الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[السرقة والأخذ نوعان]:
[الأول: ظاهر]:
(فالأخذ والسرقة) أى ما يسمى بها بهذين الاسمين (نوعان ظاهر وغير ظاهر.
أما الظاهر فهو أن يؤخذ المعنى كله إما) حال كونه (مع اللفظ كله أو بعضه أو حال كونه (وحده) من غير أخذ شىء من اللفظ (فإن أخذ اللفظ كله من غير تغيير لنظمه) أى لكيفية الترتيب والتأليف
…
===
فإنه مبتذل، ولكنه تصرف فيه بإسنادها إلى الأباطح وإدخال الأعناق فيه، فخرج بذلك عن الابتذال.
[السرقة والأخذ نوعان]:
(قوله: فالأخذ والسرقة إلخ) الفاء فاء الفصحة أى: وإذا تقرر هذا فالأخذ إلخ، وحاصله أنه لما ذكر أن القائلين إذا اتفقا فى وجه الدلالة على الغرض وكان ذلك الوجه لا يعرفه كل الناس إما لغرابته فى ذاته أو بسبب التصرف فيه جاز أن يدعى أن أحدهما أخذ ذلك الوجه من الآخر وسرقه منه شرع فى بيان أقسام الأخذ والسرقة بقوله:
فالأخذ والسرقة إلخ
(قوله: أى ما يسمى بهذين الاسمين) أشار بهذا إلى أنهما اسمان مترادفان مدلولهما واحد لا أنهما متغايران
(قوله: ظاهر) أى: بأن يكون لو عرض الكلامان على أى عقل حكم بأن أحدهما أصله الآخر بشرطه المتقدم وهو كون وجه الدلالة لا يعرفه كل الناس
(قوله: وغير ظاهر) أى: بأن يكون بين الكلامين تغيير يحوج العقل فى حكمه بأن أحدهما أصله الآخر إلى تأمل.
[النوع الأول: ظاهر]:
(قوله: أما الظاهر) أى: أما الأخذ الظاهر
(قوله: فهو أن يؤخذ المعنى كله) أى:
مع ظهور أن أحدهما من الآخر، وإنما زدنا ذلك القيد؛ لأن غير الظاهر منه أخذ المعنى أيضا، لكن مع خفاء والذوق السليم يميز ذلك
(قوله: أو حال كونه وحده) أشار الشارح بتقدير ذلك إلى أن قوله: أو وحده عطف على قوله: إما مع اللفظ أى: يؤخذ المعنى وحده من غير أخذ اللفظ كله أو بعضه فعلم حينئذ أن الأخذ الظاهر ضربان
الواقع بين المفردات (فهو مذموم؛ لأنه سرقة محضة ويسمى نسخا وانتحالا كما حكى عبد الله بن الزّبير أنه فعل ذلك بقول معن بن أوس (1): إذا أنت لم تنصف أخاك) أى لم تعطه النّصفة ولم توفه حقوقه (وجدته
…
===
أحدهما: أن يؤخذ المعنى مع اللفظ كله أو بعضه، والثانى: أن يؤخذ المعنى وحده، وهذا الثانى يلزمه تغيير النظم بأن يبدل جميع الكلام بتركيب آخر، ولا يدخل فى هذا تبديل الكلمات المرادفة بما يرادفها مع بقاء النظم؛ لأن هذا فى حكم أخذ اللفظ كله، والضرب الأول: قسمان؛ لأن المأخوذ مع المعنى إما كل اللفظ، وإما بعضه، وفى كلّ منهما إما أن يحصل تغيير فى النظم أو لا يحصل تغيير فيه فأقسام الأخذ الظاهر خمسة، وقد ذكر المصنف هذه الأقسام الخمسة بقوله: فإن أخذ إلخ
(قوله: الواقع بين المفردات) أى: مفردات اللفظ المأخوذ والمأخوذ منه وذلك بأن يكون اللفظ المأخوذ والمأخوذ منه متحدين تأليفا متعددين شخصا باعتبار اللافظين
(قوله: لأنه سرقة محضة) أى: غير مشوبة بشىء آخر ليس للمسروق منه، ومعلوم أن السرقة المحضة أشد فى الحرمة من السرقة المشوبة بشىء من غير مال المسروق منه
(قوله: ويسمى) أى: هذا الأخذ المذموم نسخا أى: لأن القائل الثانى نسخ كلام غيره أى: نقله ونسبه لنفسه من قولهم: نسخت الكتاب أى: نقلت ما فيه إلى كتاب آخر
(قوله: وانتحالا) الانتحال فى اللغة: ادعاء شىء لنفسك أى: أن تدعى أن ما لغيرك لك، يقال: انتحل فلان شعر غيره إذا ادعاه لنفسه
(قوله: كما حكى) أى: كالأخذ الذى حكى
(قوله: عن عبد الله بن الزّبير) بفتح الزاى وكسر الباء الموحدة شاعر مشهور وهو غير عبد الله بن الزّبير بن العّوام الصحابى، فإنه بضم الزاى وفتح الباء، والأول قدم على الثانى يستعطيه، فلما حرمه من العطاء قال: لعن الله ناقة حملتنى إليك فقال له الثانى:
إن وراكبها
(قوله: أنه فعل ذلك) أى: النسخ والانتحال وهو نائب فاعل حكى، أو أنه بدل اشتمال من عبد الله أى: فى فعل ذلك بقول معن- تأمل.
(قوله: معن) بضم الميم وفتح العين وهو غير معن بن زائدة، فإنه بفتح الميم وسكون العين
(قوله: أخاك) أى: صاحبك
(قوله: أى لم تعطه النّصفة) بفتح النون والصاد:
(1) البيت لمعن بن أوس المزني، وعبد الله بن الزّبير- بفتح الزاى وكسر الباء- شاعر غير عبد الله بن الزّبير- بضم الزاى وفتح الباء- الصحابى المشهور.
على طرف الهجران) أى هاجرا لك مبتدلا بك وبأخوتك (إن كان يعقل ويركب حد السيف) أى يتحمل شدائد تؤثر فيه تأثير السيوف وتقطعه تقطيعا (من أن تضيمه) أى بدلا من أن تظلمه (إذا لم يكن عن شفرة السيف) أى عن ركوب حد السيف وتحمل المشاق (مزحل) أى مبعد فقد حكى أن عبد الله بن الزبير ..
