المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب إحياء الموات - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٥

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌باب السلم

- ‌الذي يجمع أخلاطًا أربعة أقسام

- ‌ الشرط (الثالث ذكر قدره)

- ‌ الشرط (الرابع ذكر أجل معلوم)

- ‌ الشرط (السابع أن يسلم في الذمة

- ‌باب القرض

- ‌باب الرهن

- ‌باب الضمان

- ‌فصل في الكفالة

- ‌باب الحوالة

- ‌المليء: القادر بماله، وقوله، وبدنه

- ‌باب الحجر

- ‌فصلفي المحجور عليه لحظه

- ‌باب الوكالة

- ‌باب الإجارة

- ‌ يصح استئجار آدمي لعمل معلوم

- ‌ الشرط (الثاني معرفة الأجرة)

- ‌الشرط (الثالث الإباحة في) نفع (العين)

- ‌كون المنفعة مقصودة

- ‌ الثالث (القدرة على التسليم)

- ‌ الرابع (اشتمال العين على المنفعة

- ‌باب السبق

- ‌باب العارية

- ‌تنعقد بكل لفظ أو فعل يدل عليها

- ‌باب الغصب

- ‌باب الشفعة

- ‌ الشفعة (على الفور وقت علمه

- ‌باب إحياء الموات

- ‌باب الجعالة

- ‌باب اللقطة

- ‌ لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها)

- ‌باب اللقيط

-

- ‌كتاب الوقف

- ‌ الثاني: (أن يكون على بر)

- ‌ الرابع: أن يقف ناجزا

- ‌صفات ترتيب الاستحقاق

- ‌ يولى في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعا

الفصل: ‌باب إحياء الموات

‌باب إحياء الموات

(1)

بفتح الميم والواو (2)(وهي) مشتقة من الموت، وهو عدم الحياة (3) واصطلاحا (الأرض المنفكة عن الاختصاصات (4) وملك معصوم) (5) بخلاف الطرق والأفنية (6) ومسيل المياه، والمحتطبات ونحوها (7) .

(1) الأصل فيه السنة والإجماع في الجملة.

(2)

قال في القاموس: كسحاب، مالا روح فيه، وأرض لا مالك لها.

(3)

وفي المغني: هو الأرض الخراب الدارسة. وقال الأزهري: هو الأرض التي ليس لها مالك، ولا بها ماء، ولا عمارة، ولا ينتفع بها. اهـ. شبهت العمارة بالحياة، وتعطيلها بالموت، لعدم الانتفاع بالأرض الميتة بزرع أو غيره، وإحياؤها عمارتها.

(4)

كالطرق، والأفنية، ومسايل المياه، ونحو ذلك.

(5)

أي والمنكفة من ملك معصوم، مسلم أو كافر، بشراء أو عطية، أو غيرهما.

(6)

وهي ما اتسع أمامه، وكذا مجتمع ناديه.

(7)

كمدفن موتاه، ومطرح ترابه، وحريم البئر والعين، وكالبقاع المرصدة لصلاة العيدين والجنائز، فكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه.

ص: 474

وما جرى عليه ملك معصوم بشراءٍ أو عطية أو غيرهما فلا يملك شيء من ذلك بالإحياء (1)(فمن أحياها) أي الأرض الموات (ملكها)(2) لحديث جابر يرفعه «من أحيا أرضا ميتة فهي له» رواه أحمد، والترمذي وصححه (3) وعن عائشة مثله، رواه مالك، وأبو داود (4) وقال ابن عبد البر: هو مسند صحيح، متلقى بالقبول، عند فقهاء المدينة وغيرهم (5) .

(1) قال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع، أنه لا يجوز إحياؤه لأحد غير أربابه، ولأحمد وغيره عن عروة: أن رجلين اختصما في أرض غرس أحدهما فيها، وهي للآخر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض لصاحبها، وأمر صاحب النخل يخرج نخله، وقال «ليس لعرق ظالم حق» .

(2)

بإجماع العلماء القائلين بملك الأرض الموات بالإحياء، وحكى الوزير الاتفاق على جواز إحياء الأرض الميتة العادية.

(3)

ولهما عن سعيد بن زيد مرفوعا نحوه، ولأبي داود عن عروة: الأرض لله والعباد عباد الله، ومن أحيا مواتا فهو أحق بها، جاءنا بهذا عنه صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا بالصلوات عنه صلى الله عليه وسلم.

(4)

والبخاري وغيرهم ولفظه «من عمر أرضًا ليست لأحد، فهو أحق بها» .

(5)

وله شواهد، وعامة فقهاء الأمصار على أن الموات يملك بالإحياء، وإن اختلفوا في شروطه.

