الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذى يسميه الفقهاء قياسا ويمكن رده إلى صورة قياس استثنائى أى لو كان مدحى لآل جفنة ذنبا لكان مدح ذلك القوم لك أيضا ذنبا واللازم باطل فكذا الملزوم.
[حسن التعليل]:
(ومنه) أى من المعنوى (حسن التعليل وهو أن يدعى لوصف علّة مناسبة له باعتبار لطيف) أى بأن ينظر نظرا يشتمل على لطف ودقة (غير حقيقى)
===
الشاعر لآل جفنة لا عتاب فيه؛ لأنه لأجل الإحسان
(قوله: الذى يسميه الفقهاء قياسا) أى: أصوليّا وهو حمل أمر على أمر فى حكمه لجامع بينهما
(قوله: ويمكن إلخ) هذا إشارة للجواب فكأنه قال: لكنه يمكن رده إلخ وضمير رده لما ذكر من الأبيات أو للحجة
(قوله: لو كان مدحى إلخ) بيان لملازمة اتحاد الموجب للمدحين وهو وجود الإحسان، فإذا كان أحد السببين ذنبا كان الآخر كذلك
(قوله: اللازم باطل) أى: لكن اللازم وهو كون مدح القوم لك ذنبا باطل باتفاقك (وقوله: فكذا الملزوم) أى: وهو كون مدحى لآل جفنة ذنبا، وإذا بطل هذا الملزوم ثبت المطلوب وهو انتفاء الذنب عنى بمدحى لآل جفنة ولزم منه نفى العتب، إذ لا عتب إلا عن ذنب ويمكن رده إلى صورة قياس اقترانى فيقرر هكذا مدحى لآل جفنة مدح بسبب الإحسان وكل مدح بسبب الإحسان لا عتب فيه ينتج مدحى لآل جفنة لا عتب فيه دليل الصغرى الوقوع والمشاهدة ودليل الكبرى تسليم المخاطب ذلك فى مادحيه.
[حسن التعليل]:
(قوله: حسن التعليل) أى: النوع المسمى بذلك الاسم
(قوله: وهو أن يدعى لوصف) ضمن الادعاء معنى الإثبات فعداه للوصف باللام أى: أن يثبت لوصف علّة مناسبة له ويكون ذلك الإثبات بالدعوى
(قوله: باعتبار لطيف) متعلق بيدعى، والمراد بالاعتبار النظر والملاحظة بالعقل، والمراد باللطف الدقة كما أشار له الشارح بقوله بأن ينظر إلخ أى: يثبت لوصف علة حالة كون الإثبات ملتبسا بنظر دقيق بحيث لا يدرك كون هذا المثبت علة إلا من له تصرف فى دقائق المعانى
(قوله: غير حقيقى) صفة لاعتبار
أى لا يكون ما اعتبر علة لهذا الوصف علة له فى الواقع كما إذا قلت: قتل فلان أعاديه لدفع ضررهم فإنه ليس فى شىء من حسن التعليل وما قيل من أن هذا الوصف أعنى غير حقيقى ليس بمفيد هاهنا؛ لأن الاعتبار لا يكون إلا غير حقيقى فغلط ومنشؤه ما سمع
…
===
وفيه أن الذى يوصف بكونه حقيقيّا، أو غير حقيقى الأمر المعتبر لا الاعتبار، وأجيب بأن الضمير فى قوله: غير حقيقى أى: هو راجع للاعتبار بمعنى المعتبر على طريق الاستخدام كما أشار لذلك الشارح بقوله أى: لا يكون ما اعتبر إلخ، والمراد بالحقيقى ما كان علة فى الواقع سواء كان أمرا اعتباريّا أو موجود فى الخارج، وغير الحقيقى ما كان غير مطابق للواقع بمعنى أنه ليس علة فى نفس الأمر، بل اعتبر بوجه يتخيل به كونه صحيحا كان ذلك المعتبر أمرا اعتباريّا أو موجودا فى الخارج.
