الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الغصب
(1)
مصدر: غصب يغصب. بكسر الصاد (2)(وهو) لغة أخذ الشيء ظلما (3) واصطلاحًا (الاستيلاء) عرفًا (4)(على حق غيره) مالاً كان أو اختصاصًا (5) .
(1) أي باب ذكر أحكام الغصب، وجناية البهائم، وما في معنى ذلك من الاتلافات.
(2)
غصبا، من باب: ضرب يضرب ضربا، ويقال: اغتصبه يغتصبه اغتصابًا، والشيء مغصوب وغصب.
(3)
كاغتصبه، «وفلانا على الشيء» قهره، وتقول: غصبه منه، وغصبه أو قهره عليه.
(4)
فما عد في العرف استيلاء مع تمام الحد فهو غصب، ويختلف باختلاف المستولى عليه، ولا يصير غصبًا بغير الاستيلاء، ولا يشترط الفعل، فلو ركب دابة واقفة لإنسان، وليس هو عندها، صار غاصبها بمجرد ذلك، والأولى – كما قدر الشيخ وغيره – استثناء الحربي، لأنه يدخل في حده استيلاء المسلمين على أموال أهل الحرب، وليس بظلم، واستيلاء أهل الحرب على المسلمين، وليس من الغصب المذكور حكمه بالإجماع، إذ لا خلاف أنه لا يضمن بالإتلاف ولا بالتلف، وإنما الخلاف في وجوب رد عينه إذا قدرنا على أخذه، وفي «تجريد العناية» هو استيلاء غير حربي على حق غيره، قهرا بغير حق.
(5)
ككلب صيد، ونحو خمرة ذمي مستورة، لا خمرة خلال.
(قهرا بغير حق)(1) فخرج بقيد القهر المسروق، والمنتهب، والمختلس (2) و «بغير حق» استيلاء الولي على مال الصغير ونحوه (3) والحاكم على مال المفلس (4) وهو محرم (5) لقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (6) .
(1) قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن الغصب أخذ بعدوان قهرا. اهـ. ومنه المأخوذ مكسا ونحوه.
(2)
أي فخرج بقيد القهر عن حكم الغصب "المسروق" وهو ما يختفي سارقه في أول أمره وآخره، و «المنتهب» وهو ما يجاهر منتهبه أول أمره وآخره «والمختلس» وهو ما يختفي مختلسه أول أمره دون آخره، فهذه ليست غصبا، لعدم القهر فيها.
(3)
أي وخرج – بقوله «بغير حق» عن حكم الغصب – استيلاء الولي على مال موليه الصغير، ونحو الصغير البالغ غير رشيد، أو مجنونا.
(4)
فليس استيلاؤه على ماله غصبا، لكونه بحق، وكذا الشفعة.
(5)
بالاتفاق. وقال الموفق: أجمع المسلمون على تحريمه في الجملة وإنما اختلفوا في فروع منه.
(6)
والغصب من أكلها بالباطل. ولقول صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» وروي «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه» .
وقال الشيخ: للمظلوم الدعاء على ظالمه، بقدر ما يوجبه ألم ظلمه، لا على من شتمه، ولو كذب عليه لم يفتر عليه، بل يدعو عليه نظيره، وقال أحمد: الدعاء عليه قصاص، ومن دعا على من ظلمه فما صبر.
(من عقار) بفتح العين الضيعة، والنخل، والأرض، قاله أبو السعادات (1) . (ومنقول) من أثاث وحيوان (2) ولو أم ولد (3) لكن لا تثبت اليد على بضع (4) فيصح تزويجها (5) ولا يضمن نفعه (6) .
(1) والجوهري وغيرهما، وذكر أن الضيعة العقار. وقال الأزهري: هي عند الحاضرة النخل والكرم، والأرض. وقال أبو السعادات: ضيعة الرجل ما يكون منه معاشه، كالصنعة، والتجارة، والزراعة، وغير ذلك. وقال الجوهري: العرب لا تعرف الضيعة إلا الحرفة والصناعة. اهـ. فيضمن العقار بالغصب؛ قال في الإنصاف: ولم يذكر أكثرهم فيه خلافًا. لخبر «من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، طوقه من سبع أرضين» وغيره.
(2)
وشجر، وزرع، ونحوهما، والأثاث متاع البيت، أو المال أجمع. وتقدم قوله «وأموالكم عليكم حرام» فدل النص والإجماع على تحريمه، ويضمن إذا تلف.
(3)
أي ولو كان الاستيلاء على أم ولد، وهذا مذهب الشافعي، وصاحبي أبي حنيفة، لأنها تجرى مجرى المال، بدليل أنها تضمن بالقيمة، في الإتلاف، لكونها مملوكة، كالقن، بخلاف الحرة. ويضمن القن، ذكرا كان أو أنثى، كسائر المال.
(4)
تقدم أنه بضم الباء، وجمعه أبضاع، يطلق على الفرج، والجماع، والتزويج، والبضاع: الجماع، وزنا ومعنى.
(5)
ولو كانت بيد الغاصب، لأنه لا تثبت يده على بضعها، بخلاف بيعها، فلا يصح إلا على غاصبها، أو قادر على أخذها منه.
(6)
أي نفع البضع، وهو المهر، فلو حبسها عن النكاح حتى فات بالكبر، لم يضمن المهر بالتفويت، لأن النفع إنما يضمن بالتفويت إذا كان مما تصح المعاوضة عليه بالإجارة، والبضع ليس كذلك، وكذا المدبرة والمكاتبة.
ولو دخل دارا قهرًا، وأخرج ربها فغاصب (1) وإن أخرجه قهرا ولم يدخل (2) أو دخل مع حضور ربها وقوته فلا (3) وإن دخل قهرا ولم يخرجه، فقد غصب ما استولى عليه (4) وإن لم يرد الغصب فلا (5) وإن دخلها قهرا في غيبة ربها فغاصب (6) ولو كان فيها قماشه، ذكره في المبدع (7)(وإن غصب كلبا يقتنى) ككلب صيد وماشية وزرع (8) .
(1) يترتب عليه أحكام الغصب؛ قال الموفق: أشبه ما لو أخذ الدابة والمتاع.
(2)
فليس بغاصب، لأنه غير مستول عليها.
(3)
أي فليس بغاصب؛ قال الموفق: لا يحصل الغصب من غير استيلاء. فلو دخل أرض إنسان، أو داره، لم يضمنها بدخوله، سواء دخلها بإذنه، أو غير إذنه؛ وسواء كان صاحبها فيها، أو لم يكن، لأنه إنما يضمن بالغصب ما يضمن بالعارية.
(4)
لأنه لا يشترط لتحقق الغصب نقل العين، بل يكفي، مجرد الاستيلاء.
(5)
أي فليس بغاصب، فلا يضمن ما تلف فيها.
(6)
لاستيلائه عليها.
(7)
وعليه جمهور الأصحاب، وغيرهم؛ قال الموفق وغيره: وما تلف بفعله، أو بسبب فعله، كهدم حيطانها، وتغريقها، أو كشط ترابها، وإلقاء الحجارة فيها، أو نقص يحصل بغراسه، أو بنائه، فيضمنه بغير خلاف بين العلماء، لأن هذا إتلاف، والعقار يضمن بالإتلاف من غير خلاف.
(8)
لاستثناء الشارع له، بقوله «إلا كلب صيد أو ماشية أو حرث» ويأتي.
(أو) غصب (خمر ذمي) مستورة (ردهما)(1) لأن الكلب يجوز الانتفاع به واقتناؤه (2) وخمر الذمي يقر على شربها، وهي مال عنده (3)(ولا) يلزم أن (يرد جلد ميتة) غصب (4) ولو بعد الدبغ، لأنه لا يطهر بدبغ (5) وقال الحارثي؛ يرده حيث قلنا: يباح الانتفاع به في اليابسات (6) .
(1) أي الكلب، والخمرة وكذا خمر خلَاّل، لأنها غير ممنوع من إمساكها وكذا لو غصب دهنا متنجسا رده، لأنه يجوز الاستصباح به في غير مسجد، على ما تقدم، أو تخلل خمر خلَاّل في يد غاصب لزمه رده، لأنه صار خلا على حكم ملكه، وإن لم يكن الكلب يقتنى، ولم تكن خمرة الذمي مستورة، لم يلزمه الرد، للنهي عن اقتناء الكلب، وزوال عصمة خمرة الذمي، متى ظهرت، وحل إراقتها.
(2)
يعني الذي يقتنى، فلزم رده على مالكه، أشبه المال. وإن حبسه مدة لم يلزمه أجرة، جزم به الموفق وغيره.
(3)
فلزم ردها ما زالت مستوردة، وإن غصب من مسلم خمرا، حرم ردها، ووجبت إراقتها، لأن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أيتام ورثوا خمرا «فأمره بإراقتها» .
(4)
هذا المذهب عند أكثر الأصحاب، لأنه لا يحل بيعه عندهم.
(5)
وتقدم أنه يطهر بالدبغ، للنصوص المتواترة بطهارته بالدبغ.
(6)
أشبه الخمر المتخللة، وقال الموفق وغيره: يحتمل أن يجب رده، إذا قلنا: يباح الانتفاع به في اليابسات، لأنه نجس يباح الانتفاع به، أشبه الكلب المقتنى، وكذلك قبل الدباغ؛ قال: وإن دبغه، وقلنا بطهارته يلزم رده، كالخمر إذا تخللت. اهـ. والسنة طافحة بذلك؛ واختاره الشيخ وغيره، وتقدم، فيجب رده ويجوز بيعه.
قال في تصحيح الفروع: وهو الصواب (1)(وإتلاف الثلاثة) أي الكلب والخمر المحرمة، وجلد الميتة (هدر)(2) سواء كان المتلف مسلمًا أو ذميًا (3) لأنه ليس لها عوض شرعي (4) لأنه لا يجوز بيعها (5) .
(1) ولفظه: والصواب أنا إذا قلنا: يجوز الانتفاع به في اليابسات، يجب رده؛ وقطع به ابن رجب وغيره؛ قال شيخنا: وعلى ما تقدم من القول الصحيح، أنه يطهر، فيرد بكل حال.
(2)
أي مهدرة، باطلة، لا تضمن بالإتلاف.
(3)
وسواء كانت لمسلم أو ذمي، لأنه لا يثبت لها أحكام الغصب.
(4)
يثبت به الضمان، وغير متقومة.
(5)
لخبر «إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة والخنزير والأصنام» وما حرم بيعه لا لحرمته، لم تجب قيمته، فأما الكلب، ففيه خلاف، مبني على جواز بيعه. وأما الخمرة المحترمة، يعني خمرة الذمي المستورة، فنص عليه أحمد، والشافعي. وقال مالك وأبو حنيفة: تضمن. لأن عقد الذمة قد عصمها، لما روي عن عمر أنه قال: ولوهم بيعها، وخذوا منهم عشر ثمنها، وتقدم الحديث الصحيح في تحريمها.
وما لم يكن مضمونا في حق المسلم، لا يكون مضمونا في حق الذمي، لأن التحريم ثبت في حقهما، فمتى ظهرت حلت إراقتها، وخبر عمر إنما يثبت لهم أنهم إذا تبايعوها، وتقابضوها، حكمنا لهم بالملك، ولم ننقضه، وأما جلد الميتة، فتقدم القول بطهارته بالدبغ، فتثبت له أحكام الغصب، وقبل الدبغ لا يجب ضمانه عند الأكثر، كالميتة.
(وإن استولى على حر) كبير أو صغير (لم يضمنه)(1) لأنه ليس بمال (2)(وإن استعمله كرها) فعليه أجرته (3) لأنه استوفى منافعه، وهي متقومة (4)(أو حبسه) مدة لمثلها أجرة (فعليه أجرته)(5) لأنه فوت منفعته، وهي مال يجوز أخذ العوض عنها (6) وإن منعه العمل من غير غصب، أو حبس لم يضمن منافعه (7) .
