الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التجريد]:
(ومنه) أى ومن المعنوى (التجريد وهو أن ينتزع من أمر ذى صفة) أمر (آخر مثله فيها) أى مماثل لذلك الأمر ذى الصفة فى تلك الصفة (مبالغة) أى لأجل المبالغة وذلك (لكمالها) أى تلك الصفة (فيه) أى فى ذلك الأمر حتى كأنه بلغ من الاتصاف بتلك الصفة
…
===
توافقها فى الوقوع واشتراكها فى الثبوت، - كذا قيل، لكن يرد أن يقال لم لم يقل أو يزوج من يشاء ذكرانا وإناثا؟ أى: يجعل لمن يشاء الذكور والإناث معا فيفيد المباينة ويجرى الكلام على نسق واحد، وقد يقال: فائدة العدول عن التصريح بمن يشاء فى الجملة الثالثة إلى الضمير وتغيير أسلوب الكلام، الإشارة إلى عدم لزوم المشيئة ورعاية الأصلح، - أفاده يس نقلا عن السيد وتأمله.
[التجريد]:
(قوله: وهو أن ينتزع إلخ) قال فى الأطول: هذا لا يشمل بظاهره نحو لقيت من زيد وعمرو أسدا، ولا نحو لقيت من زيد أسدين أو أسودا، فالأولى أن يقال: وهو أن ينتزع من أمر ذى صفة أو أكثر أمر آخر أو أكثر مثله فيها انتهى. قال الفنرى: وهذا الانتزاع دائر فى العرف يقال فى العسكر ألف رجل وهم فى أنفسهم ألف، ويقال فى الكتاب عشرة أبواب وهو فى نفسه عشرة أبواب، والمبالغة التى ذكرت مأخوذة من استعمال البلغاء؛ لأنهم لا يفعلون ذلك إلا للمبالغة
(قوله: آخر) هو بالرفع نائب فاعل ينتزع وأشار الشارح بتقدير أمر إلى أنه صفة لمحذوف
(قوله: أى لأجل المبالغة) أى: أن الانتزاع المذكور يرتكب لأجل إفادة المبالغة، أى: لأجل إفادة أنك بالغت فى وصف المنتزع منه بتلك الصفة
(قوله: وذلك) أى: ما ذكر من المبالغة (لكمالها إلخ) فهو علة للعلة ويحتمل أن المراد وذلك أى ما ذكر من الانتزاع لأجل المبالغة لكمالها إلخ، فهو علّة للمعلل مع علته، وإنما قدر الشارح ذلك إشارة لدفع ما قد يتوهم من أن فيه متعلق بمبالغة وإنما هو متعلق بكمالها، ويصح أن يجعل لام لكمالها بمعنى فى صلة للمبالغة أى:
لأجل المبالغة فى كمال تلك الصفة فيه
(قوله: لكمالها فيه) أى: لادعاء كمال تلك
إلى حيث يصح أن ينتزع منه موصوف آخر بتلك الصفة (وهو) أى التجريد (أقسام منها) ما يكون بمن التجريدية (نحو قولهم: لى من فلان صديق حميم)
===
الصفة فى ذلك المنتزع منه، وإنما قلنا لادعاء الكمال أن للإشارة إلى إظهار المبالغة بالانتزاع لا يشترط فيه كون الصفة كاملة فى ذلك الأمر بحسب نفس الأمر، بل ادعاء كمالها فيه كاف سواء طابق الواقع أم لا، ووجه دلالة الانتزاع على المبالغة المبنية على ادعاء الكمال ما تقرر فى العقول من أن الأصل والمنشأ لما هو مثله يكون فى غاية القوة حتى صار يفيض بمثالاته، فإذا أخذ موصوف بصفة من موصوف آخر بما فهم أنك بالغت فى وصفه حتى صيرته فى منزلة، هى أن من كانت فيه تلك الصفة صار متصفا بتفريع أمثاله عنه، فهى فيه كأنها تفيض بمثالاتها لقوتها كما تفيض الأشعة عن شعاع الشمس وكما يفيض الماء عن ماء البحر، وإلى هذا يشير قول الشارح حتى كأنه أى:
الأمر المنتزع منه بلغ إلخ
(قوله: إلى حيث) أى: إلى مرتبة يصح إلخ
(قوله: وهو أقسام) أى: سبعة لأن الانتزاع إما أن يكون بحرف أو بدونه والحرف إما من أو الباء أو فى والباء إما داخلة على المنتزع منه أو على المنتزع وما يكون بدون حرف إما أن يكون لا على وجه الكناية أو يكون على وجهها ثم هو إما انتزاع من غير المتكلم أو انتزاع من المتكلم نفسه، فهذه أقسام سبعة أشار المصنف إليها ولأمثلتها فيما يأتى.