(قوله: أى لا يكون إلخ) أى: يجب أن يكون ما اعتبر من العلة المناسبة لها الوصف غير مطابقة للواقع بمعنى: أنها ليست علة له فى نفس الأمر، بل اعتبر كونها علة بوجه يتخيل به كون التعليل صحيحا، فلو كانت تلك العلة التى اعتبرت مناسبة للوصف حقيقة أى: علة له فى نفس الأمر، لم يكن ذلك من محسنات الكلام لعدم التصرف فيه فإن قيل: كون الاعتبار لطيفا إنما يكون بكون العلة غير مطابقة للواقع فى التعليل إذ بذلك يثبت لطفه؛ لأن جعل ما ليس بواقع واقعا على وجه لا ينكر ولا يمج هو الاعتبار اللطيف، وحينئذ فلا حاجة لقوله غير حقيقى أى: غير مطابق؛ لأن ذلك هو معنى كون المعتبر لطيفا قلنا: حصر لطف الاعتبار فى كون العلة غير مطابقة للواقع ممنوع، إذ لا يجوز فى اعتبار العلة المناسبة للوصف أن يكون لطيفا أى: دقيقا حسنا ويكون مطابقا وما يكون من البديع يشترط فيه ألا يطابق فلذا وصفه بقوله: غير حقيقى
(قوله: علة له فى الواقع) خبر يكون
(قوله: كما إذا قلت إلخ) هذا التمثيل للمنفى
(قوله: فإنه ليس فى شىء) أى:
فى مرتبة من مراتب حسن التعليل؛ لأن دفع الضرر علة فى الواقع لقتل الأعادى
(قوله: وما قيل) مبتدأ خبره قوله: فغلط، وحاصله أن بعض الشراح اعترض على المصنف، فقال:
الأولى إسقاط قوله: غير حقيقى؛ لأن قوله: باعتبار لطيف يغنى عنه؛ لأن الأمر الاعتباري
أن أرباب المعقول يطلقون الاعتبارى على ما يقابل الحقيقى ولو كان الأمر كما توهم لوجب أن يكون جميع اعتبارات العقل غير مطابق للواقع (وهو أربعة أضرب؛ لأن الصفة) التى ادعى لها علة مناسبة (إما ثابتة قصد بيان علتها أو غير ثابتة أريد إثباتها والأولى إما ألا يظهر لها فى العادة علة) وإن كانت لا تخلو فى الواقع عن علة
…
===
لا يكون إلا غير حقيقى، إذ الاعتبارى ما لا وجود له فى الخارج، والحقيقى ما له وجود فى الخارج وحينئذ فالاعتبارى لا يكون إلا غير حقيقى.
قال الشارح: وهذا الاعتراض غلط نشأ مما سمعه من أرباب المعقول حيث يطلقون الاعتبارى على مقابل الحقيقى مريدين بالاعتبارى ما لا وجود له فى الخارج، بالحقيقى ما له وجود فى الخارج، ففهم أن المراد بالاعتبار: الأمر الاعتبارى، وأن المراد بقوله غير حقيقى أى: غير موجود فى الخارج، فاعترض، ونحن نقول: المراد بالاعتبار هنا نظر العقل لا كون الشىء اعتباريّا أى: لا وجود له والمراد بالحقيقى ما طابق الواقع لا كون الشىء موجودا فى الخارج ولا شك أن ما نظر له العقل تارة يكون حقيقيّا أى:
مطابقا للواقع وتارة لا يكون حقيقيّا، وحينئذ فقول المصنف: باعتبار لطيف لا يغنى عن قوله: غير حقيقى
(قوله: أن أرباب المعقول) بدل مما سمع
(قوله: ولو كان الأمر كما توهم) أى: من أن الاعتبارى لا يكون إلا غير حقيقى أى لا وجود له
(قوله: لوجب أن يكون إلخ) أى: واللازم باطل؛ لأن المنظور فيه بعضه مطابق للواقع وبعضه غير مطابق للواقع، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
(قوله: وهو) أى: حسن التعليل أربعة أضرب أى: باعتبار الصفة، وأما العلة فى الجميع فهى غير مطابقة للواقع
(قوله: إما ثابتة) أى: فى نفسها وقصد بما أتى به بيان علتها بحسب الدعوى لا بحسب الواقع؛ لأنها بحسبه ليست علة لأن الفرض أنها غير مطابقة للواقع
(قوله: أو غير ثابتة) أى: فى نفسها (وقوله: أريد إثباتها) أى: بما أتى به من العلة المناسبة
(قوله: إما ألا يظهر لها فى العادة علة) أى: غير التى أريد بيانها
(قوله: وإن كانت لا تخلو فى الواقع عن العلة) أى: لأن كل حكم لا يخلو عن العلة فى الواقع،
(كقوله (1) لم يحك) أى لم يشابه (نائلك) أى عطاءك (السحاب وإنّما، حمّت به) أى صارت محمومة بسبب نائلك وتفوقه عليها (فصبيبها الرّحضاء) أى فالمصبوب من السحاب هو عرق الحمى فنزول المطر من السحاب صفة ثابتة لا يظهر لها فى العادة علة