(1) بأن حبسه مثلا، ولم يمنعه الطعام والشراب، فمات عنده بنحو مرض، لا بنحو صاعقة أو نار.
(2)
والغصب لا يثبت فيما ليس بمال، ويضمن ثياب صغير وحليه، جزم به في الإقناع والمنتهى. وإن بعده عن بيت أهله مثلا، لزمه رده، ومؤونته، وعليه ضمانه، إذا تلف بنحو صاعقة أو نار، على ما يأتي في الديات إن شاء الله تعالى.
(3)
أي وإن استعمل الحر كرها في خدمة أو خياطة أو غيرهما، فعليه أجرته قولا واحدًا.
(4)
أي فيلزمه ضمانها بالغصب، كمنافع العبد.
(5)
أي مدة حبسه، وهذا الصحيح من المذهب، وصححه في التصحيح وغيره، وجزم به غير واحد، وصوبه في تصحيح الفروع.
(6)
كمنافع العبد، ولا يضمن ثيابه، لأنها لم تثبت عليها اليد، وكما لا يضمن نفسه.
(7)
قال الموفق: وجها واحدا؛ لأنه لو فعل ذلك بالعبد لم يضمن منافعه، فالحر أولى. وفي الفروع: يتوجه "بلى" فيهما؛ وصوبه في الإنصاف، فالله أعلم.
(ويلزم) غاصبا (رد المغصوب) إن كان باقيا، وقدر على رده (1) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يأخذ أحدكم متاع أخيه، لا لاعبا ولا جادا (2) ومن أخذ عصا أخيه فليردها» رواه أبو داود (3) . وإن زاد لزمه رده (بزيادته)(4) متصلة كانت أو منفصلة (5) .
(1) قال الموفق وغيره: أجمع العلماء على وجوب رد المغصوب إذا كان بحاله، لم يتغير، ولم يشتغل بغيره، وقال الوزير: اتفقوا على أنه يجب على الغاصب للمغصوب رد العين، إن كانت عينه، ولم يخف من ردها إتلاف نفس، وأن العروض والحيوان، وكل ما كان غير مكيل، ولا موزون يضمن، إذا غصب، وتلف بقيمته، والمكيل والموزون بمثله إذا وجد مثله.
(2)
فنهى أن يأخذ متاع أخيه المسلم، منفعة كان أو سلعة، مما يتمتع به من الحوائج، لا لاعبا، أي لا في حال اللعب، فلا يجوز له على جهة المزح والهزل، ولا في حال الجد. وفي النهاية: أن يأخذه ولا يريد سرقته، ولكن يريد إدخال الهم والغيظ عليه، فهو لاعب في السرقة، جاد في الأذية.
(3)
ولمسلم «ومن أخذ عصا أخيه فليردها إليه» وليس خاصا بالعصا، بل المراد منه كل شيء، حتى العصا. ولأبي داود «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» ولأنه أزال يد المالك عن ملكه، بغير حق، فلزمته إعادتها، وفي الخبر «من وجد عين ماله فهو أحق به، ويتبع البائع من باعه، وأخذ منه الثمن» .
(4)
قولا واحدًا، سواء كانت الزيادة بيد الغاصب أو غيره.
(5)
أي سواء كانت الزيادة متصلة كالسمن، وتعلم صنعه، أو منفصلة، كالولد، من بهيمة، وكالكسب.
لأنها من نماء المغصوب، وهو لمالكه، فلزمه رده كالأصل (1)(وإن غرم) على رد المغصوب (أضعافه)(2) لكونه بنى عليه أو بعد ونحوه (3)(وإن بنى في الأرض) المغصوبة (4)(أو غرس لزمه القلع) إذا طالبه المالك بذلك (5) .
(1) قال ابن رشد: لا خلاف أعلمه، أن الغاصب يرده، كالولد مع الأم المغصوبة؛ قال: والقياس، أن تجرى المنافع، والأعيان المتولدة مجرى واحدًا.
(2)
وهذا مذهب الجمهور، مالك والشافعي، وغيرهما، لأنه هو المتعدي، فلم ينظر إلى مصلحته، فكان أولى بالغرامة، وإن قال: دعه مكانه وأعطني أجرة رده، أو طلب حمله إلى مكان آخر، لم يلزمه. وإن قال: دعه لم يملك الغاصب رده.
(3)
أي لكونه بنى على المغصوب، كحجر أو خشبة، قيمتها درهم مثلا، وبنى عليها، واحتاج في إخراجها وردها إلى خمسة دراهم، أو لكونه بعد المغصوب، بأن حمل إلى بلد بعيدة، بحيث تكون أجرته، أضعاف قيمته، ونحو ذلك، كحيوان انفلت بمكان يعسر مسكه فيه، ويحتاج إلى أجرة أضعاف قيمته، فتلزم الغاصب لتعديه، وكان ضرر ذلك عليه، وإن انكسر الحجر، أو تلفت الخشبة وجبت القيمة.
(4)
أي بلا إذن رب الأرض، ألزم بقلع بنائه، إذا طالبه رب الأرض بذلك، عند جماهير العلماء، وروي من حديث عائشة «من بنى في رباع قوم بإذنهم، فله القيمة، ومن بنى بغير إذنهم، فله النقض» . وإن اتفقا على عدم النقض، جاز، وإن كانت الآلة من الأرض، فليس للغاصب النقض.
(5)
قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا، وقال ابن رشد: أجمع العلماء على أن من اغترس نخلاً أو ثمرًا، وبالجملة نباتا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع. والمشهور عن أحمد: للمالك قلعه مجانا، وعليه الأصحاب. وعنه: لا يقلع، بل يملكه بالقيمة.
لقوله صلى الله عليه وسلم «ليس لعرق ظالم حق» (1)(و) لزمه (أرش نقصها) أي نقص الأرض (2)(وتسويتها) لأنه ضرر حصل بفعله (3)(والأجرة) أي أجرة مثلها إلى وقت التسليم (4) وإن بذل ربها قيمة الغراس والبناء ليملكه لم يلزم الغاصب قبوله (5) وله قلعهما (6) .
(1) رواه الترمذي وغيره وحسنه. ولأبي داود وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم قضى للرجل بأرضه، وقضى للآخر أن ينزع نخله؛ قال: فلقد رأيتها يضرب في أصولها بالفؤوس وأنها لنخل عم؛ يعني طوالاً. و"عرق" بالتنوين، و «ظالم» نعت، أي ليس لذي عرق ظالم حق، ولأنه شغل ملك غيره بملكه، الذي لا حرمة له في نفسه بغير إذنه، فلزمه تفريغه.
(2)
لحصوله بتعديه، والمراد: إن نقصت بذلك. وكذا كل عين مغصوبة، على الغاصب ضمان نقصها، إذا كان نقصا مستقرًا، وهو مذهب الشافعي، لجنايته عليها، بما نقص قيمتها، فلزمه أرش النقص، ولو كان نقصها بترك زرعها ذلك العام، كأراضي البصرة كما لو نقصت بغيره.
(3)
أي ولزمه تسوية الأرض، إن كان كشطه، ورده على ما كان عليه، إن طالبه المالك، لأن كشط الأرض ضرر، حصل بفعل الغاصب، فلزمه إزالة ضرره.
(4)
لتلف منافعها تحت يده العادية، وكذا لو لم ينتفع بها، لزمته أجرتها.
(5)
لأنه عين مال الغاصب، أشبه ما لو وضع فيها أثاثًا أو نحوه؛ وإن وهبه لمالكها لم يجبر على قبوله؛ وإن اتفقا على التعويض جاز، وكيف ما اتفقا.
(6)
لأنهما ملكه، ما لم تكن الآلات والغرس من الأرض المغصوبة ومنعه فلا، لأن الجميع ملك المغصوب منه، فلم يملك غيره التصرف فيه بغير إذن.
وإن زرعها وردها بعد أخذ الزرع فهو للغاصب (1) وعليه أجرتها (2) وإن كان الزرع قائما فيها (3) خير ربها بين تركه إلى الحصاد بأجرة مثله (4) وبين أخذه بنفقته (5) وهي مثل بذره وعوض لواحقه (6) .
(1) قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا، لأنه نماء ماله.
(2)
أي أجرة مثلها إلى وقت التسليم، لأنه استوفى نفعها، فوجب عليه عوضه وعليه ضمان النقص، ولو لم يزرعها، كما تقدم. وليس لرب الأرض تملك الزرع بعد حصاده، لانفصاله عن ملكه.
(3)
أي في الأرض، لم يحصد، والمراد: أنه استرجعها من الغاصب، وقدر على أخذها منه. ومتى أدركها ربها والزرع قائم، فليس له إجبار الغاصب على قلعه، لما رواه الترمذي وغيره وصححه، أنه صلى الله عليه وسلم قال «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء، وله نفقته» ولأنه أمكن رد المغصوب إلى مالكه، من غير إتلاف مال الغاصب، على قرب من الزمن، فلم يجز إتلافه، وفارق الشجر، لطول مدته. وحديث «ليس لعرق ظالم حق» محمول عليه، وهذا الحديث في الزرع، فحصل الجمع بين الخبرين.
(4)
فيأخذ من الغاصب أجرة الأرض، وأرش نقصها، لأنه شغلها بماله.
(5)
أي وبين أخذ المالك الزرع، بنفقته، يدفعها إلى الغاصب، ويكون له الزرع، كما يستحق الشفيع أخذ شجر المشتري بقيمته.
(6)
من حرث، وسقي ونحوهما، لقوله «وله نفقته» فيرد على الغاصب ما أنفق من البذر، ومؤنة الزرع في الحرث والسقي وغيره، لمدلول الخبر؛ وعند الجمهور: الزرع لمالك الأرض؛ واختاره الشيخ، وعليه النفقة، ومتى اختار أخذ
الزرع، فلا أجرة للأرض، ورطبة، ونعناع، وبقول، ونحوها، مما يجز مرة بعد أخرى، أو يتكرر حمله كقثاء، وباذنجان، كزرع فيما تقدم.
وقال الشيخ: فيمن زرع بلا إذن شريكه – والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم، ولربها نصيب -: قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك. قال: ولو طلب أحدهما من الآخر أن يزرع معه، أو يهايئه فيها فأبى، فللأول الزرع في قدر حقه بلا أجرة كدار بينهما، فيها بيتان، سكن أحدهما عند امتناعه مما يلزمه، وصوبه في الإنصاف، وأنه لا يسع الناس غيره.
(ولو غصب جارحا أو عبدًا أو فرسا (1) فحصل بذلك) الجارح أو العبد أو الفرس (صيد (2) فلمالكه) أي مالك الجارح ونحوه (3) لأنه حصل بسببه ملكه فكان له (4) وكذا لو غصب شبكة، أو شركا، أو فخا، وصاد به (5) .
(1) أو قوسًا، أو سهمًا، ونحو ذلك.
…
(2)
أو غنم على الفرس ونحوه، أو حصل بقوس، أو سهم، ونحو ذلك، صيد أو غيره.
(3)
أي فالصيد كله لمالك الجارح، ونحو الجارح: العبد، والفرس، كل ما حصل بهما، من الصيد ونحوه للمالك، هذا المذهب عند الأكثر.
(4)
أي لمالك الجارح، والعبد والفرس، ونحوها. وقال الشيخ: المتوجه فيما إذا غصب شيئًا كفرس، وكسب به مالاً كالصيد، أن يجعل المكسوب بين الغاصب، ومالك الدابة، على قدر نفعهما، بأن تقوم منفعة الراكب، ومنفعة الفرس، ثم يقسم الصيد بينهما.
(5)
يعني: فما حصل لمالك الشبكة، أو الشرك أو الفخ ونحوه، لأنه حصل بسبب ملكه، هذا المذهب. ووجه الشارح وغيره: للغاصب. لأن الصيد على
الفرس، أو بالقوس ونحوهما، حصل بفعله، وهذه آلات، قال شيخنا: وهو أولى، وعليه الأجرة، وقواه الحارثي، وتقدم اختيار الشيخ، فالله أعلم.
