الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب القرض
(1)
بفتح الكاف وحكي كسرها (2) ومعناه لغة القطع (3) واصطلاحًا دفع مال لمن ينتفع به، ويرد بدله (4) وهو جائز بالإجماع (5) .
(1) أي هذا باب يذكر فيه فضل القرض، وأحكامه، وما يتعلق بذلك.
(2)
حكاه صاحب القاموس وغيره.
(3)
مصدر قرض الشيء يقرضه – بالكسر – قطعه فسمي به لأنه يقطع من ماله شيئًا يعطيه، ليرجع إليه مثله، وأقرضه أعطاه قرضا، واسم مصدر بمعنى الإقراض، وما أسلفت من إساءة أو إحسان.
(4)
وهو شرع كذلك، فلا يملك المقرض استرجاعه، وله طلب بدله، قال في الإنصاف: بلا نزاع، وقوله: دفع مال. شمل العارية والهبة، فأخرجهما بقوله: ويرد بدله، أو يفسر قوله "مال" فتخرج، لأنها إباحة المنافع، وتخرج الهبة بالقيد المذكور، والقرض نوع من المعاملات، على غير قياسها، لاحظها الشارع رفقًا بالمحاويج.
وقال ابن القيم: القرض من باب الإرفاق والتبرع، لا من باب المعاوضات، ولهذا سماه النبي صلى الله عليه وسلم منيحة، لينتفع بما يستخلف منه، ثم يعيده إليه بعينه، إن أمكن، وإلا فنظيره أو مثله، وهو نوع من السلف، لارتفاق المقرض به، وإن كان المقرض ينتفع بالقرض، كما في مسألة السفتجة، ولهذا كرهها من كرهها، والصحيح أنها لا تكره، لأن المنفعة لا تخص المقرض، بل ينتفعان بها جميعًا.
(5)
حكاه غير واحد، بل بالكتاب والسنة، لعموم {وَأَقْرَضُوا اللهَ} ، «من نفس عن مسلم كربة» الحديث، وغير ذلك.
(وهو مندوب)(1) لقوله عليه السلام في حديث ابن مسعود «ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين، إلا كان كصدقة مرة» (2) وهو مباح للمقترض (3) وليس من المسألة المكروهة، لفعله عليه السلام (4)(وما يصح بيعه) من نقد أو عرض (صح قرضه) مكيلاً كان أو موزونًا، أو غيرهما (5) .
(1) أي والقرض مندوب إليه في حق المقرض، لما فيه من الأجر العظيم، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن القروض قربة ومثوبة.
(2)
رواه ابن ماجه، وله عن أنس مرفوعًا «الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر» حتى قيل: إنه أفضل من الصدقة، إذ لا يقترض إلا محتاج، ففي هذه الأحاديث وغيرها من العمومات، ما يدل على فضيلة القرض، ولأن فيه تفريجًا، وقضاء لحاجة أخيه المسلم، وليس بواجب، قال أحمد: لا إثم على من سئل فلم يقرض، وذلك لأنه من المعروف، أشبه صدقة التطوع.
(3)
وينبغي أن يعلم المقرض بحاله، ولا يغره من نفسه، ولا يستقرض إلا ما يقدر أن يوفيه، إلا الشيء اليسير الذي لا يتعذر مثله عادة، لئلا يضر بالمقرض، ولا لغيره ممن هو معروف بعدم الوفاء، لكونه تغريرًا بمال المقرض، وإضرارًا به.
(4)
من أنه استسلف بكرًا، وغير ذلك، ولو كان مكروهًا لكان أبعد الناس منه.
(5)
مما يضبط بالذرع، أو العد، أو الوصف، أما قرض المكيل والموزون فقال الموفق وغيره: يجوز بغير خلاف. وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه على أن استقراض ما له مثل من المكيل، والموزون، والأطعمة جائز، ومذهب مالك، والشافعي، وغيرهما: يجوز قرض الخبز. وفي الاختيارات. يجوز قرضه،
ورد مثله عددًا بلا وزن، من غير قصد الزيادة. وجوز الشيخ قرض المنافع، مثل أن يحصد معه يومًا، ويحصد معه الآخر يومًا، أو يسكنه داره، ليسكنه الآخر داره بدلها، ولو أقرضه في بلد ليستوفي منه في بلد آخر، جاز على الصحيح.