…
===
لكن تارة تظهر لنا تلك العلة، وتارة تخفى لما تقرر أن الشىء لا يكون إلا لحكمة وعلة تقتضيه أما على المذهب الباطل من رعاية الحكمة وجوبا فظاهر، وأما على المذهب الصحيح فالقادر المختار وصف نفسه بالحكيم فهو يرتب الأمور على الحكم تفضلا وإحسانا منه
(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو أبو الطيب المتنبى
(قوله: السحاب) أى:
عطاء السحاب وإنما قدرنا ذلك المضاف؛ لأن المناسب أن يشبه عطاء السحاب بنيل الممدوح أى: أن عطاء السحاب لا يشابه عطاءك فى الكثرة ولا فى الصدور عن الاختيار ولا فى وقوعه موقعه؛ لأن السحاب لا اختيار لها فى نزول المطر وآثار نيلها بالنسبة لآثار عطائه واقعة فى غير موقعها، ويفهم من عدم مشابهة النائلين أن السحاب لا يشابهه فى عطائه فكأنه قيل: لا يشابهك السحاب فى عطائك والسحاب قيل جمع سحابة، وقيل اسم جنس
(قوله: وإنما حمّت به) لما كان يتوهم أن كثرة أمطار السحاب سببه طلبها مشابهة الممدوح فى الإعطاء دفع ذلك بقوله وإنما إلخ أى: ليس كثرة أمطار السحاب لطلبها مشابهتك؛ لأنها أيست من ذلك لما رأته من غزير عطائك وإنما صارت محمومة بسبب غيرتها من عدم مشابهة نائلها لنائلك وتفوق نائلك على نائلها أى: فوقانه وعلوه عليه فى الكم والكيف، فالماء المصبوب من السحاب هو العرق الناشئ من الحمى التى أصابتها بسبب غيرتها فقول الشارح: بسبب نائلك أى: بسبب تغيظها وغيرتها من عدم مشابهة نائلها لنائلك (وقوله: وتفوقه) أى: علوه عليها أى:
وتفوق عطائك على السحاب أى: على عطائها.
(قوله: فصبيبها) أى: المطر المصبوب أى: النازل منه الرّحضاء أى: من أجل الرّحضاء أى: الحمى التى أصابتها بسبب غيرتها
(قوله: فنزول المطر من السحاب)
(1) البيت للمتنبى فى ديوانه، والرّحضاء: عرق الحمى.
وقد علله بأنه عرق حماها الحادثة بسبب عطاء الممدوح (أو يظهر لها) أى لتلك الصفة (علة غير) العلة (المذكورة) لتكون المذكورة غير حقيقية فتكون من حسن التعليل
…
===
أى: الذى تضمنه الكلام
(قوله: وقد علله) أى: علل ذلك النزول
(قوله: بأنه عرق حماها) أى: بأنه من حماها ذات العرق فهو من إضافة الصفة للموصوف وهو على حذف مضاف أى: وتلك العلة غير مطابقة للواقع
(قوله: بسبب عطاء الممدوح) أى:
بسبب الغيرة من عدم مشابهة عطائها لعطاء الممدوح
(قوله: أو يظهر لها) أى: فى العادة
(قوله: غير العلة المذكورة) أى: غير العلة التى ذكرها المتكلم لحسن التعليل
(قوله: لتكون إلخ) أى: وإنما قيد العلة الظاهرة بكونها غير المذكورة لأجل أن تكون المذكورة غير حقيقية أى غير مطابقة لما فى نفس الأمر فتكون من حسن التعليل، إذ لو كانت علتها الظاهرة هى التى ذكرت لكانت تلك العلة المذكورة حقيقية أى: مطابقة للواقع فلا تكون من حسن التعليل هذا كلامه، وقضيته ثبوت الملازمة بين ظهورها فى العادة وكونها حقيقية وليس كذلك؛ لجواز أن تكون الظاهرة غير المأتى بها من المشهورات الكاذبة، فالمأتى بها غير حقيقية فتكون من حسن التعليل، والحاصل أنه يشترط فى حسن التعليل كون العلة التى ذكرت. غير مطابقة لما فى نفس الأمر، فإن ظهرت علة أخرى سواء كانت مطابقة أو غير مطابقة فلا بد أن تكون هذه المأتى بها غير مطابقة لتكون من حسن التعليل، كما أنه لا بد أن تكون غير مطابقة حيث لا يظهر للمعلول علة أخرى أيضا، إذ كونها غير مطابقة لا بد منه فى كل موطن من مواطن حسن التعليل وبهذا علم أن ذكر كونها لا بد أن تكون غير مطابقة حيث تظهر علة أخرى فيه إيهام اختصاص هذا المعنى بما إذا ظهر غيرها وإيهام أن الظاهر تكون مطابقة حيث ذكر غير المطابقة معها والتحقيق ما قررناه من جواز كون الظاهرة غير مطابقة لصحة أن تكون من المشهورات الكاذبة كما لو قيل هذا متلصص لدورانه فى الليل بالسلاح ا. هـ يعقوبى.