ولا أجرة لذلك (1) وكذا لو كسب العبد (2) بخلاف ما لو غصب منجلا (3) وقطع به شجرا أو حشيشًا، فهو للغاصب (4) لأنه آلة، فهو كالحبل يربط به (5)(وإن ضرب المصوغ) المغصوب (6) .
(1) أي لرب الجارح، والفرس، والشبكة، ونحوها، لأن منافع المغصوب في هذه المدة، عادت إلى المالك، فلم يستحق عوضها على غيره. وإن قيل: للغاصب؛ فعليه الأجرة كما تقدم.
(2)
أي المغصوب، فكالجارح، والفرس، كسبه لمالكه وفي الإنصاف: سائر أكسابه للسيد بلا نزاع. اهـ. ولا أجرة له على الغاصب، في مدة كسبه. وقال الشيخ: أما إذا كسب العبد، فالواجب أن يعطى المالك أكثر الأمرين، من كسبه أو قيمة نفعه.
(3)
وهو ما يحصد به من حديد، ويقال له «المحش» معروف، يقطع به الحشيش وغيره؛ أو غصب فأسًا ونحوها.
(4)
أي ما قطعه من الشجر، والحشيش، والزرع، وغيره، بذلك المنجل، أو الفأس، لحصول الفعل منه.
(5)
أي لأن المنجل، المغصوب ونحوه، آلة، فهو كالحبل المغصوب، يربط به الغاصب ما يجمعه، من حطب ونحوه، وكما لو غصب سيفًا، فقاتل به وغنم، فما حصل بذلك فللغاصب.
(6)
دراهم، أو ضرب فضة دراهم، أو حديدًا مسامير، أو إبرًا، أو سيوفًا، ونحو ذلك، رده وأرش نقصه إن نقص، ولا شيء له عن زيادته إن زاد، هذا المذهب.
(ونسج الغزل (1) وقصر الثوب أو صبغه (2) ونجر الخشبة) بابا (ونحوه (3) أوصار الحب زرعا (4) و) صارت (البيضة فرخا (5) و) صار (النوى غرسا (6) رده وأرش نقصه) إن نقص (7)(ولا شيء للغاصب) نظير عمله، ولو زاد به المغصوب، لأنه تبرع في ملك غيره (8) .
(1) أي أو نسج الغاصب أو أجيره، الغزل المغصوب، حتى صار يسمى ثوبا، فزاد أو نقص، رده بزيادته، أو مع أرش نقصه إن نقص.
(2)
أو طحن حبا، أو ضرب ترابا لبنا، ونحو ذلك، رده ونقصه، ولا شيء له.
(3)
كرفوف، أو غصب شاة فذبحها وشواها، رد ذلك، وأرش نقصه، ولا شيء له في نظير عمله، لتعديه. ولا يأكل من الشاة ولا غيرها إلا بإذن مالكها ويأتي في السرقة إن شاء الله تعالى.
(4)
أي أو صار الحب المغصوب زرعا، في أرض المالك أو غيره.
(5)
أي أو صارت البيضة المغصوبة فرخا، بجعلها تحت نحو دجاجة أو بمعالجة.
(6)
أو صارت الأغصان المغصوبة شجرا بغرسه لذلك، في أرضه أو أرض غيره.
(7)
أي رد المغصوب لمالكه، لأنه عين ماله، ورد أرش نقصه إن نقص؛ قال الموفق وغيره: هذا ظاهر المذهب، وقول الشافعي.
(8)
أي بغير إذنه، فكان لاغيًا. وعنه: يكون شريكا بالزيادة، اختاره الشيخ وغيره. وقال الناظم: ورجحه الأكثر لأنها حصلت بمنافعه، والمنافع أجريت مجرى الأعيان.
وللمالك إجباره على إعادة ما أمكن رده إلى الحالة الأولى (1) كحلي ودراهم، ونحوهما (2)(ويلزمه) أي الغاصب (ضمان نقصه) أي المغصوب (3) ولو بنبات لحية أَمرد فيغرم ما نقص من قيمته (4) وإن جنى عليه ضمنه بأكثر الأَمرين، ما نقص من قيمته، وأرش الجناية (5) .
(1) لأن عمل الغاصب في المغصوب محرم، فملك المالك إزالته مع الإمكان، وظاهره: وإن لم يكن فيه غرض صحيح. ومقتضى ما تقدم: أنه لا يجبر إلا إذا كان فيه غرض صحيح، جزم به الحارثي.
(2)
من أواني حديد ونحوه، كساكين، ونعال، ونحو ذلك مما تمكن إعادته إلى حالته الأولى، وما لا تمكن إعادته – كالأبواب، والفخار، والآجر، والشاة إذا ذبحها وشواها، والحب إذا طحنه – فليس للغاصب إفساده، ولا للمالك إجباره عليه.
(3)
أي بعد غصبه، وقبل رده، فيقوم صحيحا وناقصًا، ويغرم الغاصب ما بينهما.
(4)
لأنه نقص في القيمة بتغير صفته، أشبه النقص بتغير باقي الصفات، ولو غصب قنا فعمي عنده، أو خرس ونحوه، قوم صحيحًا، ثم أعمى، أو أخرس، وأخذ من الغاصب ما بين القيمتين.
(5)
أي وإن جنى على الرقيق المغصوب ضمن الجاني الغاصب الذاهب بالجناية بأكثر الأمرين، ما نقص من قيمة العبد المغصوب بالجناية، أو أرش الجناية، وعنه: بما نقص؛ واختاره الموفق والشيخ وغيرهما.
لأن سبب كل واحد منهما قد وجد، فوجب أن يضمنه بأكثرهما (1)(وإن خصى الرقيق رده مع قيمته)(2) لأن الخصيتين يجب فيهما كمال القيمة، كما يجب فيهما كمال الدية من الحر (3) وكذا لو قطع منه ما فيه دية، كيديه، أو ذكره، أو أنفه (4)(وما نقص بسعر لم يضمن)(5) .
(1) ودخل فيه الآخر، وكذا إن كان عبدا قيمته عنده ألفان، ثم قطع يده، فصار يساوي ألفا وخمسمائة، كان عليه مع رده ألف، وإن كان الجاني غير الغاصب، فضمنه المالك، رجع على الجاني بأرش الجناية فقط، وما زاد استقر على الغاصب.
(2)
أي وإن خصى الرقيق المغصوب غاصبه أو غيره، رده مع قيمته كلها، وهذا مذهب مالك، والشافعي، ولو زادت قيمته بالخصاء.
(3)
أي لأن الخصيتين من الرقيق يجب فيهما كمال القيمة منه، كما يجب فيهما كمال الدية من الحر، وهو مما لا نزاع فيه، ولو زادت قيمته بالخصاء فالحكم كذلك.
(4)
وغير ذلك مما فيه دية كاملة من حر، يجب فيه كمال دية العبد المغصوب فيرده لمالكه مع قيمته، ولا يملكه الجاني، لأن المتلف البعض، والمضمون هو المفوت، فلا يزول الملك عن غيره بضمانه، وإن كان المغصوب دابة ضمن ما نقص من قيمتها، كسائر الأعيان.
(5)
هذا المذهب، ومذهب جمهور العلماء، حكاه الموفق وغيره، كثوب غصبه وهو يساوي مائة، ولم يرده حتى نقص سعره، فصار يساوي ثمانين مثلا، فلا يلزمه برده شيء، وعنه: يضمن. اختاره الشيخ وغيره.
لأنه رد العين بحالها، لم ينقض منها عين ولا صفة، فلم يلزمه شيء (1)(ولا) يضمن نقصا حصل (بمرض)(2) إذا (عاد) إلى حاله (ببرئه) من المرض (3) لزوال موجب الضمان (4) وكذا لو انقلع سنة ثم عاد (5) فإن رد المغصوب معيبا (6) وزال عيبه في يد مالكه، وكان أخذ الأرش، لم يلزمه رده (7) .
(1) ولا حق للمالك في القيمة مع بقاء العين، وإنما حقه فيها وهي باقية كما كانت، والفائت إنما هو رغبات الناس، ولا تقابل بشيء، قال الحارثي: ما لم يتصل التلف بالزيادة، فإن اتصل بأن غصب ما قيمته مائة، فارتفع السعر إلى مائتين، وتلفت العين، ضمن المائتين وجها واحدا.
(2)
أي مرض المغصوب عند الغاصب، أو ابيضت عين المغصوب عنده، أو نسي صنعة، ونحو ذلك.
(3)
أي إذا عاد نقص القيمة ببرئه من المرض، أو زال بياض عينه، أو تعلم الصنعة، ونحو ذلك، فيرده ولا شيء عليه، وعنه: يضمن. نص عليه، وقواه الحارثي وغيره.
(4)
وهو نقص القيمة، وكذا لو حملت فنقصت، ثم وضعت بيد غاصب فزال نقصها، لم يضمن شيئًا.
(5)
أي لم يلزمه شيء، لزوال نقص القيمة بعود السن عند الغاصب.
(6)
أي فإن رد الغاصب المغصوب معيبا بمرض، أو انقلاع ضرس ونحوه.
(7)
أي لم يلزم المالك رد الأرش المأخوذ من الغاصب.
لأنه استقر ضمانه برد المغصوب (1) وإن لم يأخذه لم يسقط ضمانه لذلك (2)(وإن عاد) النقص (بتعليم صنعة)(3) كما لو غصب عبدا سمينا قيمته مائة، فهزل فصار يساوي تسعين (4) وتعلم صنعة، فزادت قيمته بها عشرة (ضمن النقص)(5) لأن الزيادة الثانية غير الأولى (6)(وإن تعلم) صنعة زادت بها قيمته عند الغاصب (أو سمن) عنده (فزادت قيمته (7)
(1) أي ناقصا عن حال الغصب، نقصا أثر في قيمته حال الرد، جزم به الموفق وغيره.
(2)
أي وإن لم يأخذ المالك الأرش من الغاصب، ثم زال العيب في يد المالك، لم يسقط الأرش، لاستقراره بالرد، بخلاف ما لو برئ قبل رده، وقال الحارثي: ما يذكر من الاستقرار غير مسلم، والصواب الوجوب بقدر النقص الحادث في المدة، ويجب رد ما زاد إن كان.
(3)
أي وإن عاد النقص الحاصل في الرقيق المغصوب بزيادة حاصلة من غير جنس الذاهب.
(4)
بسبب حصول الهزال عند الغاصب.
(5)
أي وتعلم العبد المغصوب صنعة، أو زالت عجمته، أو تعلم علما ونحو ذلك، فزادت قيمته بذلك عشرة، ضمن الغاصب النقص الحاصل بالهزال.
(6)
أي لأن الزيادة الثانية بتعلم الصنعة ونحوها في الصورة الثانية، غير النقص الحاصل بالهزال في الصورة الأولى، فلزم ضمانه، لأنه لم يعد ما ذهب.
(7)
أو كبر فزادت قيمته عند الغاصب ونحو ذلك.
ثم نسي) الصنعة (أو هزل فنقصت) قيمته (ضمن الزيادة)(1) لأنها زيادة في نفس المغصوب، فلزم الغاصب ضمانها (2) كما لو طالبه بردها فلم يفعل (3) و (كما لو عادت من غير جنس الأول)(4) بأن غصب عبدا فسمن، فصار يساوي مائة (5) ثم هزل فصار يساوي تسعين (6) فتعلم صنعة فصار يساوي مائة، ضمن نقص الهزال (7) .
(1) أي تعلم الصنعة، أو السمن.
(2)
كما لو كانت موجودة حال الغصب، فقد أجروا الزيادة الحادثة في يد الغاصب مجرى الزيادة الموجودة حال الغصب، لأنها زيادة في العين المملوكة للمغصوب منه، فتكون مملوكة له، لأنها تابعة للعين.
