الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
باب السلم
(1)
هو لغة أهل الحجاز (2) والسلف لغة أهل العراق (3) وسمي سلمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسلفًا لتقديمه (4)
(1) أي هذا باب يذكر فيه أحكام السلم، والتصرف في الدين، وما يتعلق بذلك، والسلم بفتحتين السلف وزنا ومعنى، وقيل: السلف تقديم رأس المال، والسلم تسليمه في المحل، فالسلف أعم.
(2)
أي السلم في شيء معلوم، إلى أجل معلوم، هو لغة أهل الحجاز السائرة عندهم، لكن قال صلى الله عليه وسلم «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم» .
(3)
أي والسلف بالفاء - وهو الإعطاء في سلعة إلى أجل معلوم - هو لغة أهل العراق، المعروفة عندهم، حكاه عنهم الماوردي وغيره، وقال الأزهري: السلم والسلف واحد، يقال: سلم، وأسلم، وسلف، وأسلف، بمعنى واحد، هذا قول جميع أهل اللغة إلا أن السلف يكون قرضًا.
(4)
أي فيما أسلف فيه، واسم من الإسلاف، والتسليف التقديم، وأما إن كان الثمن مؤجلاً فبيع لا سلم، وباء البدلية مميز للثمن من المثمن، فما دخلت عليه ثمن لا مثمن.
(وهو) شرعًا (عقد على موصوف) ينضبط بالصفة (1)(في الذمة) فلا يصح في عين كهذه الدار (2)(مؤجل) بأَجل معلوم (3)(بثمن مقبوض بمجلس العقد)(4) وهو جائز بالإجماع (5) لقوله عليه السلام «من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم» متفق عليه (6) .
(1) أي والسلم شرعًا: عقد على شيء يصح بيعه، موصوف منعوت، وذلك الشيء ينضبط بالصفة.
(2)
لقوله «أما في حائط بني فلان فلا» والذمة وهي لجائز التصرف: وصف يصير به المكلف أهلاً للإلزام والالتزام. واتفقوا على امتناعه فيما لا يثبت في الذمة كالدور والعقار.
(3)
أي الموصوف مؤجل بأجل معلوم غير مجهول.
(4)
"بثمن" متعلق "بعقد" مقبوض ذلك الثمن بمجلس العقد، وإلا لم يصح، إذ لو تأخر الثمن لحصل شغل الذمتين بغير فائدة، ودخل في حكم الكاليء بالكاليء على ما تقدم، وهذا التعريف لصاحب المبدع وغيره، واعترض بأن قبض الثمن شرط من شروط السلم، لا أنه داخل في حقيقته، فالأولى أنه بيع موصوف في الذمة، إلى أجل مسمى، كما عرفه الموفق وغيره، وقيل: يرد عليه أن الأجل شرط من شروطه.
(5)
حكاه ابن المنذر وغيره، بل بالكتاب، والسنة، لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} قال ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى، قد أحله الله في كتابه، وأذن فيه. ثم قرأ هذه الآية، وهذا اللفظ يصلح للسلم، ويشمله بعمومه.
(6)
وصدر الحديث: قال ابن عباس: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة، والسنتين، والثلاث، فقال «من أسلف في شيء» وفي لفظ «في ثمر فليسلف» أي يسلم "في كيل معلوم" فيعتبر تعيين الكيل، فيما يسلم فيه من المكيل اتفاقًا "ووزن معلوم" إذا كان مما يوزن اتفاقًا، وإن كان مما لا يكال ولا يوزن فلا بد فيه من عدد معلوم، وحكاه ابن بطال إجماعًا، والذرع كذلك، والجمهور على أنه جائز في العروض التي تنضبط بالصفة، والواو في قوله "ووزن" بمعنى "أو" فلا يلزم الجمع بين الكيل والوزن إجماعًا "إلى أجل معلوم" فيعتبر الأجل في السلم، وهو مذهب الجمهور، للآية وهذا الخبر، فدل الحديث على جواز السلم بهذه الشروط، ولحاجة الناس إليه، هذا يرتفق بتعجيل الثمن، وهذا يرتفق برخص المثمن.
(ويصح) السلم (بألفاظ البيع)(1) لأنه بيع حقيقة (2)(و) بلفظ (السلم، والسلف)(3) لأنهما حقيقة فيه (4) إذ هما اسم للبيع الذي عجل ثمنه، وأجل مثمنه (5)(بشروط سبعة) زائدة على شروط البيع (6) .
