الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فبكى) ذلك الرجل. فظهور المشيب لا يقابل البكاء إلا أنه قد عبر عنه بالضحك الذى معناه الحقيقى مقابل البكاء (ويسمى الثانى: إيهام التضاد) لأن المعنيين قد ذكرا بلفظين يوهمان التضاد نظرا إلى الظاهر.
[المقابلة]:
(ودخل فيه) أى: فى الطباق؛
…
===
أى فهو من باب التعبير باللازم عن الملزوم لأن الضحك الذى هو هيئة للفم معتبرة من ابتداء حركة وانتهاء إلى شكل مخصوص يستلزم عادة ظهور بياض الأسنان، فعبر به عن مطلق ظهور البياض فى ضمن الفعل، فكان فيه تبعية المجاز المرسل، ويحتمل أن يكون شبه حدوث الشيب بالرأس بالضحك بجامع أن كلّا منهما معه وجود لون بعد خفائه فى آخر، ثم قدر استعارة الضحك لذلك الحدوث، واشتق من الضحك ضحك بمعنى حدث وظهر فهو استعارة تبعية، كذا فى ابن يعقوب. وفى الأطول: جعل الضحك كناية عن الظهور التام، إما لأن الظهور التام للشيب يجعل صاحبه مضحكة للناس، أو لأن الضحك يستلزم ظهور ما خفى من مستور الشفتين
(قوله: فبكى ذلك الرجل) أى بتذكر الموت أو للتأسف على زمان الشباب
(قوله: فظهور المشيب لا يقابل البكاء) بل يكاد أن يدّعى أن بينهما تلازما.
(قوله: ويسمى الثانى إيهام التضاد) أى فهو محسن معنوى باعتبار إيهام الجمع بين الضدين، أى باعتبار أنه يوقع فى وهم السامع أن المتكلم قد جمع بين معنيين متضادين، فلا يرد أنه جمع فى اللفظ فقط فيكون محسنا لفظيّا (وقوله: ويسمى الثانى إلخ) أى بخلاف الأول فإنه ليس له اسم خاص، بل هو عام وهو ملحق بالطباق. (قول: لأن المعنيين) أى الغير المتقابلين، والفرق بين التدبيج الذى فيه الكناية، وبين إيهام التضاد- مع أن فى كل منهما المعنيين المرادين لا تضاد بينهما ولكن يتوهم التضاد من ظاهر اللفظين باعتبار معنييهما الأصليين- أن الكناية التى فى التدبيج يصح أن يراد بها معناها الأصلى فينافى مقابله، بخلاف إيهام التضاد فلا يصح فيه معناه الأصلى.
(قوله: نظرا إلى الظاهر) أى ظاهر اللفظ، والحمل له على حقيقته الذى هو غير مراد.
بالتفسير الذى سبق (ما يختص باسم المقابلة) وإن جعله السكاكى وغيره قسما برأسه من المحسنات المعنوية (وهو أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو أكثر، ثم) يؤتى (بما يقابل ذلك) المذكور من المعنيين المتوافقين، أو المعانى المتوافقة (على الترتيب) فيدخل فى الطباق لأنه جمع بين معنيين متقابلين فى الجملة (والمراد بالتوافق خلاف التقابل) حتى لا يشترط أن يكونا
…
===
إنما أخره عن الملحق؛ لأنه قسم برأسه عند الغير، فناسب تأخيره عن الأول وملحقاته، وإنما نبه على دخوله تنبيها على أن من جعله قسما مستقلّا من البديعيات المعنوية فقد غفل
(قوله: بالتفسير الذى سبق) أى وهو الجمع بين أمرين متقابلين ولو فى الجملة.