(قوله: بمن التجريدية) جعل بعضهم التجريد معنى برأسه لكلمة من والأصح أنها ابتدائية كما أن باء التجريد باء المصاحبة- قاله عبد الحكيم، وتدخل من على المنتزع منه ولم يوجد دخولها على المنتزع بخلاف الباء- كذا فى الأطول. قال العلامة اليعقوبى: والمناسب لمن حيث دخلت على المنتزع منه أن تكون للابتداء لأن المنتزع مبتدأ وناشئ من المنتزع منه الذى هو مدخول من، وأما جعلها للبيان فلا يفيد المبالغة لأن بيان شىء بشىء لا يدل على كمال المبين فى الوصف، بخلاف جعل شىء مبدأ ومنشأ لذى وصف فإنه يدل على كمال ذلك الشىء باعتبار ذلك الوصف، فإذا قيل:
لى من فلان صديق حميم فكأنه قيل: خرج لى من فلان وأتانى منه صديق آخر، ولا شك أن هذا يفيد المبالغة فى وصف فلان بالصداقة
(قوله: لى من فلان صديق حميم) أى لى صديق
أى قريب يهتم لأمره (أى بلغ فلان من الصداقة حدّا صح معه) أى مع ذلك الحد (أن يستخلص منه) أى من فلان صديق (آخر مثله فيها) أى فى الصداقة (منها) ما يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه (نحو قولهم: لئن سألت فلانا لتسألن به البحر) بالغ فى اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا فى السماحة (ومنها) ما يكون بدخول باء المعية فى المنتزع (نحو قوله (1) وشوهاء) أى فرس قبيح المنظر لسعة أشداقها أو لما أصابها من شدائد الحرب (تعدو) أى تسرع (بى
===
حميم ناشئ من فلان أى: مبتدأ ومنتزع منه
(قوله: أى قريب) تفسير للحميم؛ لقول الصحاح: حميمك: قريبك الذى تهتم لأمره
(قوله: من الصداقة) أى: من مراتبها، (وقوله: حدّا) أى: مكانا ومرتبة (وقوله: صح معه) أى: صح بمصاحبته للاتصاف بذلك الحد من الصداقة
(قوله: أن يستخلص منه) أى: ينتزع منه ويستخرج منه.
(قوله: نحو قولهم) أى: فى مقام المبالغة فى وصف فلان بالكرم
(قوله: لئن سألت فلانا لتسألن به البحر) يصح أن تكون الباء للمصاحبة أى: لتسألن البحر معه أى شخصا كريما كالبحر مصاحبا له، ويصح جعلها للسببية أى لتسألن بسببه البحر أى: شخصا آخر كالبحر بمعنى أنه سبب لوجود بحر آخر مجردا منه مماثلا له فى كونه يسأل
(قوله: بالغ إلخ) أى: بناء على أن المراد بالسؤال فى قوله: لتسألن به البحر سؤال دفع الحاجة، فيكون التشبيه بالبحر فى السماحة، ويحتمل أن يكون السؤال لدفع الجهل فيكون التشبيه بالبحر فى كثرة العلم
(قوله: فى المنتزع) أى: على المنتزع لا على المنتزع منه كما فى القسم الذى قبله
(قوله: وشوهاء)(2) أى: ورب فرس شوهاء
(قوله: أو لما أصابها من شدائد الحرب) أى: من الضربات والطعنات وأو لتنويع الخلاف وذلك لأن الشوه قيل: إنه قبح الوجه لسعة الأشداق جمع شدق وهو جانب الفم، وقيل: قبح الوجه لما أصابه من شدائد الحرب، والوصف بالشوهائية لما ذكر وإن كان قبيحا فى الأصل
(1) البيت لأبى لأمة فى الإيضاح ص 52، والمصباح ص 237.
