الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أى الغنى انتزع من نفسه شخصا آخر مثله فى فقد الخيل والمال وخاطبه
[المبالغة]:
(ومنه) أى ومن المعنوى (المبالغة المقبولة) لأن المردودة لا تكون من المحسنات وفى هذا إشارة إلى الرد على من زعم أن المبالغة مقبولة مطلقا وعلى من زعم أنها مردودة مطلقا
…
===
خيل ولا مال عندك تهديه للمادح فإذا لم يكن عندك شىء من ذلك تواسى به المادح فواسه بحسن النطق.
(قوله: أى الغنى) تفسير للحال والمعنى فليعن حسن النطق بالاعتذار بالفقر على عدم الإهداء إن لم يعن الحال الذى هو الغنى على الإهداء إليه لعدم وجدانه، وعبارة الأطول: المراد بالحال الفقر، والمعنى: فليسعد النطق بالاعتذار بالفقر على عدم الإهداء إن لم يعن الحال الذى هو الفقر على الإهداء إليه، وفيه أن الفقر لا يساعد ولا يعين على الإهداء، وإنما الذى يساعد ويعين عليه الغنى الذى هو عادمه فتأمل.
[المبالغة]:
(قوله: المقبولة) أى: وهى الإغراق والتبليغ وبعض صور الغلو
(قوله: لأن المردودة إلخ) علة لمحذوف أى: وقيد بالمقبولة؛ لأن المردودة وهى بعض صور الغلو لا تكون إلخ؛ لأن الغلو كما سيأتى إن كان معها لفظ يقربها من الصحة أو تضمنت نوعا حسنا من التخييل أو خرجت مخرج الهزل والخلاعة قبلت وإلا ردت
(قوله: وفى هذا) أى: التقييد بالمقبولة
(قوله: أن المبالغة مقبولة مطلقا) أى: سواء كانت تبليغا أو إغراقا أو غلوّا، وذلك لأن حاصلها أن يثبت فى الشىء من القوة أو الضعف ما ليس فيه وخير الكلام ما بولغ فيه وأعذب الحديث أكذبه مع إيهام الصحة وظهور المراد، وحينئذ فتكون من المحسنات مطلقا وإنما قلنا مع إيهام الصحة وظهور المراد؛ لأن الكذب المحض الذى هو قصد ترويح ظاهره مع فساده لم يقل أحد من العقلاء أنه مستحسن.
(قوله: وعلى من زعم أنها مردودة مطلقا) أى: لأن خير الكلام ما خرج مخرج الحق وجاء على منهج الصدق ولا خير فى كلام أوهم كذبا أو حققه كما يشهد له قول حسان، - رضى الله عنه (1):
(1) لحسان بن ثابت والبيت الثانى فى شرح المرشدى 2/ 101.
ثم إنه فسر مطلق المبالغة وبين أقسامها والمقبول منها والمردود فقال (والمبالغة) مطلقا (أن يدعى لوصف بلوغه فى الشدة أو الضعف حدّا مستحيلا أو مستبعدا) وإنما يدعى ذلك (لئلا يظن أنه) أى ذلك الوصف (غير متناه فيه) أى فى الشدة أو الضعف
…
===
وإنما الشعر لبّ المرء يعرضه
…
على المجالس إن كيسا وإن حمقا
فإنّ أشعر بيت أنت قائله
…
بيت يقال إذا أنشدته صدقا
والذى فيه مبالغة لا صدق فيه فهو ليس من أشعر بيت فهذان قولان مطلقان والمختار أن المبالغة منها مقبولة ومنها مردودة كما أشار إليه المصنف
(قوله: ثم إنه فسر مطلق المبالغة) أى: ولذا أتى بالاسم الظاهر فقال والمبالغة إلخ ولم يأت بالضمير بحيث يقول وهى لئلا يعود على المقبولة
(قوله: مطلقا) أى: سواء كانت مقبولة أو مردودة
(قوله: أن يدعى لوصف) ضمن يدعى معنى يثبت فعداه باللام أى: أن يثبت لوصف بالدعوى له لا بالتحقيق (وقوله: بلوغه) نائب فاعل يدعى أى: أنه بلغ (وقوله فى الشدة إلخ) فى بمعنى من أى: بلغ ووصل من مراتب الشدة أو الضعف حدّا أى: طرفا ومكانا مستحيلا أو مكانا مستبعدا يقرب من المحال والأمثلة المذكورة كلها للشدة ولم يمثل للضعف
