهر إلخ) هذا من تتمة الدليل الذى استدل به على أن المقسم- فى كلام السكاكى مطلق المجاز لا خصوص المجاز المفرد المشار له بقوله: لأنه قال إلخ، وحاصل كلامه أن السكاكى قد جعل من جملة
.
===
أقسام المجاز المجاز العقلى، والراجع إلى حكم الكلمة، وبالضرورة أن كلا منهما خارج عن المجاز المعرف بالكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له.
أما كون العقلى خارجا عنه فلأنه هو إسناد الفعل أو ما فى معناه إلى غير ما هو له، فليس داخلا فى جنس الكلمة وأما كون الراجع إلى حكم الكلمة ليس داخلا فى ذلك المعرف بما ذكر؛ فلأن الإعراب الذى هو محل التجوز- سواء قلنا: إنه معنوى أو لفظى- غير داخل فى جنس الكلمة قطعا، أما على القول بأنه معنوى فظاهر وأما على القول بأنه لفظى؛ فلأن المراد باللفظ فى تعريف الكلمة وهو لفظ وضع لمعنى مفرد اللفظ المستقل لا ما لا تحقق له إلا بتحقق لفظ آخر كهذا، وإذا كان هذان القسمان- أعنى المجاز العقلى والراجع إلى حكم الكلمة- ليسا داخلين فى المجاز المعرف بالكلمة إلخ، وقد أدخلهما السكاكى فى أقسام المجاز، وجب أن يريد بالمجاز المقسم أعم من الكلمة، بأن يراد به مطلق المجاز أعم من أن يكون لفظا أو غيره كلمة أو غيرها لأجل صحة حصر المجاز فى القسمين العقلى واللغوى، وحيث كان المراد بالمجاز المقسم مطلق مجاز وجب أن يراد بالراجع لمعنى الكلمة أعم من المفرد والمركب لا المفرد فقط، وإلا كان الحصر فى القسمين المذكورين باطلا لأن اللغوى حينئذ لا يشمل الراجع لمعنى الكلمة إذا كان مركبا، فيبقى قسم آخر خارج عن القسمين وهو اللغوى الراجع لمعنى الكلمة المركب اه تقرير شيخنا العدوى وهو مأخوذ من سم.
وقال عبد الحكيم: وتفصيل هذا أن السكاكى قال: المجاز عند السلف قسمان، فالمراد من المجاز اللفظ الذى تجاوز عن موضعه الأصلى، سواء كان معنى أو إعرابا أو نسبة، ليدخل فيه المجاز العقلى والمجاز الراجع إلى حكم الكلمة، ويكون المراد باللغوى ما ليس بعقلى أى أنه المجاز الذى له اختصاص بمكانه الأصلى بحكم الوضع، سواء كان فى معنى اللفظ أو فى حكمه، بخلاف العقلى فإن اختصاصه بموضعه الأصلى بحكم العقلى كما فى المفتاح.
واللغوى بهذا المعنى قسمان راجع إلى معنى الكلمة أى إلى معنى اللفظ مفردا كان أو مركبا، ليصح الحصر بينه وبين الراجع إلى حكم الكلمة، والراجع إلى معنى اللفظ
فيجب أن يريد بالراجع إلى معنى الكلمة أعم من المفرد والمركب؛ ليصح الحصر فى القسمين.
وأجيب بوجوه أخر:
الأول: أن المراد بالكلمة: اللفظ الشامل للمفرد، والمركب؛
…
===
قسمان متضمن للفائدة وغيره، والمتضمن للفائدة قسمان استعارة وغير استعارة، فكل من الاستعارة وغير الاستعارة قسم من المجاز الراجع إلى معنى اللفظ المتضمن للفائدة مفردا كان أو مركبا، فلا يكون المجاز المركب قسما من المجاز المفرد انتهى كلامه.
وتحصل من كلام الشارح أن الجواب عن اعتراض المصنف على السكاكى بأحد أمرين، إما أن يلتزم أن المراد بالمجاز المتضمن للفائدة الراجع إلى معنى الكلمة هو المجاز المفرد، فيحتمل الاستعارة التى جعلت قسما من المجاز المفرد مراد بها مطلق الاستعارة الشاملة للإفرادية والتركيبية، بناء على أنه قد يعبر عن قسم الشىء بما يكون بينه وبين المقسم عموم من وجه وهو الجواب الأول، أو نجعل المراد به مطلق المجاز كما هو صريح عبارة المفتاح، فنجعل التقسيم على أصله من الاستيفاء للأقسام، فيلزم أن يراد بالمجاز المتضمن للفائدة ما يعم المركب، فيكون تقسيم الاستعارة إلى التمثيل المركب وغيرها لا ينافيه.
(قوله: فيجب أن يريد إلخ) تفريع على ما لزم من قوله: وظاهر إلخ من وجوب كون المقسم أعم، أى وظاهر أن المجاز العقلى والراجع لحكم الكلمة خارجان عن المجاز بالمعنى المذكور فيجب كون المقسم أعم من المجاز بالمعنى المذكور، وإذا وجب كون المراد بالمقسم أعم من الكلمة بأن يراد به مطلق المجاز أعم من أن يكون لفظا أو غيره كلمة أو غيرها، وجب أن يراد بالراجع لمعنى الكلمة أعم من المفرد والمركب، ليصح حصر المجاز بالمعنى الأعم فى القسمين العقلى واللغوى، إذ لو أريد بالراجع لمعنى الكلمة المفرد فقط كان حصر المجاز فى القسمين المذكورين باطلا، لأن اللغوى حينئذ لا يشمل الراجع لمعنى الكلمة إذا كان مركبا، فيبقى قسم آخر خارج عن القسمين وهو اللغوى الراجع لمعنى الكلمة المركب.
(قوله: وأجيب) أى عن هذا البحث الذى أورده المصنف على السكاكى
(قوله: أن المراد بالكلمة) أى الواقعة فى تعريف المجاز
(قوله: اللفظ) أى وحيث أريد بالكلمة
نحو: كلمة الله.
الثانى: أنا لا نسلم أن التمثيل يستلزم التركيب، بل هو استعارة مبنية على التشبيه التمثيلى؛ وهو قد يكون طرفاه مفردين؛ كما فى قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً
…
الآية.
===
اللفظ دخلت الاستعارة التمثيلية فى التقسيم، وحينئذ سقط الاعتراض
(قوله: نحو كلمة الله) أى من قوله تعالى: وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا (1) فإن المراد بكلمته تعالى كلامه؛ لأن قوله: هِيَ الْعُلْيا أى فى البلاغة، والبلاغة لا تكون فى الكلمة بل فى الكلام قاله يس.
ورد هذا الجواب بأن إطلاق الكلمة على اللفظ من إطلاق الأخص على الأعم وهو مجاز- يحتاج إلى قرينة، ولا قرينة هنا تدل عليه، والتعاريف يجب صونها عن المجازات الخالية عن القرينة المعينة على أن التنظير بكلمة الله لا يناسب؛ لأن المراد منها الكلام لا اللفظ الشامل للمفرد والمركب، فالتنظير بها يقتضى تخصيصها فى التعريف بالمركب، وقد يقال: إن التنظير بها من حيث إن الكلمة لم يرد بها فى كل من الآية والتعريف معناها الحقيقى- وهو اللفظ المفرد الموضوع لمعنى- تأمل.
(قوله: أن التمثيل) أى الاستعارة التمثيلية لا يستلزم التركيب؛ لأن الصورة المنتزعة من متعدد لا تستدعى إلا متعددا ينتزع منه، ولا تتعين الدلالة عليها بلفظ مركب، فيجوز أن يعبر عن الصورة المنتزعة بلفظ مفرد مثل المثل
(قوله: مبنية على التشبيه التمثيلى) أى وهو ما كان وجهه منتزعا من متعدد، فحيثما صح ذلك التشبيه صحت الاستعارة التمثيلية لابتنائها عليه؛ لأنه إذا اقتصر فى التشبيه التمثيلى على اسم المشبه به صار استعارة تمثيلية مفردة
(قوله: وهو) أى التشبيه التمثيلى قد يكون طرفاه مفردين، أى فكذلك الاستعارة المبنية عليه
(قوله: كما فى قوله تعالى) أى كالتشبيه فى قوله: تعالى مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً (2) فالمثل بمعنى الصفة لفظ مفرد وقد شبه حالة الكفار بحالة من استوقد النار، أى وكتشبيه الثريا بعنقود الملاحية فى قول الشاعر:
(1) التوبة: 40.
(2)
البقرة 17.
===
وقد لاح فى الصّبح الثّريّا كما ترى
…
كعنقود ملّاحيّة حين نوّرا (1)
وإذا صحت الاستعارة التمثيلية فيما يصح فيه التشبيه المذكور، والتشبيه المذكور يجوز أن يكون طرفاه مفردين، فيجوز أن ينقل لفظ المشبه به المفرد إلى المشبه بعد حذف لفظه، فيكون لفظ المشبه به استعارة تمثيلية، فصح عد الاستعارة التمثيلية من أقسام المجاز المفرد واندفع الاعتراض على السكاكى.
ورد هذا الجواب بأمور منها وإن كان مبطلا لكلام المعترض وهو المصنف القائل باستلزام التركيب للتمثيل، لكنه لا ينفع السكاكى المجاب عنه لأنه مثل للتمثيل بمركب وهو إنى أراك تقدم رجلا إلخ؛ لكونه يرى اشتراط التركيب فى التمثيل، ومنها أن هذا الجواب مبنى على أن مجاز التمثيل تابع لتشبيه التمثيل دائما، وأن ذلك التشبيه يجرى فى المفردين، والذى نسب للمحققين أن كلا من مجاز التمثيل وتشبيه التمثيل لا يجريان فى المفردين أصلا، وعليه فما تقدم من أن تشبيه الثريا بالعنقود من تشبيه التمثيل فهو خلاف التحقيق، ولا ترد الآية المذكورة لاحتمال أن المراد بالمثل الهيئة واعلم أن الخلاف كون التمثيل يستلزم التركيب أو لا يستلزمه حاصل بين الشارح والعلامة السيد أيضا، فذهب الشارح فى حاشية الكشاف إلى عدم الاستلزام وأنه أى التمثيل قد يكون تبعية، كما فى قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ (2) قال صاحب الكشاف: تمثيل لحالهم من تلبسهم بالهداية، فقال الشارح فى حاشيته، يريد أنه استعارة تمثيلية: ورده السيد بأن التبعية لا تكون إلا فى المفردات ضرورة أنها لا تكون إلا فى معنى الفعل ومتعلق معنى الحرف، والتمثيلية لا تكون إلا فى المركب، فبينهما تناف، وأجاب الشارح بأنا لا نسلم أن الاستعارة التمثيلية لا تكون إلا مركبة، بل مدارها على كون وجه الشبه منتزعا من متعدد ورده السيد بأن وجه الشبه منتزع من الطرفين وإذا كان كذلك فلا بد فيهما من التعدد: وأجاب الشارح بأنه بعد انتزاع وجه منهما لا مانع
(1) لأبى القيس بن الأسلت فى ديوانه ص 73، ولسان العرب (ملح) والتنبيه والإيضاح 1/ 274.
(2)
البقرة: 5.
الثالث: أن إضافة الكلمة إلى شىء، أو تقييدها واقترانها بألف شىء لا يخرجها عن أن تكون كلمة. فالاستعارة فى مثل: أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى هو التقديم المضاف إلى الرجل المقترن بتأخير أخرى، والمستعار له هو التردد؛ فهو كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له؛
…
===
من اعتبار التضام والتلاصق حتى تصير جميع الأشياء كالشىء الواحد ورده السيد بأن هذا بعيد من تقرير القوم فى الاستعارة التبعية، من أن معنى الحرف لا بد أن يكون جزئيا، وتعتبر الاستعارة فيه بعد اعتبارها فى المطلقات، والشىء الجزئى لا ينتزع من متعدد، وإلا لزم التنافى، لأن الجزئى مفرد يوجد دفعة والمنتزع يوجد شيئا بعد شىء.
