الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الحوالة
(1)
مشتقة من التحول (2) لأنها تحول الحق من ذمة إلى ذمة أخرى (3) وتنعقد بأحلتك وأتبعتك بدينك على فلان، ونحوه (4) و (لا تصح) الحوالة (إلا على دين مستقر)(5) .
(1) الحوالة: نقل دين من ذمة إلى ذمة أخرى. ثابتة بالسنة والإجماع، فأما السنة فقوله «وإذا أتبع أحدكم على مليء فليتبع» وفي لفظ «ومن أحيل بحقه على مليء، فليحتل» وحكى الموفق وغيره الإجماع على ثبوتها، وذكر ابن القيم وغيره أنها على وفق القياس، حيث أنها من جنس إيفاء الحق، لا من جنس البيع، قال، وإن كانت بيع دين بدين، فلم ينه الشارع عن ذلك، بل قواعد الشرع تقتضي جوازه، فإنها اقتضت نقل الدين وتحويله، من ذمة المحيل، إلى ذمة المحال عليه.
(2)
أي فالحوالة تحول الحق، من قولك: تحول فلان من داره، وأحال الغريم عنه: زجّاه إلى غريم آخر.
(3)
أي تنقل الحق من ذمة المحيل، إلى ذمة المحال عليه، ولا بد فيها من محيل، ومحتال، ومحال عليه.
(4)
أي وتصح الحوالة بلفظها، كأحلتك بدينك، أو بمعناها الخاص بها، كأتبعتك بدينك على فلان. ونحو ذلك، كخذ دينك منه، أو اطلبه منه. وغير ذلك مما يدل على المقصود.
(5)
أي ولا تصح الحوالة إلا بشروط، قيل: ثلاثة. وقيل: أربعة. وقيل: خمسة "أحدها" أن تكون على دين مستقر في ذمة المحال عليه، كبدل قرض، وثمن مبيع، وتصح ولو على الضامن بما ضمنه ووجب، لا بما يؤول إلى الوجوب قبل وجوبه.
إذ مقتضاها إلزام المحال عليه بالدين مطلقًا (1) وما ليس بمستقر عرضة للسقوط (2) فلا تصح على مال كتابة (3) أو سلم (4) أو صداق قبل دخول (5) أو ثمن مدة خيار، ونحوها (6) وإن أحاله على من لا دين عليه فهي وكالة (7) .
(1) أي سواء رضي المحال عليه أو لا، فسخ العقد أو لا.
(2)
أي فلا تثبت الحوالة فيما هذا صفته.
(3)
أي فلا تصح حوالة سيد على مال الكتابة، لعدم استقراره، فإن له أن يمتنع من أدائه ويعجز نفسه، وتصح على غير مال الكتابة، كبدل قرض، وثمن مبيع، لأنه دين مستقر، وحكمه حكم الأحرار في المداينات.
(4)
أي ولا تصح الحوالة على مسلم فيه، لعدم استقراره، ولا على رأس ماله بعد فسخه، لأنه لا يصح تصرف فيه قبل قبضه وتقدم.
(5)
أي ولا تصح الحوالة على صداق قبل دخول ونحوه مما يقرر الصداق، لعدم استقراره، وتصح بعد دخول ونحوه.
(6)
أي ولا تصح على ثمن، بأن أحال البائع على المشتري في مدة خيار مجلس أو شرط، ونحوها كأن أحال على أجرة قبل استيفاء المنافع، إن كانت على عمل، وقبل فراغ المدة إن كانت الإجارة على مدة، لعدم استقراره، وكذا لو أحال على عين من وديعة، أو مضاربة، أو شركة، لأنه لم يحل على دين، قال الشيخ: وليس للابن أن يحيل على أبيه إلا برضاه.
(7)
أي في الاستقراض ممن أحاله عليه، لها أحكام الوكالة، وليست حوالة، لأن الحوالة إنما تكون بدين على دين.
والحوالة على ماله في الديوان أو الوقف إذن في الاستيفاء (1)(ولا يعتبر استقرار المحال به)(2) فإن أحال المكاتب سيده (3) أو الزوج زوجته صح (4) لأن له تسليمه، وحوالته تقوم مقام تسليمه (5)(ويشترط) أيضًا للحوالة (اتفاق الدينين)(6) أي تماثلهما (جنسًا) كدنانير بدنانير، أو دراهم بدراهم (7) .