(قوله: حدّا مستحيلا) أى:
عقلا وعادة كما فى الغلو أو عادة لا عقلا كما فى الإغراق (وقوله: أو مستبعدا) أى: بأن كان ممكنا عقلا وعادة إلا أنه مستبعد كما فى التبليغ
(قوله: وإنما يدعى ذلك) أى: بلوغ الوصف لتلك المنزلة لدفع توهم أن ذلك الوصف غير متناه فيه أى: غير بالغ فيه النهاية، بل هو متوسط أو دون المتوسط، وأتى الشارح بذلك إشارة إلى أن قول المصنف لئلا يظن ليس داخلا فى حد المبالغة، بل التعريف تم بدونه وأنه بيان للعلة التى تحمل البليغ على إيجاد المبالغة، وبه اندفع ما يقال: إن المبالغة المطلقة لا يشترط فيها ذلك، واختار العصام فى الأطول: أن هذا التعليل من جملة الحد، وأنه احترز بذلك عن دعوى بلوغ الوصف حدّا مستحيلا أو مستبعدا مع الغفلة عن قصد دفع الظن المذكور فلا تكون مبالغة، والحاصل أن الدعوى المذكورة إن قصد بها دفع الظن المذكور كانت مبالغة، وإن لم يقصد بها ذلك، بل غفل عن ذلك القصد فلا تكون مبالغة وهذا محصل كلامه.
وتذكير الضمير وإفراده باعتبار عوده إلى أحد الأمرين (وتنحصر) المبالغة (فى التبليغ والإغراق والغلو) لا بمجرد الاستقراء بل بالدليل القطعى وذلك (لأن المدعى إن كان ممكنا عقلا وعادة فتبليغ كقوله (1): فعادى) يعنى الفرس (عداء) هو الموالاة بين الصيدين بصرع أحدهما على أثر الآخر فى طلق واحد
…
===
(قوله: وتذكير الضمير) أى: فى فيه
(قوله: باعتبار عوده إلى أحد الأمرين) أى:
فكأنه قال لئلا يظن أنه غير متناه فى أحد الأمرين والأحد مذكر مفرد، وظاهر كلامه أنه إذا ذكر متعاطفان بأو يعاد الضمير على أحدهما مطلقا وهو ما اقتضاه كلام كثير، ونقل السيوطى فى النكت عن ابن هشام أن إفراد الضمير فى المتعاطفين بأو إذا كانت للإبهام كما تقول جاءنى زيد أو عمرو فأكرمته، إذ معنى الكلام جاءنى أحد هما فأكرمت ذلك الأحد، فإن كانت للتقسيم عاد الضمير عليهما معا كما فى قوله تعالى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما (2) فحكمها حكم الواو فى وجوب المطابقة
(قوله: فى التبليغ) هو مأخوذ من قولهم: بلغ الفارس إذا مد يده بالعنان ليزداد الفرس فى الجرى
(قوله: والإغراق) مأخوذ من قولهم: أغرق الفرس إذا استوفى الحد فى جريه
(قوله: والغلو) مأخوذ من قولهم: غلا فى الشىء إذا تجاوز الحد فيه
(قوله: لا بمجرد الاستقراء) أى: الخالى عن الدليل العقلى (وقوله: بل بالدليل القطعى) أى: مع الاستقراء وفى نسخة العقلى
(قوله: وذلك) أى: وبيان ذلك أى: انحصار المبالغة فى الأقسام الثلاثة بالدليل (فتبليغ) أى: فدعوى بلوغه ما ذكر تسمى تبليغا؛ لأن فيه مجرد الزيادة على المقدار المتوسط فناسب معناه اللغوى المتقدم
(قوله: كقوله) أى: كقول الشاعر، وهو امرؤ القيس يصف فرسا له بأنه لا يعرق وإن أكثر العدو
(قوله: فعادى عداء) أى: وإلى ذلك الفرس يقال وإلى بين الصيدين إذا جرح أحدهما على أثر الآخر فى طلق واحد أى: إذا
(1) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص 22، والإشارات ص 278، والمصباح 231 وشرح المرشدى 2/ 99.