قال العلامة عبد الحكيم: والحق أن هذا تحامل من السيد على الشارح وإلزام بما لا يلزم، إذ معنى الحرف نسبة جزئية وهى لا تعقل إلا بين متعدد أعنى المنسوب والمنسوب إليه فهما داخلان فى الموضوع له معنى الحرف، فلا مانع من انتزاع معناه من متعدد، على أنا لو سلمنا ذلك فيؤخذ منه التعدد بطريق اللزوم وإن كان مفردا فى حد ذاته فتأمل.
وذكر العلامة اليعقوبى أن قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ يحتمل ثلاثة أوجه من التجوز، فإن قدر تشبيه الهدى بمركوب يوصل للمقصود تشبيها مضمرا فى النفس وأتى معه بلوازمه الدالة عليه وهو لفظ على، كان ذلك التجوز من باب الاستعارة بالكناية، وإن قدر تشبيه تمسكهم بالهدى وأخذهم به بعلو راكب مركوبا له والتصاقه به، ثم استعملت فيه على التى هى من حروف الجر تبعا لذلك التشبيه، كان ذلك التجوز من باب الاستعارة التبعية، وإن قدّر أن فيه تشبيه مجموع هيئة المهتدى والهدى وتمسكه به بهيئة راكب ومركوب فنقل لفظ إحدى الهيئتين للأخرى كان من التمثيل وكان الأصل أن ينقل مجموع ألفاظ الهيئة المشبه بها، كأن يقال فى غير القرآن: أولئك على مركوبهم الموصل للمقصود أو نحو ذلك لكن استغنى عن تلك الألفاظ بعلى لأنها تنبئ عن راكب ومركوب، وتقدير تلك الألفاظ لا فى نظم الكلام بل فى المعنى انتهى.
(قوله: الثالث أن إضافة إلخ) المراد بالإضافة اللغوية (فقوله: واقترانها) عطف تفسير، وحاصله أنا لا نسلم أن التمثيل فيه استعارة مركب وإنما فيه استعارة مفرد وكلمة
وفى الكل نظر أوردناه فى الشرح.
(وفسر) - أى: السكاكى- الاستعارة (التخييلية بما لا تحقق لمعناه حسا، ولا عقلا، بل هو) أى: معناه (صورة وهمية
…
===
واحدة، وحينئذ لا تنافى بين الاستعارة التى هى قسم من المجاز المسمى بالكلمة وبين التمثيل لأن التمثيل كلمة على هذا أيضا، فقولهم: أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، المستعار هو التقديم والمستعار له هو التردد والتقديم كلمة واحدة، وأما إضافته من جهة المعنى إلى الرجل واقتران تلك الرجل بكونها تؤخر مرة أخرى فلا يخرجه عن تسميته كلمة، فإن اللفظ المقيد لا يخرج بتقييده عن تسميته الأصلية، وأصل هذا الكلام التردد كتقديم الرجل مع تأخيرها ثم استعيرت هذه الكلمة المفيدة للتردد، وأخذ منها الفعل تبعا، وهذا الجواب مردود؛ للقطع بأن مجموع اللفظ المركب هو المنقول عن الحالة التركيبية إلى حالة أخرى مثلها، من غير أن يكون لبعض المفردات اعتبار فى الاستعارة دون بعض، وحينئذ فتقدم فى قولنا: تقدم رجلا وتؤخر أخرى مستعمل فى معناها الأصلى، والمجاز إنما هو فى استعمال هذا الكلام فى غير معناه الأصلى، أعنى صورة تردد من يقوم ليذهب، فتارة يريد الذهاب فيقدم رجلا وتارة لا يريده فيؤخر تلك الرجل مرة أخرى، وهذا ظاهر عند من له معرفة بعلم البيان.
بقى شىء آخر وهو أن هذا الجواب الثالث بتسليم أن الكلمة الواقعة فى التعريف باقية على حقيقتها، والجواب الأول من هذه الثلاثة الأخيرة بمنع ذلك، فكان الأولى تقديم هذا الثالث على الأول كما هو عادة النظار
(قوله: وفى الكل) أى وفى كل من الأجوبة الثلاثة الأخيرة.
(قوله: بما لا تحقق لمعناه) أى بلفظ لا تحقق لما عنى منه عند التجوز لا فى الحس؛ لعدم إدراكه بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، ولا فى العقل لعدم ثبوته فى نفس الأمر، ولما كان مالا تحقق له حسا ولا عقلا شاملا لما لا تحقق له فى الوهم أيضا أضرب عن ذلك بقوله: بل هو إلخ
(قوله: صورة وهمية) أى اخترعتها المتخيلة بإعمال الوهم إياها؛ لأن للإنسان قوة لها تركيب المتفرقات وتفريق المركبات، إذا استعملها العقل تسمى
محضة) لا يشوبها شىء من التحقق العقلى أو الحسى (كلفظ الأظفار فى قول الهذلى)(1):
وإذا المنية أنشبت أظفارها
…
ألفيت كل تميمة لا تنفع
(فإنه لما شبه المنية بالسبع- فى الاغتيال- أخذ الوهم فى تصويرها) أى:
المنية (بصورته) أى: السبع (واختراع لوازمه لها) أى: لوازم السبع للمنية، وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتيال السبع للنفوس به
…
===
مفكرة، وإذا استعملها الوهم تسمى متخيلة، ولما كان حصول هذا المعنى المستعار له بإعمال الوهم إياها سمى استعارة تخييلية كذا فى الأطول
(قوله: محضة) أى خالصة من التحقق الحسى والعقلى (فقوله: لا يشوبها إلخ) تفسير لقوله: محضة، ونص كلامه فى المفتاح: المراد بالتخييلية أن يكون المشبه المتروك شيئا وهميا محضا لا تحقق له إلا فى مجرد الوهم، وهذا بخلاف اعتبار السلف، فإن أظفار المنية عندهم أمر محقق شابه توهم الثبوت للمنية، فهناك اختلاط توهم وتحقق، بخلاف ما اعتبره فإنه أمر وهمى محض لا تحقق له باعتبار ذاته ولا باعتبار ثبوته.
(قوله: فإنه) أى الهذلى
(قوله: فى الاغتيال) أى أخذ النفوس وإهلاكها بالقهر والغلبة
(قوله: أخذ الوهم) أى شرع الوهم الذى من شأنه فرض المستحيلات وتقدير الأباطيل، بأعمال متخيّلة فى تصويرها بصورته؛ لأن ذلك مقتضى المشابهة والارتباط ولو لم يكن صحيحا فى نفس الأمر، والمراد بالوهم القوة الواهمة.
(قوله: واختراع) عطف على تصوير، أى وفى اختراع لوازم لها مثل لوازمه كالأظفار
(قوله: وعلى الخصوص) على بمعنى الباء وهو متعلق بيكون بعده، وما يكون عطف على لوازم عطف تفسير (وقوله: به) مؤخرة من تقديم أى أخذ الوهم فى اختراع لوازمه، أى فى اختراع ما يكون به قوام أى حصول اغتيال السبع للنفوس بالخصوص، وأشار بهذا إلى أنه ليس المراد مطلق اللوازم؛ لأن للسبع لوازم كثيرة كعدم النطق لكن ليست مرادة، بل المراد لوازم خاصة يكون بها قوام وجه الشبه، فإن قلت: جعله قوام
(1) سبق تخريجه.
(فاخترع لها) - أى: للمنية- صورة (مثل صورة الأظفار) المحققة (ثم أطلق عليه) أى:
على ذلك المثل؛ أعنى: الصورة التى هى مثل صورة الأظفار (لفظ: أظفار) فيكون استعارة تصريحية؛ لأنه قد أطلق اسم المشبه به؛ وهو الأظفار المحققة على المشبه؛ وهو صورة وهمية شبيهة بصورة الأظفار المحققة، والقرينة إضافتها إلى المنية.
والتخييلية عنده قد تكون بدون الاستعارة بالكناية؛
…
===
الاغتيال بالأظفار ينافى ما سبق للشارح من أن الأظفار بها كمال الاغتيال لا قوامه؛ لأن الاغتيال قد يكون بالناب، بخلاف اللسان فإن به قوام الدلالة فى المتكلم قلت: فى الكلام حذف مضاف، والأصل: وما يكون به كمال قوام اغتيال السبع للنفوس على الخصوص فلا منافاة.
وفى الأطول إن ما هنا منقول عن السكاكى فهى عبارته ولم ينبه الشارح على فسادها اعتمادا على ما سبق، فلا يقال أن ما هنا مناقض لما تقدم.
(قوله: فاخترع لها إلخ) أى فلما صور الوهم المنية بصورة السبع بالتصوير الوهمى، وأثبت لها لوازم يكون بها قوام حصول وجه الشبه، اخترع الوهم لتلك المنية صورة وهمية، مثل صورة الأظفار المختصة بالسبع فى الشكل والقدر
(قوله: ثم أطلق عليه لفظ الأظفار) أى الموضوع للصورة الحسية بعد رعاية التشبيه
(قوله: فيكون استعارة تصريحية) أى وتخييلية فتسمى بالاستعارة التصريحية التخييلية، أما كونها تخييلية فلأن اللفظ نقل من معناه الأصلى لمعنى متخيل، أى متوهم لا ثبوت له فى نفس الأمر.
وأما كونها تصريحية فلأنه قد أطلق اسم المشبه به وهو الأظفار المحققة على المشبه وهو الصورة الوهمية
(قوله: وهو) أى المشبه به الأظفار المحققة
(قوله: والقرينة) أى على أن الأظفار نقلت عن معناها وأطلقت على معنى آخر
(قوله: إضافتها) أى الأظفار إلى المنية فإن معنى الأظفار الحقيقى ليس موجودا فى المنية، فوجب أن يعتبر فيها معنى يطلق عليه اللفظ ولا يكون إلا وهميا لعدم إمكانه حسا أو عقلا.
(قوله: والتخييلية عنده قد تكون بدون الاستعارة بالكناية) أى: وأما عند المصنف والقوم فهما متلازمان لا توجد إحداهما بدون الأخرى فالأظفار فى المثال المذكور
ولهذا مثل لها بنحو: أظفار المنية الشبيهة بالسبع فصرح بالتشبيه لتكون الاستعارة فى الأظفار فقط من غير استعارة بالكناية فى المنية، وقال المصنف: إنه بعيد جدا لا يوجد له مثال فى الكلام (وفيه) أى: فى تفسير التخييلية بما ذكر (تعسف)
…
===
عندهم ترشيح للتشبيه، وأما المكنية فإنها لا تكون بدون التخييلية- كما يأتى عند السكاكى وكذا عند القوم، خلافا لصاحب الكشاف فإنه جوز وجود المكنية بدون التخييلية
(قوله: ولهذا) أى لكون التخييلية توجد بدون المكنية
(قوله: مثل لها) أى للتخييلية المنفكة عن المكنية
(قوله: فصرح بالتشبيه لتكون الاستعارة فى الأظفار فقط من غير استعارة بالكناية فى المنية) أى لأنه عند التصريح بالتشبيه لا يكون هناك استعارة فضلا عن كونها مكنية؛ لبناء الاستعارة على تناسى التشبيه، فالتخييلية عنده أعم محلا من المكنية
(قوله: إنه) أى وجود التخييلية بدون المكنية
(قوله: لا يوجد له مثال فى الكلام) أى البليغ، وإلا فقد وجد له مثال فى الكلام غير البليغ كالمثال المذكور، وكقولك لسان الحال التشبيه بالمتكلم وزمام الحكم التشبيه بالناقة، فإن قلت: بل قد وجد له مثال فى كلام البلغاء، كقول أبى تمام (1)
لا تسقنى ماء الملام فإننى
…
صبّ قد استعذبت ماء بكائي
فإنه لما أضاف الماء للملام أخذ الوهم فى تصوير شىء للملام يناسب الماء، فاستعار لفظ الماء الموضوع للمحقق للصورة المتوهمة الشبيهة بالماء الحسى، استعارة تصريحية تخييلية وهى غير تابعة للمكنية.
قلت: قال فى الإيضاح لا دليل فى هذا البيت على انفراد التخييلية عن المكنية، لجواز أن يكون أبو تمام شبه الملام بظرف شراب مكروه، لاشتماله على ما يكرهه الشارب لمرارته أو بشاعته، فتكون التخييلية مباينة للمكنى عنها- أو أنه شبه الملام بالماء المكروه نفسه؛ لأن اللوم قد يسكن حرارة الغرام كما أن الماء المكروه يسكن قليل الأوام، ثم أضاف المشبه به للمشبه كما فى لجين الماء فلا يكون من الاستعارة فى شىء،
(1) ديوان أبى تمام ص 14 ط دار الكتب العلمية وهى فى مدح يحيى بن ثابت، ومن بحر الكامل والإيضاح ص 281.