(قوله: ودخل فيه إلخ)
(قوله: وإن جعله إلخ) الواو للحال
(قوله: متوافقين) أى غير متقابلين
(قوله: على الترتيب) أى يكون ما يؤتى به ثانيا مسوقا على ترتيب ما أتى به أولا، بحيث يكون الأول للأول والثانى للثانى
(قوله: فيدخل فى الطباق) أى: إنما دخل هذا النوع المسمى بالمقابلة فى الطباق لأنه جمع بين معنيين متقابلين فى الجملة- أى على وجه مخصوص دون آخر- إذ ليس التقابل بين كل اثنين من المعانى التى ذكرت، ألا ترى أنه لا تقابل بين الضحك والقلة ولا بين البكاء والكثرة فى المثال الآتى، وإن كان فيه مقابلة بين الضحك والبكاء والقلة والكثرة، أى وحيث كان فى المقابلة جمع بين معنيين متقابلين فى الجملة كانت طباقا، فالصدق تعريفه عليها. قال العلامة عبد الحكيم: لا يخفى أن فى الطباق حصول التوافق بعد التنافى، ولذا سمى بالطباق، وفى المقابلة حصول التنافى بعد التوافق، ولذا سمى بالمقابلة وفى كليهما إيراد المعنيين بصورة غريبة فكل منهما محسن بانفراده، واستلزام أحدهما للآخر لا يقتضى دخوله فيه، فالحق مع السكاكى فى جعله المقابلة قسما مستقلّا من البديعيات المعنوية
(قوله: والمراد إلخ) جواب عما يقال أن جعل المقابلة داخلة فى الطباق دون مراعاة النظير تحكم؛ لأنه كما يصدق عليها باعتبار جمع المتقابلين تعريف الطباق يصدق عليها باعتبار جمع المتوافقين تعريف مراعاة النظير، فأجاب بقوله: والمراد بالتوافق فى قولنا فى تعريف المقابلة: أن يؤتى بمعنيين متوافقين إلخ
متناسبين، أو متماثلين؛ فمقابلة الاثنين بالاثنين (نحو: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) (1)
أتى بالضحك والقلة المتوافقين ثم البكاء والكثرة المتماثلين لهما.
(و) مقابلة الثلاثة بالثلاثة (نحو قوله:
===
عدم التقابل وعدم التنافى، فيشمل المتناسبين كما يأتى فى مراعاة النظير، ولذلك توجد المقابلة معه، ويشمل المتماثلين فى أصل الحقيقة مع عدم التناسب فى المفهوم كمصدوق القائم والإنسان، ويشمل الخلافيين كالإنسان والطائر وكالضحك والقلة، فإنهما غير متماثلين وغير متناسبين، فلما لم يشترط فى المقابلة تماثل المعنيين ولا تناسبهما- بخلاف مراعاة النظير فإنه يشترط فيها ذلك- جعلت داخلة فى الطباق باعتبار جمع المتقابلين ولم تجعل داخلة فى مراعاة النظير باعتبار جمع المتوافقين. قال فى الأطول: وهذا المراد وإن رجح دخول المقابلة فى الطباق، لكن لا ينفى كون بعضها من مراعاة النظير؛ لأنه كما لا يشترط فى المقابلة التناسب لم يشترط عدمه. اه.
(قوله: متناسبين) أى: بينهما مناسبة وإن اختلفا ماصدقا ومفهوما: كالشمس والقمر والعبد والفقير (وقوله: أو متماثلين) أى: فى أصل الحقيقة وإن اختلفا مفهوما فقط كإنسان وقائم
(قوله: المتماثلين لهما) كذا فى نسخة، وفى أخرى المتقابلين لهما، والأولى أظهر بقرينة قوله لهما وإن كانت الثانية صحيحة أيضا؛ لأن المراد المتقابلين بالنسبة لهما- فتأمل.
وحاصله أنه أتى بالضحك والقلة وهما متوافقان ثم بالبكاء والكثرة وهما متوافقان أيضا، وقابل الأول من الطرف الثانى- وهو البكاء- بالأول من الطرف الأول- وهو الضحك- وقابل الثانى من الطرف الثانى- وهو الكثرة- بالثانى من الطرف الأول- وهو القلة
(قوله: نحو قوله)(2) أى: قول الشاعر وهو أبو دلامة بضم الدال على وزن ثمامة
(1) التوبة: 82.
(2)
لأبى دلامة فى الإيضاح 341، والعمدة 2/ 17، والإشارات 63، ومعاهد التنصيص 2/ 207.