(2)
من الطويل وهو لذى الرمة فى ديوانه ص 233، وشرح عمدة الحافظ 589، ولسان العرب (دجل) برواية المدجّل وبلا نسبة فى المقاصد النحوية 4/ 195، شرح المرشدي.
إلى صارخ الوغى) أى مستغيث فى الحرب (بمستلئم) أى لابس لأمة وهى الدرع والباء للملابسة والمصاحبة (مثل الفنيق) هو الفحل المكرم (المرحّل) من رحل البعير أشخصه عن مكانه وأرسله أى تعدو بى ومعى من نفسى مستعد للحرب
…
===
لكنه يستحسن فى الخيل؛ لأنه يدل على أنها مما يعد للشدائد لقوتها وأهليتها وأنها مما جرب للملاقاة فى الحروب وللتصادم وذلك كمال فيها
(قوله: إلى الصارخ الوغى) أى:
إلى الصارخ الذى يصرخ فى مكان الوغى، والوغى الحرب والصارخ الذى يصرخ فى مكان الحرب هو: الذى يصيح وينادى الفرسان لحضور الحرب والاجتماع إليه لإغاثته
(قوله: لأمة) بالهمزة الساكنة وقد تسهل
(قوله: والباء للملابسة والمصاحبة) أى: متعلقة بمحذوف على أنها ومجرورها فى محل الحال من المجرور فى بى أى: تعدو بى حالة كونى مصاحبا لمستلئم آخر، وليست الباء للتعدية وليس قوله بمستلئم بدلا من الباء فى قوله بى؛ لأن ذلك يفوت التجريد ولأنه لا يبدل الاسم الظاهر من ضمير الحاضر إلا إذا كان مفيدا للإحاطة، ولا للسببية متعلقة ب تعدو لأن المعنى حينئذ تعدو بى بسبب مستلئم، وحينئذ فيكون المستلئم الذى هو المنتزع سببا للمجرد منه، والمقرر هو أن المجرد منه سبب ومنشأ لا العكس، نعم يمكن اعتبار السببية بتكلف وذلك بأن تدعى المبالغة حتى صار الأصل والسبب فرعا مسببا، وإنما لم يحمل على ذلك لأن المبالغة المفيدة للتجريد تكفى فى الحسن، ومتى ما زيد عليها ما أوجب العكس صار الكلام كالرمز وصار فى غاية البرودة كما يشهد بذلك الذوق السليم
(قوله: والمصاحبة) تفسير مراد للملابسة والأولى حذف الملابسة.
(قوله: مثل الفنيق) قال سم: الظاهر أنه صفة لمستلئم لقربه منه وقال اليعقوبى:
بالجر صفة لشوهاء والفنيق بالفاء والنون ثم ياء تحتية وقاف (وقوله: وهو الفحل المكرم) أى: الفحل من الإبل الذى ترك أهله ركوبه تكرمة له (وقوله: المرحّل) أى المرسل عن مكانه أى: أنه مطلق وغير مربوط فى محل، فقد شبه الفرس بالفحل المذكور فى القوة وعدم القدرة على المصادمة
(قوله: من رحل البعير) بتشديد الحاء (وقوله: أشخصه) أى:
بالغ فى استعداده للحرب حتى انتزع منه آخر (ومنها) ما يكون بدخول فى المنتزع منه (نحو قوله تعالى لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ (1) أى فى جهنم وهى دار الخلد) لكنه انتزع منها دارا أخرى وجعلها معدة فى جهنم لأجل الكفار تهويلا لأمرها مبالغة فى اتصافها بالشدة (ومنها ما يكون بدون توسط حرف (نحو قوله (2)
…
===
أطلقه (وقوله: وأرسله) تفسير
(قوله: بالغ فى استعداده للحرب) أى: بملازمته لبس اللأمة وغيرها من آلات الحرب
(قوله: حتى انتزع منه آخر) أى: حتى صار بحيث يخرج منه مستعد آخر يصاحبه.