أى: أخذ على غير الطريق؛ لما فيه من كثرة الاعتبارات التى لا يدل عليها دليل، ولا تمس إليها حاجة، وقد يقال: إن التعسف فيه هو أنه لو كان الأمر كما زعم لوجب أن تسمى هذه الاستعارة توهيمية لا تخييلية. وهذا فى غاية السقوط؛ لأنه يكفى فى التسمية أدنى مناسبة. على أنهم يسمون حكم الوهم تخييلا
…
===
ومعنى البيت لا تسقى ماء الملامة فإن ماء بكائى قد استعذبته وحصل به الرى وانقطع به العطش.
(قوله: أى أخذ على غير الطريق) أى جرى على غير الطريق الجادة السهلة للإدراك
(قوله: لما فيه) أى لما فيما ذكره من كثرة الاعتبارات، وهى تقدير الصور الخيالية ثم تشبيهها بالمحققة ثم استعارة اللفظ الموضوع للصور المحققة لها، وفيه مع المكنى عنها اعتبار مشبهين ووجهين ولفظين، وقد لا يتفق إمكان صحة ذلك فى كل مادة أو قد لا يحسن، بخلاف ما ذكره المصنف فى تفسير التخييلية، فإنه خال عن تلك الأمور؛ لأنه فسرها بإثبات الأمر المختص بالمشبه به للمشبه
(قوله: ولا تمس إليه حاجة) أى ولا تدعو الحاجة إليها
(قوله: وقد يقال) أى فى وجه التعسف
(قوله: إن التعسف فيه) أى فيما ذكره السكاكى فى تفسير التخييلية (وقوله: أنه لو كان) أى من جهة أنه لو كان إلخ (وقوله: لوجب أن تسمى توهيمية) أى لأنها تقررت بالوهم، لما تقدم من أن المصور للمنية بصورة السبع، والمخترع لها صورة أظفار شبيهة بالأظفار المحققة، إنما هو الوهم أى القوة الواهمة.
(قوله: وهذا) أى توجيه التعسف المشار بقوله: وقد يقال إلخ
(قوله: لأنه يكفى فى التسمية) أى فى تسمية شىء باسم
(قوله: أدنى مناسبة) أى بين الاسم وذلك المسمى، والمناسبة هنا موجودة، وذلك لأن الوهم والخيال كل منهما قوة باطنية شأنها أن تقرر ما لا ثبوت له فى نفس الأمر، فهما مشتركتان فى المتعلق، وحينئذ فيجوز أن ينسب لأحد القوتين ما ينسب للأخرى، للمناسبة بينهما والحاصل أن تصوير المشبه بصورة المشبه به، واختراع لوازم للمشبه مماثلة للوازم المشبه به، وإن كان بالوهم لكنه نسب للخيال للمناسبة بينهما كما علمت، كذا فى سم والأحسن ما تقدم عن الأطول. وهذا إنما يحتاج
ذكر فى الشفاء أن القوة المسماة بالوهم هى الرئيسة الحاكمة فى الحيوان حكما غير عقلى، ولكن حكما تخييليا (ويخالف) تفسيره للتخييلية بما ذكر (تفسير غيره لها) أى: غير السكاكى للتخييلية (بجعل الشىء للشىء) كجعل اليد للشمال،
===
إليه إن لم يتقرر فى الاصطلاح تسمية حكم الوهم تخييلا، لكنه قد تقرر ذلك وحينئذ فلا يحتاج إلى الاعتذار عن السكاكى، بأنه يكفيه فى ارتكاب هذه التسمية أدنى مناسبة، وإلى هذا أشار الشارح بقوله: على أنهم يسمون إلخ.
(قوله: ذكر فى الشفاء) أى: ذكر الإمام أبو على الحسن بن عبد الله بن سينا فى الشفاء، وهذا دليل لما ذكره العلامة، وكأنه قال: ومما يدل على أن ذلك اصطلاح تقرر قبل السكاكى، قول أبى على فى الشفاء: أن القوة إلخ
(قوله: هى الرئيسة) أى: الغالبة على الحيوان، كما قيل: ما قادنى مثل الوهم
(قوله: غير عقلى) أى: غير صحيح كأن تحكم على أن رأس زيد رأس حمار
(قوله: ولكن حكما تخييليا) أى: فقد سمى صاحب الشفاء حكم الوهم تخييلا.
(قوله: ويخالف تفسيره إلخ) عطف على قوله: وفيه تعسف، أو أنه عطف على تعسف، بأن يراد من الفعل مجرد الحدث فيكون اسما أى: وفيه مخالفة لتفسير غيره لها، وحاصله أنه يعاب على السكاكى فيما ذهب إليه من تفسير التخييلية بأنها لفظ لازم المشبه به المنقول لصورة وهمية تخيل ثبوتها للمشبه من وجه آخر، وهو أن تفسيره التخييلية بما ذكر مخالف لتفسير غيره لها، بجعل الشىء الذى تقرر ثبوته لشىء آخر غير صاحب ذلك الشىء، كجعل اليد للشمال بفتح الشين، وهى الريح التى تهب من الجهة المعلومة، فاليد إنما هى للحيوان المتصرف وقد جعلت لشىء آخر مغاير لصاحب اليد وهو الشمال
(قوله: بجعل الشىء) متعلق بتفسير، أى بجعل الشىء الذى هو لازم للمشبه به للشىء الذى هو المشبه
(قوله: كجعل اليد للشمال) أى فى قوله:
وغداة ريح قد كشفت وقرّة
…
إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها (1)
(1) هو للبيد فى ديوانه ص 315، وأساس البلاغة (يدي).
والأظفار للمنية.
قال الشيخ عبد القاهر: إنه لا خلاف فى أن اليد استعارة، ثم إنك لا تستطيع أن تزعم أن لفظ اليد
…
===
أى: رب غداة ريح قد أزلت برودته بإطعام الطعام للفقراء وكسوتهم، وإيقاد النيران لهم، وقوله: وقرة بكسر القاف أى: برد شديد، عطف على ريح، وإذ ظرف لكشفت، وزمامها فاعل أصبحت
(قوله: والأظفار للمنية) أى: وجعل الأظفار للمنية فى قول الهذلى:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
…
ألفيت كلّ تميمة لا تنفع
فعلى تفسير السكاكى يجب، أن يجعل للشمال صورة متوهمة شبيهة باليد، ويكون إطلاق اليد عليها استعارة تصريحية تخييلية، واستعمالا للفظ فى غير ما وضع له، وعند غيره الاستعارة إثبات اليد للشمال، ولفظ اليد حقيقة لغوية مستعملة فى معناه الموضوع له، وكذا يقال فى أظفار المنية على المذهبين.
(قوله: قال الشيخ عبد القاهر) هذا استدلال على ما ادعاه المصنف من أن التخييلية- عند غير السكاكى- جعل الشىء للشىء
(قوله: لا خلاف فى أن اليد استعارة إلخ) أى لا خلاف فى أن اليد من حيث إضافتها للشمال، أو أن فى الكلام حذف مضاف، أى: لا خلاف فى أن إثبات اليد استعارة؛ ليوافق التفسير بالجعل وقوله الآتى: (إذ ليس إلخ) فاندفع ما يقال: إن قول الشيخ حجة على المصنف لا له؛ لأن كون اللفظ استعارة ينافى ما ادعاه من كون اللفظ حقيقة لغوية والتجوز إنما هو فى إثبات الشىء للشىء، فإن قلت: قول الشيخ: لا خلاف إلخ لا يصح؛ إذ كيف ينفى الخلاف مع وجود خلاف السكاكى قلت: الشيخ عبد القاهر متقدم على السكاكى، فهذا الكلام صدر منه قبل وقوع مخالفة السكاكى، فنفى الخلاف منه صحيح
(قوله: ثم إنك لا تستطيع إلخ) أى لا تقدر على ذلك، وهذا كناية عن عدم قبول ذلك لا أنه مستحيل، وإلا فقد ارتكبه السكاكى وهذا الذى قاله الشيخ تقرير لمذهب القوم وإبطال لمذهب السكاكى، وإن كان الشيخ لم يقصد الرد عليه؛ لأن السكاكى متأخر عن الشيخ،
قد نقل عن شىء إلى شىء؛ إذ ليس المعنى على أنه شبه شيئا باليد، بل المعنى على أنه أراد أن يثبت للشمال يدا. ولبعضهم فى هذا المقام كلمات واهية بينا فسادها فى الشرح
…
===
ولا يتأتى أن المتقدم يقصد الرد على المتأخر
(قوله: قد نقل عن شىء) كالجارحة إلى شىء، كالصورة الوهمية الشبيهة باليد
(قوله: إذ ليس المعنى إلخ) أى: كما يقوله السكاكى
(قوله: بل المعنى على أنه أراد أن يثبت للشمال يدا) أى: ليدل ذلك على أنه شبه الشمال بالمالك المتصرف باليد فى قوة تأثيرها لما تعرض له، فالاستعارة فى إثبات اليد للشمال لا لفظ اليد.
(قوله: ولبعضهم) أى: وهو الشارح الخلخالى
(قوله: كلمات واهية) زيف بها كلام المصنف واعتراضه على السكاكى وحاصلها: أن تفسير السكاكى، واعتباره الصورة الوهمية، وتشبيهها بلازم المشبه به، واستعارة لفظه لها، ومخالفته لغيره فى تفسير الاستعارة التخييلية، لأجل أن يتحقق معنى الاستعارة فى التخييلية، إذ لا يتحقق معناها إلا على مذهبه لا على مذهب المصنف؛ وذلك لأن الاستعارة كلمة استعملت فيما شبه بمعناها، ولا يتحقق هذا المعنى بمجرد جعل الشىء من غير توهم وتشبيه بمعناها الحقيقى، ولا يمكن أن يخصص تفسير الاستعارة المذكور بغير التخييلية؛ لأن التخصيص المذكور مخالف لما أجمع عليه السلف، من أن الاستعارة التخييلية قسم من أقسام المجاز اللغوى، وحينئذ فلا يمكن ذلك التخصيص وحاصله أن الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له إلخ، تفسير لنوع من المجاز اللغوى، الذى هو الاستعارة، فيشمل كل استعارة تكون من المجاز اللغوى، والتخييل استعارة ومجاز لغوى باتفاق، فلو خصص تفسير الاستعارة المذكور بغير التخييلية- لزم أنها ليست قسما من المجاز اللغوى، وقد أجمع السلف على أنها منه.
(قوله: بينا فسادها فى الشرح) وحاصله أنا نختار تخصيص تفسير الاستعارة المذكور بغير التخييلية، وقولك: اتفق على أن التخييل مجاز لغوى باطل، إذ لم يتفق على أن التخييلية مجاز لغوى، بمعنى أنها كلمة استعملت فيما شبه بمعناها، وإلا لما تأتى الخلاف، وإنما اتفق
نعم، يتجه أن يقال: إن صاحب المفتاح فى هذا الفن- خصوصا فى مثل هذه الاعتبارات- اليس بصدد التقليد لغيره حتى يعترض عليه بأن ما ذكره مخالف لما ذكره غيره.
(ويقتضى) ما ذكره السكاكى فى التخييلية (أن يكون الترشيح) استعارة (تخييلية
===
على أنه مجاز كالمجاز العقلى، إذ فيه إثبات شىء لغير من هو له، وأنه استعارة بالمعنى السابق، وهو أن اللفظ المسمى بالتخييل منقول لغير من هو له، وأثبت له فبرز فيه بروز المستعير فى العارية، ولما كان هذا محل الوفاق، تأتى الاختلاف فى أنه هل هناك أمر وهمى مفروض شبه بمعنى ذلك اللفظ المسمى بالتخييل فيكون التخييل أطلق عليه مجازا لغويا، أو لا تشبيه فهو حقيقة لغوية؟ وهذا الاختلاف معنوى قطعا، إذ ما يترتب على كونه حقيقة خلاف ما يترتب على كونه مجازا، فقد تبين أن تزيف كلام المصنف بما ذكره الخلخالى فاسد.