ص: 475

(من مسلم وكافر) ذمي، مكلف وغيره (1) لعموم ما تقدم (2) لكن على الذمي خراج ما أحيا من موات عنوة (3)(بإذن الإمام) في الإحياء (وعدمه) لعموم الحديث (4) ولأنها عين مباحة، فلا يفتقر ملكها إلى إذن (5)(في دار الإسلام وغيرها)(6) فجميع البلاد سواء في ذلك (7)(والعنوة) كأرض الشام، ومصر والعراق (كغيرها) مما أسلم أهله عليه (8) .

(1) أي غير مكلف، نص عليه، وهو مذهب أبي حنيفة، بخلاف أهل الحرب، فلا يملكون بالإحياء في دار الإسلام، على الصحيح من المذهب.

(2)

أي من قوله «من أحيا أرضًا ميتة فهي له» وغيره، ولأنه من أهل دار الإسلام، فملك بالإحياء كالشراء، وكتملكه مباحاتها من حشيش وغيره.

(3)

لأن الأرض للمسلمين، فلا تقر في يد غيرهم بدون الخراج، كغير الموات، وغير العنوة، كأرض الصلح، وما أسلم أهله عليه، فالذمي فيه كالمسلم.

(4)

وهو قوله «من أحيا أرضا ميتة فهي له» ونحوه، وخبر «من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به» وهو مذهب الجمهور.

(5)

كأخذ المباح، وهو مبني على أن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال.

(6)

كدار الحرب، وهي على أصل الإباحة.

(7)

لعموم الأخبار، وكالحشيش، والحطب.

(8)

كالمدينة، يملك بالإحياء، ولا خراج عليه، إلا أن يكون المحيي ذميًا، كغير الموات.

ص: 476

أو صولحوا عليه (1) إلا ما أحياه مسلم من أرض كفار صولحوا على أنها لهم ولنا الخراج (2)(ويملك بالإحياء ما قرب من عامر (3) إن لم يتعلق بمصلحته) (4) لعموم ما تقدم (5) وانتفاء المانع (6) فإن تعلق بمصالحه كمقبرة (7) وملقى كناسة ونحوهما لم يملك (8) .

(1) أي أن الأرض للمسلمين، كأرض خيبر، فيملك بالإحياء كغيره.

(2)

لأنهم صولحوا في بلادهم، فلا يجوز التعرض لشيء منها، لأن الموات تابع للبلد.

(3)

كالبعيد عنه بشرطه الآتي، قال أحمد – في جبانة بين قريتين -: من أحياها فهي له، ويرجع في القرب إلى العرف، ولا يتقدر بحد، فيفضي إلى أن من أحيا أرضا في موات، حرم إحياء شيء من ذلك الموات على غيره، ما لم يخرج عن الحد، فعند الجمهور أن الأرض التي لا يعلم تقدم ملك أحد عليها، فيحييها شخص بالسقي، أو الزرع، أو الغرس، أو البناء، فتصير بذلك ملكه، سواء كانت فيما قرب من العمران أو بعد، أذن له الإمام أو لم يأذن، حكاه الحافظ وغيره.

(4)

فكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصلحته، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه.

(5)

أي من قوله صلى الله عليه وسلم «من أحيا أرضا ميتة فهي له» ونحوه، ولإقطاعه صلى الله عليه وسلم بلال بن الحارث العقيق، وهو من عمارة المدينة.

(6)

وهو التعلق بمصالح العامر، فجاز إحياؤه كالبعيد.

(7)

وهي مدفن الموتى، أو المرصدة لدفن الموتى، ولو قبل الدفن.

(8)

كملقى ترابه وآلاته، لا يجوز إحياؤه، قال الموفق: بغير خلاف في

المذهب، وكذلك ما تعلق بمصالح القرية، كفنائها، ومرعى ماشيتها، ومحتطبها، وطرقها، ومسيل مائها، لا يملك بالإحياء، لا نعلم فيه أيضًا خلافًا بين أهل العلم وكذلك حريم البئر، والنهر، والعين، وكل مملوك، لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه.

ص: 477

وكذا موات الحرم وعرفات، لا يملك بالإحياء (1) وإذا وقع في الطريق وقت الإحياء نزاع، فلها سبعة أذرع (2) ولا تغير بعد وضعها (3) ولا يملك معدن ظاهر (4) كملح، وكحل، وجص بإحياء (5) وليس للإمام إقطاعه (6) .

(1) لما فيه من التضييق في أداء المناسك، واختصاصه بمحل: الناس فيه سواء. وهذا مذهب الجمهور، وقيل: يملك بالإحياء ما لا يحتاج إليه الحاج ألبته إن وجد.

(2)

لخبر أبي هريرة «إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع» رواه الجماعة إلا النسائي، قال شيخنا: ويسوغ بالمعاوضة، كسعة المسجد وغيره، مما يحتاج إليه البلد حاجة ضرورية، لقصة زيادة المسجد الحرام.

(3)

يعني ولو زادت على سبعة أذرع، لأنها للمسلمين، فلا يختص أحد منهم بشيء منها.