(2)
النساء: 135.
(بين ثور) يعنى الذكر من بقر الوحش (ونعجة) يعنى الأنثى منها (دراكا) أى متتابعا (فلم ينضح بماء فيغسل) مجزوم معطوف على ينضح أى لم يعرق فلم يغسل ادعى أن فرسه أدرك ثورا ونعجة فى مضمار واحد ولم يعرق وهذا ممكن عقلا وعادة.
(وإن كان ممكنا عقلا وعادة فإغراق
…
===
ألقى أحدهما على وجه الأرض أثر الآخر فى شوط واحد من غير أن يتخلله وقفة لراحة ونحوها.
(قوله: بين ثور) متعلق بعادى أى: والى بين ثور ونعجة أى: صرع أحدهما أى: ألقاه على وجه الأرض على أثر الآخر فى طلق واحد أى: شوط واحد
(قوله: دراكا) بكسر الدال على وزن كتاب قال سم والظاهر أنه تأكيد لقوله عداء؛ لأن معنى التتابع يفهم من الموالاة خصوصا مع اعتبار الكون على الأثر فيها وذكر بعض شراح ديوان امرئ القيس أنه لم يرد الموالاة بين ثور ونعجة فقط، وإنما أراد التكثير من النعاج والثيران، والدليل على ذلك قوله: دراكا، ولو أراد ثورا ونعجة فقط لاستغنى بقوله:
فعادى عداء، وإنما يريد أن الموالاة بين الصيدين أتبع بعضها بعضا فيفيد أنه قتل الكثير فى طلق واحد، وحينئذ فهو غير تأكيد لقوله عداء- تأمل.
(قوله: فلم ينضح) أى: لم يرشح ذلك الفرس الذى عادى بين الصيدين بخروج ماء أى: عرق، واعلم أن نضح إن كان بمعنى رشّ كان من باب ضرب، وإن كان بمعنى رشح كما هنا كان من باب قطع
(قوله: فيغسل) يحتمل أنه أراد بالغسل المنفى غسل العرق ويكون تأكيدا لنفى العرق، ويحتمل أنه أراد به الغسل بالماء القراح، أى: لم يصبه وسخ العرق وأثره حتى يحتاج للغسل بالماء القراح
(قوله: ادعى أن فرسه أدرك ثورا ونعجة) أى: أو أثوارا ونعاجا على الاحتمالين السابقين فى قوله دراكا
(قوله: فى مضمار) أى: فى شوط
(قوله: وهذا) أى: ما ادعاه ممكن عقلا وعادة أى وإن كان وجود تلك الحالة فى الفرس فى غاية الندور عادة
(قوله: وإن كان) أى: المدعى وهو بلوغ الوصف إلى النهاية شدة أو ضعفا
(قوله: فإغراق) أى: فدعوى بلوغه إلى حيث
كقوله (1) ونكرم جارنا مادام فينا، ونتبعه) من الأتباع أى نرسل (الكرامة) على أثره (حيث مالا) أى سار وهذا ممكن عقلا لا عادة بل فى زماننا يكاد يلحق بالممتنع عقلا إذ كل ممكن عادة ممكن عقلا (وهما) أى التبليغ والإغراق (مقبولان وإلا)
…
===
يستحيل بالعادة تسمى إغراقا؛ لأن الوصف بلغ إلى حد الاستغراق، حيث خرج عن المعتاد فناسب معناه اللغوى المتقدم
(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو عمرو بن الأيهم التغلبى
(قوله: مادام فينا) أى: مادام مقيما فينا أى معنا وفى مكاننا
(قوله: حيث مالا) أى: حيث رحل عنا وسكن مع غيرنا، واتباع الكرامة له إرسالها إليه وبعثها فى إثره، فقد ادعى الشاعر أنهم يكرمون الجار فى حالة كونه مقيما عندهم وفى حالة كونه مع غيرهم وارتحاله عنهم، فالوصف المبالغ فيه كرمهم ولا شك أن إكرام الجار فى حالة كونه مع الغير وارتحاله عنهم محال عادة، حتى إنه يكاد أن يلتحق بالمحال عقلا فى هذا الزمان، لانطباع النفوس على الشح وعدم مراعاة غير المكافأة.