(3)
أي كما لو طالبه برد العين حال تلك الزيادة، فلم يفعل الغاصب، ومذهب مالك، وأبي حنيفة أنه إن طالبه بردها زائدة فلم يفعل ضمن، وأما إن غصب العين سمينة أو ذات صناعة، فهزلت أو نسيت فنقصت قيمتها فعليه ضمان نقصها، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافًا. لأنها نقصت عن حال غصبها نقصا أثر في قيمتها، فوجب ضمانها كما لو ذهب بعض أعضائها.
(4)
أي وكما لو عادت الزيادة في المغصوب من غير جنس النقص الأول الحاصل فيه، وهو يلزمه ضمانه، لأنه لم يعد ما ذهب.
(5)
أي حال سمنه بيد الغاصب.
(6)
وهو بيد الغاصب، وكذا لو مرض ونحوه.
(7)
أو تعلم صنعة ثم نسيها فنقصت قيمته، ثم سمن فزادت، ضمن نقص الصنعة.
لأن الزيادة الثانية غير الأولى (1)(و) إن كانت الزيادة الثانية (من جنسها) أي من جنس الزيادة الأولى (2) كما لو نسي صنعة ثم تعلمها (3) ولو صنعة بدل صنعة (لا يضمن)(4) لأن ما ذهب عاد، فهو كما لو مرض ثم برئ منه (5)(إلا أكثرهما) يعني إذا نسي صنعة وتعلم أخرى، وكانت الأولى أكثر (6)
(1) فلم يسقط ضمانها، وحكي قولا واحدًا، وإن سمن فبلغ مائة، ثم تعلم صنعة فبلغ مائتين، ثم هزل ونسي ضمن المائتين، وإن غصبه مفرطا في السمن، ثم هزل فزادت قيمته، أو لم تنقص ولم تزد رده، ولا شيء عليه، لأن الشرع إنما أوجب في مثل هذا ما نقص من قيمته، ولم تنقص قيمته، فلم يجب عليه شيء غير رده.
(2)
يعني الحادثة في يد الغاصب، وكذا عود ما نقص بعد الغصب.
(3)
أو هزل ثم سمن، أو أبق ثم عاد، ونحو ذلك.
(4)
أي ذلك النقص الحاصل بالنسيان، وكذا الهزال ونحوه قبل الرد، وعادت قيمته كما كان، لأن العلم الثاني ونحوه هو الأول. ولو كان تعلم صنعة كنساجة، بدل صنعة نسيت كخياطة، لأن الصنائع كلها جنس من أجناس الزيادة في الرقيق، أو تعلم علما آخر ونحو ذلك لا يضمن، وهذا مذهب الشافعي.
(5)
أي لأن ما ذهب بنسيان الصنعة عاد بتعلمها، فهو كما لو مرض فنقصت قيمته، ثم برئ فعادت قيمته، لا يضمن لزوال الموجب للضمان في يده، واختاره الموفق وغيره.
(6)
كأن غصب عبدا نساجا يساوي مائة، فنسيها وصار يساوي ثمانين، فتعلم الخياطة فصار يساوي تسعين.
ضمن الفضل بينهما، لفواته وعدم عوده (1) وإن جنى المغصوب فعلى غاصبه أَرش جنايته (2) .
(1) وهو العشرة في المثال، الحاصلة في زيادة العين المملوكة للمغصوب منه.
(2)
أي وإن جنى المغصوب على مالكه أو غيره، في نفس أو مال، فعلى غاصبه أرش جنايته، الأقل من أرش جنايته أو قيمته، لتعلق ذلك برقبة المغصوب، فهي نقص فيه، فضمنه كسائر نقصه، وجنايته على غاصبه هدر، قال في الإنصاف: بلا نزاع. وكذا ما أتلفه القن المغصوب من مال سيده أو أجنبي.
فصل (1)
(وإن خلط) المغصوب بما يتميز، كحنطة بشعير، وتمر بزبيب، لزم الغاصب تخليصه، ورده، وأجرة ذلك عليه (2) و (بما لا يتميز كزيت أو حنطة بمثلهما) لزمه مثله (3) لأنه مثلي، فيجب مثل مكيله (4) .
(1) أي في حكم ما إذا خلط المغصوب، أو صبغه، أو أطعمه لمالكه، وفي حكمه إذا تلف، وغير ذلك.
(2)
أي وإن خلط الغاصب أو غيره المغصوب بما يمكن تمييز بعضه من بعض، كحنطة بشعير، أو سمسم، أو صغار الحب بكباره، وكتمر بزبيب، أو زبيب أحمر بأسود، ونحو ذلك، لزم الغاصب تخليص بعضه من بعض، إن أمكن، ورده إلى مالكه قولا واحدًا، وكذا إن أمكن تمييز بعضه، وجب تمييز ما أمكن منه، ورده، وأجرة المميز على الغاصب، لأنه بسبب تعديه.
(3)
أي وإن خلط غاصب أو غيره مغصوبا بما لا يتميز بعضه من بعض، كزيت بزيت، أو حنطة بحنطة مثلها، لزمه مثل المغصوب كيلا أو وزنا من المختلط، لأنه قدر على رد بعض ماله إليه، مع رد المثل في الباقي، فلم ينقل إلى بدله في الجميع، كمن غصب صاعا فتلف بعضه، هذا المذهب، ورجحه الشارح، وفيه وجه: مثله من حيث شاء، واختاره القاضي، وكذا لو خلط نقدا بمثله، وذكر ابن رجب: المنصوص أنه اشتراك فيما إذا خلط زيته بزيت غيره وصوبه الحارثي، واختاره القاضي وغيره.
(4)
لا قيمته، لاعتبار المثلي في كل ما يثبت في الذمة.
وبدونه أو خير منه (1) أو بغير جنسه كزيت بشيرج (2) فهما شريكان بقدر ملكيهما (3) فيباع ويعطى كل واحد قدر حصته (4)
(1) أي وإن خلط المغصوب بدونه من جنسه، أو خلطه بخير منه من جنسه، فهما شريكان بقدر ملكيهما.
(2)
أي وإن خلط المغصوب بغير جنسه مما له قيمة، وكان الخلط على وجه لا يتميز، كزيت خلطه بشيرج، ودقيق حنطة بدقيق شعير ونحوه.
(3)
كاختلاطهما من غير غصب، نص عليه.
(4)
وقال الشيخ – فيمن اشتبه ملك بعضهم ببعض – إن عرف قدر المال تحقيقًا قسم الموجود عليهم، وإن لم يعرف إلا عدده قسم على قدر العدد، لأن المالين إذا اختلطا قسما بينهم، وإن كان كل منهم يأخذ عين ما كان للآخر، لأن الاختلاط جعلهم شركاء، قال: فسواء اختلط غنم أحدهما بالآخر عمدا أو خطأ، يقسم المالان على العدد، إذا لم يعرف الرجحان، وإن عرف وجهل قدره أثبت منه القدر المتيقن، وأسقط الزائد المشكوك فيه، لأن الأصل عدمه.
قال: وقدر المتلف إذا لم يمكن تحديده عمل فيه بالاجتهاد، كما يفعل في قيمته بالاجتهاد، إذ التقويم والخرص واحد، فإن الخرص الاجتهاد في معرفة مقدار الشيء، وتقويمه بالاجتهاد في معرفة مقدار ثمنه، بل قد يكون الخرص أسهل، وكلاهما: يجوز مع الحاجة. اهـ.
ولو اختلط درهم لإنسان بدرهمين لآخر من غير غصب، فتلف، فقيل: ما بقي بينهما، وفي تصحيح الفروع؛ ويحتمل القرعة، وأنه أولى، لتحقق الدرهم لواحد منهما، وقد اشتبه، فإخراجه بالقرعة كنظائره.
وإن نقص المغصوب عن قيمته منفردا ضمنه الغاصب (1)(أو صبغ) الغاصب (الثوب (2) أو لتَّ سويقا) مغصوبا (بدهن) من زيت أو نحوه (3)(أو عكسه) بأن غصب دهنا ولت به سويقا (4)(ولم تنقص القيمة) أي قيمة المغصوب (5)(ولم تزد، فهما شريكان بقدر ماليهما فيه)(6) لأن اجتماع الملكين يقتضي الاشتراك (7) فيباع ويوزع الثمن على القيمتين (8)(وإن نقصت القيمة) في المغصوب (ضمنها) الغاصب لتعديه (9) .
(1) لأنه حصل بفعله، وحرم تصرفه في قدر ماله في المختلط، وإن خلطه بما لا قيمة له – كزيت بماء – فإن أمكن تخليصه خلصه ورده ونقصه، وإن أفسده فعليه مثله.
(2)
ونحوه، وكان الصبغ من مال الغاصب، فهما شريكان بقدر ماليهما فيه.
(3)
من سائر الأدهان من مال الغاصب.
(4)
فهما شريكان بقدر ماليهما فيه.
(5)
بتعديه بصبغ الثوب المغصوب، أو لتَّ السويق المغصوب، لا بتغير السعر.
(6)
وذلك مثل أن كانت قيمة كل واحد منهما خمسة، فصارت قيمتهم بعد الصبغ عشرة.
(7)
ولأن الصبغ والزيت عين مال، له قيمة، فاقتضى الاشتراك.
(8)
قيمة الثوب وقيمة الصبغ، أو قيمة السويق وقيمة الزيت، ونحو ذلك، وإن تراضيا بتركه لهما جاز.
(9)
وكما لو أتلفه أو بعضه، فلو كان قيمة المصبوغ خمسة فلمالكه، ولا شيء للغاصب، وإن كانت قيمته سبعة فللغاصب سبعاه، والعكس بالعكس، وإن نقصت القيمة لتغير السعر فلا ضمان على الغاصب، وكان نقص كل واحد منهما عن صاحبه.
(وإن زادت قيمة أحدهما فلصاحبه) أي لصاحب الملك الذي زادت قيمته، لأنها تبع للأصل (1)(ولا يجبر من أبي قلع الصبغ) إذا طلبه صاحبه (2) وإن وهب الصبغ لصاحب الثوب لزمه قبوله (3)(ولو قُلع غرس المشتري أَو بناؤه لاستحقاق الأرض) أي لخروج الأرض مستحقة للغير (4) .
(1) فإن كان ذلك لزيادة الثياب في السوق، كانت الزيادة لصاحب الثوب، وإن كان لزيادة الصبغ فلصاحبه، كأن كانت قيمة الثوب عشرة، والصبغ خمسة، وصار مغصوبًا يساوي عشرين، بسبب غلاء الثوب أو الصبغ، فالزيادة للذي غلا سعره، من الثوب أو الصبغ، وإن كانت لزيادتهما معا فبينهما، وإن زاد أحدهما ثمانية، والآخر اثنين، فبينهما كذلك، لا إن زاد بالعمل.
(2)
فلو أراد صاحب الصبغ قلعه، أو أراد ذلك صاحب الثوب لم يجبر الآخر عليه، لأن فيه إتلافًا لملكه، وقال أبو حنيفة: لأن فيه إضرارًا بالثوب المغصوب، فلم يمكن منه، كقطع خرقة منه، وإن أراد المالك بيع الثوب، فله ذلك، وله تملكه بقيمته.
(3)
أي قبول صبغ الثوب المصبوغ، وكذا تزويق الدار ونحوها، ونسج غزل، وعمل حديد أواني، ونحو ذلك، لأنه صار من صفات العين، فهو كزيادة الصفة في المسلم فيه.
(4)
أي لغير البائع، سواء كان البائع عالما بالحال أو جاهلا، والأرض طلقا أو وقفا، فله ذلك، من غير ضمان نقصه، لأنه وضعه في ملكه بغير إذنه، وفي
الإنصاف: بلا نزاع على القول بجواز القلع، ونقل الحارثي عن الإمام أحمد: لا قلع بل يأخذه بقيمته، وقدمه ابن رجب في غرس المشتري من الغاصب، ونصره وصححه، وذكر أنه لا يثبت عن أحمد سواه.
(رجع) الغارس أو الباني إذا لم يعلم بالحال (على بائعها) له (بالغرامة)(1) لأنه غره، وأوهمه أنها ملكه ببيعها له (2) . (وإن أطعمه) الغاصب (لعالم بغصبه، فالضمان عليه)(3) لأنه أتلف مال الغير بغير إذنه من غير تغرير (4) وللمالك تضمين الغاصب، لأنه حال بينه وبين ماله (5) .
