الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأن يجعل فى الطعام القدر الصالح منه، أو أقل، أو أكثر، بل وجه الشبه هو الصلاح بإعمالهما، والفساد بإهمالهما.
الوجه الداخل فى الطرفين والخارج عنهما:
(وهو) أى: وجه الشبه (إما غير خارج عن حقيقتهما) أى: حقيقة الطرفين
…
===
يفهم المعنى من الكلام الملحون. قلت: المنفى الانتفاع بالنظر لذات اللفظ وفهم المراد من الملحون إن وجد فبواسطة القرائن- كذا قرر شيخنا العدوى، وفى عبد الحكيم: أن المراد لم ينتفع به على وجه الكمال للتحير.
(قوله: بأن يجعل فى الطعام) أى: الواحد، (وقوله: القدر الصالح منه أو أقل) راجع لقوله: يحتمل القلة، (وقوله: أو أكثر) راجع لقوله: والكثرة. إن قلت: الأقل من القدر الصالح كيف يجعل من القليل المحكوم عليه بكونه مصلحا مع وجود الفساد؟ قلت:
الإصلاح بالنسبة إليه بمعنى تخفيف الفساد- كذا قرر شيخنا العدوى- رحمه الله.
(قوله: بل وجه الشبه .. إلخ) إضراب على ما قاله بعضهم من أن وجه الشبه ما ذكر من كون القليل مصلحا والكثير مفسدا فى كل
(قوله: بإعمالهما) أى: بإعمال النحو والملح على الوجه اللائق (والفساد بإهمالهما)، وحينئذ فمعنى قولهم: النحو فى الكلام كالملح فى الطعام بناء على هذا الوجه أن الكلام لا تحصل منافعه من الدلالة على المقاصد إلا بمراعاة القواعد النحوية، كما أن الطعام لا تحصل المنفعة المطلوبة منه- وهى التغذية- على وجه الكمال ما لم يصلح بالملح
(قوله: وهو إما غير خارج .. إلخ) لما ذكر ضابط وجه الشبه شرع فى تقسيمه كما قسم الطرفين- فيما مر- إلى أربعة أقسام فقسمه إلى ستة أقسام؛ وذلك لأن وجه الشبه إما غير خارج عن الطرفين وإما خارج عنهما، وغير الخارج ثلاثة أقسام؛ لأنه إما أن يكون تمام ماهيتهما أو جزءا منها مشتركا بينها وبين ماهية أخرى أو جزءا منهما مميزا لها عن غيرها من الماهيات، والأول: النوع، والثانى: الجنس، والثالث: الفصل، والخارج عنهما إما أن يكون صفة حقيقية وإما إضافية، والحقيقية إما حسية أو عقلية، وقدم الكلام على غير الخارج؛ لأنه الأصل فى وجه الشبه،
بأن يكون تمام ماهيتهما، أو جزءا منهما (كما فى تشبيه ثوب بآخر فى نوعهما، أو جنسهما) أو فصلهما؛ كما يقال: هذا القميص مثل ذاك فى كونهما كتانا، أو ثوبا، أو من القطن (أو خارج) عن حقيقة الطرفين (صفة) أى معنى قائم بهما
===
ولم يقل: وهو إما داخل أو خارج ليشمل النوع؛ لأنه كما أنه غير خارج غير داخل لكونه تمام الماهية والشىء لا يدخل فى نفسه ولا يخرج منها
(قوله: بأن يكون تمام ماهيتهما) أى: ماهيتهما التامة وهو النوع، (وقوله: أو جزءا منهما) أى: وهو الجنس أو الفصل
(قوله: كما فى تشبيه ثوب بآخر فى نوعهما أو جنسهما أو فصلهما) أو مانعة خلو فتجوز الجمع أى: أو فى جنسهما وفصلهما معا وأنت خبير بأننا إذا قلنا:
زيد كالفرس فى الحيوانية، أو كعمرو فى الإنسانية أو فى الناطقية، فالإنسانية والحيوانية والناطقية ليست هى النوع والجنس والفصل، إذ النوع الإنسان لا الإنسانية أعنى:
الكون إنسانا، والجنس هو الحيوان لا الحيوانية أعنى: الكون حيوانا، والفصل الناطق لا الناطقية أعنى: الكون ناطقا، وكذا يقال فى تشبيه ثوب بآخر وغير ذلك، وأجاب بعض الفضلاء بأن المراد بقوله فى نوعهما .. إلخ أى: فيما يؤخذ من نوعهما أو جنسهما أو فصلهما
(قوله: كما يقال هذا القميص .. إلخ) اعلم أن الثوب اسم لكل ما يلبس، لكن إن كان يسلك فى العنق قيل له قميص، وإن كان يلف على الرأس قيل له عمامة، وإن كان يسلك فيها قيل له طاقية، وإن كان يستر به العورة قيل له سروال، وإن كان يوضع على الأكتاف قيل له رداء، فالثوب جنس تحته أنواع عمامة وقميص ورداء وسروال وطاقية، إذا علمت هذا فالأولى للشارح أن يقول كما يقال: هذا الثوب مثل هذا الثوب فى كونهما قميصا، أو هذا الملبوس مثل هذا الملبوس فى كونهما ثوبا أو هذا الثوب مثل هذا الثوب فى كونهما من كتان أو قطن، فالأول مثال للنوع والثانى للجنس والثالث والرابع مثال للفصل؛ وذلك لأن هذا الثوب مركب من الجنس وهو الثوبية ومن الفصل وهو القطن أو الكتان أو الحرير أو الصوف مثلا، وأما ما قاله الشارح ففيه ترك لمثال النوع- كذا قرر شيخنا العلامة العدوى، ولك أن تقول: إن القطن والكتان فى كلام الشارح مثال للفصل (وقوله أو ثوبا) مثال للجنس إن أريد مطلق ثوبية ويكون
ضرورة اشتراكهما فيه، وتلك الصفة (إما حقيقية) أى: هيئة متمكنة فى الذات متقررة فيها (وهى إما حسية) أى: مدركة بإحدى الحواس (كالكيفيات الجسمية) أى: المختصة بالجسم (مما يدرك بالبصر) وهى قوة مرتبة
…
===
تاركا لمثال النوع، ويحتمل أنه مثال للنوع إن أريد به الثوبية المقيدة بالكتان أو القطن ويكون تاركا لمثال الجنس، واعلم أن التشبيه فى الجنس وما معه من النوع والفصل يفيد عند التعريض مثلا بمن استنكف عن لبس أحدهما وعند التقريع لمن ينزلهما منزلة المتباينين كالفرس والحمار، وإذا علمت هذا تعلم أن التشبيه بالنوع والجنس والفصل لا ينافى ما تقرر من كون وجه الشبه لا بدّ له من نوع خصوصية وإلا لم يفد؛ لما تقدم أن معنى الخصوصية كونه فى قصد المتكلم مما ينبغى أن يشبه به لإفادته ولو باعتبار ما يعرض فى الاستعمال من تعريض أو تقريع، وعلم مما ذكرناه من الأمثلة أنه ليس المراد بالجنس والنوع والفصل المعنى المصطلح عليه عند المناطقة، بل ما يقصد منها فى العرف
(قوله: ضرورة اشتراكهما فيه) أى: لاشتراك الطرفين فيه بالضرورة، وهذا علّة لقوله قائم بهما