(قوله: نعم إلخ) هذا استدراك على الاعتراض على السكاكى بمخالفة تفسيره للتخييلية لتفسير غيره، وحاصله أن اعتراض المصنف على السكاكى بأن تفسيره مخالف لتفسير غيره لا يتوجه عليه؛ لأنه ليس مقلدا لغيره، وإذا صح خروجه عن مرتبة التقليد فى هذا الفن كان له مخالفة غيره، إذا صح ما يقول، لاسيما فى الأمر الذى يرجع إلى اختلاف فى اعتبار ولا يهدم قاعدة لغوية كما هنا، وقد يجاب بأن مخالفة الاصطلاح القديم من غير حاجة وبدون فائدة يعتد بها مما لا يعتد به، ثم إنه يشكل على قول السكاكى ما إذا جمع بين المشبه والمشبه به فى الاستعارة بالكناية، كما تقول: أظفار المنية والسبع نشبت بفلان، فإن أظفار المنية عنده مجاز وأظفار السبع حقيقة، فيلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، والبيانيون يقولون بجوازه؛ وأما على قول المصنف وغيره فلا يلزم هذا المحذور؛ لأن الأظفار حقيقة وإنما التجوز فى إثباتها للمنية وإضافتها إليها قال الفنرى: ويمكن الجواب عن السكاكى بأنه يقدر فى مثل هذا التركيب أظفار أخر، بأن يقول: التقدير أظفار المنية وأظفار السبع كما تقرر فى نظائره.
(قوله: ويقتضى ما ذكره السكاكى فى التخييلية) وهو أنه يؤتى بلفظ لازم المشبه به، ويستعمل مع المشبه، فى صورة وهمية شبيهة بلازم المشبه به
(قوله: أن يكون الترشيح)
للزوم مثل ما ذكره) السكاكى فى التخييلية من إثبات صورة وهمية (فيه) أى: فى الترشيح؛ لأن فى كل من التخييلية والترشيح إثبات بعض ما يخص المشبه به للمشبه؛ فكما أثبت للمنية التى هى للمشبه ما يخص السبع الذى هو المشبه به من الأظفار- كذلك أثبت لاختيار الضلالة على الهدى الذى هو المشبه ما يخص المشبه به الذى هو الاشتراء الحقيقى من الربح والتجارة؛ فكما اعتبر هناك صورة وهمية شبيهة بالأظفار فليعتبر هاهنا أيضا أمر وهمى شبيه بالتجارة، وآخر شبيه بالربح؛ ليكون استعمال الربح والتجارة بالنسبة إليهما استعارتين تخييليتين؛ إذ لا فرق بينهما
…
===
أى: ترشيح الاستعارة المصرحة، كما يدل عليه بيان الشارح- وإنما قال ذلك لأن فى وجود الترشيح للاستعارة المكنية خلافا، والمتفق عليه إنما هو ترشيح المصرحة
(قوله: للزوم مثل ما ذكره فيه) أى: فإما أن يلتزمه فيلزمه مزيد التعسف ومخالفة الغير، وإما ألّا يلتزمه فيلزمه التحكم وقد يقال: إن هذا الاعتراض لازم للقوم أيضا، فكما قالوا: إن إثبات الأظفار تخييل، يلزمهم أن يقولوا: إن إثبات اللبد فى قولك رأيت أسدا له لبد تخييل أيضا؛ لأن كلا منهما فيه إثبات بعض ما يخص المشبه به للمشبه، مع أنهم جعلوه ترشيحا، وحاصل اعتراض المصنف مطالبة السكاكى بالفرق بين الترشيح والتخييل
(قوله: كذلك أثبت إلخ) أى فقد شبه اختيار الضلالة بالاشتراء، واستعير له اسمه، واشتق من الاشتراء اشتروا بمعنى اختاروا، وإثبات الربح والتجارة فى قوله: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ ترشيح.
(قوله: من الربح إلخ) بيان لما يخص المشبه به
(قوله: هاهنا) أى: فى الترشيح، (وقوله: أمر وهمى شبيه بالتجارة وآخر شبيه بالربح) أى: ويعتبر تشبيه ذلك الأمر الوهمى بالربح والتجارة المحققين واستعارة اسمهما للأمرين المتوهمين، والحاصل أن الوهم لكونه يفرض المستحيلات لا يمتنع أن يفرض صورة وهمية يطلق عليها لفظ اللازم المسمى ترشيحا كما أن لفظ لازم المشبه به فى التخييل نقل لصورة وهمية، والسبب فى اعتبار الصورة الوهمية موجود فى كل من الترشيح والتخييل وهو المبالغة فى التشبيه، والربط بين المشبهين ربطا يصح معه أن يكسو الوهم أحدهما بما يكسو به الآخر
(قوله: إذ لا فرق بينهما)
إلا بأن التعبير عن المشبه الذى أثبت له ما يخص المشبه به؛ كالمنية- مثلا- فى التخييلية بلفظه الموضوع له؛ كلفظ المنية، وفى الترشيح بغير لفظه؛ كلفظ الاشتراء المعبر به عن الاختيار والاستبدال الذى هو المشبه، مع أن لفظ الاشتراء ليس بموضوع له؛ وهذا الفرق لا يوجب اعتبار المعنى المتوهم فى التخييلية، وعدم اعتباره فى الترشيح. فاعتباره فى أحدهما دون الآخر تحكم.
والجواب: أن الأمر الذى هو من خواص المشبه به لما قرن فى التخييلية بالمشبه؛ كالمنية- مثلا- جعلناه مجازا عن أمر متوهم يمكن إثباته للمشبه،
…
===
أى: لأنه لا فرق بينهما يقتضى عدم صحة قياس أحدهما على الآخر
(قوله: إلا بأن إلخ) استثناء منقطع لكن هنا فارق غير مانع من إلحاق أحدهما بالآخر وهو أن الترشيح عبر فيه عن المشبه باسم المشبه به كما تقدم فى قوله:
لدى أسد شاكى السلاح مقذّف
…
له لبد أظفاره لم تقلّم
فقد أتى بلازم المشبه به وهو اللبد مع المشبه، لكن عبر عنه باسم المشبه به وهو الأسد، وأما التخييل فقد عبر فيه عن المشبه باسمه كما تقدم فى قوله: وإذا المنية أنشبت أظفارها، فإن الأظفار أتى بها وهى اسم للازم المشبه به مع المشبه، لكن عبر عن ذلك المشبه باسمه.
(قوله: وهذا الفرق لا يوجب إلخ) إنما كان هذا الفارق غير مانع من إلحاق أحدهما بالآخر؛ لأن هذا تفريق بمجرد التحكم لا عبرة به، إذ المعنى الذى صحح اعتبار الصورة الوهمية موجود فيهما معا كما علمت، فكما لا يمنع من اعتبار الصورة الوهمية التعبير عن المشبه بنفس لفظه فكذا لا يمنع من اعتبارها التعبير عنه بلفظ مصاحبه؛ لأن التعبير ليس ضدا للصورة الوهمية التى اقتضاها وجود المبالغة فى التشبيه المقتضية لاختراع اللوازم، وحينئذ فإذا صح اعتبار الصورة الوهمية فى كل من الترشيح والتخييل فإما أن يقدر فى كل منهما أو يسقط اعتبارها فى كل منهما، واعتبارها فى أحدهما دون الآخر تحكم
(قوله: والجواب) أى: عن هذا الاعتراض الوارد على السكاكى المشار له بقول المصنف:
ويقتضى إلخ، وحاصله أن المشبه فى صورة التخييل لما عبر عنه بلفظه وقرن بما
وفى الترشيح لما قرن بلفظ المشبه به، ولم يتحج إلى ذلك لأن المشبه به جعل كأنه هو هذا المعنى مقارنا للوازمه وخواصه حتى إن المشبه به فى قولنا: رأيت أسدا يفترس أقرانه هو الأسد الموصوف بالافتراس الحقيقى من غير احتياج إلى توهم صورة، واعتبار مجاز فى الافتراس، بخلاف ما إذا قلنا: رأيت شجاعا يفترس أقرانه؛ فإنا نحتاج إلى ذلك ليصح إثباته للشجاع؛ فليتأمل،
…
===
هو من لوازم المشبه به وكان ذلك اللازم منافيا للمشبه ومنافرا للفظه جعلنا لفظ اللازم المقرون عبارة عن أمر متوهم يمكن إثباته للمشبه؛ لأن إثبات ما ينافر حقيقة ظاهرا وباطنا عند التبادر مما يجب اجتنابه، وفى صورة الترشيح لما عبر عن المشبه بلفظ المشبه به وقرن بما هو من لوازم ذلك المشبه به لم يحتج إلى اعتبار الصورة الوهمية لعدم المنافرة مع إمكان اعتبار نقل لفظ المشبه به مع لازمه للمشبه
(قوله: وفى الترشيح لما قرن) أى:
الأمر الذى هو من خواص المشبه به
(قوله: لم يحتج إلى ذلك) أى: إلى جعله مجازا عن أمر متوهم يمكن إثباته للمشبه
(قوله: كأنه هو هذا المعنى) أى: الحقيقى والكائنية منصبة على القيد أعنى قوله: مقارنا، وإلا فالمشبه به هو هذا المعنى الحقيقى قطعا، وعطف الخواص على اللوازم عطف مرادف
(قوله: حتى إن المشبه به إلخ) حتى للتفريع بمنزلة الفاء أى: فالمشبه به فى قولنا: رأيت أسدا يفترس أقرانه هو الأسد الموصوف بالافتراس الحقيقى فاستعير اسمه مقارنا للازمه للمشبه وهو الرجل الشجاع، فلا حاجة إلى اعتبار أمر وهمى يستعمل فيه الافتراس الذى هو الترشيح مجازا.
(قوله: بخلاف ما إذا قلنا: رأيت شجاعا يفترس أقرانه) هذا التركيب فيه استعارة مكنية ويفترس تخييل، وقوله فإنا نحتاج إلى ذلك أى لتوهم صورة واعتبار مجاز فى الافتراس؛ لأنه لم يذكر فى المكنية المشبه به حتى يقال: استعير اسمه مقارنا للازمه، وإنما ذكر فيها المشبه وهو لا ارتباط له بلازم المشبه به، بل هما متنافران، فاحتيج إلى اعتبار أمر وهمى يكون لازم المشبه به مستعملا فيه هذا حاصله، وفى هذا الجواب بحث وهو أنه مبنى على أنه لا ترشيح إلا فى المصرحة ولا ترشيح فى المكنية، والحق جوازه فيها، وحينئذ فيشكل الأمر؛ لأن الترشيح فيما يقترن بلفظ المشبه نحو مخالب المنية نشبت
ففى الكلام دقة ما.
(وعنى بالمكنى عنها) أى: أراد السكاكى بالاستعارة المكنى عنها
…
===
بفلان فافترسته، فمقتضى ما ذكره من الجواب أنه لا بد من اعتبار أمر وهمى يستعمل فيه الترشيح كالتخييل، إلا أن يقال: التخييلية تكسر سورة الاستبعاد، فلا يحتاج إلى اعتبار صورة وهمية- كذا أجاب الفنرى، وحاصله أنه لما ذكر للمشبه به لازمان مع المشبه واعتبر فى أحدهما وهو التخييل استعماله فى صورة وهمية خف أمر الترشيح فلم يجر فيه ما جرى فى الأمر الآخر الذى هو التخييل، فإن قلت إذا كان المشبه به فى قولنا:
رأيت أسدا يفترس أقرانه- الأسد الموصوف بالافتراس والمستعار اسمه المقارن للازمه يلزم أن يكون الترشيح غير خارج عن الاستعارة وغير زائد عليها، مع أنهم صرحوا بأنه خارج عنها وزائد عليها قلت: فرق بين المقيد والمجموع، فالمشبه به فى المرشحة هو الموصوف المقيد بالصفة، والصفة التى جعلت قيدا- وهى الترشيح- خارجة عنه، لا أن المشبه به هو المجموع المركب منهما كما فى التمثيلية- كذا أجاب الشارح فى المطول، ورده العلامة السيد بأن المشبه إذا كان هو الموصوف المقيد بالصفة يكون الوصف من تتمة التشبيه فلا يكون ذكره تقوية للمبالغة المستفادة من التشبيه ولا مبنيا على تناسيه كما هو شأن الترشيح، ويمكن أن يقال: مراده أن المشبه به هو الأسد الموصوف فى نفس الأمر بالصفة المذكورة، لا أنه الموصوف من حيث إنه موصوف ولو سلم، فالظاهر أن خروج الوصف عن مدلوله المستفاد منه كاف فى كون ذكره تقوية للمبالغة الحاصلة من التشبيه ودالا على تناسيه، ولا يضر توقف تمام التشبيه على ملاحظته ألا ترى أن المشبه به فى قولك: رأيت بحرا تتلاطم أمواجه، البحر الموصوف بالتلاطم الحقيقى، وتعلق الرؤية مثلا بذات البحر ليس كتعلقها بالبحر المقيد بتلاطم الأمواج فى إفادة المبالغة المطلوبة
(قوله: ففى الكلام دقة ما) أى: ففى هذا الكلام المجاب به عن الاعتراض الذى أورده المصنف على السكاكى دقة ما من جهة أن كون حكم اقتران ما هو من لوازم المشبه به بالمشبه غير حكم اقترانه بالمشبه به يحتاج إلى تأمل.
