المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[رد العجز على الصدر]: - حاشية الدسوقي على مختصر المعاني - جـ ٤

[محمد بن أحمد الدسوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الفن الثالث [علم البديع]

- ‌[تعريفه]

- ‌[وجوه تحسين الكلام]:

- ‌[المحسنات المعنويه]

- ‌[المطابقة]:

- ‌[أنواع الطباق]:

- ‌[المقابلة]:

- ‌[مراعاة النظير]:

- ‌[الإرصاد]:

- ‌[المشاكلة]:

- ‌[المزاوجة]:

- ‌العكس:

- ‌[الرجوع]:

- ‌[الاستخدام]:

- ‌[الجمع]:

- ‌[التفريق]:

- ‌[التقسيم]:

- ‌[الجمع مع التفريق]:

- ‌[الجمع مع التقسيم]:

- ‌[الجمع مع التفريق والتقسيم]:

- ‌[التجريد]:

- ‌[المبالغة]:

- ‌[المذهب الكلامى]:

- ‌[حسن التعليل]:

- ‌[التفريع]:

- ‌[تأكيد المدح بما يشبه الذم]:

- ‌[تأكيد الذم بما يشبه المدح]:

- ‌[الاستتباع]:

- ‌[الإدماج]:

- ‌[التوجيه]:

- ‌[الهزل يراد به الجدّ]:

- ‌[تجاهل العارف]:

- ‌[القول بالموجب]:

- ‌[الاطراد]:

- ‌[المحسنات اللفظية]:

- ‌[الجناس]

- ‌[رد العجز على الصدر]:

- ‌[السجع]:

- ‌[الموازنة]:

- ‌[القلب]:

- ‌[التشريع]:

- ‌[لزوم ما لا يلزم]:

- ‌[خاتمة]: [فى السرقات الشعرية وما يتصل بها]

- ‌[السرقة والأخذ نوعان]:

- ‌[الأول: ظاهر]:

- ‌[الثانى: غير ظاهر

- ‌ومنه: تشابه المعنيين]:

- ‌[ومنه: النقل]:

- ‌[ومنه: أن يكون معنى الثانى أشمل]:

- ‌[ومنه: القلب]:

- ‌[ومنه: أخذ بعض المعنى مع تحسينه ببعض الإضافات]:

- ‌ الاقتباس

- ‌[التضمين]:

- ‌[العقد]:

- ‌[الحل]:

- ‌التلميح:

- ‌[فصل] [فى حسن الابتداء والتخلص والانتهاء]

- ‌فهرس‌‌ المصادر والمراجع

- ‌ ا

- ‌ب

- ‌ج

- ‌ت

- ‌د

- ‌خ

- ‌س

- ‌ش

- ‌ص

- ‌ ط

- ‌ق

- ‌ع

- ‌ي

- ‌ ف

- ‌ل

- ‌م

- ‌ي

- ‌ة

- ‌ن

الفصل: ‌[رد العجز على الصدر]:

ليس كذلك.

[رد العجز على الصدر]:

(ومنه) أى ومن اللفظى (رد العجز على الصدر وهو فى النثر أن يجعل أحد اللفظين المكررين) أى المتفقين فى اللفظ والمعنى (أو المتجانسين) أى المتشابهين فى اللفظ دون المعنى (أو الملحقين) بهما أى بالمتجانسين يعنى الذين يجمعهما الاشتقاق أو شبه الاشتقاق (فى أول الفقرة) وقد عرفت معناها (و) اللفظ (الآخر فى آخرها) أى آخر الفقرة فتكون الأقسام أربعة

===

محط الرد على ذلك المتوهم (وقوله: فى هذا المقام) أى: ما يشبه الاشتقاق

(قوله: ليس كذلك) أى: ليس بينهما اشتقاق كبير، لأن همزة أرضيتم ليست أصلية؛ لأنها للاستفهام بخلاف همزة أرض فلم يحصل اتفاق فى الحروف الأصول والاشتقاق الكبير يعتبر فيه ذلك على أن هنا ترتيبا، والاشتقاق الكبير يشترط فيه عدم الترتيب، والحاصل أن تمثيلهم لما يشبه الاشتقاق بهذه الآية التى لا يصح أن تكون من الاشتقاق الكبير دليل على بطلان قول من قال: المراد بما يشبه الاشتقاق هو الاشتقاق الكبير فقط.

[رد العجز على الصدر]:

(قوله: رد العجز) أى: إرجاع العجز للصدر بأن ينطق به كما نطق بالصدر

(قوله: المتفقين فى اللفظ والمعنى) أى: ولا يستغنى بأحدهما عن الآخر

(قوله: فى أول الفقرة) متعلق ب يجعل أى: هو فى النثر أن يجعل فى الفقرة أحد المذكورين من تلك الأنواع الأربعة، ويجعل اللفظ الآخر من ذلك النوع فى آخر تلك الفقرة

(قوله: وقد عرفت معناها) أى: فى بحث الأرصاد، فلذا لم يتعرض لبيانها، وحاصل ما مر أن الفقرة بفتح الفاء وكسرها فى الأصل: اسم لعظم الظهر، ثم استعيرت للحلى المصوغ على هيئته، ثم أطلقت على كل قطعة من قطع الكلام الموقوفة على حرف واحد لحسنها ولطافتها، والتحقيق أنه لا يشترط فيها أن تكون مصاحبة لأخرى، فصح التمثيل بقوله:

وتخشى الناس إلخ، وبقوله: سائل اللئيم إلخ؛ لأن كلّا منهما ليس معه أخرى.