واعلم أن هذا البيت إنما يصلح مثالا للإغراق إذا حمل قوله ونتبعه الكرامة، حيث مال على أن المراد إرسال الإحسان إليه الدافع لحاجته وحاجة عياله بعد ارتحاله عنهم وكونه مع الغير، وأما إن حمل على أن المراد إعطاء الجار الزاد عند ارتحاله وسفره إلى أى جهة فلا يصلح مثالا، لأن هذا لا يستحيل عادة إذ هذا شائع عند الأسخياء وأصحاب المروآت.
(قوله: وهما مقبولان) أى: لعدم ظهور الكذب فيهما الموجب للرد، واعلم أن ما ذكره من المقبول والمردود إنما هو بالنظر إلى البديع واعتبارات الشعر، وأما بالنظر للبيان فالكل مقبول، لأنها ليست جارية على معانيها الحقيقية بل كنايات أو مجازات بالنظر للمواد والأمثلة فقوله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ (2) مجاز مركب عن كثرة صفائه ونوره، وقوله: عقدت سنابكها البيت مجاز عن كثرة الغبار فوق رؤس الجياد،
(1) البيت لعمرو بن الأيهم التغلبي، فى الإشارات ص 279، والمصباح ص 224.
(2)
النور: 35.
أى وإن لم يكن ممكنا لا عقلا ولا عادة لامتناع أن يكون ممكنا عادة ممتنعا عقلا إذ كل ممكن عادة ممكن عقلا ولا ينعكس (فغلو كقوله (1) وأخفت أهل الشرك حتّى إنّه)
===
وقوله يخيل لى البيت مجاز عن طول سهره وكثرة نظره إلى الكواكب
(قوله: أى وإن لم يكن ممكنا لا عقلا ولا عادة) هذا نفى للقسم الأول، أعنى قوله: وإن كان ممكنا عقلا وعادة وترك نفى القسم الثانى أعنى قوله: وإن كان ممكنا عقلا لا عادة بأن يقول أى وإن لم يكن ممكنا لا عقلا ولا عادة أو عادة لا عقلا، لأنه لا يتصور أن يكون شىء ممكنا عادة ممتنعا عقلا كما أشار له الشارح بقوله لامتناع إلخ، فهو علة لمحذوف أى وترك نفى القسم الثانى لامتناع إلخ، أو أنه علة لاقتصار فى تفسير وإلا على ما ذكره فيه
(قوله: إذ كل ممكن عادة ممكن عقلا) أى: لأن الإمكان العادى أن يكون الإمكان بحكم الوقوع فى أكثر الأوقات أو دائما
(قوله: ولا ينعكس) أى عكسا كليا فليس كل ممكن عقلا ممكنا عادة؛ لأن دائرة العقل أوسع من العادة.
(قوله: فغلو) أى: فهو غلو أى أن ادعاء بلوغ الشىء إلى كونه غير ممكن عقلا وعادة يسمى بالغلو، لتجاوزه حد الاستحالة العادية إلى الاستحالة العقلية فناسب معناه اللغوى المتقدم.
(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو أبو نواس وهو الحسن بن هانئ، لقب بأبى نواس لأنه كان له عذبتان تنوسان أى تتحركان على عاتقيه، وهذا البيت من قصيدة له فى مدح هارون الرشيد بأنه أخاف الكفار جميعا من وجد منهم ومن لم يوجد، وإنما مثل بهذا البيت ولم يكتف بأمثلة الأقسام الآتية لأنه مثال للمبالغة المردودة، حيث لم يدخل عليها ما يقربها إلى الصحة، ولم تتضمن تخييلا حسنا، ويمكن أن يريد الشاعر إنه لتخافك النطف التى لم تخلق، فلم تخرج من خوفك إلى ساحة الوجود فيتضمن تخييلا حسنا أ. هـ أطول.
(قوله: وأخفت أهل الشرك) أى: أدخلت فى قلوبهم الخوف والرعب ببطشك وهيبتك
(قوله: حتى إنه) بكسر همزة إن لدخول اللام فى خبرها وحينئذ فهى ابتدائية
(1) البيت لأبى نواس فى ديوانه ص 452، والطراز 2/ 314، والمصباح ص 229 وشرح المرشدى على عقود الجمان 2/ 100.
