المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٣

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الفن الثانى علم البيان

- ‌تعريف علم البيان:

- ‌[أبواب علم البيان]:

- ‌ التشبيه

- ‌[وجه التشبيه]:

- ‌الوجه الداخل فى الطرفين والخارج عنهما:

- ‌[الوجه الواحد وغيره والحسى والعقلى]:

- ‌دقيقة فى الوجه المركب:

- ‌[أداة التشبيه]:

- ‌[الغرض من التشبيه]:

- ‌وعالم يعرف بالسجزى

- ‌أشهى إلى النفس من الخبز

- ‌[أقسام التشبيه باعتبار طرفيه]:

- ‌[إما تشبيه مركب بمفرد

- ‌[التشبيه الملفوف والمفروق]:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار أداته:

- ‌أقسام التشبيه باعتبار الغرض:

- ‌خاتمة

- ‌مراتب التشبيه:

- ‌الحقيقة والمجاز

- ‌تعريف الحقيقة:

- ‌[بقية الكلام عن الحقيقة]:

- ‌[أمثلة على استعمال الكلمة على حقيقتها وعلى غير حقيقتها]:

- ‌[تعريف الوضع]:

- ‌كلامه عن الحروف ومعانيها

- ‌الفرق بين المعنى الإفرادى والمعنى التركيبى

- ‌[إنكار الوضع]:

- ‌[كلامه عن صفات الحروف]:

- ‌بداية الكلام عن المجاز

- ‌أنواع المجاز:

- ‌أقسام المجاز

- ‌[تقسيم المفرد إلى مرسل واستعارة]:

- ‌[الكلام فى المجاز المرسل]:

- ‌[علاقة الجزئية والكلية]:

- ‌[علاقة السببية]:

- ‌[اعتبار ما كان وما يكون]:

- ‌[الاستعارة]:

- ‌[الكلام فى الاستعارة]:

- ‌هل الاستعارة مجاز لغوى أم عقلى:

- ‌[مفارقة الاستعارة للكذب]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الطرفين]:

- ‌[أنواع الاستعارة باعتبار الجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الطرفين والجامع]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار المستعار الأصلية والتبعية]:

- ‌[أقسام الاستعارة باعتبار الخارج]:

- ‌[المجاز المركب]:

- ‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

- ‌[اعتراضات على السكاكى]:

- ‌فصل عرف السكاكى إلخ:

- ‌[فصل]: فى شرائط حسن الاستعارة:

- ‌[فصل]: [قد يطلق المجار]

- ‌الكناية

- ‌تعريف الكناية:

- ‌أقسام الكناية:

- ‌الكناية العرضية:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

- ‌[فصل]: الموازنة بين المجاز والحقيقة:

الفصل: ‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

فلو غير المثل لما كان لفظ المشبه به بعينه فلا يكون استعارة فلا يكون مثلا ولهذا لا يلتفت فى الأمثال إلى مضاربها تذكيرا وتأنيثا وإفرادا وتثنية وجمعا بل إنما ينظر إلى مواردها كما يقال للرجل، الصيف ضيعت اللبن بكسر تاء الخطاب لأنه فى الأصل لامرأة.

‌فصل: فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية:

ولما كانتا عند المصنف أمرين معنويين غير داخلين فى تعريف المجاز أورد لهما فصلا على حدة

===

(قوله: فلو غير المثل) أى: بأن قيل فى المثل المتقدم مثلا: ضيعت اللبن بالصيف على لفظ المتكلم أو المخاطب

(قوله: لما كان) أى: المثل لفظ المشبه به

(قوله: فلا يكون مثلا) أى: لأن الاستعارة أعم من المثل، فإن المثل فرد منها، إلا أنه مخصوص بالفشو، فإذا لم يكن استعارة لم يكن مثلا؛ لأن رفع الأعم يستلزم رفع الأخص، والحاصل أن تغيير اللفظ يستلزم رفع كونه لفظ المشبه ورفع لفظ المشبه به يستلزم رفع الاستعارة؛ لأنها أخص منه، إذ كل استعارة لفظ المشبه به وليس كل لفظ المشبه به استعارة فيلزم من رفعه رفعها ويلزم من رفعها رفع ما هو أخص منها وهو المثل- وذلك ظاهر

(قوله: ولهذا) أى:

لأجل كون الأمثال لا تغير

(قوله: إلى مضاربها) جمع مضرب وهو الموضع الذى يضرب فيه المثل ويستعمل فيه لفظه وهو المستعار له، وذلك كحالة من طلب شيئا بعد ما تسبب فى ضياعه، وأما المورد فهو المستعار منه لفظ المثل وذلك كحالة المرأة التى طلبت اللبن بعد تسببها فى ضياعه، والحاصل أن المثل كلام استعمل فى مضربه بعد تشبيهه بمورده فمضربه ما استعمل فيه الكلام الآن، ومورده ما استعمل فيه الكلام أولا

(قوله: لأنه فى الأصل لامرأة) أى: خطاب لامرأة وهى دسوس بنت لقيط بن زرارة.

فصل

(قوله: أمرين معنويين) يعنى فعلين من أفعال المتكلم القائمة بنفسه

(قوله: غير داخلين فى تعريف المجاز) أى: وهو اللفظ المستعمل فى غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة

ص: 393

ليستوفى المعانى التى يطلق عليها لفظ الاستعارة فقال (قد يضمر التشبيه فى النفس فلا يصرح بشىء من أركانه سوى المشبه) وأما وجوب ذكر المشبه به فإنما هو فى التشبيه المصطلح عليه وقد عرفت أنه غير الاستعارة بالكناية

===

مانعة من إرادته، ووجه عدم دخولهما فيه أن المجاز من عوارض الألفاظ وهما عند المصنف ليسا بلفظين، بل فعلان من أفعال النفس أحدهما التشبيه المضمر والآخر إثبات لوازم المشبه به للمشبه

(قوله: ليستوفى المعانى إلخ) أى وهى ثلاثة: معنى الاستعارة المصرحة ومعنى الاستعارة المكنية ومعنى الاستعارة التخييلية فلفظ استعارة يطلق على هذه المعانى الثلاثة بطريق الاشتراك اللفظى، لكن بعضها داخل فى تعريف المجاز وبعضها غير داخل فيه عند المصنف، واعترض بأن هذه العلة لا تنتج إيراد المكنية والتخييلية فى فصل. نعم تنتج إيرادهما لا بقيد أن يكونا فى فصل مستقل، فلو قال الشارح: أورد لهما فصلا على حدة لمخالفتهما له عنده كان أظهر، إلا أن يقال: إن هذا تعليل للإيراد لا بقيد كونهما فى فصل، تأمل.