(قوله: فتكون الأقسام إلخ) أى: أقسام رد العجز على الصدر فى النثر أربعة، وأما فى النظم فسيأتى أنها ستة عشر وإنما كانت أقسامه فى النثر أربعة، لأن اللفظين

ص: 175

(نحو قوله تعالى وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ (1) فى المكررين (ونحو:

سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل) فى المتجانسين (ونحو قوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (2) فى الملحقين اشتقاقا (ونحو قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (3) فى الملحقين بشبه الاشتقاق (و)

===

الموجود أحدهما فى أول الفقرة والآخر فى آخرها إما أن يكونا مكررين أو متجانسين، أو ملحقين بالمتجانسين من جهة الاشتقاق، أو من جهة شبه الاشتقاق فهذه أربعة، وقد مثل المصنف لها على هذا الترتيب

(قوله: نحو: وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ) فقد وقع تخشى فى أول هذه الفقرة وكرر فى آخرها، ولا يضر اتصال الآخر بالهاء فى كونه آخرا؛ لأن الضمير المتصل كالجزء من الفعل؛ لأنه لما كان مفعولا له كان من تتمته

(قوله: سائل اللئيم) أى: طالب المعروف من الرجل الموصوف باللآمة والرذالة (وقوله: ودمعه سائل) أى: ودمع السائل، ويحتمل ودمع اللئيم وهو أبلغ فى ذم اللئيم حيث لا يطيق السؤال- قاله فى الأطول.

(قوله: فى المتجانسين) أى: إن سائل الذى فى أول الفقرة وسائل الذى فى آخرها متجانسان؛ لأن الأول من السؤال والثانى من السيلان

(قوله: ونحو قوله تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) لم يعتبر فى الآية لفظ فقلت قبل استغفروا؛ لأن استغفروا هو أول فقرة فى كلام نوح- عليه السلام وهى المعتبرة أولا، ولفظ قلت لحكايتها

(قوله: فى الملحقين اشتقاقا) أى: فى الملحقين بالمتجانسين من جهة الاشتقاق؛ لأن استغفروا وغفّارا مشتقان من المغفرة، ولذلك الاشتقاق ألحقا بالمتجانسين.

(قوله: فى الملحقين يشبه الاشتقاق) أى: فى الملحقين بالمتجانسين بسبب شبه الاشتقاق فصلة الملحقين محذوفة، والباء فى قوله بشبه للسببية؛ ولأن الإلحاق إنما هو بالمتجانسين لا بشبه الاشتقاق، والحاصل أن بين قال والقالين شبه اشتقاق وبه ألحقا

(1) الأحزاب: 37.

(2)

نوح: 10.

(3)

الشعراء: 168.

ص: 176

هو (فى النظم أن يكون أحدهما) أى أحد اللفظين المكررين أو المتجانسين أو الملحقين بهما اشتقاقا أو شبه اشتقاق (فى آخر البيت و) اللفظ (الآخر فى صدر المصراع الأول أو حشوه أو آخره أو صدر) المصراع (الثانى) فتصير الأقسام ستة عشر حاصلة من ضرب أربعة فى أربعة والمصنف

===

بالمتجانسين كما تقدم

(قوله: هو) أى: رد العجز إلى الصدر

(قوله: أو الملحقين بهما) أى: بالمتجانسين وقوله اشتقاقا أو شبه اشتقاق أى: من جهة الاشتقاق أو بسبب شبه الاشتقاق

(قوله: فى صدر المصراع الأول) أى: من البيت والمصراع الأول من البيت نصفه الأول

(قوله: أو حشوه) أى: أو يكون ذلك اللفظ الآخر فى حشو المصراع الأول

(قوله: أو آخره) أى: أو يكون ذلك اللفظ الآخر فى آخر المصراع الأول

(قوله: أو صدر المصراع الثانى) أى: ويكون ذلك اللفظ الآخر فى أول المصراع الثانى من البيت وهو نصفه الثانى، وحاصل ما فهم من كلام المصنف أن أحد اللفظين ليس له إلا محل واحد من البيت وهو الآخر ومقابله له أربعة من المحال، أول المصراع الأول، أو وسطه أو آخره، أو أول المصراع الثانى، واعتبر السكاكى قسما آخر وهو أن يكون اللفظ الآخر فى حشو المصراع الثانى نحو:

فى علمه وحلمه وزهده

وعهده مشتهر مشتهر

أى: هو فى علمه مشتهر، وفى حلمه مشتهر، وفى زهده مشتهر، وفى عهده مشتهر، والرواية بفتح الهاء مأخوذة من اشتهره الناس فقد وقع مشتهر فى حشو المصراع الثانى ورد عليه مشتهر الثانى الذى فى عجز البيت، ورأى المصنف ترك هذا القسم أولى؛ لأنه لا معنى فيه لرد العجز على الصدر، إذ لا صدارة لحشو المصراع الثانى بالنسبة لعجزه؛ لأنه لو كان فيه صدارة بالنسبة لعجزه لكان لحشو المصراع الأول صدارة بالنسبة لعجزه، مع أن هذا لم يجعل من هذا القبيل اتفاقا