لأنه عليه السلام استسلف بكرًا (1)(إلا بني آدم) فلا يصح قرضهم، لأنه لم ينقل، ولا هو من المرافق (2) ويفضي إلى أن يقترض جارية يطؤها ثم يردها (3) ويشترط معرفة قدر القرض، ووصفه (4) .
(1) وهو الفتى من الإبل، ويأتي أن الحديث متفق عليه، فدل على جواز قرض الحيوان، وهو مذهب الجمهور.
(2)
وقال أحمد: أكره قرضهم، قال الموفق: فيحتمل كراهية تنزيه ويصح، لأنه مال يثبت في الذمة سلما، فصح قرضه، كسائر الحيوان، قال: وعدم نقله ليس بحجة، فإن أكثر الحيوانات لم ينقل قرضها وهو جائز، قال: ويحتمل صحة قرض العبيد دون الإماء، وهو قول مالك، والشافعي، إلا أن يقرضهن من ذوي محارمهن.
(3)
هذا المذهب، واختاره القاضي، ورجح الموفق أن القرض عقد ناقل للملك، فاستوى فيه العبيد والإماء، كسائر العقود، وقولهم "ثم يردها" ممنوع، فإنا إذا قلنا: الواجب رد القيمة. لم يملك المقترض رد الأمة، وإنما يرد قيمتها، وإن سلمنا ذلك، لكن متى قصد المقترض هذا، لم يحل له فعله، ولا يصح اقتراضه، كما لو اشترى أمة ليطأها ثم يردها بالمقايلة، أو بعيب فيها، وإن وقع هذا بحكم الاتفاق، لم يمنع الصحة، كما لو وقع ذلك في البيع.
(4)
أي قدر القرض، بمقدر معروف، بمكيال معلوم، وذراع معلوم، وعدد معلوم، ووزن معلوم، فلا يصح قرض دنانير ونحوها عددًا، إن لم يعرف
وزنها، إلا إن كانت يتعامل بها عددًا فيجوز، ويرد بدلها عددًا، ويشترط معرفة وصفه، ليتمكن من رد بدله.
وأن يكون المقرض ممن يصح تبرعه (1) ويصح بلفظه، وبلفظ السلف (2) وكل ما أدى معناهما (3) وإن قال: ملكتك. ولا قرينة على رد بدل فهبة (4)(ويملك) القرض (بقبضه) كالهبة، ويتم بالقبول (5) وله الشراء به من مقرضه (6)(فلا يلزم رد عينه) للزومه بالقبض (7) .
(1) فلا يقرض نحو ولي يتيم من ماله، ولا مكاتب، وناظر وقف منه.
(2)
أي ويصح القرض بلفظ القرض، وبلفظ السلف، لورود الشرع بهما، وبلفظ السلم.
(3)
نحو: ملكتك هذا على أن ترد على بدله. أو: خذ هذا، انتفع به، ورد لي بدله. ونحوه، أو توجد قرينة، دالة على إرادته كأن سأله قرضًا فليس بهبة.
(4)
لأنه صريح في الهبة، فيحكم أنه هبة، إذا ترافعا، وقد اتفقا على لفظ التمليك، فإن اختلفا، فالقول قول الآخذ أنه هبة، لأن الظاهر معه، لأن التمليك من غير عوض هبة.
(5)
أي يتم عقد القرض بالقبول كالبيع، ويملك ويلزم بقبضه، سواء كان مكيلاً أو نحوه، أو معينا كثوب ونحوه، فلا يفهم من تمام العقد الملكية.
(6)
أي وللمقترض الشراء بما اقترضه من المقرض بلا كراهة، لأنه ملكه،
فكان له التصرف فيه بما شاء.
(7)
أي فلا يلزم المقترض رد عين ما اقترضه، للزومه من جهته، وملكه
له ملكًا تامًا بالقبض، ما لم يفلس القابض، ويحجر عليه، فله الرجوع به، كما يأتي في الحجر.
