الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالفصاحة إذا كان فيه ثقل واستكراه، أما إذا سلم من ذلك حسن ولطف، والبيت من الحديث هذا تمام ما ذكر من الضرب المعنوى.
[المحسنات اللفظية]:
[الجناس]
(وأما) الضرب (اللفظى) من الوجوه المحسنة للكلام (فمنه الجناس بين اللفظين وهو تشابههما فى اللفظ) أى فى التلفظ
…
===
هذا القبيل، مع أنه ليس فيه إلا إضافتان
(قوله: الحديث) أى: اقرأ الحديث، والحديث المشار إليه هو قوله (الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)(1) فقد تتابعت فيه الإضافات وسلم من الثقل والاستكراه إذ هو فى غاية الحسن والسلاسة.
[المحسنات اللفظية]:
(قوله: وأما الضرب اللفظى إلخ) لما فرغ المصنف من الكلام على الضرب المعنوى، شرع فى الكلام على أنواع الضرب اللفظى، وقد ذكر فى هذا الكتاب منها سبعة أنواع
(قوله: فمنه الجناس) أى النوع المسمى بالجناس بكسر الجيم؛ لأنه فى الأصل مصدر جانس كقاتل قتالا، قال فى الخلاصة:
لفاعل الفعال والمفاعله
(قوله: أى فى التلفظ) أى: فى النطق بهما، بأن يكون المسموع منهما متحد الجنسية كلا أو جلا، فلا يكفى التشابه فى لام الكلمة أو عينها أو فائها كما يؤخذ من الأمثلة، وإن كان التشابه فى اللفظ صادقا بذلك، وإنما فسر اللفظ بالتلفظ؛ لأنه لو حمل على ظاهره كان التقدير هو تشابه اللفظين فى اللفظ، ولا معنى لذلك ضرورة مغايرة وجه الشبه للطرفين، وعلى فرض صحة ذلك فلا يشمل إلا التام منه، فيخرج منه الجناس الغير التام كذا قيل، هذا ويحتمل أن المصنف أطلق اللفظ على ذاتهما أى حروفهما، فيكون المعنى تشابه اللفظين فى حروفهما كلا أو جلا، ثم إن التشابه المذكور لا بد فيه من اختلاف المعنى، كما دلت عليه الأمثلة الآتية، فكأنه يقول هو ألا يتشابها إلا فى اللفظ، فيخرج ما إذا تشابها من جهة المعنى فقط، نحو أسد وسبع للحيوان المفترس،
(1) أخرجه البخارى فى" أحاديث الأنبياء" باب قول الله تعالى: " لقد كان فى يوسف وإخوته .. ) (6/ 482)، ح (3390). وأخرجه فى (المناقب)، و (التفسير).
فيخرج التشابه فى المعنى نحو أسد وسبع أو فى مجرد العدد نحو ضرب وعلم أو فى مجرد الوزن نحو ضرب وقتل (والتام منه) أى من الجناس (أن يتفقا) أى اللفظان (فى أنواع الحروف)
…
===
كما قال الشارح فليس بينهما جناس، وأما إذا تشابها فى اللفظ والمعنى معا كالتأكيد اللفظى، نحو: قام زيد قام زيد فلا جناس بينهما.
(قوله: فيخرج) أى بقوله: فى اللفظ
(قوله: نحو أسد وسبع) أى فإنهما قد تشابها فى المعنى دون اللفظ، بمعنى أن اللفظين متشابهان من جهة أن معناهما واحد، فوجه الشبه بين اللفظين اتحاد المعنى، فالمعنى فى هذا هو المعنى فى ذاك، كما يقال: اشترك الطرفان فى وجه الشبه، وليس المعنى أن لهذين اللفظين معنيين تشابها، وإلا لورد أن المعنى فيهما متحد والتشابه يقتضى التعدد.
(قوله: أو فى مجرد العدد) أى: ويخرج من التعريف التشابه فى العدد المجرد عن التشابه فى اللفظ، كما فى ضرب وعلم مبنيين للفاعل فلا جناس بينهما لعدم تشابههما فى التلفظ وإن تشابها فى العدد.
(قوله: أو فى مجرد الوزن) أى: ويخرج من التعريف ما إذا تشابه اللفظان فى الوزن دون التلفظ، ويلزم من التشابه فى الوزن التشابه فى العدد، نحو: ضرب وقتل مبنيين للفاعل فلا جناس بينهما لعدم تشابههما فى التلفظ وإن تشابها فى الوزن والعدد.
(قوله: والتام منه) هذا شروع فى أقسام الجناس، وهى خمسة: التام والمحرف والناقص والمقلوب وما يشمل المضارع واللاحق؛ وذلك لأن اللفظين إن اتفقا فى كل شىء من أنواع الحروف وأعدادها وهيآتها وترتيبها فهو التام، وإن اختلفا فى الهيئة فقط فهو المحرف، وإن اختلفا فى زيادة بعض الحروف فهو الناقص، وإن اختلفا فى نوع من الحروف فهو ما يشمل المضارع واللاحق، وإن اختلفا فى ترتيب الحروف فهو المقلوب، وفى كل قسم من هذا الأقسام الخمسة تفصيل يأتى.
وبدأ المصنف منها بالكلام على التام حيث قال: والتام منه إلخ
(قوله: فى أنواع الحروف) الإضافة للبيان، وإنما أورد لفظ أنواع تنبيها على أن الحروف أنواع، وإلا
فكل من الحروف التسعة والعشرين نوع، وبهذا يخرج نحو يفرح ويمرح (و) فى (أعدادها) وبه يخرج نحو الساق والمساق (و) فى (هيآتها) وبه يخرج نحو البرد والبرد، فإن هيئة الكلمة كيفية حاصلة لها باعتبار الحركات والسكنات فنحو ضرب وقتل على هيئة واحدة مع اختلاف الحروف بخلاف ضرب وضرب مبنيين للفاعل والمفعول فإنهما على هيئتين مع اتحاد الحروف
…
===
فيكفى أن يقول فى الحروف
(قوله: فكل من الحروف التسعة والعشرين نوع) أى برأسه فالألف نوع وتحته أصناف؛ لأنها إما مقلوبة عن واو أو ياء أو أصلية، والباء كذلك نوع تحته أصناف؛ لأنها إما مدغمة أو لا مشددة أو لا، وعلى هذا القياس فلا يرد أن يقال النوع تحته أصناف، والحروف الهجائية إنما تحتها أشخاص لا أصناف، والجواب ما ذكر، أو يقال وهو الأقرب: المراد بالنوع هنا النوع اللغوى، ولا يشترط فيه وجود أصناف تحته
(قوله: وبهذا) أى باشتراط الاتفاق فى أنواع الحروف الموجودة فى اللفظين يخرج عن التام نحو: يفرح ويمرح مما اتفقا فى بعض الأنواع دون بعض، فإن يفرح ويمرح قد اختلفا فى الميم والفاء، فليس بينهما جناس تام بل لاحق
(قوله: وفى أعدادها وهيآتها) الأولى وفى عددها وهيئتها، إذ ليس توافق الكلمتين فى أعداد الحروف وفى الهيآت، إذ ليس لحروف الكلمة إلا هيئة واحدة وعدد واحد، لكنه أورد صيغة الجمع نظرا للمواد، والمراد بتوافق الكلمتين فى عدد الحروف أن يكون مقدار حروف أحد اللفظين هو مقدار حروف الآخر.
(قوله: وبه) أى باشتراط اتفاق اللفظين فى عدد الحروف، يخرج نحو الساق والمساق؛ لأن الميم لا يقابلها شىء فى المقابل، بل هى مزيدة فلم يتفق عدد الحروف فى اللفظين، فليس بينهما جناس تام بل ناقص، ولو أخرج نحو الساق والمساق بالاتفاق فى أنواع الحروف الموجودة ما بعد، أيضا. تأمل. ولا اعتبار بكون الحرف المشدد بحرفين كما يأتى، والمساق مصدر ميمى بمعنى السوق.
