الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وقوله: وقد كانت البيض القواضب فى الوغى) أى السيوف القواطع فى الحرب (بواتر) أى قواطع لحسن استعماله إياها (فهى الآن من بعده بتر) جمع أبتر إذ لم يبق بعده من يستعملها استعماله وهذا فيما يكون الملحق الآخر اشتقاقا فى صدر المصراع الثانى.
[السجع]:
(ومنه) أى ومن اللفظى (السجع قيل وهو تواطؤ الفاصلتين
…
===
وعيدك أى: إخبارك بأنك تنالنى بمكروه، فإنه لا يجديك منه شيئا؛ لأنه بمنزلة طنين أجنحة الذباب، وذلك الطنين لا ينالنى منه مكروه فكذا وعيدك
(قوله: وقوله: وقد كانت إلخ) أى: وقول الشاعر وهو أبو تمام فى مرثية محمد بن نهشل حين استشهد وقبل البيت:
ثوى فى الثّرى من كان يحيا به الورى
…
ويغمر صرف الدهر نائله الغمر (1)
أى: سكن فى التراب من كان يحيا به الورى ومن كان عطاؤه كثيرا، لكثرته يزيد على حوادث الدهر ويسترها، فالغمر الأول بمعنى الستر، والثانى بمعنى الكثير، والنائل: العطاء
(قوله: (2) وقد كانت البيض القواضب فى الوغى بواتر) أى: أن السيوف البيض القواطع فى ذاتها كانت فى الحروب قواطع لرقاب الأعداء لحسن استعمال الممدوح إياها لمعرفته بكيفية الضرب بها وتدربه وشجاعته
(قوله: فهى الآن) أى بعد موته بتر أى: مقطوعة الفائدة، إذ لم يبق بعده من يستعملها كاستعماله، والشاهد فى قوله: بواتر وبتر، فإن البواتر والبتر مما يجمعهما الاشتقاق؛ لأنهما مأخوذان من البتر وهو القطع
(قوله: جمع أبتر) أى: مقطوعة الفائدة.
[السجع]:
(قوله: ومنه السجع) اعلم أن هنا ألفاظا أربعة ينبغى استحضار معانيها لكثرة دورانها على الألسن، فيزول الالتباس: السجع والفاصلة والقرينة والفقرة، فالقرينة قطعة
(1) ديوان أبى تمام.
(2)
ديوان أبى تمام 4/ 83، والإشارات 298، وشرح ديوانه ص 356 برواية" المآثير" بدلا من" القواضب".
من النثر على حرف واحد) فى الآخر (وهو معنى قول السكاكى هو) أى السجع (فى النثر كالقافية فى الشعر)
…
===
من الكلام جعلت مزاوجة لأخرى، والفقرة مثلها إن شرط مزاوجتها الأخرى، وإلا كانت أعم سواء كانت مع تسجيع أو لا كما هو ظاهر كلامهم، وأما الفاصلة فهى الكلمة الأخيرة من القرينة التى هى الفقرة، وأما السجع فقد يطلق على نفس الفاصلة الموافقة لأخرى فى الحرف الأخير منها، ويطلق على توافق الفاصلتين فى الحرف الأخير، وإلى هذا أشار المصنف بقوله: قيل وهو تواطؤ أى: توافق الفاصلتين أى: الكلمتين اللتين هما آخر الفقرتين حالة كونهما من النثر (وقوله: على حرف واحد) على بمعنى (فى) متعلق بتوافق أى: توافق الفاصلتين فى كونهما على حرف واحد كائن فى آخرهما
(قوله: من النثر) أى: سواء كان قرآنا أو غيره- كذا فى الأطول، ومقابل قوله فى النثر قوله الآتى: وقيل السجع غير مختص بالنثر
(قوله: كالقافية فى الشعر) أى: من جهة وجوب التواطؤ فى كل على حرف فى الآخر