(4)

وهي التي يوصل إلى ما فيها من غير مؤنة، ينتابها الناس، وينتفعون بها.

(5)

وككبريت، وقار، وموميا، وبرام، وياقوت، وأشباه ذلك، إذا كان ظاهرًا في الأرض قبل الإحياء، لما روى أبو داود وغيره: أن أبيض بن حمال استقطعه الملح الذي بمأرب، فلما ولى قيل: يا رسول الله إنما أقطعته الماء العد فرجعه منه، ولأنه يتعلق به مصالح المسلمين العامة فلم يجز إحياؤه.

(6)

كمشارع الماء، وطرقات المسلمين، قال ابن عقيل: هذا من مواد الله الكريم، وفيض وجوده، الذي لا غناء عنه، ولو ملكه أحد بالاحتجار ملك منعه،

فضاق على الناس، فإن أخذ العوض عنه أغلاه، فخرج عن الوضع الذي وضعه الله به، من تعميم ذوي الحوائج من غير كلفة، قال الموفق: وهذا مذهب الشافعي، ولا أعلم فيه مخالفًا.

فأما المعادن الباطنة – وهي التي لا يوصل إليها إلا بالعمل والمؤونة، كمعادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، والرصاص، والبلور، والفيروزج – فإذا كانت ظاهرة لم تملك بالإحياء، وإن لم تكن ظاهرة فحفرها إنسان، وأظهرها لم تملك بذلك، في ظاهر المذهب، وظاهر مذهب الشافعي، ويحتمل أن يملكها بذلك، وهو قول للشافعي، لأنه موات لا ينتفع به إلا بالعمل والمؤونة، فملك بالإحياء كالأرض.

قال أصحابنا: وليس للإمام إقطاعها، لأنها لا تملك بالإحياء والصحيح جواز ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية، رواه أبو داود، ومن أحيا أرضا، فملكها بذلك، فظهر فيها معدن، ملكه، ظاهرا كان أو باطنا، إذا كان من المعادن الجامدة، وأما الجارية كالقار، والنفط، والماء فروايتان، أظهرهما: لا يملكها. لقوله صلى الله عليه وسلم «الناس شركاء في ثلاث، في الماء، والكلأ، والنار» لكن صاحب الأرض أحق به، وإن كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملكا بالإحياء لأنه لا يضيق على المسلمين، فلم يمنع منه، كبقية الموات، وللإمام إقطاعه.

ص: 478

وما نضب عنه الماء من الجزائر لم يحي بالبناء (1) لأنه يردُّ الماء إلى الجانب الآخر، فيضر بأهله (2) .

(1) وكذا الأنهار إذا غار عنها الماء.

(2)

قال أحمد: إذا نضب الماء من جزيرة إلى فناء رجل، لم يبن فيها، لأن فيه ضررًا، وهو أن الماء يرجع أي يرجع إلى ذلك المكان، فإذا وجده مبنيا رجع إلى الجانب الآخر فأضر بأهله.

ص: 479

وينتفع به بنحو زرع (1)(ومن أحاط مواتا)(2) بأن أدار حوله حائطا منيعا بما جرت العادة به، فقد أحياه (3) سواء أرادها للبناء أو غيره (4) لقوله عليه السلام «من أحاط حائطا على أرض فهي له» رواه أحمد وأبو داود عن جابر (5) .

(1) يعني إذا لم يكن مملوكا فله إحياؤه كموات، والانتفاع به بنحو زرع، مع عدم الضرر، وإن غلب الماء على ملك إنسان، ثم نضب عنه، فله أخذه، ولا يزول ملكه بغلبة الماء عليه.

(2)

وهي الأرض المنفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم كما تقدم.

(3)

أي عادة أهل البلد البناء به من لبن، أو آجر، أو حجر، أو قصب، أو خشب ونحوه.

(4)

كما لو أرادها لزرع، أو حظيرة لغنم، أو خشب أو غيرهما، هذا المذهب.

(5)

وصححه ابن الجارود، ولهما عن سمرة مرفوعا مثله، فدل على أن التحويط على الأرض مما يستحق به ملكها، والمقدار المعتبر ما يسمى حائطا في اللغة، وعن أحمد: إحياء الأرض ما عُدَّ إحياء عرفا، لقوله «من أحيا أرضا ميتة فهي له» . واختاره الموفق، وابن عقيل، وغيرهما، لأن الشرع ورد بتعليق الملك عليه، ولم يبينه، فوجب الرجوع إلى ما كان إحياء في العرف، واختاره شيخنا.

قال الموفق: فإن الأرض تحيا دارا للسكنى، وحظيرة، ومزرعة، فإحياء كل واحدة من ذلك بما تتهيأ به للانتفاع الذي أريدت له.