(بل يثبت بدله في ذمته) أي ذمة المقترض (حالاً ولو أجله) المقرض (1) لأنه عقد منع فيه من التفاضل، فمنع الأجل فيه كالصرف (2) قال الإمام: القرض حال، وينبغي أن يفي بوعده (3)(فإن رده المقترض) أي رد القرض بعينه (لزم) المقرض (قبوله) إن كان مثليًا (4) لأنه رده على صفة حقه، سواء تغير سعره أو لا (5) .
(1) أي فله طلبه كسائر الديون الحالة، والحال لا يتأجل بالتأجيل.
(2)
قضية تشبيهه بالصرف عدم جواز التأجيل في القرض، وعنه: صحة تأجيله، ولزومه إلى أجله، وهو مذهب مالك، وصوبه في الإنصاف، وقال الشيخ: الدين الحال يتأجل بتأجيله، سواء كان الدين قرضًا أو غيره، لقوله «المسلمون عند شروطهم» وقال ابن القيم: هو الصحيح لأدلة كثيرة.
(3)
لأن الوفاء بالوعد مستحب، واختار الشيخ لزومه إلى أجله، وفي الإنصاف: اختار الشيخ صحة تأجيله، ولزومه إلى أجله، سواء كان قرضًا أو غيره، وذكره وجهًا وهو الصواب، ومذهب مالك والليث، وذكره البخاري عن بعض السلف.
(4)
مكيلا كان أو موزونًا بلا نزاع، وقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه على أن من أسلف سلفًا مما يجوز أن يسلف، فرد عليه مثله، أن ذلك جائز، وأن للمسلف أخذ ذلك، ولأن المكيل والموزون يضمن في الغصب والإتلاف بمثله، فكذا هنا.
(5)
أي بزيادة أو نقص، فيلزمه أخذه كالسلم.
حيث لم يتعيب (1) وإن كان متقومًا (2) لم يلزم المقرض قبوله (3) وله الطلب بالقيمة (4)(وإن كانت) الدراهم التي وقع القرض عليها (مكسرة (5) أو) كان القرض (فلوسًا، فمنع السلطان المعاملة بها) أي بالدراهم المكسرة أو الفلوس (6)(فله) أي للمقرض (القيمة وقت القرض)(7) .
(1) أي القرض، كحنطة ابتلت، أو عفنت، فلا يلزمه قبولها، لأن عليه فيه ضررًا، لكونه دون حقه.
(2)
أي وإن كان القرض متقومًا، وهو ما عدا المكيل والموزون، مما لا مثل له، كالثياب، والحيوان، ونحوها، ورده المقترض، ولو لم يتغير سعره، ولم يتعيب.
(3)
إن أخذ مثله جاز، وإن شاء طالب بالقيمة، لأن الذي وجب له بالقرض قيمته، فلا يلزمه الاعتياض عنها.
(4)
لأنه لا مثل له، فضمن بقيمته، كما في الإتلاف والغصب، والوجه الثاني يجب رد مثله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا فرد مثله، وجوز الشيخ وغيره رد المثل بتراضيهما، لأن الحق لا يعدوهما، ولأن ما ثبت في الذمة في السلم ثبت في القرض كالمثلي، ويعتبر مثل صفاته تقريبًا، فإن حقيقة المثل إنما توجد في المكيل والموزون، وتعتبر حين القرض، لأنها حينئذ تثبت في الذمة.
(5)
أي مثلاً، فيشمل الدراهم المقصوصة وغيرها.
(6)
أو منع نائبه فكذلك، وسواء اتفق الناس على المعاملة بها أو لا.
(7)
وهو وقت ثبوتها في ذمته، لاختلاف القيم في الزمن اليسير، بكثرة الرغبة وقلتها، قال أحمد: يقومها كم تساوي يوم أخذها، ثم يعطيه.
لأنه كالعيب، فلا يلزمه قبولها (1) وسواء كانت باقية أو استهلكها (2) وتكون القيمة من غير جنس الدراهم (3) وكذلك المغشوشة إذا حرمها السلطان (4)(ويرد) المقترض (المثل) أي مثل ما اقترضه (في المثليات)(5) .