(قوله: يعنى إلخ) إشارة لجواب بحث وارد على قول المصنف وهو أى: هذا التفسير معنى قول السكاكى: السجع فى النثر كالقافية فى الشعر، وحاصل البحث أن القافية فى الشعر لفظ ختم به البيت إما الكلمة نفسها أو الحرف الأخير منها أو غير ذلك كأن يكون من المحرك قبل الساكنين إلى الانتهاء على اختلاف المذاهب فيها، وعلى كل حال فليست القافية عبارة عن تواطؤ الكلمتين فى آخر البيتين، وحينئذ فالمناسب لتشبيه السكاكى السجع بها، حيث قال: السجع فى النثر كالقافية فى الشعر أن يراد بالسجع اللفظ أعنى الكلمة الأخيرة من الفقرة باعتبار كونها موافقة للكلمة الأخيرة من الفقرة الأخرى فى الحرف الأخير منها لا موافقة الكلمتين الأخيرتين من الفقرتين، وحينئذ فلا يصح قول المصنف وهو معنى قول السكاكى إلخ، وحاصل الجواب أن مراد المصنف بقوله وهذا التفسير أى: تفسير السجع بالموافقة المذكورة معنى قول السكاكى السجع فى النثر كالقافية فى الشعر أن هذا التفسير محصول كلام السكاكى وفائدته لا أنه عينه؛ وذلك أن تسمية السكاكى الفاصلة سجعا إنما هو لوجود التوافق فيها ولولا ذلك ما سميت، فعاد الحاصل إلى أن العلة التى أوجبت التسمية
يعنى أن هذا مقصود كلام السكاكى ومحصوله وإلا فالسجع على التفسير المذكور بمعنى المصدر أعنى توافق الفاصلتين فى الحرف الأخير وعلى كلام السكاكى هو نفس اللفظ المتواطئ الآخر فى أواخر الفقر؛ ولذا ذكره السكاكى بلفظ الجمع وقال: إنها فى النثر كالقوافى فى الشعر؛ ذلك لأن القافية لفظ فى آخر البيت إما الكلمة نفسها أو الحرف الأخير منها أو غير ذلك على تفصيل المذاهب وليست عبارة عن تواطؤ الكلمتين من أواخر الأبيات على حرف واحد فالحاصل أن السجع قد يطلق على الكلمة الأخيرة من الفقرة باعتبار توافقها للكلمة الأخيرة من الفقرة الأخرى وقد يطلق على نفس توافقهما ومرجع المعنيين واحد.
===
هى المسماة بالسجع فى الحقيقة وفى القصد
(قوله: يعنى) أى: المصنف (وقوله: أن هذا) أى: تفسير السجع بالتواطؤ المذكور (وقوله: مقصود كلام السكاكى) أى: المقصود منه لا أنه عينه
(قوله: وإلا فالسجع إلخ) أى: وإلا نقل أن هذا التفسير بالتواطؤ هو المقصود من كلام السكاكى، بل قلنا: إنه عينه فلا يصح؛ لأن السجع إلخ.
(قوله: فى أواخر الفقر) حال من اللفظ أى: حالة كون اللفظ كائنا فى أواخر الفقر
(قوله: ولذا) أى: ولأجل كون السجع عند السكاكى نفس اللفظ المتواطئ لا المعنى المصدرى، وهو التواطؤ ذكره السكاكى بلفظ الجمع أى: والسجع لا يجمع إلا إذا كان بمعنى اللفظ ولو أراد المصدر لعبر بالإفراد؛ لأن المصدر لا يجمع إلا إذا أريد به الأنواع وإرادة الأنواع ليس فى كلام السكاكى ما يدل عليها فتعينت إرادة اللفظ وهذا دليل أول على أن السجع عند السكاكى نفس اللفظ
(قوله: وقال إنها) أى: الأسجاع فى النثر كالقوافى فى الشعر، ومن هذا يعلم أن قول المصنف هو فى النثر إلخ رواية لكلام السكاكى بالمعنى
(قوله: وذلك لأن القافية إلخ) أى: وبيان ذلك أى: وبيان كون السجع عنده نفس اللفظ المتواطئ إلخ أن القافية إلخ، وهذا دليل ثان على أن السجع عند السكاكى نفس اللفظ فلو قال: ولأن القافية إلخ كان أوضح
(قوله: على تفصيل) أى:
اختلاف
(قوله: وليست عبارة إلخ) أى: فلما شبه الأسجاع بالقوافى التى هى ألفاظ قطعا علم أن مراده بالإسجاع: الألفاظ المتوافقة لا المعنى المصدرى
(قوله: ومرجع المعنيين واحد)
(وهو) أى السجع (ثلاثة أضرب مطرف إن اختلفتا) أى الفاصلتان (فى الوزن نحو ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً. وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (1).