(قوله: قد يضمر التشبيه فى النفس) أى: فى نفس المتكلم أى: قد يستحضر المتكلم فى نفسه تشبيه شىء بشىء على وجه المبالغة وادعائه فى نفسه أن المشبه داخل فى جنس المشبه به

(قوله: من أركانه) أى من أركان التشبيه المستحضر فى النفس

(قوله: سوى المشبه) أى: إلا بالمشبه، وإنما اقتصر على التصريح به؛ لأن الكلام يجرى على أصله والمشبه هو الأصل ولو صرح معه بالمشبه به أو بالأداة لم يكن التشبيه مضمرا كما لا يخفى

(قوله: وأما وجوب إلخ) جواب عما يقال قد سبق فى التشبيه أن ذكر المشبه به واجب فى التشبيه البتة وهذا يعكر على قول المصنف فلا يصرح إلخ

(قوله: وأما وجوب ذكر المشبه به) أى: باقيا على معناه الحقيقى

(قوله: فإنما هو فى التشبيه المصطلح عليه) أى: وهو ما لا يكون على وجه الاستعارة بحيث يدل عليه بالأداة ظاهرة أو مقدرة، وأما التشبيه الذى على وجه الاستعارة فلا يذكر فيه المشبه به باقيا على معناه الحقيقى- ألا ترى للمصرحة فإنه ذكر فيها لفظ المشبه به، لكن ليس باقيا على معناه الحقيقى

(قوله: وقد عرفت) أى: من تعريف التشبيه، حيث قال فيه: والمراد هنا ما لم يكن على وجه

ص: 394

(ويدل عليه) أى على ذلك التشبيه المضمر فى النفس (بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به) من غير أن يكون هناك أمر متحقق حسا أو عقلا يطلق عليه اسم ذلك الأمر (فيسمى التشبيه) المضمر فى النفس (استعارة بالكناية أو مكنيا عنها) أما الكناية فلأنه لم يصرح به بل إنما دل عليه بذكر خواصه ولوازمه وأما الاستعارة

===

الاستعارة التحقيقية والاستعارة بالكناية والتجريد فقول الشارح: وقد عرفت أنه أى:

التشبيه المصطلح عليه غير الاستعارة بالكناية أى: وغير التصريحية التحقيقية وغير التجريد أيضا

(قوله: ويدل) الواو بمعنى مع أى: مع الدلالة عليه من المتكلم بأمر هو أن يثبت للمشبه الذى لم يذكره من الأطراف غيره

(قوله: أمر مختص بالمشبه به) أى: بأن يكون من لوازمه المساوية له ومن البين أن إثبات خاصة الشىء لغيره يدل على أنه الحق ونزل منزلته

(قوله: من غير أن يكون هناك) أى: للمشبه أمر متحقق حسا أو عقلا يطلق عليه اسم ذلك الأمر الخاص بالمشبه به كما فى أظفار المنية نشبت بفلان فإنه ليس للمشبه أظفار محققة حسا أو عقلا يطلق عليها لفظ الأظفار، وإنما وجد مجرد إثبات لازم المشبه به للمشبه لأجل الدلالة على التشبيه المضمر.

(قوله: فيسمى إلخ) الحاصل أنه قد وجد على ما ذكره المصنف فعلان إضمار التشبيه فى النفس على الوجه المذكور والآخر إثبات لازم المشبه به للمشبه وكلاهما يحتاج لأن يسمى باسم مخالف لاسم الآخر فذكر المصنف أن الأمر الأول وهو التشبيه المضمر فى النفس يسمى باسمين أحدهما استعارة بالكناية والآخر استعارة مكنى عنها وذكر أن الأمر الثانى- وهو إثبات الأمر المختص بالمشبه به للمشبه- يسمى استعارة تخييلية

(قوله: أما الكناية) أى: أما تسمية ذلك التشبيه المضمر بالكناية أى: أما تقييد اسمه بلفظ الكناية أو بلفظ المكنى عنها، وإنما قلنا ذلك؛ لأن التسمية بمجموع الاستعارة بالكناية أو الاستعارة المكنى عنها

(قوله: فلأنه لم يصرح به) أى: فلأن ذلك التشبيه لم يصرح به، (وقوله: بل إنما دل عليه) أى: على ذلك التشبيه (وقوله: بذكر خواصه) أى: خواص المشبه به فالضمائر ليست على وتيرة واحدة (وقوله: ولوازمه) عطف تفسير

(قوله: وأما الاستعارة)

ص: 395

فمجرد تسمية خالية عن المناسبة (و) يسمى (إثبات ذلك الأمر) المختص بالمشبه به (للمشبه استعارة تخييلية) لأنه قد استعير للمشبه ذلك الأمر الذى يخص المشبه به وبه يكون كمال المشبه به أو قوامه فى وجه الشبه ليخيل أن المشبه من جنس المشبه به (كما فى قول الهذلى،

===

أى: وأما تسمية ذلك التشبيه المضمر بالاستعارة

(قوله: فمجرد تسمية) أى: فتسمية مجردة أى خالية عن المناسبة؛ لأن الاستعارة هى الكلمة المستعملة إلخ، والتشبيه المضمر ليس كذلك. قال الفنرى: وقد يقال: إنما سمى ذلك التشبيه استعارة؛ لأنه أشبهها فى حقه وهو ادعاء دخول المشبه فى جنس المشبه به وحاصل ذلك أنه لما ذكرت اللوازم وأثبتت للمشبه دل ذلك على أن المشبه ادعى دخوله فى جنس المشبه به حتى استحق خواصه، وادعاء الدخول شأن الاستعارة، فسمى ذلك التشبيه استعارة لأجل ذلك.

(قوله: لأنه قد استعير) أى: قد نقل وأثبت للمشبه إلخ، وحاصل ما ذكره الشارح أن تسمية إثبات ذلك الأمر استعارة لأجل أن متعلقه وهو الأمر المختص بالمشبه به قد استعير أى: نقل عما يناسبه ويلائمه واستعمل مع ما شبه بما يناسبه، وأما تسميته تخييلية فلأن متعلقه وهو الأمر المختص بالمشبه به لما نقل عن ملائمه وأثبت للمشبه صار يخيل للسامع أن المشبه من جنس المشبه به

(قوله: وبه يكون كمال المشبه به) أى: كما فى البيت الأول، (وقوله أو قوامه) أى: كما فى البيت الثانى، فأو للتنويع والقوام مثلث القاف بمعنى الحصول والوجود، وأشار الشارح بذلك إلى أن الأمر الذى يثبت للمشبه من خواص المشبه به يجب أن يكون به كمال وجه الشبه فى المشبه به أو به قوام وجه الشبه ووجوده من أصله فى المشبه به

(قوله: فى وجه الشبه) تنازعه كمال وقوام وفى العبارة قلب أى: وبه يكون كمال وجه الشبه فى المشبه به أو قوام وجه الشبه فى المشبه به (وقوله: ليخيل) علة لقوله: لأنه قد استعير

(قوله: كما فى قول الهذلى) أى: كإضمار التشبيه وإثبات ما يخص المشبه به للمشبه فى قول أبى ذؤيب الهذلى من قصيدة من الكامل

ص: 396

===

قالها وقد هلك له خمسة بنين فى عام واحد، وكانوا فيمن هاجر إلى مصر فرثاهم بهذه القصيدة ومطلعها (1):

أمن المنون وريبها تتوجع

والدهر ليس بمعتب من يجزع

قالت أميمة ما لجسمك شاحبا

وبه ابتذلت ومثل ذلك ينفع

أمّا لجنبك لا يلائم مضجعا

إلا أقضّ عليك ذاك المضجع

فأجبتها أرثى لجسمى إنّه

أودى بنىّ من البلاد فودّعوا

أودى بنىّ فأعقبونى حسرة

عند الرقاد وعبرة لا تقلع

فالعين بعدهم كأنّ حداقها

سملت بشوك فهى عور تدمع

فبقيت بعدهم بعيش ناصب

وإخال أنى لاحق مستتبع

سبقوا هواى وأعنقوا لهواهم

فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع

ولقد حرصت بأن أدافع عنهم

وإذا المنية أقبلت لا تدفع

وإذا المنية أنشبت أظفارها

.. البيت

وبعده:

وتجلّدى للشامتين أريهم

أنى لريب الدّهر لا أتضعضع

حتى كأنى للحوادث مروة

بصفا المشرّق كلّ يوم تقرع

والدّهر لا يبقى على حدثانه

جون السراة له جدائد أربع

يروى أن عبد الله بن عباس أو الحسن بن على- رضى الله عنهما- استأذن على معاوية فى مرض موته ليعوده فادهن معاوية واكتحل وأمر أن يقعد ويسند، وقال:

ائذنوا له- بالدخول وليسلم قائما وينصرف، فلما دخل عليه وسلم، أنشد معاوية قوله فى هذه القصيدة: وتجلدى للشامتين أريهم البيت، فأجابه ابن عباس أو الحسن على الفور: وإذا المنية أنشبت أظفارها البيت، ثم خرج من داره حتى سمع الناعية عليه.