(قوله: من ضرب أربعة) وهى كون اللفظين المتقابلين إما مكررين أو متجانسين أو ملحقين بهما من جهة الاشتقاق، أو بسبب شبه الاشتقاق (وقوله: فى أربعة) وهى كون اللفظ المقابل لما فى عجز البيت واقعا فى صدر المصراع الأول، أو فى حشوه، أو فى عجزه، أو فى صدر المصراع الثانى، وعلى اعتبار السكاكى تكون الأقسام عشرين، من ضرب أربعة أقسام المتقابلين فى خمسة

ص: 177

أورد ثلاثة عشر مثالا وأهمل ثلاثة (كقوله:

سريع إلى ابن العمّ يلطم وجهه

وليس إلى داعى النّدى بسريع) (1)

فيما يكون المكرر الآخر فى صدر المصراع الأول (وقوله:

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشيّة من عرار)

===

أقسام المحال

(قوله: أورد ثلاثة عشر مثالا) فقد مثل للمكررين بأربعة أمثلة، وللمتجانسين بأربعة، وللملحقين بالمتجانسين من جهة الاشتقاق بأربعة، ولم يمثل للملحقين بالمتجانسين بشبه الاشتقاق إلا بمثال واحد

(قوله: وأهمل ثلاثة) إما لعدم ظفره بأمثلتها وإما اكتفاء بأمثلة الملحقين من جهة الاشتقاق، وسنذكر- إن شاء الله تعالى- أمثلتها عند مثال الملحقين بشبه الاشتقاق تكميلا للأقسام

(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو المغيرة بن عبد الله وهذا شروع فى أمثلة اللفظين المذكورين وهى أربعة كما مر (وقوله: سريع) أى: هو سريع، ويلطم: بكسر الطاء من باب ضرب، أو بضمها من باب نصر أى: يضرب وجهه بالكف، والندى: العطاء أى: هذا المزموع سريع إلى الشر والملامة فى لطمه وجه ابن العم وليس بسريع إلى ما يدعى إليه من الندى والكرم

(قوله: فيما يكون المكرر إلخ) حال من قوله أى: حالة كون ذلك القول من أمثلة القسم الذى يكون المكرر الآخر فى صدر المصراع الأول، وكذا يقال فيما يأتى بعده ونظير هذا البيت قول ابن جابر:

غزال إنس يصيد أسدا

فاعجب لما يصنع الغزال

دلاله دلّ كل شوق

عليه إذ زانه الدّلال

قتاله لا يطاق لكن

يعجبنى ذلك القتال

(قوله: وقوله: تمتع) أى: وقول الشاعر وهو الصمة بن عبد الله القشيرى، والصمة بوزن همة فى الأصل اسم للرجل الشجاع والذكر من الحياة، وسمى به هذا الشاعر، وقوله تمتع: مقول القول فى البيت قبله وهو

أقول لصحابى والعيس تهوى

بنا بين المنيفة فالضّمار (2)

(1) البيت للأقيشر، فى الإشارات ص 234.

(2)

البيت للصمة القشيرى- وبعده:

تمتع من شميم عرار نجد

فما بعد العشيّة من عرار

والأخير فى لسان العرب مادة (عرر)

ص: 178

فيما يكون المكرر الآخر فى حشو المصراع الأول ومعنى البيت استمتع بشم عرار نجد وهى وردة ناعمة صفراء طيبة الرائحة فإنا نعدمه إذا أمسينا لخروجنا من أرض نجد ومنابته (وقوله (1) ومن كان بالبيض الكواعب) جمع كاعب وهى الجارية حين يبدو ثديها للنهود (مغرما) مولعا (فما زلت بالبيض القواضب) أى السيوف القواطع (مغرما) فيما يكون المكرر الآخر فى آخر المصراع الأول (وقوله (2)

===

والعيس بكسر العين المهملة فى الأصل: الإبل التى يخالط بياضها شىء من الشقرة واحدها: أعيس والأنثى عيساء، والمراد به هنا مطلق الإبل، قوله: تهوى أى تنحدر، والمنيفة والضمار: موضعان، والنجد: ما ارتفع من بلاد العرب، وما انخفض منها يسمى: غورا وتهامة

(قوله: فما بعد العشية من عرار) من زائدة، وما بعدها مبتدأ، والظرف قبلها خبره، وما مهملة، وأما قول الشارح فى المطول: إن من عرار فى موضع رفع على أنه اسم ما ومن زائدة، فقد اعترض عليه فيه بأن شرط عمل ما الحجازية الترتيب، وقد انتفى هنا.

(قوله: وهى) أى: العرار بفتح العين المهملة

(قوله: وردة) أى: تطلع وتفرش على وجه الأرض لا ساق لها

(قوله: نعدمه) من باب علم

(قوله: ومنابته) أى: ومن منابته أى: ومن المواضع التى ينبت فيها ذلك العرار

(قوله: وقوله ومن كان إلخ) أى وقول الشاعر وهو: أبو تمام حبيب ابن أوس الطائى

(قوله: الكواعب) بدل من البيض، أو عطف بيان، لا أنه من إضافة الصفة للموصوف كما قيل.