(قوله: متقررة فيها) أى: ثابتة فيها بحيث لا يكون حصولها فى الذات بالقياس إلى غيرها، واحترز بذلك عن الإضافيات فإنها لا توصف بالتمكن ولا بالتقرر بل حصولها بالقياس لغيرها
(قوله: وهى إما حسية) دخل تحتها قسمان من المقولات العشرة وهى: الكيف والكم، وقوله فيما يأتى وإما إضافية دخل تحتها سبعة أقسام من المقولات وهى: الأين والمتى والوضع والملك والفعل والانفعال والإضافة، وبقى الجوهر وهو العاشر وهو لا يصح أن يكون وجه شبه؛ لأنه لا بد أن يكون معنى لا ذاتا كما مر
(قوله: بإحدى الحواس) أى: الخمس الظاهرة والحس هنا بالمعنى المشهور؛ لأن الحواس عشرة فلم تعتبر الباطنية هنا
(قوله: كالكيفيات الجسمية) أى: والكم وما يأتى من جعله من الكيفيات ففيه تسامح كما قال الشارح
(قوله: أى المختصة بالجسم) أى: من حيث قيامها به، وأراد بالجسم ما قابل المعنى فيشمل السطح لما يأتى من أن الشكل كما يكون للجسم يكون للسطح- تأمل
(قوله: مما يدرك بالبصر) أى: من الأمور التى تدرك بالبصر وبالسمع وبالذوق وباللمس وبالشم، وهذا بيان للكيفيات الجسمية
(قوله: مرتبة)
فى العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان فتفترقان إلى العينين (من الألوان، والأشكال)
===
أى: مثبتة من ترتب إذا ثبت- كذا فى عبد الحكيم
(قوله: فى العصبتين) أى: العرقين ومحلهما مقدم الدماغ وهو الجبهة
(قوله: المجوفتين) أى: اللتين لهما جوف كالبوصة، وحاصله: أن الطرف الأول من الدماغ قامت من جهته اليسرى عصبة مجوفة كالبوصة الصغيرة ومن جهته اليمنى عصبة كذلك، فتذهب العصبة اليسارية إلى العين اليمنى وتذهب العصبة اليمينية إلى العين اليسرى فتتلاقى العصبتان قبل الوصول إلى العينين على التقاطع فصارتا على هيئة الصليب، ثم إن البصر- الذى هو القوة- مودع فى العصبتين بتمامهما ولا يختص بما اتصل منهما بالعينين- أى: الحدقتين- ولا بما اتصل بالدماغ ولا بوسطهما بل هو مثبوت فى جميعها، وليس فى ذلك قيام المعنى بمحلين؛ لأن ذلك محمول على أن فى كل محل مثل ما فى الآخر، ويحتمل اختصاصه بمحل مخصوص من العصبة، ولكن جرت العادة الإلهية بأن العصبة إذا أصابتها آفة فى موضع منها ذهب البصر من جميعها- قاله العلامة اليعقوبى، وذكر أن تفسير البصر بالقوة المذكورة قول الحكماء، وأما المتكلمون فيقولون: إنه معنى قائم بالحدقة تدرك به الألوان والأكوان التى هى الحركة والسكون والاجتماع والافتراق- اه.
وذكر بعضهم: أن معنى قول الشارح فى العصبتين المجوفتين أى: اللتين على صورة دالين ظهر إحداهما ملاصق لظهر الأخرى (فقوله: [بعد] تتلاقيان) أى:
تتلاصقان بأظهرهما، (وقوله: فتفترقان إلى العينين) أى: بأطرافهما مع تلاصقهما بأظهرهما، والحاصل: أن العصبتين اللتين أودعت فيهما قوة البصر قيل إنهما كدالين ملصق ظهر إحداهما بظهر الأخرى، وقيل إنهما متقاطعتان تقاطعا صليبيّا، وقد علمت صحة حمل كلام الشارح على كلا القولين.
(قوله: من الألوان والأشكال) بيان لما يدرك بالبصر فيقال مثلا عند التشبيه فى اللون: خده كالورد فى الحمرة، وشعره كالغراب فى السواد، ويقال عند التشبيه فى الشكل: رأسه كالبطيخ الشامى فى الشكل: وإنما ذكر المصنف الألوان وما معها ولم يذكر الأضواء مع أنها من المبصرات بالذات أيضا فكأنه جعلها من الألوان كما زعمه بعضهم-
والشكل هيئة إحاطة
…
===
قاله عبد الحكيم
(قوله: والشكل هيئة .. إلخ) اعلم أن الشكل هو الهيئة الحاصلة من إحاطة نهاية واحدة أو أكثر بالمقدار، والمقدار ما ينقسم إما فى جهة الطول ويسمى خطّا، أو فى جهتى الطول والعرض ويسمى سطحا، أو فى جهة الطول والعرض والعمق ويسمى جسما ونهاية الخط النقطة؛ لأنه ما تركب من نقطتين، ونهاية السطح الخط سواء كان مستقيما أو مستديرا؛ لأنه ما تركب من أربع نقط اثنتين بجانب اثنتين، ونهاية الجسم السطح كان مستقيما أو مستديرا؛ لأنه ما تركب من سطحين فأكثر بعضهما فوق بعض، والسطح والجسم يعرض لهما الشكل دون الخط لما علمت أن نهايته النقطة ولا يتصور إحاطتها به، وحينئذ فقولنا فى تعريف الشكل هو الهيئة الحاصلة من إحاطة نهاية واحدة أو أكثر بالمقدار يراد بالمقدار خصوص السطح والجسم دون الخط، إذا علمت هذا فقول الشارح: والشكل هيئة إحاطة .. إلخ الإضافة على معنى" من" أى: الهيئة الحاصلة من إحاطة نهاية واحدة أو أكثر، (وقوله: بالجسم) أى: الطبيعى وكان عليه أن يقول بالجسم أو السطح لما علمت أن كلّا من الجسم والسطح يعرض له الشكل أو يبدل الجسم بالمقدار، ويراد بالمقدار: خصوص الجسم والسطح دون الخط لما علمت أن الشكل لا يعرض له؛ لأن نهايته التى هى النقطة لا يتأتى إحاطتها به (وقوله: كالدائرة) أى:
كشكل الدائرة وهو راجع لقوله نهاية واحدة، وظاهره أنه مثال للنهاية الواحدة المحيطة بالجسم- وفيه نظر، إذ الدائرة سطح مستو يحيط به خط مستدير فى داخله نقطة تسمى بالمركز جميع الخطوط الخارجة منها إليه متساوية، وحينئذ فنهاية الدائرة وهو الخط المستدير محيط بالسطح لا بالجسم، فلو قال كنهاية الكرة بدل قوله كنهاية الدائرة كان أولى؛ وذلك لأن الكرة جسم يحيط به سطح مستدير فى داخله نقطة تكون جميع الخطوط الخارجة منها إليه متساوية وذلك السطح محيطها وتلك النقطة مركزها فنهاية الكرة وهو السطح المستدير محيط بالجسم، وأجاب العلامة عبد الحكيم بأن فى العبارة احتباكا كقوله تعالى: جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً (1) أى: جعل
(1) يونس: 67.