(قوله: هيآتها) أى الحروف
(قوله: نحو البرد والبرد) أى بفتح الباء من أحدهما وضمها من الآخر
(قوله: فإن هيئة الكلمة إلخ) هذا تعليل لمحذوف، أى وإنما اشتراط
(و) فى (ترتيبها) أى تقديم بعض الحروف على بعض وتأخيره عنه، وبه يخرج الفتح والحتف (فإن كانا) أى اللفظان المتفقان فى جميع ما ذكر (من نوع واحد) من أنواع الكلمة (كاسمين) أو فعلين أو حرفين
…
===
الاتفاق فى هيئة الحروف زيادة على الاتفاق فى أنواعها؛ لأن هيئتها أمر زائد عليها، فلا يلزم من الاتفاق فى أنواع الحروف الاتفاق فى هيئتها، ولا يلزم من الاتفاق فى هيئتها الاتفاق فى أنواعها؛ لأن هيئة الحرف حركته المخصوصة أو سكونه، وهو غيره. قال العلامة عبد الحكيم: كان الأولى أن يقول: فإن هيئة الحروف دون الكلمة؛ لأن الكلام فى هيآت الحروف دون هيآت الكلمات، والحاصل أن هيئة الحروف كيفية حاصلة لها باعتبار حركاتها وسكناتها، سواء اتفقت أنواع الحروف أو اختلفت، وأما هيئة الكلمة فهى كيفية حاصلة لها باعتبار حركات الحروف وسكناتها، وتقديم بعضها على بعض، ولا يعتبر فى هيئة الكلمة حركة الحرف الأخير ولا سكونه؛ لأن الحرف الأخير عرضة للتغير، إذ هو محل الإعراب والوقف، فلا يشترط اتفاق الكلمتين فى هيئته
(قوله: وفى ترتيبها) أى أنه يشترط الاتفاق فى ترتيب الحروف، بأن يكون المقدم والمؤخر فى أحد اللفظين هو المقدم والمؤخر فى الآخر.
وقد تبين من كلام المصنف أن الجناس التام يشترط فيه شروط أربعة: الاتفاق فى أنواع الحروف، والاتفاق فى أعدادها والاتفاق فى هيئتها، والاتفاق فى ترتيبها
(قوله: أى تقديم بعض الحروف على بعض) هذا تصوير للترتيب فى حد ذاته (وقوله: وتأخيره عنه) أى تأخير الآخر عن البعض الأول
(قوله: والحتف) هو الموت.
(قوله: فإن كانا من نوع واحد) أى سواء اتفقا فى الإفراد كما مثل المصنف، أو فى الجمعية نحو قول الشاعر:
حدق الآجال آجال
…
والهوى للمرء قتّال (1)
الأول جمع إجل بالكسر وهو القطيع من بقر الوحش، والثانى جمع أجل والمراد به منتهى الأعمار، والمعنى عيون النساء الشبيهة بقطيع البقر من الوحش جالبات للموت،
(1) الإيضاح ص 333.
(سمى مماثلا) جريا على اصطلاح المتكلمين من أن التماثل هو الاتحاد فى النوع (نحو وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ (1) أى القيامة يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ من ساعات الأيام (وإن كانا من نوعين)
…
===
والعشق قتال للإنسان، أو كانا مختلفين نحو: فلان طويل النجاد وطلاع النجاد، الأول مفرد بمعنى حمائل السيف، والثانى جمع نجد وهو ما ارتفع من الأرض، والمعنى فلان طويل حمائل السيف وطلاع للأراضى المرتفعة
(قوله: سمى مماثلا) أى سمى جناسا تاما مماثلا، وفى نسخة سمى متماثلا وهى المناسبة لقول الشارح، من أن التماثل إلخ وأشار الشارح بما ذكره من التعليل إلى أن تلك التسمية بطريق النقل عن اصطلاح المتكلمين من أن التماثل هو الاتحاد فى النوع، والمناسب فى التعليل لنسخة سمى مماثلا أن يقال أخذا من المماثلة التى هى الاتحاد فى النوع عند المتكلمين، ثم إن المستحق أن يسمى مماثلا جريا على ذلك الاصطلاح كل من المتجانسين لا التجانس بينهما، ولكن لا حجر فى الاصطلاح
(قوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) أى القيامة سميت ساعة لوقوعها فيها
(قوله: يقسم المجرمون) أى: يحلف المجرمون أنهم ما لبثوا فى الدنيا غير ساعة، أى إلا وقتا يسيرا من ساعات الأيام الدنيوية، والساعة اصطلاحا جزء من أربعة وعشرين جزءا يتجزأ بها زمان الليل والنهار، ففى زمن استوائهما يكون الليل منها اثنتى عشرة ويكون النهار كذلك، وعند اختلافهما بالطول والقصر يدخل من ساعات أحدهما فى الآخر ما نقص من ذلك الآخر، وهو إيلاج أحدهما فى الآخر المشار له بقوله تعالى يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ (2) والساعة فى الآية يحتمل أن يراد بها هذه الاصطلاحية، ويحتمل أن يراد بها الساعة اللغوية، وهى اللحظة من الزمان وهذا أقرب، ومحل الشاهد أن الساعة الأولى والثانية فى الآية قد اتفقا فى نوع الاسمية، وفى جميع الأوجه السابقة، إذ لا عبرة باللام التعريفية لأنها فى حكم الانفصال، فكان الجناس بينهما مماثلا، قيل إنه لا جناس فى الآية أصلا، لأن استعمال لفظ الساعة فى القيامة مجاز،
(1) الروم: 55.
(2)
فاطر: 13.
اسم وفعل أو اسم وحرف أو فعل وحرف (سمى مستوفى كقوله:
ما مات من كرم الزّمان فإنّه
…
يحيا لدى يحيى بن عبد الله (1)
===
لوقوعها فى لحظة فسميت القيامة ساعة لملابستها للساعة، واللفظ الحقيقى مع مجازيه لا يكون من التجنيس، كما لوقيل رأيت أسدا فى الحمام وأسدا فى الغابة، وكما لو قلت ركبت حمارا ورأيت حمارا تعنى بليدا، وقد يجاب على تقدير تسليم أنه لا جناس بين اللفظ الحقيقى ومجازيه بأن الساعة صارت حقيقة عرفية فى القيامة.
وقد اقتصر المصنف على مثال ما إذا كان الجناس بين اسمين، ومثاله بين الفعلين أن يقال: لما قال لديهم قال لهم كذا وكذا، فالأول من القيلولة والثانى من القول، ومثاله بين الحرفين أن يقال: قد يجود الكريم وقد يعثر الجواد، فإن قد الأولى للتكثير والثانية للتقليل، فالمعنى مختلف مع اتفاق اللفظين فى نوع الحرفية، وفى جميع ما مر
(قوله: اسم وفعل إلخ) يعنى أن هذا المسمى بالمستوفى، ثلاثة أقسام: الأول بين اسم وفعل كما فى البيت والثانى بين اسم وحرف، كأن يقال: رب رجل شرب رب رجل آخر، فرب الأولى حرف جر والثانية اسم للعصير المعلوم، والثالث بين حرف وفعل، كقولك علا زيد على جميع أهله، أى: ارتفع عليهم، فعلا الأولى فعل والثانية حرف
(قوله: سمى مستوفى) أى لاستيفاء كل من اللفظين أوصاف الآخر، وإن اختلفا فى النوع
(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو أبو تمام فى مدح يحيى بن عبد الله البرمكى، كان من عظماء أهل الوزارة فى الدولة العباسية وهذا البيت مثال الاسم والفعل، ومثال الاسم والحرف رب رجل شرب رب آخر فرب الأول حرف جر، والثانى اسم للعصير المستخرج من العنب، ومثال الفعل والحرف علا زيد على جميع أهله أى: ارتفع عليهم فعلا الأولى فعل والثانية حرف (قوله ما مات من كرم الزمان) ما موصولة فى محل رفع على الابتداء وخبره جملة فإنه إلخ ومن كرم الزمان بيان لما أى ما ذهب عن أهل الوقت من كرم الزمان الماضى فصار كالميت فى عدم ظهوره
(قوله: فإنه) أى فإن ذلك الميت من الكرم وقوله يحيا أى يظهر كالحى، ويتجدد عند يحيى بن عبد الله يعنى أن كل كرم اندرس،
(1) البيت لأبي تمام من قصيدة يمدح فيها يحيى بن عبد الله في ديوانه 3/ 347.
