الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وإذا شرط هاهنا) أى: فيما بين المتوافقين، أو المتوافقات (أمر شرط ثمة) أى:
فيما بين ضديهما أو أضدادهما (ضده) أى: ضد ذلك الأمر (كهاتين الآيتين فإنه لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده) أى: ضد التيسير- وهو التعسير المعبر عنه بقوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (مشتركا بين أضدادها) وهى البخل، والاستغناء، والتكذيب؛ فعلى هذا لا يكون قوله:" ما أحسن الدين" من المقابلة؛ لأنه اشترط فى الدين والدنيا الاجتماع، ولم يشترط فى الكفر والإفلاس ضده.
[مراعاة النظير]:
(ومنه) أى: ومن المعنوى (مراعاة النظير، ويسمى: التناسب والتوفيق) والائتلاف والتلفيق أيضا (وهى جمع: أمر وما يناسبه، لا بالتضاد)
…
===
أن تقيد المعانى المقابلة لها بقيد يضاد القيد الأول، والمراد بالشرط هنا الاجتماع فى أمر لا الشرط المعروف؛ لأن التيسير والتعسير الممثل بهما لذلك ليسا شرطين وإنما هما أمران اشترك فى كلّ منهما أمور متوافقة
(قوله: وإذا شرط إلخ) أى: وأما إذا لم يشترط أمر فى الأول فلا يشترط شىء فى الثانى كما فى قوله تعالى فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا (1) إلخ
(قوله: أو أضدادهما) كذا فى نسخة وصوابه أضدادها بضمير الجماعة؛ لأنه راجع لقوله المتوافقات وما قبله أى: ضديهما راجع للمتوافقين
(قوله: ولم يشترط فى الكفر والإفلاس ضده) أى: وهو الافتراق بل اعتبر فيهما الاجتماع أيضا، والحاصل أن ذلك البيت لا يكون من قبيل المقابلة عند السكاكى إلا لو قيل: وأقبح الكفر والإفلاس إذا تفرقا مع أن المقصود إذا اجتمعا فى الشخص- فتأمل.
[مراعاة النظير]:
(قوله: أى ومن المعنوى) أى: ومن البديع المعنوى.
(قوله: جمع أمر وما يناسبه) أى: أن يجمع بين أمرين متناسبين أو أمور متناسبة فاقتصار المصنف على أمرين؛ لأن ذلك أقل ما يتحقق فيه المناسبة
(قوله: لا بالتضاد) أى: بل بالتوافق فى كون ما جمع
(1) التوبة: 82.
والمناسبة بالتضاد أن يكون كلّ منهما مقابلا للآخر، وبهذا القيد يخرج الطباق، وذلك قد يكون بالجمع بين أمرين (نحو: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) (1) جمع بين أمرين (و) نحو (قوله)(2) فى صفة الإبل: (كالقسىّ) جمع: قوس (المعطفات) المنحنيات
…
===
من واد واحد لصحبته فى إدراكه، أو لمناسبته فى شكل، أو لترتب بعض على بعض، أو ما أشبه شيئا من ذلك.
(قوله: والمناسبة بالتضاد إلخ) هذا يشعر بأن المتضادين متناسبان وهو كذلك من جهة أن الضد أقرب خطورا بالبال عند ذكر ضده
(قوله: مقابلا للآخر) أى: منافيا له
(قوله: وبهذا القيد) أعنى: قوله: لا بالتضاد يخرج الطباق؛ لأنه جمع بين أمرين متضادين وقد تقدم أن المراد بالتضاد مطلق التقابل والتنافى فى الجمع، ولما كان فى هذا الجمع رعاية الشىء مع نظيره بشبه أو مناسبة سمى مراعاة النظير
(قوله: وذلك) أى:
الجمع بين أمر وما يناسبه لا بالتضاد قد يكون أى: قد يتحقق بسبب الجمع بين أمرين
(قوله: بِحُسْبانٍ) أى: يجريان فى بروجهما بحسبان معلوم المقدار لا يزيدان عليه ولا ينقصان عنه، فالشمس تقطع الفلك فى سنة والقمر يقطعه فى شهر فهو أسرع منها سيرا ذلك تقدير العزيز العليم
(قوله: جمع بين أمرين) أى: وهما الشمس والقمر ولا يخفى تناسبهما من حيث تقارنهما فى الخيال لكون كل منهما جسما نورانيّا سماويّا، ثم إنه لا حاجة لقوله: جمع بين أمرين مع قوله: قد يكون بالجمع بين أمرين فهو تأكيد له
(قوله: ونحو قوله) أى: البحترى، (وقوله: فى صفة الإبل) أى: المهزولة
(قوله: كالقسىّ) جمع قوس (وقوله: المعطفات) أى: المنحنيات؛ لأنه مأخوذ من عطّف العود بتشديد الطاء وعطفه بتخفيفها حناه ووصف القوس بالتعطيف من باب الوصف الكاشف أو المؤكد، إذ لا يكون القوس إلا كذلك، فإن قلت: إن قوسا بزنة فعل، وفعل يجمع على فعول:
كفلس يجمع على فلوس، فكان مقتضاه أن يقال فى جمع قوس قووس لا قسى، قلت:
(1) الرحمن: 5.