نهاية واحدة أو أكثر بالجسم كالدائرة، ونصف الدائرة، والمثلث، والمربع، وغير ذلك (والمقادير) جمع مقدار، وهو كم متصل قارّ الذات؛
…
===
لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه والنهار مبصرا لتبتغوا من فضله فيقدر هنا بالسطح بقرينة قوله: كالدائرة ويقدر كالكرة بقرينة قوله: بالجسم، والأصل هيئة إحاطة نهاية واحدة أو أكثر بالسطح أو بالجسم كالدائرة والكرة- انتهى، ويمكن أن يقال: إن نهاية الدائرة وإن كانت محيطة بالسطح أولا وبالذات محيطة بالجسم ثانيا وبالعرض، فصح أن تكون الدائرة مثالا فى كلام الشارح والاعتراض ولا شىء بل كلامه من الحسن بمكان لما فيه من الإشارة إلى هذا التحقيق
(قوله: نهاية واحدة .. إلخ) المراد بالنهاية الخط المحيط فى المسطحات كالدائرة ونصفها والسطح المحيط فى المجسمات كالكرة ونصفها
(قوله: ونصف الدائرة) أى:
وكشكل نصف الدائرة وهو وما بعده راجع لقوله: أو أكثر؛ لأن نصف الدائرة سطح أحاط به نهايتان أى: خطان أحدهما مستدير والآخر مستقيم (وقوله: والمثلث) أى: وكشكل المثلث فالمثلث سطح أحاط به ثلاث نهايات أى: خطوط (وقوله: والمربع) أى: فهو سطح أحاط به أربع نهايات أى: خطوط
(قوله: وغير ذلك) أى: كالمخمس والمسدس .. إلخ.
(قوله: وهو كم) أى: عرض يقبل التجزىء لذاته، فخرج بقولنا:
يقبل التجزىء النقطة فإنها وإن كانت عرضا لا تقبل التجزىء فلا يقال لها كم، وخرج بقولنا لذاته الألوان كالبياض والحمرة فإنها لا تقبل التجزىء لذاتها بل تبعا لمحلها فليست من قبيل الكم
(قوله: متصل) أى: لأجزائه حد مشترك تتلاقى تلك الأجزاء عنده بحيث يكون ذلك الحد نهاية لأحد الأجزاء وبداية للآخر- مثلا الخط إذا قسم إلى ثلاثة أجزاء كان خطين نهاية أحدهما مبدأ للآخر والحد المشترك هى النقطة الوسطى؛ لأنها نهاية أحد الخطين وبداية للآخر، واحتراز بقوله متصل عن العدد فإنه وإن كان عرضا إلا أنه غير متصل؛ لأنه إذا قسم نصفين لم يكن نهاية أحدهما مبدءا للآخر، والمراد بالعدد الكم الذى هو عرض قائم بالمعدود، وليس المراد بالعدد المحترز عنه الشىء المعدود ولا لفظ العدد
(قوله: قارّ الذات) أي: ثابت الذات بأن تكون أجزاؤه المفروشة ثابتة فى الخارج،
كالخط والسطح (والحركات) والحركة: هى الخروج من القوة إلى الفعل على سبيل التدريج، وفى جعل المقادير والحركات من الكيفيات
…
===
واحترز بقوله قارّ الذات عن الزمان فإنه وإن كان كمّا متصلا؛ لأنه لا يمكن أن يكون له جزء هو الآن يكون نهاية للماضى وهو بعينه بداية للمستقبل، إلا أنه غير قار الذات؛ لأنه عرض سيال لا ثبوت لأجزائه، لأنه حركة الفلك
(قوله: كالخط والسطح) أدخل بالكاف الجسم التعليمى، وأشار بهذا إلى أن المقدار ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ لأنه إن قبل القسمة فى الطول فقط فخط، وإن قبل القسمة فى الطول والعرض فقط فسطح، وإن قبلها فى الطول والعرض والعمق فجسم تعليمى، فقد علمت أن المقادير أعراض خارجة عن الجسم الطبيعى قائمة به- وهذا مذهب الحكماء، وأما عند المتكلمين: فالمقادير جواهر هى نفس الجسم أو أجزاؤه؛ لأن المؤلف من أجزاء لا تتجزأ إذا انقسم فى الجهات الثلاثة فالجسم وفى جهتين فالسطح وباعتباره يتصف بالعرض وفى جهة واحدة فالخط وباعتباره يتصف بالطول والجوهر الفرد الغير المؤلف هو النقطة- اه يس.
(قوله: الخروج من القوة إلى الفعل) كخروج الإنسان من شبابه إلى الهرم، فإنه انتقال من الهرم بالقوة إلى الهرم بالفعل، وكخروج الزرع الأخضر من الخضرة إلى اليبوسة، فإنه انتقال من اليبوسة بالقوة إلى اليبوسة بالفعل، فالزرع الأخضر يابس بالقوة، فإذا يبس بالفعل قيل لذلك الانتقال: حركة (وقوله: على سبيل التدريج) أى: وقتا فوقتا، واحترز بذلك عن الخروج دفعة كانقلاب العناصر بعضها إلى بعض مثل انقلاب الماء هواء، وبالعكس فإنه دفعىّ فلا يقال لذلك الانتقال حركة، وإنما يسمى تكوينا ويسمى أيضا كونا وفسادا، وما ذكره من التعريف فهو تعريف للحركة عند الحكماء، وعرفها المتكلمون: بأنها حصول الجسم فى مكان بعد حصوله فى مكان آخر- أعنى أنها عبارة عن مجموع الحصولين- وتعريف الحكماء أعم باعتبار الصدق، وأما باعتبار المفهوم فإنها عند الحكماء من قبيل الانفعال، وعند المتكلمين من قبيل النسب والإضافات؛ لأنها الأين المسبوق بأين، والمعنى الذى ذكره المتكلمون هو المناسب لما يذكر بعد من حركة
تسامح (وما يتصل بها) أى: بالمذكورات؛ كالحسن والقبح المتصف بهما الشخص باعتبار الخلقة التى هى مجموع الشكل واللون، وكالضحك والبكاء الحاصلين باعتبار الشكل والحركة (أو بالسمع) عطف على قوله:[بالبصر]، والسمع قوة رتبت فى العصب المفروش على سطح باطن الصماخين يدرك بها الأصوات
…
===
السهم والدولاب والرحى فإذا أردت التشبيه بها باعتبار ذلك المعنى قلت: كأن فلانا فى ذهابه السهم السريع، وإن أردت التشبيه بالمعنى الذى قاله الحكماء قلت: كأن الإنسان فى حركته من شبابه إلى الهرم الزرع الأخضر فى حركته من الخضرة إلى اليبوسة.
(قوله: تسامح) أى: لأن المقدار من مقولة الكم أعنى: العرض الذى يقتضى القسمة لذاته والحركة من الأعراض النسبية والكيفية لا تقتضى لذاتها قسمة ولا نسبة نعم المقادير عند بعضهم من مقولة الكيف وهذا كاف فى التمثيل، بل يكفى فيه فرض أن المقادير والحركات من الكيفيات
(قوله: وما يتصل بها) أى: وما يحصل من اجتماع بعض منها مع بعض آخر
(قوله: التى هى مجموع الشكل واللون) أى: هيئة حاصلة من مجموع ذلك، وحاصله: أنه إذا قارن الشكل اللون- أى: إذا اجتمعا- حصلت كيفية يقال لها الخلقة وباعتبارها يصح أن يقال للشىء: إنه حسن الصورة أو قبيح الصورة، واعلم أن كلّا من الشكل واللون قد يكون حسنا وقد يكون قبيحا، وحينئذ فتارة يكونان حسنين وتارة قبيحين، فالأول كالشخص الأبيض المستقيم الأعضاء، والثانى كما فى شخص أسود غير مستقيم الأعضاء، وتارة يكون الأول حسنا، والثانى قبيحا وبالعكس، فالحسن أو القبح الحاصل لكل واحد منهما غير الحسن والقبح العارض للمجموع، قال فى شرح التجريد: واعلم أن كلامهم متردد فى أن الخلقة مجموع الشكل واللون أو الشكل المنضم للّون أو كيفية حاصلة من اجتماعهما وهذا أقرب إلى جعلها نوعا على حدة.