قوله: جمع كاعب فى الأطول جمع كاعبة وكل صحيح؛ لأن فواعل يأتى جمعا لفاعل وفاعلة

(قوله: حين يبدو ثديها للنهود) أى: التى يظهر ثديها لنهوده وارتفاعه، وقوله فمازلت بالبيض: جمع أبيض، وهذا دليل لجواب الشرط المحذوف ومعنى البيت:

إن من كانت لذته فى مخالطة الإناث الحسان فلا ألتفت إليه لأنى مازالت لذتى بمخالطة

(1) البيت لأبى تمام فى ديوانه 3/ 336.

(2)

هو لذى الرمة غيلان بن عقبة وفى الديوان" إلا تعلل ساعة" 2/ 912.

ص: 179

وإن لم يكن إلا معرج ساعة) هو خبر كان واسمه ضمير يعود إلى الإلمام المدلول عليه فى البيت السابق وهو:

ألمّا على الدار التى لو وجدتّها

بها أهلها ما كان وحشا مقيلها

(قليلا) صفة مؤكدة لفهم القلة من إضافة التعريج إلى الساعة أو صفة مقيدة

===

السيوف القواطع واستعمالها فى محالها من الحروب

(قوله: وقوله وإن لم يكن إلخ) أى:

وقول الشاعر وهو ذو الرمة

(قوله: وإن لم يكن إلا معرج ساعة) أى: وإن لم يكن الإلمام إلا تعريج ساعة فمعرج اسم مفعول بمعنى المصدر

(قوله: ألما) أى: انزلا فى الدار، والتثنية لتعدد المأمور أو لخطاب الواحد بخطاب المثنى كما هو عادة العرب

(قوله: بها أهلها) هذه الجملة فى موضع المفعول الثانى لوجد، ويصح نصب أهلها بدلا من الهاء فى وجدتها، وبها هو المفعول الثانى، والإلمام وهو: النزول، والتعريج على الشىء:

الإقامة عليه، والإخبار عن الإلمام بالتعريج صحيح من الإخبار بالأخص عن الأعم؛ لأن الإلمام مطلق النزول وهو أعم عن التعريج الذى هو نزول مع استقرار

(قوله: ما كان وحشا مقيلها) جواب لو أى ما كان موحشا محل القيلولة منها وهى النوم فى وقت القائلة أعنى نصف النهار يعنى ما كان خاليا مقيلها، وهذا كناية عن تنعم أهلها وشرفهم، لأن أهل الثروة من العرب يستريحون بالقيلولة بخلاف أهل المهنة، فإنهم فى وقت القائلة يشتغلون بالسعى فى أمورهم.

(قوله: لفهم القلة من إضافة التعريج إلى الساعة) هذا بناء على أن الإضافة لامية أى: إلا معرجا لساعة أى: إلا معرجا منسوبا لساعة فالساعة مفعول به للتعريج على التوسع، لا أنها ظرف له، وحيث جعلت الإضافة لامية استفيدت القلة من تلك الإضافة

(قوله: أو صفة مقيدة) أى: وعلى هذا فالإضافة على معنى فى والمعنى وإلا تعريجا قليلا فى ساعة، فعلى الوجه الأول تكون الإضافة مفيدة استيعاب التعريج للساعة بخلافه على الثانى فهو صادق باستيعابها وعدمه، قال الشيخ يس: وكان الفرق بين الوجهين أى: جعل الصفة مؤكدة أو مقيدة بالاعتبار، فيعتبر فى الأول التقييد بالساعة

ص: 180

أى إلا تعريجا قليلا فى ساعة (فإنى نافع لى قليلها) مرفوع فاعل نافع والضمير للساعة والمعنى قليل من التعريج فى الساعة ينفعنى ويشفى غليل وجدى وهذا فيما يكون المكرر الآخر فى صدر المصراع الثانى (وقوله دعانى) أى اتركانى (من ملامكما سفاها)

===

قبل الوصف ب قليلا، وفى الثانى يعتبر الوصف بالقلة قبل الوصف بالساعة، قال فى الأطول: ولا مجال لتقييد التعريج بالصفة قبل تقييده بالإضافة حتى يكون كل من الإضافة والوصف مقيدا له

(قوله: أى إلا تعريجا قليلا فى ساعة) فيه إشارة إلى أن معرج مصدر فينبغى فتح رائه على أنه اسم مفعول، لأنه هو الذى يكون بمعنى المصدر دون اسم الفاعل

(قوله: فاعل نافع) أى: أو مبتدأ خبره نافع مقدم عليه والجملة فى محل رفع خبر إن

(قوله: والضمير للساعة) أى: التى وقع فيها التعريج

(قوله: والمعنى قليل إلخ) أى: ومعنى البيت الأخير، وأما معنى البيتين معا أطلب منكما أيها الخليلان أن تساعدانى على الإلمام بالدار التى ارتحل أهلها فصارت القيلولة فيها موحشة، والحال: أنى لو وجدت أهلها فيها ما كان محل القيلولة فيها موحشا لكثرة أهلها وتنعمهم، وإن لم يكن ذلك النزول وذلك التعريج إلا شيئا قليلا فإنه نافع لى يذهب بتذكر الأحباب فيه بعض همى ويشفى غليل وجدى