(1) فى الإشارات ص 228، شرح المرشدى على عقود الجمان (2/ 52)، وهو لأبى ذؤيب الهذلي.

ص: 397

وإذا المنية أنشبت) أى علقت (أظفارها)، ألفيت كل تميمة لا تنفع التميمة الخرزة التى تجعل معاذة أى تعويذا أى إذا علق الموت مخلبه فى شىء ليذهب به بطلت عنده الحيل (شبه) الهذلى فى نفسه (المنية بالسبع فى اغتيال النفوس بالقهر والغلبة

===

وأبو ذؤيب اسمه: خويلد بن خالد بن محرث ينتهى نسبه لنزار وهو أحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ولم يثبت له اجتماع بالنبى صلى الله عليه وسلم وحدث أبو ذؤيب قال بلغنا: فى البادية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل، فبت بأطول ليلة حزنا حتى قرب السحر فسافرت حتى أتيت المدينة فوجدت بها ضجيجا بالبكاء ضجيج الحج بعرفة، فقلت: مه فقالوا: رسول الله قد مات فجئت إلى المسجد فوجدته خاليا، فأتيت بيت رسول الله فأصبت بيته مرتجا، وقيل: هو مسجى، وقد خلا به أهله، فقلت: أين الناس؟

فقيل: فى سقيفة بنى ساعدة صاروا إلى الأنصار فجئت السقيفة فحضرت مبايعة عمر لأبى بكر ومبايعة الناس له أيضا، ثم رجع أبو بكر ورجعت معه فشهدت الصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم وشهدت مدفنه.

وعن الزبير بن بكار قال: حدثنى عمى قال: كان أبو ذؤيب الهذلى خرج فى جند عبد الله بن سعد بن أبى سرح أحد بنى عامر بن لؤى إلى إفريقية غازيا فى سنة ست وعشرين فى زمن خلافة عثمان- رضى الله عنه- فلما فتح عبد الله بن سعد إفريقية وما والاها بعث عبد الله بن الزبير فى جند بشيرا لعثمان وكان من جملة الجند أبو ذؤيب، فلما قدموا مصر مات أبو ذؤيب فيها كأولاده

(قوله: المنية) من منى الشىء إذا قدر سمى الموت بها؛ لأنه مقدر- ا. هـ فنرى.

(قوله: أى: علقت أظفارها) أى: مكنتها من هالك

(قوله: ألفيت) أى:

وجدت كل تميمة لا تنفع يعنى عند ذلك الإنشاب

(قوله: الخرزة) بفتح الخاء والراء المهملة وبعدها زاى معجمة مفتوحة

(قوله: معاذة) المعاذة والتعويذ والعوذة كلها بمعنى، وهى الشىء الذى يعلق على عنق الصبيان صونا لهم عن العين أو الجن على زعمهم

(قوله: أى تعويذا) أى: تحصينا

(قوله: فى اغتيال) أى: إهلاك

(قوله: بالقهر والغلبة)

ص: 398

من غير تفرقة بين نفاع وضرار) ولا رقة لمرحوم ولا بقيا على ذى فضيلة (فأثبت لها) أى للمنية (الأظفار التى لا يكمل ذلك) الاغتيال (فيه) أى فى السبع (بدونها) تحقيقا للمبالغة فى التشبيه فتشبيه المنية بالسبع استعارة بالكناية وإثبات الأظفار لها استعارة تخييلية (وكما فى قول الآخر:

ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا

فلسان حالى بالشّكاية أنطق (1)

===

الباء للملابسة أى: اغتيالا ملتبسا بالقهر والغلبة بحيث لا يتأتى عند نزوله مقاومته ومدافعته (وقوله: الغلبة) عطف تفسير

(قوله: من غير تفرقة) أى: فى الناس (وقوله: بين نفاع) أى: كثير النفع منهم (وقوله: وضرار) أى: كثير الضرر منهم أى: أنها لا تبالى بأحد ولا ترحمه، بل تأخذ من نزلت به أيّا كان بلا رقة منها على من يستحق الرحمة ولا تبقى على ذى فضيلة يستحق أن يراعى وذلك شأن السبع عند غضبه

(قوله: لمرحوم) أى: لمن يستحق أن يرحم

(قوله: ولا بقيا) هى اسم من أبقيت على فلان إذا رحمته أى: ولا رحمة على ذى فضيلة كعالم وصالح

(قوله: التى لا يكمل إلخ) فيه إشارة إلى أن اغتيال النفوس وإهلاكها يتقوم ويحصل من السبع بدون الأظفار كالأنياب، لكنه لا يكمل الاغتيال فيه بدونها.

(قوله: تحقيقا إلخ) علّة لقوله: فأثبت لها الأظفار إلخ أى: لأجل تحقيق المبالغة الحاصلة من دعوى أن المشبه فرد من أفراد المشبه به.

(قوله: وكما فى قول الآخر) قال صاحب الشواهد: لا أعلم قائل ذلك البيت وقبله كما فى الأطول:

لا تحسبنّ بشاشتى لك عن رضا

فوحقّ جودك إننى أتملّق

(قوله: ولئن نطقت إلخ) جواب الشرط محذوف أى: فلا يكون لسان مقالى أقوى من لسان حالى فحذف الجواب وأقام لازمه- وهو قوله: فلسان حالى إلخ- مقامه

(قوله: بشكر برك) متعلق بمفصحا أى: ولئن نطقت بلسان المقال مفصحا بكشر برك، (وقوله:

بالشكاية) متعلق بأنطق أى: فلسان حالى أنطق بالشكاية منك؛ لأن ضرك أكثر

(1) الإشارات ص 228، وشرح المرشدى 2/ 52، وهو لمحمد بن عبد الله العتبى.

ص: 399

شبه الحال بإنسان متكلم فى الدلالة على المقصود) وهو استعارة بالكناية (فأثبت لها) أى للحال (اللسان الذى به قوامها) أى قوام الدلالة (فيه) أى فى الإنسان المتكلم وهذا الإثبات استعارة تخييلية فعلى هذا كل من لفظى الأظفار والمنية حقيقة مستعملة فى معناها الموضوع له وليس فى الكلام مجاز لغوى والاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية فعلان من أفعال المتكلم

===

من برك، ويحتمل أن المراد فلسان حالى ناطق بالشكاية من لسان مقالى حيث يعجز عن أداء حق شكرك، فهو كلام موجه- كذا قيل، لكن البيت الأول يبعد هذا الاحتمال الثانى، تأمل.

(قوله: شبه الحال إلخ) هذا على تقدير أن يكون لسان حالى ليس من قبيل إضافة المشبه به للمشبه كلجين الماء

(قوله: الذى به قوامها) أى: الذى حصل به قوام تلك الدلالة، وأصل قوام الشىء ما يقوم به ويوجد منه كأجزاء الشىء، ولذلك يقال للخيوط التى يضفر منها الحبل: إنها قوامه، والمراد به هنا وجوده وتحققه، وذلك أن الدلالة فى الإنسان المتكلم الذى هو المشبه به لا تقرر لها من حيث إنه متكلم حقيقة إلا باللسان، وأما وجود الدلالة فى الإنسان بالإشارة فلا يرد؛ لأن المشبه به على ما ذكره المصنف هو الإنسان من حيث إنه متكلم لا من حيث إنه مشير ولا إنسان مطلقا

(قوله: فيه) أى: منه ففى بمعنى من

(قوله: فعلى هذا) أى: ما ذكره المصنف فى بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية.