ص: 480

(أو حفر بئرا فوصل إلى الماء) فقد أحياه (1)(أو أجراه) أي الماء (إليه) أي إلى الموات (من عين ونحوها (2) أو حبسه) أي الماء (عنه) أي عن الموات إذا كان لا يزرع معه (ليزرع فقد أحياه)(3) لأن نفع الأرض بذلك أكثر من الحائط (4) ولا إحياء بحرث وزرع (5) .

(1) وإن حفرها لارتفاقه، كعادة من انتجع أرضا، فهو أحق ما أقام، وإن رجل فسابلة، فإن عاد فهو أحق بها من غيره، ويختص بها، اختاره أبو الخطاب وغيره.

وإن حفر البئر فلم يصل إلى الماء، فهو كالمتحجر، الشارع في الإحياء.

(2)

كنهر وبئر فقد أحياه، لأن نفع الأرض بالماء أكثر من الحائط.

(3)

ولا يعتبر أن يزرعها ويسقيها.

(4)

فحصل الإحياء به، لأن بذلك يمكن الانتفاع بها فيما أرادها له، من غير حاجة إلى تكرار ذلك في كل عام.

(5)

فقط، لأن ذلك مما يتكرر كلما أراد الانتفاع بها، فلم يعتبر في الإحياء، كسقيها، وكالسكنى في البيوت، ولا يحصل الإحياء بذلك، إذا فعله بمجرده، ووجه الموفق وغيره أن حرثها وسقيها إحياء لها، ولا سيما إذا كان مما يعده الناس إحياء، وجرى به العرف، وتهيأت به للانتفاع.

وقال شيخنا: من عمد إلى أرض لا تصلح له، فأصلحها، وقطع شجرها، وجمع إليها السيل، فهو إحياء، فالإحياء كالحرز، يرجع فيه إلى العرف. اهـ. ونص غير واحد في أرض كثيرة الأحجار، أن إحياءها بقلع أحجارها، وتنقيتها، وتهيئتها للزرع، وبغرسها، لأنه يراد للبقاء.

ص: 481

(ويملك) المحيي (حريم البئر العاديَّة) بتشديد الياء أي القديمة (1) منسوبة إلى عاد، ولم يرد عادا بعينها (2)(خمسين ذراعا من كل جانب)(3) إذا كانت انطمت، وذهب ماؤها، فجدد حفرها وعمارتها، أو انقطع ماؤها فاستخرجه (4)(وحريم البدَّية) المحدثة (5)(نصفها) خمسة وعشرون ذراعًا (6) .

(1) وهي التي انطمت، وذهب ماؤها، فجدد حفرها وعمارتها، أو انقطع ماؤها فاستخرجه كما يأتي، والحريم هو ما يمنع منه المحيي والمحتفر، لإضراره، سمي بذلك لأنه يحرم منع صاحبه منه، ويحرم على غيره التصرف فيه.

(2)

وهي الأمة المشهورة التي كان منزلها الأحقاف، لكن لما كانت عاد في الزمن الأول، وكانت لها آثار في الأرض، نسب إليها كل قديم، وقال الشيخ: هي التي أعيدت.

(3)

بذراع اليد، لأنه المتبادر عند الإطلاق، فكل من سبق إلى بئر عادية كان أحق بها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به» .

(4)

ملكها بذلك، وملك حريمها إذا كانت في موات.

(5)

التي لم يسبق لها عمارة، نصف العادية إذا كانت في موات، وحفرها للتمليك لأجل البئر، أو سقي الماشية.

(6)

نص عليه، واختاره أكثر الأصحاب، وجعل للعادية أكثر لغزارة الماء في الغالب.

ص: 482

لما روى أبو عبيد في الأموال عن سعيد بن المسيب قال: السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا، والبدي خمسة وعشرون ذراعا (1) وروى الخلال والدارقطني نحوه مرفوعا (2) وحريم شجرة قدر مد أغصانها (3) .

(1) سعيد بن المسيب، أحد العلماء، والفقهاء السبعة، قال فيه ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علما منه، مات سنة التسعين، وقد ناهز الثمانين، وله نحوه عن يحيى بن سعيد الأنصاري.

(2)

فروى الخلال، والدارقطني وغيرهما مرفوعا «حريم البئر البدي، خمس وعشرون ذراعًا، وحريم البئر العادي خمسون ذراعًا» وقال القاضي وغيره: ليس هذا على طريق التحديد، بل حريمها في الحقيقة ما يحتاج إليه في ترقية مائها منها ولأبي عبيد عن ابن المسيب، «وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها» وإن كانت البئر التي لها ماء ينتفع به الناس، فليس لأحد احتكاره كالمعادن الظاهرة.