(1) أي لأن منع السلطان لها كالعيب، منع نفاقها، وأبطل ماليتها، فأشبه كسرها، فلا يلزمه قبولها معيبة، وليس المراد عيب الشيء المعين، فإنه ليس هو المستحق، وإنما المراد عيب النوع، والأنواع لا يعقل عيبها إلا نقصان قيمتها، قال الشيخ: فإذا أقرضه طعامًا فنقصت قيمته، فهو نقص النوع، فلا يجبر على أخذه ناقصًا، فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل، فإن المالين إنما يتماثلان إذا استوت قيمتهما، وأما مع اختلاف القيمة فلا تماثل.
(2)
أي سواء كانت الدراهم المكسرة أو الفلوس باقية بعينها في ملك المقترض أو استهلكها، فلا يملك ردها، وإنما يملك القيمة، سواء نقصت قليلاً أو كثيرًا.
(3)
كذهب إذا كان القرض دراهم، فإن كان دنانير فالقيمة تكون فضة، وكذا لو اقترض حليًا، لئلا يؤدي إلى الربا، ونص أحمد عليه كما يأتي.
(4)
له القيمة وقت القرض، وعلم منه أن الفلوس إن لم يحرمها السلطان وجب رد مثلها، غلت أو رخصت، واختار الشيخ القيمة وقت القرض فيما إذا كسدت مطلقًا.
(5)
أي ويجب على مقترض رد مثل قرض من فلوس، أو مكيل، أو موزون، لا صناعة فيه مباحة، يصح السلم فيه، قاله في المبدع: إجماعًا، ولأنه يضمن في الإتلاف ونحوه بمثله، فكذا هنا.
لأن المثل أقرب شبهًا من القيمة (1) فيجب رد مثل فلوس غلت، أو رخصت، أو كسدت (2)(و) يرد (القيمة في غيرها) من المتقومات (3) وتكون القيمة في جوهر ونحوه يوم قبضه (4) .
(1) أي مع أن المثل في المثليات أقرب شبهًا بالقرض من القيمة، فيتأكد وجوب رد المثل، لوجود حقيقة المثلية فيها.
(2)
"رخصت" بالضم ضد غلت، و"كسدت" بالفتح فلم تنفق، والمراد نقصت قيمتها، وهذا مع بقاء التعامل بها، وعدم تحريم السلطان لها، عند أكثر الأصحاب، لأن علو القيمة ونقصانها لا يسقط المثل عن ذمة المقترض، فلا يوجب المطالبة بالقيمة، واختار الشيخ وابن القيم: رد القيمة، كما لو حرمها السلطان، وجزم به الشيخ في شرح المحرر، فقال: إذا أقرضه طعامًا فنقصت قيمته، فهو نقص النوع، فلا يجبر على أخذه ناقصًا، فيرجع إلى القيمة، وهذا هو العدل.
قال عبد الله بن الشيخ محمد: هو أقوى، فإذا رفع إلينا مثل ذلك، وسطنا بالصلح بحسب الإمكان، هيبة الجزم بذلك، وألحق الشيخ سائر الديون بالقرض وتابعه كثير من الأصحاب، وذكره الشيخ منصوص أحمد، وأنه سئل عن رجل له على آخر دراهم مكسرة أو فلوس، فسقطت المكسرة قال: يكون له بقيمتها من الذهب.
(3)
أي ويجب رد القيمة في غير المثليات المكيل والموزون من المتقومات، وهي ما لا يصح السلم فيه، لأنه لا مثل له، فضمن بقيمته، قال في الإنصاف: على الصحيح من المذهب، كما في الإتلاف ونحوه.
(4)
أي وتكون القيمة في جوهر ونحوه مما لا يضبط بالصفة يوم قبضه،
سواء قبضه وقت الاستقراض، أو لم يقبضه إلا بعده، لأنها تختلف قيمتها في الزمن اليسير.
وفيما يصح سلم فيه يوم قرضه (1)(فإن أَعوز) أي تعذر (المثل فالقيمة إذًا) أي وقت إعوازه (2) لأنها حينئذ تثبت في الذمة (3)(ويحرم) اشتراط (كل شرط جر نفعًا)(4) كأن يسكنه داره، أو يقضيه خيرًا منه (5) .
(1) لأنها حينئذ تثبت في الذمة، ويوم القرض هو يوم الطلب من المقرض، جزم بذلك الموفق وغيره، وهذا التفصيل على ما في المنتهى، وظاهر الإقناع عدم التفصيل، قال: فإن أعوز المثل فقيمته يوم إعوازه، وما سواه يوم قبضه.