(أن يكون) الطرف (المذكور) من طرفى التشبيه (هو المشبه) ويراد به المشبه به (على أن المراد بالمنية) فى مثل: أنشبت المنية أظفارها هو (السبع بادعاء السبعية لها) وإنكار أن يكون شيئا غير السبع (بقرينة إضافة الأظفار) التى هى من خواص السبع (إليها) أى: إلى المنية. فقد ذكر المشبه؛ وهو المنية، وأراد به المشبه به؛ وهو السبع. فالاستعارة بالكناية لا تنفك عن التخييلية؛
…
===
(قوله: أن يكون الطرف المذكور) أى: الطرف المذكور اسمه هو المشبه والمصنف لا يخالف فى هذا (وقوله: ويراد به المشبه به) المصنف يخالف فيه، فهو محل النزاع، ثم لا يخفى أن المكنى عنها هى نفس اللفظ وتسمية كون المذكور استعارة مكنيا عنها إنما هو باعتبار المصدر المتعلق باللفظ والخطب فى مثل ذلك سهل للزوم العلم بأحدهما من العلم بالآخر.
(قوله: على أن المراد) أى: وصح ذلك بناء على أن المراد بالمنية هو السبع أى: وأما عند المصنف، فالمراد به الموت حقيقة
(قوله: بادعاء إلخ) لما كان إرادة السبع الحقيقى من المنية فى نحو المثال لا تصح أشار إلى ما يصح به إرادة الطرف الآخر الذى هو السبع من المنية بقوله، وإنما صح إرادة السبع من المنية، مع أن المراد منها الموت قطعا بسبب اعتبار ادعاء ثبوت السبعية لها، وإنكار أن تكون المنية شيئا آخر غير السبع
(قوله: بقرينة) أى: وادعاء ثبوت السبعية لها كائن ومتحقق بقرينة هى إضافة الأظفار التى هى من خواص السبع إليها، وتقرير الاستعارة بالكناية فى المثال المذكور على مذهب السكاكى أن يقال: شبهنا- المنية التى هى الموت المجرد عن ادعاء السبعية- بالسبع الحقيقى وادعينا أنها فرد من أفراده وأنها غير مغايرة له وأن للسبع فردين، فرد متعارف وهو الموت الذى ادعيت له السبعية، واستعير اسم المشبه وهو المنية لذلك الفرد الغير المتعارف، أعنى الموت الذى ادعيت له السبعية، فصح بذلك أنه قد أطلق اسم المشبه وهو المنية، الذى هو أحد الطرفين وأريد به المشبه به الذى هو السبع فى الجملة وهو الطرف الآخر.
(قوله: فالاستعارة بالكناية إلخ) هذا تفريع على قول المصنف بقرينة إلخ، وذلك لأن قوله: بقرينة إضافة الأظفار إليها يفيد أنه لا قرينة للمكنية إلا ما سماه
بمعنى أنه لا توجد استعارة بالكناية بدون الاستعارة التخييلية؛ لأن فى إضافة خواص المشبه به إلى المشبه استعارة تخييلية.
(ورد) ما ذكره من تفسير الاستعارة المكنى عنها (بأن لفظ المشبه فيها) أى: فى الاستعارة بالكناية كلفظ المنية- مثلا- (مستعمل فيما وضع له تحقيقا) للقطع بأن المراد بالمنية هو الموت لا غير (والاستعارة ليست كذلك) لأنه قد فسرها
…
===
تخييلا، وإنما أفاد ذلك وهو غير صيغة قصر لأنه معلوم من مذهبه أنه لا قرينة لها إلا التخييل، حيث قال لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية
(قوله: بمعنى أنه) أى الحال والشأن لا توجد إلخ، أى لا بمعنى أن كلا منهما لا يوجد بدون الآخر لما تقدم أن التخييلية عند السكاكى قد تكون بدون المكنية
(قوله: لأن فى إضافة إلخ) أى لأن فى خواص المشبه به المضاف للمشبه استعارة تخييلية، وإنما أولنا العبارة بما ذكر لأنه المناسب لمذهب السكاكى.
(قوله: بأن لفظ المشبه فيها أى فى الاستعارة بالكناية) اعترض على المصنف بأن لفظ المشبه نفس الاستعارة بالكناية على مذهب السكاكى، وحينئذ فلا يصح جعل الاستعارة ظرفا له، فلو قال بأن لفظ المشبه الذى ادعى أنه استعارة كان أحسن، وقد يجاب بأن جعله لفظ المشبه مظروفا فى الاستعارة باعتبار أنه أعم منها، وإن كان مصدوقهما متحدا بحسب المراد، وكون الأخص ظرفا للأعم صحيح على وجه التوسع، كما يقال الحيوان فى الإنسان بمعنى أنه متحقق فيه.
وحاصل ما ذكره المصنف من الرد إشارة إلى قياس من الشكل الثانى، تقريره أن يقال: لفظ المشبه الذى ادعى أنه استعارة مستعمل فيما وضع له ولا شىء من الاستعارة بمستعمل فيما وضع له، ينتج المشبه ليس استعارة
(قوله: والاستعارة ليست كذلك) - إشارة لكبرى القياس الذى ذكرناه، أى ليست مستعملة فيما وضعت له تحقيقا عند السكاكى، لأنه جعلها من المجاز اللغوى، وفسرها بما ذكره الشارح وهو أن تذكر أحد طرفى التشبيه وتريد الطرف الآخر. لا يقال قوله: وتريد الطرف الآخر أى
بأن تذكر أحد طرفى التشبيه وتريد به الطرف الآخر. ولما كان هاهنا مظنة سؤال؛ وهو أنه لو أريد بالمنية معناها الحقيقى- فما معنى إضافة الأظفار إليها؟
أشار إلى جوابه بقوله: (وإضافة نحو: الأظفار- قرينة التشبيه) المضمر فى النفس؛ يعنى: تشبيه المنية بالسبع. وكان هذا الاعتراض من أقوى اعتراضات المصنف على السكاكى. وقد يجاب عنه بأنه وإن صرح بلفظ المنية
…
===
حقيقة أو ادعاء، وحينئذ فلا يرد هذا البحث على السكاكى؛ لأنا نقول عبارته صريحة فى إرادة الطرف الآخر حقيقة، وأيضا لو حمل كلامه على ما ذكر لزم إطلاق الآخر فى كلامه على حقيقته ومجازه، وهو ممنوع لاسيما فى مقام التعريف، وعلى تقدير جوازه فلا بد من قرينة التعميم وهى منتفية
(قوله: بأن تذكر أحد إلخ) أى: بذكر أحد أى:
بذى ذكر أو بمذكور هو اسم أحد طرفى التشبيه ويراد به الآخر وإنما احتجنا لذلك؛ لأنه جعلها من المجاز اللغوى الذى فسره بالكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له
(قوله: مظنة سؤال) أى: من طرف السكاكى وارد على قوله: مستعمل فيما وضع له تحقيقا، وحاصله أنه إذا كان المراد بالمنية نفس الموت لا السبع فما وجه إضافة الأظفار إليها مع أنها معلومة الانتفاء عنها فلولا أنه أريد بالمنية معنى السبع لم يكن معنى لذكر الأظفار معها وإضافتها لها؛ لأن ضم الشىء لغير من هو له هدر ولغو يتحاشى عنه اللفظ البليغ.
(قوله: وإضافة نحو الأظفار قرينة التشبيه) أى: لأنه لا منافاة بين إرادة نفس الموت بلفظ المنية وإضافة الأظفار لها؛ لأن إضافة نحو الأظفار فى الاستعارة المكنية إنما كانت لأنها قرينة على التشبيه النفسى؛ لأنها تدل على أن الموت ألحق فى النفس بالسبع، فاستحق أن يضاف لها ما يضاف إليه من لوازمه فإضافة الأظفار حينئذ مناسبة لتدل على التشبيه المضمر
(قوله: المضمر فى النفس) أى: على مذهب المصنف
(قوله: وكان هذا الاعتراض من أقوى اعتراضات المصنف على السكاكى) لعل الشارح أخذ قوته عند المصنف من حيث اعتناؤه ببيان رده وكأن فى كلام الشارح محتملة للتحقيق والظن
(قوله: وقد يجاب عنه) أى: عن رد المصنف على السكاكى، (وقوله: بأنه) أى: الحال والشأن
إلا أن المراد به السبع ادعاء؛ كما أشار إليه فى المفتاح: من أنا نجعل هاهنا اسم المنية اسما للسبع مرادفا له بأن ندخل المنية فى جنس السبع للمبالغة فى التشبيه بجعل أفراد السبع قسمين: متعارفا وغير متعارف، ثم نخيل أن الواضع كيف يصح منه أن يضع اسمين؛ كلفظى المنية والسبع لحقيقة واحدة.
ولا يكونان مترادفين فيتأتى لنا بهذا الطريق
…
===
(قوله: إلا أن المراد به السبع ادعاء) أى: وهو الموت المدعى سبعيته، وحينئذ فليس لفظ المنية مستعملا فيما وضع له تحقيقا حتى ينافى كونه استعارة فثبتت الصغرى
(قوله: من أنا) بيان لما فى قوله: كما، وإضافة اسم للمنية بيانية
(قوله: مرادفا له) أى: حالة كون اسم المنية مرادفا لاسم السبع
(قوله: بأن ندخل إلخ) هذا وما عطف عليه بيان للمرادفة، وأشار به إلى أن جعل اسم المنية مرادفا لاسم السبع إنما هو بالتأويل، وليس بإحداث وضع مستقل فيها حتى تكون من باب الاشتراك اللفظى فتخرج عن الاستعارة، ثم إن محصل ما أفاده أن السبع تحته فردان، والمنية اسم لفرد منهما وهذا لا يقتضى الترادف؛ لأن المترادفين اللفظان المتحدان مفهوما وما صدقا وهنا الأسد أعم من المنية؛ لأن المراد منها فرد من فردى الأسد، إلا أن يقال مراده بالترادف الصدق فكأنه قال من أنا نجعل اسم المنية اسما للسبع الادعائى وصدقا عليه- كذا قال يس وهو غير وارد؛ لأن هذا ترادف تخييلى كما أشار له بقوله ثم نخيل إلخ لا تحقيقى
(قوله: ثم نخيل) ينبغى أن يضبط بصيغة المتكلم المعلوم عطفا على ندخل أى: ثم بعد إدخال المشبه فى جنس المشبه به نذهب على سبيل التخييل أى: على سبيل الإيقاع فى الخيال أى: لا على سبيل التحقيق، إذ لا ترادف على سبيل الحقيقة؛ لأنه ليس هناك وضع اسمين حقيقة لشىء واحد
(قوله: لحقيقة واحدة) أى: وهى الموت المدعى سبعيته، وقوله كيف يصح استفهام إنكارى: بمعنى النفى أى: لا يصح ومصبه قوله: ولا يكونان مترادفين.