لأنه كريم يحيى اسم الكرم (وأيضا) للجناس التام تقسيم آخر وهو أنه (إن كان أحد لفظيه مركبا) والآخر مفردا (سمى جناس التركيب) وحينئذ (فإن اتفقا) أى اللفظان المفرد والمركب (فى الخط خص) هذا النوع من جناس التركيب (باسم المتشابه) لاتفاق اللفظين فى الكتابة (كقوله (1) إذا ملك لم يكن ذا هبة) أى صاحب هبة وعطاء
…
===
فإنه يظهر ويتجدد عند هذا الممدوح، فقد أطلق الموت على الذهاب والاندراس مجازا ومحل الشاهد قوله فإنه يحيا لدى يحيى فإن الأول فعل والثانى اسم رجل
(قوله: يحيى اسم الكرم) الإضافة بيانية أى: يحيى الكرم ويجدده وفى نسخة يحيى هو اسم الكرم.
(قوله تقسيم آخر) أى إلى ثلاثة أقسام متشابه ومفروق ومرفو فأقسام التام حينئذ خمسة (قوله وإن كان أحد لفظيه) أى: أحد لفظى الجناس التام مركبا والآخر مفردا سمى جناس التركيب أى وإن لم يكن أحد لفظيه كذلك فهو ما مر من المماثل والمستوفى فهذا مقابل لما مر، ولو جعل التقسيم السابق ثلاثيا كان أحسن ليكون تقسيم الجناس التام إلى المماثل والمستوفى وجناس التركيب، والمراد بكون أحد اللفظين مفردا أن يكون كلمة واحدة، والمراد بكونه مركبا: أن لا يكون كلمة واحدة بل كلمتين أو كلمة وجزء كلمة أخرى
(قوله: سمى جناس التركيب) أى لتركب أحد لفظيه.
(قوله: وحينئذ) أى: وحين إذا كان بين اللفظين جناس التركيب فإن اتفقا إلخ، وحاصله أن جناس التركيب ينقسم إلى قسمين، لأن اللفظين المفرد والمركب إما أن يتفقا فى الخط بأن يكون ما يشاهد من هيئة مرسوم المركب هو ما يشاهد من هيئة مرسوم المفرد، وإما أن لا يتفقا بأن تكون هيئة مرسوم أحدهما مخالفة لهيئة مرسوم الآخر فإن كان الأول خص هذا النوع من جناس التركيب باسم المتشابه لتشابه اللفظين فى الكتابة كما تشابها فى أنواع الاتفاقات المتقدمة غير الاسمية والفعلية والحرفية وإن كان الثانى خص هذا النوع من جناس التركيب باسم المفروق لافتراق اللفظين فيه فى صورة الكتابة
(قوله: كقوله)
(1) البيت لأبي الفتح البستي في الطراز 2/ 360.
(فدعه) أى اتركه (فدولته ذاهبة) أى غير باقية (وإلا) أى وإن لم يتفق اللفظان المفرد والمركب فى الخط (خص) هذا النوع من جناس التركيب (باسم المفروق) لافتراق اللفظين فى صورة الكتابة (كقوله:
كلكم قد أخذ الجا
…
م ولا جام لنا
ما الذى ضرّ مدير ال
…
جام لو جاملنا)
أى عاملنا بالجميل، هذا إذا لم يكن اللفظ المركب مركبا من كلمة وبعض كلمة والأخص باسم المرفوع كقولك
…
===
أى الشاعر وهو أبو الفتح البستى نسبة إلى بست بالضم بلدة من أعمال سجستان (قوله فدعه) أى: اتركه وابعد عنه فدولته ذاهبة، والشاهد فى ذاهبة الأول والثانى، فالأول مركب من ذا بمعنى صاحب وهبة وهى فعلة من وهب، والثانى مفرد، إذ هو اسم فاعل المؤنث من ذهب وكتابتهما متفقة فى الصورة فالجناس بينهما متشابه.
(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو أبو الفتح البستى أيضا
(قوله: أخذ الجام) أى: الكاس وهو إناء يشرب به الخمر (قوله ما الذى ضر مدير الجام)(1) أى: أى شىء ضر مدير الجام وهو الساقى الذى يسقى القوم بالجام، لأنه يديره عليهم حالة السقى
(قوله: لو جاملنا) أى: عاملنا بالجميل أى: أنه لا ضرر عليه فى معاملتنا بالجميل بأن يديره علينا كما أداره عليكم فالاستفهام فى قوله ما الذى إلخ إنكارى فيه عتاب على الحاضرين فى المجلس وتحسر على حرمانه من الشرب، فاللفظ الأول من المتجانسين وهو جام لنا مركب من اسم لا وخبرها وهو المجرور مع حرف الجر، والثانى مركب من فعل ومفعول، لكن عدوا الضمير المنصوب المتصل بمنزله جزء الكلمة فصار المجموع فى حكم المفرد ولذلك صح التمثيل به لمفرد ومركب وإلا كانا مركبين كذا فى الحفيد وابن يعقوب. إذا علمت هذا تعلم أن قول الشارح فيما مر والآخر مفرد أى: حقيقة أو تنزيلا، فالأولى كما فى البيت الأول والثانى كما فى هذا البيت الثانى.
(قوله هذا إذا لم يكن إلخ) هذا تقييد لقول المصنف وإلا أى: وإن لم يتفق اللفظان المفرد والمركب فى الخط خص باسم المفروق فإن ظاهره يشمل ما إذا كان المركب
(1) لأبي الفتح البستي- في الطراز (2/ 360) والإشارات ص 290 وبلا نسبة في الإيضاح ص 185.
أهذا مصاب أم طعم صاب (وإن اختلفا) عطف على قوله: والتام منه أن يتفقا
…
===
مركبا من كلمتين كالمثال المتقدم، أو مركبا من كلمة وبعض كلمة أخرى، وأن الجناس فى هاتين الحالتين يقال له مفروق وليس كذلك، إذ التخصيص باسم المفروق إنما هو إذا لم يكن المركب مركبا من كلمة وبعض كلمة أخرى كما فى المثال، وأما إن كان مركبا من كلمة وبعض أخرى فإنه يخص باسم المرفو أخذا من قولك رفأ الثوب إذا جمع ما تقطع منه بالخياطة فكأنه رفئ بعض الكلمة فأخذنا الميم من طعم ورفأنا بها صاب فصارت مصاب، وحاصل التقسيم الصحيح للمركب أن يقال: إن المركب إن كان مركبا من كلمة وبعض كلمة يسمى التجنيس مرفوا، وإلا يكن مركبا من كلمة وبعض أخرى، بل من كلمتين فهو متشابه إن تشابه اللفظان فى الخط، ومفروق إن لم يتشابها فى الخط، بل افترقا فيه.