===
اسم مصدر بمعنى الإنصاف الذى هو العدل وتوفية الحق (فقوله: ولم توفه حقوقه) عطف تفسير على ما قبله ومعنى إعطاء النصفة أى: العدل إيقاعه
(قوله: على طرف الهجران) أى: على الطرف الذى هو الهجران بكسر الهاء، فالإضافة فيه بيانية وكون الهجران طرفا باعتبار توهم أن المواصلة مكان متوسط بين المتواصلين، وأن الهجر طرف لذلك المكان خارج، ويحتمل أن تكون الإضافة على أصلها بأن يجعل للهجر طرفان، والذى عليه المظلوم هو الأبعد منهما
(قوله: إن كان يعقل) أى: وجدته هاجرا لك رافضا لصحبتك إن كان له عقل يطلب به معالى الأمور؛ لأنه لا خير فى صحبة من لا يرى لك ما ترى له فكيف بصحبة من يظلمك ولا ينصفك؟ وأما من لا عقل له فيرضى بأدنى الأمور بدلا عن أعلاها فلا يقام له وزن فى المعاملات ولا يلتفت إليه فى التخصيص بالمكرمات
(قوله: ويركب) أى: ذلك الأخ الذى لم تنصفه
(قوله: حد السيف) أى:
طرفه القاطع
(قوله: أى يتحمل إلخ) أشار بهذا إلى أنه لم يرد بركوبه حد السيف المعن الحقيقى، بل المراد تحمل ما ذكر فكأنه قال: ويركب ما هو بمنزلة القتل بالسيف
(قوله: من أن تضيمه) بفتح التاء والضيم: الظلم والذل، وأشار الشارح بقوله: بدلا إلى أن من للبدل ويصح جعلها للتعليل أى: من أجل ضيمك أى: ظلمك وذلك له بعدم إنصافك
(قوله: عن شفرة السيف) بفتح الشين المعجمة أى: حده القاطع، وفى الكلام حذف مضاف أى: إذا لم يكن عن ركوب حد السيف، وأراد بحد السيف هنا الأمور الشاقّة التى هى بمنزلة القتل مثل: ما مر (وقوله: مزحل) بفتح الميم والحاء المهملة وبينهما زاى معجمة أى: بعد وانفصال، والمعنى ويركب الأمور الشاقة التى تؤثر فيه تأثير السيف مخافة أن يلحقه الضيم والعار متى لم يجد عن ركوبها بعدا
(قوله: فقد حكى إلخ)
دخل على معاوية فأنشده هذيين البيتين فقال له معاوية: لقد شعرت بعدى يا أبا بكر ولم يفارق عبد الله المجلس حتى دخل معن بن أوس المزنى فأنشد قصيدته التى أولها:
لعمرك ما أدرى وإنّى لأوجل
…
على أيّنا تعدو المنيّة أوّل
حتى أتمها وفيها هذان البيتان فأقبل معاوية على عبد الله بن الزبير وقال:
ألم تخبرنى أنهما لك؟ فقال: اللفظ له والمعنى لى وبعد فهو أخى من الرضاعة وأنا أحق بشعره.
(وفى معناه) أى فى معنى ما لم يغير فيه النظم
…
===
الفاء للتعليل أى: وإنما قلنا إن ابن الزبير فعل ذلك بقول معن السابق؛ لأنه قد حكى إلخ
(قوله: دخل على معاوية) أى: وكان معاوية حاقدا عليه وعنده غيظ منه
(قوله: لقد شعرت بعدى) بضم العين أى: لقد صرت شاعرا بعد علمى بأنك غير شاعر، أو بعد مفارقتى إياك فأنت قبل أن أفارقك لم تقل شعرا وقد صرت بعد مفارقتى شاعرا
(قوله: يا أبا بكر) كنية لعبد الله بن الزبير
(قوله: فأنشد قصيدته) أنشد يتعدى لمفعولين، يقال:
أنشدنى شعرا فمفعوله الأول هنا محذوف أى: فأنشده قصيدته
(قوله: لأوجل) من الوجل وهو الخوف وموضع على أيّنا نصب؛ لأنه مفعول أدرى (وقوله: وإنى لأوجل) اعتراض، وتغدو بالغين المعجمة بمعنى تصبح وذكر بعضهم أنه بالعين المهملة من العدو والمنية الموت، وأول مبنى على الضم لقطعه عن الإضافة ونية معناها كما فى قبل وبعد أى: أول كل شىء، وحاصل المعنى: ما أدرى من الذى تغدو عليه المنية منا قبل الآخر وإنى لأخاف ما يقع من ذلك
(قوله: حتى أتمها) أى: واستمر على إنشاد القصيدة حتى أتمها
(قوله: فأقبل معاوية إلخ) أى: التفت إليه؛ لأنه معه فى المجلس
(قوله: أنهما) أى البيتين (وقوله: ألم تخبرنى أنهما لك) يقتضى أن عبد الله بن الزبير أخبر معاوية بذلك وهذا الاستفهام إنكارى
(قوله: وبعد فهو أخى إلخ) هذا اعتذار من ابن الزبير فى سرقته البيتين ونسبتهما لنفسه يستظرفه الحاضرون (وقوله: وأنا أحق بشعره) أى: لكمال اتحاده به ولا يخفى برودة هذا الاعتذار خصوصا وهو غير أخ له من النسب
(قوله: وفى معناه)
(أن يبدل بالكلمات كلها أو بعضها ما يرادفها) يعنى أنه أيضا مذموم وسرقة محضة كما يقال فى قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
…
واقعد فإنّك أنت الطّاعم الكاسي (1)
ذر المآثر لا تذهب لمطلبها
…
واجلس فإنّك أنت الآكل اللابس (2)
وكما قال امرؤ القيس:
وقوفا بها صحبى على مطيّهم
…
يقولون لا تهلك أسى وتجمّل (3)
===
أى: ومن قبيله فى كونه مذموما وسرقة محضة أن يبدل إلخ؛ لأن المرادف ينزل منزلة رديفه فلازم أحدهما من القبح لازم للآخر، قال فى الأطول: وحمل ذمه إذا لم يفد التبديل للكلام حسن سجع أو موازنة أو زيادة فصاحة أو سلامة للشعر، فإن أفاد ذلك ترجح على الأصل وزاد عليه قبولا
(قوله: أن يبدل بالكلمات كلها) أى: كما فى بيت الحطيئة فإنه بدلت كلماته كلها (وقوله: أو بعضها) أى: كما فى بيت امرئ القيس، فإنه قد بدلت بعض كلماته
(قوله: دع المكارم) البيت مقول قول الحطيئة (وقوله: ذر المآثر إلخ) مقول ليقال، (وقوله: دع المكارم) أى: دع طلبها، والمكارم: جمع مكرمة بمعنى الكرامة، والبغية: بكسر الباء وضمها كما ذكره فى المختار بمعنى الحاجة والطلب، (وقوله: الطاعم الكاسى) أى: الآكل المكسو والمعنى لست أهلا للمكارم والمعالى فدعها لغيرك واقنع بالمعيشة، وهى مطلق الأكل والستر باللباس، فإنك تناله بلا طلب يشق كطلب المعالى
(قوله: لمطلبها) أى: لطلبها فقد بدل كل لفظ من البيت الأول بمرادفه، فذر: مرادف لدع، والمآثر: مرادف للمكارم ولا تذهب مرادف لقوله لا ترحل، وقوله لمطلبها: مرادف لبغيتها، واجلس: مرادف لاقعد، والآكل: مرادف للطاعم، واللابس:
مرادف للكاسى، وأما قوله: فإنك أنت فمذكور فى البيتين باللفظ، وإنما كان هذا من إبدال الكل؛ لأن فإنك من الأمور العامة فالمراد ما عداه
(قوله: وقوفا) جمع واقف كشاهد
(1) البيت للحطيئة، وانظر ديوانه ص 108، وعلم البديع وفن الفصاحة للطيبى 2/ 478 بتحقيقي.