(قوله: وهذا فيما يكون المكرر إلخ) حاصله أن المكرر فى هذا البيت لفظ قليلا فقد ذكر أولا فى صدر المصراع الثانى وذكر ثانيا فى عجزه ولا يضر اتصال قليلها بالهاء فى كونه عجز لما تقدم أن الضمير المتصل حكمه حكم ما اتصل به

(قوله: وقوله دعانى إلخ) أى: وقول الشاعر وهو القاضى الأرجانى، وقبل البيت:

إذا لم تقدرا أن تسعدانى

على شجنى فسيرا واتركانى

دعانى

إلخ، وبعده:

أميل عن السّلوّ وفيه برئى

وأعلق بالغرام وقد برانى

ألا لله ما صنعت بعقلى

عقائل ذلك الحىّ اليمانى

وهذا شروع فى أمثلة المتجانسين وهى أربعة كما مر

(قوله: أى اتركانى) أشار بذلك إلى أن دعانى تثنية دع- من ودع- يدع، لا تثنية دعا- يدعو بمعنى: طلب

ص: 181

أى خفة وقلة عقل (فداعى الشوق قبلكما دعانى)(من الدعاء) وهذا فيما يكون المتجانس الآخر فى صدر المصراع الأول (وقوله (1) وإذا البلابل) جمع بلبل وهو طائر معروف (أفصحت بلغاتها، فانف البلابل) جمع بلبال وهو الحزن (باحتساء بلابل) جمع بلبلة بالضم وهو إبريق فيه الخمر وهذا فيما يكون المتجانس الآخر أعنى البلابل الأول فى حشو المصراع الأول لا صدره لأن صدره هو قوله وإذا

===

(قوله: أى خفة وقلة عقل) هذا على تقدير أن يكون سفاها بفتح السين المهملة، فيكون نصبا على التمييز، أو على أنه مفعول لأجله، وقد يروى بكسر الشين المعجمة بمعنى:

المشافهة والمواجهة بالكلام، فيكون نصبا على المصدرية أى: ملامة مشافهة، أو على الحال والمعنى اتركانى من لومكما الواقع منكما لأجل سفهكما وقلة عقلكما، أو الواقع منكما مشافهة من غير استحياء فإنى لا ألتفت إلى ذلك اللوم، لأن الداعى للشوق قد دعانى له ونادانى إليه فأجبته فلا أجيبكما بعده، وذلك الداعى الذى دعا للشوق هو جمال المحبوب المشتاق إليه، والشاهد فى دعانى الواقع فى صدر المصراع الأول ودعانى الواقع فى عجز البيت فإنهما ليسا مكررين، بل متجانسين؛ لأن الأول بمعنى اتركانى والثانى بمعنى نادانى؛ لأنه من الدعوة بمعنى الطلب والجناس الذى بينهما متماثل

(قوله: وقوله وإذا البلابل) أى: وقول الشاعر وهو الثعالبى

(قوله: جمع بلبل) أى: بضم الباءين

(قوله: أفصحت بلغاتها) أى: خلصت لغاتها من اللكنة، يقال أفصح الأعجمى إذا نطق لسانه وخلصت لغته من اللكنة، والمراد بلغاتها النغمات التى تصدر منها جعل كل نغمة لغة أى: إذا حركت البلابل بنغماتها الحسان الخالصة من اللكنة أحزان الأشواق والهوى

(قوله: جمع بلبال) هو بالفتح والاحتساء الشرب أى: فانف الأحزان التى حركها صوت البلابل بالشرب من أباريق الخمر، والحاصل أن مراد الشاعر نفى بلابل حدثت من إفصاح البلابل، لأن الصوت اللطيف يحرك أحزان الهوى- كذا فى الأطول.

(قوله: لأن صدره هو قوله وإذا) أى: فإذا متقدمة على البلابل، وحينئذ فالبلابل الأولى واقعة فى الحشو لا فى الصدر، وعلم من كلام الشارح أن المقصود بالتمثيل

(1) البيت للثعالبى فى الإشارات ص 296.

ص: 182

(وقوله: فمشغوف (1) بآيات المثانى) أى القرآن (ومفتون برنّات المثانى) أى بنغمات أوتار المزامير التى ضم طاق منها إلى طاق وهذا فيما يكون المتجانس الآخر فى آخر المصراع الأول (وقوله (2): أملتهم ثم تأملتهم، فلاح) أى ظهر (لى أن ليس فيهم فلاح) أى فوز ونجاح وهذا فيما يكون المتجانس الآخر فى صدر المصراع الثانى

===

لفظ بلابل الثالث مع الأول لا مع الثانى؛ لأن الثانى ليس فى أول المصراع الثانى ولا الأول ولا فى حشو الأول ولا فى أخره، بل فى حشو الثانى وهو غير معتبر عند المصنف كما مر بل عند السكاكى

(قوله: وقوله: فمشغوف إلخ) أى: وقول الشاعر وهو الحريرى فى المقامة الحرامية وقبل البيت:

بها ما شئت من دين ودنيا

وجيران تنافوا فى المعانى

والضمير فى بها للبصرة

(قوله: أى القرآن) أى: فمشغوف بآيات القرآن يهتدى بها ويتذكر ما فيها من الاعتبارات، واعلم أن المثانى تطلق على ما كان أقل من مائتى آية من القرآن وعلى فاتحة الكتاب؛ لأنها تثنى فى كل ركعة وعلى القرآن بتمامه؛ لأنه يثنى فيه القصص والوعد والوعيد، والمراد بالمثانى الأول فى البيت هذا المعنى- كما قال الشارح.