(قوله: أهذا مصاب أم طعم صاب) المصاب قصب السكر والصاب عصارة شجر مر كذا فى المطول. وقال العصام: الصاب جمع صابة وهو شجر مر ووهم الجوهرى فى قوله الصاب عصارة شجر مر، فاللفظ الثانى من لفظى التجنيس مركب من صاب ومن الميم فى طعم بخلاف الأول منهما فإنه مفرد وهما غير متفقين فى الخط.
ووجه حسن الجناس التام مطلقا أن صورته صورة الإعادة وهو فى الحقيقة للإفادة
(قوله: وإن اختلفا فى إلخ) حاصله أن ما تقدم فيما إذا كان اللفظان متفقين فى أنواع الحروف وعددها وهيئتها وترتيبها فإن لم يكونا متفقين فى ذلك فهو أربعة أقسام، لأن عدم الاتفاق فى ذلك إما أن يكون بالاختلاف فى أنواع الحروف أو فى عددها أو فى هيئتها أو فى ترتيبها، وإنما حصرنا الاختلاف فى هذه الأربعة وجعلنا الخلاف فى حالة لا فى أكثر؛ لأنهما لو اختلفا فى اثنين من ذلك أو أكثر لم يعد ذلك من باب التجنيس لبعد التشابه بينهما
(قوله: عطف على قوله: والتام منه أن يتفقا) أى فهو من قبيل عطف الجملة الفعلية الشرطية على جملة اسمية؛ لأنها فى تأويل الشرطية المناسبة لهذه، إذ كأنه يقول: إن اتفق اللفظان فى جميع الأوجه السابقة فهو التام فيناسب أن يقال هنا وإن اختلفا
أو على محذوف أى هذا إن اتفقا وإن اختلفا لفظا المتجانسين (فى هيآت الحروف فقط) أى واتفقا فى النوع والعدد والترتيب (سمى) التجنيس (محرفا) لانحراف إحدى الهيئتين عن الهيئة الأخرى، والاختلاف قد يكون بالحركة (كقولهم: جبّة البرد جنّة البرد) يعنى لفظ البرد بالضم والفتح (ونحوه) فى أن الاختلاف فى الهيئة فقط قولهم (الجاهل إما مفرط أو مفرّط) لأن الحرف المشدد لما كان يرتفع اللسان عنهما دفعة واحدة كحرف واحد عدا حرفا واحدا، وجعل التجنيس مما الاختلاف فيه فى الهيئة فقط ولذا قال (والحرف المشدد)
…
===
إلخ، ولا يصح العطف على قوله أن يتفقا؛ لأنه يلزم تسلط والتام على المعطوف وليس كذلك
(قوله: أو على محذوف) أى: فيكون من عطف جملة فعلية على فعلية.
(قوله: لانحراف إحدى الهيئتين) أى: لانحراف هيئة أحد اللفظين عن هيئة الآخر
(قوله: والاختلاف) أى: فى الهيئة قد يكون بالحركة أى: فقط كما فى المثال الأول، وقد يكون بالسكون فقط كما فى المثال الثانى، وهو الجاهل إما مفرط أو مفرط، وقد يكون بالحركة والسكون معا نحو: شرك الشرك وهو المثال الثالث
(قوله: جبة البرد جنة البرد) أى: الجبة المأخوذة من البرد أى: الصوف جنة أى: وقاية البرد
(قوله: يعنى إلخ) أى: أن محل الشاهد البرد والبرد فإنهما مختلفان فى هيئة الحروف بسبب الاختلاف فى حركة الباء؛ لأنها فى الأول ضمة وفى الثانى فتحة وأما لفظة الجبة والجنة فمن التجنيس اللاحق لا المحرف
(قوله: ونحوه) أى: نحو قولهم: جبة البرد جنة البرد فى كونه من التجنيس المحرف لكون الاختلاف فى الهيئة فقط
(قوله: الجاهل إما مفرط أو مفرّط) الأول من الإفراط وهو تجاوز الحد، والثانى من التفريط وهو التقصير فيما لا ينبغى التقصير فيه أى أنه مجاوز للحد فيما يفعله أو مقصر فلا يفعل أصلا، وليس له الحالة المتوسطة بين الإفراط والتفريط
(قوله: لأن الحرف المشدد إلخ) أى: وإنما كان هذا المثال من الجناس المحرف، ولم يكن من الناقص بناء على أن الحرف المشدد حرفان؛ لأن الحرف المشدد لما كان يرتفع اللسان عنهما أى: عند النطق بهما دفعة واحدة كالحرف الواحد عدا حرفا واحدا فإذا جعل من التجنيس الذى لم يقع الاختلاف فيه إلا فى الهيئة لا فى العدد
(قوله: لما كان يرتفع اللسان عنهما) أفهم تثنية الضمير أن
فى هذا الباب (فى حكم المخفف) واختلاف الهيئة مفرط ومفرط باعتبار أن الفاء من أحدهما ساكن ومن الآخر مفتوح (و) قد يكون الاختلاف بالحركة والسكون جميعا (كقولهم: البدعة شرك الشّرك) فإن الشين من الأول مفتوح ومن الثانى مكسور والراء من الأول مفتوح ومن الثانى ساكن.
===
هناك حذفا والتقدير: لأن الحرف المشدد وإن كان بحرفين لكنه لما كان يرتفع اللسان إلخ
(قوله: فى هذا الباب) أى: باب التجنيس.
(قوله: فى حكم المخفف) أى: لأمرين: الأول: ما تقدم من أن اللسان يرتفع عند النطق بالحرفين دفعة واحدة كالحرف الواحد وإن كان فى الحرفين ثقل ما، لكنه لم يعتبر لقرب زمنه، والثانى: أنهما فى الكتابة شىء واحد، وأمارة التشديد منفصلة، وحيث كان المشدد فى حكم المخفف فتكون الراء من مفرط مكسورة كالراء من مفرط، وحينئذ فيكون الاختلاف بينهما إنما هو فى الهيئة فقط، واختلاف الهيئة فى مفرط ومفرط باعتبار أن الفاء فى أحدهما مفتوحة وفى الآخر ساكنة، وهذا نوع من اختلاف الهيئة غير الأول وغير قولهم: البدعة شرك الشّرك؛ لأن الأول اختلاف الهيئة فيه باختلاف الحركة الكائنة فى اللفظين المتجانسين، ومفرط ومفرّط اختلاف الهيئة باختلاف الحركة والسكون المقابل لها، والثالث وهو شرك الشّرك اختلفت الهيئة فيه باختلاف الحركة والسكون معا
(قوله: البدعة شرك الشّرك) البدعة هى الحدث فى الدين بعد كماله، والشّرك بفتح الراء المهملة حبالة الصائد، والشّرك بالكسر اسم مصدر بمعنى الإشراك، والمراد الإشراك بالله تعالى، ومعنى كون البدعة شركا للشّرك أن اتخاذ البدعة ديدنا وعادة يؤدى للوقوع فى الشرك كما أن نصب الشرك للصيد يؤدى عادة لوقوعه فيه
(قوله: فإن الشين من الأول مفتوح إلخ) أى: فقد قابلت الحركة حركة مغيرة لها وقابلت الحركة سكونا
(قوله: فإن الشين إلخ) أى: ولا عبرة بهمزة الوصل لسقوطها فى الدرج ولا باللام المدغمة فى الشين لما عرفت فى مفرط ومفرّط.