(2)
لم يعرف قائله.
(3)
البيت لامرئ القيس فى معلقته، وانظر ديوانه ص 111.
فأورده طرفة فى داليته إلا أنه أقام تجلد مقام تجمل.
===
وشهود من الوقف بمعنى الحبس لا من الوقوف بمعنى اللبث؛ لأنه لازم والمذكور فى البيت متعد، مفعوله: مطيهم، وصحبى: فاعله، وانتصابه على الحال من فاعل نبك، وعلى بمعنى: لأجل أى: قفا نبك فى حال وقوف أصحابى مراكبهم لأجلى قائلين لا تهلك أسى أى: من فرط الحزن وشدة الجزع وتجمل أى: اصبر صبرا جميلا أى: وادفع عنك الأسى بالتجمل أى: الصبر الجميل
(قوله: لا تهلك) هو بكسر اللام، وماضيه هلك بفتحها، قال تعالى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ (1)
(قوله: فأورده طرفة) هو بفتح الطاء والراء المهملتين
(قوله: إلا أنه أقام تجلد مقام تجمل) فقد أبدل بعض الكلمات بما يرادفه، ونظير هذا قول العباس بن عبد المطلب:
وما النّاس بالنّاس الذين عهدتهم
…
ولا الدار بالدار التى كنت تعلم (2)
فقد أورده الفرزدق فى شعره إلا أنه أبدل تعلم بتعرف.
(تنبيه) يجرى مجرى تبديل الكل، أو البعض المرادف فى القبح تبديل الكل، أو البعض بالضد مع رعاية النظم والترتيب وذلك لقرب تناول الضد كما لو قيل فى قول حسان بن ثابت- رضى الله عنه- فى مدح آل البيت:
بيض الوجوه كريمة أحسابهم
…
شمّ الأنوف من الطّراز الأوّل
سود الوجوه لئيمة أحسابهم
…
فطس الأنوف من الطّراز الآخر (3)
وشم بضم الشين جمع: أشم من الشمم وهو: ارتفاع قصبة الأنف مع استواء فى أعلاه وهو صفة مدح عند العرب، والطراز العلم، والمراد هنا المجد أى: أنهم من النمط الأول فى المجد والشرف.
(1) الأنفال: 42.
(2)
للعباس بن عبد المطلب فى شرح المرشدى على عقود الجمان 2/ 178، وفى الإيضاح ص 350.
(3)
شرح المرشدى على عقود الجمان لحسان بن ثابت- رضى الله عنه-.
(وإن كان) أخذ اللفظ كله (مع تغيير لنظمه) أى نظم اللفظ (أو أخذ بعض اللفظ) لا كله (سمّى) هذا الأخذ (إغارة ومسخا) ولا يخلو إما أن يكون الثانى أبلغ من الأول أو دونه أو مثله (فإن كان الثانى أبلغ) من الأول (لاختصاصه بفضيلة) لا توجد فى الأول كحسن السبك أو الاختصار أو الإيضاح أو زيادة معنى (فممدوح) أى فالثانى مقبول (كقول بشار
…
===
(قوله: أخذ) يحتمل أنه مصدر وهو اسم كان ومع تغيير خبرها، وعليه فقوله:
أو أخذ بعض اللفظ عطف على كان، ويحتمل أنه فعل وهو خبر كان واسمها ضمير الشأن
(قوله: مع تغيير لنظمه) محترز قوله السابق: من غير تغيير لنظمه (وقوله: أو أخذ بعض اللفظ) محترز قوله: كله فهو على اللف والنشر المشوش
(قوله: أو أخذ بعض اللفظ) أى: سواء كان فيه تغيير للنظم أو لا
(قوله: إغارة) أى: لأنه أغار على ما هو للغير فغيره عن وجهه، والمراد بتغيير النظم تغيير التأليف والترتيب الواقع بين المفردات
(قوله: ومسخا) لأنه بدل صورة ما للغير بصورة أخرى، والغالب كونها أقبح، والمسخ فى الأصل تبديل صورة بما هو أقبح منها
(قوله: إما أن يكون الثانى) أى: الكلام الثانى الذى هو متعلق الأخذ
(قوله: أبلغ من الأول) أى: من الكلام الأول المأخوذ منه، والمراد بالبلاغة هنا ما يحصل به الحسن مطلقا لا خصوص البلاغة المعلومة بدليل الأمثلة.
(قوله: كحسن السبك) المراد به الخلو عن التعقيد اللفظى والمعنوى
(قوله: أو الاختصار) أى: حيث يناسب المقام
(قوله: مقبول) أى: فإغارة ومسخ مقبول؛ لأن تلك الزيادة أخرجته إلى طرف من الابتداع
(قوله: كقول بشار)(1) قبله:
قالوا حرام تلاقينا فقلت لهم
…
ما فى التّلاقى ولا فى غيره حرج
وبعده البيت، وبعده:
أشكو إلى الله همّا لا يفارقنى
…
وشرعا فى فؤادى الدّهر تعتلج
(1) لبشار بن برد والثانى منهما فى شرح المرشدى على عقود الجمان (2/ 178) والإيضاح ص 350.
من راقب الناس) أى حاذرهم (لم يظفر بحاجته، وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج) أى الشجاع القتال الحريص على القتل (وقول سلم)(1) بعده (من راقب الناس مات غمّا) أى حزنا وهو مفعول له أو تمييز (وفاز باللّذّة الجسور)
…
===
(قوله: من راقب الناس) أى: من خاف منهم وترقب عقابهم كما قيل، أو من راعاهم ومشى على مزاجهم فيما يكرهون فيتركه وفيما يبتغون فيقدم عليه
(قوله: لم يظفر بحاجته) لأنه ربما كرهها الناس فيتركها لأجلهم فتفوت مع شدة شوقه إليها
(قوله: وفاز بالطيبات) أى: ومن لم يراقبهم ولم يبال بهم فاز بالظفر بالطيبات الحسية كالظفر بالمعشوق والمعنوية كشفاء غيظ النفوس بالأخذ بالثأر مثلا، وهذا الذى لا يراقب الناس هو الفاتك أى: الشجاع الذى عنده الجراءة على الإقدام على الأمور قتلا أو غيره من غير مبالاة بأحد
(قوله: اللهج) أى: الملازم لمطلوبه الحريص عليه من غير مبالاة قتلا كان أو غيره فقول الشارح: أى الشجاع تفسير للفاتك، (وقوله: الحريص على القتل) أى: له ولوع به تفسير للهج
(قوله: وقول سلم) بفتح السين وسكون اللام الملقب بالخاسر لخسرانه فى تجارته؛ لأنه باع مصحفا ورثه فاشترى بثمنه عودا يضرب به كما فى الأساس أو اشترى بثمنه ديوان شعر كما فى الأطول
(قوله: من راقب الناس) أى: من خاف وترقب عقابهم أو من راعاهم ومشى على مزاجهم وقبل هذا البيت:
أهدى لى الشوق وهو حلو
…
أغنّ فى طرفه فتور
(قوله: مات غمّا) أى: لم يصل لمراده فيبقى مغموما من فوات المراد ويشتد عليه الغم كشدة الموت، فقد دل على فوات الحاجة بموت الغم الذى هو أخص منه
(قوله: أو تمييز) أى: مات بغمه فيكون من الإسناد للسبب، قال فى الأطول: ومع صحة حمل الكلام على الحقيقة فى المفعول لا يصار إلى المجاز الذى فى التمييز
(قوله: وفاز إلخ) الشاهد فيه مع قوله: من راقب الناس حيث أخذ بعض اللفظ من غير تغيير
(1) سلم بفتح السين وسكون اللام الملقب بالخاسر لخسرانه فى تجارته.