(كقوله:
ما به قتل أعاديه ولكن
…
يتّقى إخلاف ما ترجو الذّئاب (1)
فإن قتل الأعداء فى العادة لدفع مضرتهم) وصفو المملكة عن منازعاتهم (لا لما ذكره) من أن طبيعة الكرم قد غلبت عليه ومحبة صدق رجاء الراجين بعثته على قتل أعدائه لما علم من أنه إذا توجه إلى الحرب صارت الذئاب ترجو اتساع الرزق عليها بلحوم من يقتله من الأعادى وهذا مع أنه وصف بكمال الجود وصف بكمال الشجاعة حتى ظهر ذلك للحيوانات العجم (والثانية) أى الصفة الغير الثابتة
===
(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو أبو الطيب المتنبى
(قوله: ما به قتل أعاديه) ما نافية أى: ليس بالممدوح غيظ أو خوف أوجب قتل أعاديه، لأنه ليس طائعا للغيظ ولا تستفزه العداوة على القتل لحكمه على نفسه وغلبته إياها ولا خائفا من أعدائه لتمكنه بسطوته منهم
(قوله: ولكن يتقى) أى: ولكن حمله على قتلهم أنه يتقى أى: يتجنب بقتلهم إخلاف الأمر الذى ترجوه الذئاب منه إطعامهم لحوم الأعداء؛ لأنه لو لم يقتلهم لفات هذا المرجو للذئاب، فالعلة تجنب إخلاف مرجو الذئاب المستلزم لتحقق مرجوهم فالعلة تحقيق مرجوهم
(قوله: فإن قتل الأعداء إلخ) أى: قتل الملوك للأعداء وهذا علة لمحذوف أى: وإنما قلنا إن الصفة هنا ظهرت لها علة أخرى؛ لأن الصفة المعللة هنا هى قتل الأعداء وقتل الملوك أعداءهم إنما يكون فى العادة لدفع مضرتهم
(قوله: وصفو) أى:
خلو المملكة عن منازعتهم لا لما ذكره من أن طبيعة الكرم قد غلبت عليه فصارت محبته لتحقق رجاء الراجين لكرمه تبعثه على قتل الأعداء ومن جملة الراجين لكرمه الذئاب؛ لأنه عودها إطعامها لحوم الأعداء
(قوله: صدق) أى: تحقق رجاء أى: مرجو الراجين أى: إطعامهم من لحوم الأعداء
(قوله: لما علم إلخ) فالعلة هنا فى الصفة التى هى قتل الأعادى وهى تحقق ما ترجاه الذئاب غير مطابقة للواقع
(قوله: وهذا) أى: ما تضمنه البيت وهو إنقاؤه إخلاف ما ترجوه الذئاب مع كونه وصفا للممدوح بكمال الجود فيه
(1) لأبى الطيب المتنبى فى شرح ديوانه 1/ 144، والأسرار ص 337 والإشارات ص 281، وشرح التبيان للعكبرى 1/ 98.
التى أريد إثباتها (إما ممكنة كقوله (1) يا واشيا حسنت فينا إساءته، نجّى حذارك) أى حذارى إياك (إنسانى) أى إنسان عينى (من الغرق
…
===
من حيث إنه إذا لم يتوصل إليه إلا بالقتل ارتكبه وصف له بكمال الشجاعة أيضا حتى ظهرت للحيوانات العجم أى: الغير الناطقة التى هى الذئاب ووصف له أيضا بأنه لا تستفزه العداوة على القتل لحكمه على نفسه وغلبته إياها فلا يتبعها فيما تشتهى وأنه لا يخاف الأعداء، لأنه قد تمكن بسطوته منهم حيث شاء.
(قوله التى أريد إثباتها) أى بالعلة
(قوله: إما ممكنة) أى: فى نفسها أى: مجزوم بانتفائها لكنها ممكنة الحصول فى ذاتها
(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو مسلم بن الوليد
(قوله: يا واشيا) أى: يا ساعيا بالكلام بين الناس على وجه الإفساد
(قوله: حسنت فينا إساءته) صفة لواشيا والمراد بإساءته إفساده أى: حسن عندنا ما قصده من الإفساد فحسن إساءة الواشى هو الصفة المعللة الغير الثابتة وعللها بقوله نجى حذارك إلخ أى:
لأجل أن إساءتك أوجبت حذارى منك فلم أبك لئلا تشعر بما عندى ولما تركت البكاء نجا إنسان عينى من الغرق بالدموع فقد أوجبت إساءتك نجاة إنسان عينى
(قوله: أى حذارى إياك) أشار بذلك إلى أن الإضافة فى حذارك من إضافة المصدر إلى المفعول والفاعل محذوف وهو تارة يتعدى بنفسه كما فى البيت وتارة يتعدى بمن فيقال حذارى منه يعنى أن محبوب الشاعر كان متباعدا عنه فكان ذلك الشاعر لا يقدر على البكاء لفراق محبوبه خوفا من أن يشعر بذلك الواشى فيأتى له ويقول له كيف تبكى على فراقه وهو صفته كذا، ويقول فيك كذا وكذا، والحاصل أن الشاعر يقول إنما حسنت إساءة الواشى عندى، لأنها أوجبت حذارى منه فلم أبك لئلا يشعر بما عندى ولما تركت البكاء نجا إنسان عينى من الغرق فى الدموع فقد أوجبت إساءته نجاة إنسان عينى من الغرق فى الدموع وغرق إنسان العين فى الدموع كناية عن العمى.