(وإن اختلفا) أى لفظ المتجانسين (فى أعدادها) أى أعداد الحروف بأن يكون فى أحد اللفظين حرفا زائدا وأكثر إذا سقط حصل الجناس التام (سمى الجناس ناقصا) لنقصان أحد اللفظين عن الآخر (وذلك) الاختلاف (إما بحرف) واحد (فى الأول مثل وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (1) بزيادة الميم (أو فى الوسط نحو جدّى جهدى) بزياة الهاء
…
===
(قوله: حرف زائد) أى: لا مقابل له فى اللفظ الآخر، وليس المراد بكونه زائدا أنه زائد على الأصول
(قوله: إذا سقط حصل الجناس التام) أى: لاتفاق اللفظين فى أنواع الحروف وعددها وهيئتها وترتيبها. قال العلامة اليعقوبى: وكلامهم هذا يقتضى أن الجناس الناقص يشترط فيه أن يكون الباقى بعد إسقاط المزيد مساويا للفظ الآخر فى جميع ما تقدم، وانظر لما لا يقال إن ساواه فى كل ما تقدم فناقص التام أو فى غير الهيئة فناقص الحرف أو فى غير الترتيب يسمى ناقص المقلوب
(قوله: وذلك الاختلاف إما بحرف إلخ) حاصله أن أقسام الجناس الناقص ستة؛ وذلك لأن الزائد إما حرف واحد أو أكثر، وعلى التقديرين فهو إما فى الأول أو فى الوسط أو فى الآخر وقد مثل المصنف بثلاثة أمثلة لأقسام المزيد الواحد، ولم يمثل من أقسام المزيد الأكثر إلا بالمزيد آخرا
(قوله: فى الأول) أى: فى أول اللفظ المجانس لآخر وكان الأولى أن يقول:
بحرف واحد هو الأول؛ لأن الحرف عين الأول لا مظروف فيه حتى يلتزم عليه ظرفية الشىء فى نفسه، وكذا قوله: أو فى الوسط أو فى الآخر
(قوله: بزيادة الميم) أى: فى المساق وهى زائدة فى الأول والباقى مجانس لمجموع المقابل
(قوله: جدى جهدى) بفتح الجيم فيهما مع زيادة الهاء وسطا فى الثانى، والباقى بعد إسقاطها مجانس جناسا تامّا للمقابل، إذ لا عبرة بتشديد الدال لما تقدم أن المشدد كالمخفف فى هذا الباب، والجد بفتح الجيم الغنى والحظ، وأما الجدّ: الذى هو أبو الأب فليس مراد هنا، والجهد بفتحها: المشقة والتعب والتركيب محتمل لوجهين فيحتمل أن يكون المعنى: إن حظى
(1) القيامة: 30، 29.
وقد سبق أن المشدد فى حكم المخفف (أو فى الآخر كقوله (يمدّون من أيد عواص عواصم (1)) بزيادة الميم ولا اعتبار بالتنوين وقوله: من أيد فى موضع نصب مفعول يمدون، على زيادة من كما هو مذهب الأخفش أو على كونها للتبعيض، كما فى قولهم: هزّ من عطفه وحرك من نشاطه، أو على أنه صفة لمحذوف
===
وغناى من الدنيا مجرد إتعاب نفسى فى تحصيل المكاسب من غير وصول إليها، فيكون تشكيا وإخبارا بأنه لا يحصل من سعيه على طائل ولا نفع، ويحتمل أن يكون المعنى إن حظى من الدنيا وغناى فيها بمشقتى وجهدى لا بالوراثة عن آبائى وأجدادى، فيكون إخبارا بالنجابة فى السعى وأن الغنى لا يتوقف على وراثة
(قوله: وقد سبق إلخ) جواب عما يقال: إن جهدى بعد حذف الهاء منه يكون جدى بتخفيف الدال فلا يكون بينه وبين جدى جناس تام.
(قوله: كقوله) أى الشاعر وهو أبو تمام
(قوله: ولا اعتبار بالتنوين) أى: فى عواص؛ وذلك لأنه فى حكم الانفصال أو بصدد الزوال بسبب الوقف أو الإضافة
(قوله: على زيادة من) أى: بناء على زيادة من
(قوله: كما هو مذهب الأخفش) أى:
المجوز لزيادتها فى الإثبات
(قوله: أو على كونها للتبعيض) أى: أو بناء على كونها للتبعيض (وقوله: كما فى قولهم هزّ من عطفه وحرك من نشاطه) أى: هز بعض العطف؛ لأن العطف الشق والعضو المهزوز منه الكتف مثلا، وحرك بعض الأعضاء التى يظهر بتحريكها نشاطه، وهز العطف: كناية عن السرور؛ لأن المسرور يهتز فصارت الهزة ملزومة للسرور وكذا تحريك النشاط
(قوله: أو على أنه صفة لمحذوف) ظاهره أنه عطف على قوله: أو على كونها للتبعيض وفيه نظر؛ لأنه ينحل المعنى من أيد فى موضع نصب مفعول يمدون بناء على زيادة من أو على أنها للتبعيض، أو على أنه صفة لمحذوف، ومن المعلوم أنه إذا كان صفة لمحذوف لا يكون مفعولا فالأولى جعله عطفا على المعنى، فكأنه قيل: من أيد نصب على المفعول، أو على أنه صفة لمحذوف
(قوله:
(1) البيت لأبي تمام، في ديوانه 1/ 206، وعجزه: تصول بأسياف قواض قواضب
أى يمدون سواعد من أيد عواص جمع عاصية من عصاه ضربه بالعصا وعواصم من عصمه حفظه وحماه وتمامه:
تصول بأسياف قواض قواضب
أى: يمدون أيديا ضاربات للأعداء حاميات للأولياء صائلات على الأقران بسيوف حاكمه بالقتل قاطعة (وربما سمى هذا) القسم الذى تكون الزيادة فيه فى الآخر (مطرفا وإما بأكثر) من حرف واحد وهو عطف على قوله إما بحرف، ولم يذكر من هذا الضرب إلا ما تكون الزيادة فى الآخر (كقولها)
…
===
أى يمدون سواعد من أيد) أى: كأنه من أيد، فمن ابتدائية أو أنها للتبعيض، إذ السواعد بعض الأيدى، فكأنه قيل يمدون السواعد التى هى بعض الأيدى
(قوله: من عصا ضربه بالعصا) وعلى هذا فمعنى عواص ضاربات بالعصا والمراد بها هنا السيف بدليل ما بعده، وقيل إن عواص من العصيان أى: عاصيات على أعدائهم عاصمات لأصدقائهم
(قوله: أى: يمدون أيديا) أى: يمدون للضرب يوم الحرب أيديا
(قوله: ضاربات للأعداء) أى: بالسيف وهذا بيان لمعنى عواص، وقوله حاميات أى:
حافظات للأولياء من كل مهلكة ومذلة وهذا بيان لمعنى عواصم، وقوله حاكمة بالقتل أى: على الأعداء بيان لمعنى قواض، لأنه جمع قاضية من قضى بكذا إذا حكم به، وقوله قاطعة أى: لكل مضروب بها من الأعداء بيان لمعنى قواضب، لأنه جمع قاضبة من قضبه إذا قطعه.
وفى الأطول: إن قواض بمعنى قوائل- من قضى عليه: قتله، وهذا أنسب مما فى الشارح، وحينئذ فالمعنى: تصول على الأعداء بأسياف قوائل للأحياء وقواطع لكل ما لاقاها، سواء كان خشبا أو حجرا أو حديدا، فليس ذكر القواضب مستغنى عنه بالوصف بالقواضى اه. كلامه.
(قوله: مطرفا) أى: لتطرف الزيادة فيه
(قوله: ولم يذكر من هذا الضرب إلا ما تكون الزيادة فى الآخر) أى: لعدم اطلاعه على أمثلة الباقى، وقال فى الأطول: إنه لم يذكر من هذا الضرب إلا ما كانت الزيادة فيه فى الآخر لأجل بيان اسمه بقوله وربما
أى الخنساء (إن البكاء هو الشفاء من الجوى) أى حرقة القلب (بين الجوانح) بزيادة النون والحاء (وربما سمى هذا) النوع (مذيلا وإن اختلفا) أى لفظا المتجانسين (فى أنواعها) أى أنواع الحروف (فيشترط ألا يقع) الاختلاف (بأكثر من حرف) واحد وإلا لبعد بينهما التشابه ولم يبق التجانس كلفظى نصر ونكل (ثم الحرفان)
…
===
سمى هذا أى: ما كانت الزيادة فيه فى الآخر بأكثر من حرف مذيلا، وعبر بربما بإشارة إلى عدم اشتهار تلك التسمية. ا. هـ.