(قوله: ومفتون) من الفتن بمعنى الإحراق، قال الله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (3)، أو بمعنى الجنون، والرنات جمع رنة: وهى الأصوات، والمثانى جمع مثنى وهو ما كان من الأعواد له وتران فأكثر والفاء فى قوله فمشغوف لتفصيل أهل البصرة أى:

فمنهم الصالحون المشغوفون بقراءة القرآن، ومنهم من هو مفتون بآلات اللهو والطرب، ومنهم دون ذلك، والمقصود مدح البصرة بأنها مصر جامع

(قوله: أى بنغمات) جمع نغمة بمعنى صوت أى: أصوات وهذا تفسير لرنات، (وقوله: أوتار المزامير) تفسير للمثانى

(قوله: التى ضم إلخ) فيه إشارة إلى وجه تسميتها مثانى أى: لأنها تثنى أى: يضم طاق أى: وتر منها إلى طاق أى: وتر آخر حال الضرب عليها

(قوله: وقوله: أملتهم إلخ)

(1) البيت للحريرى من مقاماته ص 521.

(2)

البيت للأرجانى من قصيدة يمدح فيها شمس الملك فى الإشارات ص 297.

(3)

الذاريات: 13.

ص: 183

(وقوله: ضرائب) جمع ضريبة وهى الطبيعة التى ضربت للرجل وطبع عليها (أبدعتها فى السماح، فلسنا نرى لك فيها ضريبا) أى مثلا وأصله المثل في ضرب القداح

===

أى: وقول القاضى الأرجانى نسبة لأرجان بلدة من بلاد فارس، والبيت من السريع، وعروضه مطوية مكسوفة، وضربه موقوف (وقوله: أملتهم) أى: رجوت منهم المعروف والخير (وقوله: ثم تأملتهم) أى: ثم تأملت فيهم وتفكرت فى أحوالهم هل هى أحوال من يرجى خيره أم لا؟ (وقوله: فلاح لى) أى: فظهر لى بعد التأمل فى أحوالهم أنه ليس فيهم فلاح أى: فوز وبقاء على الخير، وقد أفاد ب ثم أنه كان على الخطأ مدة مديدة لعدم التأمل، وباستعمال الفاء أنه ظهر له عدم فلاحهم بأدنى تأمل، ومحل الشاهد قوله فلاح:

الواقع فى صدر المصراع الثانى، وفلاح الثانى الواقع فى عجز البيت فإنهما متجانسان؛ لأن الأول بمعنى ظهر، والثانى بمعنى الفوز والإقامة على الخير

(قوله: وقوله: (1) ضرائب إلخ) أى: وقول الشاعر وهو البحترى، وهذا شروع فى أمثلة اللفظين الملحقين المتجانسين من جهة الاشتقاق وهى أربعة كما مر، والبيت المذكور من بحر المتقارب فوزنه فعول ثمان مرات

(قوله: التى ضربت للرجل) أى: أوجدت فيه وطبع عليها، (وقوله: وهى الطبيعة) أى السجية

(قوله: أبدعتها) أى: أنشأتها فى العالم من غير أن يتقدم لأحد من الناس عليك منشأ فيها (وقوله: فى السماح) أى: الكرم إن قلت: كونها طبائع وكونه أبدعها وأحدثها متنافيان، إذ لا معنى لإحداث الطبائع، قلت: المراد أنك أنشأت آثارها الدالة على أنك طبعت عليها من الإعطاء الأفخم والبذل لكل نفيس أعظم بدليل قوله فى السماح

(قوله: أى مثلا) أى: بل تلك الضرائب اختصصت بها وعلم من كلامه أنه فرق بين الضريبة والضريب فالضريبة عبارة عن الطبيعة التى طبع الشخص عليها والضريب المثل

(قوله: وأصله) أى: وأصل الضريب المثل فى ضرب القداح أى: أنه فى الأصل مثل مقيد، ثم أريد به مطلق مثل (وقوله: فى ضرب القداح) فى بمعنى من، وضرب بمعنى:

خلط، والقداح: السهام جمع قدح- بكسر القاف وسكون الدال- وهو سهم

(1) هو للبحترى فى الإشارات للجرجانى ص 297 وبلا نسبة فى الطراز 2/ 393.

ص: 184

وهذا فيما يكون الملحق الآخر بالمتجانسين اشتقاقا فى صدر المصراع الأول (وقوله:

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شىء سواه بخزّان) (1)

أى إذا لم يحفظ المرء لسانه على نفسه مما يعود ضرره إليه فلا يحفظه على غيره ....