(قوله: وليس فى الكلام مجاز لغوى) لأنه الكلمة المستعملة فى غير ما وضع له لعلاقة مع قرينة وليس فى الكلام- أعنى قوله: وإذا المنية أنشبت أظفارها- لفظ مستعمل فى غير ما وضع له على كلام المصنف، وإنما المجاز الذى فى ذلك الكلام هو إثبات شىء لشىء ليس هو له، وهذا مجاز عقلى كإثبات الإنبات للربيع على ما سبق

(قوله: والاستعارة بالكناية إلخ) عطف على قوله كل من لفظى إلخ

(قوله: فعلان إلخ) الأول التشبيه المضمر، والثانى إثبات لازم المشبه به للمشبه، (وقوله: فعلان) أى: لا لفظان والمجاز اللغوى من عوارض الألفاظ. وهذا وإن فهم مما سبق، لكنه أعاده توطئة لقوله: متلازمان،

ص: 400

متلازمان إذ التخييلية يجب أن تكون قرينة للمكنية البتة والمكنية يجب أن تكون قرينتها تخييلية البتة فمثل قولنا: أظفار المنية الشبيهة بالسبع أهلكت فلانا يكون ترشيحا للتشبيه

===

واعلم أن المصنف إنما خالف القوم فى المكنية، وأما التخييلية فهو موافق لهم فيها، بخلاف السكاكى: فإنه خالفهم فى كل من المكنية والتخييلية كما يتضح لك مذهبه فيما يأتى.

(قوله: متلازمان) أى: كل منهما لازمة للأخرى فلا توجد إحداهما بدون الأخرى

(قوله: يجب أن تكون قرينة للمكنية) فلا توجد التخييلية بدون المكنية أى: لأنها لو صحت مع التصريحية أو مع مجاز آخر كانت ترشيحا، إذ الفرق بين الترشيح والتخييل- وإن كان كلّ منهما لازما للمشبه به مخصوصا به- أن الترشيح يكون فى غير المكنى عنها والتخييل يكون فى المكنى عنها، فإن قلت: فهل يتصور بينهما فرق آخر سوى كون الترشيح للتصريحية أو المجاز المرسل وكون التخييل قرينة للمكنى عنها؟ قلت: قد قيل إن التخييل لا بد أن يكون به كمال وجه الشبه أو قوامه كما مر، والترشيح يكون بمطلق لازم مختص

(قوله: والمكنية يجب أن تكون قرينتها تخييلية) أى: عند المصنف كالقوم خلافا لصاحب الكشاف كما يأتى

(قوله: فمثل قولنا إلخ) الأولى فمثل الأظفار فى قولنا إلخ، وهذا جواب عما يقال: كيف تقول: إن المكنية والتخييلية متلازمتان، مع أن التخييلية قد وجدت بدون المكنية فى المثال المذكور؛ لأنه صرح فيه بالتشبيه وهو كما يمنع فى المصرحة يمنع فى المكنية؟ وحاصل الجواب بالمنع؛ لأن الأظفار فى المثال المذكور ترشيح للتشبيه لا تخييل، إذ كما ترشح الاستعارة يرشح التشبيه وكذلك المجاز المرسل كما فى الحديث، والحاصل أن الترشيح لا يختص بالاستعارة التصريحية، بل يكون للتشبيه ويكون للمجاز المرسل وللمجاز العقلى ويكون للمكنى عنها بعد وجود قرينتها التى هى التخييلية ويصح جعله فى هذه الحالة ترشيحا للتخييلية الواقعة قرينة للمكنية؛ لأنها إما مصرحة كما يقوله السكاكى أو مجاز عقلى كما يقوله غيره وكل منهما يجوز ترشيحه، فضابط الترشيح أن يذكر ما يلائم المشبه به أو المتجوز عنه

ص: 401

كما أن أطولكن فى قوله عليه الصلاة والسلام (1)" أسرعكن لحوقا بى أطولكن يدا" أى نعمة

===

أو الأصل الذى حق الإسناد أن يكون له، ففى الاستعارة والمجاز المرسل يعتبر بعد قرينتهما وفى التشبيه والمجاز العقلى يعتبر مطلقا، أما مثاله فى التشبيه فكما فى قولنا:

أظفار المنية الشبيهة بالسبع أهلكت فلانا، وأما مثاله فى المكنى عنها فكأن يقال: أنشبت المنية أظفارها بفلان ولها لبد وزئير، وأما مثاله فى التصريحية فكما مر فى قوله:

لدى أسد شاكى السلاح مقذّف

له لبد أظفاره لم تقلّم (2)

وأما مثاله فى المجاز العقلى فكما فى قوله:

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطىّ الأباطح (3)

فإنه بعد ما شبه السير بالسيلان وعبر به عنه أسنده إلى الأباطح- جمع أبطح وهو المكان المتسع الذى فيه دقاق الحصى- إسنادا مجازيّا، وأعناق المطى مناسب لمن ثبت له السير حقيقة وهم القوم، فهو ترشيح للمجاز العقلى، وأما مثاله فى المجاز المرسل فكما فى قوله صلى الله عليه وسلم لأزواجه الطاهرات:"أسرعكن لحوقا بى أطولكن يدا"، فإن اليد مجاز مرسل عن النعمة لصدورها عن اليد، (وقوله: أطولكن) ترشيح لذلك المجاز؛ لأنه مأخوذ من الطول بالفتح وهو الإنعام والإعطاء وذلك ملائم لليد الأصلية؛ لأن الإنعام إنما يكون بها، وقد يقال: إن الإنعام والإعطاء كما يلائم اليد الأصلية؛ لأنه يكون بها يلائم النعمة أيضا؛ لأنها متعلقه فيكون مشتركا بين الأصل والفرع فلا يكون ترشيحا، ومعنى أطولكن: أكثركن طولا أى: إنعاما وإعطاء وجعل أطولكن مأخوذا من الطول بالضم وهو ضد القصر ليناسب اليد الأصلية فيكون ترشيحا يؤدى إلى خلو الكلام عن الإخبار بكثرة الجود المقصود اللهم إلا أن يقال: إنه استعير الطول بالضم للاتساع فى العطاء وكثرته، فيكون ترشيحا باعتبار أصله لما تقرر من أن الترشيح يجوز إبقاؤه على حقيقته لم يقصد منه إلا التقوية، ويجوز استعارته لملائم المعنى المجازى المراد من اللفظ.

(1) رواه مسلم في فضائل الصحابة (2452) بلفظ" لحاقا".

(2)

و (3) سبق تخريجهما.