وإن حفر بئرًا ليرتفق هو بمائها كحفر السفارة في بعض المنازل، كالأعراب ينتجعون، فيحفرون لشربهم وشرب دوابهم، لم يملكوها، وهم أحق بمائها ما أقاموا وعليهم بذل الفاضل لشاربه، وبعد رحيلهم تكون سابلة للمسلمين، فإن عادوا إليها كانوا أحق بها. وللدارقطني من حديث أبي هريرة نحو خبر ابن المسيب، وفيه «والعين السائحة ثلاثمائة ذارع، وعين الزرع ستمائة ذراع» وعليه الأكثر، وقيل: قدر الحاجة، ولو ألف ذراع، اختاره القاضي، والموفق وغيرهما، وحريم النهر قدر ما يلقى منه كسحه، وحريم الأرض قدر ما تحتاج إليه وقت عملها، وإلقاء كسحها، وكذا المسيل حريمه ما يحتاج إليه كسحه ونحوه.

(3)

وحريم نخلة مد جريدها، لما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد: اختصم

إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حريم نخلة فأمر بجريدة من جرائدها فذرعت، فكانت سبعة أذرع، أو خمسة أذرع، فقضى بذلك، وهذا كله في الأرض المباحة، وليس لغيره التصرف فيه وأما الأرض المملوكة. فلا حريم فيها، بل كل يتصرف في ملكه ما شاء.

ص: 483

وحريم دار من موات حولها، مطرح تراب، وكناسة، وثلج، وماء ميزاب (1) ولا حريم لدار محفوفة بملك (2) ويتصرف كل منهم بحسب العادة (3) ومن تحجر مواتًا بأن أدار حوله أحجارًا ونحوها (4) لم يملكه وهو أحق به (5) ووارثه من بعده (6) .

(1) وممر إلى بابها، ونحو ذلك مما يرتفق به ساكنها، فيحرم على غيره التصرف فيه.

(2)

يعني للغير من كل جانب، لأن الحريم من المرافق، ولا يرتفق بملك غيره، لأن مالكه أحق به.

(3)

أي ويتصرف كل واحد من أرباب الأملاك المتلاصقة في ملكه، وينتفع به بحسب العادة الجارية، فإن تعدى العادة منع من التعدي، عملاً بالعادة.

(4)

كتراب، وشوك، وجدار صغير لا يمنع ما وراءه، أو خندق حول الأرض.

(5)

أي لم يملكه بذلك لأن المالك إنما يكون بالإحياء، والمتحجر أحق به من غيره، لقوله «من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به» رواه أبو داود، وفي رواية «ما لم يسبق إليه مسلم فهو له» .

(6)

أي يكون وارث المتحجر أحق بذلك من غيره، لقوله «من ترك حقا أو مالا فهو لورثته» ، ولأنه حق للموروث، فقام وارثه مقامه فيه، كسائر

حقوقه، وكذا من ينقله المتحجر إليه، أحق به ممن سواه، لأنه أقامه مقامه فيه، وكذا من نزل عن أرض خراجية أو وظيفة لأهل، فالمنزول له أحق بها من غيره، والنازل كالمتحجر، وقال الشيخ: لا يتعين المنزول له عن الوظيفة، ويولي من له الولاية من يستحقها شرعًا. وأما الأرض الخراجية فقال ابن القيم: من كانت بيده فهو أحق بها بالخراج كالمستأجر، وورثته من بعده.

ص: 484

وليس له بيعه (1)(وللإمام إقطاع موات لمن يحييه)(2) لأنه عليه السلام أقطع بلال بن الحارث العقيق (3)(ولا يملكه) بالإقطاع، بل هو أحق من غيره (4) .

(1) أي المتحجر أو وارثه، لأنه لم يملكه، وشرط المبيع أن يكون مملوكًا، وله النزول عنه بعوض، وقيل: له بيعه، لأنه أحق به، وإن لم يتم إحياؤه. وإن طالت المدة عرفا – وقيل: نحو ثلاث سنين – قيل له: إما أن تحييه أو تتركه إن حصل متشوف للإحياء.

(2)

ويكون أحق به من غيره، وحكمه حكم المتحجر الشارع في الإحياء كما تقدم، وإقطاع الإمام تسويغه من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك، وأكثر ما يستعمل في الأرض والمعادن، وقد قسم الأصحاب الإقطاع إلى ثلاثة أقسام، إقطاع تمليك، وإقطاع استغلال، وإقطاع إرفاق، وإقطاع التمليك إلى موات، وعامر، ومعادن، والاستغلال إلى عشر وخراج، وبدأ بإقطاع الموات لمن يحييه.

(3)

ويأتي لفظه. وأقطع وائل بن حجر أرضا بحضرموت، صححه الترمذي، وأقطع عمر وعثمان وجمع من الصحابة، وهو مذهب جمهور العلماء، حتى قال مالك: يثبت الملك بنفس الإقطاع.