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا
…
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل)
أتى بالحسن، والدين، والغنى، ثم بما يقابلها من القبح، والكفر، والإفلاس على الترتيب.
(و) مقابلة الأربعة بالأربعة (نحو: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (1) والتقابل بين الجميع ظاهر
…
===
من شعراء الدولة العباسية كان فى مدة المعتصم بالله
(قوله: إذا اجتمعا) أى: بالرجل (وقوله: بالرجل) أى: إذا اجتمعا بالرجل ففى البيت احتباك
(قوله: بالرجل) ويقاس عليه المرأة بالأولى أو غلب الرجل على المرأة أو أراد بالرجل الشخص مطلقا، وإنما كانت المرأة أولى؛ لأنه إذا لم يدفع قبح الكفر والإفلاس كمال الرجل برجوليته فكيف يدفع ذلك نقصان المرأة بكونها امرأة؟
(قوله: والغنى) أى: المعبر عنه بالدنيا
(قوله: فأما من أعطى) أى: حقوق أمواله (وقوله: واتقى) أى: اتقى الله برعاية أوامره ونواهيه والاعتناء بها خوفا منه تعالى أو محبة فيه، أو المراد اتقى حرمات الله وتباعد عنها (وقوله:
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) أى: بالخصلة الحسنى وهى الإيمان، أو بالملة الحسنى وهى ملة الإسلام، أو المثوبة الحسنى وهى الجنة، أو بالكلمة الحسنى وهى كلمة التوحيد.
(وقوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) أى: فسنهيئه للجنة بأن نوفقه للأعمال الصالحة من يسّر الفرس للركوب إذا أسرجها وأجلهما، ومنه (كلّ ميسّر لما خلق له).
(قوله: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) أى: بالنفقة فى الخير واستغنى عن ثواب الله عز وجل ولم يرغب فيه والمراد بالعسرى النار
(قوله: والتقابل بين الجميع ظاهر) حاصله أن قوله:
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى محتو على أربعة أمور مقابلة للأربعة الأولى على الترتيب، فالبخل مقابل للإعطاء، والاستغناء مقابل للاتقاء، والتكذيب مقابل للتصديق، والتيسير للعسرى مقابل للتيسير لليسرى؛ لأن المراد بالتيسير لليسرى التهيؤ للجنة، والتيسير للعسرى التهيؤ للنار، فظهر لك أن المقابلة الرابعة بين
(1) الليل: 5 - 10.
إلا بين الاتقاء والاستغناء؛ فبّينه بقوله: (والمراد ب (استغنى) أنه زهد فيما عند الله تعالى كأنه استغنى عنه) أى: عما عند الله تعالى (فلم يتق أو) المراد باستغنى:
(استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة فلم يتق)
…
===
مجموع تيسره لليسرى ومجموع تيسره للعسرى لا بين الجزأين الأولين منهما لاتحادهما وعدم المقابلة بينهما ولا بين المجرورين فى الجزأين لما نقل فى الإيضاح إنها إنما تكون بين المستقلين والمجرور هنا لا يستقل فلا تقع به المقابلة والمراد بالمستقل ما لا يكون تماما لغيره كأن يكون الحرف صلة لغيره
(قوله: إلا بين الاتقاء والاستغناء) أى: فإن التقابل بينهما فيه خفاء؛ وذلك لأن الاستغناء إن فسر بكثرة المال أو بعدم طلب الدنيا للقناعة فلا يكون مقابلا للتقوى، وإن فسر بشىء آخر غير ما ذكر كان محتاجا لبيانه لأجل أن تتضح مقابلته لا نفى، فلذا قال المصنف والمراد
(قوله: أنه زهد فيما عند الله) أى: من الثواب الأخروى، وليس المراد به كثرة المال. يقال: زهد فى الشىء وعن الشىء رغب عنه ولم يرده، ومن فرق بين زهد فى الشىء وعن الشىء فقد أخطأ كما فى المغرب