فإن الوقار والأطوار مختلفان وزنا (وإلا) أى وإن لم يختلفا فى الوزن (فإن كان ما فى إحدى القرينتين) من الألفاظ (أو) كان (أكثره) أى أكثر ما فى إحدى القرينتين (مثل ما يقابله من) القرينة (الأخرى
…
===
أى: وهو التوافق المذكور، فإن المعنى الثانى نفس التوافق، والأول: الكلمة من حيث التوافق فهو المسمى فى الحقيقة. اه. سم
(وقوله: ومرجع المعنيين واحد) هو المراد بقوله السابق يعنى أن هذا مقصود كلام السكاكى
(قوله: أى الفاصلتان) أى: الكلمتان الأخيرتان من الفقرتين
(قوله: فى الوزن) ينبغى أن يكون المعتبر هنا الوزن الشعرى لا الوزن التصريفى (وقوله: إن اختلفتا فى الوزن) أى: مع الاتفاق فى التقفية أى: الحرف الأخير بقرينة تعريف السجع، حيث اعتبر فيه التوافق فى الحرف الأخير.
(قوله: فإن الوقار والأطوار مختلفان وزنا) أى: أن الوقار فاصلة من الفقرة الأولى، والأطوار فاصلة من الفقرة الثانية، وقد اختلفا فى الوزن، فإن ثانى وقارا محرك، وثانى أطوارا ساكن، وإنما سمى مطرفا؛ لأنه خارج فى التوغل فى الحسن إلى الطرف بخلاف غيره كما يأتى، أو لأن ما وقع به التوافق وهو الاتحاد بين الفاصلتين إنما هو الطرف وهو الحرف الأخير دون الوزن كذا قال اليعقوبى، وقال العصام: سمى مطرفا أخذا له من الطريف وهو الحديث من المال؛ لأن الوزن فى الفاصلة الثانية حديث، وليس هو الوزن الذى كان فى الأولى
(قوله: أى وإن لم يختلفا فى الوزن) أى: بل اتفاقا فيه كما اتفقا فى التقفية
(قوله: القرينتين) أى: الفقرتين سميت بذلك لأنها تقارن الأخرى
(قوله: مثل ما يقابله من القرينة الأخرى) أى مثل ما يقابله من الألفاظ الكائنة فى القرينة الأخرى، يعنى ما عدا الفاصلتين؛ لأن الموضوع حصول الموازنة فى الفاصلتين،
(1) نوح: 13، 14.
فى الوزن والتقفية) أى التوافق على الحرف الأخير (فترصيع نحو: يطبع الأسجاع بجواهر لفظه من يقرع الأسماع بزواجر وعظه) فجميع ما فى القرينة الثانية موافق لما يقابله من القرينة الأولى وأما لفظ فهو فلا يقابله شىء من الثانية ولو قال بدل الأسماع الآذان كان مثالا لما يكون أكثر ما فى الثانية موافقا لما يقابله فى الأولى (وإلا فمتواز)
===
فلا معنى لإدراجه فى هذا الاشتراط
(قوله: فى الوزن) متعلق بمثل؛ لأنه فى معنى مماثل
(قوله: فترصيع) أى: فالسجع الكائن على هذه الصفة يسمى ترصيعا تشبيها له بجعل إحدى اللؤلؤتين فى العقد فى مقابلة الأخرى المسمى لغة بالترصيع، وكان الأولى للمصنف أن يقول: فمرصع على صيغة اسم المفعول ليناسب قوله: أولا فمطرف، وقوله بعد فمتواز
(قوله: نحو فهو يطبع إلخ) هذا مثال لما فيه المساواة فى الجميع، وقوله يطبع الأسجاع بجواهر لفظه أى: يزين الأسجاع بألفاظه الشبيه بالجواهر، ففى يطبع استعارة تبعية، أو أنه شبه تزيين السجع بمصاحبة خيار الألفاظ بجعل الحلى مطبوعا بالجواهر فعبر بهذه العبارة على طريق الاستعارة بالكناية، وقوله ويقرع الأسماع بزواجر وعظه شبه الأسماع بأبواب تقرع بالأصابع لتفتح فعبر بما ذكر على طريق المكنية أيضا- كذا فى اليعقوبى، وقال العصام يطبع أى: يعمل يقال طبع السيف والدرهم عمله، والأسجاع: الكلمات المقفيات، والجواهر: جمع جوهر: الشىء النفيس، وإضافتها للفظة من إضافة المشبه به للمشبه، وأفرد اللفظ فى موضع إرادة المتعدد لكونه فى الأصل مصدرا، وقوله ويقرع أى:
يدق، والمراد لازم الدق وهو التأثير أى: يؤثر فى الأسماع بزواجر وعظه، وعلى هذا فلا استعارة فى الكلام، ومحل الشاهد أن (وعظه) فاصلة موازنة للفاصلة الأولى وهى (لفظه) فخرج السجع حينئذ عن كونه مطرفا، ثم إن كل كلمة من القرينة الأولى موافقة لما يقابلها من القرينة الثانية وزنا وتقفية، وذلك لأن يطبع موازن ليقرع، والقافية فيها العين والأسجاع موازن للأسماع، والقافية فيهما العين أيضا، وجواهر موازن لزواجر، والقافية فيهما الراء