(1) من ثمن أقبضه، وأجرة غارس، وبان، وثمن مؤن مستهلكة، وأرش نقص بقلع، ونحو ذلك، وأجرة دار، وغير ذلك مما غرمه، وفي الإنصاف: بلا نزاع على القول بجواز القلع.
(2)
وكان سببا في غرسها، وبنائها، والانتفاع بها، فرجع عليه بما غرمه، لا بما أنفق على العبد، والحيوان، ونحو ذلك.
وقال الشيخ: لو اشترى مغصوبًا من غاضبه، ولا يعلم به، رجع بنفقته وعمله على بائع غار له.
(3)
أي وإن أطعم الغاصب الطعام المغصوب لعالم بغصبه، فالضمان على الآكل، قولاً واحدًا، وفي الإنصاف: بلا نزاع.
(4)
أي على الآكل، وكذا أكله بلا إذنه.
(5)
وله تضمين الآكل، لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه، وقبضه من يد ضامنه بغير إذن مالكه.
وقرار الضمان على الآكل (1)(وعكسه بعكسه) فإن أطعمه لغير عالم فقرار الضمان على الغاصب، لأنه غر الآكل (2)(وإن أطعمه) الغاصب (لمالكه (3) .
(1) وذلك أن المالك إن ضمَّن الغاصب رجع الغاصب على الآكل، وإن ضمَّن المالك الآكل لم يرجع الآكل على أحد.
(2)
على الصحيح من المذهب، والمذهب: ولو لم يقل الغاصب: كله، فإنه طعامي. لأن الظاهر أن الإنسان إنما يتصرف فيما يملكه، وقد أكله على أنه لا يضمنه، فاستقر الضمان على الغاصب لتغريره، ولم يحرم على الآكل، لأنه لم يعلم بغصبه.
(3)
لم يبرأ الغاصب، لأنه لم يعده إلى تصرفه التام، وسلطانه المطلق، إذ لا يتمكن من بيعه، ولا هبته، ولا إطعامه غيره، قال ابن القيم: ومن الحيل الباطلة إذا غصبه طعاما، ثم أراد أن يبرأ منه، ولا يعلمه به، فليدعه إلى داره، ثم يقدم له ذلك الطعام، فإذا أكله برئ الغاصب، وهذه الحيلة باطلة، فإنه لم يملكه إياه، ولا مكنه من التصرف فيه، فلم يكن بذلك رادًا لعين ماله إليه. اهـ. ونص أحمد – في رجل له عند رجل تبعة، فأوصلها إليه على أنها هبة أو هدية، ولم يعلم – كيف هذا؟، يعني أنه لا يبرأ، وفي القواعد: لا يبرأ، نص عليه، معللاً بأنه يحتمل منته وربما كافأه على ذلك.
وقال ابن القيم: لو أهداه إليه فقبله، وتصرف فيه، وهو لا يعلم أنه ماله، فإن خاف من إعلامه به ضررًا يلحقه منه، برئ بذلك، وإن لم يخف ضررًا، وإنما أراد المنة عليه، ونحو ذلك لم يبرأ، ولا سيما إذا كافأه على الهدية فقبل، فهذا لا يبرأ قطعا. اهـ. وإن أخذه المالك بقرض، أو شراء، أو هبة، أو هدية، أو صدقة، أو إباحة، ولم يعلم لم يبرأ، جزم به في الإقناع وغيره، وقال المجد: وإن باعه منه برئ قولاً واحدًا، لأن قبض المبيع مضمون على المشتري.
أو رهنه) لمالكه (أو أودعه) لمالكه (أو آجره إياه لم يبرأ) الغاصب (1)(إلا أن يعلم) المالك أنه ملكه، فيبرأ الغاصب، لأنه حينئذ يملك التصرف فيه على حسب اختياره (2) وكذا لو استأجره الغاصب على قصارته، أو خياطته (3)(ويبرأ) الغاصب (بإعارته) المغصوب لمالكه من ضمان عينه، علم أنه ملكه أو لم يعلم (4) لأنه دخل على أنه مضمون عليه (5) والأيدي المترتبة على يد الغاصب كلها أيدي ضمان (6) .
(1) لأنه لم يعد إلى سلطانه، إنما قبضه على أنه أمانة، ولأنه لو أباحه أكله فأكله لم يبرأ، قال الموفق وغيره: فههنا أولى.
(2)
من أخذ وبيع وغير ذلك.
(3)
أي ومثل إطعامه لو استأجر الغاصب المالك على قصارة المغصوب أو خياطته لم يبرأ إلا أن يعلم أنه ملكه، فيبرأ الغاصب، لتمكن المالك من التصرف فيه بما أراد.
(4)
أي أن المغصوب المعار ملكه، ولا يبرأ من عهدة منافعه مع جهل المالك أنها ملكه، فيجب عليه قيمة المنافع التي تلفت تحت يده، وإن كان المالك استوفاها، لا عينه، فلو غصب عبدا ثم استعاره منه مالكه جاهلاً ثم تلف، فلا طلب له على غاصب، لاستقرار ضمانه عليه، وله مطالبته بقيمة منافعه.
(5)
أي المغصوب المعار، وإن جهل غصبه، لضمان العارية، على ما يأتي، ولو وجب على الغاصب ضمان قيمتها لرجع به على المستعير، فلا فائدة في تضمينه شيئًا يرجع به على من ضمنه له.
(6)
وهي عشر، يد المشتري ومن في معناه، ويد المستأجر، ويد القابض
تملكا بلا عوض كالمتهب، ويد القابض لمصلحة الدافع كوكيل، ويد المستعير، ويد الغاصب، ويد المتصرف في المال كمضارب، ويد المتزوج للمغصوبة، ويد القابض تعويضًا بغير بيع، والعاشرة يد المتلف للمغصوب نيابة عن الغاصب كذابح حيوان.
فإن علم الثاني، فقرار الضمان عليه (1) وإلا فعلى الأول (2) إلا ما دخل الثاني على أنه مضمون عليه (3) فيستقر عليه ضمانه (4)(وما تلف) أو أتلف من مغصوب (5)(أو تغيب) ولم يمكن رده كعبد أبق، وفرس شرد (من مغصوب مثلي) وهو كل مكيل أو موزون (6) .
(1) لتعديه على ما يعلمه ملك غيره بغير إذن مالكه.
(2)
أي وإن لم يعلم الغاصب الثاني، فقرار الضمان على الغاصب الأول.
(3)
كالعارية.
(4)
وإن جهل غصبه كما تقدم، فيرجع مشتر جهل الحال – من غاصب ضمنه مالك قيمة العين والمنفعة – بقيمة المنفعة، ويرجع مستأجر بقيمة العين، ويستردان ما دفعاه من الثمن والأجرة، أو يرجع مستعير – ضمنه مالك – بقيمة المنفعة إذا كان جاهلا، وإن كان المنتقل إليه في تلك الصور هو المالك، فلا شيء له، لما يستقر عليه لو كان أجنبيًا، ويرجع متملك بلا عوض وأمين، جهلا بما غرماه لمالك من قيمة عين ومنفعة.
(5)
أي وما تلف من مغصوب كحيوان مات، أو متاع احترق، أو أتلف من مغصوب، سواء أتلفه الغاصب أو غيره، بأن قتل الحيوان المغصوب، أو أحرق المتاع المغصوب ونحو ذلك.
(6)
أي كل مكيل من حب، وثمر، ومائع وغيرهما، أو موزون من حديد، ونحاس، ورصاص، وذهب، وفضة، وحرير، وكتان، وقطن، ونحوها.
لا صناعة فيه مباحة، يصح السلم فيه (1)(غرم مثله إذا)(2) لأنه لما تعذر رد العين لزمه رد ما يقوم مقامها، والمثل أقرب إليه من القيمة (3) وينبغي أن يستثنى منه الماء في المفازة، فإنه يضمن بقيمته في مكانه، ذكره في المبدع (4) .
(1) أي لا صناعة في مكيل نحو هريسة، ولا صناعة في موزون، نحو حلي، وأسطال ونحوها، مباحة تلك الصناعة فإنه يضمن بقيمته، لأن الصناعة تؤثر فيه، والقيمة فيه أخص، وأخرجت المباحة حلي رجال، وأواني ذهب أو فضة، فإنها تضمن بوزنها، لتحريم صناعتها، وكونه «يصح السلم فيه» أخرج نحو جوهر، ولؤلؤ، ففيه قيمته.
(2)
أي حيث أمكن رد مثله، وكان حين التلف باقيا على حاله حين الغصب، قال تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وقال {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} ، وقال أحمد: ما كان من الدراهم والدنانير، أو ما يكال، أو ما يوزن، فعليه مثله، وقال ابن عبد البر: كل مطعوم من مأكول، ومشروب فمجمع على أنه يجب على مستهلكه مثل قيمته، وقال الشيخ وغيره: يضمن المغصوب بمثله، مكيلا أو موزونا أو غيرهما، حيث أمكن، وإلا فالقيمة.
(3)
لمماثلته له من طريق الصورة، والمشاهدة، والمعنى، بخلاف القيمة فإنها تماثل من طريق الظن، والاجتهاد، وسواء تماثلت أجزاء المثلي أو تفاوتت كالأثمان وفي رطب صار تمرا وسمسم صار شيرجا، يخير مالكه، فيضمنه أي المثلين أحب، فإن كان مصوغا أو تبرًا تخالف قيمته وزنه، فقال الشيخ وغيره: يقوم بغير جنسه.
(4)
لتفاوت الأحوال، وتعتبر القيمة يوم أتلفه بالمفازة، ويؤيده قولهم: ييمم رب ماء مات لعطش رفيقه، ويغرم قيمته مكانه لورثته.
(وإلا) يمكن رد مثل المثلي لإعوازه (فقيمته يوم تعذر)(1) لأنه وقت استحقاق الطلب بالمثل، فاعتبرت القيمة إذا (2)(ويضمن غير المثلي) – إذا تلف أو أتلف – (بقيمته يوم تلفه)(3) في بلده، من نقده أو غالبه (4) لقوله عليه السلام «من أعتق شركا له في عبد قوم عليه» (5) .
(1) لعدم، أو بعد، أو غلاء، وظاهره: ولو كان يوم تعذر المثل قبل الغصب، بأن لا يكون للمغصوب مثل موجود يوم غصبه.
(2)
أي يوم إعوازه، لأن القيمة وجبت في الذمة حين انقطاع المثل، فاعتبرت القيمة حينئذ، كتلف المتقوم، وقال الشيخ: إذا تغير السعر، وفقد المثل، فينتقل إلى القيمة وقت الغصب، وهو أرجح الأقوال.
(3)
لا يوم غصبه، ولا يوم المحاكمة، ولا أكثر القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف، وهذا إذا كان الاختلاف لتغير الأسعار، أما إذا كان لمعنى في العين، من سمن، وتعلم صنعة، فقيمتها أكثر ما كانت، ذكره الموفق وغيره.
(4)
أي بلد غصبه، من نقد بلد الغصب، لأنه موضع الضمان، ومقتضى التعدي، فإن تعدد نقد بلد الغصب فمن غالبه رواجا على ما تقدم.
(5)
وتمامه «قيمة عدل» والحديث متفق عليه، فأمر بالتقويم في حصة الشريك لأنها متلفة بالعتق، ولم يأمره بالمثل، وعنه: يضمنه بالمثل. اختاره الشيخ واحتج بقوله {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} ولرده صلى الله عليه وسلم القصعة، بدل القصعة المكسورة وقوله «إناء بإناء» وما في معناه من الدلالة على أن من استهلك على غيره شيئًا كان مضمونًا بمثله، إلا عند عدم المثل.