(قوله: كأنه استغنى عنه) أى: فصار بترك طلبه كأنه استغنى عنه أى: لا يحتاج إليه مع شدة حاجته إليه؛ وذلك لأن العاقل لا يترك طلب شىء إلا إذا كان مستغنيا عنه فعبر بالاستغناء عن ترك طلب ما عند الله تعالى على وجه الترفع عنه إنكارا له وترك طلبه كذلك كفر، وإذا كان كافرا فلم يتق الكفر
(قوله: أو استغنى بشهوات الدنيا) أى: أو المراد باستغنى أنه استغنى بشهوات الدنيا المحرمة عن طلب نعيم الجنة، إما لإنكاره إياه فيكون كافرا فلم يتق الكفر فيعود إلى الوجه الأول، وإما أن يكون ذلك سفها وشغلا باللذة المحرمة عن ذلك النعيم فلم يتق المحرمات، وإنما قيدنا الشهوات بالمحرمة؛ لأن كل من لم يرتكب المحرمة أصلا لا يخلو شرعا وعادة من طلب النعيم الأخروى، وإنما المستلزم لعدم التقوى هو الاستغناء باللذات المحرمة فعدم الاتقاء ليس هو نفس الاستغناء بالشهوات، بل الاستغناء ملزومه؛ لأنه فسر الاستغناء بالشغل بمحرم والشغل بالمحرم يستلزم نفى التقوى التى هى الطاعة بخلاف تفسيره بالزهد فيما عند الله بمعنى الكفر بما عنده تعالى فهو أظهر فى الدلالة.
فيكون الاستغناء مستتبعا لعدم الاتقاء؛ وهو مقابل للاتقاء فيكون هذا من قبيل قوله تعالى: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ (1)(وزاد السكاكى) فى تعريف المقابلة قيدا آخر حيث قال: هى أن يجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وضديهما
===
(قوله: فيكون الاستغناء مستتبعا) أى: مستلزما لعدم الاتقاء وهذا مفرع على الاحتمالين قبله (وقوله: وهو) أى: عدم الاتقاء مقابل للاتقاء
(قوله: فيكون هذا من قبيل إلخ) أى: ففى هذا المثال تنبيه على أن المقابلة قد تتركب من الطباق، وقد تتركب مما هو ملحق بالطباق لما علمت أن مقابلة الاتقاء للاستغناء من قبيل الملحق بالطباق وهو الجمع بين معنيين يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر نوع تعلق مثل مقابلة الشدة والرحمة فى قوله تعالى: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ والمقابلة بين الثلاثة من الطباق لا يقال: كيف مثل المصنف بالآية لما يدخل فى الطباق ولم يمثل بها للملحق به؟
لأنا نقول صح ذلك باعتبار اشتمال أغلبها على ما هو فى نفس الطباق. هذا، وقد ذكر الواحدى فى شرح ديوان المتنبى أن من مقابلة الخمسة بالخمسة قوله:
أزورهم وسواد اللّيل يشفع لى
…
وأنثنى وبياض الصّبح يغرى بى (2)
وفيه نظر؛ لأن لى وبى صلتان ليشفع ويغرى فهما من تمامهما بخلاف اللام وعلى فى قوله تعالى: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ (3)، والمقابلة إنما تكون بين المستقلين كما فى الإيضاح وأما مقابلة الستة بالستة فمنه قول عنترة:
على رأس عبد تاج عزّ يزينه
…
وفى رجل حرّ قيد ذلّ يشينه (4)
ولم يوجد فى كلامهم أكثر من مقابلة الستة بمثلها
(قوله: قيدا آخر) أى:
لا تتقرر حقيقتها عنده إلا به
(قوله: وضديهما) الأولى أن يزيد أو أضدادها بضمير الجماعة لأجل قوله: أو أكثر
(قوله: وإذا شرط) أى: وإذا قيدت المعانى الأول بقيد فلا بد
(1) الفتح: 29.
(2)
الإيضاح ص 305 وهو لأبى الطيب المتنبى، شرح عقود الجمان 2/ 74.
(3)
البقرة: 286.
(4)
ليس فى ديوان عنترة، وهو بلا نسبة فى شرح عقود الجمان 2/ 74.