(4)

وهذا مذهب الشافعي وغيره، لما روى أبو عبيد وغيره أن النبي صلى الله

عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث العقيق؛ وأن عمر قال لبلال: لم يقطعك لتحجبه عن الناس، إنما أقطعك لتعمر، فخذ منها ما قدرت على عمارته، ورد الباقي. ورد أيضًا قطيعة أبي بكر لعيينة بن حصن، وجاء غير ذلك مما يدل على أن المقطع أحق من غيره، وأولى بإحيائه، ولكن لا يملكه بالإقطاع، فإنه لو ملكه ما جاز استرجاعه، وإنما حكمه حكم المتحجر، الشارع في الإحياء، ولا ينبغي للإمام أن يقطع إلا ما قدر المقطع على إحيائه، فإن أقطع أحدًا أكثر منه، ثم تبين عجزه استرجعه، كما فعل عمر.

ص: 485

فإذا أحياه ملكه (1) وللإمام أيضًا إقطاع غير موات، تمليكًا وانتفاعًا للمصلحة (2) .

(1) أي فإن أحياه المقطع بما يعد إحياء كما تقدم، ملك ما أقطع بالإحياء، لا بالإقطاع فقط عند الجمهور، والمعدن بإظهاره، لا الظاهر، والجاري، فمشترك لمن يحييه، وإقطاع استغلال، وهو إقطاع منفعة الأرض لمن شاء، يستغلها أو يؤجرها.

(2)

أي التي يجوز الإقطاع لأجلها، ابتداءً ودوامًا، كما في الإقناع، وأنه لو كان ابتداؤه لمصلحة، ثم في أثناء الحال فقدت، فللإمام استرجاع الإقطاع، لأن الحكم يدور مع علته، وهذا ظاهر في إقطاع الانتفاع، أما إقطاع التمليك فغير ظاهر، لأنه يملكه بالإحياء.

وفي رواية حنبل: للإمام أن يعطي من بيت المال، ويقف على بعض المسلمين، وما في معنى ذلك، وأفتى بذلك ابن عقيل وغيره، وحكم بها عز الدين بن جماعة في الديار المصرية، ونفذ حكمه المالكي، والحنفي، والحنبلي، والمرداوي، وأشار الحارثي إلى اشتراط كون المقطع من أهل المصالح العامة، كالقضاة، والعلماء، والفقراء، والجند، والعمال، ونحوهم.

ص: 486

(و) له (إقطاع الجلوس) للبيع والشراء (في الطرق الواسعة)(1) ورحبة مسجد غير محوطة (2)(ما لم يضر بالناس) لأنه ليس للإمام أن يأذن فيما لا مصلحة فيه، فضلا عما فيه مضرة (3) (ويكون) المقطع (أحق بجلوسها) (4) ولا يزول حقه بنقل متاعه منها (5) لأنه قد استحق بإقطاع الإمام (6) وله التظليل على نفسه بما ليس ببناء بلا ضرر (7) ويسمى هذا: إقطاع إرفاق (8)(ومن غير إقطاع) للطرق الواسعة (9) .

(1) لمحتاج إلى الجلوس فيها، فللإمام أن يقطعه إقطاع منفعة.

(2)

لأن المحوطة لا يجوز فيها البيع ونحوه، بل هي من المسجد، والرحبة بالفتح وتسكينها، وجمعها رحب ورحاب، وهي ساحته.

(3)

فيحرم عليه أن يأذن فيما فيه مضرة على الناس.

(4)

من غيره ما لم تزل رغبته، فإذا زالت فهو كغيره.

(5)

بل هو أحق بها من غيره، سواء ترك قماشه فيها أو لا.

(6)

فلم يزل حقه بنقل متاعه، ما لم يعد الإمام في إقطاعه، لأن له الاجتهاد في قطعه، كما أن له الاجتهاد في ابتدائه.

(7)

من بارية وكساء، لدعاء الحاجة إليه، وليس له أن يبني دكة ولا غيرها في الطريق ولو واسعا، ولا في رحبة المسجد، لما فيه من التضييق.

(8)

وإقطاع منفعة لا تمليك، و"ارتفق بالشيء" انتفع به.

(9)

أي ولمن سبق بالجلوس من غير إقطاع للطرق الواسعة الحق بالجلوس، ما بقي قماشة فيها.

ص: 487

والرحبة غير المحوطة الحق (لمن سبق بالجلوس، ما بقي قماشه فيها (1) وإن طال) جزم به في الوجيز (2) لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فلم يمنع (3) فإذا نقل متاعه كان لغيره الجلوس (4) وفي المنتهى وغيره: (5) فإن أطاله أزيل، لأنه يصير كالمالك (6)(وإن سبق اثنان) فأكثر إليها (7) وضاقت (اقترعا)(8) .

(1) ويكون أحق بها، للخبر الآتي، واتفاق علماء الأمصار في سائر الأعصار على إقرار الناس على ذلك من غير نكير، وذلك ما لم يضيق، أو يضر بالمارة أو بجاره، وله الجلوس، ولو ليلا، وكذا لو أجلس غلامه أو أجنبيا ليحفظ له المكان حتى يعود، و"القماش" بضم القاف المتاع، وما على وجه الأرض من فتات الأشياء.

(2)

لعموم الخبر.