وقال الشيخ رحمه الله: يضمن المغصوب بمثله، مكيلا كان أو موزونًا أو غيرهما حيث أمكن، وإلا فالقيمة، وهو المذهب عند ابن أبي موسى، وطائفة من العلماء، واختار اعتبار المثل بكل ما يثبت في الذمة، والتشابه في غير المكيل والموزون ممكن، فلا مانع منه، وكذا ما انقسم بالأجزاء بين الشريكين، من غير تقويم مضاف إلى هذا النوع، لوجود التماثل، وانتفاء التخالف، وفي الثوب، والعصا، والقصعة ونحوها، يضمنه بالمثل، مراعيا للقيمة، وهو المذهب عند الحارثي وغيره.
وقال: لو شق ثوب شخص خير مالكه بين تضمين الشاق نقصه، وبين شق ثوبه. وقال ابن القيم: إذا أتلف نقدا، أو حبوبًا أمكن ضمانها بالمثل، وإن كان ثيابًا، أو آنية، أو حيوانا فمثله. وقد يتعذر فالقيمة.
ولو أخذ حوائج من بقال ونحوه في أيام (1) ثم حاسبه، فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه (2) وإن تلف بعض المغصوب، فنقصت قيمة باقيه (3) كزوجي خفٍّ تلف أحدهما (4) .
(1) أي ولو أخذ شخص حوائج متقومة – كفواكه، وبقول، ونحوها – من بقال ونحوه – كجزار، وزيات – في أيام، ولم يقطع سعرها، أو أخذ شيئًا معلومًا بكيل أو وزن، ولم يقطع سعره.
(2)
أي ثم حاسبه على ما أخذ بعد ذلك، فإنه يعطيه قيمته بسعر يوم أخذه، لأنه ثبتت قيمته في ذمته يوم أخذه، لتراضيهما على ذلك، ولم يجب عليه المثل في المثلي، ومقتضاه صحة البيع بثمن المثل، واختاره الشيخ؛ إقامة للعرف مقام النطق.
(3)
أي باقي المغصوب، لأجل تلف البعض عند الغاصب.
(4)
وكمصراعي باب تلف أحدهما، وكل شيئين ينقصهما التفريق.
رد الباقي، وقيمة التالف، وأرش نقصه (1)(وإن تخمر عصير) مغصوب (فـ) على الغاصب (المثل)(2) لأن ماليته زالت تحت يده، كما لو أتلفه (3)(فإن انقلب خلا دفعه) لمالكه، لأنه عين ملكه (4)(و) دفع (معه نقص قيمته) حين كان (عصيرا) إن نقص (5) لأنه نقص حصل تحت يده (6) ويسترجع الغاصب ما أداه بدلاً عنه (7) .
(1) فإذا كانت قيمتها ستة دراهم، فصارت قيمة الباقي بعد التلف درهمين، رده وأربعة دراهم، لأن نقص الباقي حصل بجنايته، فلزمه ضمانه، بخلاف نقص السعر، فإنه لم يذهب من المغصوب عين ولا معنى، وهنا فوت معنى، وهو إمكان الانتفاع، الموجب لنقص قيمته.
(2)
هذا الصحيح من المذهب، واختاره الموفق وغيره، وصوبه في تصحيح الفروع.
(3)
فوجب فيه المثل، وانقلابه خمرا كتلف عينه، يوجب ضمانه، وهو مثلي.
(4)
أي فإن انقلب عصير تخمر خلا بيد غاصب، دفعه لمالكه، لأنه عين ملكه، فوجب رده إليه.
(5)
أي بتخلله، أو نقص بسبب غليانه، وما بقي بحاله.
(6)
كتلف جزء منه، وكما لو نقص بلا تخمر، بأن صار ابتداء خلا، وكغصب شاة فتهرم.
(7)
أي ويسترجع الغاصب – إذا رد الخل، وأرش نقص العصير – ما أداه بدلا عن العصير، وهو المثل الذي دفعه لمالكه للحيلولة، كما لو أدى قيمة الآبق، ثم قدر عليه ورده لربه.
وإذا كان المغصوب مما جرت العادة بإجارته (1) لزم الغاصب أجرة مثله مدة بقائه بيده (2) استوفى المنافع أو تركها تذهب (3) .
(1) كرقيق، ودواب، وسفن، وعقار.
(2)
فتضمن منافعه بالفوات والتفويت، وإن كان العبد ذا صنائع، لزمه أجرة أعلاها، وكذا المقبوض بعقد فاسد، بخلاف عقود الأمانات، كالوكالة، والوديعة، والتبرعات، كالهبة، وما لا تصح إجارته، مما لا منافع له.
(3)
لأن المنفعة مال متقوم، فوجب ضمانه كالعين، والانتفاع بالمغصوب لا يجوز إجماعًا، وإن تلف المغصوب فعليه أجرته إلى وقت تلفه.
فصل (1)
(وتصرفات الغاصب الحكمية) أي التي لها حكم، من صحة وفساد، كالحج، والطهارة، ونحوهما (2) والبيع، والإجارة، والنكاح، ونحوها (باطلة)(3) لعدم إذن المالك (4) .
(1) أي في حكم تصرفات الغاصب وغيره، والإتلافات، وضمانها، وما يتعلق بذلك.
(2)
أي من سائر العبادات التي تتعلق بالمغصوب، كحج بمغصوب، وزكاة منه، وطهارة به، وصلاة فيه، باطلة، وتقدم أنه يجزئه مع الكراهة، وقواه الحارثي، وصوبه في الإنصاف، وتحرم التصرفات غير الحكمية، كإتلاف، واستعمال، كأكل، ولبس، ونحوهما، وأما عبادة لا تحتاج إليه كالصوم، والذكر، والاعتقاد، فلا مدخل لها فيه.
(3)
لخبر «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» وعن أحمد: تصرفات الغاصب صحيحة، وسواء في ذلك العبادات، والعقود، وذكر أبو الخطاب وغيره أنه ينبغي أن يتقيد في العقود بما لم يبطله المالك، فأما ما اختار المالك إبطاله، وأخذ المعقود عليه، فلا نعلم فيه خلافا، وأما ما لم يدركه المالك، فوجه التصحيح فيه: أن الغاصب تطول مدته، وتكثر تصرفاته في المغصوب، ففي القضاء ببطلانها ضرر كثير، وربما عاد الضرر على المالك، فإن الحكم بصحتها يقتضي كون الربح للمالك، والعوض بنمائه، وزيادته له، والحكم ببطلانها يمنع ذلك.
(4)
أي فحكمه حكم تصرف الفضولي، وتقدم.
وإن اتجر في المغصوب، فالربح لمالكه (1)(والقول في قيمة التالف) قول الغاصب، لأنه غارم (2) (أو قدره) أي قدر المغصوب (3) (أو صفته) بأن قال: غصبتني عبدا كاتبا. وقال الغاصب: لم يكن كاتبا. فـ (قوله) أي قول الغاصب، كما تقدم (4) (و) القول (في رده أو تعيبه) (5) بأن قال الغاصب: كانت فيه إصبع زائدة، أو نحوها (6) .
(1) ونصوص أحمد متفقة عليه، وهو موافق للقول الثاني، وبناه ابن عقيل والموفق على صحة تصرف الغاصب، وتوقفه على الإجازة، وفي التلخيص أنها لا تتوقف عليها، لأن ضرر الغصب يطول بطول الزمان، فيشق اعتباره، وقال الشيخ: ربح المغصوب بمنزلة المضارب، كما فعل عمر رضي الله عنه.
(2)
ولا خلاف في ذلك، وكذا إن اختلفا في زيادة قيمته، هل زادت قبل تلفه أو بعده.
(3)
بأن قال المالك: عشرة. وقال الغاصب: بل تسعة. فقوله بيمينه، حيث لا بينة للمالك.
(4)
أي لأنه غارم، ولأنه منكر، والأصل براءته من الزائد، وقال في الإنصاف إن اختلفا في قيمة المغصوب، أو قدره، أو صناعة فيه، فقول الغاصب، لا أعلم فيه خلافًا، وذلك بيمينه، حيث لا بينة، وإن كان لأحدهما بينة عمل بها.
(5)
أي والقول إذا اختلفا في رد المغصوب إلى مالكه، أو اختلفا في تعيبه بعد تلفه.
(6)
كأن قال: كان أعمى، أو أعور، أو أعرج، أو به سلعة، أو يبول في فراشه، ونحو ذلك.
وأنكره مالكه، فـ (قول ربه) (1) لأن الأصل عدم الرد والعيب (2) وإن شهدت البينة أن المغصوب كان معيبا (3) وقال الغاصب: كان معيبًا وقت غصبه. وقال المالك: تعيب عندك. قدم قول الغاصب، لأنه غارم (4)(وإن جهل) الغاصب (ربه) أي رب المغصوب، سلمه إلى الحاكم (5) فبرئ من عهدته (6) ويلزمه تسلمه (7) .
(1) أي بيمينه على نفي ذلك، جزم به الموفق وغيره، وفي الإنصاف: بلا نزاع.
(2)
أي لأن الأصل عدم رد المغصوب على مالكه، وبقاؤه في يد الغاصب، وعدم العيب في المغصوب، وبقاؤه سليما، فقبل قول المالك.
(3)
يعني عند الغاصب، أو اتفقا على أنه كان معيبا.
(4)
والقول قول الغارم بيمينه مع عدم البنية كما تقدم، ولأن الظاهر أن صفة العبد لم تتغير، والأصل براءة الذمة.
(5)
إذا كان أهلاً، وقال الشيخ: إن كان عدلا أو له نائب كذلك، وإلا سلمه لرجل عالم معروف موثوق به، وأعلمه بالحال، ليصرفه في مصارفه، وللعالم أن يصرفه إليه إن كان ممن يجوز الصرف إليه، وله هو أن يصرف من نفسه لنفسه إن كان بهذه الصفة، وهو عالم بالأحكام الشرعية.
(6)
أي الغصوب، والرهون، ونحوها، قال في الإنصاف: بلا نزاع؛ دنيا وأخرى، لأن قبض الحاكم لها قائم مقام قبض أربابها لها، لقيامه مقامهم.
(7)
أي ويلزم القاضي تسلم المغصوب من الغاصب إذا دفعه إليه، كالضوال وغيرها، وقال الشيخ: من كانت عنده غصوب، وودائع وغيرها، لا يعرف أربابها، صرفت في المصالح. وقاله العلماء.
أو (تصدق به عنه (1) مضمونا) أي بنية ضمانه إن جاء ربه (2) فإذا تصدق به كان ثوابه لربه، وسقط عنه إثم الغصب (3) وكذا حكم رهن، ووديعة، ونحوهما إذا جهل ربها (4) وليس لمن هي عنده أخذ شيء منها، ولو كان فقيرًا (5) .
(1) أي أو تصدق الغاصب بالمغصوب عن رب المغصوب، ولا يحتاج إلى إذن حاكم، وقال أحمد: على فقراء مكان الغصب إن عرفه، لأنه أقرب على وصول المال إليه إن كان موجودًا أو إلى ورثته، ويراعى الفقراء، لأنها صدقة، ولا يحابي صديقا ونحوه.
(2)
لأن الصدقة بها عنهم بدون ضمان إضاعة لها لا إلى بدل، وهو غير جائز.
(3)
لأنه معذور بعجزه عن الرد، لجهله بالمالك.
(4)
أي الرهون، والودائع ونحوهما من سائر الأمانات، والأموال المحرمة، كالسرقة، والنهب، إذا جهل أربابها دفعها للحاكم، أو تصدق بها عن ربها بشرط ضمانها له، لأن في الصدقة بها عنه جمعا بين مصلحة القابض بتبرئة ذمته، ومصلحة المالك بتحصيل الثواب له.