(1) فليست حوالة، بل وكالة كما تقدم، وله اختيار الرجوع ومطالبته، مثاله حوالة ناظر وقف بعض المستحقين، على من عنده شيء من ريع الوقف، كأجرة وخراج، فإنه إذن في الاستيفاء.
(2)
من دين ونحوه، لأن نحو الدين له التسليم قبل استقراره، وحوالته به تقوم مقام تسليمه، ولأن الحوالة بجعل قبل عمل بمنزلة وفائه.
(3)
صحت الحوالة بمال الكتابة، وبرئت ذمة المكاتب بالحوالة، ويكون ذلك بمنزلة القبض.
(4)
أي أو أحال الزوج زوجته بصداقها صح ولو قبل دخول، على مستقر، لأنه لا يشترط استقرار المحال به، ويصح أن يحيل المشتري البائع بالثمن في مدة خيار المجلس والشرط، وكذا حوالة المستأجر بالأجرة على آخر قبل استيفاء المنفعة.
(5)
وإن سقط الدين، كالزوجة ينفسخ نكاحها بسبب من جهتها، أو المشتري يفسخ البيع، فإن كان قبل القبض فالمقدم أنها تبطل، لعدم الفائدة في بقائها، ويرجع المحيل بدينه على المحال، وبعد القبض لا تبطل وجها واحدا، ويرجع المحيل على المحتال به.
(6)
لأنها تحويل للحق، ونقل له، فينقل على صفته، وهذا "الشرط الثاني".
(7)
ونحو ذلك، فلا بد من التماثل في الجنس.
فإن أحال من عليه ذهب بفضة أو عكسه لم يصح (1)(ووصفًا) كصحاح بصحاح، أو مضروبة بمثلها (2) فإن اختلفا لم يصح (3)(ووقتًا) أي حلولاً، أو تأْجيلاً أجلاً واحدًا (4) فلو كان أحدهما حالاً، والآخر مؤجلاً (5) أو أحدهما يحل بعد شهر، والآخر بعد شهرين لم تصح (6)(وقدرًا) فلا يصح بخمسة على ستة (7) لأنها إرفاق كالقرض (8) .
(1) للتخالف، كمن أحال من عليه فضة بذهب.
(2)
أو مكسرة بمكسرة، فلا بد من تماثلهما وصفا.
(3)
أي فإن اختلف تماثل صحاح بصحاح، بأن أحال من عليه صحاح بمكسرة، أو عكسه، أو مضروبة بغير مضروبة، أو مصرية بغيرها، لم يصح ذلك، للتخالف في الوصف.
(4)
فيعتبر اتفاق أجل المؤجلين.
(5)
لم تصح الحوالة، وإن كانا حالين فشرط المحتال أن يؤخره أو بعضه إلى أجل فسد الشرط.
(6)
أي الحوالة، لا اشتراط التماثل في الحلول والتأجيل، كما شرط في المقاصة.
(7)
أي ويشترط تماثل الدينين قدرا، فلا تصح الحوالة بخمسة على ستة، أو بخمسة على عشرة ونحو ذلك، للتخالف.
(8)
أي لأن الحوالة عقد إرفاق كالقرض.
فلو جوزت مع الاختلاف لصار المطلوب منها الفضل، فتخرج عن موضوعها (1)(ولا يؤثر الفاضل) في بطلان الحوالة (2) فلو أَحال بخمسة من عشرة على خمسة (3) أو بخمسة على خمسة من عشرة، صحت لاتفاق ما وقعت فيه الحوالة، والفاضل باق بحاله لربه (4)(وإذا صحت) الحوالة بأن اجتمعت شروطها (5)(نقلت الحق إلى ذمة المحال عليه (6) وبريء المحيل) بمجرد الحوالة (7) فلا يملك المحتال الرجوع على المحيل بحال (8) .
(1) وهو عقد الإرفاق، إلى التماس الفضل بها، ولا يجوز ذلك، كما لا يجوز في القرض.
(2)
سواء كان الفاضل من المال المحال به أو المحال عليه.
(3)
صحت الحوالة، لاتفاق ما وقعت فيه، والباقي بحاله لربه.
(4)
لموافقة الخمسة للخمسة، ولا يضر كون أحدهما عن قرض مثلا والآخر عن ثمن مبيع ونحوه.