وهو لسلم الخاسر فى الأغانى 3/ 196، 7/ 72 وشرح عقود الجمان 2/ 178، والإشارات ص 309.
أى الشديد الجراءة فبيت سلم أجود سبكا وأخصر لفظا.
(وإن كان) الثانى (دونه) أى دون الأول فى البلاغة لفوات فضيلة توجد فى الأول (فهو) أى الثانى (مذموم كقول أبى تمام) فى مرئية محمد بن حميد:
(هيهات لا يأتى الزمان بمثله
…
إنّ الزّمان بمثله لبخيل) (1)
===
(قوله: أى الشديد الجراءة) أى: فهو بمعنى الفاتك اللهج وهو أصرح فى المعنى وأخصر
(قوله: فبيت سلم إلخ) الحاصل أن المعنى فى البيتين واحد وهو أن من لا يراقب الناس يفوز بالمرغوب فيه ومن راقبهم فاته مطلوبه، لكن بيت سلم أجود سبكا لدلالته على المعنى من غير تأمل لوضوحه وأخصر لفظا؛ لأن لفظ الجسور قائم مقام لفظى الفاتك اللهج- كذا فى ابن يعقوب، وقرر بعضهم أنه إنما كان أجود سبكا؛ لأنه رتب فيه الموت على مراقبة الناس، وأما بيت بشار فقد رتب فيه على مراقبة الناس عدم الظفر بالحاجة، والأول أبلغ، وفى الأطول: وإنما كان بيت سلم أجود سبكا لكونه فى غاية البعد عن موجبات التعقيد من التقديم والتأخير ونحو ذلك. اهـ.
قال فى المطول: يروى عن أبى معاذ رواية بشار أنه قال: أنشدت بشارا قول سلم فقال: ذهب والله بيتى فهو أخف منه وأعذب، والله لا أكلت اليوم، ولا شربت. اهـ.
فلعل مراد الشارح بجودة سبكه خفة ألفاظه وعذوبتها، وتأمل ذلك.
(قوله: وإن كان الثانى) أى: وإن كان الكلام الثانى وهو المأخوذ دون الكلام الأول وهو المأخوذ منه (وقوله: فى البلاغة) أى: فى الحسن وليس المراد بها مطابقة الكلام إلخ لوجودها فى كل منهما
(قوله: مذموم) أى: لأنه لم يصحبه شىء يشبه أن يكون به مبتدع الحسن، بل هو نفس الأول مع رذيلة إسقاط ما فى الأول من الحسن
(قوله: كقول أبى تمام) هو الأصل وهو من بحر الكامل
(قوله: فى مرثية محمد بن حميد) بزنة رويد أى:
حين استشهد فى بعض غزواته، والمرثية بتخفيف الياء، وقد تشدد كما قيل القصيدة التى يذكر فيها الرثاء أى: محاسن الميت
(قوله: هيهات لا يأتى إلخ) هيهات اسم
(1) البيت لأبى تمام يرثى محمد بن حميد، انظر ديوانه ص 226، وتلخيص علوم البلاغة للقزوينى ص 111.
وقول أبى الطيب (أعدى الزمان سخاؤه) يعنى تعلم الزمان منه السخاء وسرى سخاؤه إلى الزمان
…
===
فعل ماض معناه بعد وفاعله محذوف تقديره بعد إتيان الزمان بمثل ذلك المرئى بدليل ما بعده وهو قوله: لا يأتى الزمان بمثله أو بعد نسيانى له بدليل ما قبله وهو قوله:
أنسى أبا نصر نسيت إذا يدى
…
من حيث ينتصر الفتى وينيل (1)
وقوله: أنسى إحدى الهمزتين فيه محذوفة على نمط أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (2) والاستفهام إنكارى، وينيل من الإنالة وهى الإعطاء
(قوله: إن الزمان بمثله لبخيل) أى: إن الزمان بخيل بإيجاد مثله فى الماضى والمستقبل وهذه الجملة مستأنفة جوابا لسؤال مقدر، كأنه قيل: لماذا لا يأتى الزمان بمثله؟ هل لأنه بخيل بمثله أو لاستحالة مثله؟ فقال: إن الزمان بمثله لبخيل فالتأكيد هنا بإنّ لكون المقام مقام أن يتردد، ويسأل هل بخل الزمان بمثله أو لم يبخل؟ بل استحال ولما كان هذا معنى الكلام وهو يشعر بإمكان المثل، لكن منع من وجوده بخل الزمان أو رد على أبى تمام أن الكلام قاصر، وأن صوابه التعبير بما يفيد امتناع وجود المثل لا بما يفيد إمكانه، إلا أنه منع من الوجود عارض وهو بخل الزمان، وأجيب بأن المراد ببخل الزمان بوجود مثله امتناع وجود مثله على سبيل الكناية؛ لأن البخل بالشىء يستلزم انتفاء علّة وجوده وإذا انتفت علّة وجوده بقى امتناعه، فصار حاصل المعنى أن الزمان لا يأتى بمثله لامتناع وجود مثله فى الماضى والمستقبل، ونسبة التأثير إلى الزمان من الموحد لا تضر؛ لأن المراد بها تلبسه بالفعل وذم الزمان بالبخل ومدحه بالكرم لا يضر من الموحد أيضا؛ لأنه ينزل منزلة العاقل المكتسب وهو يذم على اكتسابه شرعا وطبعا وما نزل منزلته كهو
(قوله: وقول أبى الطيب) هو المأخوذ
(قوله: (3) أعدى الزمان سخاؤه) أى: سرى سخاؤه إلى الزمان
(1) لأبى تمام فى شرح ديوانه ص 363.
(2)
سبأ: 8.
(3)
لأبى الطيب المتنبى فى شرح ديوانه (1/ 190)، وشرح عقود الجمان 2/ 79، والإشارات ص 309.