(قوله: أى الخنساء) أخت صخر فى رد كلام من لامها فى كثرة البكاء عليه، روى أنها بكت عليه حتى ابيضت عيناها، وبعد البيت المذكور:
يا عين جودى بالدّمو
…
ع المستهلّات السّوافح (1)
والبيت من مجزوء الكامل المرفل، وشطره قبل همزة الشفاء فهو مدوّر وفح ترفيل
(قوله: أى حرقة القلب) هذا بيان لمعنى الجوى بحسب الأصل، والمراد به هنا مجرد الحرقة بقرينة قوله بين الجوانح أى: إن البكاء هو الشفاء من الحرقة الكائنة بين الجوانح أى: الضلوع التى تحت الترائب مما يلى الصدر كذا فى الأطول، ولا شك أن الجوانح زيد فيه بعد ما يماثل الجوى النون والحاء، فإذا أسقطتها صار الباقى مساويا للجوى فكان من التجنيس الناقص.
(قوله هذا النوع) أى: الذى زيد فى آخره أكثر من حرف
(قوله: مذيلا) أى:
لأن تلك الزيادة فى آخره كالذيل
(قوله: وإن اختلفا فى أنواعها إلخ) الاختلاف فى أنواع الحروف أن يشتمل كل من اللفظين على حرف لم يشتمل عليه الآخر من غير أن يكون مزيدا وإلا كان من الناقص كما تقدم
(قوله: فيشترط إلخ) جواب الشرط أى: فيشترط فى كون الإتيان باللفظين المختلفين فى نوعية الحروف من البديع الجناسى ألا يقع إلخ
(قوله: وإلا لبعد إلخ) أى: وإلا لو وقع الاختلاف بأكثر من حرف لبعد إلخ
(قوله: كلفظى نصر ونكل)
(1) البيت للخنساء في ديوانها ص 30، ط دار الكتب العلمية.
اللذان وقع بينهما الاختلاف (إن كانا متقاربين) فى المخرج (سمى) الجناس (مضارعا وهو) ثلاثة أضرب لأن الحرف الأجنبى (إما فى الأول نحو بينى وبين كنى ليل دامس وطريق طامس أو فى الوسط
…
===
تمثيل للمنفى، وكذا لفظا ضرب وخرق، وكذا ضرب وسلب، واللفظان الأولان اشتركا فى الحرف الأول فقط، واللفظان الثانيان اشتركا فى الحرف الوسط فقط، واللفظان الثالثان اشتركا فى الحرف الأخير فقط، وليس شىء من ذلك من التجنيس
(قوله: اللذان وقع بينهما الاختلاف) أى: حالة كونهما فى اللفظين
(قوله: إن كان متقاربين فى المخرج) أى: بأن كان حلقيين أو شفويين أو من الثنايا العليا، وعلى هذا فالمراد بالمتقاربين فى المخرج ما يشمل المتحدين فيه: كالدال والطاء والهمزة والهاء (قول: سمى الجناس) أى: الذى بين اللفظين اللذين كان الحرفان المتباينان فيهما متقاربين فى المخرج
(قوله: مضارعا) أى: لمضارعة المباين من اللفظين لصاحبه فى المخرج.
(قوله: وهو ثلاثة أضرب) جعل الشارح ضمير هو راجعا للمضارع فاحتاج لتقدير، لأن الحرف إلخ ولو جعل ضمير هو راجعا للحرف المدلول عليه بقوله:
ثم الحرفان، لكان أحسن
(قوله: لأن الحرف الأجنبى) يعنى المباين لمقابلة (قول:
إما فى الأول) أى: إما فى أول اللفظين وفى كلامه تسامح، لأن أول اللفظين فى الحقيقة هو الحرف ففيه ظرفية الشىء فى نفسه فلو حذف فى وقال: إما الأول لكان أحسن، وإن كان يمكن الجواب بأنه من ظرفية العام فى الخاص، أو أن فى زائدة.
تأمل.
(قوله: بينى وبين كنى ليل دامس وطريق طامس) هذا من كلام الحريرى وهو نثر والكنّ البيت والدامس الشديد الظلمة من دمس يدمس، ويدمس بالضم والكسر، والطامس الدائر المطموس العلامات الذى لا يتبين فيه أثر يهتدى به، والشاهد فى دامس وطامس، فإن الدال والطاء حرفان متباينان إلا أنهما متقاربان فى المخرج، لأنهما من اللسان مع أصل الأسنان وقد وجدا فى أول اللفظين
(قوله: أو فى الوسط) أى: أو يوجد
وبناء فعلة يدل على الاعتياد (أو فى الوسط نحو ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (1) وفى عدم تقارب الفاء والميم نظر فإنهما شفويتان
…
===
والطعن فيها: تفسير
(قوله: وبناء فعلة) أى: بضم الفاء وفتح العين
(قوله: يدل على الاعتياد) أى فلا يقال: فلان ضحكة ولا لعبة، إلا لمن كان ملازما لذلك بحيث صار عادة له، إلا لمن وقع منه ذلك فى الجملة، والشاهد فى همزة ولمزة فإن بينهما جناسا لاحقا؛ لأن الهاء واللام متباينان ومتباعدان فى المخرج؛ لأن الهاء من أقصى الحلق واللام من طرف اللسان ووقعا فى أول اللفظين المتجانسين.
(قوله: تفرحون) أى: تتكبرون فى الأرض (وقوله: تمرحون) أى: تتوسعون فى الفرح، فالمرح: نهاية الفرح، والشاهد فى تفرحون وتمرحون فإن بينهما جناسا لاحقا على ما قال المصنف؛ لتباين الفاء والميم وتباعدهما فى المخرج
(قوله: وفى عدم إلخ) حاصله أن كون الجناس الذى فى هذه الآية لاحقا فيه؛ لأن التقارب فى المخرج بين الفاء والميم موجود؛ لأنهما شفويتان؛ غاية الأمر أن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الأسنان والميم من ظاهر الشفتين ولا يخرجهما ذلك عن كونهما شفويتين، وحينئذ فالجناس فى هذه الآية مضارع لا لاحق وقد أجاب بعضهم: بأن المراد من تقارب المخرج هنا قصر المسافة بين المخرجين وليس بين مخرجى الفاء والميم تقارب بهذا المعنى؛ لأن الميم من ظاهر الشفتين والفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الأسنان وأنت خبير بأن هذا الجواب يدل على عدم اتحاد مخرجهما لا على طول المسافة بينهما، فالأولى لأجل هذا البحث أن يمثل بقوله تعالى: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (2) فإن الهاء والدال متباينان ومتباعدان فى المخرج؛ فإن الهاء: من أقصى الحلق، والدال من اللسان مع أصول الأسنان.
(1) غافر: 75.
(2)
العاديات: 7، 8.