(قوله: فى المنتزع منه) أى: على المنتزع منه ففى بمعنى على
(قوله: أى فى جهنم) تفسير للضمير المجرور بفى (وقوله: وهى) أى: جهنم نفسها
(قوله: لكنه انتزع منها دار أخرى إلخ) حاصله أنه بولغ فى اتصافها بكونها دارا ذات عذاب مخلد حتى صارت بحيث تفيض ويصدر عنها دار أخرى مثلها فى الاتصاف بكونها دارا ذات عذاب مخلد، فكأنه قيل: ما أعظم تلك الدار فى لزومها لهم وعدم انفكاك عذابها عنهم وكونها لا تضعف مع طول الخلود ولا تفنى بتصرم الأعوام، حتى إنها تفيض دارا أخرى مثلها فى اللزوم وقوة العذاب بلا ضعف مع التخليد
(قوله: تهويلا إلخ) علة لانتزاع الدار الأخرى منها
(قوله: ومبالغة فى اتصافها بالشدة) بحث فيه بعضهم بأن انتزاع دار الخلد يفيد المبالغة فى الخلود لا فى شدة العذاب، إلا أن يقال: اتصافها بالخلود يستلزم شدة العذاب فانتزع منها دار أخرى مثلها فى شدة العذاب وفى كونها مخلدا فيها، انتهى. قال العصام: يمكن ألا تكون فى هنا للانتزاع بل لإفادة أن دار الكفار منزلتهم بعض جهنم لأن كثيرا منها مشغول بالفساق من المسلمين، بل هى أوسع من أن يشغلها جميع من دخلها قال تعالى يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (3)
(قوله: بدون توسط حرف) أى: بل يؤتى بالمنتزع على وجه يفهم منه الانتزاع بقرائن الأحوال من غير حرف مستعان به على إفادة التجريد
(قوله: نحو قوله) أى: قول الشاعر وهو: قتادة
(1) فصلت: 28.
(2)
أورده محمد بن على الجرجانى فى الإشارات ص 278، وعزاه للحماسى.
(3)
ق: 30.
فلئن بقيت لأرحلنّ بغزوة، تحوى) أى تجمع (الغنائم أو يموت) منصوب بإضمار أن أى إلا أن يموت (كريم) يعنى نفسه انتزع من نفسه كريما مبالغة فى كرمه فإن قيل هذا من قبيل الالتفات من التكلم إلى الغيبة قلنا لا ينافى التجريد على ما ذكرنا (وقيل: تقديره أو يموت منى كريم
…
===
ابن مسلمة الحنفى نسبة لبنى حنيفة قبيلة
(قوله: فلئن بقيت) أى: حيّا، وقوله: لأرحلن أى: لأسافرن، وقوله بغزوة الباء للسببية أو بمعنى اللام كما هو فى بعض النسخ
(قوله: تحوى الغنائم) قال فى المطول: الجملة صفة لغزوة أى: تجمع تلك الغزوة الغنائم أى:
يجمع أهل تلك الغزوة الغنائم وأنا منهم: قال العصام: ويحتمل أن ضمير تحوى للخطاب، أى تحوى أنت ويكون فيه التفات من التكلم فى قوله: لئن بقيت لأرحلن إلى الخطاب فى قوله: تحوى الغنائم أى: أحوى بها الغنائم، وأما على كلام الشارح من أن ضمير تحوى للغزوة فلا التفات فيه، والالتفات إنما هو فى أو يموت كريم
(قوله: منصوب بإضمار أن) أى: لوقوعه بعد أو التى بمعنى إلا أى: لكن إن مات كريم فلا تحوى الغنائم، وما ذكره من النصب هو الرواية فى البيت وإلا فيجوز رفعه بالعطف على تحوى بحذف العائد أى: لأرحلن لغزوة تحوى الغنائم أو يموت فيها كريم، أى أو يستشهد فيها بالقتل
(قوله: يعنى نفسه) أى: أن الشاعر يعنى بالكريم نفسه؛ أى لأن معنى الكلام كما أفاده السياق أنى أسافر لغزوة إما أن أجمع فيها الغنائم أو أموت
(قوله: من قبيل الالتفات إلخ) أى: وحينئذ فلا يكون من قبيل التجريد لأن الالتفات مبنى على الاتحاد والتجريد مبنى على التعدد وهما متنافيان؛ وذلك لأن المعنى المعبر عنه فى الالتفات بالطريق الأول والثانى واحد، والمعبر عنه باللفظ الدالّ على المنتزع منه باللفظ الدالّ على المنتزع متعدد بحسب الاعتبار، إذ يقصد أن المجرد شىء آخر غير المجرد منه
(قوله: قلنا: لا ينافى إلخ) أى: قلنا: الالتفات لا ينافى التجريد.