(فسخا به) وأخرجه من العدم إلى الوجود ولولا سخاؤه الذى استفاده منه لبخل به على الدنيا واستبقاه لنفسه كذا ذكره ابن جنى، وقال ابن فورجة: هذا تأويل فاسد لأن سخاء غير موجود لا يوصف بالعدوى وإنما المراد سخا به على وكان بخيلا به على فلما أعداه سخاؤه أسعدنى بضمى إليه وهدايتى له لما أعدى سخاؤه (ولقد يكون به الزمان بخيلا)
…
===
والإعداء أن يتجاوز الشىء من صاحبه إلى غيره
(قوله: فسخا به) أى: فجاد الزمان بذلك الممدوح
(قوله: كذا ذكره ابن جنى) أى: فى شرحه لديوان أبى الطيب وعلى ما ذكره من كون المعنى أن الزمان طرأ عليه سخاء الممدوح قبل وجوده فسخا به على الدنيا يلزم عليه أن يكون سخاؤه الذى لم يوجد موصوفا بالعدوى وهذا غلو لما مر من أن المبالغة إذا كانت غير ممكنة عقلا وعادة كانت غلوا ممنوعا وهنا كذلك فهو مثل قوله:
وأخفت أهل الشّرك حتّى إنّه
…
لتخافك النّطف الّتى لم تخلق
(وقوله: وأخرجه من العدم إلخ) تفسير لقوله: فسخا به (وقوله: ولولا سخاؤه) أى: الزمان (وقوله: الذى استفاد منه) أى: من الممدوح (وقوله: لبخل) أى: الزمان (وقوله: به) أى: بالممدوح
(قوله: وقال ابن فورجة) أى: فى شرحه للديوان المذكور، وفورجة بضم الفاء وفتحها، وحاصل الخلاف بين الشيخين أن قوله: فسخا به معناه على ما قال ابن جنى: فجاد به على الدنيا بإيجاده من العدم، وعلى ما قال ابن فورجة: فجاد به علىّ وأظهره لى وجمعنى عليه، وكذا
(قوله: ولقد يكون به الزمان بخيلا) أى: على بإظهاره إلىّ وجمعى عليه أو بخيلا على الدنيا بإيجاده من العدم
(قوله: فاسد) الأولى غير مقبول لغلوه إذ ليس بفاسد إلا أن يقال: غير المقبول عند البلغاء فاسد عندهم
(قوله: لأن سخاء غير موجود) بإضافة سخاء لما بعده أى: لأن سخاء شخص غير موجود فسخاء اسم إن (وقوله: لا يوصف خبرها)(وقوله: بالعدوى) أى: بالسريان للغير
(قوله: وإنما المراد إلخ) أى: وإنما المراد أن الممدوح كان موجودا سخيّا وكان الزمان بخيلا بالممدوح علىّ أى: بإظهاره لى وهدايتى له، فلما أعدى سخاؤه الزمان سخا الزمان بذلك الممدوح علىّ بضمى إليه وهدايتى له فالموصوف بالعدوى ليس سخاء شخص
فالمصراع الثانى مأخوذ من المصراع الثانى لأبى تمام على كل من تفسير ابن جنى وابن فورجة إذ لا يشترط فى هذا النوع من الأخذ عدم تغاير المعنيين أصلا كما توهمه البعض وإلا لم يمكن مأخوذا منه على تأويل ابن جنى أيضا؛ لأن أبا تمام علق البخل بمثل المرثى وأبا الطيب بنفس الممدوح. هذا، ولكن مصراع أبى تمام أجود سبكا لأن قول أبى الطيب: ولقد يكون بلفظ المضارع لم يقع موقعه إذ المعنى على المضى
…
===
غير موجود، بل سخاء شخص موجود
(قوله: فالمصراع الثانى) أى: من بيت أبى الطيب
(قوله: على كل إلخ) متعلق بمأخوذ أى: سواء قلنا: إن مصراع أبى الطيب إن الزمان بخيل بإيجاد ذلك الممدوح أو بإيصاله إلى الشاعر
(قوله: إذ لا يشترط إلخ) جواب عما يقال: إن المصراعين بين معنييهما مغايرة؛ وذلك لأن معنى مصراع أبى تمام: إن الزمان بخيل بوجود مثل الممدوح المرثى، ومعنى مصراع أبى الطيب: إن الزمان بخيل بإيجاد ذلك الممدوح أو بإيصاله للشاعر، فالبخل فى الأول متعلق بالمثل، وفى الثانى متعلق بنفس الممدوح، وإذا كان المصراعان متغايرين، فكيف يكون أحدهما مأخوذا من الآخر؟ !
(قوله: عدم تغاير المعنيين أصلا) أى: بالكلية وعدم تغاير هما بالكلية هو اتحادهما فكأنه قال: إذ لا يشترط فى هذا النوع من الأخذ الاتحاد من كل وجه، بل يكفى الاتحاد من بعض الوجوه كما هنا؛ لأنهما مشتركان فى أصل البخل وإن اختلفا من جهة متعلقه
(قوله: وإلا لم يكن مأخوذا منه) أى: مع أن المصنف جعله مأخوذا منه
(قوله: أيضا) أى: كما لا يكون مأخوذا منه على تأويل ابن فورجة
(قوله: لأن أبا تمام إلخ) أى:
فهناك مغايرة بحسب الظاهر وإن كان لا مغايرة بحسب المراد؛ وذلك لأن بخل الزمان بمثله فى بيت أبى تمام كناية عن بخله به كما تقدم- كذا قرر شيخنا العدوى وهو تعليل بمثله فى بيت أبى تمام كناية عن بخله به كما تقدم- كذا قرر شيخنا العدوى وهو تعليل لقوله: إذ لا يشترط إلخ
(قوله: ولكن مصراع أبى تمام إلخ) استدراك على قوله فالمصراع الثانى أى: من بيت أبى الطيب مأخوذ من المصراع الثانى من بيت أبى تمام، وحاصله أن قول أبى الطيب: ولقد يكون به الزمان بخيلا مأخوذ من قول أبى تمام: إن الزمان بمثله لبخيل، وظاهر أن الأول أحسن من الثانى؛ لأن الثانى عبر بصيغة المضارع
فإن قيل: المراد لقد يكون الزمان بخيلا بهلاكه أى لا يسمح بهلاكه قط لعلمه بأنه سبب لصلاح العالم والزمان وإن سخا بوجوده وبذله للغير لكن إعدامه وإفناءه باق بعد فى تصرفه، قلنا: هذا تقدير لا قرينة عليه وبعد صحته فمصراع أبى تمام أجود لاستغنائه عن مثل هذا التكلف.
===
والمناسب صيغة الماضى بأن يقال: ولقد كان به الزمان بخيلا كما دلت عليه الجملة الاسمية من الأول؛ لأن أصلها الدلالة على الوقوع مع زيادة إفادتها الدوام والثبوت الشامل للمضى، وأيضا المراد أن الزمان كان بخيلا به حتى أعداه بسخائه فلا تناسب المضارعة، إذ لا معنى لكونه جاد به الزمان وهو بخيل به فى المستقبل؛ لأنه بعد الجود به خرج عن تصرفه فيه، إن قلت: المعنى وإن كان على المضى إلا أنه عدل للمستقبل قصدا للاستمرار أو لحكاية الحال الماضية كما تقرّ فى أمثاله، قلت: لما لم يحصل بخل الزمان بعد إعداء سخائه إياه لم يحسن حمل المضارع على الاستمرار ولا على حكاية الحال الماضية.
اهـ فنرى.