وإن أريد بالتقارب أن يكونا بحيث تدغم إحداهما فى الأخرى فالهاء والهمزة ليستا كذلك (أو فى الآخر نحو وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ (1) وإن اختلفا) أى لفظا المتجانسين (فى ترتيبها) أى ترتيب الحروف بأن يتحد النوع والعدد والهيئة لكن قدم فى أحد اللفظين بعض الحروف وأخر فى اللفظ الآخر (سمى) هذا النوع (تجنيس القلب نحو: حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه. ويسمى قلب كل)
===
(قوله: وإن أريد إلخ) يعنى لو قيل فى الجواب عن المصنف: إن مراده بالحرفين المتقاربين فى المخرج فصحّ التمثيل، فيقال فى رد هذا الجواب: إنهم ذكروا أن من جملة المتقاربين فى المخرج الهاء والهمزة كما مر فى وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ (2)، لأنهما حلقيان، والحال أنه لا يمكن إدغام أحدهما فى الآخر، فبطل ذلك الجواب، وما زال الاعتراض واردا على المصنف
(قوله: فالهاء والهمزة) علّة لجواب الشرط المحذوف أى:
فلا يصح؛ لأن الهاء إلخ
(قوله: ليستا كذلك) أى: لا تدغم إحداهما فى الأخرى مع أنه مثل بهما للمتقاربين
(قوله: أمر من الأمن) فالأمن والأمر متفقان إلا فى الراء والنون وهما متباعدتان فى المخرج- كذا قال المصنف وفيه نظر، بل هما متقاربتان، حتى إنه يجوز إدغام إحداهما فى الأخرى؛ لأنهما من حروف الذلاقة التى يجمعها قولك: مر بنفل، وهى تخرج من طرف اللسان، وحينئذ فالنون والراء يخرجان منه، فالمثال الصائب تلاف وتلاق
(قوله: وأخر) أى: ذلك البعض فى اللفظ الآخر
(قوله: سمى تجنيس القلب) أى:
لوقوع القلب أى عكس بعض الحروف فى أحد اللفظين بالنظر للآخر وهو ضربان؛ لأنه إن وقع الحرف الأخير من الكلمة الأولى أولا من الثانية والذى قبله ثانيا وهكذا على الترتيب سمى قلب الكل وإلا سمى قلب البعض، وقد ذكر المصنف مثال كل منهما
(قوله: نحو: حسامه فتح لأوليائه حتف لأعدائه) أى: أن سيف الممدوح فتح لأوليائه، إذ به يقع النصر لهم، وحتف لأعدائه أى: هلاك لهم، إذ به يقع موتهم وهذا الكلام حل لقول الأحنف بن قيس:
(1) النساء: 83.
(2)
الأنعام: 26.
وبناء فعلة يدل على الاعتياد (أوفى الوسط نحو ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (1) وفى عدم تقارب الفاء والميم نظر فإنهما شفويتان
…
===
والطعن فيها: تفسير
(قوله: وبناء فعلة) أى: بضم الفاء وفتح العين
(قوله: يدل على الاعتياد) أى فلا يقال: فلان ضحكة ولا لعبة، إلا لمن كان ملازما لذلك بحيث صار عادة له، إلا لمن وقع منه ذلك فى الجملة، والشاهد فى همزة ولمزة فإن بينهما جناسا لاحقا؛ لأن الهاء واللام متباينان ومتباعدان فى المخرج؛ لأن الهاء من أقصى الحلق واللام من طرف اللسان ووقعا فى أول اللفظين المتجانسين.
(قوله: تفرحون) أى: تتكبرون فى الأرض (وقوله: تمرحون) أى: تتوسعون فى الفرح، فالمرح: نهاية الفرح، والشاهد فى تفرحون وتمرحون فإن بينهما جناسا لاحقا على ما قال المصنف؛ لتباين الفاء والميم وتباعدهما فى المخرج
(قوله: وفى عدم إلخ) حاصله أن كون الجناس الذى فى هذه الآية لاحقا فيه؛ لأن التقارب فى المخرج بين الفاء والميم موجود؛ لأنهما شفويتان؛ غاية الأمر أن الفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الأسنان والميم من ظاهر الشفتين ولا يخرجهما ذلك عن كونهما شفويتين، وحينئذ فالجناس فى هذه الآية مضارع لا لاحق وقد أجاب بعضهم: بأن المراد من تقارب المخرج هنا قصر المسافة بين المخرجين وليس بين مخرجى الفاء والميم تقارب بهذا المعنى؛ لأن الميم من ظاهر الشفتين والفاء من باطن الشفة السفلى وأطراف الأسنان وأنت خبير بأن هذا الجواب يدل على عدم اتحاد مخرجهما لا على طول السمافة بينهما، فالأولى لأجل هذا البحث أن يمثل بقوله تعالى: وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (2) فإن الهاء والدال متباينان ومتباعدان فى المخرج؛ فإن الهاء: من أقصى الحلق، والدال من اللسان مع أصول الأسنان.
(1) غافر: 75.
(2)
العاديات: 7، 8.
أى تجانس كان؛ ولذا ذكره باسمه الظاهر دون المضمر المتجانس (الآخر سمى) الجناس (مزدوجا ومكررا ومرددا نحو وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (1) هذا من التجنيس اللاحق وأمثلة الأقسام الأخر ظاهرة سبق (ويلحق بالجناس شيئان أحدهما أن يجمع اللفظين الاشتقاق) وهو توافق الكلمتين فى الحروف الأصول مع الاتفاق فى أصل المعنى (نحو قوله تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ (2)
…
===
عطف وشبه ذلك
(قوله: أى تجانس كان) أى: سواء كان ذلك الجناس الذى بين اللفظين تاما أو محرفا أو ناقصا أو مضارعا أو لاحقا أو مقلوبا
(قوله: ولذا) أى: لأجل كون المراد مطلق الجناس الشامل لجميع الأنواع السابقة لا خصوص المقلوب
(قوله: ذكره باسمه الظاهر دون المضمر) ولو كان مراد المصنف خصوص الجناس المقلوب لكان المناسب الإتيان بالضمير
(قوله: سمى مزدوجا ومكررا ومرددا) لازدواج اللفظين بتواليهما وتكرير أحدهما بالآخر وترداده به.
(قوله: مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) فسبأ ونبأ متواليان وتجنيسهما لاحق، وذلك لاختلافهما بحرفين متباعدين فى المخرج، فالباء فى: بنبأ لا دخل لها فى التجنيس
(قوله: ظاهرة مما سبق) فمثال التام أن يقال تقوم الساعة فى ساعة، ومثال المحرف أن يقال:
هذه لك جبة وجنة من البرد للبرد، ومثال الناقص أن يقال: جدى جهدى، ومثال المقلوب أن يقال: هذا السيف للأعداء والأولياء حتف وفتح
(قوله: ويلحق بالجناس) أى: فى التحسين شيئان هذا شروع فى شيئين ليسا من الجناس الحقيقى ولكنهما ملحقان به فى كونهما مما يحسن به الكلام كحسن الجناس
(قوله: أن يجمع اللفظين الاشتقاق) أى: أن يكون اللفظان مشتقين من أصل واحد
(قوله: وهو) أى: اجتماع اللفظين فى الاشتقاق توافق الكلمتين إلخ، وأشار الشارح بهذا إلى أن المراد بالاشتقاق هنا الاشتقاق الذى ينصرف إليه اللفظ عند الإطلاق وهو الاشتقاق الصغير المفسر بتوافق الكلمين فى الحروف الأصول مع الترتيب والاتفاق فى أصل المعنى، فقوله فى الحروف
(1) النمل: 22.
(2)
الروم: 30.
فإنهما مشتقان من قام يقوم (والثانى أن يجمعهما) أى اللفظين (المشابهة وهى ما يشبه) أى اتفاق يشبه (الاشتقاق) وليس باشتقاق
…
===
الأصول: خرج به الاشتقاق الأكبر كالثلب والثلم، وقوله مع الترتيب خرج به الاشتقاق الكبير: كالجذب والجبذ والمرق والرقم، وقوله الاتفاق فى أصل المعنى خرج به الجناس التام، لأن المعنى فيه مختلف، ولذا لم يكن هذا جناسا، بل ملحقا به، لأنه لا بد فى الجناس من اختلاف معنى اللفظين
(قوله: فإنهما) أى: أقم والقيم، وقوله مشتقان من قام يقوم أى: على المذهب الكوفى، ومن مصدر قام يقوم وهو القيام بناء على التحقيق من أن الاشتقاق من المصادر كما هو مذهب البصريين، وفى الأطول: أقم مشتق من القيام وهو الانتساب والقيم المستقيم المعتدل الذى لا إفراط فيه ولا تفريط.