ص: 402

ترشيح للمجاز. هذا، ولكن تفسير الاستعارة بالكناية بما ذكره المصنف شىء لا مستند له فى كلام السلف ولا هو مبنى على مناسبة لغوية ومعناها المأخوذ من كلام السلف هو ألّا يصرح بذكر المستعار بل بذكر رديفه ولازمه الدالّ عليه فالمقصود بقولنا: أظفار المنية استعارة السبع للمنية كاستعارة الأسد للرجل الشجاع إلا أنا لم نصرح بذكر المستعار أعنى السبع بل اقتصرنا على ذكر لازمه وهو الأظفار لينتقل منه إلى المقصود كما هو شأن الكناية فالمستعار هو لفظ السبع الغير المصرح به والمستعار منه هو الحيوان المفترس والمستعار له هو المنية

===

(قوله: ترشيح للمجاز) أى: المرسل كما علمت

(قوله: هذا) أى: افهم هذا

(قوله: بما ذكره المصنف) أى: من أنها التشبيه المضمر فى النفس

(قوله: لا مستند له فى كلام السلف) أى: لأنه لم ينقل عن أحد من السلف مثل ما ذكره المصنف

(قوله: ولا هو مبنى على مناسبة لغوية) أى: لأن إضمار التشبيه ليس فيه نقل لفظ إلى غير معناه حتى لأن يسمى بالاستعارة كما يناسب نقل اللفظ الذى هو المجاز اللغوى

(قوله: هو ألّا يصرح إلخ) أى: ذو ألّا يصرح أى: اسم المشبه به المستعار فى النفس الموصوف بعدم التصريح به، فالاستعارة بالكناية عند السلف اللفظ المذكور لا عدم التصريح به كما هو ظاهر الشارح

(قوله: بل يذكر) أى: بل يصرح بذكر رديفه (وقوله: ولازمه) تفسير للرديف

(قوله: لم نصرح بذكر المستعار) أى: بمذكور هو المستعار (وقوله: أعنى السبع) أى: أعنى لفظ السبع

(قوله: على ذكر لازمه) أى: لازم مدلوله؛ لأن الأظفار إنما هى لازمة لمدلول لفظ السبع أعنى الحيوان المفترس

(قوله: لينتقل منه) أى: من ذلك اللازم إلى المقصود أى: إلى المقصود استعارته وهو السبع

(قوله: كما هو شأن الكناية) أى: فإنه ينتقل فيها من اللازم المساوى إلى الملزوم، والحاصل أن قولنا: أظفار المنية نشبت بفلان يقصد بالأظفار فيه أن تكون كناية عن السبع المقصود استعارته للمنية كاستعارة الأسد للرجل الشجاع، فإذا استعمل بهذا القصد فقد صح أنا لم نصرح بالمستعار الذى هو السبع، بل كنينا عنه ونبهنا عليه بمرادفه لينتقل منه إلى المقصود استعارته

(قوله: هو لفظ السبع الغير المصرح به) أى: بل كنى عنه برديفه.

ص: 403

قال صاحب الكشاف: إن من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكتوا عن ذكر الشىء المستعار ثم يرمزوا إليه بذكر شىء من روادفه فينبهوا بذلك الرمز على مكانه نحو شجاع يفترس أقرانه ففيه تنبيه على أن الشجاع أسد هذا كلامه وهو صريح فى أن المستعار هو اسم المشبه به المتروك صريحا المرموز إليه بذكر لوازمه

===

(قوله: قال صاحب الكشاف) هذا سند لما نقله عن السلف، وحينئذ فالمراد بهم صاحب الكشاف ومن قبله ومن معه

(قوله: إن من أسرار البلاغة إلخ) أى: إذا كان المقام مقتضيا للاستعارة دون الحقيقة بأن كان المقام مقام تأكيد أو مبالغة فى مدح أو ذم أو كان المقام مقام خطاب الذكى دون الغبى، فإن من لطائف تلك البلاغة التى هى الإتيان بالاستعارة المناسبة لذلك المقام أن يسكتوا عن ذكر الشىء المستعار إلخ، وإنما كان ذلك من أسرار البلاغة؛ لأن التوصل إلى المجاز بالكناية أعذب وأقوى من ذكر نفس المجاز كما لا يخفى

(قوله: عن ذكر الشىء) أى: اللفظ

(قوله: ثم يرمزوا إلخ) أى:

يشيروا وبابه ضرب ونصر

(قوله: من روادفه) أى: لوازمه أى: لوازم معناه

(قوله: على مكانه) الضمير للمستعار والمكان هنا مصدر لكان التامة أى: على كينونته ووجوده أى: ملاحظته فى الذهن

(قوله: نحو شجاع يفترس أقرانه) أى: فقد شبه الشجاع بالأسد تشبيها مضمرا فى النفس وادعى أنه فرد من أفراده واستعير له اسمه على طريق الاستعارة بالكناية وإثبات الافتراس تخييل، وهو عند صاحب الكشاف مستعار لإهلاك الأقران فهو استعارة تحقيقية قرينة للمكنية

(قوله: ففيه تنبيه) أى: ففى هذا الكلام تنبيه على أن الشجاع ثبتت له الأسدية وأنه فرد من أفراده وقد رمز لذلك بشىء من روادفه وهو الافتراس، إن قلت: المكنى عنه على هذا هو ثبوت معنى الأسد لا لفظه فلم يكن عنه حتى يسمى استعارة بالكناية. قلت: الكناية بالأظفار مثلا عن ثبوت معنى الأسدية للمنية مثلا مسببة عن تبعية إطلاق لفظ السبع على المنية؛ فبهذا الاعتبار كانت الأظفار كناية عن اللفظ أيضا لإشعارها به

(قوله: وهو صريح فى أن المستعار هو اسم المشبه به المتروك) أى: فصريح كلامه موافق للمأخوذ من كلام السلف فى معنى الاستعارة بالكناية، إلا أنه يخالفهم فى قرينتها؛ وذلك لأنها عند السلف يجب أن تكون تحييلية، وأما

ص: 404

.

===

عند صاحب الكشاف فلا يجب أن تكون تحييلية، بل قد تكون تحقيقية فضابط قرينتها عنده أن يقال: إن لم يكن للمشبه لازم يشبه رادف المشبه به كانت القرينة تخييلية كما فى أظفار المنية أى: مخالبها نشبت بفلان وإن كان للمشبه لازم يشبه رادف المشبه به كانت تلك القرينة استعارة تحقيقية كما فى" ينقضون عهد الله" وشجاع يفترس أقرانه وعالم يغترف منه الناس، فالقرينة لاستعارة الحبل للعهد فى الأول ولاستعارة الأسد للشجاع فى الثانى ولاستعارة البحر للعالم فى الثالث عند السلف تخييلية وهى إثبات النقض الذى هو من روادف الحبل للعهد وإثبات الافتراس الذى هو من روادف الأسد للشجاع وإثبات الاغتراف الذى هو من روادف البحر للعالم، وأما صاحب الكشاف فيقول: قد شبه العهد بالحبل فى النفس بجامع الربط فى كل، فإن العهد يربط بين المتعاهدين كما يربط الشيئان بالحبل، وادعى أن العهد فرد من أفراد الحبل واستعير له اسمه فى النفس على طريق المكنية وشبه إبطال العهد بنقض طاقات الحبل واستعير النقض للإبطال، واشتق من النقض ينقضون بمعنى يبطلون على طريق الاستعارة التصريحية التحقيقية التبعية، وفى المثال الثانى يقول: إنه شبه الشجاع بالأسد، وادعى أنه فرد من أفراده واستعير فى النفس اسمه له على طريق الاستعارة بالكناية وشبه بطش الشجاع، وقتله لأقرانه بافتراس الأسد واستعير اسم المشبه به للمشبه واشتق من الافتراس يفترس بمعنى يبطش ويقتل على طريق التصريحية التحقيقية التبعية، وفى المثال الثالث: شبه العالم بالبحر بجامع الانتفاع بكلّ، وادعى أنه فرد من أفراده، واستعير فى النفس اسمه له على طريق الاستعارة بالكناية، وشبه انتفاع الناس بالعالم بالاغتراف من البحر، واستعير الاغتراف للانتفاع، واشتق من الاغتراف يغترف بمعنى ينتفع على طريق الاستعارة التصريحية التحقيقية التبعية، وكذا يقاس على ما ذكر ما يماثله. قال العلامة السيد: فإن قلت: إذا كان النقض ونظائره من الافتراس والاغتراف على مذهب صاحب الكشاف استعارات مصرحا بها قد شبه معانيها المرادة بمعانيها الأصلية، فكيف تكون كنايات عن الاستعارات المكنى عنها مع استعمالها فى معنى هو لازم المشبه؟ قلت: هذه الاستعارات

ص: 405

وسيجىء الكلام على ما ذكره السكاكى.