الضمير للشأن (لتخافك النّطف الّتى لم تخلق) فإن خوف النطفة الغير المخلوقة ممتنع عقلا وعادة (والمقبول منه) أى من الغلو (أصناف منها ما أدخل عليه ما يقر به إلى الصحة نحو) لفظة (يكاد فى قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ (1).
===
(قوله: النطف) جمع نطفة وهى الماء الذى يتخلق منه الإنسان وقوله (التى لم تخلق) أى:
لم يخلق منها الإنسان بعد، أو لم تخلق هى بنفسها أى لم توجد، فقد بالغ فى أخافته أهل الشرك حيث صيره تخافه النطف التى لم توجد، ومعلوم أن خوف النطف محال؛ لأن شرط الخوف عقلا الحياة فيستحيل الخوف من الموجود الموصوف بعدمها فضلا عن خوف المعدوم، فهذه المبالغة غلو مردود لعدم اشتماله على شىء من موجبات القبول الآتية.
(قوله: منها ما أدخل عليه ما يقر به إلى الصحة) أى: من تلك الأصناف صنف أدخل عليه لفظ يقرب الأمر الذى وقع فيه الغلو إلى الصحة، أى: إلى مكان وقوعه
(قوله: نحو لفظة يكاد) أى: ولفظة لو ولولا وحرف التشبيه
(قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) المبالغ فيه إضاءة الزيت كإضاءة المصباح من غير نار، ولا شك أن إضاءة الزيت إضاءة كإضاءة المصباح بلا نار محال عقلا وعادة، فلو قيل فى غير القرآن هذا الزيت يضىء كإضاءة المصباح بلا نار لرد، وحيث قيل يكاد يضىء أفاد أن المحال لم يقع ولكن قرب من الوقوع مبالغة، لأن المعنى يقرب زيتها من الإضاءة والحال أنه لم تمسسه نار، ومعنى قرب المحال من الوقوع توهم وجود أسباب الوقوع، وقرب المحال من الوقوع، قريب من الصحة، إذ قد تكثر أسباب الوهم المتخيل بها وقوعه ولو كان لا يقع، قيل: إن المصنف لما مثل بالآية كان ينبغى له أن يقول: منها ما أدخل عليه ما يخرجه عن الامتناع بدل قوله ما يقربه إلى الصحة تأدبا؛ إذ صحة كلام الله مزيد عليها فكيف يقال فيه ما يقربه إلى الصحة ثم إن ما ذكر من كون إضاءة الزيت كإضاءة المصباح بلا نار محالا عقلا غير ظاهر، لصحة اتصاف كل جسم بما اتصف به الآخر
(1) النور: 35.
ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل كقوله (1) عقدت سنابكها) أى حوافر الجياد (عليها) يعنى فوق رءوسها (عثيرا) بكسر العين أى غبارا
…
===
ولصلاحية قدرة المولى لذلك، اللهم إلا أن يراد بالاستحالة العقلية الاستحالة فى عقول العامة تأمل.
(قوله: ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل) أى: ومن أصناف الغلو المقبولة الصنف الذى تضمن نوعا حسنا من تخييل الصحة وتوهمها، لكون ما اشتمل على الغلو يسبق إلى الوهم إمكانه لشهود شىء يغالط الوهم فيه فيتبادر صحته، كما يذاق من المثال، وقيد المصنف بقوله حسنا إشارة إلى أن تخييل الصحة لا يكفى وحده، إذ لا يخلو عنه محال حتى إخافة النطف فيما تقدم، وإنما المعتبر ما يحسن لصحة مغالطة الوهم فيه، بخلاف ما يبدو انتفاؤه للوهم بأدنى التفات كما فى إخافة النطف، فليس التخييل فيه على تقدير وجوده فيه حسنا فلا يقبل لعدم حسنه، أ. هـ. يعقوبى.
(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو أبو الطيب المتنبى
(قوله: سنابكها) جمع سنبك وهو طرف مقدم الحافر، فقول الشارح أى حوافر الجياد أى أطراف مقدم حوافر الخيل الجياد
(قوله: عثيرا) مفعول عقدت (وقوله بكسر العين) أى وسكون الثاء المثلثة وفتح الياء المثناة من تحت وتمام البيت كما يأتى.