(1) كما بتعت منك ما صفته كذا، وكيله كذا، إلى كذا، وبكل ما ينعقد به البيع، كتملكت ونحوه، ويشترط له ما يشترط للبيع لكن إلى أجل فشمله اسمه.
(2)
إلا أن السلم لا يجوز إلا في المعدوم، لما يأتي، بخلاف البيع فإنه يجوز في الموجود، وفي المعدوم بالصفة كما تقدم، والمراد بالمعدوم هنا الموصوف في الذمة، وإن كان جنسه موجودًا.
(3)
كأسلمتك هذا الدينار في كذا من القمح، أو أسلفتك كذا في كذا.
(4)
أي في السلم والسلف.
(5)
فينعقد السلم بكل ما دل أحد اللفظين عليه.
(6)
أي السبعة المتقدمة في البيع، إذ هي معتبرة هنا، قال الوزير وغيره:
اتفقوا على أن السلم يصح بستة شروط، أن يكون في جنس معلوم، وصفة معلوم، ومقدار معلوم، وأجل معلوم، ومعرفة مقدار رأس المال، وزاد أبو حنيفة: تسمية المكان الذي يوفيه فيه، إذا كان له حمل ومؤونة، وهذا الشرط السابع لازم عند الباقين.
والجارُّ متعلق بيصح (1) . (أحدها انضباط صفاته) التي يختلف الثمن باختلافها، اختلافًا كثيرًا ظاهرًا (2) لأن ما لا يمكن ضبط صفاته يختلف كثيرًا، فيفضي إلى المنازعة والمشاقة (3)(بمكيل) أي كمكيل من حبوب وثمار، وخل ودهن ولبن ونحوها (4) .
(1) وكذا المجرور في قوله: بشروط، ففيه حذف.
(2)
هذا أحد الشروط السبعة، التي لا يصح السلم بدونها بالاتفاق.
(3)
المطلوب عدمها شرعًا، وهذا بخلاف ما ليس كذلك، فالثمر إذا كان نوع منه يختلف بالسواد والحمرة، يذكر كونه أسود أو أحمر، للاختلاف المذكور، بخلاف ما إذا كان كل ذلك النوع أحمر، إلا أن بعضه زاد في الحمرة قليلاً، على البعض الآخر، فإن مثل ذلك لا يختلف به الثمن اختلافًا كثيرًا ظاهرًا، يفضي إلى المنازعة.
(4)
أي من كل مكيل، وقول الشارح: كميكل من حبوب. إصلاح للعبارة، لأن ظاهرها أن ضبط الصفات بمكيل ونحوه، وليس كذلك، ولو قال: من مكيل لكان أبين، لأنه لم يثبت أن الباء تأتي بمعنى الكاف، بخلاف "من" ويدخل في الحبوب الأرز وغيره مما يسمى حبًا مما تقدم وغيره، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم، على أن السلم في الطعام جائر.
(وموزون) من قطن وحرير وصوف ونحاس (1) وزئبق وشب وكبريت (2) وشحم ولحم نيء ولو مع عظمه إن عين موضع قطع (3)(ومذروع) من ثياب وخيوط (4)(وأما المعدود المختلف كالفواكه) المعدودة كرمان (5) فلا يصح السلم فيه، لاختلافه بالصغر والكبر (6) .
(1) وذهب وفضة وحديد، ورصاص وكتان، ونحو ذلك، فيصح في الفلوس، لأنها إما عرض أو ثمن.
(2)
وإبريسم وشهد، وقنب ونحوها، وهذا مذهب مالك والشافعي.
(3)
لأن العظم كالنوى في التمر، وقيل لأحمد: إنه يختلف. فقال: كل سلف يختلف. أي فيصح السلم في اللحم ولو مع عظمه، إن عين محل يقطع منه، كظهر، وفخذ، ونحوه، ويلزم قبوله بعظامه، لأن اتصاله بها اتصال خلقة، كالنوى في التمر، ويعتبر قوله إذا أسلم، في نحو ضأن ذكر أو أنثى، خصي أو غيره، سمين أو هزيل، ونحو ذلك مما يختلف به الثمن، وعلم منه أنه لا يصح في مطبوخ ومشوي، ولا في لحم بعظمه إن لم يعين محل قطع لاختلافه.