(قوله: ولا يكونان مترادفين) أى: والحال أنهما لا يكونان مترادفين أى: بل لا يضع الواضع اسمين لحقيقة واحدة إلا وهما مترادفان، فحينئذ يتخيل ترادف المنية والأسد
(قوله: فيتأتى لنا بهذا الطريق) أى: وهى ادعاء دخول المنية فى جنس السبع، وتخييل أن
دعوى السبعية للمنية، مع التصريح بلفظ المنية؛ وفيه نظر؛ لأن ما ذكر لا يقتضى كون المراد بالمنية غير ما وضعت له بالتحقيق،
…
===
لفظيهما مترادفان
(قوله: دعوى السبعية للمنية مع التصريح بلفظ المنية) أى: أنه يتأتى لنا بالطريق المذكورة أمران:
أحدهما ادعاء ثبوت السبعية للمنية؛ لأن ذلك لازم لإدخالها فى جنسه فصح بذلك أن لفظ المنية إذا أطلق عليها إنما أطلق على السبع الادعائى فصار مستعملا فى غير ما وضع له؛ لأن المنية إنما وضعت للموت الخالى عن دعوى السبعية له فيكون استعارة.
ثانيهما: صحة إطلاق لفظ المنية على ذلك السبع الادعائى لأن ذلك لازم الترادف بين اللفظين فلا يرد أنه لا يناسب؛ لأن إدخالها فى جنس السبع إنما يناسب إطلاق لفظ السبع عليها، والحاصل أنه بادعاء السبعية لها أطلقنا أحد الطرفين وعنينا الآخر فى الجملة وبالترادف المتخيل صح لنا إطلاق المنية على المعنى المراد وهو السبع الادعائى من غير تناف ولا منافرة بين دعوى السبعية للمنية وبين التصريح بالمنية؛ لأن التصريح بها بعد دعوى المرادفة، فصارت المنية اسما للسبع فلا منافاة بين ما اقتضته الاستعارة من أن المنية من أفراد السبع وبين التصريح بالمنية؛ لأن التصريح بالمنية كالتصريح بالسبع، وحينئذ فالمنية مستعملة فى غير ما وضعت له، ولا يخفى أن حاصل ما ذكر أن المنية أطلقت على الطرف الآخر ادعاء وهو ما نقل عن السكاكى آنفا
(قوله: وفيه نظر) أى: وفى هذا الجواب نظر، وحاصله أن ادعاء الترادف لا يقتضى الترادف حقيقة، فكما أننا إذا جعلنا مسمى الرجل الشجاع من جنس مسمى الأسد بالتأويل لم يضر استعمال لفظ الأسد فيه بطريق الحقيقة، بل هو مجاز، فكذلك إذا جعلنا اسم المنية مرادفا لاسم السبع بالتأويل لم يضر استعماله فى الموت المدعى سبعيته مجازا حتى يكون استعارة، بل هو حقيقة، وادعاء السبعية للموت الذى أطلقت المنية عليه لا يخرجها عن إطلاقها على معناها حقيقة فى نفس الأمر، إذ الادعاء لا يخرج الأشياء عن حقائقها، وهذا حاصل ما ذكره المصنف من الرد أولا
(قوله: لأن ما ذكر) أى: من ادعاء السبعية للمنية أى: الموت لا يقتضى إلخ.
حتى تدخل فى تعريف الاستعارة للقطع بأن المراد بها الموت، وهذا اللفظ موضوع له بالتحقيق، وجعله مرادفا للفظ السبع بالتأويل المذكور لا يقتضى أن يكون استعماله فى الموت استعارة.
ويمكن الجواب بأنه قد سبق أن قيد الحيثية مراد فى تعريف الحقيقة؛ أى:
هى الكلمة المستعملة فيما هى موضوعة له بالتحقيق من حيث إنه موضوع له بالتحقيق، ولا نسلم أن استعمال لفظ المنية فى الموت فى مثل: أظفار المنية استعمال فيما وضع له بالتحقيق؛ من حيث إنه موضوع له بالتحقيق مثله فى قولنا: دنت منية فلان، بل من حيث إن الموت جعل من أفراد السبع الذى لفظ المنية موضوع له بالتأويل؛ وهذا الجواب وإن كان مخرجا له عن كونه حقيقة إلا أن تحقيق كونه مجازا،
…
===
(قوله: حتى تدخل إلخ) تفريع على: كون المراد إلخ يعنى أن كون المراد بالمنية غير ما وضعت له المتفرع عليه دخولها فى تعريف الاستعارة لا يقتضيه ما ذكر من أن المراد بالمنية المنية المدعى سبعيتها
(قوله: للقطع بأن المراد بها الموت) أى: وادعاء السبعية لذلك الموت لا يخرجها عن إطلاقها على معناها الحقيقى فى نفس الأمر، إذ الادعاء لا يخرج الأشياء عن حقائقها
(قوله: وهذا اللفظ) أى: لفظ منية
(قوله: لا يقتضى إلخ) أى: لأن تخييل الترادف وادعائه لا يقتضى الترادف حقيقة كما علمت
(قوله: ويمكن الجواب) أى: عن أصل الاعتراض الذى أورده المصنف على السكاكى
(قوله: مثله) أى: مثل استعمال لفظ المنية فى قولنا دنت منية فلان، فإنه استعمال فيما وضع له بالتحقيق من حيث إنه موضوع له بالتحقيق، والحاصل أنك إذا قلت: دنت منية فلان فقد استعملت المنية فى الموت من حيث إن اللفظ المذكور موضوع للموت بالتحقيق، وإذا قلت: أنشبت المنية أظفارها بفلان فإنما استعملتها فى الموت من حيث تشبيه الموت بالسبع وجعله فردا من أفراد السبع الذى لفظ المنية موضوع له بالتأويل فلم يكن اللفظ مستعملا فيما وضع له من حيث إنه وضع له، وأنت خبير بأن هذا الجواب إنما يقتضى خروج لفظ المنية فى التركيب المذكور عن كونه حقيقة لانتفاء قيد الحيثية، ولا يقتضى أن يكون مجازا فضلا عن كونه استعارة مرادا به الطرف الآخر كما هو المطلوب؛ لأنه
ومرادا به الطرف الآخر- غير ظاهر بعد.
(واختار) السكاكى (رد) الاستعارة (التبعية) وهى تكون فى الحروف، والأفعال،
…
===
لم يستعمل فى غير ما وضع له كما هو المعتبر فى المجاز عندهم، وإنما استعمل فيما وضع له وإن كان لا من حيث إنه موضوع، بل من حيث إنه فرد من أفراد المشبه به، ولا يلزم من خروج اللفظ عن كونه حقيقة أن يكون مجازا، ألا ترى أن اللفظ المهمل والغلط ليسا بحقيقة ولا بمجاز، وحينئذ فلم يتم هذا الجواب؛ ولذا قال الشارح: وهذا الجواب إلخ.
(قوله: ومرادا به الطرف الآخر) إنما ذكر ذلك؛ لأن قضية كونه استعارة أن يكون مجازا وأن يكون مرادا به الطرف الآخر حقيقة كما يدل عليه تعريف الاستعارة ولا يكفى الادعاء
(قوله: غير ظاهر بعد) أى: إلى الآن لجواز ألّا يكون حقيقة ولا مجازا، بل واسطة بينهما لا يقال إنه يدخل المجاز باعتبار قيد الحيثية فى تعريفه بأن يقال:
الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له أى: من حيث إنه غير ما وضعت له لعلاقة، لأنا نقول المنية فى التركيب المذكور لم تستعمل فى غير الموضوع له من حيث إنه غير، بل فى الموضوع له وإن كان لا من حيث إنه موضوع له بل من حيث إنه فرد من أفراد المشبه به نعم لو عرف المجاز بما لا يكون مستعملا فى الموضوع له من حيث إنه موضوع له لدخل فى تعريفه، لكنه لم يعرفه بذلك فتأمل.
(قوله: واختار رد التبعية إلى المكنى عنها) لا بد من التقدير فى أول الكلام أو فى آخره أى: واختار رد قرينة التبعية إلى المكنية أو واختار رد التبعية إلى قرينة المكنى عنها، أو أن الحذف فى أول الكلام وفى آخره والأصل واختار رد التبعية وقرينتها إلى المكنى عنها وقرينتها وهذا كلام مجمل بينه بقوله بجعل إلخ، والمحوج لارتكاب ما ذكر أنه لم يرد التبعية نفسها للمكنى عنها ولم يجعلها إيّاها كما هو ظاهر عبارة المصنف، ونص كلام السكاكى فى آخر بحث الاستعارة التبعية هذا ما أمكن من تلخيص كلام الأصحاب، ولو أنهم جعلوا قسم الاستعارة التبعية من قسم المكنية- بأن جعلوا فى نطقت
وما يشتق منها (إلى) الاستعارة (المكنى عنها- بجعل قرينتها) - أى: قرينة التبعية- استعارة (مكنيا عنها و) جعل الاستعارة (التبعية قرينتها) أى: قرينة الاستعارة المكنى عنها (على نحو قوله) أى: قول السكاكى (فى المنية وأظفارها) حيث جعل المنية استعارة بالكناية، وإضافة الأظفار إليها قرينتها.
فى قولنا: نطقت الحال بكذا- جعل القوم: نطقت استعارة عن دلت بقرينة الحال، والحال حقيقة، وهو يجعل الحال
…
===
الحال بكذا الحال التى ذكروا أنها قرينة الاستعارة المصرحة استعارة بالكناية عن المتكلم بواسطة المبالغة فى التشبيه على مقتضى المقام، وجعلوا نسبة النطق إليه قرينة الاستعارة كما تراهم فى قوله: وإذا المنية أنشبت أظفارها يجعلون المنية استعارة بالكناية عن السبع ويجعلون إضافة الأظفار إليها قرينة الاستعارة- لكان أقرب إلى الضبط انتهى كلامه.
(قوله: وما يشتق منها) أى من مصادرها كاسم الفاعل واسم المفعول واسم الزمان والمكان والآلة
(قوله: بجعل) متعلق برد أى: وهذا الرد بواسطة جعل أو بسبب جعل قرينتها إلخ، وأنت خبير بأن جعل قرينة التبعية مكنيا عنها إنما يمكن إذا كانت قرينتها لفظية أما إذا كانت قرينتها حالية فلا يمكن، إذ ليس هنا لفظ يجعل استعارة بالكناية، وهذا مما يضعف مذهب السكاكى، وذلك كما فى قوله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ* فإن لعل استعارة تبعية لإرادته تعالى والقرينة استحالة الترجى لكونه علام الغيوب
(قوله: على نحو قوله) أى: حالة كون ذلك الجعل آتيا على نحو أى طريقة قوله إلخ.
(قوله: وإضافة الأظفار إليها قرينتها) المناسب لمذهب السكاكى أن يقال:
والأظفار المضافة إليها قرينتها؛ لأنها عنده استعملت فى صورة وهمية كما مر وكذا يقال فيما يأتى من قوله: ونسبة النطق إلخ ومن قوله ونسبة القرى إلخ أى: فالمناسب أن يقال فيهما والنطق المنسوب إليها قرينة الاستعارة بدل قوله: ونسبة النطق، وأن يقال:
والقرى المنسوب إليها بدل ونسبة القرى
(قوله: استعارة عن دلت) أى: استعارة تبعية
استعارة بالكناية عن المتكلم، ونسبة النطق إليها قرينة الاستعارة، وهكذا فى قولهم:
نقريهم لهذميات؛ بجعل اللهذميات استعارة بالكناية عن المطعومات الشهية على سبيل التهكم، ونسبة القرى إليها قرينة الاستعارة، وعلى هذا القياس.