(قوله: فلا يقابله شىء من الثانية) هذا جواب أما، أى:
لا يقابله شىء من الثانية أى حتى يقال: إنه مساو له أو غير مساو له، والحاصل أن هذا المثال تساوت فيه جميع المتقابلات
(قوله: كان مثالا لما يكون إلخ) أى: لأن الآذان ليست
أى وإن لم يكن جميع ما فى القرينة ولا أكثره مثل ما يقابله من الأخرى فهو السجع المتوازى (نحو فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ. وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (1) لاختلاف سرر وأكواب فى الوزن والتقفية وقد يختلف الوزن فقط
…
===
موافقة للأسجاع فى التقفية، إذ آخر الأسجاع العين، وآخر الآذان النون ولا فى الوزن بحسب اللفظ الآن وإن كانت موافقة بحسب الأصل، لأن أصل آذان أأذان بوزن أفعال ولا ينظر للأصل فى مثل ذلك على أنه يجوز أن يكتفى فى عدم التوافق بعدم الموافقة فى التقفية وإن كانت الموافقة فى الوزن حاصلة بالنظر للأصل
(قوله: أى وإن لم يكن جميع ما فى القرينة ولا أكثره مثل ما يقابله من الأخرى) أى: بأن كان جميع ما فى إحدى القرينتين من المتقابلات أو أكثر ما فيها أو نصفه مخالفا لما يقابله من القرينة الأخرى فى الوزن والتقفية معا أو فى أحدهما، وهذا الاختلاف المذكور بالنظر لما عدا الفاصلة؛ لأن التوافق فى الحرف الأخير منها معتبر فى مطلق السجع
(قوله: المتوازى) أى: المسمى بذلك لتوازى الفاصلتين أى: توافقهما وزنا وتقفية دون رعاية غيرهما والتسمية يكفى فيها أدنى اعتبار
(قوله: لاختلاف إلخ) أى: وإنما كان السجع فى هذه الآية متوازيا لاختلاف سرر وأكواب فى الوزن والتقفية أى: وأما الفاصلتان وهما مرفوعة وموضوعة فمتوافقتان وزنا وتقفية ولفظ فيها لم يقابله شىء من القرينة الأخرى
(قوله: وقد يختلف الوزن فقط) هذا من جملة ما دخل تحت إلا فهى صادقة بثلاثة أمور، لأن عدم الاتفاق فى الوزن والتقفية صادق بالاختلاف فيهما أو فى أحدهما، أى: وقد يختلف وزن ما فى القرينتين من السجع المتوازى من غير اختلاف فى التقفية أى: مع توافق الفاصلتين كما هو الموضوع فعرفا وعصفا فى الآية التى مثل بها متوازيان والقافية فيهما واحدة، وأما المرسلات والعاصفات فغير متوازيين، لأن مرسلات على وزن مفعلات، وعاصفات على وزن فاعلات ومتوافقان فى التقفية، وقد يقال: إن المعتبر فى السجع الوزن العروضى كما مر والوزن المذكور لا ينظر فيه إلى اتحاد الحركة ولا لكون الحرف أصليا أو زائدا،
(1) الغاشية: 14، 13.
نحو وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً. فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (1) وقد تختلف التقفية فقط كقولنا حصل الناطق والصامت وهلك الحاسد والشامت (قيل وأحسن السجع ما تساوت قرائنه نحو فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)(2) أى بعد أن لا تتساوى قرائنه فالأحسن (ما طالت قرينته الثانية
…
===
بل المنظور له فيه مقابلة متحرك بمتحرك وساكن بساكن فالحق أن السجع فى الآية المذكورة مرصّع، لأن مرسلات وعاصفات متحدان وزنا وقافية (قوله عرفا) قال ابن هشام: إن كان المراد بالمرسلات الملائكة وبالعرف المعروف فعرفا إما مفعول لأجله، أو نصب بنزع الخافض وهو الباء والتقدير أقسم بالملائكة المرسلة للمعروف أو بالمعروف وإن كان المراد بالمرسلات الأرواح أو الملائكة وعرفا بمعنى متتابعة فانتصاب عرفا على الحال، والتقدير أقسم بالأرواح أو الملائكة المرسلة متتابعة.