(قوله: الحاصلين باعتبار الشكل) أى: شكل الفم بالنسبة للضحك وشكل العين بالنسبة للبكاء، (وقوله: والحركة) أى: حركة الفم فى الضحك والعين فى البكاء
(قوله: رتبت) أى: رتبها الله بمعنى أنه خلقها وجعلها فى العصب المفروش كجلد الطبل على سطح باطن الصماخين أى: ثقبى الأذنين.
(قوله: يدرك بها الأصوات) يخرج بهذا
(من الأصوات القوية والضعيفة، والتى بين بين) والصوت يحصل من التموج المعلول للقرع الذى هو إمساس عنيف، والقلع الذى هو تفريق عنيف
…
===
القيد القوة المرتبة فى ذلك العصب التى لا يدرك بها الأصوات، بل الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة فلا تسمى تلك القوة سمعا بل لمسا وهذا القيد معتبر فى جميع القوى وإن تركه الشارح فى بعضها، ثم إن التعريف لا يشمل القوة المودعة فى العصب المفروش على سطح باطن صماخ واحد، فيقتضى أن تلك القوة لا تسمى سمعا وليس كذلك، إلا أن تجعل أل فى الصماخين للجنس
(قوله: من الأصوات القوية والضعيفة) بيان لما يدرك بالسمع والمراد بالأصوات القوية العالية التى تسمع من بعد، والمراد بالضعيفة المنخفضة التى لا تسمع إلا من قرب، (وقوله: والتى بين بين) أى: بين القوية والضعيفة وكما يدرك بالسمع الأصوات القوية والضعيفة يدرك به أيضا الأصوات الحادة والثقيلة والتى بين الحادة والثقيلة، والفرق بين الصوت القوى والثقيل أن مرجع الأول إلى العلو والارتفاع بحيث يسمع من بعد، ومرجع الثانى إلى التمهل وعدم النفوذ فى السمع سريعا كما فى صوت الحمار وما ماثله من الأصوات الغليظة، والحدة فيه راجعة إلى النفوذ فى السمع بسرعة كصوت المزامير والأوتار والجرس ونحو ذلك من الأصوات الرقيقة- قاله اليعقوبى
(قوله: والصوت يحصل .. إلخ) أى: والصوت كيفية تحصل من التموج أى: من تموج الهواء وتحركه بسبب انضغاثه وانحباسه، فإذا ضرب شخص بكفه على كفه الآخر تحرك الهواء بسبب انضغاثه فيحصل الصوت الذى هو كيفية قائمة بالهواء ويوصلها الهواء المتكيف بها للسمع إما بخرقه ما جاوره من الأهوية أو بخلق مثلها فيما جاوره
(قوله: المعلول) أى: الناشئ وهو بالجر صفة للتموج (وقوله: للقرع) أى: لخبط جسم على آخر (وقوله: الذى هو) أى: القرع
(قوله: إمساس عنيف) أى: إمساس جسم لآخر إمساسا عنيفا أى: شديدا، وإنما شرط فى القرع كونه عنيفا أى: شديدا؛ لأنك لو وضعت حجرا على آخر بمهل لم يحصل تموج ولا صوت
(قوله: والقلع) عطف على القرع
(قوله: الذى هو تفريق) أى: بين متصلين (وقوله: عنيف) أى:
شديد. والتفريق المذكور على وجهين تفريق بين متصلين بالأصالة كتقطيع الخيط وتفريق
بشرط مقاومة المقروع للقارع، والمقلوع للقالع، ويختلف الصوت قوة وضعفا بحسب قوة المقاومة وضعفها (أو بالذوق)
…
===
قطعة خشب عن أخرى وتفريق متصلين اتصالا عارضا: كجذب رجل غائص فى الطين، وجذب مسمار مغروز فى خشبة، وجذب خشبة مغروزة فى الأرض، فإذا وقع التفريق فى الوجهين بعنف تموج الهواء وحصل الصوت، وإنما اشترط فيه العنف أى:
كونه بشدة؛ لأنه لو وقع بتمهل بأن قطع الخيط شيئا فشيئا أو جذب الرجل بتدريج لم يحصل تموج ولا صوت.
(قوله: بشرط مقاومة المقروع للقارع) أى: مساواته له أى:
فى القوة والصلابة، وإنما شرط فى القرع أيضا المقاومة فى القوة والصلابة بين المقروع والقارع أى: الملاقى بالفتح والملاقى بالكسر؛ لأنه لو كان أحدهما ضعيفا غير صلب كالصوف المندوف المتراكم يقع عليه حجر أو خشب أو يقع هو على حجر أو خشب لم يحصل صوت- كذا قرر شيخنا العدوى، وقرر بعض الأشياخ: أن المراد بالمقاومة المدافعة كحجر على حجر بخلاف نحو: القطن على الحجر، لكن المقاومة بهذا المعنى لا تظهر فى المقلوع والقالع فلعل المعنى الأول أحسن
(قوله: والمقلوع للقالع) أى: وبشرط مقاومة المقلوع منه للقالع أى: للمقلوع أى: مساواته له فى الصلابة، واحترز بذلك عن نزع ريشة من طائر فإنه لم يحصل تموج ولا صوت لعدم المقاومة بين المقلوع منه والمقلوع فى الصلابة
(قوله: ويختلف الصوت قوة وضعفا بحسب قوة المقاومة وضعفها) فإذا وضع حجر كبير على مثله بعنف كان الصوت قويّا، وإن وضع حجر صغير على مثله بعنف كان الصوت ضعيفا وإن وضع حجر متوسط على مثله بعنف كان الصوت متوسطا بين القوة والضعف، وكذلك قلع رجل الصغير الغائص فى الطين ليس كقلع رجل الكبير، بل الصوت الحاصل من قلع رجل الكبير أقوى وإن اتحد القلع عنفا، ويختلف الصوت حدة وثقلا باعتبار صلابة المقروع ملامسته كالأوتار وبحسب قصر المنفذ وعدم قصره وضيقه وعدم ضيقه فإذا كان المقروع صلبا كان الصوت ثقيلا، وإن كان أملس كان حادّا، وإن كان منفذ الصوت قصيرا أو ضيقا كان حادّا، وإن كان مستطيلا أو واسعا كان ثقيلا.
وهو قوة منبثة فى العصب المفروش على جرم اللسان (من الطعوم) كالحراقة والمرارة، والملوحة، والحموضة، وغير ذلك (أو بالشم) وهى قوة
…
===
(قوله: وهو قوة منبثة) أى: سارية وعبر هنا بقوله منبثة دون قوله: رتبت أو مرتبة إشارة إلى أنه ليس له محل مخصوص منه، بل هو منبث فى العصب وسار فيه بخلاف غيره- كذا كتب شيخنا الحفنى، وهو مخالف لما تقدم عن اليعقوبى فى البصر- تأمل.