(قوله: فإن قيل) أى: فى الجواب عن كون بيت أبى الطيب دون بيت أبى تمام، وحاصله أنا لا نسلم أن بيت أبى الطيب دون بيت أبى تمام؛ لأن كلام أبى الطيب على حذف مضاف أى: ولقد يكون بهلاكه الزمان بخيلا وهلاكه استقبالى، وحينئذ فالتعبير بالمضارع واقع فى موقعه
(قوله: والزمان وإن سخا بوجوده إلخ) جواب عما يقال: إن السخاء بالشىء هو بذله للغير والزمان إذا سخا به فقد بذله فلم يبق فى تصرفه حتى يسمح بهلاكه أو يبخل، وحاصل الجواب أنا نسلم أن إيجاده لم يبق فى تصرفه بعد السخاء به لما فيه من تحصيل الحاصل، وأما إفناؤه فهو باق بعد فى تصرفه فله أن يسمح بهلاكه وأن يبخل به فنفى الشاعر ذلك
(قوله: باق بعد) أى بعد وجوده فى تصرفه أى:
فله أن يسمح بهلاكه وأن يبخل به فنفى الشاعر ذلك، والحاصل أن إيجاده وإعدامه كانا بيد الزمان فسخا بإيجاده ولم يسخ بإعدامه قط لكونه سببا لصلاح الدنيا
(قوله: قلنا هذا) أى: تقدير المضاف المذكور
(قوله: لا قرينة عليه) أى: فلا يصح وبعد صحته إلخ
(قوله: لاستغنائه عن مثل هذا التكلف) فعلى تقدير التصحيح بما ذكر لا يخرج به عن
(وإن كان) الثانى (مثله) أى مثل الأول (فأبعد) أى فالثانى أبعد (من الذم والفضل للأول كقول أبى تمام: لو حار)(1) أى تحير فى التوصل إلى إهلاك النفوس (مرتاد المنية) أى الطالب الذى هو المنية على أنها إضافة بيان (لم يجد، إلا الفراق على النفوس دليلا وقول أبى الطيب:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت
…
لها المنايا إلى أرواحنا سبلا) (2)
الضمير فى لها للمنية وهو حال من سبلا والمنايا فاعل وجدت، وروى يد المنايا فقد أخذ المعنى كله مع لفظة المنية والفراق والوجدان وبدل بالنفوس الأرواح.
===
المفضولية
(قوله: وإن كان الثانى مثله) أى: مثل الأول أى فى البلاغة
(قوله: فالثانى أبعد من الذم) أى: حقيق بأنه لا يذم فأفعل التفضيل ليس على بابه وإنما قلنا هكذا؛ لأن ظاهر العبارة يقتضى أن هناك بعيدا من الذم وهذا أبعد منه وليس كذلك
(قوله: دليلا) مفعول يجد الأول ومفعوله الثانى محذوف أى: لها (وقوله: إلا الفراق) استثناء من قوله دليلا (وقوله: على النفوس) متعلق بدليلا بمعنى طريقا، وفى الكلام حذف مضاف والمعنى لو تحيرت المنية فى وصولها لهلاك النفوس لم تجد لها طريقا يوصلها لذلك إلا فراق الأحبة.
(قوله: لولا مفارقة الأحباب) أى: موجودة
(قوله: وهو حال من سبلا) لأنه فى الأصل صفة لها فلما قدم صار حالا كما أن قوله: إلى أرواحنا كذلك، إذ المعنى سبلا مسلوكة إلى أرواحنا وقيل: إنه جمع لهاة وهو فاعل وجدت أضيفت للمنايا واللهاة اللحمة المطبقة فى أقصى سقف الحلق فكأنه يقول: لما وجد فم المنايا التى شأنها الاغتيال به إلى أرواحنا سبلا فأطلق اللهاة وأراد الفم لعلاقة المجاورة
(قوله: فقد أخذ المعنى كله) أى: فقد أخذ أبو الطيب فى بيته معنى بيت أبى تمام بتمامه؛ وذلك لأن محصل معنى البيتين أنه لا دليل للمنية على النفوس إلا الفراق أما الأول فواضح، وأما الثانى فلأن
(1) البيت لأبى تمام.
(2)
البيت لأبى الطيب المتنبى فى ديوانه 1/ 59.
(وإن أخذ المعنى وحده سمّى هذا الأخذ)(إلماما) من ألّم إذا قصد وأصله من ألّم بالمنزل إذا نزل به (وسلخا) وهو كشط الجلد عن الشاة ونحوها فكأنه كشط عن المعنى جلدا وألبسه جلدا آخر فإن اللفظ للمعنى بمنزلة اللباس (وهو ثلاثة أقسام كذلك) أى مثل ما يسمى إغارة ومسخا لأن الثانى إما أبلغ من الأول أو دونه أو مثله.
===
صريحه أن مفارقة الأحباب لولاها ما اتصلت المنية بالأرواح فيفهم أن المواصلة مانعة من الوصول للأرواح، وحينئذ فلا دليل ولا طريق توصل لاتصال المنية بالأرواح إلا الفراق فما يقال: إن فى بيت أبى تمام الحصر دون بيت أبى الطيب فيكون الأول أبلغ من الثانى لا عبرة به وظهر ما قاله الشارح: إن أبا الطيب أخذ المعنى كله مع بعض اللفظ؛ لأنه أخذ لفظ المنية والفراق والوجدان وبدل النفوس بالأرواح وأن البيتين متساويان فى البلاغة فلذا كان الثانى غير مذموم.