(قوله: وقد تختلف) أى: فى المتوازى التقفية فقط دون الوزن فيما يعتبر فيه التقابل وهو غير الفاصلتين
(قوله: حصل الناطق والصامت، وهلك الحاسد والشامت) أى: أنعم الله على فحصل عندى وملكت الناطق وهو الرقيق والصامت كالخيل ونحوها والعقار فحصل على وزن هلك وقافيتهما مختلفة، لأن قافية الكلمة الأولى اللام وقافية الثانية الكاف، وكذا يقال فى ناطق وحاسد، وأما صامت وشامت فلا بد فيهما من التوافق وزنا وقافية، لأنهما فاصلتان
(قوله: قيل إلخ) ليس مراده التضعيف بل حكايته عن غيره
(قوله: ما تساوت قرائنه) أى: فى عدد الكلمات وإن كانت إحدى الكلمات أكثر حروفا من كلمة القرينة الأخرى فلا يشترط التساوى فى عدد الحروف
(قوله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ. وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ. وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) أى: فهذه قرائن ثلاثة وهى متساوية فى كون كلّ مركبة من لفظين، والسدر: شجر النبق، والمخضود: الذى لا شوك له كأنه خضد أى: قطع شوكه، والطلح: شجر الموز، والمنضود: الذى نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه
(قوله: ثم ما طالت قرينته الثانية) أى: طولا غير متفاحش وإلا كان قبيحا،
(1) المرسلات: 2، 1.
(2)
الواقعة: 28، 29.
نحو وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (1) أو قرينته (الثالثة نحو خُذُوهُ فَغُلُّوهُ. ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (2) من التصلية (ولا يحسن أن يولى قرينة) أى أن يؤتى بعد قرينة بقرينة أخرى (أقصر منها) قصرا (كثيرا) لأن السجع قد استوفى أمده فى الأول بطوله فإذا جاء الثانى أقصر منه كثيرا يبقى الإنسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها، وإنما قال كثيرا احترازا عن قوله تعالى أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ. أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (3)
…
===
والطول المتفاحش بالزيادة على الثلث ومحل القبح إذا وقعت الطويلة بعد فقرة واحدة أما لو كانت بعد فقرتين فأكثر لا يقبح، لأن الأوليين حينئذ بمثابة واحدة
(قوله: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) أى: فهاتان قرينتان والثانية أكثر فى الكلمات من الأولى فهى أطول منها
(قوله: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) هما قرينتان متساويتان فى أن كلا منها كلمة واحدة ولا عبرة بحرف الفاء المأتى به للترتيب فى كون الثانية من كلمتين، وأما قوله (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ)
فهو قرينة ثالثة وهى أطول من كل مما قبلها، وقول المصنف: أو قرينته الثالثة عطف بأو إشارة إلى أنه فى مرتبة ما قبله.
(قوله: من التصلية) أى: الإحراق بالنار
(قوله: ولا يحسن أن يولى إلخ) أى:
بأن تكون قرينة طويلة، والقرينة التى بعدها قصيرة قصرا كثيرا بالنسبة إليها سواء كانت القصيرة ثانية بالنظر لأصل الكلام أو ثالثة أو رابعة، وذلك كما لو قيل خاطبنى خليلى وشفانى بكلامه الذى هو كالجوهر النفيس فاقتنيت به أحسن تنفيس
(قوله: أمده) أى غايته
(قوله: فيعثر دونها) أى: فيقع قبل الوصول إليها، لأن السمع يطلب أمدا مثل الأولى أو قريبا منها، فإذا سمع القصير كثير فاجأه خلاف ما يترقب وهو مما يستقبح (قول: احتراز إلخ) أى: فإن زيادة الأولى على الثانية إنما هو بكلمتين الأولى تسع كلمات بهمزة الاستفهام وحرف الجر والثانية ست كلمات وهذا غير مضر إذ المضر إنما
(1) النجم: 2، 1.
(2)
الحاقة: 31، 30.
(3)
الفيل: 2، 1.
(والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز) أى أواخر فواصل القرائن إذ لا يتم التواطؤ والتزاوج فى جميع الصور إلا بالوقف والسكون (كقولهم: ما أبعد ما فات وما أقرب ما هو آت) إذ لو لم يعتبر السكون لفات السجع؛ لأن التاء من فات مفتوح ومن آت منون مكسور.