(وكذا قول (1) زهير:

صحا)

===

من حيث إنها متفرعة عن الاستعارات الأخر المكنى عنها صارت كنايات عنها، فإن النقض إنما شاع استعماله فى إبطال العهد من حيث تسميتهم العهد حبلا، فلما نزلوا العهد منزلة الحبل وسموه به نزل إبطاله منزلة نقضه، فلولا استعارة الحبل لعهد لم يحسن، بل لم يصح استعارة النقض للإبطال، وقس على ذلك استعارة الافتراس والاغتراف، فإنها تابعة لاستعارة الأسد للشجاع والبحر للعالم، أو أنه لما كانت هذه الاستعارات تابعة لتلك الاستعارات المكنى عنها ولم تكن مقصودة فى أنفسها، بل قصد بها الدلالة على تلك الاستعارات الأخر كانت كناية عنها، وهذا لا ينافى كونها فى أنفسها استعارة على قياس ما عرف من أن الكناية لا تنافى إرادة الحقيقية، فالافتراس مع كونه استعارة مصرحة بها كناية عن استعارة الأسد للرجل الشجاع.

بقى شىء آخر وهو أن ما أفاده كلام صاحب الكشاف من أن المستعار هو اسم المشبه به المتروك مشكل، وذلك أن اللفظ المستعار من أفراد المجاز اللغوى المعروف بأنه الكلمة المستعملة فى غير ما وضعت له والأسد المتروك أمر مضمر فى النفس لم يقع فيه استعمال فى غير ما وضع له، اللهم إلا أن يقال: مرادهم بقولهم فى تعريف المجاز:

الكلمة المستعملة تحقيقا أو تقديرا، فتأمل.

(قوله: وسيجىء إلخ) جواب عما يقال: إن الشارح لم يتعرض فى الاستعارة بالكناية هنا إلا لمذهب السلف ولم يتعرض هنا لمذهب السكاكى فيها، فأجاب الشارح بأن مذهبه فيها سيأتى الكلام عليه فلا حاجة للكلام عليه هنا.

(قوله: وكذا قول زهير) هذا إشارة إلى مثال آخر فيه الاستعارة بالكناية، والتخييلية فيها مما يكون به قوام الوجه الذى هو أحد القسمين السابقين، وإنما أتى به مع تقدم مثال آخر للإشارة إلى أن من أمثلة المكنى عنها ما يصح أن يكون من التصريحية

(1) شرح المرشدى 2/ 52، ولزهير فى ديوانه 124، والطراز 1/ 233، والمصباح 132.

ص: 406

أى: سلا مجازا من الصحو خلاف السكر (القلب عن سلمى وأقصر باطله).

يقال: أقصر عن الشىء: إذا أقلع عنه- أى: تركه وامتنع عنه- أى: امتنع باطله عنه،

===

التحقيقية على ما يقرره بتأويل سيذكره فيه، والمراد بزهير المذكور زهير بن أبى سلمى بضم السين وسكون اللام، والد كعب صاحب بانت سعاد القصيدة المشهورة

(قوله: أى سلا) هذا بيان المعنى المراد من اللفظ (وقوله: مجازا) نصب على الحال والعامل فيه معنى الفعل المستفاد من كلمة التفسير، أى أفسره بسلا حالة كونه مجازا، (وقوله: من الصحو) خبر لمبتدأ محذوف أى وهو أى صحا مشتق من الصحو خلاف السكر، وهذا بيان للمعنى الأصلى من اللفظ، وحاصل ما أراده الشارح أن صحا مشتق من الصحو الذى هو فى اللغة زوال السكر والإفاقة منه، أطلقه الشاعر وأراد به السلو الذى هو زوال العشق من القلب والرجوع عنه، فشبه السلو الذى هو زوال العشق بالصحو الذى هو زوال السكر والإفاقة منه بجامع انتفاء ما يغيب عن المراشد والمصالح واستعار اسم المشبه به للمشبه ثم اشتق من الصحو صحا بمعنى سلا، فصحا بمعنى سلا كما قال الشارح استعارة تصريحية تبعية، هذا والأولى للشارح أن يقول: من الصحو بمعنى خلاف السكر؛ لأن الصحو فى اللغة كما يطلق على خلاف السكر يطلق على ذهاب الغيم، خلافا لظاهر الشارح من قصره على الأول، فتأمل

(قوله: عن سلمى) أى عن حب سلمى، أى رجع القلب عن حبها بحيث زال حبها منه، وأل فى القلب عوض عن المضاف إليه أى قلبى، وفى الأطول عن سلمى أى معرضا عنها.

(قوله وأقصر باطله) اعلم أن المذكور فى الصحاح وغيره من كتب اللغة أن أقصر مشروط بكون فاعله ذا قدرة واختيار التعدية بعن، قال فى الصحاح: أقصرت عن الشىء أى كففت عنه مع القدرة عليه، فإن عجزت عنه قلت: قصرت عن الشىء بلا ألف، باطل القلب ميله إلى الهوى فهو ليس ذا قدرة واختيار وحينئذ فكيف يصح إسناد أقصر إليه فى كلام الشاعر؟ وأجاب بعضهم بأن فى قول الشاعر: وأقصر باطله قلبا، والأصل وأقصرت عن باطله، فحق أقصرت أن يسند لذى القدرة ويتعدى لغيره كالباطل

ص: 407

وتركه بحاله: (وعرّى أفراس الصّبا ورواحله)

(أراد) زهير (أن يبين أنه ترك ما كان

===

بعن، فقلب الكلام وجعل الباطل فاعلا بعد أن كان مجرورا والضمير مضافا إليه، وأجاب بجواب آخر وحاصله أنه لا حاجة لذلك القلب لجواز أن يراد بالإقصار معناه المجازى وهو مطلق الامتناع لا الامتناع مع القدرة كما هو معناه الحقيقى، فقول الشارح: يقال أقصر أى فلان عن الشىء (وقوله: أى تركه وامتنع عنه) أى مع القدرة عليه، وهذا إشارة لبيان المعنى اللغوى للإقصار، (وقوله: أى امتنع باطله عنه) أى انتفى باطل القلب عنه، تفسير قول الشاعر: وأقصر باطله تفسير مراد إشارة إلى أن المراد من الإقصار معناه المجازى وهو مطلق الامتناع، (قوله وتركه) أى وترك الباطل ذلك القلب ملتبسا بحاله الأصلى وهو الخلو من العشق تفسير لقوله: أى امتنع باطله عنه.