…
... لو تبتغى عنقا عليه لأمكنا
أى لو تريد تلك الجياد سيرا مسرعا على ذلك العثير لأمكن ذلك العنق أى السير، ادعى أن الغبار المرتفع من سنابك الخيل قد اجتمع فوق رءوسها متراكما متكاثفا، بحيث صار أرضا يمكن أن تسير عليه الجياد، وهذا ممتنع عقلا وعادة لكنه يخيل للوهم تخييلا حسنا من ادعاء كثرته وكونه كالأرض التى فى الهواء صحته فلا يحيله حتى يلتفت إلى القواعد فصار مقبولا، ولقائل أن يقول إن الاستحالة هنا إنما هى عادية لإمكان مشى الخيل وعنقها فى الهواء والريح، فضلا عما إذا وجد جسم آخر معه كالغبار، وأجيب بما تقدم من أن المراد بالاستحالة العقلية الاستحالة ولو فى عقول العامة فتأمل.
(1) البيت للمتنبى فى ديوانه 1/ 197 والإشارات والسنابك: حوافر الخيل.
ومن لطائف العلامة فى شرح المفتاح: العثير الغبار ولا تفتح فيه العين وألطف من ذلك ما سمعت أن بعض البغالين كان يسوق بغلته فى سوق بغداد وكان بعض عدول دار القضاء حاضرا فضرطت البغلة فقال البغال على ما هو دأبهم بلحية العدل بكسر العين يعنى أحد شقى الوقر فقال بعض الظرفاء على الفور افتح العين فإن المولى حاضر ومن هذا القبيل ما وقع لى فى قصيدة:
===
(قوله: ومن لطائف العلامة) أى الشيرازى لما فى ذلك من التورية لأن قوله ولا تفتح فيه العين له معنيان قريب وهو النهى عن فتح العين الجارحة فى الغبار لئلا يؤذيها بدخوله فيها وليس هذا مرادا، وبعيد وهو النهى عن فتح العين فى هذا اللفظ أى لفظ عثير، لئلا يلزم تحريف اللفظ عن وضعه وهو المراد؛ لأن قصده ضبط الكلمة، ويحتمل أن المراد لما فى ذلك من التوجيه وهو احتمال الكلام لمعنيين ليس أحدهما أقرب من الآخر بناء على استواء المعنيين هنا
(قوله: وألطف من ذلك) أى: مما ذكره العلامة
(قوله: البغالين) أى: الذين يسوقون البغال
(قوله: فضرطت البغلة) أى أخرجت ريحا من جوفها بصوت.
(قوله: فقال البغال) أى: على عادة أمثاله عند فعل البغلة ذلك.
(قوله: بلحية العدل) أى: ما فعلت يقع فى لحية العدل لا فى وجه السائق، وفيه تشبيه العدل برجل ذى لحية على طريق المكنية
(قوله: يعنى) أى بلحية العدل
(قوله: الوقر) أى الحمل بكسر أولهما
(قوله: الظرفاء) أى الحذاق
(قوله: افتح العين فإن المولى حاضر) هذا الكلام يحتمل معنيين فيحتمل افتح عينك ترى المولى أى من هو أولى وأحق أن يقع ذلك فى لحيته وهو الشاهد حاضرا، ويحتمل افتح عين لفظ العدل لتصيب الضرطة مسمى هذا اللفظ فإنه حاضر، فإن كان المعنى المراد منهما خفيا كان تورية، وإن كان المعنيان ليس أحدهما خفيا عن الآخر كان توجيها، وهو أقرب هنا لصلاحية كل من المعنيين، فهذه الحكاية محتملة للتورية والتوجيه، كما أن ما ذكره العلامة كذلك إلا أن هذه الحكاية ألطف مما ذكره العلامة لما فيها من التفطن الغريب والهجو بوجه لطيف.