وإنما اختار ذلك إيثارا للضبط، وتقليل الأقسام (ورد) ما اختاره السكاكى
===
لدلت، وقوله: بقرينة الحال أى: قرينة إسناد النطق للحال، وقوله: والحال أى: وجعلوا الحال حقيقة
(قوله: استعارة بالكناية عن المتكلم) أى للمتكلم الادعائى ويشبه الحال بالمتكلم ويدعى أنه عينه، وأن للمتكلم فردين متعارفا وغير متعارف وأن لفظ الحال مرادف للفظ المتكلم فاستعير لفظ الحال للمتكلم الادعائى
(قوله: القرى) بالقاف المكسورة والقصر الضيافة
(قوله: وعلى هذا القياس) أى: ففى قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (1) القوم جعلوا بشر استعارة تبعية للإنذار بواسطة التشبيه التهكمى والعذاب قرينتها وهو بجعل العذاب استعارة بالكناية عن الإنعام بواسطة التشبيه التهكمى ويجعل بشر قرينتها، وفى قوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً القوم يجعلون اللام استعارة تبعية للعداوة والحزن الجزئيين بواسطة تشبيه متعلقهما وهو مطلق عداوة وحزن بالعلة الغائية للالتقاط كمطلق محبة وتبن وقرينتها العداوة والحزن، والسكاكى يجعل العداوة والحزن استعارة بالكناية عن العلة الغائية للالتقاط بأن شبه العداوة والحزن بالمحبة والتبنى تشبيها مضمرا فى النفس وادعينا أن العداوة والحزن عين المحبة والتبنى، ثم استعير العداوة والحزن للمحبة والتبنى الادعائيين ولام التعليل التى يكون مدخولها باعثا قرينة، وكذا قوله تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ يجعل الجذوع استعارة بالكناية عن الظروف الادعائية، واستعمال فى قرينة على ذلك والقوم يجعلون اللام استعارة تبعية والجذوع قرينة
(قوله: وإنما اختار ذلك) أى: رد التبعية وقرينتها للمكنية وقرينتها
(قوله: إيثارا للضبط) أى: لأجل أن يكون أقرب للضبط لما فيه من تقليل الأقسام، فقوله:
(وتقليل إلخ) عطف علة على معلول، وإنما قلت أقسام الاستعارة على ما اختاره؛ لأنه لا يقال عليه استعارة أصلية وتبعية بل أصلية فقط
(قوله: ورد ما اختاره السكاكى) أى:
(1) التوبة: 34.
(بأنه إن قدر التبعية) كنطقت فى: نطقت الحال بكذا (حقيقة) بأن يراد بها معناها الحقيقى (- لم تكن) التبعية استعارة (تخييلية؛ لأنها) أى: التخييلية (مجاز عنده) أى: عند السكاكى؛ لأنه جعلها من أقسام الاستعارة المصرح بها المفسرة بذكر المشبه به وإرادة المشبه، إلا أن المشبه فيها يجب أن يكون مما لا تحقق لمعناه حسا، ولا عقلا، بل وهما؛ فتكون مستعملة فى غير ما وضعت له بالتحقيق؛ فتكون مجازا. وإذا لم يكن للتبعية تخييلية (فلم تكن) الاستعارة (المكنى عنها مستلزمة للتخييلية) بمعنى أنها لا توجد بدون التخييلية؛
===
من رد التبعية للمكنى عنها وجعلها داخلة فيها
(قوله: بأنه) أى: السكاكى، وقوله: إن قدر التبعية حقيقة بالبناء للفاعل أى: إن جعل ويحتمل أن ضمير أنه للحال والشأن وقدر بالبناء للمفعول أى: إن فرض أن التبعية القائل بها القوم باقية على معناها الحقيقى بأن جعل نطقت التى هى التبعية عند القوم فى نطقت الحال بكذا مثلا مرادا به معناها الحقيقى، وهو النطق وجعل الحال استعارة بالكناية للمتكلم الادعائى، ثم لا يخفى قبح هذا الترديد؛ لأنه لما قال:
وجعل التبعية قرينتها- على نحو قوله: فى المنية وأظفارها- لم يبق احتمال تقديرها حقيقة، وإلا لم يكن على نحو قوله: فى المنية وأظفارها، فكان عليه أن يقول على نحو المنية وأظفارها ليحسن هذا الترديد
(قوله: لأنها أى التخييلية مجاز عنده) لا عند المصنف والسلف أى: وهى على فرض كونها حقيقة لم تكن مجازا فضلا عن كونها استعارة فضلا عن كونها تخييلية
(قوله: لأنه جعلها من أقسام الاستعارة المصرح بها) أى: التى هى من المجاز اللغوى
(قوله: بذكر المشبه به) أى:
بذكر اسم المشبه به
(قوله: إلا أن المشبه فيها) أى: فى التخييلية يجب أى عند السكاكى
(قوله: بل وهما) أى: بل مما له تحقق بحسب الوهم لكونه صورة وهمية محضة كما مر
(قوله: فلم تكن الاستعارة المكنى عنها) أى: على هذا التقدير مستلزمة للتخييلية، وإذا لم تستلزم المكنى عنها التخييلية صح وجود المكنى عنها بدون التخييلية كما فى نطقت الحال بكذا، حيث جعل الحال استعارة بالكناية عن المتكلم الادعائى، وجعل النطق مستعملا فى معناه الحقيقى، لكن عدم استلزام المكنى عنها للتخييلية باطل باتفاق، فبطل هذا التقدير أى: جعله التبعية مستعملة فى معناها الحقيقى
(قوله: بمعنى أنها لا توجد) تفسير المنفى لا
وذلك لأن المكنى عنها قد وجدت بدون التخييلية فى مثل: نطقت الحال بكذا؛ على هذا التقدير.
(وذلك) أى: عدم استلزام المكنى عنها للتخييلية (باطل بالاتفاق) وإنما الخلاف فى:
…
===
للنفى فلا يقال الصواب حذف لا، وأشار الشارح بهذا إلى أنه ليس المراد هنا بالاستلزام امتناع الانفكاك عقلا، بل المراد به عدم الانفكاك فى الوجود؛ لأنه ليس المراد أن كلا منهما لا يوجد بدون الآخر لما تقدم أن التخييلية عند السكاكى قد تكون بدون المكنية
(قوله: وذلك) أى: وبيان ذلك أى: بيان عدم استلزام المكنى عنها للتخييلية
(قوله: على هذا التقدير) أى: تقدير كون التبعية حقيقة
(قوله: بالاتفاق) أى: لاتفاق أهل الفن على أن التخييلية لازمة للمكنية
(قوله: هل تستلزم المكنى عنها) أى: أو لا تستلزمها
(قوله: فعند السكاكى لا تستلزم) أى: وعند غيره التخييلية تستلزم المكنية كما أن المكنية تستلزم التخييلية، فالتلازم عند السكاكى من الجانبين، وأما عنده فالمكنية تستلزم التخييلية دون العكس على ما قال المصنف
(قوله: كما فى قولنا أظفار المنية الشبيهة بالسبع) أى: فقد ذكر السكاكى أن الأظفار أطلقت على أمور وهمية تخييلا، وليس فى الكلام مكنى عنها لوجود التصريح بالتشبيه ولا استعارة عند التصريح بتشبيه الطرف الذى يستعار له، وأما القوم فيقولون هذا التركيب إن صح يجعل من ترشيح التشبيه، وليس فى الكلام لا مكنية ولا تخييلية
(قوله: وبهذا) أى: وباعتبار السكاكى التخييلية دون المكنية فى قولنا: أظفار المنية الشبيهة بالسبع أهلكت فلانا
(قوله: ظهر فساد ما قيل) أى: ما قاله صدر الشريعة جوابا عن السكاكى وردا لاعتراض المصنف وحاصل ذلك الجواب أنا نسلم أن لفظ نطقت مثلا إذا استعمل فى حقيقته لم توجد الاستعارة التخييلية، وأما قولك لكن عدم استلزام المكنية للتخييلية أى: عدم وجودها معها باطل اتفاقا فممنوع؛ لأن معنى قول السكاكى فى المفتاح: لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية أن التخييلية مستلزمة للمكنية فمتى وجدت التخييلية وجدت المكنية لا العكس، وحاصل الرد على ذلك المجيب أن السكاكى بعد ما اعتبر فى تعريف الاستعارة بالكناية
أن التخييلية هل تستلزم المكنى عنها؟
فعند السكاكى: لا تستلزم؛ كما فى قولنا: أظفار المنية الشبيهة بالسبع؛ وبهذا ظهر فساد ما قيل: إن مراد السكاكى بقوله: لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية أن التخييلية مستلزمة للمكنى عنها، لا على العكس؛ كما فهمه المصنف.
نعم، يمكن أن ينازع فى الاتفاق على استلزام المكنى عنها للتخييلية؛
…
===
ذكر شىء من لوازم المشبه به والتزم فى تلك اللوازم أن تكون استعارة تخييلية، قال: وقد ظهر أن الاستعارة بالكناية لا تنفك عن الاستعارة التخييلية على ما عليه سياق كلام الأصحاب وهذا صريح فى أن المكنية تستلزم التخييلية، وقد صرح فيما قبل ذلك بأن التخييلية توجد بدون المكنية كما فى قولنا: أظفار المنية الشبيهة بالسبع أهلكت فلانا، فعلم من مجموع كلاميه أن المكنية تستلزم التخييلية دون العكس، وأن معنى قوله: لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية أن المكنى عنها مستلزمة للتخييلية لا العكس كما فهمه ذلك المجيب
(قوله: أن التخييلية إلخ) خبر إن
(قوله: لا على العكس) عطف على قوله:
إن التخييلية إلخ بتقدير أى: لا أن كلامه محمول على العكس وهو أن المكنية مستلزمة للتخييلية كما قرر بعضهم وقرر آخر أن قوله: لا على العكس عطف على قوله:
مستلزمة للمكنية أى: لا كائنة على العكس ولو حذف على كما فى بعض النسخ كان أوضح لأن مراده العكس
(قوله: كما فهمه المصنف) الضمير راجع للعكس أى: كما فهمه المصنف هنا بناء على أن مراده بالاتفاق اتفاق السكاكى، وغيره من أئمة الفن.
(قوله: نعم إلخ) هذا استدراك على قوله: ظهر فساد ما قيل، وذلك أن هذا القول الفاسد اعتراض على المصنف، وإذا كان فاسدا فلا اعتراض عليه من تلك الجهة، ولما كان يتوهم أنه لا يعترض عليه من جهة أخرى استدرك على ذلك بقوله: نعم إلخ، وحاصله أن كلام المصنف يبحث فيه من جهة حكاية الاتفاق على أن المكنى عنها لا توجد بدون التخييلية، وكيف يصح ذلك مع أن صاحب الكشاف مصرح بخلاف ذلك فى قوله تعالى يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ (1) وأن النقض استعارة تصريحية لإبطال العهد وهى
(1) البقرة: 27.
لأن كلام الكشاف مشعر بخلاف ذلك. وقد صرح فى المفتاح- أيضا- فى بحث المجاز العقلى بأن قرينة المكنى عنها قد تكون أمرا وهميا كأظفار المنية، وقد تكون أمرا محققا؛ كالإنبات فى: أنبت الربيع البقل، والهزم فى: هزم الأمير الجند، إلا أن هذا لا يدفع الاعتراض عن السكاكى؛ لأنه قد صرح فى المجاز العقلى بأن نطقت فى: نطقت الحال بكذا أمر وهمى جعل قرينة للمكنى عنها،
…
===
قرينة للمكنى عنها التى هى العهد، إذ هو كناية عن الحبل فقد وجدت المكنى عنها عنده بدون التخييلية؛ لأن النقض الذى هو القرينة ليس تخييلا، إذ التخييل إما إثبات الشىء لغير ما هو له كما عند الجمهور، وإما إثبات صورة وهمية كما عند السكاكى على ما تقدم بيانه والنقض ليس كذلك بل استعارة تصريحية تحقيقية
(قوله: لأن كلام الكشاف) سيذكره بعد
(قوله: مشعر) أى: مصرح
(قوله: وقد صرح فى المفتاح إلخ) جواب عما يقال: نحمل الاتفاق فى كلام المصنف على اتفاق الخصمين السكاكى والمصنف، لا على اتفاق القوم الشامل لصاحب الكشاف، وحينئذ فلا يتوجه ذلك الاعتراض الوارد على المصنف من جهة حكاية الاتفاق، وحاصل الجواب أن هذا أيضا لا يصح؛ لأن السكاكى صرح أيضا بما يقتضى عدم الاستلزام حيث قال فى بحث المجاز العقلى قرينة المكنى إلخ
(قوله: قد تكون أمرا وهميا) أى: فتكون تخييلية وقد تكون أمرا محققا أى: فلا تكون تخييلية، إذ لا تخييل فى الأمر المحقق عنده فقد أثبت المكنى عنها بلا تخييل
(قوله: كالإنبات فى أنبت الربيع البقل) فقد شبه فيه الربيع بالفاعل الحقيقى تشبيها مضمرا فى النفس وقرينتها الإنبات
(قوله: والهزم فى هزم الأمير الجند) أى فشبه الأمير بالجيش استعارة بالكناية وإثبات الهزم- الذى هو من توابع الجيش له- قرينتها (قوله إلا أن هذا) أى: ما صرح به فى المفتاح فى بحث المجاز العقلى لا يدفع الاعتراض عن السكاكى أى:
لا يدفع الاعتراض عليه مطلقا؛ لأنه وإن دفع الاعتراض عليه بأن عدم الاستلزام باطل باتفاق- لا يدفع الاعتراض الآتى عليه وهو لزوم القول بالتعبية
(قوله: أمر وهمى) أى:
فيكون نطقت مستعملا فى غير ما وضع له؛ لأن ذلك الأمر الوهمى غير الموضوع له فيكون مجازا، ولا شك أن علاقته المشابهة للنطق فيكون استعارة، ولا شك أنه فعل، والاستعارة فى الفعل لا تكون إلا تبعية فقد اضطر إلى اعتبار الاستعارة التبعية.