===

القمار وإضافة ضرب من إضافة الصفة للموصوف أى: المثل من القداح المضروبة أى:

المخلوطة فكل واحد منها يقال له ضريب؛ لأنه يضرب به فى جملتها وهو مثلها فى عدم التعيين فى المضاربة

(قوله: وهذا فيما يكون الملحق الآخر بالمتجانسين اشتقاقا) أى: من جهة الاشتقاق يعنى أن هذا مثال للفظين المتقابلين الملحقين بالمتجانسين من جهة الاشتقاق، وقد وقع أحدهما فى عجز البيت والثانى المقابل له فى صدر المصراع الأول، ووجه كونهما ملحقين بالمتجانسين من جهة الاشتقاق أن ضرائب وضريبا يرجعان لأصل واحد وهو الضرب، إن قلت: إن الضرائب والضريب من قبيل المتجانسين لاختلاف معناهما كما مر، إذ لو كانا ملحقين بالمتجانسين من جهة الاشتقاق لا يجد معناهما، أجاب العلامة ابن يعقوب بأن اختلافهما فى الماصدق لا ينافى أنهما متحدان فى مفهوم المشتق منه الذى هو المعتبر فى المشتقات، فجنس الضرب متحد فيهما وإن كان فى الضرائب بمعنى الإلزام بعد الإيجاد الذى قد يحدث عادة عن الضرب كضرب الطابع على الدرهم، وفى الثانى وهو الضريب بمعنى التحريك الذى هو هنا أخص من مطلق التحريك الصادق على الضرب

(قوله: وقوله: إذا المرء إلخ) أى: وقول الشاعر وهو امرؤ القيس، وهذا البيت من قصيدته مطلعها:

قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان

وربع عفت آياته منذ أزمان (2)

(وقوله: لم يخزن) بالخاء والزاء المعجمتين بضم الزاء وكسرها فهو من باب نصر وفرح

(قوله: فلا يحفظه على غيره) أى: فلا يوثق به فى أموره؛ لأنه لا يحفظه بالنسبة

(1) لامرئ القيس فى ديوانه ص 90.

(2)

البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص 163، ط دارالكتب العلمية.

ص: 185

مما لا ضرر له فيه وهذا مما يكون الملحق الآخر اشتقاقا فى حشو المصراع الأول (وقوله (1): لو اختصرتم من الإحسان زرتكم، والعذب) من الماء (يهجر للإفراط فى الخصر) أى فى البرودة يعنى أن بعدى عنكم لكثرة إنعامكم على وقد توهم بعضهم أن هذا المثال مكرر حيث كان اللفظ الآخر فى حشو المصراع الأول كما فى البيت الذى قبله ولم يعرف أن اللفظين فى البيت السابق مما يجمعهما الاشتقاق وفى هذا البيت مما يجمعهما شبه الاشتقاق

===

إلى غيره بالطريق الأولى

(قوله: مما لا ضرر له فيه) أى: وإنما ضرره على غيره

(قوله: وهذا مما يكون الملحق الآخر اشتقاقا) أى: هذا المثال من أمثلة القسم الذى يكون فيه اللفظان المتقابلان ملحقين بالمتجانسين من جهة الاشتقاق وأحدهما فى العجز والملحق الآخر فى حشو المصراع الأول، وإنما كانا ملحقين من جهة الاشتقاق؛ لأن يخزن وخزان يرجعان لأصل واحد وهو الخزن فهما مشتقان منه.

(قوله: وقوله لو اختصرتم) أى: قول الشاعر وهو أبو العلاء المعرى، وقوله لو اختصرتم من الإحسان أى: لو تركتم كثرة الإحسان ولم تبالغوا فيه، بل أتيتم بما يعتدل منه زرتكم لكن أكثرتم من الإحسان فهجرتكم لتلك الكثرة ولا غرابة فى هجران ما يستحسن لخروجه عن حد الاعتدال، لأن الماء العذب يهجر للإفراط فى الصفة المستحسنة منه وهى الخصر أى: برودته

(قوله: فى الخصر) بالخاء المعجمة والصاد المهملة المفتوحتين البرد، وأما بفتح الخاء وكسر الصاد: فهو البارد

(قوله: يعنى أن بعدى عنكم لكثرة إنعامكم على) فقد عجزت عن الشكر فأنا أستحيى من الإتيان إليكم من غير قيام بحق الشكر فهو مدح لهم، ويحتمل أن المراد ذمهم أى: إنهم أكثروا فى الإحسان حتى تحقق منهم جعلهم ذلك فى غير محله سفها فهجرهم لأفعالهم السفيهة فهذا يشبه أن يكون من التوجيه وفى البيت حسن التعليل

(قوله: وفى هذا البيت مما يجمعهما شبه الاشتقاق) أى: لأنه يتبادر فى بادئ الرأى أن اختصرتم، والخصر من مادة

(1) للمعرى فى سر الفصاحة ص 267، والمصباح ص 114.