(4)
وكمعدود من حيوان يتأتى ضبطه كما يأتي، وغير حيوان مما لا تتفاوت آحاده، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن السلم جائز في المكيلات، والموزونات، والمذروعات التي يضبطها الوصف، واتفقوا على أن السلم في المعدودات التي لا تتفاوت آحادها، كالجوز والبيض، جائز إلا في رواية عن أحمد.
(5)
وكمثرى، وخوخ، واجاص، وكبطيخ.
(6)
وهذا أحد القولين، وعنه: يجوز عددًا، ومذهب أبي حنيفة: وزنًا وعددًا، ومذهب الشافعي: وزنًا، ومالك على الإطلاق.
(و) كـ (البقول) لأنها تختلف، ولا يمكن تقديرها بالحزم (1)(و) كـ (الجلود) لأنها تختلف، ولا يمكن ذرعها، لاختلاف الأطراف (2)(و) كـ (الرؤوس) والأكارع لأن أكثر ذلك العظام والمشافر (3)(و) كـ (الأواني المختلفة الرؤوس، والأوساط كالقماقم (4) .
(1) لأنه يمكن في الصغير والكبير، فلم يصح السلم فيه، كالجواهر، وعنه: يجوز السلم في الفواكه، والموز والخضراوات ونحوها، قال الموفق: لأن كثيرًا من ذلك يتقارب، وينضبط بالكبر والصغر، وما لا يتقارب ينضبط بالوزن، كالبقول ونحوها، فيصح السلم فيه، كالمذروع وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي.
(2)
وتقدم أن ما لا ينضبط – بكيل ولا وزن ولا عد ولا ذرع ونحوه – لا يجوز السلم فيه، وقال الموفق: وفي الجلود من الخلاف ما في الرؤوس والأطراف، أي فحيث أمكن ضبطه صح السلم فيه.
(3)
جمع مشفر وهو شفة الحيوان، وأن اللحم فيها قليل وليست موزونة، وذكر الموفق وغيره عن أحمد وغيره جوازه، وهو مذهب مالك والشافعي، قال: ولنا أن التفاوت في ذلك معلوم، فلم يمنع صحة السلم فيه كالحيوان، فإنه يشتمل على الرأس والجلد، والأطراف والشحم، وما في البطن، كذلك الرأس يشتمل على لحم الخدين، والأذنين، والعينين، ويختلف، ولم يمنع صحة السلم فيه كذلك ههنا.
(4)
جمع قمقم، وهو ما يسخن فيه الماء، لأن الصفة لا تأتي عليها، وفيه وجه: يصح إذا أمكن ضبط صفة الإناء، بارتفاع حائطه ودور أسفله وأعلاه، ونحو ذلك، بحيث لا تختلف رؤوسها ولا أوساطها، لأن التفاوت في ذلك يسير.
والأَسطال الضيقة الرؤوس) لاختلافها (1)(و) كـ (الجواهر) واللؤلؤ والعقيق ونحوه (2) لأنها تختلف اختلافًا متباينًا، بالصغر والكبر، وحسن التدوير، وزيادة الضوء والصفا (3)(و) كـ (الحامل من الحيوان) كأمة حامل (4) لأن الصفة لا تأتي على ذلك، والولد مجهول غير محقق (5) وكذا لو أسلم في أَمة وولدها، لندرة جمعهما الصفة (6)(وكل مغشوش)(7) .
(1) أي الأسطال، جمع سطل بفتح السين، قال في المحيط: طست صغيرة أو طست لها عروة، وإن أمكن ضبطها صح السلف فيها كما تقدم.
(2)
أي وكالجواهر كلها، من اللؤلؤ والدر والياقوت، والمرجان والزبرجد والفيروزج، والبلور ونحوه، فلا يصح السلم فيها، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم، واختاره الموفق وغيره.
(3)
ولا يمكن تقديرها ببيض عصفور أو نحوه، ولا بشيء معين، فتختلف أثمانها اختلافًا متباينًا.
(4)
أي بأن أسلم في أمة حامل أو فرس حامل ونحوهما.
(5)
أي فلا يجوز السلم فيها حيث لم تنضبط بالوصف، وحكي الإجماع على أنه لا يجوز السلم في مجهول، من مكيل أو موزون أو غيرهما.