(قوله: فى العصب المفروش
…
إلخ) لم يقل فى جرم اللسان؛ لأن الواقع فى التشريح أن محل تلك القوة العصب الذى على جرم اللسان، ولم يقل هنا كسابقه: على سطح جرم اللسان تفننا، واعترض على هذا التعريف بأنه يدخل فيه القوة المودعة فى العصب المذكورة الغير المدركة للطعوم كاللامسة، وأجيب بأن هنا قيدا حذفه لظهوره وشهرته وهو تدرك بها النفس طعم المطعومات
(قوله: من الطعوم) بيان لما يدرك بالذوق والطعوم: هى الكيفيات القائمة بالمطعومات، فإذا أريد التشبيه باعتبارها قيل هذا كالعسل فى الحلاوة وهذا كالصبر فى المرارة
(قوله: كالحراقة) وهى طعم منافر للقوة الذائقة فيه لذع ما كطعم الفلفل والقرنفل والزنجبيل دون المرارة فى المنافرة
(قوله: والمرارة) هى طعم منافر للذوق شدة المنافرة كطعم الصبر
(قوله: والملوحة) هى طعم منافر للذوق بين المرارة والحراقة، ولذلك تارة تكون مائلة للحراقة وتارة تكون مائلة للمرارة
(قوله: والحموضة) هى طعم منافر للذوق أيضا يميل إلى الملوحة والحلاوة
(قوله: وغير ذلك) أى: كالدسومة والحلاوة والعفوصة والقبض والتفاهة فهذه مع ما فى الشرح تسعة. قال فى المطول: وهذه التسعة أصول الطعوم، فالحلاوة طعم ملائم للقوة الذائقة أشد ملاءمة وأشهاه لديها، والدسومة طعم فيه حلاوة لطيفة مع دهنية فهو ملائم للذوق دون الحلاوة فى الملاءمة: كطعم اللحم والشحم واللبن الحليب والأدهان، والعفوصة طعم منافر للذوق قريب من المرارة كطعم العفص المعلوم، والقبض طعم منافر أيضا فوق الحموضة وتحت العفوصة، ولذا قيل فى الفرق بينهما: إن العفوصة تقبض ظاهر اللسان وباطنه والقبض يقبض ظاهره فقط، والتفاهة لها معنيان: كون الشىء لا طعم
رتبت فى زائدتى مقدم الدماغ المشبهتين بحلمتى الثدى (من الروائح، أو باللمس) وهى قوة
…
===
له كما إذا وضعت أصبعك فى فمك، وكون الشىء لا يحس بطعمه لشدة كثافة أجزائه فلا يتحلل منها ما يخالطه الرطوبة اللعابية، فإذا احتيل فى تحليله أحس منه بطعم وذلك كما فى الحديد، فإنه إذا وضع على اللسان لم يجد له الإنسان طعما فلو تحلل منه نحو القراضة وجد له طعما آخر، والمعدود من الطعوم التفاهة بالمعنى الثانى لا الأول، وإنما كانت هذه التسعة أصول الطعوم؛ لأن ما سواها من الطعوم وهى أنواع لا تتناهى مركبة منها كالمزازة المركبة من الحلاوة والحموضة، وكلما خلط مطعوم بمطعوم حدث طعم آخر، واستدل الحكماء على كون أصول الطعوم هذه التسعة لا غيرها بأن الطعم لا بدّ له من فاعل وهو الحرارة أو البرودة أو الكيفية المتوسطة بينهما، ولا بدّ له من قابل وهو اللطيف أو الكثيف أو المتوسط بينهما، وإذا ضربت أقسام الفاعل فى أقسام القابل حصلت أقسام تسعة، فالحرارة إذا فعلت فى اللطيف حدثت الحراقة وفى الكثيف حدثت المرارة وفى المعتدل بينهما حدثت الملوحة، والبرودة إذا فعلت فى اللطيف حدثت الحموضة، وفى الكثيف حدثت العفوصة، وفى المعتدل حدث القبض، والكيفية المتوسطة بين الحرارة والبرودة إذا فعلت فى اللطيف حدثت الدسومة، وفى الكثيف حدثت الحلاوة، وفى المعتدل بينهما حدثت التفاهة- هذا ما ذكروا، والحق أنها مجرد دعاوى لا دليل عليها كيف والأفيون مر بارد والعسل حلو حار والزيت دسم حار؟ !
(قوله: رتبت) أى: رتبها الله بمعنى أنه خلقها وجعلها فى زائدتى مقدم الدماغ وهما حلمتان زائدتان هناك شبيهتان بحلمتى الثديين فهما بالنسبة لمجموع الدماغ مع خريطته:
كالحلمتين بالنسبة إلى الثديين كل واحدة منهما تقابل ثقبة من ثقبتى الأنف، وعلى هذا فلا إدراك فى الأنف، وإنما هو واسطة؛ لأن القوة الشمّيّة قائمة بتينك الزائدتين بدليل أنه إذا سد الأنف من داخل انقطع إدراك المشموم ولو سلم نفس الأنف من الآفات
(قوله: من الروائح) بيان لما يدرك بالشم ولا حصر لأنواع الروائح ولا أسمائها إلا من جهة الملاءمة للقوة الشامّة وعدم الملاءمة لها فما كان ملائما يقال له رائحة
سارية فى البدن يدرك بها الملموسات (من الحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة) هذه الأربعة هى أوائل الملموسات، والأوليان منها فعليتان،
…
===
طيبة وما كان غير ملائم يقال له رائحة منتنة، أو من جهة الإضافة لمحلها كرائحة مسك أو زبل أو لمقارنها كرائحة حلاوة أو مرارة فإن الرائحة مقارنة للحلاوة لا قائمة بها وإلا لزم قيام المعنى بالمعنى
(قوله: سارية) لم يقل منبثّة كما عبر به فى الذوق تفننا (وقوله: فى البدن) أى: فى ظاهر البدن كله وهو الجلد كما هو مصرح به فى كتب الحكمة، وبهذا اندفع ما يقال: إن هذه القوة لم تخلق فى الكبد والرئة والطحال والكلية، فكيف يقول الشارح سارية فى البدن مع أن هذه من جملته؟
(قوله: أوائل الملموسات) أى: لأنها تدرك بمجرد اللمس أى: بأوله من غير احتياج لشىء آخر وما عداها من اللطافة والكثافة والهشاشة واللزوجة والبلة والجفاف والخشونة والملاسة واللين والصلابة والخفة والثقل يدرك باللمس بتوسط هذه الأربعة فهى ثوان فى الإدراك بالنسبة لهذه الأربعة، وقيل إنما سميت أوائل لحصولها فى الأجسام العنصرية البسيطة التى هى أوائل المركبات، والمراد بالأجسام البسيطة العنصرية: الماء والنار والهواء والتراب، والماء فيه برودة ورطوبة، وفى النار حرارة ويبوسة، وفى التراب برودة ويبوسة، وفى الهواء حرارة ورطوبة. وبتلك الكيفيات الأربع تؤثر الأجسام العنصرية بعضها فى بعض ويتأثر بعضها من بعض فيتولد منها المركبات كالمعادن والنباتات والحيوانات
(قوله: فعليتان) أى: مؤثرتان فى موصوفهما؛ لأنهما يقتضيان الجمع والتفريق وكلاهما فعل، فالحرارة كيفية تقتضى تفريق المختلفات باللطافة والكثافة وجمع المتشاكلات، أما تفريقها للمختلفات فلأن فيها قوة مصعدة، فإذا أثرت فى جسم مركب من أجزاء مختلفة باللطافة والكثافة ولم يكن الالتئام بين بسائطها انفعل اللطيف منها فيتبادر للصعود الألطف، فالألطف دون الكثيف فيلزم منه تفريق المختلفات مثلا النار إذا أوقدت على معدن انعزل خبثه من صافيه، وإذا تعلقت بعود سالت الرطوبة المتحدة بالبرودة وخرج منه دخان وهو هواء مشوب بنار ويرتفع للطافته وتبقى الأجزاء الكثيفة، فقد فرقت بين الأجزاء اللطيفة والكثيفة، وأما إنها تجمع المتشاكلات
والأخريان انفعاليتان (والخشونة) وهى كيفية حاصلة عن كون بعض الأجزاء أخفض، وبعضها أرفع (والملاسة) وهى كيفية حاصلة عن استواء وضع الأجزاء (واللين) وهى كيفية تقتضى قبول الغمز إلى الباطن ويكون للشىء بها قوام غير سيال (والصلابة) وهى تقابل اللين (والخفة) وهى كيفية بها يقتضى الجسم أن يتحرك إلى صوب المحيط لو لم يعقه عائق (والثقل) وهى كيفية بها يقتضى الجسم أن يتحرك إلى صوب المركز لو لم يعقه عائق
…
===
فبمعنى أن الأجزاء بعد تفرقها تجتمع بالطبع، فإن الجنسية علة للضم والحرارة معدة لذلك الاجتماع فينسب إليها كما تنسب الأفعال إلى معداتها، والبرودة كيفية تقتضى تفريق المتشاكلات وجمع المختلفات فتفريقها للمتشاكلات كما فى الطين اللين إذا يبس فإنه ينشق لشدة البرودة وجمعها للمختلفات كالجمع بين الرطب واليابس
(قوله: والأخريان انفعاليتان) أى: لأنهما يقتضيان تأثر موصوفهما؛ وذلك لأن الرطوبة كيفية تقتضى سهولة التشكل والتفرق والاتصال كما فى العجين، واليبوسة كيفية تقتضى صعوبة ذلك كما فى الحجر والخشب.