(قيل: ولا يقال فى القرآن أسجاع) رعاية للأدب وتعظيما له إذ السجع فى الأصل هدير الحمام ونحوه
…
===
هو الزيادة بأكثر من الثلث، وأما الزيادة بالثلث فأقل فلا تضر
(قوله: والأسجاع مبنية على سكون الأعجاز) أى: أن سكون الأعجاز أصل ينبنى عليه تحصيل السجع وهو واجب عند اختلاف الحركات الإعرابية ومستحسن عند اتفاقها
(قوله: إذ لا يتم إلخ) هذا مرتبط بمحذوف أى: لأن الغرض من التسجيع أن يزاوج أى يوافق بين الفواصل ولا يتم التوافق بينهما إلا بالسكون وذلك السكون أعم من أن يكون فى الفاصلة من أصل وضعها كما فى دعا أمرا للاثنين ودعا فعلا ماضيا أو يحصل بالوقف، ولذا قال المصنف:
مبنية على السكون ولم يقل: مبنية على الوقف
(قوله: أى أواخر) إلخ أشار بهذا إلى أن كلامه على حذف مضاف، والفواصل تفسير للأعجاز أى: على سكون أواخر الأعجاز
(قوله: التواطؤ) أى: التوافق (وقوله: والتزاوج) مرادف لما قبله
(قوله: كقولهم: ما أبعد ما فات) أى: لأن ما فات من الزمان ومن الحوادث فيه لا يعود أبدا
(قوله: وما أقرب ما هو آت) أى: لأنه لا بد من حصوله فصار كالقريب
(قوله: منون مكسور) أى: وهذا التخالف غير جائز فى القوافى ولا واف بالغرض من السجع أعنى: تزاوج الفواصل
(قوله: ولا يقال فى القرآن أسجاع) ليس المراد أنه لا يقال فيه ذلك لعدم وجوده فى نفس الأمر، بل المراد أنه ينهى أن يقال ذلك لرعاية الأدب ولتعظيم القرآن وتنزيهه عن التصريح بما أصله أن يكون فى الدواب العجم
(قوله: هدير الحمام) أى:
تصويته (وقوله: ونحوه) بالرفع عطفا على المضاف أى: ونحو الهدير كتصويت الناقة لا على المضاف إليه لأن الهدير قاصر على الحمام، والحاصل أن كلّا من هدير الحمام وتصويت الناقة يقال له السجع فى الأصل، ثم نقل لفظ سجع من هذا المعنى للمعنى المذكور
وقيل لعدم الإذن الشرعى، وفيه نظر؛ إذ لم يقل أحد بتوقف أمثال هذا على إذن الشارع وإنما الكلام فى أسماء الله تعالى (بل يقال) للأسجاع فى القرآن- أعنى الكلمة الأخيرة من الفقرة- (فواصل وقيل: السجع غير مختص بالنثر ومثاله من النظم قوله (1): تجلّى به رشدى وأثرت) أى صارت ذا ثروة (به يدى
…
===
فى هذا الفن، وحينئذ فلا يصرح بوجوده فى القرآن لما ذكر
(قوله: وقيل لعدم إلخ) أى:
وقيل النهى عن أن يقال ذلك لعدم الإذن الشرعى بإطلاقه
(قوله: وإنما الكلام) أى:
وإنما الخلاف فى أسماء الله هل يحتاج فى إطلاقها لإذن أو لا؟ وقد يقال: إن القرآن كلام الله فلا يسمى كله ولا جزؤه إلا بما لا إيهام فيه ولا نقصان قياسا على تسمية الذات.
والسجع هدير الحمام ففيه من إيهام النقص ما يمنع إطلاقه إلا بإذن
(قوله: بل يقال للأسجاع فى القرآن) أى باعتبار القرآن
(قوله: أعنى الكلمة الأخيرة من الفقرة الأولى) أعنى أى: بالأسجاع هنا الكلم الأواخر من الفقر، وقول المصنف: بل يقال فواصل مبنى على ما قاله السكاكى من أن السجع يطلق على الكلمة الأخيرة من الفقرة، إذ هى التى يقال لها فاصلة لا على أن السجع موافقة الكلمات الأخيرة من الفقرة
(قوله: فواصل) أى: لمناسبة ذلك لقوله تعالى: فُصِّلَتْ آياتُهُ (2).
(قوله: وقيل السجع غير مختص بالنثر) هذا عطف على محذوف، والأصل والسجع مختص بالنثر أخذا مما تقدم حيث قيل: إنه فى النثر كالقافية فى الشعر، وحيث قيل: إنه توافق الفاصلتين، إذ الفاصلتان مخصوصتان بالنثر وإطلاقهما على ما فى الشعر توسع وقيل غير مختص بالنثر، بل يكون فيه كما تقدم، وفى النظم بأن يجعل كل شطر من البيت فقرتين لكل فقرة سجعة، فإن اتفق فقرتا الشطرين فهو غير تشطير، وإلا فهو تشطير أو بأن يجعل كل شطر فقرة فيكون البيت فقرتين، وهذا كثير كألفية ابن مالك وجوهرة اللقانى
(قوله: قوله) أى: قول أبى تمام (وقوله: تجلى) أى: ظهر بهذا الممدوح وهو نصر المذكور فى البيت السابق أعنى قوله:
(1) البيت لأبى تمام.