(قوله: المشابهة) لو قال أن يجمعهما شبه الاشتقاق لكان أخصر وأظهر، والمراد بالمشابهة: الأمر المتشابه فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل بدليل تفسيرها بقوله: وهى ما يشبه الاشتقاق أى: وهى اتفاق يشبه الاشتقاق أو الانفاق الذى يشبه الاشتقاق وليس باشتقاق، وقول الشارح أى: اتفاق أى: سواء كان اشتقاقا كبيرا أو غيره، وقوله يشبه الاشتقاق أى: الصغير، وقوله وليس باشتقاق أى: صغير وفيه أنه لا فائدة لذلك، لأن مشابه الشىء لا يكون إياه، وحاصله أن الاتفاق الذى يشبه الاشتقاق الذى أطلق المصنف عليه المشابهة اتفاق اللفظين فى جلّ الحروف أو كلها على وجه يتبادر منه أنهما يرجعان لأصل واحد كما فى الاشتقاق وليسا فى الحقيقة كذلك، لأن أصلهما فى نفس الأمر مختلف وذلك كما فى الآية الآتية فى المتن فإنه يتبادر من كون الأول وهو قال فعلا ومن كون الثانى وهو القالين وصفا إنهما من أصل واحد وليس كذلك، لأن الأول مشتق من القول والثانى من القلى وهو البغض والترك فبينهما اتفاق يشبه الاشتقاق فكان ما بينهما ملحقا بالجناس، وخرج بقولنا على وجه يتبادر منه أنهما يرجعان لأصل واحد عواص وعواصم والجوى والجوانح، فإن فى كل جل ما فى الآخر من الحروف، وكذا نحو: الحتف والفتح، فإن فى كل منهما مجموع ما فى الآخر من الحروف وليس من الملحق فى شىء لعدم كون اللفظين يتبادر منهما أنهما يرجعان لأصل واحد كما فى
فلفظة ما موصولة أو موصوفة وزعم بعضهم أنها مصدرية أى إشباه اللفظين الاشتقاق وهو غلط لفظا ومعنى، أما لفظا فلأنه جعل الضمير المفرد فى يشبه للفظين وهو لا يصح إلا بتأويل بعيد فلا يصح عند الاستغناء عنه. وأما معنى؛ فلأن اللفظين لا يشبهان الاشتقاق، بل توافقهما قد يشبه الاشتقاق
…
===
الاشتقاق، بل هما من قبيل الجناس، والحاصل أنه فى شبه الاشتقاق يتوهم بالنظر لبادئ الرأى أن اللفظين مشتقان من أصل واحد وإن كان بعد التأويل يظهر خلاف ذلك، وأما فى الجناس فلا يظهر فى بادئ الرأى ذلك
(قوله: فلفظة ما إلخ) قيل إن فى هذا التفريع نظرا، لأن هذا المذكور لا يتفرع على ما ذكره من التفسير بقوله: أى اتفاق، بل الذى يتفرع عليه كون ما موصوفة فقط، إلا أن يقال وجه التفريع عليه أنه لما علم أن ما بمعنى اتفاق صح كل من الموصولية والموصوفية، لأنهما يؤديان ذلك المعنى اهـ سم.
(قوله: وزعم بعضهم أنها مصدرية) الحامل له على ذلك إبقاء المشابهة على حقيقتها، فلما أبقاها على حقيقتها من المصدرية احتاج إلى جعل ما التى فسرت بها المشابهة مصدرية
(قوله: أى أشباه اللفظين) مصدر مضاف لفاعله أى: مشابهة اللفظين إلخ
(قوله: لفظا ومعنى) أى: من جهة اللفظ والمعنى
(قوله: أما لفظا) أى: أما بيان الغلط من جهة اللفظ
(قوله: فلأنه جعل الضمير) أى: المستتر وقوله للفظين أى: لأنه جعل فاعل يشبه اللفظين وهما مثنى فقد رجع الضمير المفرد للمثنى
(قوله: إلا بتأويل بعيد) أى: وهو كون الضمير عائدا على اللفظين باعتبار تأويلهما بالمذكور أى: أشباه ما ذكر من اللفظين الاشتقاق، وهذا تكلف لا يحمل عليه اللفظ مع إمكان الحمل على غيره بدون تكلف
(قوله: بل توافقهما إلخ) إن قلت: إن هذا مراد هذا القائل فقد أراد بأشباه اللفظين فى الاشتقاق توافقهما فيه وحذف المضاف شائع، قلت: إن تقدير المضاف تكلف لا داعى إليه للاستغناء عنه بالوجه القريب، إن قلت إن الوجه الذى قاله الشارح وهو جعل ما موصولة أو موصوفة موقوف على جعل المصدر وهو المشابهة بمعنى اسم الفاعل وهو تكلف، قلت: لا تكلف، إذ إطلاق المصدر بمعنى اسم الفاعل لقرينة كثير والقرينة هنا التفسير- تأمل ذلك.
بأن يكون فى كل منهما جميع ما يكون فى الآخر من الحروف أو أكثرها، لكن لا يرجعان إلى أصل واحد كما فى الاشتقاق (نحو: قال إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) فالأول من القول والثانى من القلى وقد يتوهم أن المراد بما يشبه الاشتقاق هو الاشتقاق الكبير وهذا أيضا غلط لأن الاشتقاق الكبير هو الاتفاق فى الحروف الأصول دون الترتيب مثل القمر والرقم والمرق وقد مثلوا فى هذا المقام بقوله تعالى:
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) (1) ولا يخفى أن الأرض مع أرضيتم
===
(قوله: بأن يكون فى كل إلخ) أى: كما فى الآية المتقدمة
(قوله: أو أكثرها) أى: كما فى الأرض وأرضيتم؛ لأن الهمزة فى الأول أصلية وفى أرضيتم للاستفهام فليست أصلية
(قوله: لكن لا يرجعان إلخ) أى: وإن كان يتوهم فى بادئ الرأى رجوعهما لأصل واحد
(قوله: كما فى الاشتقاق) راجع للمنفى.
(قوله: نحو قال إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (2)) أى: قال لوط لقومه إنى لعملكم من القالين أى: الباغضين، فإن قال وقالين مما يتوهم فى بادئ النظر وقبل التأمل أنهما يرجعان لأصل واحد فى الاشتقاق وهو القول: مثل قال والقائل، لكن بعد النظر والتأمل يظهر أن قال من القول والقالين من القلى بفتح القاف وسكون اللام (3) قال فى الخلاصة.
فعل قياس مصدر المعدّى
…
من ذى ثلاثة كردّ ردّا
وهو البغض
(قوله: هو الاشتقاق الكبير) أى: فقط
(قوله: وهذا أيضا غلط) أى: بل المراد باعتبار الاشتقاق ما يعم الاشتقاق الكبير وغيره وقوله أيضا أى: مثل الغلط فى ما المصدرية
(قوله: مثل القمر والرقم والمرق) أى: فهذه الكلمات الثلاثة اتفقت فى الحروف الثلاثة ولم يكن فيها ترتيب
(قوله: وقد مثلوا إلخ) جملة حالية وهى
(1) التوبة: 38.
(2)
الشعراء: 168.
(3)
قوله من القلى: بفتح القاف وسكون اللام إلخ- هذا قياس غير مسموع فى مصدر قلى بمعنى أبغض، بل مصدره القلى كالرضا ويمد والمقلية كما فى كتب اللغة.