(2)
البيت للبحترى فى وصف الإبل المهازيل.
(بل الأسهم) جمع: سهم (مبرية) أى: منحوتة (بل الأوتار) جمع: وتر- جمع بين ثلاثة أمور.
(ومنها) أى: ومن مراعاة النظير: (ما يسميه بعضهم تشابه الأطراف؛ وهو أن يختم الكلام
…
===
أصل قسى قووس بدليل قوس الشيخ، واستقوس أى: انحنى ورجل متقوس أى: معه قوس قدمت اللام إلى محل عين الكلمة، فصار قسوو فوقعت الواو متطرفة، فقلبت ياء فصار قسوى اجتمعت الواو والياء، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء وقلبت الضمة كسرة لمناسبة الياء، وأدغمت الياء فى الياء فصار قسى بضم فاء الكلمة، ثم لما استثقل الانتقال من الضمة للكسرة فى مثل هذا كسروا فاء الكلمة للخفة فصار قسى بوزن فليع بكسر الفاء
(قوله: بل الأسهم) أى: بل هى كالأسهم وهذا إضراب عن التشبيه الأول بالقسىّ (وقوله: بل الأوتار) أى: بل هى كالأوتار فهى هزيلة جدّا وهذا إضراب عن التشبيه الثانى، ومحصل معنى البيت: أن الإبل المهازيل فى شكلها ورقة أعضائها شابهت تلك القسى، بل أرق منها وهى الأسهم، بل أرق منها وهى الأوتار
(قوله: جمع وتر) أى: وهو الخيط الجامع بين طرفى القوس
(قوله: جمع بين ثلاثة أمور) وهى القوس والسهم والوتر بينها مناسبة وفى انتقاله تدل؛ لأن القوس أغلظ من السهم المبرى، والسهم المذكور أغلظ من الوتر، والوتر أرقها كلها، وقد يكون الجمع بين أمر وما يناسبه لا بالتضاد متحققا بسبب الجمع بين أربعة كقول بعضهم للوزير المهلبى:
أنت أيها الوزير إسماعيلى الوعد، شعيى التوفيق، يوسفى العفو، محمدى الخلق، فجمع بين الأنبياء الأربعة المرسلين، وفيه مناسبة، وقد يكون متحققا بسبب الجمع بين أكثر من أربعة كقول ابن رشيق- بفتح أوله وكسر ثانيه (1):
أصحّ وأقوى ما سمعناه فى النّدى
…
من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السّيول عن الحيا
…
عن البحر عن كفّ الأمير تميم
(1) لابن رشيق فى شرح عقود الجمان 2/ 76.
بما يناسب ابتداءه فى المعنى نحو: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (1)) فإن اللَّطِيفُ يناسب كونه غير مدرك بالأبصار،
…
===
فقد ناسب فيه بين الصحة والقوة والسماع والخبر المأثور والأحاديث والرواية، وكذا ناسب بين السيل والحيا أى: المطر والبحر وكف تميم مع ما فى البيت الثانى من صحة الترتيب فى العنعنة، إذ جعل الرواية لصاغر عن كابر كما يقع فى سند الأحاديث، فإن السيول أصلها المطر والمطر أصله البحر على ما يقال، والبحر أصله كف الممدوح على ما ادعاه الشاعر- ا. هـ أطول.