(5)
وهي أن تكون على دين مستقر، وأن يتفق الدينان، ويرضى المحيل، ويعلم المال المحال به وعليه، ويكون مما يصح السلم فيه من مثلي وغيره.
(6)
أي نقلت الحوالة الحق يعني المال المحال به إلى ذمة المحال عليه، إذ هي شرعا كذلك، لأنها براءة من دين.
(7)
أي وبريء المحيل من المال الذي أحال به، بمجرد الحوالة، قال الموفق وغيره: في قول عامة أهل العلم، لأنها مشتقة من تحويل الحق.
(8)
لأن الحق انتقل بذلك، فلم يعد الحق إلى المحيل أبدًا، وهذا مذهب الشافعي وغيره.
سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل، أو فلس، أو موت، أو غيرها (1) وإن تراضى المحتال والمحال عليه على خير من الحق، أو دونه في الصفة أو القدر (2) أو تعجيله، أو تأجيله، أو عوضه جاز (3)(ويعتبر) لصحة الحوالة (رضاه) أي رضى المحيل (4) لأن الحق عليه، فلا يلزمه أداؤه من جهة الدين على المحال عليه (5) ويعتبر أيضًا علم المال (6) .
(1) كأن تعذر استيفاؤه من المحال عليه، لأنها براءة من دين، ليس فيها قبض ممن هي عليه، ولا ممن يدفع عنه، فلم يكن فيها رجوع، كما لو أبرأه من الدين، وأحال علي رجلاً بدين، فمات المحال عليه، فأخبره، فقال: اخترت علينا.
(2)
أي وإن اجتمعت الشروط، وصحت الحوالة، فتراضيا بأن يدفع المحال عليه إلى المحال خيرًا من حقه أو رضي المحال بدون حقه في الصفة أو القدر جاز.
(3)
أي أو رضي المحال عليه المؤجل بتعجيله، أو من له الحال بانتظاره، أو العوض عنه، جاز ذلك، لأن الحق لهما، ولجوازه في القرض، ففي الحوالة أولى، إلا إن جرى بين العوضين ربا النسيئة، كما لو كان المحال به من الموزونات فعوضه موزونا من غير جنسه، أو مكيلاً من غير جنسه، فيشترط فيه التقابض بمجلس التعويض.
(4)
قال الموفق وغيره: بلا خلاف.
(5)
فاعتبر رضاه في ذلك، وهذا "الشرط الثالث" من شروط الحوالة.
(6)
أي المحال به وعليه للعاقدين، بأن يكون كل من الدينين مما يصح السلم فيه، مثليا كان أو لا، لاعتبار التسليم، والجهالة تمنعه، فاشترط العلم به، وهو "الشرط الرابع" فلا تصح بعوض دين على بعض دين.
وأن يكون مما يثبت مثله في الذمة بالإتلاف، من الأثمان، والحبوب ونحوها (1) و (لا) يعتبر (رضى المحال عليه)(2) لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه، وبوكيله (3) وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض، فلزم المحال عليه الدفع إليه (4)(ولا رضى المحتال) إن أحيل (على مليء)(5) ويجبر على إتباعه (6) .
(1) كمعدود، وموزون لا صناعة فيه، غير جوهر ونحوه، لأنه لا يصح السلم فيه، واحترز بما يثبت مثله عن المتقومات، فإنه لا تجوز الإحالة على شيء متقوم.
(2)
وهو أحد قولي الشافعي، خلافًا للأكثر، وقال مالك: لا يعتبر، إن لم يكن المحال عدوا له.
(3)
أي فلا يعتبر رضى من عليه الحق، كالتوكيل في القبض منه.
(4)
كالوكيل، ولم يفتقر إلى رضاه.
(5)
غير مماطل، فلا يعتبر رضاه، بل يجب عليه أن يحتال، هذا المذهب، وإن كان قول الجمهور على خلافه، وقالوا: لأن حقه في ذمة المحيل، فلا يجوز نقله إلى غيرها بغير رضاه، ولا محيص عن الأخذ بالنص، وقد قال الأئمة: إذا ثبت فهو مذهبنا، ولأن للمحيل أن يوفي الحق الذي عليه بنفسه وبوكيله، وقد أقام المحال عليه مقام نفسه في التقبيض، فلزم المحتال القبول، كما لو وكل رجلا في إيفائه.
(6)
أي ويجبر المحتال على مليء إن امتنع من قبول الحوالة على إتباع المحال عليه بطلب حقه.