(6)
وكذا أيضًا لو أسلم في أمة وأختها أو عمتها، أو خالتها ونحوها، من أقاربها، أو دابة وولدها، أو شاة ذات لبن، لأنه كالحمل، وفيه وجه يصح، لأنه إذا صح البيع صح السلم، لأنه بيع.
(7)
يعني لا يمكن ضبطه كاللبن المشوب بالماء، فإن كان أثمانًا ففيه مانعان، كونه لا يمكن ضبطه، وكونه لا يجوز إسلام أحد النقدين في الآخر.
لأن غشه يمنع العلم بالقدر المقصود منه (1) فإن كانت الأثمان خالصة صح السلم فيها (2) ويكون رأس المال غيرها (3) ويصح السلم في فلوس (4) ويكون رأس المال عرضًا (5)(وما يجمع أخلاطًا) مقصودة (غير متميزة كالغالية) والند (6)(والمعاجين) التي يتداوى بها (7)(فلا يصح السلم فيه) لعدم انضباطه (8) .
(1) ويكون مجهولاً، فلا يصح السلم فيه، ولما فيه من الغرر، وتقدم النهي عن بيع الغرر.
(2)
لانتفاء الغرر.
(3)
لأنه قد كان لها شبه بالنقدين، ولا يجوز أن يسلم الأثمان بعضها في بعض، لما تقدم، وإذا كان رأس المال غيرها انتفي المحذور.
(4)
وزنا وعدا، ولا نزاع في ذلك، قال شيخنا، وعليه: فالأنواط لا تصح بحال، ولا يظهر تمشيها على أصول الشرع، ولا تجرى على قواعد البيع.
(5)
وصوب ابن فيروز: ولو كان رأس المال أثمانًا، لأنها عرض، وفي الإقناع: ويصح في عرض بعرض.
(6)
فلا يصح السلم فيها، لعدم انضباطها، والغالية: نوع من الطيب، مركب من مسك وعنبر وعود ودهن، تقول: تغليت بالغالية، قيل: إن أول من سماها بذلك سليمان بن عبد الملك، والند: بفتح النون طيب مخلوط من مسك وكافور، قيل: إنه ليس بعربي، وقيل: هو العنبر.
(7)
إذا كانت مباحة، وقسي ونحو ذلك، مما يجمع أشياء مختلفة، للجهالة بقدره.
(8)
وتمييز ما فيه من الأخلاط، فيكون مجهولاً، وهذا مذهب مالك
والشافعي، واختاره الموفق وغيره، وفي الإنصاف: لا يصح فيما يجمع أخلاطًا غير متميزة كالغالية والمعاجين، والند ونحوها بلا نزاع أعلمه.
(ويصح) السلم (في الحيوان) ولو آدميًا (1) لحديث أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرًا رواه مسلم (2)(و) يصح أيضًا في (الثياب المنسوجة من نوعين) كالكتان، والقطن، ونحوهما (3) لأن ضبطها ممكن (4) وكذا نشاب، ونبل مريشان (5) وخفاف، ورماح (6) .
(1) أي ويصح السلم في الحيوان، الذي يتأتى ضبطه بالسن، والوصف والأجل، ونحو ذلك، ولو كان المسلم فيه آدميًا، وهو مذهب مالك والشافعي، وغيرهما من السلف.
(2)
ولأبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: أمرني أن ابتاع البعير بالبعيرين، وبالأبعرة إلى مجيء الصدقة، وقوله «من لم تطب نفسه فله بكل فريضة ست فرائض» ولأنه يثبت في الذمة صداقًا، فيثبت في السلم كالثياب، وتقدم أن السلم في المعدود الذي ينضبط، جائز عند الجمهور.
(3)
كإبريسم.
(4)
وقال الشارح: الصحيح جواز السلم فيها.
(5)
النشاب: السهم الفارسي، والنبل: السهم العربي، ومريشان: بفتح الميم وكسر الراء، أي مجعول لهما ريشًا، يقال: راش السهم يريشه. ألزق عليه الريش، فيصح السلم فيهما، لإمكان ضبطهما بالصفات التي لا يتفاوت الثمن معها غالبًا.
(6)
"الخفاف" جمع خف، ما يلبس في الرجل، ولو كانت مستورة،
"والرماح" معروفة، فيصح السلم فيها، كالقصب، والخشب، وما فيه من غيره متميز، يمكن ضبطه، والإحاطة به، ولا يتفاوت كثيرًا.