(قوله: قبول الغمز) أى: النفوذ والدخول إلى باطن الموصوف بها كالعجين إذا غمزته بأصبعك مثلا، (وقوله: ويكون للشىء) أى: الموصوف (وقوله: بها) أى: معها أو بسببها (وقوله: قوام) أى: قوة وتماسك بحيث لا يرجع بعض أجزائه موضع بعض منها إذا أخذ، واحترز بهذا عن الماء فهو ليس متصفا باللين بل الصلابة (وقوله: غير سيال) تفصيل لما قبله، واعلم أن قبول الشىء اللين للغمز بسبب ما فيه من الرطوبة وتماسكه بسبب ما فيه من اليبوسة، فكل لين فيه رطوبة ويبوسة والكيفية المركبة من مجموع هاتين الكيفيتين هى اللين
(قوله: تقابل اللين) أى: تقابل التضاد فهى كيفية تقتضى عدم قبول الغمز إلى الباطن أو تقتضى الغمز، لكن لا يكون للموصوفات معها قوام وتماسك، وذلك كما فى الحجر والماء
(قوله: إلى صوب المحيط) أى: إلى جهة العلو (وقوله: لو لم يعقه عائق) كالمسك باليد أو تعلق ثقيل به وذلك كما فى الريش الخفيف، فإنه لولا العائق لارتفع إلى العلو
(قوله: إلى صوب المرك، ز) أى: إلى جهة السفل (وقوله: لو لم يعقه عائق) أى:
(وما يتصل بها) أى: بالمذكورات؛ كالبلّة، والجفاف، واللزوجة، والهشاشة،
…
===
كالحمل فالرصاص مثلا المحمول لولا حمله لنزل للسفل وشبهوا العلو بمحيط الدائرة والسفل بمركزها لارتفاع المحيط عن المركز فى الجملة، ولذلك قالوا فى تعريف الخفة لصوب المحيط أى: إلى جهة العلو وفى الثقل لصوب المركز أى: إلى السفل، وأيضا السماء للأرض كالدائرة وهى من جهة العلو والأرض كالمركز وهو بالنسبة لما يظهر من السماء منخفض فإذا فرض الثقيل والخفيف بينهما اندفع الأول إلى الأرض التى هى كالمركز، واندفع الثانى إلى السماء التى هى كالدائرة لولا العائق فى كل منهما ولذلك عبروا بالمحيط والمركز- قاله اليعقوبى، وما ذكره المصنف من أن كلّا من الخفة والثقل كيفية محسوسة بحاسة اللمس- فيه نظر، إذ كل منهما فى الحقيقة كيفية مبدأ ومنشأ وسبب فى مدافعة محسوسة توجد تلك المدافعة مع عدم الحركة، فالموصوف بالمحسوسية إنما هو المدافعة المتسببة عنهما لأنفسهما كما يجد الإنسان من الحجر إذا أمسكه فى الجو قسرا فإنه يجد فيه مدافعة هابطة ولا حركة فيه، وكما يجد فى الزق الذى نفخ فيه إذا جسه بيده تحت الماء قسرا، فإنه يجد فيه مدافعة صاعدة ولا حركة فيه، فالذى أوجب المدافعة الصاعدة فى الزق الخفة، والذى أوجب المدافعة الهابطة فى الحجر الثقل، فهما سببان للمدافعتين وكل من المدافعتين محسوس باللمس
(قوله: وما يتصل بها) أى: وما يلحق بها فى كونه مدركا باللمس.
(قوله: كالبلّة والجفاف) البلة هى الرطوبة الجارية على سطوح الأجسام والجفاف يقابلها- قاله السيد، وفيه نظر، إذ قد صرح فى حواشى التجريد بأن البلّة بمعنى الرطوبة الجارية على سطح الجسم المبتلّ جوهر فلا يصح عدّها من الكيفيات، والأحسن أن يقال: البلة هى الكيفية المقتضية لسهولة الالتصاق ويقابلها الجفاف فهو كيفية تقتضى سهولة التفرق وعسر الالتصاق
(قوله: واللزوجة) هى كيفية تقتضى سهولة التشكل وعسر التفرق، بل يمتد عند محاولة التفرق كما فى اللبان (العلك) والمصطكا، والهشاشة تقابلها فهى كيفية تقتضى سهولة التفرق وعسر الاتصال بعد
واللطافة، والكثافة؛ وغير ذلك.