(3)

لقوله صلى الله عليه وسلم «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» ولحديث الزبير «فيحتطب فيضعه في السوق» ولأنه ارتفاق بمباح بلا إضرار، فلم يمنع منه كالاجتياز.

(4)

في مكانه، ولو لم يأت الليل، ولا يحتاج فيه إلى إذن الإمام، بخلاف المقطع، لأن استحقاقه بإقطاع الإمام، فلا يزول حقه بنقل متاعه، وهذا استحقاقه بسبقه ومقامه فيها، فإذا انتقل عنها زال استحقاقه.

(5)

كالإقناع وشرحهما، وقدمه الشارح وغيره.

(6)

ولفظ الشرحين: كالتملك، ويختص بنفع يساويه فيه غيره، وإن قام وترك متاعه لم يكن لغيره إزالته.

(7)

إي إلى الطريق الواسع، وكذا الشارع، أو إلى رحبة المسجد غير المحوطة.

(8)

أي وضاقت الطريق أو الرحبة ونحوها اقترعا، وكذا إن كانوا أكثر، وضاق المكان عن انتفاعهم جميعهم، أقرع بينهم.

ص: 488

لأنها استويا في السبق، والقرعة مميزة (1) ومن سبق إلى مباح من صيد، أو حطب، أو معدن ونحوه (2) فهو أحق به (3) وإن سبق إليه اثنان قسم بينهما (4)(ولمن في أعلى الماء المباح) كماء مطر (5)(السقي وحبس الماء إلى أن يصل إلى كعبه (6) ثم يرسله إلى من يليه) (7) فيفعل كذلك، وهلم جرا (8) فإن لم يفضل عن الأول أو من بعده شيء فلا شيء للآخر (9) .

(1) تميز وتخرج سبقه شرعًا، كما تميز وتخرج سبقه قدرًا.

(2)

كثمر مباح، ومنبوذ رغبة عنه، ونثار في عرس، وما يتركه حصاد من زرع، ولقاط من ثمر، ونحو ذلك.

(3)

فيملكه بأخذه، مسلما كان أو ذميا، والملك فيه مقصور على القدر المأخوذ.

(4)

بالسوية، لاستوائهما في السبب، وكذا لو أخذه عدد دفعة واحدة، قسم بينهم بالسوية.

(5)

والنهر الصغير غير المملوك، وازدحم فيه وتشاحوا.

(6)

والكعب هو العظم الناتيء في أسفل الساق من جانب القدم، ولكل قدم كعبان.

(7)

أي إلى من يلي الساقي أولا، ثم الذي يلي الأعلى.

(8)

أي فيفعل الذي يلي الأعلى كما يفعل الأعلى، يسقي ويحبس إلى كعبه، ثم يرسله إلى من يليه، وهلم جرا، هكذا الأعلى فالأعلى، إلى انتهاء الأراضي.

(9)

إذ ليس له إلا ما فضل، كالعصبة مع أصحاب الفروض في الميراث،

وإن كان بعض أرضه مستفلا، وبعضها مستعليا، سقي كل واحدة على حدتها ثم أرسله، وإن استوى اثنان في القرب اقتسما إن أمكن، وإلا أقرع بينهما للتقدم.

ص: 489

لقوله عليه السلام «اسق يا زبير، ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر» متفق عليه (1) وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: نظرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم «ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر» فكان ذلك إلى الكعبين (2) فإن كان الماء مملوكا، قسم بين الملاك بقدر النفقة والعمل (3)

(1) وكان الزبير رضي الله عنه تخاصم مع رجل من الأنصار في شراج الحرة التي يسقون بها النخل إذا سالت من ماء المطر، وكان يمر بأرض الزبير، فيحبسه لإكمال سقي أرضه، وطلب الأنصاري تعجيل إرساله، فقال «اسق يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك» فغضب الأنصاري فقال «اسق يا زبير، ثم احبس الماء» أي على أرضك «حتى يصل» أي الماء «إلى الجدر» أي جدران الشربات التي في أصول النخل، والمعنى حتى يبلغ تمام الشرب.

(2)

وذلك لما علم السلف أن الجدر يختلف بالطول والقصر، قاسوا ما وقعت فيه القصة، فوجدوه يبلغ الكعبين، فجعلوا ذلك معيارًا لاستحقاق الأول فالأول. ولأبي داود وغيره من حديث عمرو بن شعيب أنه صلى الله عليه وسلم «قضى في سيل مهزور» واد بالمدينة مشهور «أن يمسك الأعلى حتى يبلغ السيل الكعبين، ثم يرسل الأعلى على الأسفل» وغيره مما يدل على أن الأعلى تستحق أرضه الشرب، ويمسك إلى الكعبين، ثم يرسله إلى من يليه، وقال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا.