ص: 186

والمصنف لم يذكر من هذا القسم إلا هذا المثال وأهمل الثلاثة الباقية وقد أوردتها فى الشرح

===

واحدة وليس كذلك؛ لأن الأول مأخوذ من مادة الاختصار الذى هو ترك الإكثار، والثانى مأخوذ من خصر أى: برد لا يقال إنه لا مادة للخصر؛ لأنه نفسها، إذ هو مصدر فليس هنا شبه اشتقاق، بل تجانس إذ الخصر لم يؤخذ من شىء حتى يتبادر كونهما من أصل واحد؛ لأنّا نقول: يكفى فيه رعاية كونه مأخوذا من الفعل على قول، إذ التبادر يكفى فيه التوهم فتأمل.

(قوله: لم يذكر من هذا القسم) أعنى كون اللفظين المتقابلين ملحقين بالمتجانسين بسبب شبه الاشتقاق إلا هذا المثال أى: وكان الأولى تأخيره بعد استيفاء أمثلة ما يجمعهما الاشتقاق، قال فى الأطول: وهذا مثال لما وقع أحد الملحقين فى آخر البيت، والآخر فى حشو المصراع الأول، وإنما كان واقعا فى حشو المصراع؛ لأنه قد تقدم عليه لو، وأنت خبير بأن هذا غير جار على اصطلاح العروضيين، فإن البيت من البسيط، ومستفعلن صدر، ولو اختصر: متفعلن، فاصطلاح علماء البديع مخالف لاصطلاح العروضيين فى الصدر والحشو والعجز، فاصطلاح العروضيين أن الصدر هو التفعيلة الأولى من المصراع والعجز التفعيلة الأخيرة وما بينهما حشو ولو كانت تلك التفعيلة كلمة وبعض كلمة أو كلمتين وأما عند علماء البديع فالكلمة الأولى من المصراع صدر والأخيرة عجز وما بينهما حشو- فتأمل.

(قوله: وقد أوردتها فى الشرح) فمثال ما يقع أحد الملحقين اللذين جمعهما شبه الاشتقاق فى آخر البيت، والملحق الآخر فى صدر المصراع الأول قول الحريرى:

ولاح يلحى على جرى العنان إلى

ملهى فسحقا له من لائح لاحى

لاح الأول فعل ماض بمعنى ظهر وفاعله ضمير يعود على الشيب فى البيت قبله وهو:

نهانى الشّيب عمّا فيه أفراحى

فكيف أجمع بين الرّاح والرّاح

وقوله يلحى أى: يلوم، وقوله على جرى العنان أى: جرى ذى العنان وهو الفرس، وقوله إلى ملهى أى: إلى مكان اللهو، وقوله فسحقا له أى: بعدا له من لائح لاحى أى:

ص: 187

(وقوله:

فدع الوعيد فما وعيدك ضائرى

أطنين أجنحة الذباب يضير)

وهذا فيما يكون الملحق الآخر اشتقاقا وهو ضائرى فى آخر المصراع الأول

===

من ظاهر لائم أى: ظهر الشيب يلومنى على جرى الخيل إلى الأماكن التى فيها اللهو فبعدا له من ظاهر لائم، فلاح الأول: ماضى يلوح مأخوذ من اللوحان وهو الظهور، والثانى اسم فاعل من لحاه إذا لامه، ومثال ما وقع الملحق الآخر فى آخر المصراع الأول قول الحريرى أيضا

ومضطلع بتلخيص المعانى

ومطّلع إلى تخليص عانى

المضطلع بالشىء القوى فيه الناهض به وتلخيص المعانى اختصار ألفاظها وتحسين عباراتها والمطلع الناظر وتخليص العانى فكاك الأسير، فالأول من عنى يعنى، والثانى من عنا يعنو، ومثال ما وقع الملحق الآخر فى صدر المصراع الثانى قول الآخر:

لعمرى لقد كان الثّريّا مكانه

ثراء فأضحى الآن مثواه فى الثّرى (1)

ثراء نصب على التمييز أى: لقد كانت الثريا مكانه من جهة ثروته وغناه، يقال لمن أصبح غنيا ذا ثروة: أصبح فلان فى الثريا أو فى العيوق، وقوله مثواه فى الثرى أى: فى الأرض والتراب، والشاهد فى ثراء الأول والثرى الثانى، فإن الأول واوى من الثروة والثانى يائى قال العلامة اليعقوبى: ويضعف كون هذا المثال من الملحق أن أحد اللفظين وهو الثانى لم يشتق من شىء حتى يتوهم فيهما الاشتقاق من أصل واحد، فالأقرب فيهما التجانس إلا أن يقال يكفى فى تبادر اشتقاقهما من أصل واحد كون أحدهما مأخوذا من شىء فيسرى الوهم الآخر- تأمل.

(قوله: وقوله (2) فدع الوعيد إلخ) أى: وقول الشاعر وهو ابن عيينة المهلبى والشاهد فى ضائرى ويضير فإنهما مما يجمعهما الاشتقاق؛ لأنهما مشتقان من الضير بمعنى الضرر، وقد وقع الأول فى آخر المصراع الأول والثانى فى عجز البيت، ومعنى البيت دع

(1) بلا نسبة فى المصباح ص 167.

(2)

فى الإشارات ص 297، ودلائل الإعجاز ص 121.

ص: 188