(1) البيت لمسلم بن الوليد فى ديوانه ص 328، والطراز 3/ 140 والمصباح 241، وفى الشعر والشعراء 2/ 815 وطبقات الشعراء ص 111.
فإن استحسان إساءة الواشى ممكن لكن لما خالف) الشاعر (الناس فيه) إذ لا يستحسنه الناس (عقبه) أى عقب الشاعر استحسان إساءة الواشى (بأن حذار منه) أى من الواشى (نجى إنسانه من الغرق فى الدموع) أى حيث ترك البكاء خوفا منه (أو غير ممكنة كقوله:
===
(قوله: فإن استحسان إلخ) هذا علة لمحذوف أى: وإنما مثلنا بهذا البيت للصفة الممكنة الغير الثابتة؛ لأن استحسان إساءة الواشى أمر ممكن لكنه غير واقع عادة
(قوله: لكن لما خالف الناس فيه) أى: فى ادعائه ووقوعه دون الناس
(قوله: عقبه إلخ) أى:
ناسب أن يأتى عقبه أى: عقب ذكره استحسان إساءة الواشى بتعليل يقتضى وقوعه فى زعمه ولو لم يقع فى الخارج وهو أن حذاره منه نجى إنسان عينه من الغرق فنجاة إنسان عينه من الغرق لحذاره علة لما ذكر من استحسان إساءة الواشى غير مطابقة لما فى نفس الأمر وهى لطيفة كما لا يخفى فكان الإتيان بها من حسن التعليل
(قوله: خوفا منه) أى:
خوفا من الواشى أن يطلع عليه فيشعر بما عنده إن قلت: إن صحة التمثيل بما ذكر متوقفة على أمرين عدم وقوع المعلل وكون العلة غير مطابقة وكلاهما غير مسلم؛ لأن من ادعى أن إساءة الواشى حسنت عنده لغرض من الأغراض لا يعد كاذبا، وحينئذ فالصفة المعللة على هذا ثابتة والعلة التى هى نجاة إنسانه من الغرق بترك البكاء لخوف الواشى لا يكذب مدعيها لصحة وقوعها، وحينئذ فلا يكون هذا المثال من هذا القسم ولا من حسن التعليل؛ وذلك لأنه لمطابقة العلة لا يكون من حسن التعليل ولثبوت الصفة لا يكون من هذا القسم، قلت المعتاد أن حسن الإساءة لا يقع من الشاعر ولا من غيره فعدم وقوع الصفة مبنى على العادة وترك البكاء لخوف الواشى باطل عادة؛ لأن من غلبه البكاء لم يبال بمن حضر عادة سواء كان واشيا أو غير واش فدعاوى الشاعر استحسانات تقديرية؛ لأن أحسن الشعر أكذبه فثبت المراد اهـ. يعقوبى.
(قوله: أو غير ممكنة) عطف على قوله إما ممكنة أى: أن الصفة الغير الثابتة إما ممكنة كما مر وإما غير ممكنة ادعى وقوعها وعللت بعلة تناسبها
(قوله: كقوله) أى:
لو لم تكن نية الجوزاء خدمته
…
لما رأيت عليه عقد منتطق)
من انتطق أى: شد النطاق، وحول الجوزاء كواكب يقال لها نطاق الجوزاء فنية الجوزاء خدمة الممدوح صفة غير ممكنة قصد إثباتها كذا فى الإيضاح وفيه بحث
…
===
الشاعر أى: وهو المصنف فهذا البيت له، وقد وجد بيتا فارسيا فى هذا المعنى، فترجمه بالعربية بما ذكر، وقال كقوله: ولم يقل كقولى إما للتجريد أو نظرا لمعناه فإنه للفارسى تأمل.