(قوله: على ما ذكرنا) أى: على مقتضى ما ذكرنا من تعريف التجريد، فإنه يقتضى أنه قد يجامعه الالتفات إذ المراد بالاتحاد فى الالتفات الاتحاد فى نفس الأمر لا الاتحاد فيه وفى الاعتبار، والمراد بالتعدد فى التجريد التعدد بحسب الاعتبار لا فى نفس
===
الأمر أيضا حتى ينافى الالتفات، والحاصل أن ما فى البيت تجريد نظرا للتغاير الادعائى، والتفات نظرا للاتحاد الواقعى، وفى بعض الحواشى ليس مراد الشارح بعدم منافاة الالتفات للتجريد أنه يجوز اجتماعهما فى لفظ واحد قصدا بل مراده أن الالتفات لا ينافى احتمال التجريد، فكما صح فى البيت الالتفات يصح فيه التجريد على البدلية لا على الاجتماع، وذلك لأن من المواد ما يصلح لقصد التجريد فقط ومنها ما يصلح للالتفات فقط ومنها ما يصلح لهما معا، فالأول: كما تقدم فى قولهم لى من فلان صديق حميم، إذ لا معنى للالتفات فيه لاتحاد الطرفيين فيه إذ هما معا غيبة، والثانى: كقوله تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ. فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (1) إذ لا معنى للانتزاع والتجريد فيه بأن يقال انتزع تعالى من ذاته ربا مبالغة فى ربوبيته للنبى- صلى الله عليه وسلم لأنه يلزم الأمر بالصلاة المرب المنتزع، والثالث: كالمثال الذى نحن بصدد البحث فيه وهو لئن بقيت لأرحلن بغزوة إلخ، فإن المتكلم بهذا الكلام يحتمل أنه قصد المبالغة فى وصف نفسه بالكرم حتى انتزع من نفسه كريما آخر فيكون تجريدا، ويحتمل أنه أراد التنطع فى التعبير وتحويل الكلام من أسلوب إلى أسلوب آخر جديد فيكون التفاتا، وأما كون الالتفات والتجريد يجتمعان فى مادة قصدا فلا يصح.- انتهى كلامه، قال العلامة عبد الحكيم:
والصواب أن اجتماعهما واقع فى صورة يكون الأسلوب المنتقل إليه دالا على صفة كما فيما نحن فيه، فهو يعنى قوله كريم التفات من حيث إنه انتقل من التكلم للغيبة، وتجريد من حيث التعبير بصيغة الصفة لأجل المبالغة فى الكرم، ولا يرد ما قيل إن الالتفات يقتضى الاتحاد والتجريد يقتضى التغاير ولو ادعاء، وبينهما تناف لأنه إنما يلزم ذلك لو كان اعتبار المتنافيين من جهة واحدة بحسب اقتضاء المقام، وهنا ليس كذلك لما علمت أن الالتفات من حيث إنه انتقل من التكلم للغيبة لأجل تجديد الأسلوب، والتجريد من حيث التعبير بصيغة الصفة لأجل المبالغة فى الكرم مثلا اه. وبهذا تعلم أن قول الشارح: قلنا لا ينافى التجريد، معناه قلنا إن الالتفات لا ينافى التجريد وأنه يجوز اجتماعهما
(1) الكوثر: 2، 1.