(2)
وهو عدم وجوده، وعوز من باب تعب، عز فلم يوجد، وأعوزه كأعجزه، لفظا ومعنى.
(3)
أي تثبت قيمة القرض يوم إعواز المثل في ذمة المقترض.
(4)
قال الموفق: كل قرض شرط فيه الزيادة فهو حرام بغير خلاف، وكذلك المواطأة عليها، وقال ابن المنذر: أجمعوا على أنه إذا شرط عليه زيادة فأخذها فهو ربا، واستفاضت الآثار عن السلف أن الهدية إذا كانت لأجل التنفيس ونحوه، أو منفعة في مقابلة دينه فهو محرم، لأنه إما نوع ربا أو رشوة، وكلاهما حرام بالنصوص المستفيضة، وإن كان لأجل عادة جارية قبل فلا بأس، والجمهور على أنه إذا أقرض لا ينتفع لأجله.
(5)
أي كأن يسكنه داره مجانًا أو رخيصًا، أو يقضيه خيرًا مما أقرضه، مثل أن يقرضه مكسرة فيعطيه صحاحا ونحوه، أو أن يقضيه ببلد آخر ولحمله مؤونة، وعنه: يجوز. اختاره الموفق، والشيخ، وعنه: يجوز على وجه المعروف. ويأتي «إذا أقرض أحدكم أخاه قرضًا، فأهدى إليه، أو حمله على الدابة فلا يركبها، ولا يقبله» وثبت عن عبد الله بن سلام: إذا كان لك على رجل حق، فأهدى إليك حمل تبن فلا تأخذه، فإنه ربا.
وقال ابن مسعود: كل قرض جر نفعًا فهو ربا، وثبت النهي عن سلف وبيع، وحكاه الوزير اتفاقًا، لئلا يحابيه في الثمن من أجل القرض، فكذا إذا أسكنه داره، أو أقرضه على أن يقضيه خيرًا منه، أو يهدي له، أو يعمل له عملاً، ونحو ذلك، كان أبلغ في التحريم، وقال الشيخ: لو أقرض أكَّاره بذرًا – كما يفعله الناس – فهو فاسد. وقال: إن أقرض فلاحه في شراء بقر أو بذر بلا شرط، حرم، وإن أمره ببذره وأنه في ذمته، كالمعتاد في فعل الناس ففاسد، له تسمية المثل، ولو تلف لم يضمنه لأنه أمانة.
لأَنه عقد إرفاق وقربة (1) فإذا شرط فيه الزيادة أَخرجه عن موضوعه (2)(وإن بدأ به) أي بما فيه نفع، كسكنى داره (بلا شرط) ولا مواطأة بعد الوفاء جاز، لا قبله (3)(أَو أَعطاه أجود) بلا شرط جاز (4) .
(1) أي إلى الله تعالى، وطلب مثوبة، قال ابن عمر: سلف تسلفه تريد به وجه الله، فلك وجه الله، وسلف تريد به وجه صاحبك، فلك وجه صاحبك، وسلف لتأخذ به طيبًا بخبيث، فذلك الربا.
(2)
وهو القربة بإرفاق المقترض ونفعه، إلى الربح على المقترض، فيدخل في باب المعاوضة، فلا يصير قرضًا، ولا معاوضة شرعية، لأن لها شروطًا معروفة.
(3)
أي لا قبل الوفاء، فإنه لا يجوز مطلقًا، بخلاف ما بعده، لأنه لم يجعله عوضًا في القرض، ولا وسيلة إليه، فكما لو لم يكن قرض.
(4)
كما لو أعطاه صحاحًا عن مكسرة، أو أعطاه نقدًا أجود مما اقترض،
أورد نوعًا خيرًا مما أخذ، قال الموفق: تجوز الزيادة في القدر والصفة، يعني بلا شرط، ولا مواطأة.
لأنه صلى الله عليه وسلم استسلف بكرًا فرد خيرًا منه (1) وقال «خيركم أحسنكم قضاءً» متفق عليه (2)(أو) أعطاه (هدية بعد الوفاء جاز)(3) لأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضًا في القرض، ولا وسيلة إليه (4) .