وأيضا فلما جوز وجود المكنى عنها بدون التخييلية؛ كما فى: أنبت الربيع البقل.
ووجود التخييلية بدونها؛ كما فى: أظفار المنية الشبيهة بالسبع. فلا جهة لقوله: إن المكنى عنها لا تنفك عن التخييلية.
(وإلا) أى: وإن لم يقدر التبعية التى جعلها السكاكى قرينة المكنى عنها حقيقة، بل قدرها مجازا (فتكون) التبعية ك نطقت الحال- مثلا- (استعارة) ضرورة أنه مجاز علاقته المشابهة. والاستعارة فى الفعل لا تكون إلا تبعية.
(فلم يكن ما ذهب إليه) السكاكى من رد التبعية إلى المكنى عنها (مغنيا عما ذكره غيره) من تقسيم الاستعارة إلى التبعية، وغيرها؛ لأنه اضطر آخر الأمر إلى القول بالاستعارة التبعية، وقد يجاب
…
===
(قوله: وأيضا إلخ) هذا اعتراض على السكاكى لازم له من كلامه أهمله المصنف، وحاصله أن السكاكى صرح فى هذا الباب بعدم انفكاك المكنى عنها عن التخييلية وصرح فيه أيضا بعدم استلزام التخييلية للمكنى عنها كما فى أظفار المنية الشبيهة بالسبع، وصرح فى المجاز العقلى بجواز وجود المكنية بدون التخييلية كما فى: أنبت الربيع البقل، فلما جوز وجود كل منهما بدون الأخرى فلا وجه لقوله: إن المكنى عنها لا تنفك عن التخييلية؛ لأنها قد انفكت عنده فى أنبت الربيع البقل، وهزم الأمير الجند.
(قوله: من رد التبعية) أى: من رد قرينتها
(قوله: لأنه اضطر إلخ) أى: وإنما لم يكن ما ذكره مغنيا عما ذكره غيره؛ لأنه اضطر آخر الأمر إلى القول بالتبعية فقد فرّ من شىء وعاد إليه؛ لأنه حاول إسقاط الاستعارة التبعية ثم آل الأمر على هذا الاحتمال إلى إثباتها كما أثبتها غيره
(قوله: وقد يجاب) أى: عن لزوم القول بالاستعارة التبعية، وحاصله أنا نختار الشق الثانى وهو أن التبعية التى جعلها قرينة للمكنية ليست حقيقة، بل مجاز، وقولكم: فتكون استعارة فى الفعل، والاستعارة فيه لا تكون إلا تبعية ممنوع، لأن ذلك لا يلزم إلا لو كان السكاكى يقول: إن كل مجاز يكون قرينة للمكنى عنها يجب أن يكون استعارة فيلزم من كونها استعارة فى الفعل أن تكون تبعية، ولم لا يجوز أن
بأن كل مجاز تكون علاقته المشابهة لا يجب أن يكون استعارة لجواز أن يكون له علاقة أخرى باعتبارها وقع الاستعمال؛ كما بين النطق والدلالة؛ فإنها لازمة للنطق، بل إنما يكون استعارة إذا كان الاستعمال باعتبار علاقة المشابهة، وقصد المبالغة فى التشبيه؛ وفيه نظر؛ لأن السكاكى قد صرح بأن: نطقت هاهنا أمر مقدر وهمى؛ كأظفار المنية المستعارة للصورة الوهمية الشبيهة بالأظفار، ولو كان مجازا مرسلا عن الدلالة لكان أمرا محققا عقليا
…
===
يكون ذلك المجاز- الذى جعله قرينة للمكنى عنها- مجازا آخر غير الاستعارة بأن يكون مجازا مرسلا، وحينئذ فلا يلزم القول بالاستعارة التبعية؟ فللسكاكى أن يقول: هب أن نطقت فى قولنا: نطقت الحال بكذا مجاز عن دلالة الحال أى: إفهامه للمقصود، لكن لا يلزم أن يكون استعارة ولو صح كون علاقته المشابهة؛ لأن المعنى الواحد يجوز أن ينقل اللفظ إليه بعلاقة اللزوم مثلا كما فى دلالة الحال، فإنه يجوز أن يعتبر استلزام النطق لها فينقل لفظه لها ويجوز أن يعتبر تشبيه النطق بها فى وجه مشترك بينهما وهو التوصل بكل منهما إلى فهم المقصود فيكون نطقت على الأول مجازا مرسلا وعلى الثانى استعارة
(قوله: بأن كل مجاز تكون علاقته المشابهة إلخ) اعترض بأن المجاز الذى تكون علاقته المشابهة منحصر فى الاستعارة فكيف يقول: لا يجب أن يكون استعارة، والجواب أن مراده كل مجاز يصح أن تكون علاقته المشابهة بأن كان محتملا لها ولغيرها بدليل بقية الكلام، وليس المراد علاقته المشابهة بالفعل، وإلا لم يصح قوله: لا يجب إلخ تأمل
(قوله: علاقة أخرى) أى: كالملزومية.
(قوله: فإنها لازمة للنطق) أى: فنطقت إذا قلنا إنه غير مستعمل فى حقيقته، بل فى مجازه وهو الدلالة، نقول: إن استعماله فيها على جهة المجاز المرسل لعلاقة الملزومية لا على جهة الاستعارة، وحينئذ فقول المصنف فيكون (1) استعارة ممنوع فلم يلزم السكاكى القول بالتبعية
(قوله: وفيه نظر) أى: فى الجواب المذكور نظر، وحاصله أن هذا لا يصلح أن يكون جوابا عن السكاكى؛ لأنه صرح بأن نطقت أطلق هاهنا على أمر وهمى كأظفار المنية فإنها استعارة لأمر وهمى شبه بالأظفار الحقيقية، ومن المعلوم أن مقتضى
(1) كذا، وفي المتن: يكون.
على أن هذا لا يجرى فى جميع الأمثلة؛ ولو سلم؛ فحينئذ يعود الاعتراض الأول؛ وهو وجود المكنى عنها بدون التخييلية.
ويمكن الجواب: بأن المراد بعدم انفكاك الاستعارة بالكناية عن التخييلية أن التخييلية لا توجد بدونها
…
===
هذا الكلام كون نطقت استعارة من النطق الحقيقى للأمر الوهمى، لا أنه مجاز مرسل ولو كان مجازا مرسلا عن الدلالة كما هو مقتضى ذلك الجواب لكان مطلقا على أمر محقق عقلى لا على أمر وهمى كما صرح به، وبالجملة فالتزام السكاكى أن قرينة المكنية إذا لم تكن حقيقة تكون مجازا مرسلا لا يصح لمنافاة ذلك لما صرح به
(قوله: على أن هذا) أى: كون قرينة المكنية إذا لم تكن حقيقة تكون مجازا مرسلا لا يجرى فى جميع الأمثلة؛ لأن بعضها لا يوجد فيه علاقة أخرى غير المشابهة
(قوله: ولو سلم) أى: جريانه فى جميع الأمثلة يعود إلخ، وحاصله أنه لو سلم أن قرينة المكنية إذا لم تكن حقيقة تكون مجازا مرسلا فى جميع الأمثلة، وألغى النظر عما اقتضاه قوله: إن نطقت نقل للصورة الوهمية يلزم عليه حينئذ أن المكنية خلت عن التخييلية؛ لأن التخييلية عنده ليست إلا تشبيه الصورة الوهمية بالحسية، فإذا كان ما ذكر من القرينة مجازا مرسلا فلا تخييل، إذ لا صورة وهمية شبهت بالمعنى الأصلى، وإذا انتفى التخييل بقيت المكنى عنها بدون التخييلية، والمصنف قد رد هذا حيث قال سابقا وهو باطل باتفاق، واعلم أن الشارح قد جارى المصنف فى ذلك وإن كان قد ناقشه فى ذلك سابقا.
(قوله: ويمكن الجواب) أى: عن قوله ولو سلم يعود الاعتراض الأول لا عن أصل الاعتراض؛ لأنه قد صرح بأن نطقت مستعمل فى أمر وهمى فقد اضطر آخر الأمر إلى القول بالاستعارة التبعية، وحاصله أنا لا نسلم أن وجود المكنية بدون التخييلية ممنوع عند السكاكى، بل هو قائل بذلك وعبر بيمكن إشارة إلى أن هذا الجواب من عنده
(قوله: بأن المراد) أى: مراد السكاكى بقوله لا تنفك المكنى عنها عن التخييلية، وهذا توطئة للجواب ومحط الجواب قوله: وأما وجود إلخ
(قوله: أن التخييلية لا توجد بدونها) أى: فتكون التخييلية هى التى حكم عليها بأنها لا توجد بدون المكنى عنها، وأنت
فيما شاع من كلام الفصحاء؛ إذ لا نزاع فى عدم شيوع مثل: أظفار المنية الشبيهة بالسبع، وإنما الكلام فى الصحة، وأما وجود الاستعارة بالكناية بدون التخييلية فشائع؛ على ما قرره صاحب الكشاف فى قوله تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ (1)، وصاحب المفتاح فى مثل: أنبت الربيع البقل؛ فصار الحاصل من مذهبه أن قرينة الاستعارة بالكناية قد تكون استعارة تخييلية؛ مثل: أظفار المنية، ونطقت الحال، وقد تكون استعارة تحقيقية على ما ذكر فى قوله تعالى: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ (2) أن البلع استعارة عن غور الماء فى الأرض،
…
===
خبير بأن هذا الحمل يعكر على ما تقدم للشارح من أن قول القائل: إن قول السكاكى المذكور معناه استلزام التخييلية للمكنية مما تبين فساده، فقد جعل ذلك الحمل فاسدا فيما تقدم ومشى عليه هنا
(قوله: فيما شاع) إشارة لجواب عما يقال كيف نقول: إن التخييلية لا توجد بدون المكنية مع أنها وجدت فى قولك: أظفار المنية الشبيهة بالسبع أهلكت فلانا؟ وحاصل الجواب أن المنفى الوجود الشائع الفصيح لا مطلق الوجود
(قوله: إذ لا نزاع) أى: وإنما قيدنا بقولنا: فيما شاع؛ لأنه لا نزاع ولا خلاف فى عدم شيوع إلخ
(قوله: وإنما الكلام فى الصحة) أى: وإنما الخلاف فى صحة ذلك المثال فعند السكاكى هو صحيح وعند القوم لا يصح، إلا إذا جعل الأظفار ترشيحا للتشبيه لا على أنه تخييلية
(قوله: فشائع) أى: وحينئذ فلا يصح الاعتراض بوجود المكنية بدون التخييلية
(قوله: ينقضون عهد الله) أى فقد ذكر أن العهد مشبه بالحيل على طريق المكنية، وينقضون مستعار ليبطلون استعارة تحقيقية قرينة للمكنية، فقد وجدت المكنية بدون التخييلية
(قوله: أنبت الربيع البقل) فقد ذكر أن الربيع شبه بالفاعل الحقيقى على طريق المكنية، وأن الإنبات قرينة لها وهو حقيقة، فقد وجدت المكنية بدون التخييلية
(قوله: فصار الحاصل من مذهبه) أى: من مذهب السكاكى فى قرينة المكنية باعتبار ما ذكره فى أماكن متعددة
(قوله: ابلعى ماءك) أى: غورى ماءك
(قوله: عن غور الماء) أى: لغور الماء وهو منقول عن إدخال الطعام للجوف من الحلق.
(1) البقرة: 27.
(2)
هود: 44.