فيكون من قبيل: لى من فلان صديق حميم فلا يكون قسما آخر (وفيه نظر) لحصول التجريد وتمام المعنى بدون هذا التقدير (ومنها) ما يكون بطريق الكناية (نحو قوله:
يا خير من يركب المطىّ ولا
…
يشرب كأسا بكفّ من بخلا (1)
===
معا فى مادة قصدا، والحاصل أن التنافى إنما يأتى لو كان المقام مقتضيا لهما بجهة واحدة وأما اجتماعهما فى مادة كل واحد باعتبار فلا ضرر فيه
(قوله: على ما ذكرنا) فيه أنه لم يتعرض لعدم المنافاة سابقا فالأولى لا ينافى التجريد بالمعنى المذكور، وقد يجاب بأن المراد على مقتضى ما ذكرنا من تعريف التجريد كما مر
(قوله: فيكون من قبيل لى من فلان صديق حميم) أى: فيكون مثله من جهة أن من داخلة على المنتزع منه فى كل، وذلك لأن المقدر كالمذكور
(قوله: وفيه نظر) أى: وفى هذا القيل نظر
(قوله: لحصول التجريد وتمام المعنى بدون هذا التقدير) أى: ومن المعلوم أن تقدير شىء زائد فى الكلام إنما يحتاج إليه عند عدم تمام المعنى بدونه وإنما كان هذا الكلام يفهم منه أن المتكلم جرد من نفسه كريما آخر بلا تقدير المجرور بمن لأنه عادل بين كونه يحوى الغنائم أو يموت الكريم، والجارى على الألسن أن يقال: لا بد لى من الغنيمة أو الموت فيفهم منه أن المراد بالكريم نفسه، والمدح المستفاد من التعبير بلفظ الكريم يقتضى المبالغة المصححة للتجريد.
(قوله: ومنها ما يكون بطريق الكناية) أى: مصحوبا بطريق الكناية أى: تجريد معه كناية بأن ينتزع المعنى ثم يعبر عنه بكناية كما أنه يعبر عنه بصريح
(قوله: نحو قوله) أى: قول الشاعر وهو الأعشى
(قوله: المطى) جمع مطية وهى المركوب من الإبل
(قوله: ولا يشرب كأسا بكف من بخلا) أى: بكف من هو موصوف بالبخل، وحاصله أن ذلك الممدوح وهو المخاطب من أهل الشرب والشأن أن الإنسان يشرب بكف نفسه، فانتزع الشاعر من ذلك الممدوح شخصا كريما يشرب من كفه الممدوح مبالغة فى كرمه، فصار الأصل ويشرب بكف كريم ثم عبر عن ذلك المعنى بالكناية بأن أطلق اسم
(1) البيت للأعشى، وهو فى تلخيص علوم البلاغة.
أى يشرب الكأس بكف الجواد؛ انتزع منه جوادا يشرب هو بكفه على طريق الكناية لأنه إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد أثبت له الشرب بكف كريم؛ ومعلوم أنه يشرب بكفه فهو ذلك الكريم) وقد خفى هذا على بعضهم فزعم إن الخطاب أن كان لنفسه فهو تجريد وإلا فليس من التجريد فى شىء بل كناية عن كون الممدوح غير بخيل.
===
الملزوم وهو نفى الشرب بكف البخيل وأريد اللازم وهو الشرب بكف الكريم، فالتجريد مقدم على الكناية قصدا لكن فى توجيه كون التركيب محتويا عليهما يقدم توجيه الكناية كما فعل الشارح فقوله: أى يشرب الكأس بكف الجواد إشارة للمعنى الكنائى والكأس إناء مملوء من خمر
(قوله: انتزع) أى: الشاعر وقوله منه أى: من المخاطب وقوله: جوادا أى آخر غير المخاطب الممدوح وقوله: يشرب هو أى الممدوح وقوله: بكفه أى: بكف ذلك الجواد المنتزع.