(1) وذلك أنه استقرض من رجل بكرا، ولما قدمت عليه إبل الصدقة أمر أبا رافع أن يعطي الرجل بكره، فقال: لا أجد إلا خيارًا رباعيًا، فقال «أعطه إياه» أي أعطه الخيار الرباعي بدل البكر، وهو الفتى من الإبل، بمنزلة الغلام من الذكور، والرباعي هو ما استكمل ست سنين، ودخل في السابعة، فهو خير من البكر، وللترمذي وصححه: فأعطى سنا خيرا من سنه. فدل على جواز الزيادة على مقدار القرض من المستقرض، حيوانا كان أو غيره، وفي الصحيحين عن جابر: كان لي عليه دين، فقضاني وزادني. وسواء كانت الزيادة في القدر أو الصفة.
(2)
فدل على استحبابه، وأن ذلك من مكارم الأخلاق المحمودة عرفًا وشرعًا، ولا يدخل في القرض الذي يجر نفعًا، لأنه لم يكن مشروطًا من المقرض، ولا متواطأ عليه، وإنما ذلك تبرع من المستقرض.
(3)
أي بلا شرط، ولا مواطأة.
(4)
فجاز أخذ تلك الزيادة أو الهدية، لما تقدم، وكذا إن علمت زيادته لشهرة سخائه، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
(وإن تبرع) المقترض (لمقرضه قبل وفائه بشيء لم تجر عادته به) قبل القرض (لم يجز (1) إلا أن ينوي) المقرض (مكافأته) على ذلك الشيء (2)(أو احتسابه من دينه) فيجوز له قبوله (3) لحديث أنس مرفوعًا قال «إذا أَقرض أَحدكم قرضًا، فأهدى إليه، أَو حمله على الدابة، فلا يركبها، ولا يقبله، إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك» رواه ابن ماجه، وفي سنده جهالة (4) .
(1) وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، وجمهور السلف، لأنه إذا أقرض لا ينتفع به، فيجر نفعًا محظورًا، فإنه لم يتبرع له إلا من أجل القرض، وإن لم يتواطآ عليه، وإنما وسيلته أنه قد اقرضه، فلم يجز، ما لم تكن جرت العادة بينهما بذلك قبل القرض، فيجوز لما يأتي.
(2)
بأن يفعل معه مثل ما فعل، مما فيه نفع، فيجوز له قبوله، نص عليه.
(3)
أي قبول ما تبرع به المقترض للمقرض من هدية ونحوها قبل الوفاء، فلو استضافه حسب له ما أكل عنده، أو كافأه عليه، إن لم تكن جرت العادة بينهما به قبل القرض، وأما في الدعوات فكغيره ممن لا دين له.
(4)
والحديث وإن كان في إسناده متكلم فيه، فله شواهد كثيرة، منها ما في صحيح البخاري، عن عبد الله بن سلام نحوه موقوفًا، وله حكم الرفع، وورد غيره من الآثار والأصول الشرعية ما يعضد ذلك، فلا يجوز لمقرض قبول هدية، ولا غيرها من المنافع، للنهي عن ذلك، لئلا يتخذ ذريعة إلى تأخير الدين لأخذ هدية عليه، أو أي منفعة، فيكون ربا، لأنه يعود إليه ماله، مع أخذ الفضل الذي استفاده.
(وإن أَقرضه أَثمانًا، فطالبه بها ببلد آخر (1) لزمته) الأَثمان أي مثلها (2) لأنه أمكنه قضاء الحق من غير ضرر فلزمه (3) ولأن القيمة لا تختلف، فانتفى الضرر (4)(و) يجب (فيما لحمله مؤونة قيمته) ببلد القرض (5) لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه (6) ولا يلزمه المثل في البلد الآخر، لأنه لا يلزمه حمله إليه (7) .
(1) أي غير بلد القرض، ومثل ذلك ثمن في ذمته ونحوه.
(2)
أي لزم المستقرض دفع تلك الأثمان لا عينها، ما لم يكن لحملها مؤونة، ومثل الأثمان ما لا مؤونة لحمله، لأن تسليمه إليه في بلده وغيره سواء.