(أو عقلية) عطف على حسية (كالكيفيات النفسانية) أى: المختصة بذوات الأنفس (من الذكاء) وهى شدة قوة للنفس معدّة لاكتساب الآراء (والعلم) وهو الإدراك
…
===
التفرق: كالخبز المعجون بالسمن والفطير الكائن من الذرة
(قوله: واللطافة) هى رقة القوام أى: الأجزاء المتصلة كما فى الماء، وقيل هى كون الشىء شفّافا بحيث لا يحجب ما وراءه، والكثافة ضدها فهى غلظ القوام أو حجب الجسم ما وراءه، ولكن المعنى الثانى فيهما لا يناسب الإدراك بحاسة اللمس، وحينئذ فالمراد منهما هنا المعنى الأول فيهما قاله اليعقوبى، وقد يقال: إن اللطافة بهذا المعنى عين الرطوبة، والكثافة عين اليبوسة- فتأمل فنرى
(قوله: وغير ذلك) أى: كاللذع الذى هو كيفية سارية فى الأجزاء يحس بها إن مس اللاذع- قاله اليعقوبى
(قوله: أو عقلية .. إلخ) اعلم أن تقسيم الخارج من وجه الشبه إلى حسىّ وعقلىّ لمزيد الاهتمام به وإلا فغير الخارج منه أيضا قد يكون حسيّا وقد يكون عقليّا، إذ المراد بالحسى ما كانت أفراده مدركة بالحس، لكن لما لم يكن التشبيه فيه كثيرا لم يتعلق به اهتمام يدعو إلى تقسيمه، وأيضا تقسيمه إلى الحسىّ والعقلىّ عائد إلى حسية الطرفين وعقليتهما فاستغنى عن تقسيمه بتقسيمهما بخلاف تقسيم الخارج، فإنه لا يستغنى عنه بتقسيم الطرفين
(قوله: أو عقلية) أى: مدركة بالعقل
(قوله: أى المختصة بذوات الأنفس) أى: المختصة بالأجسام ذوات الأنفس الناطقة، ومعنى اختصاصها بذوات الأنفس أنها لا توجد إلا فيها لا فى الجمادات ولا فى الحيوانات العجم فلا ينافى وجود بعضها: كالعلم والقدرة والإرادة فى الواجب تعالى، وفى المجردات عند مثبتها كذا قال بعضهم. وفيه أنه لا داعى لجعل الاختصاص إضافيّا؛ لأن علم الواجب تعالى وقدرته وإرادته، وكذلك علم المجردات عند مثبتها، ليس من الكيفيات
(قوله: من الذكاء) بيان للكيفيات النفسانية وهو فى الأصل مصدر ذكت النار إذا اشتد لهبها، وأما فى العرف فقد أشار له الشارح بقوله شدة قوة .. إلخ أى: قوة شديدة للنفس فهو من إضافة الصفة للموصوف (وقوله: معدة لاكتساب الآراء) بكسر
المفسر بحصول صورة الشىء عند العقل، وقد يقال على معان أخر (والغضب) وهو
…
===
العين اسم الفاعل أى: تعد النفس وتهيئها، أو بفتحها اسم مفعول أى: أعدها الله تعالى لاكتساب النفس الآراء أى: العلوم والمعارف، وإذا أريد التشبيه باعتبار ذلك قيل فلان كأبى حنيفة فى الذكاء أو فى العلم
(قوله: المفسر) أى: عند المناطقة
(قوله: بحصول صورة الشىء) قضيته أن العلم من مقولة الإضافة، والأولى أن يقال الصورة الحاصلة من الشىء .. إلخ؛ لأن المذهب المنصور عندهم أن العلم من مقولة الكيف، وأن الفرق بينه وبين المعلوم بالاعتبار، فالصورة باعتبار وجودها فى الذهن علم وفى الخارج معلوم، وصورة الشىء ما يؤخذ منه بعد حذف مشخصاته؛ ولأن المتبادر من عبارة الشارح كون الصورة مطابقة للشىء فى الواقع من أن هذا ليس بمشترط عندهم، بخلاف قولنا الصورة الحاصلة من الشىء فإنه يشمل ما لو رأى شيئا ظنّه إنسانا وهو فى الواقع فرس، والحاصل أن قولنا: الصورة الحاصلة من الشىء صادق بصورة المفرد وصورة وقوع النسبة وبالمطابقة وبخلافها، فالتعريف شامل للتصور والتصديق وللجهل المركب
(قوله: عند العقل) أى: فيه، أو فى آلاته: وهى الحواس الظاهرة التى يدرك بها الجزئيات، فتعبير الشارح بقوله عند العقل أولى من قول بعضهم: فى العقل، لشمول عبارة الشارح لإدراك الجزئيات بناء على القول بارتسامها فى الآلات
(قوله: وقد يقال على معان أخر) المتبادر منه أن المراد بتلك المعانى ما ذكره فى المطول من الاعتقاد الجازم المطابق الثابت وإدراك الكلى وإدراك المركب والملكة المسماة بالصناعة وهى التى يقتدر بها على استعمال الآلات سواء كانت خارجية كآلة الخياطة أو ذهنية كما فى الاستدلال فى غرض من الأغراض صادرا ذلك الاستعمال عن البصيرة بقدر الإمكان، وأنت خبير بأن كلّا من هذه المعانى يجوز إرادته هنا؛ لأن العلم كيفية على كلّ منها، وحينئذ فقوله: وقد يقال: إشارة إلى أن إطلاقه على غير المعنى الذى ذكره قليل، ويحتمل أن تلك المعانى التى أرادها بقوله: وقد يقال على معان أخر غير المعانى المذكورة فى الطول وهى معان ليست من الكيفيات النفسانية: كالأصول والقواعد، فإنها أحد معانى العلم، وليست
حركة للنفس مبدؤها إرادة الانتقام (والحلم) وهو أن تكون النفس مطمئنة بحيث لا يحركها الغضب بسهولة، ولا تضطرب عند إصابة المكروه (وسائر الغرائز) جمع:
غريزة وهى الطبيعة؛ أعنى ملكة تصدر عنها صفات ذاتية
…
===
كيفية نفسانية
(قوله: حركة للنفس مبدؤها) أى: سببها وعلتها (إرادة الانتقام) اعتراض بأن هذا التعريف لا يلائم قوله فى تفسير الحلم لا يحركها الغضب حيث جعل الغضب محركا للنفس، لا أنه نفس حركتها، وأجيب بأن قوله: لا يحركها الغضب على حذف مضاف أى: لا يحركها أسباب الغضب، وبعد هذا كله فيردّ عليه أن تفسير الغضب ينافى كونه من الكيفيات، فإن الشارح نفسه تقدم له الاعتراض على المصنف فى جعله الحركات من الكيفيات فالأحسن أن يقال: الغضب كيفية توجب حركة النفس مبدأ تلك الكيفية إرادة الانتقام
(قوله: أن تكون النفس .. إلخ) فيه أن هذا يقتضى أن الحلم كون النفس مطمئنة، فيفيد أنه ليس من الكيفيات مع أنه منها كما ذكره المصنف، فالأولى أن يقول: وهو كيفية توجب اطمئنان النفس بحيث لا يحركها الغضب، وهذا يرجع لقول بعضهم: إن الحلم كيفية نفسانية تقتضى العفو عن الذنب مع المقدرة على الانتقام.
(قوله: بسهولة) متعلق بالغضب والباء للملابسة أى: لا يحركها الغضب الملتبس بسهولة، وإنما يحرك الحليم الغضب القوىّ، ولذلك يقال: انتقام الحليم أشد على قدر الغضب، وإذا أريد التشبيه باعتبار الحلم والغضب قيل: هو كعنترة فى غضبه وهو كمعاوية فى حلمه
(قوله: ولا تضطرب) أى: بسهولة والعطف لازم
(قوله: وهى الطبيعة) أعنى: السجية التى عليها الإنسان سميت غريزة؛ لأنها لملازمتها للشخص صارت كأنها مغروزة فيه فهى فعيلة بمعنى مفعولة
(قوله: أعنى) أى: بالغريزة التى هى الطبيعة
(قوله: تصدر عنها صفات ذاتية) أى: منسوبة للذات، والمراد هنا بالصفات الذاتية الأفعال الاختيارية لا المعنى المصطلح عليه عند المتكلمين وهو الصفات القائمة بالذات الموجبة لها حكما- كذا قرر شيخنا العدوى، وفى عبد الحكيم: أن المراد بالصفات الذاتية الصفات التى لا يكون للكسب فيها مدخل فملكة الكتابة لا تسمى
مثل الكرم، والقدرة، والشجاعة، وغير ذلك (وإما إضافية) عطف على قوله: إما حقيقية، ونعنى بالإضافية: ما لا تكون هيئة متقررة فى الذات، بل تكون معنى متعلقا بشيئين (كإزالة الحجاب فى تشبيه الحجة بالشمس) فإنها ليست هيئة متقررة فى ذات الحجة والشمس، ولا فى ذات الحجاب
…
===
غريزة؛ لأن ما يصدر عنها من الكتابة للكسب فيها مدخل، والكرم الذى يصدر عنه بذل المال والنفس والجاه إن كان صدوره بالاعتياد والممارسة فلا يسمى غريزة بل خلقا- بالضم- وإن كان صدوره بالذات يسمى غريزة، وعلى هذا فالفرق بين الغريزة والخلق أن الأفعال الصادرة عن الملكة لا مدخل للاعتياد فيها فى الغريزة وله مدخل فيها بالنسبة للخلق
(قوله: مثل الكرم) أى: فإنه كيفية يصدر عنها بذل المال والجاه، وهذا مثال للملكة التى يصدر عنها الأفعال
(قوله: والقدرة) أى: فإنها كيفية يصدر عنها الأفعال الاختيارية من العقوبة وغيرها
(قوله: والشجاعة) أى: فإنها كيفية يصدر عنها بذل النفس بسهولة واقتحام الشدائد
(قوله: وغير ذلك) أى: كأضدادها وهى البخل وهو كيفية يصدر عنها المنع لما يطلب وهو فعل، والعجز وهو كيفية يصدر عنها تعذر الفعل عند المحاولة وهو فعل يسند لصاحب العجز، والجبن وهو كيفية يصدر عنها الفرار من الشدائد المتعلقة، ويقال عند التشبيه باعتبار ما ذكر مثلا: هو كحاتم فى الكرم وهو كعنترة فى الشجاعة وهو كالمعتصم فى القدرة، ثم إن ظاهر الشارح يقتضى اختصاص الغرائز بالكيفيات التى تصدر عنها الأفعال أو ما يجرى مجرى الأفعال، فلو فرضت كيفية لا يصدر عنها فعل لم تكن غريزة كالبلادة- فتأمل
(قوله: ما لا تكون هيئة) أى: ما لا تكون صفة متقررة فى الذات أى: متقررة فى ذات الطرفين المشبه والمشبه به.