(5)
أي من أهل الصدقة نص عليه، وأفتى الشيخ بجوازه للغاصب إذا تاب، وقال أيضًا: لو تصدق بها جاز، وله الأكل منها ولو كان غاصبًا، إذا تاب وكان فقيرًا، ولو رد ما غصبه على الورثة برئ من إثمه، لا من إثم الغصب. وقال: من ندم ورد المغصوب بعد موت المغصوب منه، كان للمغصوب منه مطالبته في الآخرة لتفويت الانتفاع به في حياته، كما لو مات الغاصب فرد وارثه، ولو حبس المغصوب وقت حاجة مالكه إليه مدة شبابه، ثم رده في مشيبه، فتفويت تلك المنفعة ظلم، يفتقر إلى جزاء.
(ومن أتلف) لغيره مالا (محترما) بغير إذن ضمنه (1) لأنه فوته عليه (2)(أو فتح قفصا) عن طائر فصار ضمن (3)(أو) فتح (بابا) فضاع ما كان مغلقًا عليه بسببه (4)(أو حل وكاء) زق مائع، أو جامد فأذابته الشمس (5) .
(1) قال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافا. وسواء في ذلك العمد والسهو، والتكليف وعدمه، واحترز بالمال عن نحو الكلب والسرجين في قول، ويستثنى من ذلك إتلاف حربي مال مسلم، وعادل مال باغ، وعكسهما، فلا يضمنه المتلف ولو أتلف لغيره وثيقة بمال لا يثبت ذلك المال إلا بها لزمه، صوبه في الإنصاف، وقال الشيخ: لو غرم بسبب كذبه عليه عند ولي الأمر، رجع على الكاذب؛ قال في الإنصاف: وهو صحيح، وكذا لو غرمه شيئًا لقاضٍ ظلما، وله نظائر.
(2)
أي فوجب عليه ضمانه، كما لو غصبه فتلف عنده، وإن أذن رب المال في إتلافه فلا ضمان.
(3)
أي أو فتح قفصا عن طائر مملوك محترم، فذهب الطائر، أو دخل عليه حيوان فقتله، ضمن الفاتح، لذهاب الطير على مالكه بسبب فتحه القفص، وهذا مذهب مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: إن أهاجه.
(4)
أي أو فتح بابا مغلقًا على حيوان أو متاع أو غيره، فضاع ما كان مغلقًا عليه، بسبب فتحه الباب، ضمنه الفاعل، لتسببه في الضياع.
(5)
أي أو حل "وكاء" بكسر الواو، وهو الحبل الذي يربط به نحو القربة، "وزق" بكسر الزاي أي ظرف مائع، فاندفق، ضمن بلا نزاع، أو حل وكاء زق جامد فأذابته الشمس فاندفق ضمنه.
أو ألقته ريح فاندفق ضمنه (1)(أو) حل (رباطا) عن فرس (2)(أو) حل (قيدا) عن مقيد (فذهب ما فيه (3) أو أتلف) ما فيه (شيئا ونحوه) أي نحو ما ذكر (ضمنه) لأنه تلف بسبب فعله (4)(وإن ربط دابة بطريق ضيق فعثر به إنسان)(5) .
(1) أي أو ألقت الزق بعد حله ريح أو زلزلة فاندفق، ضمنه المتعدي، لأنه تلف بسبب فعله، ولو ضرب إنسان يد آخر، وفيها دينار فضاع ضمنه، لتسببه بالإضاعة.
(2)
فذهب الفرس ضمنه، لأنه ذهب بسبب فعله، وكذا لو حل سفينة مربوطة فتلفت، أو سلسلة فهد، ونحو ذلك فذهب ضمنه.
(3)
كعبد أو أسير، أو دفع لأحدهما مبردا فبرد القيد فذهب ما فيه ضمنه، صوبه في الإنصاف، لتسببه في الضياع.
(4)
أي أو أتلف الطائر أو الفرس ونحوه شيئًا، كأن كسر إناء، أو قتل إنسانًا، أو أتلف مالا، أو أتلفت الدابة التي حلها زرعا أو غيره، أو انحدرت السفينة التي حلها فأتلفت شيئًا ضمنه، لحصول التلف بسبب فعله، كما لو قطع علاقة قنديل فسقط فانكسر.
(5)
ضمن، لتعديه بالربط في الطريق الضيق، وكذا لو وقفها في طريق ضيق، رواية واحدة، وعنه: ولو كان واسعا. قال ابن رجب وغيره: هذا المنصوص عن أحمد، وهو مذهب الشافعي؛ وفي الإقناع والمنتهى: ولو كان الطريق واسعا، سواء كانت يد صاحبها عليها أو لا، لما رواه الدارقطني وغيره: «من وقف دابة في سبيل المسلمين، أو في سوق من أسواقهم، فوطئت بيد أو رجل
فهو ضامن» ولأن انتفاعه بالطريق مشروط بالسلامة، ومن ضرر الدابة الجناية بفمها ورجلها، وأجازه بعضهم مع السعة، وعدم الإضرار.
أو أتلف شيئًا (ضمنه) لتعديه بالربط (1) ومثله لو ترك في الطريق طينا (2) أو خشبة، أو حجرا، أو كيس دراهم (3) أو أسند خشبة إلى حائط (4)(كـ) ما يضمن مقتني (الكلب العقور لمن دخل بيته بإذنه (5) أو عقره خارج منزله) لأنه متعد باقتنائه (6) .
(1) أي أو أتلف المربوط شيئًا، ضمن من ربط أو أوقف، ما جنى المربوط بيد أو رجل أو فم.
(2)
أي ومثل ما لو ربط دابة بطريق، لو ترك في الطريق طينا، أو قشر بطيخ، أو رش طينا لا لتسكين الغبار على المعتاد، فزلق به إنسان، ضمنه لتعديه بترك الطين ونحوه في الطريق.
(3)
أي أو ترك في الطريق خشبة أو حجرا، لا في نحو مطر ليمر الناس فبلا خلاف، أو ترك فيه كيس دراهم، فعثر به إنسان ضمن.
(4)
أي أو أسند إنسان خشبة إلى حائط – ولو كان مائلا إلى السقوط – فعثر بالخشبة إنسان، أو تلف بشيء من المذكور دابة أو غيرها، ضمن التارك لذلك ما تلف به، لحصول التلف بتعديه بذلك.
(5)
لأنه تسبب إلى إتلافه، باقتناء الكلب الذي من عادته العقر.
(6)
أي باقتناء العقور، فلزمه الضمان، وإن كان موثقا لم يضمن ما عقره، كما لو كان عنده من غير اقتناء ولا اختيار.
فإن دخل منزلة بغير إذنه لم يضمنه، لأنه متعد بالدخول (1) وإن أتلف العقور شيئًا بغير العقر (2) – كما لو ولغ أو بال في إناء إنسان – فلا ضمان (3) لأن هذا لا يختص بالعقور (4) وحكم أسد، ونمر، وذئب، وهر تأكل الطيور، وتقلب القدور في العادة حكم كلب عقور (5) وله قتل هر بأكل لحم ونحوه، والفواسق (6) وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه، ضمن ما تلف بها (7) .
(1) أي بغير إذن، فقد تسبب إلى إتلاف نفسه، وكذا لو نبهه صاحب المنزل لم يضمنه.
(2)
أو خرق الثوب ونحو ذلك.
(3)
أي على مقتني الكلب العقور.
(4)
يعني الولوغ والبول ونحوه، فلم يلحق بحكم العقر.
(5)
في ضمان ما أتلف، لأنه متعد باقتنائه، وما لم يكن له عادة بذلك فلا ضمان ككلب صيد ليس بعقور، ولا فرق في ذلك بين الإتلاف في ليل أو نهار.
(6)
دفعا لأذاه، وقيل: حين أكله اللحم؛ ونحوه كخبز إلحاقًا له بالصائل، وفي الترغيب: إن لم يندفع إلا به. وقال الشيخ: القط إذا صال على ماله، فله دفعه عن ذلك ولو بالقتل، والنمل يدفع ضرره بغير التحريق. اهـ. وله قتل الفواسق. وعبارة الفروع: كالفواسق. وقد ورد الأمر بقتلهن في الحل والحرم، لما فيهن من الإضرار والإفساد.
(7)
أي وإن حفر شخص في فناء جداره – وهو ما كان خارج داره، قريبا
منها – بئرا لنفسه يختص بها، ضمن ما تلف بالبئر، وكذا البناء في فنائه، لأنه تلف حصل بسبب تعديه.
وقال الشيخ: لا يجوز لوكيل بيت المال ولا غيره بيع شيء من طريق المسلمين النافذ، وليس لحاكم أن يحكم بصحته. وقال: من لم يسد بئره سدا يمنع من الضرر، ضمن ما تلف بها.
وإن حفرها لنفع المسلمين بلا ضرر في سابلة، لم يضمن ما تلف بها، لأنه محسن (1) وإن مال حائطه، ولم يهدمه حتى أتلف شيئًا لم يضمنه (2) لأن الميل حادث، والسقوط بغير فعله (3) .
(1) أي وإن حفر بئرا لنفع المسلمين، أو بنى وقفا على مسجد، أو خانا ونحوه، بلا ضرر في سابلة واسعة، لم يضمن ما تلف بها، لأنه محسن، ذكره الشيخ وغيره، وإن حفر بئرا ونحوه في طريق ضيق ضمن، سواء فعله لمصلحة عامة أو لا، بإذن الإمام أو لا، لأنه ليس له أن يأذن فيه، وقوله «والبئر جبار» أن يحفر شخص في ملك نفسه، فيتردى فيها إنسان، فإنه هدر، وكذا قوله «والمعدن جبار» وذلك أن يستأجر من يستخرجها، فإذا انهارت عليهم فدماؤهم هدر، لأنهم أعانوا على أنفسهم، فزال العتب عمن استأجرهم.
(2)
أي وإن مال حائطه بعد أن بناه مستقيمًا، إلى غير ملكه، علم به أو لا، ولم يهدمه حتى أتلف شيئًا، لم يضمنه، ولو أمكنه نقضه، وطولب به، لعدم تعديه بذلك، هذا المذهب، وذكره الموفق وغيره الظاهر عن الشافعي، وقول أصحاب الرأي.
(3)
فلا ضمان عليه، وكما لو كان من غير ميلان، وعنه: إن طولب بنقضه، وأشهد عليه فلم يفعل ضمن، واختاره جماعة من الأصحاب، وهو مذهب مالك، واستحسنه أبو حنيفة، ولكن قال: القياس أنه لا يضمن، لأنه بناه في ملكه، ولم يسقط بفعله، فأشبه ما لو لم يطالب بنقضه، فالله أعلم. وإن سقط بلا ميلان فلا ضمان بلا خلاف، وإن بناه مائلاً ضمن بلا خلاف.
(وما أتلفت البهيمة من الزرع) والشجر وغيرهما (1)(ليلا ضمنه صاحبها (2) وعكسه النهار) (3) . لما روى مالك، عن الزهري عن حزام بن سعد (4) أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم، فأفسدت (5) .
(1) كثوب خرقته، قدمه في الفروع، وجزم به في الإقناع والمنتهى، واختاره الشيخ، واقتصر الموفق وغيره على الزرع والشجر.
(2)
وهذا مذهب مالك والشافعي، وذكر الطحاوي أنه لا ضمان إذا أرسلها مع حافظ وإلا ضمن، وقيده في الإقناع والمنتهى بأن فرط، وذكر في الإنصاف أنه الصحيح من المذهب، وصحح أنه لا يضمن إذا لم يفرط، ومستعير، ومستأجر، ومستودع، ومرتهن، وأجير لحفظها، ونحوهم كصاحبها.
(3)
أي فلا يضمن ما أفسدت نهارا، لأن التفريط من جهة رب الحرث والشجر، بتركه الحفظ في عادته، ولو جرت عادة بعض النواحي بربطها نهارًا، وبإرسالها ليلاً، فالحكم كذلك، لأن هذا نادر، فلا يعتبر به في التخصيص.
(4)
ورواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وغيرهم من طريق حزام بن سعد بن محيصة الأنصاري، قال ابن عبد البر: وإن كان مرسلاً، فهو مشهور، وحدث به الأئمة الثقات، وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول.
(5)
فكلموا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثله قوله (إذ نفشت فيه غنم القوم) .