(قوله وعرى أفراس الصبا) يحتمل أن يكون نائب الفاعل ضمير القلب، وأفراس بالنصب مفعوله الثانى، أى عرى القلب أفراس الصبا ورواحل الصبا، والرواحل جمع راحلة وهو البعير القوى فى الأسفار، ومعنى تعرية القلب عن أفراس الصبا وعن رواحله أن يحال بينه وبين تلك الأفراس والرواحل بحيث تزال عنه، ويحتمل أن يكون نائب فاعل عرى هو الأفراس، فيكون المعنى أن أفراس الصبا ورواحله عريت من سروجها، عن رحالها التى هى آلات ركوبها للإعراض عن السير المحتاج إليها فيه

(قوله: أراد زهير إلخ) قد علمت أن البيت المذكور يحتمل أن تكون الاستعارة المعتبرة فيه بالكناية، وأن تكون تحقيقية، فأشار المصنف إلى تحقيق معنى الاستعارة بالكناية فى البيت، وإلى بيان المراد به على تقدير وجودها فيه بقوله: أراد إلخ، وأشار إلى تحقيق معنى الاستعارة التحقيقية فيه وإلى بيان المراد به على تقدير وجودها فيه بقوله بعد: ويحتمل إلخ، واعلم أنه عند حمل الاستعارة فى البيت على التحقيقية تنفى الاستعارة بالكناية عند المصنف وكذا عند القوم، لأنهم يقولون: إن المكنية والتخييلية متلازمتان لا توجد إحداهما بدون الأخرى، وأما على مذهب صاحب الكشاف من جواز كون قرينة المكنية تحقيقية فلا تنفى المكنية عند الحمل على التحقيقية

(قوله: أن يبين) أى بهذا الكلام

ص: 408

يرتكبه زمن المحبة من الجهل والغىّ، وأعرض عن معاودته فبطلت آلاته) الضمير فى معاودته وآلاته لما كان يرتكبه.

===

(قوله: يرتكبه) أى يفعله

(قوله: زمن المحبة) أى فى زمن المحبة، فهو منصوب على الظرفية، واعترضه العصام بأنه لا دلالة فى الكلام على ترك ما كان يرتكبه زمن المحبة فهو منصوب على الظرفية واعترضه العصام بأنه لا دلالة فى الكلام على ترك ما كان يرتكبه زمن المحبة مطلقا على ما يقتضيه السوق، وإنما يدل على تركه ما كان يرتكبه فى حب سلمى، وإلا أن يراد بسلمى جنس المحبوب، كما قد يراد بحاتم السخى، أو يجعل أل فى المحبة للعهد أى محبة سلمى، تأمل (قوله من الجهل والغىّ) بيان لما، والمراد بالجهل والغى الأفعال التى يعدّ مرتكبها جاهلا بما ينبغى له فى دنياه أو فى آخرته، ويعدّ بسببها من أهل الغىّ أى عدم الرشد لارتكابه ما يعود عليه بالضرر من المعصية وما ينكره العقلاء

(قوله: وأعرض عن معاودته) عطف على ترك، أى أنه ترك ما كان مرتكبا له زمن المحبة من الجهل والغى، وأنه أعرض عن معاودته بالعزم على ترك الرجوع إليه، وهذا مستفاد من قوله: وأقصر باطله؛ لأن معناه كما مر امتنع باطله عنه وتركه بحاله، ولو كان القلب قاصدا للمعاودة لما تركه لم يكن مهملا لآلاته بالكلية، فلم يكن باطله تاركا له على حاله الأصلى

(قوله: فبطلت آلاته) أى فلما أعرض عما كان مرتكبا له زمن المحبة من الجهل والغى بطلت آلاته التى توصل إليه، من حيث إنها توصل إليه من الحيل والمال والإخوان والأعوان، والمراد ببطلانها تعطلها، فهو من بطل الأجير بطالة أى تعطل، لا من بطل الشىء بطلانا بمعنى ذهب؛ لأن المترتب على الإعراض عن الشىء إنما هو تعطيل آلاته لا ذهابها، وليس قوله:

فبطلت آلاته تفسيرا لقوله: " وعرّى أفراس الصّبا ورواحله" كما فهم بعضهم، والإلزام كون الأفراس والرواحل أو تعريتها استعارة تحقيقية، كما يأتى فى الوجه الثانى باحتماليه المقتضى لخروج الكلام عن وجود الاستعارة المكنى عنها فيه، بل لما كان ترك معاودة الشىء وهجرانه مستلزما لبطلان ما يوصل إليه من حيث إنه يوصل إليه، رتب قوله:

فبطلت آلاته على ذلك الترك، وأما الأفراس والرواحل وتعريتها أو التعرى عنها فعلى حقيقتها؛ لأنها تخييل والتخييل عند المصنف على حقيقته كما تقدم.

ص: 409

(فشبه) زهير فى نفسه (الصبا بجهة من جهات المسير، كالحج والتجارة قضى منها) أى: من تلك الجهة (الوطر فأهملت آلاتها) ووجه الشبه: الاشتغال التامّ وركوب المسالك الصعبة فيه غير مبال بمهلكة، ولا محترز عن معركة؛ وهذا التشبيه المضمر فى النفس استعارة بالكناية.

(فأثبت له) أى: للصبا بعض ما يخص تلك الجهة- أعنى: (الأفراس والرواحل) التى بها قوام جهة المسير والسفر، فإثبات الأفراس والرواحل استعارة تخييلية (فالصبا)

===

(قوله: فشبه زهير الصبا إلخ) أى أنه لما أراد أن يبين ما تقدم لزم أن يكون الصبا- بالكسر مع القصر- وهو الميل إلى الجهل الذى أهمله وأعرض عنه فتعطلت آلاته- بمنزلة جهة من الجهات أعرض عنها بعد قضاء الوطر، فشبه فى نفسه ذلك الصبا بجهة من الجهات التى يسار إليها لأجل تحصيل حاجة، كجهة الحج وجهة الغزو وجهة التجارة إلخ، فقول المصنف: كالحج إلخ على حذف مضاف كما علمت، وهذا بناء على أن المراد بالجهة ما يتوجه إليه المسافر لأجل تحصيل غرض.

وقال سم: المراد بجهة المسير الغرض الذى يسير السائر لأجله كالحج وطلب العلم والتجارة إلخ، وحينئذ فلا حاجة إلى تقدير

(قوله: الوطر) أى الحاجة الحاملة على ارتكاب الأسفار لتلك الجهة

(قوله: فأهملت) أى فلما قضى منها الوطر أهملت آلاتها الموصلة إليها، مثل الأفراس والرواحل والأعوان والأقوات السفرية والقرب وغير ذلك

(قوله: ووجه الشبه إلخ) أى فهو مركب من عدة أمور وفيه إشارة إلى أن وجه الشبه فى المكنية قد يكون مركبا، قاله فى الأطول.

(قوله: الاشتغال التامّ) أى لأجل تحصيل المراد من الصبا والمراد من الجهة

(قوله: وركوب المسالك الصعبة فيه) أى فى كلّ من السير والصبا

(قوله: غير مبال بمهلكة) أى من غير مبالاة فى ذلك الشغل بمهلكة تعرض فيه، ولا احتراز عن معركة تنال فيه (وقوله:

غير مبال) حال من فاعل المصدر المحذوف، والتقدير وركوب المشتغل المسالك الصعبة غير مبال

(قوله: التى بها قوام جهة المسير) أى قوام المسير إلى الجهة، قاله سم، أو المراد التى

ص: 410

على هذا التقدير: (من الصبوة، بمعنى: الميل إلى الجهل والفتوة) يقال: صبا يصبو صبوة، وصبوا- أى: مال إلى الجهل والفتوة- كذا فى الصحاح، لا من الصباء [بالفتح] يقال: صبى صباء- مثل: سمع سماعا- أى: لعب مع الصبيان.