(2)
فصلت: 3.
وفاض به ثمدى) هو بالكسر الماء القليل والمراد هنا المال القليل (وأورى) أى صار ذا ورى (به زندى) وأما أورى بضم الهمزة على أنه متكلم المضارع من أوريت الزند أخرجت ناره فتصحيف ومع ذلك يأباه الطبع.
===
سأحمد نصرا ما حييت وإنّنى
…
لأعلم أن قد جلّ نصر عن الحمد (1)
تجلى به رشدى أى: ظهر به رشدى أى: بلوغى للمقاصد وهذه قرينة فى النظم، (وقوله: وأثرت به يدى) أى: وصارت يدى بهذا الممدوح ذات ثروة أى: كثرة مال لاكتسابها منه جاها وعطاء قرينة أخرى فى النظم ساجعت ما قبلها
(قوله: وفاض به) أى: بالممدوح ثمدى قرينة ساجعة لما قبلها
(قوله: والمراد به المال القليل) أى: على طريق الاستعارة بجامع القلّة أو النفع فى كل، وهذه الفقرة باعتبار المراد منها كالتأكيد لما قبلها
(قوله: وأورى) بفتح الهمزة، والراء فعل ماض، وزندى فاعله وضمير به للممدوح أى:
أورى بالممدوح زندى
(قوله: أى صار ذا ورى) أى: صار زندى ذا نار بعد أن كان لا نار له، فالهمزة فى أورى للصيرورة، وصيرورة زنده ذا نار كناية عن ظفره بالمطلوب؛ لأن الزند إذا لم يكن ذا ورى لم ينل منه المراد، وإن كان ذا ورى نيل منه المراد فأورى على هذا فعل ماض وفاعله زندى، فهو موافق لما قبله فى كون الفاعل غير ضمير المتكلم
(قوله: على أنه متكلم المضارع) الأولى على أنه مضارع المتكلم
(قوله: من أوريت الزند أخرجت ناره) أى: فالمعنى حينئذ وأورى أنا بالممدوح زندى أى: أخرج بسببه نار زندى
(قوله: فتصحيف) أى: تغيير لشكل الكلمة؛ لأنه بضم الهمزة وكسر الراء، مع أنهما مفتوحتان، والدليل على أنه تصحيف عدم مطابقته لما قبله فى الفاعل من جهة كون فاعل ما قبله من طريق الغيبة، بسبب كونه اسما ظاهرا، فلم يجر الكلام على نمط واحد وجريانه مع إمكانه أنسب لبلاغة الشاعر
(قوله: يأباه الطبع) أى: لأنه يومئ إلى ما ينافى المقام؛ وذلك لأن فيه إيماء إلى أن عند الشاعر أصل الظفر بالمراد، ثم استعان بالممدوح حتى بلغ المقصود وكون زنده لا ورى له، ثم صار بالممدوح ذا ورى أنسب
(1) شرح ديوان أبى تمام ص 111 ط دار الكتب العلمية.