(قوله: على طريق الكناية) أى: وجرى فى إفادة هذا المعنى على طريق الكناية، حيث أطلق اسم الملزوم الذى هو نفى الشرب بكف البخيل على اللازم وهو الشرب بكف الكريم، ومعلوم أنه يشرب بكف نفسه فيكون المراد بالكريم نفسه ففيه تجريد
(قوله: لأنه إذا نفى إلخ) أى: وبيان جريانه على طريق الكناية أن المخاطب إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل بقوله: ولا يشرب كأسا بكف من بخلا فقد أثبت له الشرب بكف كريم وذلك لأن المخاطب لما تحقق له الشرب فى نفس الأمر لكونه من أهل الشرب، ولم يكن شربه بكف بخيل فقد كان بكف كريم، إذ لا واسطة بينهما
(قوله: فهو ذلك الكريم) أى: فهو حينئذ ذلك الكريم فى نفس الأمر والحاصل أن الشاعر قد جرد كريما آخر من المخاطب وكنى عن شربه بكفه المستلزم له بنفى الشرب بكف البخيل، ولا منافاة بين الكناية وكون المكنى عنه مجردا من غيره فإنه كما يصح التعبير عن المجرد بالتصريح يصح بالكناية، فلو امتنع التعبير عن المجرد بالكناية لامتنع بالتصريح
(قوله: وقد خفى هذا) أى: كونه انتزع منه جوادا على طريق الكناية الذى يفهم منه اجتماع التجريد والكناية
(قوله: على بعضهم) هو العلامة الخلخالى
(قوله: فزعم إلخ)
وأقول: الكناية لا تنافى التجريد على ما قررناه ولو كان الخطاب لنفسه لم يكن قسما بنفسه بل داخلا فى قوله.
(ومنها مخاطبة الإنسان نفسه) وبيان التجريد فى ذلك أن ينتزع من نفسه شخصا آخر مثله فى الصفة التى سيق لها الكلام ثم يخاطبه (كقوله:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
…
فليسعد النّطق إن لم يسعد الحال (1)
===
حاصله أن الخلخالى زعم أن كلام المصنف فى جعل هذا أى قوله ولا يشرب كأسا بكف من بخلا تجريدا فى الكناية لا يصح، لأن الخطاب فى قوله يا خير من يركب المطى إن كان لنفسه فهو تجريد؛ لأنه صير نفسه أمامه فخاطبها، وإنما يصيرها كذلك بالتجريد وإذا كان هذا تجريدا فقوله: ولا يشرب كأسا بكف من بخلا كناية عن الكريم فيكون وصفا للمجرد أولا ولا تجريد فى الكناية نفسها لأن التجريد وقع أولا والكلام فى كون الكناية تتضمن تجريدا مستقلا ولم يوجد على هذا وإن كان الخطاب لغيره كان قوله: ولا يشرب كأسا بكف من بخلا كناية عن الكريم الذى هو ذلك المخاطب بواسطة دلالته على أنه يشرب بكف كريم، مع العلم بأن الكف كفه وليس من التجريد فى شىء
(قوله: وأقول) أى: فى الرد على ذلك البعض
(قوله: الكناية لا تنافى التجريد) رد لقوله وإلا فليس إلخ، وقوله ولو كان الخطاب لنفسه إلخ رد لقوله: إن كان الخطاب لنفسه فهو تجريد، وحاصل كلام الشارح اختيار أن الخطاب لغيره والتجريد حاصل، وكونه كناية لا ينافى التجريد وأن كون الخطاب لنفسه صحيح والتجريد حاصل معه إلا أنه لا يصح حمل كلام المصنف عليه؛ لأنه لا يكون حينئذ قسما برأسه، والمصنف جعله قسما برأسه.
(قوله: ومنها مخاطبة الإنسان نفسه) أى: من أقسام التجريد ما تدل عليه مخاطبة الإنسان لنفسه؛ لأن المخاطبة ليست من أنواع التجريد وإنما تدل عليه؛ وذلك لأن المخاطب يكون أمام الإنسان ولا يخاطب نفسه حتى يجعلها أمامه ولا يجعلها أمامه حتى يجرد منها شخصا آخر يكون مثله فى الصفة التى سيق لها الكلام ليتمكن من خطابه، وحينئذ فمخاطبة الإنسان نفسه تستلزم التجريد
(قوله: مثله فى الصفة التى سيق إلخ) أى: كفقد المال والخيل فى البيت الآتى
(قوله: لا خيل عندك تهديها ولا مال) أى: لا
(1) البيت للمتنبى 2/ 250 فى ديوانه.