(قوله: بما يناسب ابتداءه فى المعنى) أى: لكون ما ختم به الكلام كالعلة لما بدئ به أو العكس أو كالدليل عليه أو نحو ذلك وإنما كان تشابه الأطراف نوعا خاصّا من مراعاة النظير؛ لأنها الجمع بين متناسبين مطلقا، سواء كان أحدهما فى الختم والآخر فى الابتداء كما فى تشابه الأطراف أو كانا معا فى الابتداء كما تقدم فى المثال، أو فى الاختتام، أو فى التوسط، بخلاف تشابه الأطراف، فإنه قاصر على الجمع بين متناسبين أحدهما فى الابتداء والآخر فى الانتهاء. قال الفنرى: ولو قال بدل قوله: بما يناسب ابتداءه بما يناسب ما قبله كان أولى؛ لأن قوله: لا تدركه الأبصار الذى يناسبه اللطيف، وإن كان ابتداء الكلام لكونه رأس الآية، لكن قوله: وهو يدرك الأبصار الذى يناسبه الخبير ليس ابتداء الكلام- انتهى.
وأجاب بعضهم بأن المراد بالكلام هنا ما يقصد من التراكيب المفيدة سواء كان جملة واحدة أو أكثر، والمراد بأوله ما ليس بآخر، وحينئذ فيصدق على قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أنه كلام وعلى قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ أنه أول وعلى قوله: وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أنه آخر- تأمل.
(قوله: فإن اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالأبصار) أى: باعتبار المتبادر منه وهو الدقة لأخذه من لطف ككرم إذا دق ورق، ومعلوم أن الشىء كلما لطف ودق
(1) الأنعام: 103.
والْخَبِيرُ يناسب كونه مدركا للأبصار؛ لأن المدرك للشىء يكون خبيرا عالما.
(ويلحق بها) أى: بمراعاة النظير أن تجمع بين معنيين غير متناسبين بلفظين يكون لهما معنيان متناسبان وإن لم يكونا مقصودين هنا (نحو: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. وَالنَّجْمُ (1) أى: النبات الذى ينجم- أى: يظهر من الأرض لا ساق له- كالبقول (والشجر)
…
===
كان أخفى فلا يدرك بالبصر، ألا ترى للهواء فإنه لما لطف جدّا امتنع إدراكه بالبصر عادة وإن كان ذلك المعنى محالا فى حقه تعالى، إذ اللطيف فى حقه بمعنى الرفيق بعباده الرؤوف بهم، وعبارة الفنرى
(قوله: فإن اللطيف يناسب كونه غير مدرك بالأبصار) فيه تأمل إذ المناسب له اللطيف المشتق من اللطافة وهو ليس بمراد هنا، وأما اللطيف المشتق من اللطف بمعنى الرأفة فلا يظهر له مناسبة، اللهم إلا أن يقال: اللطيف هنا مستعار من مقابل الكثيف لما لا تدركه الأبصار ولا ينطبع منها وهذا القدر يكفى فى المناسبة- ا. هـ.
(قوله: لأن المدرك للشىء إلخ) لعل الأظهر فى بيان المناسبة عبارة ابن يعقوب ونصها: أما مناسبة الخبير لإدراكه الأبصار فظاهرة؛ لأن الخبير من له علم بالخفيات ومن جملة الخفيات، بل الظواهر الأبصار فيدركها- تأمل.
(قوله: غير متناسبين) أى: فى أنفسهما لعدم وجود شىء من أوجه التناسب من تقارن أو علية، أو نحو ذلك
(قوله: بلفظين) أى: حالة كون المعنيين المذكورين معبرا عنهما بلفظين
(قوله: وإن لم يكونا مقصودين هنا) أى: والحال أن مجموع المعنيين المتناسبين لم يقصد فى الحالة الراهنة، وهذا صادق بألا يقصد واحد منهما، أو يكون أحدهما مقصودا دون الآخر كما فى المثال المذكور فى المتن.
(قوله: نحو الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إلخ) التمثيل بذلك بالنظر للنجم مع الشمس والقمر
(قوله: بِحُسْبانٍ) أى يجريان فى فلكهما بحساب معلوم لا يزيد ولا ينقص
(قوله: كالبقول)
(1) الرحمن: 5، 6.