والجوزاء برج من البروج الفلكية فيه عدة نجوم تسمى نطاق الجوزاء، والنطاق والمنطقة: ما يشد به الوسط وقد يكون مرصعا بالجواهر حتى يكون كعقد خالص من الدر وقوله عقد منتطق بفتح الطاء اسم مفعول أى: لما رأيت عليها عقدا منتطقا به أى:
مشدودا فى وسطها كالنطاق أى: الحزام، واعلم أن لو تفيد نفى مدخولها شرطا وجوابا فشرطها نفى نية الخدمة وجوابها نفى رؤية نطاق الجوزاء فتفيد لو نفى هذين النفيين فتثبت نية الخدمة ورؤية نطاق الجوزاء، فحاصل معنى البيت أن الجوزاء مع ارتفاعها لها عزم ونية على خدمة ذلك الممدوح ومن أجل ذلك انتطقت أى: شدت النطاق تهيؤا لخدمته فلو لم تنو خدمته ما رأيت عليها نطاقا شدت به وسطها
(قوله: من انتطق) أى:
مأخوذ منه وقوله أى: شد النطاق أى: المنطقة بوسطه
(قوله: غير ممكنة) أى: لأن النية بمعنى العزم والإرادة وإنما يكون ذلك ممن له إدراك بخلاف غيره كالجوزاء
(قوله: قصد إثباتها) أى: بالعلة المناسبة لها وهى كونها منتطقة أى شادة النطاق فى وسطها (قوله وفيه) أى: فيما قاله فى الإيضاح بحث، وحاصله أن أصل لو أن يكون جوابها معلولا لمضمون شرطها، فإذا قلت لو جئتنى: أكرمتك كان التركيب مفيدا أن العلة فى عدم الإكرام عدم المجىء، وإذا قلت لم لم تأتنى لم أكرمك كان التركيب مفيدا أن العلة فى وجود الإكرام الإتيان وظاهر المصنف أن المعلول مضمون الشرط، والعلة فيه مضمون الجزاء وهذا خلاف المشهور المقرر فى لو ولو أجرى البيت على المقرر فيها بأن جعل نية خدمة الممدوح علة لانتطاق الجوزاء لكان ذلك البيت من الضرب الأول وهو ما إذا
لأن مفهوم هذا الكلام هو أن نية الجوزاء خدمة الممدوح علة لرؤية عقد النطاق عليها أعنى لرؤية حالة شبيهة بانتطاق المنطقة كما يقال لو لم تجئنى لم أكرمك يعنى أن علة الإكرام هى المجىء وهذه صفة ثابتة قصد تعليلها بنية خدمة الممدوح فيكون من الضرب الأول وهو الصفة الثابتة التى قصد علتها وما قيل إنه أراد أن الانتطاق صفة ممتنعة الثبوت للجوزاء وقد أثبتها الشارع وعللها بنية خدمة الممدوح
===
كانت الصفة التى ادعى لها علة مناسبة ثابتة ولم تظهر لها علة فى العادة، وذلك لأن المعلول الذى هو انتطاق الجوزاء ثابت، لأن المراد به إحاطة النجوم بها كإحاطة النطاق بالإنسان، وإذا كان المراد بالانتطاق الحالة الشبيهة بالانتطاق فهى محسوسة ثابتة ونية الخدمة التى هى علتها غير مطابقة، وحينئذ فالبيت المذكور مثل البيت السابق وهو قوله:
لم يحك نائلك السّحاب وإنما
…
حمّت به فصبيبها الرّحضاء
من جهة أن كلا منهما عللت فيه صفة ثابتة بعلة غير مطابقة، وحينئذ فلا يصح تمثيل المصنف به للقسم الرابع
(قوله: لأن مفهوم هذا الكلام) أى: الذى هو البيت أى:
المفهوم منه بحسب استعمالها فى اللغة من كونها لامتناع الجزاء لامتناع الشرط
(قوله: خدمة الممدوح) مفعول المصدر وهو نية وقوله علة إلخ خبر أن
(قوله: علة لرؤية عقد النطاق) أى: لا أنه معلول له كما قال المصنف فى الإيضاح بقى شىء وهو أنه لا يصح تعليل رؤية النطاق بنية خدمة الممدوح إنما يصح أن يعلل بتلك النية الانتطاق- اللهم إلا أن تجعل رؤية النطاق كناية عن وجوده- فتأمل.