(قوله: ومن هذا القبيل) أى: احتمال التورية والتوجيه فى مادة فتح العين
(قوله: ما وقع لى فى قصيدة) أى: فى مدح ملك وهو السلطان أبو الحسين محمد كرت،
علا فأصبح يدعوه الورى ملكا
…
وريثما فتحوا عينا غدا ملكا
ومما يناسب هذا المقام أن بعض أصحابى ممن الغالب على لهجتهم إمالة الحركات نحو الفتحة أتانى بكتاب فقلت لمن هو فقال لمولانا عمر بفتح العين فضحك الحاضرون فنظر إلى كالمتعرف عن سبب ضحكهم المسترشد لطريق الصواب فرمزت إليه بغض الجفن
…
===
وقد ذكر منها فى أول المطول سبعة أبيات
(قوله: علا)(1) أى: ارتفع (وقوله: يدعوه الورى) أى الخلق (وقوله: ملكا) أى سلطانا. (قوله وريثما فتحوا عينا غدا ملكا) أى:
فقوله فتحوا عينا يحتمل فتحوا عين لفظ ملك أى وسطه فغدا بسبب الفتح ملكا فيكون معناه كذلك، ويحتمل أن يراد فتحوا أعينهم فيه ونظروه فوجدوه قد تبدل وصار ملكا، فيتجه فيه التوجيه أو التورية على ما تقدم، والريث مصدر راث إذا أبطأ يستعمل كثيرا بمعنى الزمان لإشعار البطء بالزمان، ويضاف للجمل نائبا عن الزمان فيقال اجلس ريث أنا أكلمك بكلمتين أى: اجلس زمانا مقداره ما أكلمك فيه كلمتين، والتقدير هنا أنه غدا ملكا فى الزمان الذى مقداره ما يفتحون فيه العين، كذا قال اليعقوبى وهو راجع لقول بعضهم أن ريثما بمعنى حيثما.
(قوله: ومما يناسب هذا المقام) أى: من جهة أن ضم العين فيه إشارة لمعنى خفى وإن كانت الإشارة بغير اللفظ، وليس فيه تورية ولا توجيه ولذا قال ومما يناسب ولم يقل ومنه
(قوله: على لهجتهم) أى: لغتهم وكلامهم أى: من قوم الغالب عليهم أنهم يميلون فى لهجتهم وكلامهم بالضم نحو الفتح
(قوله: فقلت لمن هو) أى ممن هو
(قوله: فقال) أى: ذلك الآتى بالكتاب لمولانا عمر بفتح العين وهو يعنى عمر بضمها
(قوله: فنظر إلى) أى: فنظر ذلك القائل إلى وقوله كالمتعرف أى: الطالب لمعرفة سبب ضحكهم لأنه خفى عليه،
(قوله: المسترشد لطريق الصواب) أى: الطالب لطريق الصواب الذى ينفى عنه سبب ضحكهم، ومعلوم أن نفى السبب بعد إدراكه فأشار له الشارح بضم عينه حسا، ففهم ذلك القائل أن سبب ضحكهم فتحه لعين عمر وأنه
(1) هو للمتنبى فى الإشارات ص 279، وفى التبيان للعكبرى 2/ 456.
وضم العين فتفطن للمقصود واستظرف ذلك الحاضرون (لو تبتغى) أى تلك الجياد (عنقا) هو نوع من السير (عليه) أى على ذلك العثير (لأمكنا) أى العنق ادعى تراكم الغبار المرتفع من سنابك الخيل فوق رؤوسها بحيث صار أرضا يمكن سيرها عليه وهذا ممتنع عقلا وعادة لكنه تخييل حسن (وقد اجتمعا) أى إدخال ما يقربه إلى الصحة وتضمن التخييل الحسن (فى قوله:
يخيّل لى أن سمّر الشّهب فى الدّجى
…
وشدّت بأهدا بى إليهنّ أجفاني (1)
===
ينبغى له ضم عينه
(قوله: وضم العين) تفسير لما قبله
(قوله: فتفطن للمقصود) أى: وهو ضم عين عمر
(قوله: واستظرف ذلك الحاضرون) أى: اعترفوا بطرافة المشير أى: حذقه وفهم المشار إليه.
(قوله: هو نوع من السير) أى: وهو السير السريع
(قوله: هذا) أى: مشى الخيل على الغبار
(قوله: لكنه تخييل حسن) أى: نشأ من ادعاء كثرته وكونه كالأرض التى فى الهواء.