(قوله: وإن أخذ المعنى وحده) أى: دون شىء من اللفظ وهذا عطف على قوله:
فإن أخذ اللفظ فهو شروع فى الضرب الثانى من الظاهر من الأخذ والسرقة
(قوله: من ألّم إذا قصد) أى: لأن الشاعر يقصد إلى أخذ المعنى من لفظ غيره
(قوله: وأصله) أى: وأصل الإلمام مأخوذ من ألّم بالمنزل إذا نزل به، فالإلمام فى أصل اللغة معناه النزول، ثم أريد منه سببه وهو القصد كما هنا؛ لأن الشاعر قد قصد أخذ المعنى من لفظ غيره
(قوله: وهو) أى: السلخ فى اللغة كشط الجلد إلخ، وقوله فكأنه مرتب على محذوف أى:
واللفظ للمعنى بمنزلة الجلد؛ فكأن الشاعر الثانى الذى أخذ معنى شعر الأول كشط من ذلك المعنى جلدا، وألبس ذلك المعنى جلدا آخر
(قوله: فإن اللفظ إلخ) أى: وإنما كان اللفظ للمعنى بمنزلة الجلد لأن اللفظ يتوهم فيه كونه كاللباس للمعنى من جهة الاشتمال عليه بالدلالة
(قوله: وهو) أى: الكلام الذى تعلق الأخذ بمعناه
(قوله: أى مثل ما يسمى إغارة) أى: مثله فى الانقسام إلى ثلاثة أقسام، وأن تلك الأقسام الثلاثة عين الأقسام الثلاثة المتقدمة
(قوله: لأن الثانى إما أبلغ من الأول) أى: فيكون ممدوحا (وقوله: أو دونه) أى: أو دون الأول فى البلاغة فيكون مذموما (وقوله: أو
(أولها) أى أول الأقسام وهو أن يكون الثانى أبلغ من الأول (كقول أبى تمام: (1) هو) ضمير الشأن (الصنع) أى الإحسان والصنع مبتدأ خبره الجملة الشرطية أعنى قوله (إن يعجل فخير وإن يرث) أى يبطؤ (فللريث فى بعض المواضع أنفع) والأحسن أن يكون هو عائدا إلى حاضر فى الذهن وهو مبتدأ خبره الصنع والشرطية ابتداء كلام وهذا كقول أبى العلاء:
===
مثله) أى: مثل الأول فى البلاغة فيكون بعيدا عن الذم
(قوله: ضمير الشأن) أى: مبتدأ أول، والصنع بمعنى الإحسان مبتدأ ثان، والجملة الشرطية خبر المبتدأ الثانى، والمبتدأ الثانى وخبره خبر ضمير الشأن أى: الشأن هو أن الإحسان إن يعجل فخير وإن يتأخر فقد يكون بتأخيره أنفع
(قوله: وإن يرث) من راث ريثا أى بطؤ وتأخر، ومنه قولهم: أمهلته ريثما فعل كذا أى ساعة فعله
(قوله: أى يبطؤ) بفتح أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه وبعده همز من بطؤ يبطؤ بطئا إذا تأخر
(قوله: والأحسن أن يكون هو عائدا إلى حاضر) أى يفسره قوله الصنع الذى جعل خبرا عنه، وإنما كان هذا الاحتمال أحسن من الأول؛ لأن كون الضمير للشأن خلاف الظاهر مع إفادة هذا الإعراب ما يفيده الأول من الإجمال والتفصيل، ومع كونه أفيد لتعدد الحكم فيه، إذ فيه الحكم بأن ذلك المتعقل هو الصنع والحكم بأن الصنع من صفته ما ذكر، قاله سم.
قال يس: وقوله: لأن كون الضمير للشأن خلاف الظاهر أى: لأنه مخالف للقياس من خمسة أوجه عوده على ما بعده لزوما وأن مفسره لا يكون إلا جملة وأنه لا يتبع بتابع وأنه لا يعمل فيه إلا الابتداء أو أحد نواسخه وأنه ملازم للإفراد
(قوله: إلى حاضر فى الذهن) وهو الموعود به
(قوله: وهذا كقول إلخ) أى: وهذا الإعراب على الاحتمال الثانى كالإعراب الكائن فى قول أبى العلاء، فإن الضمير فيه عائد على متعقل الذهن يفسره ما بعده المخبر به عنه، ولا يصح أن يكون ذلك الضمير ضمير الشأن؛ لأن الخبر الواقع بعده مفرد وضمير الشأن إنما يخبر عنه بجملة، والحاصل أن الضمير فى بيت
(1) البيت لأبى تمام فى شرح ديوانه 181، برواية (فنفع) بدل (فخير) و (المواطن) بدل (المواضع) وأسرع بدل أنفع.
هو الهجر حتّى ما يلمّ خيال
…
وبعض صدود الزائرين وصال (1)
وهذا نوع من الإعراب لطيف لا يكاد يتنبه له إلا الأذهان الرائضة من أئمة الإعراب (وقول أبى الطيب (2) ومن الخير بطء سيبك) أى تأخر عطائك (عنّى، أسرع السّحب فى المسير الجهام) أى السحاب الذى لا ماء فيه وأما ما فيه ماء فيكون بطيئا ثقيل المشى فكذا حال العطاء، ففى بيت أبى الطيب زيادة بيان لاشتماله على ضرب المثل بالسحاب.
===
أبى تمام يحتمل أن يكون ضمير الشأن، ويحتمل أن يكون عائدا على متعقل فى الذهن، وأما فى بيت أبى العلاء فيتعين أن يكون عائدا على متعقل فى الذهن ولا يجوز أن يكون ضمير الشأن؛ لأن ما بعده لا يصلح للخبرية عنه فهو نظير البيت الأول على الاحتمال الثانى فيه
(قوله: ما يلمّ خيال) ما زائدة ويلم بفتح أوله وضم ثانيه من لمّ يلم كردّ يردّ بمعنى نزل وحصل وضمير يلم للهجر أى: حتى إذا لمّ وحصل من هذا الذى يهجرنا فهو خيال؛ لأنه لعدم الاعتبار به بمنزلة العدم الذى هو خيال
(قوله: وبعض صدود إلخ) أى: إنا لم ننل من الذى هجرنا حتى الصدود؛ لأنا لا نلقاه لا يقظة ولا مناما، والصدود قد يعد وصالا بالنسبة لهذا الهجر
(قوله: الرائضة) أى: المرتاضة والممارسة لصناعة الإعراب
(قوله: ومن الخير بطء سيبك عنّى) أى: لأن بطأه وعدم سرعته يدل على كثرته كالسحاب، فإنه لا يسرع منها إلا ما كان خاليا عن الماء، وأما السحاب التى فيها ماء فإنها بطيئة المشى
(قوله: الجهام) بفتح الجيم كما فى الأطول.
(قوله: ففى بيت أبى الطيب زيادة بيان) أى: للمعنى المقصود وهو أن تأخير العطاء يكون خيرا وأنفع، والحاصل أن البيتين اشتركا فى المعنى وهو أن تأخير العطاء يكون خيرا وأنفع، لكن بيت أبى الطيب وهو المتأخر منهما أجود؛ لأنه زاد حسنا بضرب المثل له بالسحاب، فكأنه دعوى بالدليل إذ كأنه يقول: العطاء كالسحاب فكما أن بطىء السير من السحاب أكثر نفعا من سريعها وهو الجهام، فكذلك عطاؤك بطيئه
(1) البيت لأبى العلاء.
(2)
البيت لأبى الطيب فى ديوانه 1/ 210.
(وثانيها) أى ثانى الأقسام وهو أن يكون الثانى دون الأول (كقول البحترى: وإذا تألّق) أى لمع (فى الندى) أى فى المجلس (كلامه المصقول) المنقح (خلت) أى حسبت (لسانه من عضبه) أى سيفه القاطع (وقول أبى الطيب:
كأنّ ألسنهم فى النّطق قد جعلت
…
على رماحهم فى الطّعن خرصانا (1))
جمع خرص بالضم والكسر وهو السنان يعنى أن ألسنهم عند النطق فى المضاء والنفاذ تشابه أسنتهم عند الطعن فكأن ألسنهم جعلت أسنة رماحهم
…
===
أكثر نفعا من سريعه فكان تأخير عطائك أفضل من سرعته، وقد يقال: إن البطء فى السحاب خلاف البطء فى العطاء؛ لأن البطء فى السحاب فى سيره وفى العطاء فى عدم ظهوره على أن البيت الأول يفيد أن البطء أنفع فى بعض المواضع دون بعض فيكون من الممدوح تارة خيرا وتارة لا يكون، والثانى يفيد أن البطء من الممدوح لا يكون إلا خيرا وهو أوكد فى المدح، وحينئذ فالبيتان متفاوتان فى المعنى فلا يصح التمثيل بهما- تأمل.