(قوله: كما يقال) أى: كالمفهوم مما يقال فهو تنظير من جهة أن الأول علة والثانى معلول
(قوله: وهذه) أى: رؤية عقد النطاق عليها أعنى الحالة الشبيهة بانتطاق المنتطق صفة ثابتة، وقوله قصد تعليلها بنية خدمة الممدوح أى: وهى علة غير مطابقة للواقع
(قوله: وما قيل) أى: فى الجواب عن المصنف وفى رد قول المعترض فيكون من الضرب الأول، وحاصله أن يجعل البيت على قاعدة اللغة، ويكون من هذا الضرب بأن يراد بالانتطاق الحقيقى: وهو جعل النطاق الحقيقى فى الوسط لا حالة شبيهة به، ولا شك رؤيته بالجوزاء غير ثابتة
(قوله: أنه) أى الشاعر، وقوله أراد أن الانتطاق أى:
فهو مع أنه مخالف لصريح كلام المصنف فى الإيضاح ليس بشىء؛ لأن حديث انتطاق الجوزاء أعنى الحالة الشبيهة بذلك ثابت بل محسوس والأقرب أن يجعل لو هاهنا مثلها فى قوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (1) أعنى الاستدلال بانتفاء الثانى على انتفاء الأول فيكون الانتطاق علة كون نية الجوزاء خدمة الممدوح أى دليلا عليه
===
الحقيقى
(قوله: فهو مع أنه إلخ) هذا رد لما قيل بوجهين الأول مخالفته لما فى الإيضاح، والثانى أن المراد بالانتطاق الحالة الشبيهة به لا الحقيقى كما ذكر هذا القائل
(قوله: مخالف لصريح كلام المصنف فى الإيضاح) أى: لأن كلامه صريح فى أن المعلل نية الخدمة، والعلة رؤية الانتطاق لا العكس كما ذكره هذا القائل
(قوله: لأن حديث انتطاق الجوزاء) الإضافة للبيان
(قوله: أعنى الحالة إلخ) أى: وحمل الانتطاق على الحقيقى مع قيام القرينة على إرادة خلافه وهو هيئة إحاطة النجوم بالجوزاء إحالة للدلالة عن وجهها فلا وجه له
(قوله: ثابت بل محسوس) أى: فلا يكون من هذا الضرب
(قوله: والأقرب) أى: فى تخريج هذا البيت، وحاصل ما ذكره الشارح أن لو هنا ليست لامتناع الجواب لامتناع الشرط كما هو الشائع فيها، بل للاستدلال بانتفاء الجزاء على انتفاء الشرط؛ لأن الشرط علّة فى الجزاء فيصح الاستدلال بوجود الجزاء على وجود الشرط وبعدمه على عدمه؛ لأن وجود المعلول يدل على وجود علته وعدم وجود المعلول يدل على عدم علته، فالشاعر جعل الانتطاق دليلا لنية خدمة الجوزاء للممدوح فاستدل بوجود الانتطاق فى الخارج على وجود نية الخدمة، والحاصل أن الشاعر كأنه ادعى دعوة وهى أن الجوزاء قصدها خدمة الممدوح، واستدل على ذلك بدليل وهو لو لم يكن قصدها الخدمة، لما كانت منطقة، لكن كونها غير منتطقة باطل لمشاهدة انتطاقها فبطل المقدم وهو لم يكن قصدها الخدمة فيثبت نقيضه وهو المطلوب
(قوله: أعنى الاستدلال بانتفاء الثانى) وهو عدم رؤية الانتطاق وانتفاؤه يكون برؤية الانتطاق، (وقوله: على انتفاء الأول) أى: وهو عدم نية الجوزاء خدمته وانتفاؤه يكون بنيتها خدمته؛ لأن نفى النفى إثبات، فصح قول الشارح: فيكون الانتطاق إلخ
(قوله: فيكون الانتطاق علة كون نية الجوزاء خدمة الممدوح أى: دليلا عليه) أى: كما أن انتفاء الفساد فى الآية دليل
(1) الأنبياء: 22.
وعلة للعلم مع أنه وصف غير ممكن (وألحق به) أى بحسن التعليل (ما بنى على الشك) ولم يجعل منه؛ لأن فيه ادعاء وإصرارا والشك ينافيه
…
===
على انتفاء تعدد الآلهة، فانتفاء الثانى دليل على انتفاء الأول، وكذلك وجوده دليل على وجوده وإن كان الأول علة فى وجود الثانى؛ وذلك لأن الثانى مسبب عن الأول ولازم له ووجود المسبب يدل على وجود السبب، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم
(قوله: وعلة للعلم) أى: بوجوده فالعلة كما تطلق على ما يكون سببا لوجود الشىء فى الخارج تطلق على ما يكون سببا لوجود العلم به ذهنا، فالانتطاق وإن كان معلولا ومسببا عن نية الخدمة فى الخارج يجعل علة للعلم بوجود النية أى: دليلا عليه ويمكن حمل كلام المصنف فى الإيضاح على هذا بأن يقال: قوله قصد إثباتها بالعلة وهى انتطاق الجوزاء مراده بالعلة الدليل، وحينئذ فلا يتوجه عليه ما ذكره الشارح من البحث، تأمل.