===

بها قوام الجهة التى يسار إليها من حيث المسير إليها، إن قلت: كثيرا ما تقطع المسافات بدون الأفراس والرواحل بل بالمشى، وحينئذ فالمناسب أن بها كما له لا قوامه، قلت:

الكلام فى السير المتعدّ به وهو الذى يتحقق به الوصول بسرعة، وهو لا يكون عادة بدون الأفراس والرواحل، ولو باعتبار حمل زاد المسافر ومائه، وأن قوله: التى بها قوام جهة المسير بناء على الغالب، فى الجهة البعيدة التى يحتاج فيها إلى المشاقّ وهى المشبه بها انعدام السفر فيها بانعدام الآلات، فينعدم قضاء الوطر فينعدم الوجه

(قوله: على هذا التقدير) وهو أن يكون هو المشبه وجهة المسير مشبها بها

(قوله: من الصبوة) أى مأخوذ منها فيفسر بمعناها (وقوله: من الصباء) أى لا أنه مأخوذ من الصبا، بحيث يفسر بمعناه، وهو اللعب مع الصبيان، ثم إنه لما كان أخذه من الصبوة يصدق بأن يراد به الكون صبيّا كما فعل السكاكى، أتى المصنف بقوله: بمعنى الميل إلى الجهل إلخ رد عليه، كذا قرر شيخنا العلامة عطية الأجهورى.

(قوله: بمعنى الميل إلى الجهل) أى إلى الأفعال التى يعدّ مرتكبها جاهلا بما ينبغى له فى دنياه أو آخرته

(قوله: والفتوة) أى الميل إلى الفتوة وهى المروءة والكرم وتستعمل فى استيفاء اللذات وهو المراد هنا، ا. هـ- سيرامى

(قوله: يقال: صبا) بفتح الصاد والباء

(قوله: وصبوا) بضم الصاد والباء وتشديد الواو

(قوله: كذا فى الصحاح) بفتح الصاد اسم مفرد بمعنى الصحيح، يقال: صححه الله فهو صحيح وصحاح بالفتح والجارى على ألسنة الأكثرين كسر الصاد على أنه جمع صحيح كظريف وظراف، ولبعض الأدباء فى استعارة هذا الكتاب مخاطب لبعض الرؤساء:

مولاى إن وافيت بابك طالبا

منك الصّحاح فليس ذاك بمنكر

البحر أنت وهل يلام فتى سعى

للبحر كى يلقى صحاح الجوهر

(قوله: بالفتح) أى بفتح الصاد مع المد

(قوله: يقال: صبى) هو بكسر الموحدة كسمع كما قال الشارح، وإنما كان الصبا فى البيت على التقدير المتقدم وهو كونه

ص: 411

(ويحتمل أنه) أى: زهيرا (أراد) بالأفراس والرواحل (دواعى النفوس وشهواتها، والقوى الحاصلة لها فى استيفاء اللذات، أو) أراد بها: (الأسباب التى قلما تتآخذ فى اتباع الغىّ إلا أوان الصبا) وعنفوان الشباب،

===

مشبها مأخوذا من الصبوة لا من الصباء؛ لأن المناسب تشبيه المقصر بالمقصر لا تشبيه حال الصبى بالمقصر، ولأن قوله: صحا القلب عن سلمى إلخ يدل على أن حاله المحبة والعشق لا اللعب مع الصبيان، إذ اللعب مع الصبيان لا يناسبه قوله: صحا القلب إلخ، ولا يناسبه الأفراس والرواحل ولا استعارتها، إلا أن يراد باللعب مع الصبيان فعل أهل الهوى والشبان، فيعود لمعنى التفسير الأول، فتأمل.

(قوله: ويحتمل أنه أراد بالأفراس والرواحل دواعى النفوس وشهواتها) أى فشبه دواعى النفوس، وشهواتها بالأفراس، بجامع أن كلّا منهما آلة لتحصيل ما لا يخلو الإنسان عن المشقة فى تحصيله، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية التحقيقية، وعطف الشهوات على دواعى النفوس فى كلام المصنف من قبيل عطف المرادف؛ لأن الدواعى هنا هى الشهوات

(قوله: والقوى الحاصلة لها) أى للنفوس فى استيفاء اللذات إن أريد بالقوى الحاصلة لها فى استيفاء اللذات ما يحملها على الاستيفاء، فهى الشهوات والدواعى المذكورة، وحينئذ فيكون العطف مرادفا وإن أريد بها ما تستعين به النفوس من الصحة والفراغ والتدبير والجهد الروحانى والبدنى كان من عطف المغاير.

(قوله: أو أراد بها) أى بالأفراس والرواحل الأسباب الظاهرية فى اتباع الغىّ مثل المال والأعوان، فشبه تلك الأسباب بالأفراس والرواحل، بجامع أن كلّا يعين على تحصيل المقصود، واستعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية التحقيقية

(قوله: تتآخذ) ضبط بتشديد الخاء وبتخفيفها مع مد الهمزة، أى تجتمع وتتفق مأخوذ من قولك: تآخذت هذه الأمور إذا أخذ بعضها بعضد بعض

(قوله: فى اتباع الغىّ) أى عند اتباع أفعال الغى، أى أن هذه الأسباب قلّ أن يعين بعضها على ارتكاب المفاسد إلا فى أوان الصبا فإنها تدعو الشخص لذلك

(قوله: وعنفوان الشباب) أى أوله

ص: 412

مثل: المال، والمنال، والأعوان (فتكون الاستعارة) أى: استعارة الأفراس والرواحل (تحقيقية) لتحقق معناها عقلا- إذا أريد بهما الدواعى- وحسّا- إذا أريد بهما أسباب اتباع الغى من المال- والمنال.

مثل المصنف بثلاثة أمثلة:

الأول: ما تكون التخييلية إثبات ما به كمال المشبه به.

والثانى: ما تكون إثبات ما به قوام المشبه به.

===

وأقواه وهذا تفسير للصبا فهو يشير إلى أن المراد بالصبا فى البيت على هذا الاحتمال نهايته، وهو أوان ابتداء الشباب، فإنه أوان اتباع الغىّ لا الميل إلى الجهل كما فى الاحتمال الأول، والحاصل أن الصبا فى البيت على الاحتمال الأول بمعنى الميل إلى الجهل، فهو مأخوذ من الصبوة، وأما مع الاحتمال الثانى فهو مأخوذ من الصباء أى اللعب مع الصبيان، وحينئذ ففى البيت حذف مضاف، أى نهاية الصبا أى اللعب مع الصبيان، وهو أوان لابتداء الشباب، ووجه إرادة ابتداء الشباب من الصبا على الاحتمال الثانى أن الصبا صار على حقيقته، والأفراس والرواحل بمعنى الشهوات أو الأسباب المذكورة، وهى مناسبة لابتداء الشباب لا للميل للجهل؛ لأنه عين الشهوات فلا يصح أن يراد بالأفراس والرواحل الشهوات، وتضاف للصبا بمعنى الميل، بخلاف الاحتمال الأول فإنه شبه الصبا بجهة من جهات المسير، فالمناسب أن يراد بالصبا ما كان يرتكبه، والأفراس والرواحل على حقيقتها

(قوله: مثل المال إلخ) تمثيل للأسباب، (وقوله: والمنال) بضم الميم أى ما يطلب وينال، وعطفه على ما قبله من عطف العامّ على الخاصّ، وعطف ما بعده عليه بالعكس

(قوله: ما تكون التخييلية) أى كلام تكون التخييلية فيه إلخ، فما نكرة موصوفة والعائد محذوف على حدّ وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ (1) ولا يصح أن تكون ما موصولة؛ لأن العائد مجرور بحرف ليس الموصول مجرورا به

(قوله: والثانى: ما تكون إثبات إلخ) أى والثانى كلام تكون التخييلية فيه إثبات

(1) البقرة: 48.

ص: 413