(3)

لأنه إنما ملك بالعمارة، والعمارة بالنفقة، فإن لم يكفهم وتراضوا على قسمته بمهاياة أو غيرها جاز، وإن تشاحوا قسمه الحاكم بينهم على قدر أملاكهم، لأن كل واحد منهم يملك من النهر بقدر ذلك.

ص: 490

وتصرف كل واحد في حصته بما شاء (1)(وللإمام دون غيره حمى مرعى) أي أن يمنع الناس من مرعى (2)(لدواب المسلمين) التي يقوم بحفظها (3) كخيل الجهاد والصدقة (4)(ما لم يضرهم) بالتضييق عليهم (5) لما روى عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم «حمى النقيع لخيل المسلمين» رواه أبو عبيد (6) .

(1) لانفراده بملكه، فله أن يسقي به ما شاء من الأرض، سواء كان لها رسم شرب من هذا الماء أو لا، وله أن يعطيه من يسقي به، وله عمل رحى عليه ونحوه.

(2)

أي أن يحمي أرضا مواتا، يمنع الناس رعي حشيشها ليختص بها، وكان بعض العرب يفعله في الجاهلية، وليس لغير الإمام، أن يفعل ذلك، لقيام الإمام مقام المسلمين فيما هو من مصالحهم دون غيره.

(3)

وماشية الضعيف من الناس.

(4)

ونعم الجزية، وضوال الناس.

(5)

قال الموفق: وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي في صحيح قوليه، وقال الوزير: اتفقوا على أنه يجوز للإمام أن يحمي الحشيش في أرض الموات لإبل الصدقة، وخيل المجاهدين، ونعم الجزية، والضوال، إذا احتاج إليها، ورأى فيها المصلحة. اهـ. وإن ضيق على المسلمين حرم، لعدم المصلحة فيه.

(6)

صوابه «ابن عمر» والنقيع بالنون، رواه أحمد وغيره، وقال البخاري وغيره: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع، وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء، وهذا النقيع على عشرين فرسخا من المدينة، قدره ميل في ثمانية أميال، وعمر رضي الله عنه حمى الشرف والربذة لنعم الصدقة، وقال لمولاه: اضمم جناحك على المسلمين، واتق دعوة المظلوم، وأدخل رب الصريمة والغنيمة، وإياك ونعم ابن عوف، وابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وقال: لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شيئا، قال مالك: بلغني أنه يحمل على أربعين ألفا في سبيل الله، وروي أن عثمان حمى واشتهر فلم ينكر، فكان كالإجماع.

ص: 491

وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم ليس لأحد نقضه (1) وما حماه غيره من الأئمة يجوز نقضه (2) ولا يجوز لأحد أن يأخذ من أرباب الدواب عوضًا عن مرعى موات أو حمى (3) لأنه عليه السلام «شرك الناس فيه» (4) ومن جلس في نحو جامع لفتوى أو إقراء فهو أحق بمكانه ما دام فيه (5) .

(1) لا مع بقاء الحاجة، ولا مع عدمها، ولا إحياؤه، فإن أحياه لم يملكه.

(2)

لأن حمى الأئمة اجتهاد في حماه في تلك المدة دون غيرها، ولا يجوز لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا، لقوله عليه الصلاة والسلام «لا حمى إلا لله ورسوله» وقال الوزير: اتفقوا على أن الأرض إذا كانت أرض صلح، أو ما للمسلمين فيه منفعة، فإنه لا يجوز للمسلم أن ينفرد بها.

(3)

ولا ضمان على من أخذ منه شيئًا، وعند بعضهم يعزر.

(4)

فقال عليه الصلاة والسلام «الناس شركاء في ثلاث، في الماء، والنار، والكلأ» رواه أحمد وغيره، وفيه أحاديث أخر تدل بمجموعها على عدم اختصاص أحد من الناس به، وإذا كان الحمى لكافة الناس تساووا فيه جميعهم.

(5)

لا يجوز لأحد إقامته منه.

ص: 492

أو غاب لعذر وعاد قريبًا (1) ومن سبق إلى رباط (2) أو نزل فقيه بمدرسة (3) أو صوفي بخانقاه، لم يبطل حقه بخروجه منه لحاجة (4) .

(1) فهو أحق بمكانه، وتقدم في الجمعة أن من سبق إلى مكان فهو أحق به، سواء كان مسجدا أو غيره، في جمعة أو غيرها، لصلاة أو غيرها من الطاعات، وأنه يحرم تأخيره، وإقامته منه والقعود فيه.

(2)

لم يبطل حقه بخروجه، وليس المراد به رباط الجهاد، لأنه الفعل، وهذا المقام يسمى رباطا، لأنه مكانه، فالرباط هنا المكان، وهو المدرسة ونحوها.

(3)

للتدريس، لم يبطل حقه بخروجه، وإن بعدت حاجته.

(4)

ولو بعد ولم يعد قريبا، بأن بعدت حاجته. و"خانقاه" اسم للموضع الذي تكون فيه الصوفية.

ص: 493