(قوله: وهو أن يكون الثانى دون الأول) أى: وهو أن يكون الكلام الثانى المأخوذ دون الكلام الأول المأخوذ منه فى البلاغة والحسن
(قوله: كقول البحتري (2)) هذا هو القول الأول
(قوله: أى المجلس) أى: الممتلئ بأشراف الناس
(قوله: المنقح) أى: المصفى من كل ما يشينه، والمصقول فى الأصل معناه: المجلو فتفسير الشارح له بالمنقح تفسير مراد
(قوله: أى حسبت لسانه من عضبه) أى: ظننت أن لسانه ناشئ من سيفه القاطع، أو أن من زائدة أى:
ظننت أن لسانه سيفه القاطع فشبه لسانه بسيفه بجامع التأثير
(قوله: وقول أبى الطيب) هذا هو القول الثانى
(قوله: فى النطق) أى: فى حالة النطق أو عند النطق ففى الكلام حذف مضاف أو أن فى بمعنى عند وكذا يقال فى قوله فى الطعن
(قوله: قد جعلت على رماحهم) أى: قد جعلت خرصانا على رماحهم عند الطعن أى: الضرب بالقنا.
(قوله: بالضم والكسر) أى: فى المفرد وكذا فى الجمع
(قوله: وهو السنان) أى:
لأن خرصان الرماح أسنتها كما أن خرصان الشجر أغصانها
(قوله: والنفاذ) عطف
(1) البيت لأبى الطيب فى ديوانه (1/ 228).
(2)
بيت فى شرح المرشدى لعقود الجمان (2/ 179).
فبيت البحترى أبلغ لما فى لفظى تألق والمصقول من الاستعارة التخييلية فإن التألق والصقالة للكلام بمنزلة الأظفار للمنية ولزم من ذلك تشبيه كلامه بالسيف وهو استعارة بالكناية (وثالثها) أى ثالث الأقسام وهو أن يكون الثانى مثل الأول (كقول الأعرابى أبى زياد:
ولم يك أكثر الفتيان مالا
…
ولكن كان أرحبهم ذراعا)
===
تفسير
(قوله: فبيت البحترى أبلغ) حاصله أن كلّا من البيتين تضمن تشبيه اللسان بآلة الحرب فى النفاذ والمضاء وإن كانت الآلة المعتبرة فى الأول السيف والآلة المعتبرة فى الثانى الرمح، ولكن بيت البحترى أجود؛ لأنه نسب فيه التألق والصقالة للكلام وهما من لوازم السيف على حد المنية والأظفار، فكان فى كلامه استعارة بالكناية، فازداد بهذا حسنا، بخلاف بيت أبى الطيب، وتقرير الاستعارة المذكورة أن يقال: شبه الكلام الموجب لتأثير المضاء والنفوذ فى النفوس بالسيف الموجب للتأثير من الجذّ والقطع، وطوى ذكر المشبه به ورمز إليه بذكر شىء من لوازمه وهو التألق والصقالة على طريق الاستعارة بالكناية وإثبات التألق تخييل والصقالة ترشيح لأن مجموعهما تخييل كما هو ظاهر الشارح؛ لأن التخييل لا يكون إلا واحدا ويزيد بيت البحترى على بيت أبى الطيب أيضا بأن فيه حسب التى للظن وهى أقوى فى الدلالة على التشبيه من كأن على أن فى بيت أبى الطيب قبحا من جهة أخرى وهو أن المتبادر من كلامه أن ألسنتهم قطعت وجعلت خرصانا وفيه من القبح ما لا يخفى
(قوله: للكلام) أى: اللذين أثبتهما للكلام
(قوله: بمنزلة الأظفار للمنية) أى: بمنزلة الأظفار التى أثبتت للمنية
(قوله: ولزم من ذلك) أى: من إثبات التألق والصقالة للكلام؛ لأن التخييلية والمكنية متلازمان على ما سبق
(قوله: وهو استعارة بالكناية) الضمير للتشبيه على مذهب المصنف فى الاستعارة بالكناية، أو للسيف بناء على مذهب القوم فيها
(قوله: مثل الأول) أى: فى البلاغة
(قوله: كقول الأعرابى) هذا هو الكلام الأول، والثانى قول أشجع الآتى
(قوله: ولم يك أكثر الفتيان مالا (1)) أى: لم يكن الممدوح أكثر الأقران مالا.
(1) لأبى زياد الأعرابى فى شرح عقود الجمان (2/ 179) والإشارات ص 312.
أى أسخاهم يقال: فلان رحب الباع والذراع ورحيبهما أى سخىّ (وقول أشجع: وليس) أى الممدوح يعنى جعفر بن يحيى (بأوسعهم) الضمير للملوك (فى الغنى، ولكنّ معروفه) أى إحسانه (أوسع) فالبيتان متماثلان هذا ولكن لا يعجبنى معروفه أوسع.
===
(قوله: رحب الباع والذراع) الرحب: الواسع، والباع: قدر مد اليدين، والذراع: من طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى
(قوله: أى سخىّ) أى: فهو مجاز مرسل من إطلاق اسم الملابس بكسر الباء وهو سعة الباع أو الذراع على الملابس بفتحها وهو كثرة المعطى؛ لأن الباع والذراع بهما يحصل المعطى عند قصد دفعه فإذا اتسع كثر ما يملؤه فلابست السعة الكثرة عند الإعطاء فأطلقت السعة على الكثرة بتلك الملابسة مع القرينة
(قوله: وقول أشجع) أى: فى مدح جعفر بن يحيى البرمكى
(قوله: الضمير للملوك) أى: فى البيت السابق:
يروم الملوك مدى جعفر
…
ولا يصنعون كما يصنع (1)
أى: يقصد الملوك غايته التى بلغها فى الكرم والحال أنهم لا يصنعون من المعروف والإحسان كما يصنع
(قوله: فى الغنى) أى: فى المال
(قوله: أوسع) أى: من معروفهم
(قوله: فالبيتان متماثلان) أى: لاتفاقهما على إفادة أن الممدوح لم يزد على الأقران فى المال، ولكنه فاقهم فى الكرم ولم يختص أحدهما بفضيلة عن الآخر، فلذا كان الثانى بعيدا عن الذم
(قوله: لكن لا يعجبنى معروفه أوسع) أى: وحينئذ فالبيتان ليسا متماثلين، بل الأول أبلغ فتمثيل المصنف بهذين البيتين للقسم الثالث لا يتم ووجه عدم الإعجاب أن أرحبهم ذراعا يدل على كثرة الكرم بطريق المجاز بخلاف معروفه أوسع فإنه يدل على ذلك بطريق الحقيقة، فالبيت الأول قد ازداد بالمجاز حسنا، وقيل: وجه كونه لا يعجبه أن المعروف قد يعبر به عن الدبر أى: الشىء المعروف منه وهو الدبر أوسع، وفيه بعد؛ لأن الكلام البليغ لا يعتريه الاستهجان.
(1) لأشجع بن عمرو السلمى فى الأدغانى (18/ 233) ط. دار الكتب العلمية برواية (يريد) بدل (يروم).