(قوله: متعلقا بشيئين) أى: بحيث يتوقف تعلقه على تعلقهما وذلك كالأبوة والبنوة، فإنه ليس شىء منهما متقررا فى ذات بقطع النظر عن الغير، بل بالقياس إلى الغير، وكإزالة الحجاب فإنها إنما تتصور متعلقة بشيئين هما الحجاب والشمس أو الحجاب والحجة
(قوله: فإنها) أى: الإزالة
(قوله: ولا فى ذات الحجاب) الأولى حذفه؛ لأن الكلام
وقد يقال الحقيقى على ما يقابل الاعتبارى الذى لا تحقق له إلا بحسب اعتبار العقل. وفى المفتاح
…
===
فى كون وجه الشبه خارجا عن الطرفين والحجاب ليس واحدا منهما، وإنما هو متعلق الإزالة ولا التفات لكون الإزالة قائمة به ومتقررة فيه أو لا، والحاصل: أنك إذا قلت هذه الحجة كالشمس كان وجه الشبه بينهما إزالة الحجاب عما من شأنه أن يخفى، إلا أن الشمس مزيلة عن المحسوسات والحجة مزيلة عن المدارك المعقولة، وإذا زال الحجاب ظهر المزال عنه والوجه المذكور ليس صفة متقررة فى الحجة ولا فى الشمس، بل أمر نسبى يتوقف تعلقه على تعلق المزال وهو الحجاب وتعلق المزيل
(قوله: وقد يقال .. إلخ) هذا مقابل لما ذكره المصنف من مقابلة الحقيقى بالإضافى وتوضيح ما فى المقام: أن الصفة إما أن تكون متقررة فى ذات الموصوف لكونها موجودة فى الخارج كالكيفيات الجسمانية المدركة بالحواس الخمس الظاهرة، وكالكيفيات النفسانية المدركة بالعقل كالعلم وتسمى هذه الصفة حقيقية، وإما أن تكون غير موجودة فى الخارج، وهى إما ثابتة فى خارج الذهن اعتبرها المعتبر أم لا ككون الشىء كذا وتسمى إضافية واعتبارية نسبية، وإما غير ثابتة فى خارج الذهن بل ثبوتها فى ذهن المعتبر فقط، فإن اعتبرها كانت ثابتة فيه، وإن لم يعتبرها لم يكن لها ثبوت فيه كالصور الوهمية مثل صورة الغول والصورة المشبهة بالمخالب أو الأظفار للمنية وكرم البخيل وبخل الكريم، وتسمى هذه اعتبارية وهمية، فالاعتبارية أعم من الإضافية؛ لأن الاعتبارية إما نسبية وهى الإضافية وإما وهمية وهى غيرها؛ إذا علمت هذا فالمصنف قابل الحقيقية بالإضافية فتكون الاعتبارية الوهمية غير داخلة فى كلامه أما عدم دخولها فى الإضافية فظاهر، وأما عدم دخولها فى الحقيقية فلأنه قسم الحقيقية إلى حسية وعقلية، فدل على أنه أراد بالحقيقية ما كانت متحققة فى ذات الموصوف بدون اعتبار العقل سواء كانت مدركة بالحس أو بالعقل، وحيث كانت الاعتبارية الوهمية غير داخلة فى كل من الحقيقية والإضافية فيكون فى حصر المصنف الصفة فى الحقيقية والإضافية قصور. نعم لو أريد بالحقيقية ما قابل الإضافية كانت الاعتبارية
إشارة إلى أنه مراد هاهنا حيث قال: الوصف العقلى منحصر بين حقيقى كالكيفيات النفسانية، وبين اعتبارى ونسبى؛
…
===
الوهمية داخلة فى الحقيقية، إلا أنه يمنع من ذلك تقسيمه الحقيقية إلى حسية وعقلية فقط، وقول الشارح: وقد يقال: أى يطلق الحقيقى على ما يقابل الاعتبارى الذى لا تحقق له إلا بحسب اعتبار العقل أى: وهو الاعتبارى الوهمى وعلى هذا الإطلاق يكون الحقيقى شاملا للإضافيات فيراد به الأمر الذى له ثبوت فى نفسه سواء كان متصفا بالوجود الخارجى أو لا، فالحقيقى على هذا الإطلاق أعم منه على كلام المصنف حيث أريد بالحقيقى منه ما له وجود خارجى كما هو الظاهر من تقسيمه السابق للحسى والعقلى، فالإضافى من قبيل الحقيقى على الإطلاق الثانى، وغير حقيقى على إطلاق المصنف
(قوله: إشارة إلى أنه) أى: الإطلاق الثانى وهو أن الحقيقى ما قابل الاعتبارى الوهمى (وقوله: مراد هاهنا) أى: فى مقام تقسيم الصفة إلى حقيقية وغيرها، فيراد بالغير الاعتبارية الوهمية، ويراد بالحقيقية ما يشمل الاعتبارية بالإضافية
(قوله: حيث قال) أى:
لأنه قال الوصف العقلى أى: الذى هو وجه الشبه (وقوله: منحصر) أى: متردد على وجه الحصر
(قوله: كالكيفيات النفسانية) أى: مثل العلم والذكاء
(قوله: وبين اعتبارى) أى: وهمى (وقوله: ونسبى) أى: وبين اعتبارى ونسبى، واعلم أن المفهوم من عبارة المفتاح تقسيم الوصف العقلى إلى ثلاثة أقسام حقيقى، واعتبارى، ونسبى، وقضية ذلك أن الحقيقى ما ليس باعتبارى ولا نسبى فلا يشمل النسبى، وهذا خلاف المفهوم من قوله وقد يقال الحقيقى .. إلخ، إذ قضيته تناوله للنسبى، وأجيب بأن استدلاله بكلام المفتاح مبنى على رأى المتكلمين من أن الأمور الإضافية لا وجود لها فى الخارج وأنها اعتبارية أى: مما وجوده بحسب اعتبار العقل فيكون قوله اعتبارى ونسبى من عطف الخاص على العام ويكون قوله على ما يقابل الاعتبارى الذى .. إلخ، شاملا للإضافى والوهمى، وإنما قال: وفى المفتاح إشارة .. إلخ؛ لأن قوله: ونسبى يحتمل أن يكون معطوفا على اعتبارى أى: وبين اعتبارى غير نسبى ونسبى اعتبارى أيضا فيكون الوصف العقلى قسمين فقط، ويحتمل أن يكون قوله: ونسبى عطفا على حقيقى، فتكون الأقسام ثلاثة،