(ومن السجع على هذا القول) أى القول بعدم اختصاصه بالنثر (ما يسمى التشطير وهو جعل كل من شطرى البيت سجعة مخالفة لأختها) أى للسجعة التى فى الشطر الآخر، فقوله: سجعة
…
===
بمقام المدح من كونه يخرج نار زنده بإعانة الممدوح مع وجود أصل النار فيه، والحاصل أن العبارة الأولى وهى أورى بصيغة الماضى تقتضى أنه صار زنده ذا ورى بعد انعدام وريه، والثانية تقتضى أن له أصل الورى وبلوغ كماله بالممدوح، ولا يخفى أن الأولى بمقام المدح أنسب من الثانية
(قوله: ومن السجع على هذا القول ما يسمى التشطير) حاصله أنه إذا بنينا على القول بأن السجع مختص بالنثر فما يوجد فى النظم مما يشبه السجع يعد من المحسنات الشبيهة به وإذا بنينا على القول بأن السجع يوجد فى الشعر أيضا فنقول: السجع الموجود فيه قسمان ما لا يسمى بالتشطير وهو الذى تقدم، وما يسمى بالتشطير
(قوله: وهو جعل كل من شطرى البيت إلخ) أى: أن يجعل كل مصراع من البيت مشتملا على فقرتين والفقرتين اللتين فى المصراع الأول مخالفتين للّتين فى المصراع الثانى فى التقفية كما فى البيت الآتى، فإن الشطر الأول فقرتان وقافيتهما الميم، والشطر الثانى فقرتان أيضا وقافيتهما الباء، وسمى هذا النوع بالتشطير لجعل الشاعر سجعتى الشطر الأول مخالفتين لأختيهما من الشطر الثانى وشمول تعريف السجع السابق لهذا النوع المسمى بالتشطير باعتبار كل شطر، فإنه مشتمل على سجعتين مقفيتى الآخر وإن كان لا يشمله باعتبار مجموع الشطرين لعدم اتفاقهما فى التقفية
(قوله: مخالفة لأختها) أى: بألّا يتوافقا فى الحرف الأخير
(قوله: فقوله: سجعة إلخ) هذا شروع فى جواب اعتراض وارد على كلام المصنف، وحاصله أن ظاهر قوله وهو جعل كل من شطرى البيت سجعة أن كل شطر يجعل سجعة وليس كذلك، إذ السجعة: إما الكلمة الأخيرة من الفقرة، أو توافق الفقرتين فى الحرف الأخير- كما مر، فكان الأولى للمصنف أن يقول: وهو جعل كل شطر فقرتين مخالفتين لأختيهما، وحاصل الجواب أن قوله: سجعة ليس مفعولا ثانيا لجعل، بل نصب على المصدرية، والمفعول محذوف أى:
جعل كل من شطرى البيت مسجوعا سجعة أى: مسجعا سجعا وهذا صادق بكون
فى موضع المصدر أى مسجوعا سجعة؛ لأن الشطر نفسه ليس بسجعة، أو هو مجاز تسمية للكل باسم جزئه (كقوله: تدبير معتصم بالله منتقم
…
لله مرتغب فى الله (1)) أى راغب فيما يقربه من رضوانه (مرتقب) أى منتظر ثوابه أو خائف عقابه فالشطر الأول سجعة مبنية على الميم والثانية سجعة مبنية على الباء.
===
الشطر فقرتين، فعلم أن قوله: سجعة مصدر مؤكد بمعنى سجعا، ومن المعلوم أنه يلزم من جعل كل شطر مسجعا سجعا أن يكون كل شطر فيه فقرتان ليتحقق معنى السجع فيه
(قوله: فى موضع المصدر) أى: معنى المصدر
(قوله: لأن الشطر إلخ) علة لمحذوف أى: وليس مفعولا ثانيا لجعل؛ لأن الشطر إلخ
(قوله: أو هو مجاز إلخ) جواب بالتسليم، وكأنه يقول: سلمنا أن سجعه مفعول ثان لجعل، لكنه أطلق السجعة على مجموع الشطر الذى وجدت فيه تجوزا من إطلاق اسم الجزء على الكل، وإطلاق اسم الجزء على الكل يرجع لتسمية الكل باسم الجزء الذى قاله الشارح.
(قوله: كقوله) أى: قول الشاعر وهو أبو تمام فى مدح المعتصم بالله حين فتح عمورية بلدة بالروم والبيت المذكور من قصيدة من البسيط مطلعها:
السّيف أصدق إنباء من الكتب
…
فى حدّه الحدّ بين الجدّ والّلعب (2)
(قوله: تدبير معتصم بالله) هذا مبتدأ وخبره فى البيت الثالث بعده وهو قوله:
لم يرم قوما ولم ينهد إلى بلد
…
إلّا تقدّمه جيش من الرّعب
أى: لم يقصد تدبيره قوما ولم يتوجه إلى بلد إلا تقدمه الرعب (وقوله: معتصم بالله) هو الممدوح (وقوله: منتقم لله) أى أنه إذا أراد أن ينتقم من أحد فلا ينتقم منه إلا لأجل الله أى: لأجل انتهاك حرماته لا لحظ نفسه وذلك لعدالته (وقوله: مرتغب فى الله) بالغين المعجمة أى: راغب فيما يقربه من رضوان الله (وقوله: مرتقب) بالقاف أى: من الله أى:
منتظر الثواب من الله وخائف منه إنزال العذاب عليه فهو خائف راج كما هو صفة المؤمنين الكمل
(قوله: فالشطر الأول سجعة) جعل الشطر سجعة بناء على ما مر له من
(1) البيت لأبى تمام يمدح المعتصم حين فتح عمورية برواية" لله مرتقب في الله مرتغب" في شرح ديوانه ص 20.
(2)
لأبى تمام فى شرح ديوانه ص 18.