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظها بالنهار (1) وما أَفسدت بالليل فهو مضمون عليهم (2)(إلا أن ترسل) نهارا (بقرب ما تتلفه عادة) فيضمن مرسلها لتفريطه (3) .
(1) وفي رواية على «أن حفظ الحوائط» وهي البساتين «بالنهار على أهلها» فلا يضمن مالك البهيمة ما جنت بهيمته بالنهار، ما لم يرسلها بقرب ما تتلفه عادة «وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها» .
(2)
لتفريطهم بإرسالها، كما لو أرسلوها قرب الزرع، قاله الشيخ وغيره وما أفسدته نهارا فقال: إذا كانت ترعى في المراعي المعتادة، فانفلتت نهارا من غير تفريط من صاحبها، حتى دخلت اصطبلاً، فأفسدته، أو أفسدت زرعا، لم يكن على صاحبها ضمان، عند أكثر العلماء كمالك، والشافعي، وأحمد، لقصة سليمان بن داود والنفش، ولحديث ناقة البراء، وأما إن كان صاحبها اعتدى، وأرسلها في زرع قوم أو بقربه، أو أدخلها إلى اصطبل الحمار بغير إذن صاحبه فأتلفت، فهنا يضمن لعدوانه. اهـ.
وقال البغوي: ذهب أهل العلم إلى أن ما أفسدت الماشية المرسلة بالنهار من مال الغير فلا ضمان على ربها، وما أفسدته بالليل ضمنه مالكها، لأن في العرف أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار، وأصحاب المواشي بالليل. فمن خالف هذه العادة كان خارجًا عن العرف، هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها، فإن كان معها فعليه ضمان ما أفسدته، وهذا مذهب مالك والشافعي.
(3)
قاله جماعة من الأصحاب، وجزم به المجد وغيره، وصوبه في الإنصاف وتقدم أنه يضمن لعدوانه، ومن ادعى أن بهائم فلان رعت زرعه ليلا، وليس هناك غيرها، ووجد أثرها به، قضي له بضمانه، نص عليه، وجعله الشيخ من القيافة في الأموال، وجعلها معتبرة كالقيافة في الأنساب: ويضمن عندهم بالقيمة.
وقال الشيخ: صح بنص القرآن الثناء على سليمان بتفهيم الضمان بالمثل، فإن النفش رعي الغنم ليلاً، وكان ببستان عنب، فحكم داود بقيمة المتلف، فاعتبر الغنم فوجدها بقدر القيمة، فدفعها إلى أصحاب الحرث، وقضى سليمان بالضمان على أصحاب الغنم، وأن يضمنوا ذلك بالمثل، بأن يعمروا البستان حتى يعود كما كان، ولم يضيع عليهم مغله من حين الإتلاف إلى حين العود، بل أعطى أصحاب البستان ماشية أولئك، ليأخذوا من نمائها بقدر نماء البستان، فيستوفوا من نماء غنمهم نظير ما فاتهم من نماء حرثهم، واعتبر الضمانين فوجدهما سواء، وهذا هو العلم الذي خصه الله به، وأثنى عليه بإدراكه.
قال ابن القيم: وصح بالنصوص والقياس أن الصحيح وجوب الضمان بالمثل فصح أنه هو الصواب والحق، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، ووجه للشافعية والمالكية.
وإذا طرد دابة من زرعه لم يضمن (1) إلا أن يدخلها مزرعة غيره (2) فإذا اتصلت المزارع، صبر ليرجع على ربها (3) ولو قدر أن يخرجها، وله منصرف غير المزارع، فتركها فهدر (4) .
(1) أي ما أفسدته من مزرعة غيره.
(2)
فيضمن ما أفسدت منها لتسببه، وظاهره: ولو مزرعة ربها.
(3)
أي بقيمة ما تأكله، حيث لا يمكنه منعها إلا بتسليطها على مال غيره.
(4)
أي فتركها تأكل من مزرعته ليرجع على ربها، فما أكلته هدر، لا رجوع لربه به، لتقصيره بعدم صرفها، وتفريطه بتركها تأكل، مع إمكان دفعها بلا ضرر على أحد، وهو كحطب على دابة خرق ثوب بصير عاقل يجد منحرفًا.
(وإن كانت) البهيمة (بيد راكب، أو قائد، أو سائق، ضمن جنايتها بمقدمها) كيدها وفمها (1)(لا) ما جنت (بمؤخرها) كرجلها (2) لما روى أبو سعيد مرفوعا «الرجل جبار» (3) وفي رواية أبي هريرة «رجل العجماء جبار» (4) ولو كان السبب من غيرهم – كنخس وتنفير – ضمن فاعله (5) فلو ركبها اثنان، فالضمان على المتصرف منهما (6) .
(1) قال الشيخ: لأنه تفريط، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي، سواء كان مالكًا للدابة أو مستأجرًا أو مستعيرًا ونحو ذلك، إذا كان قادرًا على التصرف فيها، لخبر النعمان، ولأن فعلها منسوب إلى من هي معه، ولمفهوم الخبر الآتي.
(2)
أي كجناية برجلها، فلا يضمن جنايتها إذا نفحت برجلها، ويضمن ما وطئت بها كيدها، لإمكانه أن يجنبها وطء ما لا يريد، لتصرفه فيها.
(3)
أي هدر، لا ضمان فيما جنت به، لعدم إمكانه حفظ رجلها عن الجناية.
(4)
ولفظ أبي داود «الرجل جبار» وفيهما مقال، والذي في الصحيح «العجماء جبار» بشرط أن لا يكون بسبب من مالكها وغيره، كأن يجذبها باللجام زيادة على العادة، أو يضرب وجهها، فيضمن ما نفحت برجلها، لأنه السبب في جنايتها.
(5)
لوجود السبب منه دون راكب وسائق وقائد.
(6)
لقدرته على كفها، وإن اشترك الراكبان في تدبيرها، أو لم يكن معها إلا سائق وقائد، اشتركا في الضمان، وإن انفرد راكب على أول قطار، ضمن جناية الجميع.
(وباقي جنايتها هدر) إذا لم يكن يد أحد عليها (1) لقوله عليه السلام «العجماء جبار» أيه هدر (2) لا الضارية، والجوارح وشبهها (3)(كقتل الصائل عليه) من آدمي أو غيره (4) إن لم يندفع إلا بالقتل (5) فإذا قتله لم يضمنه (6) .
(1) وسوى ما استثني، فلو انفلتت الدابة ممن هي في يده وأفسدت فلا ضمان.
(2)
قال أهل اللغة: الجبار الهدر والباطل. قال الشيخ: كل بهيمة عجماء – كالبقر والغنم، وغيرها – فجنايتها غير مضمونة إذا فعلت بنفسها، ولم تكن عقورا، ولا فرط صاحبها في حفظها في الليل، أو في أسواق المسلمين ومجامعهم. اهـ. وكذا قال غير واحد، وأنه إنما يكون جبارًا إذا كانت منفلتة، ذاهبة على وجهها، ليس لها قائد ولا سائق.
(3)
فيلزم مالكها وغيره ضمان ما أتلفت، وفي الفصول: من أطلق كلبا عقورا، أو دابة رفوسا أو عضوضا، على الناس، وخلاه في طريقهم، ومصاطبهم، ورحابهم، فأتلف مالا أو نفسا، ضمن لتفريطه، وكذا إن كان له طائر جارح، كالصقر والبازي، فأفسد طيور الناس وحيواناتهم. وقال الشيخ فيمن أمر رجلا بإمساك الضارية – وهي المعروفة بـ"الصول" – فجنت عليه، يضمنه إن لم يعلمه بها، ويضمن جناية ولد الدابة إن فرط، نحو أن يعرفه شموسا.
(4)
دفعا عن نفسه، وكذا عن غيره هدر، أفتى به ابن عقيل وغيره.
(5)
يعني الصائل من آدمي أو غيره، فإن كان الصائل بهيمة فلم يمكنه دفعها إلا بالقتل، فقال الموفق وغيره: يجوز له قتلها إجماعًا، وكذا الآدمي الصائل عليه، صغيرًا كان أو كبيرًا.
(6)
آدميا كان أو غيره.
لأنه قتله بدفع جائز، لما فيه من صيانة النفس (1)(و) كـ (كسر مزمار) أو غيره من آلة اللهو (2)(وصليب، وآنية ذهب وفضة (3) .
(1) فلم يجب ضمانه، فإن كانت البهيمة لغيره لم يضمنها عند الجمهور، وهو مذهب مالك والشافعي، قال الموفق: لم يقصد إتلافه فلم يضمنه، كالآدمي المكلف، ولأنه قتله لدفع شره فأشبه الصيد، وذلك أنه إذا قتله لدفع شره كان الصائل هو القاتل نفسه، ولو حالت بهيمة بينه وبين ماله، قتلها ولا ضمان عليه، وصوبه في الإنصاف، ومن طلب منه الفجور، فقال الشيخ: عليه أن يدفع الصائل عليه، فإن لم يندفع إلا بالقتل كان له ذلك باتفاق الفقهاء، فإن ادعى القاتل أنه صال عليه، وأنكر أولياء المقتول، فإن كان المقتول معروفًا بالبر، وقتله في محل لا ريبة فيه، لم يقبل قول القائل، وإن كان معروفًا بالفجور، والقاتل معروفًا بالبر، فالقول قول القاتل مع يمينه، لا سيما إذا كان معروفًا بالتعرض له قبل ذلك.
ومن رأى رجلاً يفجر بأهله، جاز له قتلهما فيما بينه وبين الله، سواء كان الفاجر محصنًا أو غير محصن، معروفًا بذلك أم لا، كما دل عليه كلام الأصحاب وفتاوى الصحابة، وليس هذا من باب دفع الصائل، كما ظنه بعضهم، بل هو من عقوبة المعتدين المؤذين، وأما إذا دخل الرجل، ولم يفعل بعد فاحشة، ولكن دخل لأجل ذلك، فهذا فيه نزاع، والأحوط لهذا أن يتوب من القتل في هذه الصورة.
(2)
كالطنبور، والعود، والطبل، والدف بصنوج، والنرد، والشطرنح ونحوها، لأنه لا يحل بيعها، فلم يضمنها كالميتة، لقوله عليه الصلاة والسلام «بعثت بمحق القينات والمعازف» وغير ذلك.
(3)
أي وككسر صليب، وهو ما تجعله النصارى على صورة المسيح عليه السلام، لقوله صلى الله عليه وسلم «إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام» وككسر آنية ذهب وفضة، للنهي عن اتخاذها فلا تضمن، أما إذا أتلفه فيضمنه بوزنه بلا صناعة، قال الحارثي: لا خلاف فيه.
وآنية خمر غير محترمة) (1) لما روى أحمد عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يأخذ مدية، ثم خرج إلى أسواق المدينة، وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام، فشققت بحضرته، وأمر أصحابه بذلك (2) ولا يضمن كتابا فيه أحاديث رديئة (3) ولا حليا محرما على الرجال إذا لم يصلح للنساء (4) .
(1) أي وككسر آنية خمر، ولو قدر على إراقتها بدونه، إذا كانت غير محترمة، كخمرة الخلال، وخمرة الذمي المستترة فلا تهدر.
(2)
أي وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بإهراق الخمر، وكسر الدنان، وللترمذي وغيره في خمرة أيتام أبي طلحة قال «أهرق الخمر، واكسر الدنان» فدلت هذه الأحاديث وغيرها على جواز إهراقها، وشق زقاقها، وإن كان مالكها غير مكلف.
(3)
تفرد بها وضاع أو كذاب، وكبدع وأكاذيب وسخائف لأهل الخلاعة والبطالة، أو كتب كفر، لعدم احترامها.
(4)
أي لباسه وهو ما حرم على الرجل إذا كسر، ولم يصلح للنساء، ولم تستعمله، وكما لو أتلف كتب سحر، أو صورًا أو حرق مخزن خمر ونحوه، لأمره صلى الله عليه وسلم بتحريق مسجد الضرار.