(قوله: وقد اجتمعا) أى: السببان الموجبان للقبول، وهما إدخال ما يقرب للصحة، وتضمن النوع الحسن من التخييل، وإذا اجتمع السببان المذكوران فى الغلو ازداد قبوله
(قوله: ما يقربه إلى الصحة) أى: كلفظ يخيل
(قوله: فى قوله) أى: الشاعر وهو القاضى الأرجانى بفتح الراء مشددة بعد همزة مفتوحة نسبة لأرجان بلدة من بلاد فارس
(قوله: يخيل لى) أى: يوقع فى خيالى وفى وهمى، من طول الليل وكثرة سهرى فيه أن الشهب وهى النجوم سمرت أى أحكمت بالمسامير فى الدجى أى ظلمة الليل
(قوله: وشدت) أى: ويخيل لى مع ذلك أن شدت أى: ربطت أجفانى بأهدابى حال كونها مائلة إليهن أى: إلى الشهب، أى ويخيل لى أن أجفانى مربوطة فى الشهب بأهدابى، ادعى الشاعر أن طول الليل وصل لحالة هى أن الشهب أحكمت بالمسامير فى دياجيه، وأن كثرة سهره فيه وصلت لحالة هى أن أجفانه صارت مشدودة بأهدابه فى الشهب، ومن المعلوم أن إحكام الشهب بالمسامير فى الدجى وشد أجفانه بأهداب عينه محال، لكن
(1) هو للقاضى الأرجاني، أورده الجرجانى فى الإشارات ص 280.
أى يوقع فى خيالى أن الشهب محكمة بالمسامير لا تزول عن كأنها وأن أجفان عينى قد شدت بأهدابها إلى الشهب لطول ذلك الليل وغاية سهرى فيه وهذا تخييل حسن ولفظ يخيل يزيده حسنا (ومنها ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة
…
===
قد تضمن ذلك الغلو تخييلا حسنا، إذ يسبق إلى الوهم صحته من جهة أن هذا المحسوس تقع المغالطة فيه، وذلك أن النجوم لما بدت من جانب الظلمة ولم يظهر غيرها صارت النجوم كالدر المرصع به بساط أسود، فيسبق إلى الوهم من تخييل المشابهة قبل الالتفات إلى دليل استحالة شد النجوم بالمسامع فى الظلمة صحة ذلك، ولما ادعى أنه ملازم للسهر وأنه لا يفتر عن رؤية النجوم فى الظلمة فصارت عينه كأنها لا تطرف، نزلت أهدابه مع الأجفان بمنزله حبل مع شىء شد به بجامع التعلق وعدم التزلزل، فيسبق إلى الوهم من تخييل المشابهة بما ذكر صحة ذلك أيضا، ولما تضمن الغلو الموجود فى البيت هذا التخييل الذى قرب المحال من الصحة، كان ذلك الغلو مقبولا وزاد ذلك قبولا تصريحه بأن ذلك على وجه التخييل لا على سبيل الحقيقة، وتخييل المحال واقعا بمنزلة قربه من الصحة، لكون ذلك فى الغالب ناشئا عن تخييل الأسباب والحاصل أن التخييل موجود فى نفسه ولفظ يخيل لى يقرب من الصحة، فقد اجتمع فى الغلو فى هذا البيت السببان الموجبان لقبوله
(قوله: محكمة بالمسامير) أى: فى ظلم الليل وهذا محال؛ لأن الظلمة عرض والنجوم أجرام، لكن المتكلم لما رأى: أجراما بيضا كالجواهر مسمرة فى جرم أسود كبساط تخيل الوهم أن النجوم فى الظلمة كذلك قبل الالتفات إلى استحالة ذلك
(قوله: قد شدت بأهدابها إلخ) أى: وشد الأجفان بأهدابها فى النجوم مستحيل، لكن لما رأى المتكلم أجراما معلقة بأحبال فى أجرام تخيل الوهم أن الأجفان مع الأهداب كذلك
(قوله: حسن) أى: يدرك حسنه الذوق.
(قوله: ومنها) أى: من أصناف الغلو المقبول
(قوله: ما أخرج مخرج الهزل) أى:
الصنف الذى أخرج على سبيل الهزل وهو الكلام الذى لا يراد به إلا المطايبة والضحك وليس فيه غرض صحيح، وأما الخلاعة فهى عدم المبالاة بما يقول القائل لعدم المانع الذى