(3)
أي لزم المقترض قضاء الحق الذي عليه، وهو بدل القرض، أو ثمن ما في ذمته ونحوه، لأنه ليس لحمل ذلك مؤونة في الغالب.
(4)
لاتفاق القيمة في البلدين، فلزمه قضاء ما عليه، حيث لا ضرر في حمله، ولا زيادة قيمته.
(5)
أي ويجب على مستقرض ما لحمله مؤونة – كحديد، وقطن، وبر – قيمته يدفعها لمقرض ببلد الطلب، لأنه لما تعذر المثل تعينت القيمة، لكن ببلد القرض.
(6)
أي لأن بلد القرض هو المكان الذي يجب تسليم بدل القرض فيه، فاعتبرت القيمة فيه.
(7)
فصار كالمتعذر، وإن كانت قيمة القرض في البلدين سواء لزمه أداء المثل في المثليات، لأنه أمكنه بلا ضرر عليه في أدائه، وكذا إن كانت قيمته في بلد القرض أكثر من قيمته في بلد المطالبة.
(إن لم تكن) قيمته (ببلد القرض أنقص)(1) صوابه: أكثر (2) . فإن كانت القيمة ببلد القرض أكثر، لزم مثل المثلي، لعدم الضرر إذًا (3) ولا يجبر رب الدين على أخذ قرضه ببلد آخر (4) .
(1) أي من قيمته في بلد الطلب، فيلزمه أداؤه بها، لإمكانه من غير ضرر، وعلم منه أنه لو طالبه بقيمته في بلد المطالبة وكانت قيمته ببلد القرض أكثر لم تلزمه، لأنه لا يلزمه حمله إليها.
(2)
لا ريب أنه سهو من الشارح رحمه الله، فإن الصواب: أنقص. كما ذكر الماتن.
(3)
بل لو كان كما ذكر لما كان هناك فائدة، لأنه يصير إذا كانت القيمة في بلد القرض أنقص لم تجب القيمة في بلد الطلب، والأمر بالعكس كما عرفت، قال عثمان: البدل المطلوب بغير بلد القرض إما أن يكون لحمله مؤونة أو لا، وعلى كلا التقديرين إما أن تكون قيمة البدل ببلد القرض أزيد أو أنقص أو مساوية لقيمته ببلد الطلب، فهذه ست صور، يلزم بذل البدل ببلد الطلب في خمس صور منها، وهي ما إذا لم يكن لحمل البدل مؤونة بصوره الثلاث، أو كانت له مؤونة تمكن قيمته ببلد نحو القرض أزيد، أو مساوية، ويلزم بذل قيمة البدل ببلد الطلب في صورة واحدة، وهي ما إذا كان لحمله مؤونة، وقيمته ببلد نحو القرض أنقص، فتلزم قيمته ببلد نحو القرض، حتى مع وجود المثل ببلد الطلب.
(4)
يعني إذا كان لحمله مؤونة، أو البلد والطريق غير آمن، وكذا ثمن وأجرة وغيرهما، ولو تضرر المقترض، لأن الضرر لا يزال بالضرر، قال الشيخ: يجب على المقترض أن يوفي المقرض في بلد القرض، ولا يكلفه مؤونة السفر والحمل.
إلا فيما لا مؤونة لحمله (1) مع أَمن البلد والطريق (2) وإذا قال: اقترض لي مائة، ولك عشرة. صح، لأنها في مقابلة ما بذله من جاهه (3) ولو قال: اضمني فيها ولك ذلك. لم يجز (4) .
(1) كأثمان، فيلزم المقرض ونحوه قبوله.
(2)
فيلزمه قبوله لانتفاء الضرر، قال أحمد: وإذا اقترض دراهم ثم اشترى منه بها، فخرجت زيوفًا، فالبيع صحيح، وله على المشتري بدل ما أقرضه بصفته زيوفًا.
(3)
فقط، وتقدم أنه لا ينبغي أن يقترض لغير معروف بالوفاء.
(4)
لأنه ضامن، فيلزمه الدين، وإذا أداه وجب له على المضمون عنه، فصار كالقرض، فإذا أخذ عوضًا، صار القرض جارا لمنفعة فلم يجز، فالفرق بينهما أنه في الضمان يكون كقرض جر نفعًا، بخلاف الاقتراض له، ومنعه بعضهم.