(قوله: مع أنه) أى: ذلك الوصف وهو كون نية الجوزاء الخدمة، والحاصل أن العلة المذكورة فى الكلام لحسن التعليل قد يقصد كونها علة لثبوت الوصف ووجوده فى نفسه كما فى الضربين الأولين؛ لأن ثبوته معلوم وقد يقصد كونها علة للعلم به، وذلك إذا كان المستدل عليه مجهولا فتكون تلك العلة من باب الدليل وذلك كما فى الضربين الأخيرين لعدم العلم بثبوت الصفة، بل الغرض إثباتها والبيت المذكور هنا يصح أن يكون من الضرب الأول باعتبار، ومن الرابع باعتبار، فإذا جعلت نية خدمة الجوزاء للممدوح علة للانتطاق كان من الضرب الأول، وإن جعلت الانتطاق دليلا على كون الجوزاء نيتها خدمته كان من الضرب الرابع، وهذا ما سلكه المصنف
(قوله: ما بنى على الشك) أى: علة أتى بها على وجه الشك، بأن يؤتى فى الكلام مع الإتيان بتلك العلة بما يدل على الشك
(قوله: ولم يجعل منه) أى: ولم يجعل ما بنى على الشك من حسن التعليل حقيقة بل جعل ملحقا به
(قوله: لأن فيه) أى: فى حسن التعليل ادعاء أى لتحقق العلة (وقوله: وإصرارا) أى: على ادعاء التحقق؛ وذلك لأن العلة لما كانت غير مطابقة وأتى بها لإظهار أنها علة لما فيها من المناسبة المستعذبة لم يناسب فيها إلا الإصرار
(كقوله: كأنّ السحاب الغرّ) جمع الأغر والمراد السحاب الماطرة الغزيرة الماء (غيّبن تحتها) أى تحت الربا (حبيبا فما ترقا) الأصل ترقأ بالهمز فخففت أى ما تسكن (لهنّ مدامع) علل على سبيل الشك نزول المطر من السحاب بأنها غيبت حبيبا تحت تلك الربا
…
===
على ادعاء التحقق
(قوله: كقوله) أى قول الشاعر وهو أبو تمام (1)
(قوله: كأن السحاب الغرّ) يطلق السحاب على الواحد وعلى الجمع لأنه اسم جنس وهو المراد به هنا بدليل وصفه بالجمع، وقيل: إنه جمع سحابة وعليه فوصفه بالجمع ظاهر
(قوله: جمع الأغر) الأغر فى الأصل الأبيض الجبهة والمراد به هنا مطلق الأبيض، أى كأن السحاب الأبيض أى كثير المطر لأن السحاب الممطر أكثر ما يكون أبيض
(قوله: غيّبن) أى دفنّ
(قوله: أى تحت الربا) أى المذكورة فى البيت قبله وهو قوله:
ربى شفعت ريح الصّبا بنسيمها
…
إلى المزن حتّى جادها وهو هامع
الربا: جمع ربوة وهى التل المرتفع من الأرض، وقوله شفعت من الشفاعة، والنسيم يطلق على نفس الريح وعلى هبوبها وهو المراد هنا، والمزن وهى السحاب الأبيض، وضمير جادها للربا أى: حتى جاد المزن عليها أى: على تلك الربا والهامع من المزن السائل بكثرة، وقوله بعد ذلك: كأن السحاب الغر هى المزن فعدل فى البيت الثانى عن التعبير بالضمير لبيان معنى المزن
(قوله: بالهمز) أى: المضموم؛ لأنه فعل مضارع (وقوله: فخففت) أى الهمزة للضرورة بقلبها ألفا على غير قياس؛ لأن الهمزة التى تبدل ألفا شرط إبدالها قياسا سكونها، والحاصل أنه يقال: رقى يرقى كعلم يعلم بمعنى صعد ويقال رقأ يرقأ بالهمزة بمعنى سكن وهو المراد هنا، فلذا قال الشارح: الأصل ترقأ بالهمزة إلخ
(قوله: علل على سبيل الشك نزول المطر من السحاب) أى: على الربا (وقوله: بأنها) أى السحاب غيبت أى دفنت حبيبا تحت الربا فكأن الربا قبره، والسحاب تبكى فدموعها تهطل على ذلك القبر، والحاصل أن الشاعر يقول: أظن أو أشك أن السحاب غيبت حبيبا تحت الربا، فمن أجل ذلك لا تنقطع دموعها، فبكاؤها صفة عللت بدفن حبيب تحت
(1) لأبى تمام فى ديوانه ص 425، والإيضاح 523.